
ج1وج2ةج3وج4وج5.
مقدمة المؤلفبحمد الله نستفتح أقوالنا وأعمالنا، وبذكره نستنجح طلباتنا وآمالنا، إياه نستخير وبعدله نستجير، وبحبله نعتصم، ولأمره نستسلم وإليه نجأر، وفضله نشكر، وعفوه نرجو، وسطوه نرهب، وعقابه نخشى، وثوابه نأمل، وإياه نستعين، عليه نتوكل، وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم نتوسل. له الحمد على مواهبه التي لا نحصيها عدداً، ولا نعرف لها أمداً، حمداً نبلغ به رضاه، ونستدر به نعماه. وله الشكر على منائحه التي أولاها ابتداء، ووعد على شكرها جزاء، شكراً نبلغ به من جهدنا عذراً، ونرتهن به ذخراً و أجراً، ونستديم به من نعمة الراتب الراهن، ونستدنى به الشاحط الشاطن، ونستجر به وعده بالمزيد، " وما ربك بظلامٍ للعبيد " اللهم كما علمتنا بالقلم، وأنطقتنا بالسان الأفصح، وأريتنا لفم الطريق الأوضح، وهديتنا لصراطك المستقيم، وفقهتنا في الدين، وعلمتنا من تأولي الأحاديث، فأوزعنا إن نطلب الزلفى لديك، بالحمد لك والثناء عليك، ووفقنا لارتباط آلائك بشكرها، وأعذنا من أن يحل عقالها بكفرها، وأيدينا بأيدك، وأجرنا من كيدك، وسددنا لقضاء حقك وأداء فرضك، وشكر نعمتك، ولزوم محجتك، والتزام حجتك، والاستضاءة بنورك الذي لا يضل من جعله معلماً لدينه، وعلماً يتلقاه بيمينه. اللهم أنت المأمول، وعدلك المأمون، وفضلك المرجو. بإحسانك الملاذ، وبك من سخطك العياذ. أعوذ بك من الخطل في القول، كما أعوذ بك من الخطإ في العمل. أعوذ بك من زلل اللسان والقلم كما أعوذ بك من ذلل القدم، وأعوذ بك من النطق الفاضح، كما أعوذ بك من العي الفادح. فاجعل نطقنا ثناءً على عزتك، وصمتاً فكراً في قدرتك. وجنبنا في جميع أحوالنا ومختلفات أقوالنا وأفعالنا ما نستجلب به غضبك، ونحتقب به الشرك بك، تشبيها لك بخلقك وتصويراً وتظليما لك في فعلك، وتجويرا وعدولا في دينك عن الجدد، وتنكبا للسنن الأرشد، الذي هدانا إليه نبيّك محمد صلى الله عليه وسلم، بوحيك الذي أوحيته إليه، وكلامك الذي أنزلته عليه، مبلغاً لرسالتك، نادياً إلى عبادتك، صادعا بالدعاء إلى توحيدك، معلنا بتعظيمك وتمجيدك. ناصحاً لأمته وعبيدك. صلى الله عليه صلاتاً نامية زاكية وسلم سلاما طيبا كثيرا وعلى أصحابه وأهل بيته الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهير.
فإني رأيتك - أمتع الله بأدبك، وأمتع الأدب وأهله بك - حين سمعت بالمجموع الكبير الذي سميته " نزهة الأديب، ظننتني قصدت به قصد من يؤلف كتاباً، فيصنفه أصنافاً ويبوبه أبواباً، حتى يتميز فيه النشر عن النظم، والجد عن الهزل، والسمين عن الغث، والبارع عن الرذل، وتكثر فيه الأشكال والنظائر، وتتشابه منه الأوائل والأواخر، ولم تعلم أنه جرى مجرى التعليق، الذي يحتوي على الجليل والدقيق، ويقرن بين القريب والسحيق، ويكون كاتبه كحاطب الليل يجمع نبعا وقتادا، وجارف السيل يجمل منافع وأزبادا، ويكون قارئه كغائص البحر يغوص مرة على الدرة الثمينة، وأخرى على الصدفة المهينة، حتى يخرج من الجد الشريف إلى المزح السخيف، ومن الجذل البديع إلى الهزل الشنيع، ومن فصيح المقال إلى العى المحال ومن الموعظة التي تدنى إلى الرب إلى النادرة التي تغرى بالذنب. ورأيت ميلك من جميع ذلك إلى الكلام الموجز، واللفظ المختصر، واليسير المستغرب، والنادر المستطرف دون الكثير المبتذل، والشائع المشتهر، وإلى الخطب القصار دون الإسهاب والإكثار، وإلى القرحة الواقفة من النثر دون الغرة السائلة من الشعر، وتصورت إيثارك لأن يجمع كل شكل إلى شكله، ويقرن كل فصل إلى مثله حتى يأخذ بعض الكلام برقاب كله، ويتسق آخر الباب على أوله، فصنفت لك هذا الكتاب محتذيا لتمثيلك، مهتديا بدليلك. واقتصرت فيما أوردته فيه على الفقر الفصيحة، والنوادر المليحة، والمواعظ الرقيقة، والألفاظ الرشيقة.. وأخليته من الأشعار، ومن الأخبار الطوال التي تجري مجرى الأسماء. وسميته " نثر الدر " . فلا يعثر فيه من النظم إلا بالبيت الشارد، والمصراع الواحد الذي يرد في أدراج الكلام يتم به مقطعه، وأثناء خطاب يحسن منه موقعه. وهو كتاب ينتفع به الأديب المتقدم، كما ينتفع به الشادي المتعلم، ويأنس به الزاهد المتنسك، كما يأنس به الخليع المتهتك، ويحتاج إليه الملك في سياسة ممالكه، كما يحتاج إليه المملوك في خدمة مالكه، وهو نعم العون للكاتب في رسائله وكتبه، وللخطيب في محاوراته وخطبه، وللواعظ في إنذاره وتحذيره، وللقاضي في إذكاره وتبصيره، وللزاهد في قناعته وتسليه، وللمتبتل في نزاهته وتخليه. فأما النديم فغير مستغنٍ عنه في مسامرة رئيسه، وأما الملهى فمضطر إليه عند مضاحكته وتأنيسه. وقد جعلته سبعة فصول، يشتمل كل فصل على أبواب يتشابه ما فيها، وتتقارب معانيها، وذكرت أبواب الفصول في أوائلها، ليقرب الأمر فيه على متناولها.
الفصل الأولوهذا هو " الفصل الأول " . ويشتمل على خمسة أبواب.
الباب الأول: يشتمل على آيات من كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بألفاظ متشابهة، ونظائر متشاكلة، يحتاج الكاتب إليها ليوشح بها كلامه، ويزين برونقها ألفاظه، ويحسن بإيرادها - في أثناء كتبه ومقاطع فصوله - بلاغته، بل يسد بجمالها خلته، ويتمم بكمالها نقيصته، فيخرج الكلام عن أن يكون مخدجا بلا نظام، وأبتر عن غير تمام، وكالفتى العطل من حلية الأدب، أو كالفتاة العاطل من حلى الذهب. فقدما سميت الخطبة التي تخلو من آيات القرآن بتراء، ولقبت - وإن كانت رشيقة - شوهاء، ولا غنى عنها فيما ينشأ من الفتوح والعهود، والمواثيق والعقود، وكتب الأمان والإيمان، وسائر ما يعبر به عن السلطان من الأمر بالتقوى والطاعة، وإقامة الصلوات وحفظ الجماعة، واستنزال النصر عند الجهاد، وسد الثغور بالعدد والأعداد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتسوية في الحكم بين الأقوى والأضعف، والأكبر والأصغر، وقسمة الصدقات والمغانم، وتوخى العدل واجتناب المظالم، وما يجانس هذه الأمور مما يجعله الكاتب وصلة لكلامه، والخطيب توصلا إلى أقصى مرامه، والواعظ إذكارا للناسي، والقاصي استلانة للقلب القاسي، وبالله التوفيق، ومن عنده العصمة، وعليه التكلان، وإليه المهرب والملجأ.
الباب الثاني: يشتمل على ألفاظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم موجزة فصيحة، وأغراض في تأديب الخلف وإرشادهم صحيحة، ينتفع بها الإنسان في معاشه ومعاده، ويستضيء بها عند إصداره وإيراده، إذ كانت أفصح الكلام بعد القرآن العظيم، وأهداه إلى الطريق المستقيم، لقوله صلى الله عليه وسلم: " أنا أفصح العرب بيد أنى من قريش "
الباب الثالث: يشتمل على نكت من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، إذ كان صنو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وتلوه، يقتفى أثره، ويحذو حذوه، من ضوئه اقتبس، ومن نوئه استمطر، ومن سنائه استمد، ومن سمائه استنزل، فيه اقتداؤه واهتداؤه، وإليه انتماؤه واعتزاؤه.
الباب الرابع: يشتمل على نكت من كلام الأئمة من ولده رضى الله عنهم، والأشراف من أهل بيته الذين هم سلالة النبوة، وصفوة الخلق، وأولو الأمر وأرباب الحق. فيهم محط الرسالة، ومقر الإمامة، ومهبط الوحي، ومقتبس العلم، ومنار الإسلام، ومعلم الدين، وشعار الإيمان.
الباب الخامس: يشتمل على نكت من كلام سادة بني هاشم الذين هم عصبة الرسول عليه السلام، وأولى الخلق بمد أولاده به، والمشاركون له في شرف منصبه، وكرم منتسبه، سوى ما يخص بخلفائهم، فإن ذلك يورد في باب يختص به ويفرد لذكره.
وسنذكر عند ابتدائنا بكل فصل من فصول الكتاب، ترجمة ما يحتوي عليه من الأبواب - بعون الله.
الباب الأول
النظائر من القرآن الآيات التي ذكر فيها التقوى
وهي أول ما تفتتح بها العهود، ويصدر بالحث عليها المناشير والشروط:" وإياي فاتقون " .
" واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً " .
" واذكروا ما فيه لعلكم تتقون " .
" واتقوا الله لعلكم تفلحون " .
" واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب " .
" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يأولى الألبب " .
" وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم " .
" واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون " .
" والذين اتقوا فوقهم يوم القيمة " .
" واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير " .
" وأن تعفوا أقرب للتقوى " .
" يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربوا إن كنتم مؤمنين " .
" واتقوا يوماً نرجعون فيه إلى الله " .
" وليتق الله ربه " .
" يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " .
" وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم " .
" وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " .
" وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً " .
" اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة " .
" واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً " .
" وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً " .
" ولقد وصينا الذين أوتوا الكتب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله " .
" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " .
" واتقوا الله إن الله عليمٌ بذات الصدور " .
" واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون " .
" واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون " .
" إنما يتقبل الله من المتقين " .
" يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجهدوا في سبيله لعلكم تفلحون " .
" فاتقوا الله يأولى الألبيب لعلكم تفلحون " .
" واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفسقين " .
" فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " .
" واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب " .
" يأيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم " .
" إن الله يحب المتقين " .
" واعلموا أن الله مع المتقين " .
" يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين " .
" إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " .
" لا إله إلا أنا فاتقون " .
" أفغير الله تتقون " .
" إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " .
" تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا " .
" ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظلمين فيها جثيا " .
" وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون " .
" لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم " .
" أفلا تتقون " .
" واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون " .
" واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين " .
" أن الله مع المتقين " .
" وأنجينا الذين ءامنوا وكانوا يتقون " .
" اتق الله ولا تطع الكفرين والمنفقين إن الله كان عليماً حكيماً " .
" يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً " .
" دلك يخوف الله به عباده يعباد فاتقون " .
" وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون " .
" والآخرة عند ربك للمتقين " .
" وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم " .
" واتقوا الله إن الله سميعٌ عليمٌ " .
" إن أكرمكو عن الله أتقكم إن الله عليمٌ خبيرٌ " .
" فلا تركوا أنفسكم هو أعلمٌ بمن اتقى " .
" يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وءامنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفورٌ رحيمٌ " .
" وتنجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون " .
" يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعلمون " .
" واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " .
" فاتقوا الله ما استطعتم " .
" ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب " .
" ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً " .
" ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً " .
" فاتقوا الله يأولى الألبب " .
" اعبدوا الله واتقوه وأطيعون " .
الآيات التي فيها ذكر الصلاة " الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلوة ومما رزقنهم ينفقون " .
" وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة واركعوا مع الركعين " .
" واستعينوا بالصبر والصلوة وإنها لكبيرةٌ إلا على الخشعين " .
" وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة وما تقدموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصيرٌ " .
" يأيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلوة إن الله مع الصبرين " .
" إن الصلوة كانت على المؤمنين كتباً موقوتاً " .
" وإذا قاموا إلى الصلوة قاموا كسالى " .
" وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلوة وأتيتم الزكوة وأمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً " .
" إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم ركعون " .
" وأن أقيموا الصلوة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون " .
" الذين يقيمون الصلوة ومما رزقنهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجتٌ عند ربهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ " .
" فإن تابوا وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة فإخونكم في الدين ونفصل الآيت لقومٍ يعلمون " .
" قل لعبادى الذين أمنوا يقيموا الصلوة وينفقوا مما رزقنهم سراً وعلانيةً " .
" أقم الصلوة لدلوك الشمس إلى غسق اليل وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهوداً " .
" وكان يأمر أهله بالصلوة والزكوة وكان عند ربه مرضياً.
" فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوت فسوف يلقون غياً " .
" وأمر أهلك بالصولة واصطبر عليها " .
" فأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة واعتصموا بالله هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير " .
" قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خشعون " .
" والذين هم على صلوتهم يحافظون " .
" رجالٌ لا تلهيهم تجرةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلوة " .
" وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون " .
" هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم بالآخرة هم يوقنون " .
" اتل ما أوحى إليك من الكتب وأقم الصلوة إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون " .
" وأقيموا الصلوة ولا تكونوا من المشركين " .
" إن الذين يتلون كتب الله وأقاموا الصلوة وأنفقوا مما رزقنهم سراً وعلانية يرجون تجرةً لن تبور " .
" والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلوة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقنهم بنفقون " .
" فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة وأطيعوا الله ورسوله والله خبيرٌ بما تعملون " .
" يأيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله " .
" والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنتٍ مكرمون " .
" فاقرؤا ما تيسر منه وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة وأقرضوا الله قرضاً حسناً " .
" قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " .
" أرءيت الذي ينهى عبداً إذا صلى " .
" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة وذلك دين القيمة " .
" فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون " .
" فصل لربك وانحر " .
التحميدات " الحمد لله رب العلمين " .
" الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمت والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " .
" فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العلمين " .
" وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله " .
" وءاخر دعونهم أن الحمد لله رب العلمين " .
" الحمد لله الذي وهب لي على الكبر اسمعيل وإسحق إن ربي لسميع الدعاء " .
" الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون " .
" وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا " .
" الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتب ولم يجعل له عوجاً " .
" الحمد لله الذي نجنا من القوم الظلمين " .
" الحمد لله الذي فضلنا على كثيرٍ من عباده المؤمنين " .
" قل الحمد لله وسلمٌ على عباده الذين اصطفى ءآلله خيرٌ أما يشركون.
" وقل الحمد لله سيريكم ءايته فتعرفونه وما ربك بغفل عما تعملون " .
" وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون " .
" وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون " .
" الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير " .
" الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملئكة رسلاً أولى أجنحةٍ مثنى وثلث وربع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيءٍ قدير " .
" " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفورٌ شكورٌ " .
" الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون " .
" وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العملين " .
" فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العلمين " .
" له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير " .
آيات فيها ذكر الله تعالى " الذي جعل لكم الأرض فرشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون " .
" وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور علم الغيب والسهدة وهو الحكيم الخبير " .
" وهو الذي أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به نباتً كل شيءٍ فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حبا متراكباً ومن النخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ وجنتٍ من أعناب والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشبه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وبنعه، إن في ذلكم لأيت لقومٍ يؤمنون " .
" وهو الذي جعلكم خلئف الأرض ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجت ليبلوكم في مآءاتكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيمٌ " .
" إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى اليل النهار يطليه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العلمين " .
" وهو الذي يرسل الريح بشرابين يدى رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقنه لبلد ميتٍ فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرت كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون " .
" هو الذي خلقكم من نفس وحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشها حملت حملاً خفيفاً فمرت به " .
" هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدر منازل لتعلموا عدد السنين والحساب " .
" هو الذي جعل لكم اليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً إن في ذلك لأيت لقومٍ يسمعون " .
" الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيت لعلكم بلقاء ربكم توقنون وهو الذي مد الأرض وجعل فيها روسى وأنهراً ومن كل الثمرت جعل فيها زوجين اثنين يغشى اليل النهار إن في ذلك لأيت لقومٍ يتفكرون " .
" هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشىء السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملئكة من خيفته ويرسل الصوعق فيصيب بها من يشاء وهم يجدلون في الله وهو شديد المحال له دعوة الحق " .
" " الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهر وسخر لكم الشمس والقمر دآئبين وسخر لكم اليل والنهار وءاتكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلومٌ كفارٌ " .
" الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيءٍ قديرٌ وأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علما " .
" هو الذي أنزل من السماء ماءً لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعنب ومن كل الثمرت إن في ذلك لأية لقومٍ يتفكرون " .
" وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " .
" الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلاً وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزوجاً من نباتٍ شتى " .
" وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلكٍ يسبحون " .
" وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصر والأفئدة قليلاً ما تشكرون وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون وهو الذي يحيى ويميت وله اختلف اليل والنهار أفلا تعقلون " .
" الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيءٍ فقدره تقديراً " .
" تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنتٍ تجري من تحتها الأنهر ويجعل لك قصوراً " .
" وهو الذي جعل لكم اليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً وهو الذي أرسل الريح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً " .
" وهو الذي مرج البحرين هذا عذبٌ فراتٌ وهذا ملحٌ أجاجٌ وجعل بينهما برزجاً وحجراً محجوراً وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً " .
" الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش الرحمن فسئل به خبيراً " .
" تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سرجاً وقمراً منيراً وهو الذي جعل اليل والنهار خلقةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً " .
" الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " .
" وهو الذي يبدوأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم " .
" الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شر كائكم من يفعل من ذلكم من شيءٍ سبحانه وتعالى عما يشركون " .
" الله الذي يرسل الريح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلله فإذا أساب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون " .
" الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبةً يخلق ما يشاء وهو العليم القدير " .
" الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولى ولا شفيعٍ أفلا تتذكرون " .
" الذي أحسن كل شيءٍ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طينٍ ثم جعل نسله من سلسلةٍ من ماءٍ مهين " .
" والله الذي أرسل الريح فتثير سحاباً فسقنه إلى بلدٍ ميت فأحيينايه الأرض بعد موتها كذلك النشور " .
" وهو الذي جعلكم خلئف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكفرين كفرهم عند ربهم إلا مقتاً ولا يزيد الكفرين كفرهم إلا خساراً " .
" الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون " .
" وهو الذي يريكم ءايته وينزل لكم من السماء رزقاً وما يتذكر إلا من ينيب " .
" الله الذي جعل لكم اليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً إن الله لذو فضلٍ على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون " .
" الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العلمين هو الحي لآ إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العلمين " .
" هو الذي يحي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون " .
" الحق من ربك فلا تكن من الممترين " .
" الله الذي جعل لكم الأنعم لتركبوا منها ومنها تأكلون " .
" قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العلمين " .
" الله الذي أنزل الكتب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريبٌ " .
" وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد " .
" الذي جعل لكم الأرض مهداً وجعل لكم فيها سبلاً لعلكم تهتدون والذي نزل من السماء ماءً بقدرٍ فأنشرنا به بلدةً ميتاً كذلك تخرجون والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعم ما تركبون " .
" وهو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ وهو الحكيم العليم " .
" الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " .
" هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنيين ليزدادوا إيمناً مع إيمنهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً " .
" هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً " .
" هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصيرٌ " .
" هو الله الذي لا إله إلا هو عليم الغيب والشهدة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحن الله عما يشركون هو الله الخلق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم " .
" هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " .
" هو الذي خلقكم فمنكم كافرٌ ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصيرٌ " .
" الذي خلق الموت والحيوة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفوت فارجع البصر هل ترى من فطورٍ " .
" هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور " .
" الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيءٍ شهيدٌ " .
" الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى " .
الأمثال" مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمتٍ لا يبصرون " .
" إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضةً فما فوقها " .
" مثل الذين بنفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبةٍ والله يضعف لمن يشاء والله واسعٌ عليمٌ " .
" فمثله كمثل صفوان عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلداً لا يقدرون على شيءٍ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكفرين " .
" إن مثل عيسى عند الله كمثل ْادم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون " .
" مثل ما ينفقون في هذه الحيوة الدنيا كمثل ريحٍ فيها صر أصابت حرث قومٍ ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون " .
" إنما مثل الحيوة الدنيا كماءٍ أنزلنه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعم حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قدرون عليها أتها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلنها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيت لقومٍ يتفكرون " .
" مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلاً أفلا تذكرون " .
" فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال " .
" مثل الذين كفروا بربهم أعملهم كرماد اشتدت به الريح في يومٍ عاصفٍ لا يقدرون مما كسبوا على شيءٍ ذلك هو الضلل البعيد " .
" ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشجرةٍ طبةٍ أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حينٍ بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرارٍ " .
" ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيءٍ ومن رزقنه منا رزقا حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على موله أينما يوجهه لا يأت بخيرٍ هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراطٍ مستقيمٍ " .
" وضرب الله مثلاً قريةً كانت ءامنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكانٍ فكفرت بأنعم الله فأذقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " .
" واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعنبٍ وحفصنهما بنخلٍ وجعلنا بينهما زرعاً كلتا الجنتين ءاتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً " .
" واضرب لهم مثل الحيوة الدنيا كماءٍ أنزلنه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الريح وكان الله على كل شيءٍ مقتدراً " .
" ولقد صرفنا في هذا القرءان للناس من كل مثل وكان الإنسن أكثر شيءٍ جدلاً " .
" يأيها الناس ضرب مثلٌ فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " .
" اله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكوةٍ فيها مصباحٌ المصباح في زجاجةٍ الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرةٍ مبركةٍ زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثل للناس والله بكل شيءٍ عليمٌ " .
" وكلا ضربنا له الأمثل وكلا تبرنا تتبيرا " .
" ضرب الله لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمنكم من شركاء في ما رزقنكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيت لقومٍ يعقلون " .
" ذلك مثلهم في التورية ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيماً " .
" اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولد كمثل غيثٍ أعجب الكفار نباته ثم يهيج فترته مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذابٌ شديدٌ ومغفرةٌ من الله ورضوان وما الحيوة الدنيا إلا متع الغرور " .
" كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين " .
" لو أنزلنا هذا القرءان على جبلٍ لرأيته خشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثل نضربها للناس لعلهم يتفكرون " .
" مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بأيت الله والله لا يهدي القوم الظالمين " .
" ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صلحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل " ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلاً للذين آمنوا إمرأة فرعون " إذ قالت رب ابن لى عندك بيتا في الجنة " .
الأمر بالعدل والإحسان" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتائ ذى القربى وبنهى عن الفحشاء والمنكر والبعي يعظمكم لعلكم تذكرون " .
" يأيها الذين ءامنوا كونوا قوّمين بالقسط شهداء الله ةلو على أنفسكم أو الولدين والأقربين " " قل أمر ربّي بالقسط " " يأيها الذين ءامنوا كونوا قوّمين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنهم شنئان قوم على ألّا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " " وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعملنا ولكم أعملكم لا حجة بيننا وبينكم " .
" ليقوم الناس بالقسط " .
" وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " .
الحكم" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمنات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً " .
" وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين " .
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكفرون " .
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظلمون " .
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفسقون " .
" وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم " .
" أفحكم الجهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " .
" الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون " .
" يداوود إنا جعلنك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " .
" خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط " .
" ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم " .
" أليس الله بأحكم الحكمين " .
ذكر الموازين" والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موزينه فأولشك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بأياتنا يظلمون " .
" قد جاءكم بينةٌ من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين " .
" ويقوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين " .
" وأفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلاً " .
" ونضع الموزين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفسٌ شيئاً وإن كان مثقال حبةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حسبين " .
" فمن ثقلت موازينه فأولشك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون " .
" أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين " .
" ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان " .
" لقد أرسلنا رسلنا بالبينت وأنزلنا معهم الكتب والميزان ليقوم الناس بالقسط " .
" ويلٌ للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون " .
" فأما من ثقلت موازينه فهو ي عيشةٍ راشيةٍ وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهية نارٌ حاميةٌ " .
التكليف" لا يكلف الله نفساٌ إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " .
" لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا " .
" ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتابٌ ينطق بالحق وهم لا يظلمون " .
" لا يكلف الله نفساٌ إلا ماءاتها سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً " .
" فقتال في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين " .
التحذير من الظلم" والله لا يحب الظالمين " .
" فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين " .
" وما للظالمين من أنصارٍ " .
" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " .
" وما للظالمين من نصيرٍ " .
" بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علمٍ فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين " .
" والظالمون مالهم من ولى ولا نصير " .
" والله لا يهدي القوم الظالمين " .
" إنه لا يفلح الظالمون " .
" فانظر كيف كان عقبة الظالمين " .
" وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون " .
" فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون " .
" فكان عقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاؤا الظالمين " .
" وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون " .
" الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذابٌ أليم " .
" وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل " .
" ألا إن الظالمين في عذابٍ مقيم " .
" فاختلف الأحزاب من بينهم فويلٌ للذين ظلموا من عذاب يومٍ أليمٍ " .
" والظالمين أعلهم عذاباً أليماً " .
" وما كان ربك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون " .
" إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين " .
" ولو ترى إذا الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون " .
" وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون " .
" ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " .
" والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين " .
" والظالمون ما لهم من ولى ولا نصيرٍ " .
" وإن الظالمين لهم عذابٌ أليم ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقعٌ بهم " .
" إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها " .
" وتلك القرى أهلكنهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً " .
" فكأين من قريةٍ أهلكناها وهي ظالمةٌ فهي خاويةٌ على عروشها وبشرٍ معطلة وقصرٍ مشيدٍ " .
" وكأين من قريةٍ أمليت لها وهي ظالمةٌ ثم أخذتها وإلى المصير " .
" فجعلناهم غثاءً فبعداً للقوم الظالمين " .
" ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون " .
" ألا لعنة الله على الظالمين " .
" وقيل بعداً للقوم الظالمين " .
" وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جثمين " .
" وكذلك أخذ ربك إذا أخذا القرى وهي ظلمةٌ إن أخذه أليمٌ شديدٌ " .
" ولا تحسبن الله غفلاً عما يعمل الظالمون " .
" هل يهلك إلا القوم الظالمون " .
" وأخذنا الذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون " .
" ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب " .
" ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين " .
" لا ينال عهدي الظالمين " .
" ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلامٍ للعبيد " .
" ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون " .
" وكذلك نولى بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون " .
" فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين " .
" ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابةٍ ولكن يؤخرهم إلى أجلٍ مسمى " .
" ونزل من القرءان ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً " .
" فأبى الظالمون إلا كفوراً " .
" وقد خاب من حمل ظلماً " .
" فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " .
" وإن الظالمين لفي شقاقٍ بعيدٍ " .
" بل الظالمون في ضلل مبين " .
" وإن الظالمين بعضهم أولياء بعضٍ والله ولى المتقين " .
الجهاد" فقتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيً " .
" يأيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئة فاتبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنزعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين " .
" ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضلٍ على العالمين " .
" أذن للذين يقتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقديرٌ " .
" يأيها الذين ءامنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من الله ومأواه جهنم وبئس المصير فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلى المؤمنين منه بلاءً حسناً إن الله سميعٌ عليمٌ ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين " .
" وقتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " .
" وقتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصيرٌ وإن تولوا فاعلموا أن الله مولكم نعم المولى ونعم النصير " .
" فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون " ز " كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون " .
" وقتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميعٌ عليمٌ " .
" كم من فئة قليلة غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله والله مع الصابرين " .
" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جهدوا منكم ويعلم الصابرين " .
" ولشن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرةٌ من الله ورحمةٌ خيرٌ مما يجمعون " .
" فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنتٍ تجري من تحته الأنهار " .
" فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيراً " .
" فضل الله المجهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً " .
" يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا ي سبيله لعلكم تفلحون " .
" إن الذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعضٍ والذين ءامنوا ولم يهاجروا مالكم من وليتهم من شيءٍ " .
" والذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين ءامنوا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ والذين ءامنوا من بعد وهاجروا وجهدوا معكم فأولئك منكم " .
" ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرةٍ أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قومٍ مؤمنين " .
" الذين ءامنوا وهاجروا وجهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجةٌ عند الله وأولئك هم الفائزون " .
" قل إن كان ءابآؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجاسرةٌ تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسيقين " .
" انفروا خفافاً وثقالاً ورجهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون " .
" يأيها النبي جهد الكفار والمنفقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير " .
" لكن الرسول والذين ءامنوا معه جهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون " .
" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرءان ومن أوفى بعهده من الله " .
" يأيها الذين ءامنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظةً واعلموا أن الله مع المتقين " .
" وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم " .
" ومن جاهد فإنما يجهد لنسه إن الله لغني عن العالمين " .
" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " .
الصبر" استعينوا بالصبر والصلوة إن الله مع الصابرين " .
" وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيطٌ " .
" والله يحب الصابرين " .
" يأيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " .
" واصبروا إن الله مع الصابرين " .
" واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين " .
" فاصبر إن العقبة للمتقين " .
" واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " .
" الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون " .
" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيقٍ مما يمكرون " .
" فاصبر على ما يقولون " .
" الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم " .
" أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحيةً وسلما " .
" الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون " .
" إن في ذلك لأياتٍ لكل صبارٍ شكورٍ " .
" إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حسابً " .
" فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك " .
" وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " .
" ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " .
" فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تسعجل لهم " .
" ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم " .
" فاصبر لحكم ربك " .
" واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً " .
" وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً " .
النصر" حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريبٌ " .
" وانصرنا على القوم الكفرين " .
" والله يؤيد بنصره من يشاء " .
" لتؤمنن به ولتنصرنه " .
" ولقد نصركم الله ببدرٍ وأنتم أذلةٌ " .
" وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم " .
" بل الله مولكم وهو خير الناصرين " .
" إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون " .
" وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيزٌ حكيمٌ " .
" فأواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون " .
" لقد نصركم الله في مواطن كثيرةٍ " .
" ولم تكن له فئةٌ ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً " .
" أم لهم ءالهةٌ تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون " .
" ونصرنه من القوم الذين كذبوا بأياتنا " .
" من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ " .
" ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز " .
" ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعقو غفور " .
" قال رب أنصرني بما كذبون " .
" لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون " .
" وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون " .
" ويوم القيامة لا ينصرون " .
" فما كان له من فئةٍ ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين " .
" فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقاً علينا نصر المؤمنين " .
" لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جندٌ محضرون " .
" إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون " .
" إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحيوة الدنيا " .
" وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله " .
" إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " .
" وينصرك الله نصراً عزيزاً " .
" أم يقولون نحن جميعٌ منتصرٌ " .
" وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيزٌ " .
" يبتغون فضلاٌ من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولشك هم الصادقون " .
" لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون " .
" وأخرى تحبونها نصرٌ من الله وفتحٌ قريبٌ وبشر المؤمنين " .
" إذا جاء نصر الله والفتح "
الصدقات" خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكنٌ لهم والله سميعٌ عليمٌ " .
" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليمٌ حكيمٌ " .
" إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم " .
" إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضعف لهم " .
" والمتصدقين والمتصدقات " .
" وأن تصدقوا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون " .
" فمن تصدق به فهو كفارةٌ له " .
" قول معروف ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذى " .
" لاتبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رثاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر " .
" يمحق الله الربوا ويربى الصدقات " .
" لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً " .
" ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم " .
" وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين " .
" إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقةً ذلك خيرٌ لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفورٌرحيمٌ ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقاتٍ " .
" ومنهم من يلزمك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون " .
" الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذابٌ أليمٌ " .
النفقات" يأيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيعٌ فيه ولا خلةٌ ولا شفعةٌ " .
" وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين " .
" مثل الذين ينفقون أموالكم في سبيل الله كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبةٍ " .
" ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنةٍ بربوةٍ أصابها وابلٌ " .
" الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون " .
" وما أنفقتم من نفقةٍ أو نذرتم من نذرٍ فإن الله يعلمه " .
" ومما رزقناهم ينفقون " .
" وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين ءامنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كبيرٌ " .
" وأنفقوا خيراً لأنفسكم. ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " .
" وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصدق وأكن من الصالحين " .
" ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما ءاته الله لا يكلف الله نفسا إلا ماءاتاها سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً " .
" وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " .
" يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خيرٍ فإن الله بع عليمٌ " .
" ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو " .
" والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً وماذا عليهم لو ءامنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليماً " .
" أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " .
" وما تنفقوا من خيرٍ يوف إليكم " .
" الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " .
" مثل ما ينفقون في هذه الحيوة الدنيا كمثل ريحٍ فيها صر أصابت حرث قومٍ ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون " .
" إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرةً ثم يغلبون " .
" والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ أليمٍ " .
" وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار " .
" قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربى إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً " .
" ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون " .
" وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين ءامنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضللٍ مبين " .
" وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض " .
" واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم " .
العفو" فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره " .
" وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم " .
" ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون " .
" فمن عفى له من أخيه شيءٌ فاتباعٌ بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسان " .
" والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " .
" ولقد عفا عنكم والله ذو فضلٍ على المؤمنين " .
" ولقد عفا الله عنهم إن الله غفورٌ حليمٌ " .
" فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين " .
" فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً " .
" إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا " .
" فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين " .
" قد جاءتكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتب ويعفوا عن كثيرٍ " .
" عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين " .
" عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيزٌ ذو انتقامٍ " .
" وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم " .
" وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون " .
" وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثيرٍ " .
" وجزؤا سيئةٍ سيئة شيءٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله " .
" إن الله لعفوٌ غفورٌ " .
" وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفورٌ رحيمٌ " .
ذكر العهود والمواثيق والأيمان" إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً " .
" الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون " .
" اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإيي فارهبون " .
" اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون " .
" ومن أوفى بعهده من الله " .
" أو كلما عهدوا نبذه فريقٌ منهم بل أكثرهم لا يؤمنون " .
" والموفون بعهدهم إذا عهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون " .
" بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين " .
" يأيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود " .
" وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون " .
" وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين " .
" الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرةٍ وهم لا يتقون " .
" إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين " .
" كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمةً يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون " .
" لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمةً وأولئك هم المعتدون " .
" وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون " .
" ومنهم من عهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما ءاتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون " .
" وأوفوا بعهد الله إذا عهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمةٌ هي أربى من أمةٍ إنما يبلوكم الله به " .
" وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً " .
" ولقد عهدنا إلى ءادم من قبل فنسى ولم نجد له عزما " .
" لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً " .
" اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً " .
" والذين هم لأمناتهم وعهدهم رعون " .
" الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق " .
" والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " .
" وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ماءاتيناكم بقوةٍ " .
" وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون " .
" إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلق لهم في الآخرة " .
" وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتبٍ وحكمةٍ " .
" وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون " .
" الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسولٍ حتى يأتينا بقربانٍ نأكله النار " .
" وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوحٍ " .
" وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله " .
" وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنيين " .
" واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا " .
" فيما نقضهم ميثاقهم لعنهم وجعلنا قلوبهم قاسية " .
" قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما ءاتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيلٌ " .
" ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله " .
" ولا تطع كل حلافٍ مهين " .
" ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم " .
" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " .
" ألا تقتلون قوماً نكثوا أيمانهم " .
" يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمو بما لم بنالوا " .
" وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون " .
" سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم إنهم رجسٌ ومأواهم جهنم جزاءً بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين " .
" يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين " .
" وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون " .
" ويحلفون على الكذب وهم يعلمون " .
" وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جائهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً " .
" اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذابٌ مهينٌ " .
" يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون " .
" ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون " .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " .
" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " .
" كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " .
" لولا ينهاهم الربنيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون " .
" لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " .
" فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذابٍ بئيس بما كانوا يفسقون " .
" المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وبنهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون " .
" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلوة ويؤثرون الزكوة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيزٌ حكيمٌ " .
" الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحفظون لحدود الله وبشر المؤمنين " .
" فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم " .
" الذين إن مكنهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكوة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر والله عقبة الأمور " .
" وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينت تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم ءايتنا " .
" ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر " .
" يبنى أقم الصلوة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور " .
" وأتمروا بينكم بمعروف " .
" الذين يتبعون الرسول النبي الأمى الذي يجدونه مكتوباً عندهم والتوراة في الإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبيث " .
ذكر الفساد والمفسدين" وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون إلا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " .
" كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين " .
" وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " .
" والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيزٌ حكيمٌ " .
:فإن تولوا فإن الله عليمٌ بالمفسدين " .
" ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين " .
" فاذكروا ءالاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين " .
" واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم وانظروا كيف كان عقبة المفسدين " .
" إن الله لا يصلح عمل المفسدين " .
" اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " .
" والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " .
" ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون " .
" فانظر كيف كان عاقبة المفسدين " .
" أم نجعل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " .
" إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد " .
" فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب " .
" رب انصرني على القوم المفسدين " .
ذكر الشكر والشاكرين" إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفاً ولم يك من المشركين شاكراً لأنعمه اجتبه وهداه إلى صراط مستقيم " .
" ذرية من حملنا مع نوحٍ إنه كان عبداً شكوراً " .
" نعمةً من عندنا كذلك نجزي من شكر " .
" إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكوراً " .
" أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدي " .
" اعملوا ءال داود شكراً وقليلٌ من عبادي الشكور " .
" أليس الله بأعلم بالشاكرين " .
" والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً كذلك نصرف الأيت لقوم يشكرون " .
" إن في ذلك لأيتٍ لكل صبارٍ شكور " .
" إنا هديناه السبيل ما شاكراً وإما كفوراً " .
" ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم وكان الله شاكراً عليماً " .
" ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون " .
" واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون " .
" ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون " .
" فاتقوا الله لعلكم تشكرون " .
" ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزى الله الشاكرين " .
" ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون " ز " فخذ ما ئاتيتك وكن من الشاكرين " .
" فأواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون " .
" وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديدٌ " .
" فاجعل أفئدةً من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " .
" ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " .
" وجعل لكم السمع والأبصر والأفئدة لعلكم تشكرون " .
" واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون " .
" وعلمنه صنعة لبوسٍ لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون " .
" كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون " .
" وهو الذي جعل اليل والنهار خلفةً لمن أراد يذكر أو أراد شكورا " .
" قال هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غنى كريمٌ " .
" أن أشكر لي ولوالديك إلى المصير " .
" كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدةٌ طيبةٌ ورب غفورٌ " .
" ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون " .
" إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم " .
" بل الله فاعبد وكن من الشاكرين " .
" لو نشاء جعلنه أجاجا فلولا تشكرون " .
" فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون " .
" إن الله لذو فضلٍ على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون " .
" وإن ربك لذو فضلٍ على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون " .
" قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفيةً لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين " .
ذكر الأمانة" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " .
" فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي أؤتمن أمنته " .
" والذين هم لأماناتهم وعهدهم رعون " .
" إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها انسان إنه كان ظلوما جهولاً " .
" ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينارٍ لا يؤده إلا ما دمت عليه قائماً " .
ذكر الخيانة" لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون " .
" إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنيين خصيماً " .
" إن الله لا يحب منكان خواناً أثيماً " .
" وإما نخافن من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ إن الله لا يحب الخائنين " .
" وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم الله عليمٌ حكيمٌ " .
" ذلك ليعلم أنى لم خنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين " .
" إن الله يدفع عن الذين ءامنوا إن الله لا يحب كل خوانٍ كفور " .
" كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً " .
ذكر الموالاة والأولياء" الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً " .
" يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يعدي القوم الظالمين " .
" إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب الله هم الغالبون يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين " .
" ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون " .
" إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون " .
" إن وليى الله الذين نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين " .
" إن الذين ءامنوا وهاجروا وجهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعضٍ والذين ءامنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيءٍ حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ والله بما تعملون بصيرٌ والذين كفروا بعضهم أولياء بعضٍ إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبيرٌ " .
" يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا ءاياءكم وإخوانكم أولياء إن اسحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون " .
" فلن تجد له ولياً مرشداً " .
" ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه " .
" أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً " .
" أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلاً " .
" كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير " .
" لبئس المولى ولبئس العشير " .
" فنعم المولى ونعم النصير " .
" نحن أولياؤكم في الحيوة الدنيا وفي الآخرة " .
" وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله وليٌ المتقين " .
" ذلك بأن الله مولى الذين ءامنوا وأن الكافرين لا مولى لهم " .
" ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون " .
" يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة " .
" ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون " .
" يأيها الذين ءامنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم " .
ذكر التوبة" إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفورٌ رحيمٌ " .
" ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " .
" إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهلةٍ ثم يتوبون من قريبٍ فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت ألئن ولا الذين يموتون وهم كفارٌ أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً " .
" فإن تبتم فهو خيرٌ لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزى الله " .
" فإن تابوا وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة فخلوا سبيلهم إن الله غفورٌ رحيمٌ " .
" ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفورٌ رحيمٌ " .
" ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم " .
" وءاخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وءاخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفورٌ رحيمٌ " .
" وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليمٌ حكيمٌ " .
" لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم " .
" ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم " .
" أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عامٍ مرةٌ أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون " .
" ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهله ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ " .
" ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله توابٌ حكيمٌ " .
" وإني لغفارٌ لمن تاب وءامن وعمل صالحاً ثم اهتدى " .
" وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون " .
" إلا من تاب وءامن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسناتٍ. وكان الله غفوراً رحيماً ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً " .
" وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين " .
" ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً " .
" غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول " .
" فاغفر للذين تابوا وابتعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم " .
" وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون " .
" إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظهرا عليه فإن الله هو موله وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرٌ " .
" توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم " .
" واستغفره إنه كان تواباً " .
" فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم " .
" فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خيرٌ لكم عند بارئكم فتاب عليكم " .
ذكر الكبر والاستكبار" لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتواً كبيراً " .
" واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون " .
" إنه لا يحب المستكبرين " .
" وأما الذين اسنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذاباً أليماً " .
" ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين " .
" ومن يسنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً " .
" إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين " .
" فاستكبروا وكانوا قوماً عالين " .
" فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سمراً تهجرون " .
" فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين " .
" وإذا تتلى عليه ءاياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم " .
" إن الله لا يحب كل مختالٍ فخورٍ " .
" وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون " .
" استكباراً في الأرض ومكر السيئ إلا بأهله " .
" فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين " .
" أستكبرت أم كنت من العاليين " .
" أليس في جهنم مثوى للمتكبرين " .
" إنى عذت بربى وربكم من كل متكبرٍ لا يؤمن بيوم الحساب " .
" كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " .
" وإذ يتحابون في النار فيقول الضعفاؤا للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد " .
" إن في صدورهم إلا كبرٌ ما هم ببالغيه فاستعذ بالله " .
" إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " .
" فأما عادٌ فاستكبروا في الأرض بغير الحق " .
" ويلٌ لكل أفاكٍ أثيمٍ يسمع ءايت الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً " .
" فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين " .
" فاستكبرتم وكنتم قوماً مجرمين " .
" فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " .
" فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون " .
" واله لا يحب كل مختال فخور " .
" وأصروا واستكبروا استكباراً " .
ذكر البغي" وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون " .
" والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون " .
" ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفوٌ غفورٌ " .
" فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً " .
" إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم " .
" ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض " .
" خصمان بغى بعضنا على بعض " .
" وإن كثيراً من الخلطاء ليبغى بعضهم على بعضٍ إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وقليلٌ ما هم " .
" وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " .
" بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغياً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده " .
" فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متع الحيوة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون " .
ذكر الوعد" إن الله لا يخلف الميعاد " .
" فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله " .
" وكان وعدربي حقاً " .
" يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطن إلّا غروراَ " .
" وإن لك موعداً لن تخلفه " .
" ثم صدقنهم الوعد فأنجينهم ومن نشاء أهلكنا المسرفين " .
" ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده " .
" وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعملون " .
" كان وعده مفعولاً " .
" سبحن ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً " .
" إنما توعدون لصادق " .
" فاصبر إن وعد الله حقّ ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " .
" فاصبر إن وعد الله حقّ واستغفر لذنبك " .
" وعد الصدق الذي كانوا يوعدون " .
" ويلك ءامن إن وعد الله حق " .
" فإذا جاء وعد ربي جعله ذكاء وكان وعد ربي حقاً " .
" فرددناه إلى أمه كى تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق " .
وعد الله الذين ْامنوا منكم وعملوا الصلحت ليستخلفنهم في الأرض " .
" وعد الله المؤمنين والمؤمنت جنت تجرى من تحتها الأنهار " .
" وإذا يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم " .
" كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلّا ساعةً من نهار " .
" ويقولون متى هاذا الوعد إن كنتم صديقين قل لكم ميعاد يومٍ لاّ تستئخرون عنه ساعةً ولا تستقدمون " .
" ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صديقين ما ينظرون إلا صيحة وحدة تأخذهم وهم يخصمون " .
" ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صديقين قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين " .
ذكر التوكل" ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بلغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدراً " .
" وعلى الله فليتوكل المتوكلون " .
" وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين " .
" ومن يتوكل على الله فإن الله عزيزٌ حكيمٌ " .
" إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون " .
" وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما ءاذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون " .
" الذين صبروا وعلى ربهم بتوكلون " .
" وتوكل على الحي الذي لا يموت ومسبح بحمده " .
" وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين " .
" فتوكل على الله إنك على الحق المبين " .
" وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً " .
" وما عند الله خير وأبقى للذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون " .
" قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون " .
" ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً " .
" إن كنتم ءامنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين " .
" ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير " .
" الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون " .
" قل هو الرحمن ْامنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضللٍ مبينٍ " .
" رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً " .
ذكر الشهادة والاستشهاد" واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " .
" ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه ءاثم قلبه " .
" وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " .
" يأيها الذين ءامنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان دوا عدل منكم أو ءاخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصبتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلوة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الأثمين فإن عثر على أنهما استحقا إثما فأخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأولين فيقسمان بالله لشهادتنا أحق منن شهادتهما وما اعتدينا إنا لمن الظالمين ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها " .
" فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون " .
" والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً " .
" ستكتب شهادتهم ويسئلون " .
" وشهد شاهدٌ من بني إسرائيل على مثله " .
" وجاءت كل نفسٍ معها سائقٌ وشهيدٌ " .
" وأشهدوا ذوى عدلٍ منكم وأقيموا الشهادة لله " .
" والذين هم بشهادتهم قائمون " .
" قل كفى بالله شهيداً بينى وبينكم " .
ذكر الظن" اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثمٌ " .
" وتظنون بالله الظنونا " .
" وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا " .
" إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئاً " .
" يظنون بالله غير الحق ظن الجهلية " .
" وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا " .
" إن تطن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين " .
" لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون " .
" ما لهم به من علمٍ إلا اتباع الظن " .
" إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون " .
" وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً " .
" وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً " .
" وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هرباً " .
" وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة " .
" إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس " .
" بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوماً بوراً " .
ذكر التثبت" يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهلةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " .
" ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً " .
" إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحيوة الدنيا فعند اله مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فنبينوا إن الله كان بما تعملون خبيراً " " ليثبت الذين ءامنوا وهدى وبشرى للمسلمين " .
ذكر السمع والطاعة" يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأونى الأمر منكم " .
" واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم " .
" إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون " .
" فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا " .
" فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين " .
" ولا تطع كل حلاف مهين " .
" ولا تطع منهم ءائماً أو كفوراً " .
" ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً " .
" فلا تطع الكفرين وجهدهم به جهاداً كبيراً " .
" ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذنهم وتوكل على الله " .
" فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون " .
" كلا لا تطعه واسجد واقترب " .
ذكر الصلح" وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبعى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوةٌ فأصلحوا بين أخويكم " .
" لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس " .
" فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفورٌ رحيمٌ " .
" أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميعٌ عليمٌ " .
" فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " .
" وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً " .
" وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما " .
" وإن امرأة خافت من بعلها نشوراً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خيرٌ " .
" إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا " .
" إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله "
ذكر الاعتصام والعصمة" ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم " .
" واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " .
" إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله " .
" واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير " .
" فأما الذين ءامنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمةٍ منه " .
" والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين " .
" يوم تولون مدبرين مالك من الله من عاصم " .
" قال سآوى إلى جيلٍ يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم " .
" قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة " .
ذكر بيت الله الحرام والحج" فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " .
" ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام " .
" إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكرٌ عليمٌ " .
" يأيها الذين ءامنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا ءامين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضوانا " .
" جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليمٌ " .
" وأذنٌ من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله " .
" أجعلتم سقاية الحاج وعمارةً المسجد الحرام كمن ءامن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " .
" وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً واتخذوا من مقامٍ إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم واسماعيل أن طهرا بيتى للطائفين والعاكفين والركع السجود وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً ءامناً وارزق أهله من الثمرات من ءامن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم " .
" وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله " .
" الحج أشهر معلومت فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يسأولى الألباب ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفورٌ رحيمٌ " .
" إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه ءايتٌ بيناتٌ مقام إبراهيم ومن دخله كان ءامنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين " .
" إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلنه للناس سواء العكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ نذقه من عذابٍ أليمٍ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ذلك ومن يعظم حرمت الله فهو خيرٌ له عند ربه وأحلت لكم الأنعم الا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور " .
" ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق " .
" أولم يروا أنا جعلنا حرماً ءامناً ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون " .
" فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلثة أيامٍ في الحج وسبعةٍ إذا رحعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ " .
" لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ءامنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً " .
ذكر الحدود" وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مسلمة إلى أهله وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين " .
يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيفٌ من ربكم ورحمةٌ فمن اعتدى بعد ذلك فله عذابٌ أليمٌ ولكم في القصاص حيوة ياأولي الألباب لعلكم تتقون " .
" إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلون أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ " .
" الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدةٍ ولا تأخذكم بهما رأفةٌ في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفةٌ من المؤمنين " .
" والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهم جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم " .
" وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح بالقصاص " .
" والذين يرموان المحصنات ثم لم يأتوا بأربع شهداء فاجلدوهم ثمنين جلدة ولاتقبلوا لهم شهدةً أبداً وأولئك هم الفسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك أصلحوا " .
ذكر القيامة
" واتقوا يوماً لا تجزى نفسٌ عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعةٌ ولا يؤخذ منها عدلٌ ولا هم ينصرون " .
" واتقوا يوماً لا تجزى نفسٌ عن نفسٍ شيئاً ولا يقبل منها عدلٌ ولا تنفعها شفعةٌ ولا هم ينصرون " .
" يومٌ لا بيعٌ فيه ولا خلةٌ ولا شفعةٌ والكافرون هم الظالمون " .
" يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوء تودلو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رءوفٌ بالعباد " .
" يوم تبيض وجوه وتسود وجوه " .
" يومٌ لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ " .
" يوم ترونها تذهل كل مرضعةٍ عما أرضعت وتضع كل داتٍ حملٍ حملها وترى الناس سكرى وما هم بسكرى ولكن عذاب الله شديد " .
" يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين " .
" ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله " .
" ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً " .
" يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ " .
" ويوم نحشر من كل أمةٍ فوجا ممن يكذب بأياتنا فهم يوزعون " .
" ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين " .
" ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون " .
" ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون " .
" ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون " .
" يومٌ لا مرد له من الله يومئذ يصدعون " .
" ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعةٍ كذلك كانوا يؤفكون " .
" واخشوا يوماً لا يجزي والدٌ عن ولده ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحيوة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور " .
" يوم يأت لا تكلم نفسٌ إلا بإذنه فمنهم شقى وسعيدٌ " .
" يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا " .
" وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميمٍ ولا شفيعٍ يطاع " .
" يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيءٌ " .
" يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصمٍ ومن يضلل الله فماله من هادٍ " .
" يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " .
" يوم لا مرد له من الله مالكم من ملجأ يومئذ ومالكم من نكيرٍ " .
" يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون " .
" واستمع يوم ينادي المناد من مكانٍ قريبٍ يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج " .
" يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً ذلك حشرٌ علينا يسيرٌ " .
" يوم هم على النار يفتنون " .
" يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون " .
" يوم لا يغنى عنهم كيدهم شيئاً ولا هم ينصرون " .
" يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين ءامنوا انظرونا نقتبس من نوركم " .
" يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن " .
" يوم لا يخزى الله النبي والذين ءامنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم " .
" يوم يكشف عن ساقٍ ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون " .
" يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسئل حميمٌ حميماً " .
" يوم يدع الداع إلى شيءٍ نكرٍ خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جرادٌ منتشرٌ " .
" يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون " .
" يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلاً " .
" يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً " .
" يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً " .
" يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً " .
" يوم لا تملك نفسٌ لنفسٍ شيئاً والأمر يومئذٍ لله " .
" يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة " .
" يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى " .
" يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه " .
" يوم يقوم الناس لرب العالمين " .
" يوم تبلى السرائر " .
" يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش " .
الدعاء" ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الأخرة حسنةً وقنا عذاب النار " .
" ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين " .
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين " .
" ربنا لا تزغ قولبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا إنك جامع الناس ليومٍ لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد " .
" ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار " .
" رب هب لى من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء " " ربنا ءامنا بما انزلت واتبعنا الرسول فا كتبنا مع الشهدين " " ربنا افرغ علينا صبرا " " ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكفرين " " ربنا ما خلقت هذا بطلا سبحنك فقنا عذاب النار ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته وما للظلمين من انصار ربنا اننا سمعنا مناديا ينادى للايمن انءامنوا بربكم فامنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيمة انك لا تخلف الميعاد " " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خيرالفتحين " " ربنا افرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين " " ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظلمين ونجنا برحمتك من القوم الكفرين " " ربنا اطمس على أمولهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم " " رب اجعل هذا البلدءامنا واجنبني وبنى ان نعبد الأصنام رب انهن أضللن كثيرا " من الناس فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني فانك غفور رحيم ربنا اني اسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلوة فاجعل افئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرت لعلهم يشكرون " " رب اجعلنى مقيم الصلوة ومن ذريتى ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لى ولولدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب " " رب ارحمنا كما ربيانى صغيرا " " رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطنا " نصيرا " " ربنا ءاتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من امرنا رشدا " " " رب إني وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا " ولم اْكن بدعائك رب شقيا " وانى خفت المولى من وراءى وكانت امرأتى عاقرا " فهب لى من لدنك وليا يرثني يرث من ءال يعقوب واجعله رب رضيا " " رب اشرح لى صدرى ويسر لى امرى واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى واجعل لى وزيرا من أهلى هرون أخى اشدد به ازرى واشركه في امرى " " رب لا تذرنى فردا " واْنت خير الورثين " " رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون " " رب انصرنى بما كذبون " " رب انزلنى منزلا " مباركا " واْنت خير المنزلين " " رب اما ترينى ما يوعدون رب فلا تجعلنى فى القوم الظلمين " " رب اعوذ بك من همزت الشيطين واْعوذ بك رب اْن يحضرون " " ربنا ءامنا فاغفر لنا وارحمنا واْنت خير الرحمين " " رب اغفر وارحم واْنت خير الرحمين " " ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ان عذابها كان غراما " " ربنا هب لنا من اْزوجنا وذريتنا قرة اْعين واجعلنا للمتقين اماما " " رب هب لىحكما والحقنى بالصلحين واجعل لى لسان صدق فىالاخرين واجعلنى من ورثة جنة النعيم " رب إن قومى كذبون فافتح بينى وبينهم فتحا ونجنى ومن معى من المؤمنين " " رب نجنى واْهلى مما يعملون " " رب اْوزعنى اْن اشكر نعمتك التى ْانعمت على وعلى ولدى وان عمل صلحا ترضه وادخنى برحمتك فى عبادك الصلحين " " قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " " رب نجنى من القوم الظلمين " " رب انى لما انزلت الى من خير فقير " " رب انصرنى على القوم المفسدين " " ربنا اْبصرنا و سمعنا فارجعنا نعمل صلحا انا موقنون " " ربنا ءاتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا " " رب هب لى من الصلحين فبشرنه بغلم حليم " " رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدى انك انت الوهاب " " ربنا وسعت كل شىء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وادخلهم جنت عدن التى وعدتهم ومن صلح منءابائهم وازواجهم وذريتهم انك انت العزيزالحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم " " ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون " " رب اوزعنى ان اشكر نعمتك التى انعمت على وعلى ولدى وان اعمل صلحا " ترضه واصلح لى فىذريتى انى تبت اليك وانى من المسلمين "
" ربنا اغفر لنا ولاخوننا الذين سبقونا بالايمن ولاتجعل فى قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا انك رءوف رحيم " " ربناعليك توكلنا واليك انبنا واليك المصيبر ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا انك انت العزيز الحكيم " " رب لا تذر على الارض من الكفرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا " رب اغفر لى ولولدى ولمن دخل بيتى مؤمنا للمؤمنين والمؤمنت ولا تزد الظلمين الا تبارا "
وآيات فيها ذكر نجاة من شدة او خوف او ما يشبه ذلك" واذا نجينكم من ءال فرعون يسو مونكم سوء العذاب " " واذا فرقنا بكم البحر فانجينكم " " ثم بعثنكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون " " اْلا ان نصر الله قريب " " لن يضروكم الا اذى وان يقتلوكم يولوكم الادبار ثم لا ينصرون " " ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون " " وما جعله الله الا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم " " ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤ منين " " استعينوا بالله واصبروا ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعقبة للمتقين " " عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " " وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشرق الأرض ومغربها التىبركنافيها " " ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " " واذكروا اذ انتم قليل مستضعفون فى الارض تخافون ان يتخطفكم الناس فأواكم وايدكم بنصره ورزقكم من الطيبت لعلكم تشكرون " " هو الذى ايدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم " " وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين " " لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة " " ثم انزل الله سكينه على رسوله وعلى المؤمنين " " الا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا ثانى اثنين اذ هما فى الغار اذ يقول لصحبه لا تحزن ان الله معنا فانزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم " " لهم البشرى فى الحيوة الدنيا وفى الاخرة لا نبديل لكلمت الله ذلك هو الفوز العظم " .
" فنجينه ومن معه في الفلك وجعلنهم خلائف " .
" ولقد بوأنا بنى إسرائيل مبوأ صدقٍ ورزقناهم من الطيبات " .
" فلولا كانت قريةٌ ءامنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى في الحيوة الدنيا ومتعناهم إلى حينٍ " .
" ثم ننجى رسلنا والذين ءامنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين " .
" ولما جاء أمرنا نجينا هوداً والذين ءامنوا معه برحمةٍ منا ونجينهم من عذابٍ غليظٍ " .
" فلما جاء أمرنا نجينا صلحا والذين ءامنوا معه برحمةٍ منا ومن خزى يومئذٍ إن ربك هو القوى العزيز " .
" ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين ءامنوا معه برحمةٍ منا " .
" وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى ءال يعقوب " .
" وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين " .
" فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم " .
" ولا تايئسوا من روح الله إنه لا يائيس من روح الله إلا القوم الكافرون " .
" قال أنا يوسف وهذا أخى قد من الله علينا إنه من يتق وصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " .
" فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيراً " .
" وقال ادخلوا مصر إن شاء الله ءامنين " .
" حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين " .
" وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفارٌ " .
" ونزعنا ما في صدرهم من غل إخوانا على سررٍ متقابلين " .
" قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلامٍ عليمٍ قال أبشرتموني على أن مسنى الكبر فبم تبشرون قالوا بشرنك بالحق فلا تكن من القانطين " .
" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفورٌ رحيمٌ " .
" كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون " .
" ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً " .
" ورفعناه مكاناً علياً " .
" وألقيت عليك محبةً منى ولتصنع على عينى " .
" لا تخاف دركاً ولا تخشى " .
" يبنى إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى " .
" ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين " .
" قلنا ينار كونى برداً وسلماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " .
" ولوطاً ءاتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين " .
" ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم " .
وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وءاتيناه أهله ومثلهم مهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين " .
" فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين " .
" فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسرعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً " .
" ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون " .
" ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيزٌ " .
" قد أفلح المؤمنون " .
" وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً " .
" يا موسى لا تخف إنى لا يخاف لدى المرسلون " .
" وأنجينا الذين ءامنوا وكانوا يتقون " .
" ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أيمةً ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض " .
" ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين " .
" فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون " .
" يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الأمنين " .
" أو لم نمكن لهم حرماً ءامناً يجبى إليه ثمرات كل شيءٍ رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون " .
" فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها ءاية للعالمين " .
" ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتب وءاتينه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " .
" فأنجاه الله من النار إن في ذلك لأياتٍ لقومٍ يؤمنون " .
" لا تخف ولا نحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين " .
" ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم " .
" فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون " .
" يأيها الذين ءامنوا اذكروا الله عليكم إذ جاءكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً " .
" ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً وأنزل الذين ظهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطئوها وكان الله على كل شيءٍ قديراً " .
" ما يفتح الله للناس من رحمةٍ فلا ممسك لها " .
" ولقد مننا على موسى وهارون ونجسناهما وقومهما من الكرب العظيم " .
" فأمنوا فمتعناهم إلى حين " .
" ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغاليون " .
" فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون " .
" قل يحييها الذي أنشأها أول مرةٍ وهو بكل خلقٍ عليمٌ " .
" فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مأبٍ يداود إنا جعلناك خليفةً في الأرض فاحكم بين الناس بالحق " .
" ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين " .
" فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين " .
" وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلمٌ على إبراهيم كذلك نجزي المحسينين " .
" اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشرابٌ ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمةً منا وذكرى لأولى الألباب " .
" أليس الله بكافٍ عبده " .
" وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون " .
" فوقاه الله سيئات ما مكروا " .
" إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحيوة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " .
" ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجتٍ " .
" يا عباد لا خوفٌ عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون " .
" ولقد نجينا بنى إسرائيل العذاب المهين " .
" ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " .
" فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم " .
" إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك الله نصراً عزيزاً " .
" لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكنية عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ومغانم كثيرةً يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً " .
" فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيءٍ عليماً " .
" فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً " .
" وأحيينا به بلدةً ميتاً كذلك الخروج " .
" قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم " .
" يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " .
" وحملناه على ذات ألواحٍ ودسرٍ تجرى بأعيننا جزاء لمن كان كفر " .
" وأخرى تحبونها نصرٌ من الله وفتحٌ قريبٌ وبشر المؤمنين " .
" فأيدنا الذين ءامنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين " .
" ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " .
" سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً " .
" فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً " .
" وينقلب إلى أهله مسروراً " .
" ألم يجدك يتيماً فأوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى " .
" ألم نشرح لك صدرك " .
" فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً " .
؟
أوامر ندب الله تعلى إليها" وقولوا للناس حسناً " .
" فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره " .
" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " .
" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " .
" فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين " .
" فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً " .
" وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً " .
" وإذا حييتم بتحيةٍ فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيءٍ حسيباً " .
" ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً " .
" لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً " .
" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " .
" فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون " .
" اتبع ما أوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين " .
" خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه سميعٌ عليمٌ " .
" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " .
" فاصفح الصفح الجميل " .
" لاتمدن عينيك إلى ما متعنا به أزوجاً منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين " .
" فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " .
" فإذا قرأت القرءان فاستعد بالله من الشيطان الرجيم " .
" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيقٍ مما يمكرون " .
" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً وءات ذا القربى والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمةٍ من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً " .
" وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً " .
" ولا تقف ما ليس لك به علمٌ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً " .
" وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً " .
" ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً " .
" ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحيوة الدنيا " .
" فلا ينزعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيمٍ وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون " .
" ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفورٌ رحيمٌ " .
" فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة " .
" والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً " .
" وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " .
" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم " .
" أقم الصلوة لدلوك الشمس إلى غسق اليل " .
" يبنى أقم الصلوة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير " .
" يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرضٌ وقلن قولا معروفاً وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " .
" يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديثٍ " .
" ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله " .
" ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه ولى حميمٌ " .
" وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم " .
" فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل ءامنت بما أنزل الله من كتبٍ وأمرت لأعدل بينكم " .
" فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون " .
" إنما المؤمنون إخوةٌ فأصلحوا بين أخويكم " .
" يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساء " .
" يا أيها الذين ءامنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى " .
" يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " .
" يا أيها الذين ءامنوا لم تقولون ما تفعلون كبر مقتاً عند الله تقولوا مالا تفعلون " .
" وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتوا واتقوا الله " .
" فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله " .
" ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " .
" لينفق ذو سعةٍ من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما ءاته الله " .
" فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل " .
" فاصبر صبراً جميلاً إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً " .
" واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً " .
" يا أيها المثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر " .
آيات التحدي" وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين " .
" أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سورٍ مثله مفترياتٍ وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " .
" قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً " .
" أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورةٍ مثله " .
الباب الثاني
كلام رسول الله
صلى الله عليه وسلمقالوا: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعشر كلمات، حمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: " أيها الناس، إن لكم معالم، فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهايةً، فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين، بين أجلٍ قد مضى لا يدري ما الله صانعٌ به، وبين أجلٍ قد بقى لا يدري ما الله قاضٍ فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت، والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دارٍ إلا الجنة أو النار " .
ومن كلامه الموجز عليه السلام: " الناس كلهم سواءٌ كأسنان المشط " .
و " المرء كثيرٌ بأخيه، ولا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل الذي يرى لنفسه " .
وذكر الخيل فقال " بطونها كنزٌ وظهورها حرز " .
وقال: " نهيتكم عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعٍ، وهات " .
وقال: " الناس كالإبل ترى المائة لا ترى فيها راحلةً " .
وقال: " لا تزال أمتى بخيرٍ ما لم تر الأمانة مغنماً والصدقة مغرماً " .
وقال: " لا تجلسوا على ظهور الطرق، فإن أبيتم فعضوا الأبصار، وردوا السلام، واهدوا الضالة، وأعينوا الضعيف " .
وقال: " إن الدنيا حلوةٌ خضرةٌ، وإن الله مستعملكم فيها فناظرٌ كيف تعملون " .
وقال: " لا يؤمٌ ذو سلطانٍ في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه " .
وقال رجل: " يا رسول الله أوصني بشيء ينفعني الله به. قال: أكثر ذكر الموت يسلك عن الدنيا، وعليك بالشكر، فإن الشكر يزيد في النعمة، وأكثر من الدعاء، فإنك لا تدري متى يستجاب لك، وإياك والبغي، فإنه من بغى عليه لينصرنه الله " . قال: " يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم " ، وإياك والمكر فإن الله قد قضى " " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " .
وسئل: أي الناس شر؟ قال: " العلماء إذا فسدوا " .
وقال: " دب إليكم داء الأمم قبلكم " الحسد والبغضاء، هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمدٍ بيده، لا تؤمنون حتى تحابوا، أفلا أنبئتكم بأمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم " .
وقال: " تهادوا تحابوا " : وقال: " ليس من أخلاق المؤمن الملق إلا في طلب العلم " .
وقال: " قيدوا العلوم بالكتاب " .
وقال: " لولا رجالٌ خشعٌ وصبيانٌ رضعٌ، وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا " .
وقال: " ستحرصون على الإمارة، فنعم المرضع وبئست الفاطمة " .
وقال: " علق سوطك حيث يراه أهلك " .
وقدم السائب بن أبي صيفي عليه، فقال: يا رسول الله، أتعرفني؟ قال: " كيف لا أعرفك؟ أنت شريكي الذي لا يمارى ولا يشارى " .
وكلمته جاريةٌ من السبى، فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا ابنة الجواد حاتمٍ. فقال عليه السلام: " ارحموا عزيزاً ذل، ارحموا غنياً افتقر، ارحموا عالماً ضاع بين جهالٍ " .
وجاء إليه قيس بن عاصم، فلما نظر إليه قال: " هذا سيد أهل الوبر " . فقال: يا رسول الله، خبرني عن المال الذي لا يكون على فيه تبعةٌ من ضيفٍ ضافني، أو عيالٍ كثروا. قال: " نعم المال الأربعون، والاكثر الستون، وويلٌ لأصحاب المئين، إلا من أعطى من رسلها ونجدتها، وأطرق فحلها، وأفقر ظهرها، ونحر سمينها، وأطعم القانع والمعتر " قال: يا رسول الله، ما أكرم هذه الأخلاق! وما يحل بالوادي الذي أكون فيه غيري من كثرة إبلي. قال: فكيف تصنع بالطروقة " ؟ قال: تغدو الإبل وتغدو الناس فمن شاء أخذ برأس بعير فذهب به. قال: " فكيف تصنع بالإفقار؟ " فقال: " إني لأفقر البكر الضرع والناب المسنة " .
قال: فكيف تصنع بالمنيحة؟ " فقال: إني لأمنح كل سنة مائة. قال: " فأي المال أحب إليك؟ مالك أم مال مولاك؟ " قال: بل مالي. قال: " فمالك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت " .
وقال عليه السلام: " حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أنواع البلايا بالدعاء " .
وقال: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " .
وعاد عليه السلام مريضا فقال: " اللهم آجره على وجعه، وعافه إلى منتهى أجله " .
وقال عليه السلام لما زف فاطمة إلى علي رضي الله عنهما: " جدع الحلال أنف الغيرة " . وقال: " لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " .
وقال عليه السلام: " إن الله تعالى يحب الأتقياء الأبرار الأخفياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، قلوبهم مصابيح الهدى ينجون من كل غبراء مظلمة " .
وقال عليه السلام: " ظهر المؤمن مشجبه، وخزانته بطنه، ورجله مطيته، ودخيرته ربه " .
وقال: " أسد الأعمال ثلاثةٌ: ذكر الله جل وعز على كل حال، ومواساة الأخ في المال، وإنصاف الناس من نفسك " .
وقال: " إن أسرع الخير ثواباً البر، وإن أسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمؤمن عيباً أن ينظر من الناس إلى ما يعمى عنه من نفسه، ويعير من الناس ما لا يستطيع تركه، ويؤذي جليسه بما لا يعنيه " .
وقال له العباس: يا رسول الله، فيم الحمال؟ قال: " في اللسان " .
وقال: " إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلةً حل بها البلاء. إذا أكل الفيء أمراؤهم، واتخذوا المال دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وأطاع الرجل زوجته وعق أمه؛ وبر صديقه وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وأكرم الرجل مخافة شره، وكان زعيم القوم أرذلهم، وإذا لبس الحرير، وشربت الخمر، واتخذت القيان والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليترقبوا بذلك ثلاث خصال: ريحاً حمراء ومسخاً وخسفا " .
وكان عليه السلام يقول لنسائه: " أسرعكن بي لحاقاً أطولكن يداً " . فكانت عائشة تقول: أنا تلك، أنا أطولكن يداً. وكانت زينب بنت جحش أشد جوداً من غيرها، وذلك أنها كانت امرأة كثيرة الصدقة، وكانت صناعاً تصنع بيدها، وتبيعه وتتصدق به " .
وقال صلى الله عليه وسلم للأنصار: " إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع " .
وقال: " ألا أخبركم بأحبكم إلى وأقربكم مني مجالس يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون، ألا أخبركم بأبغضكم إلى وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة؟ الثرثارون المتفيهقون " .
وقال: " من باع داراً أو عقاراً فلم يردد ثمنه في مثله، فذلك مالٌ قمنٌ ألا يبارك فيه " .
وقال صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بشراركم؟ من أكل وحده، ومنع رفده، وضرب عبده. ألا أخبركم بشر من ذلكم؟ من لا يقيل عثرةً، ولا يقبل معذرةً. ولا يغفر ذنباً. ألا أخبركم بشر من ذلكم؟ من يبغض الناس ويبغضونه " .
وقال عليه السلام: " ابن آدم، إذا كان عندك ما يكفيك، فلم تطلب ما يطغيك " .
وقال: " من رزقه الله مالاً فبذل معروفه، وكف أذاه فذلك السيد " وقال: " إذا أراد الله بعبد خيراً جعل صنائعه في أهل الحفاظ " .
وقال صلى الله عليه وسلم: " ما أخاف على أمتي مؤمناً ولا كافراً؛ أما المؤمن فيحجزه إيمانه، وأما الكافر فيقدعه كفره، ولكني أخاف عليها منافقاً يقول ما تعرفون، ويعمل ما تنكرون " .
وقال عليه السلام: " نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أمنا، ولا ننتقى من أبينا " . - أي لا نتهم أمنا.
وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه وجه عليا كرم الله وجهه إلى بعض الوجوه، فقال له في بعض ما أوصى به: " يا علي، قد بعثتك وأنا بك ضنينٌ، فلا تدعن حقا لغدٍ، فإن لكل يومٍ ما فيه، وابرز للناس، وقدم الوضيع على الشريف، والضعيف على القوي، والنساء قبل الرجال، ولا تدخلن أحداً يغلبك على أمرك، وشاور للقرآن فإنه إمامك " قال عائشة: ذبحنا شاةً فتصدقنا بها، فقلت: يا رسول الله، ما بقى منها إلا كتفها، فقال: " كلها بقي إلا كتفها " .
وقال صلى الله عليه وسلم لرجل: " بادر بخمس قبل خمس، بشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل مماتك " .
وروى أنه وقف بين يديه رجل فارتعد، فقال صلى الله عيه وسلم: " لا تخف فإني ابن امرأةٍ من قريشٍ كانت تأكل القديد " .
وقال صلى الله عليه وسلم: " استعيذوا بالله من شرار النساء، وكونوا من خيارهن على حذرٍ " .
وقال عليه السلام: " تزوجوا الزرق فإن فيهن يمنا " .
وقال صلى الله عليه وسلم: " خمسٌ من أتى الله عز وجل بهن أو بواحدةٍ منهن أوجب له الجنة: من سقى هامةً صاديةً، أو أطعم كبداً هافيةً، أو كسا جلدةً عاريةً، أو حمل قدماً حافيةً، أو أعتق رقبة عانيةً " .
روى عن ابن عباس أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بمنى، فقال للأنصار: " ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي؟ ألم تكونوا خائفين فآمنكم الله بي؟ ألم تكونوا أذلاء فأعزكم الله بي؟ " ثم قال: " ما لي أراكم لا تجيبون " ؟ قالوا: ما نقول؟ قال: " تقولون: ألم يطردك قومك فآويناك؟ ألم يكذبك قومك فصدقناك؟ " قال فجثوا على الركب، فقالوا: أنفسنا وأموالنا لك يا رسول الله، فأنزل الله تعالى قوله: " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " .
وقال عليه السلام: " صنائع المعروف تقى مصارع السوء " .
" وصدقة السر تطفئ غضب الرب " ، " وصلة الرحم تزيد في العمر وتدفع ميتة السوء " .
وقال صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى: " إذا عصاني من خلقي من يعرفني سلطت عليه من خلقي من لايعرفني " .
وقال: " جعل عزى في ظل سيفي، ورزقي في رأس رمحي " .
وقال: " من وفى ما بين لحييه وما بين رجليه دخل الجنة " .
ومن كلامه صلى الله عيه وسلم:
" المؤمن مألفةٌ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف " .
" المرء مع من أحب " " حبك الشيء يعمي ويصم " .
" المؤمن مؤآة المؤمن " .
" حسن العهد من الإيمان " .
" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " .
" فمن رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه " .
" لا تنزع الرحمة إلا من شقى " .
" من لا يرحم لا يرحم " .
" الدنيا نعم مطية المؤمن " .
" الدال على الخير كفاعله " .
" المؤمن ينظر بنور الله " .
" إنك لن تجد فقد شيء تركته لله " .
" المنتعل راكبٌ " .
" المرء كثيرٌ بأخيه يكسوه يرفده يحمله " .
" زر غبا تزدد حبا " .
" الخير عادةٌ والشر لجاجةٌ " .
" الخير كثيرٌ ومن يعمل به قليلٌ " .
" المستشار مؤتمنٌ " .
" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " .
" القناعة مالٌ لا ينفذ " .
" ما عال من اقتصد " .
" أي داء أدوى من البخل؟ " .
" رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس " .
" إذا أتاكم كريم قومٍ فأكرموه " .
" الناس معادن " .
" من صمت نجا " .
" من رزق من شيءٍ فيلزمه " .
" المؤمن غر كريمٌ، والفاجر خب لئيمٌ " .
" عليك باليأس مما في أيدي الناس، وإياك والطمع فإنه فقرٌ حاضرٌ " .
" الصبر عند الصدمة الأولى " .
" أفضل العمل أدومه وإن قل " .
" سكان الكفور كسكان القبور " .
" الشديد من غلب هواه " .
" الولد ريحانٌ من الجنة " .
" خيركم خيركم لأهله " .
" السفر قطعةٌ من العذاب " .
" المستشير معانٌ " .
" خيركم من طال عمره وحسن عمله " .
" حسن الجوار عمارةٌ للديار " .
" الأنصار شعارٌ والناس دثارٌ " .
" لا سهل إلا ما جعلته سهلاُ " .
" خير النساء الولود الودود " .
" الإبل عز والغنم بركةٌ " .
" ما نحل والدٌ ولده أفضل من أدب حسن " .
" الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر " .
" حسن الملكة نماءٌ " .
" لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب " .
" تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب " .
" من عمل عملاً أداه الله عمله " .
" إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها " .
" كاد الفقر أن يكون كفراً " .
" التمسوا الرزق في خبايا الأرض " .
" ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً " .
" أفضل الصدقة على ذي رحمٍ كاشحٍ " .
" أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " .
" إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن سعوهم بأخلاقكم " .
" استعينوا على حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمةٍ محسود " .
" من أحب أخاه فليعلمه " .
" الإيمان قيد الفتك " .
" حلق الذكر رياض الجنة " .
" أخوف ما أخاف على أمتي منافقٌ عليم اللسان " .
" رحم الله عبداً قال خيراً فغنم أو سكت فسلم " .
" صلة الرحم مثراةٌ للمال منسأةٌ في الأجل " .
" بعثت بالحنيفية السمحة " .
" أصحابي كالملح في الطعام " .
" مروا بالخير وإن لم تفعلوه " .
" التواضع شرف المؤمن " .
" لا خير في العيش إلا لسميعٍ واعٍ " .
" استنزلوا الرزق بالصدقة " .
" انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك " .
" حسن السؤال نصف العلم " .
" الدعاء سلاح المؤمن " .
" المجالس بالأمانة " .
" الحكمة ضالة المؤمن " .
" أحب للناس ما تحب لنفسك " .
" داووا مرضاكم بالصدقة، وردوا نائبة البلاء بالدعاء " .
" أشراف أمتي حملة القرآن، وأصحاب الليل " .
" صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك " .
" من يزرع شراً يحصد ندامةً " .
" الخلق الحسن يذيب الخطايا " .
" البلاء موكلٌ بالمنطق " .
" نعم صومعة الرجل بيته " .
" ما ساتودع الله عبداً عقلاً إلا استنقذه به يوماً " .
" من سعادة ابن آدم رضاه بما قسم الله له " .
" اللهم أعط كل منفق خلفاً. اللهم أعط كل ممسك تلفاً " .
" أكثروا ذكر هازم اللذات " .
" صوموا تصحوا، سافروا تغنموا " .
" من خزن لسانه رفع الله شأنه " .
" أحسنوا جوار نعم الله عز وجل " .
" لا تحفرون من المعروف شيئاً " .
" لو دخل العسر جحراً لدخل اليسر حتى يخرجه " .
" أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم " .
" طلب العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ " .
" في المعاريض مندوحةٌ عن الكذب " .
" مطل الغنى ظلمٌ " .
" المؤمنون عند شروطهم " .
" من ذب عن عرض أخيه كان ذلك حجاجاً له من النار " .
قال قيس بن عاصم المنقري: وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: عظنا يا رسول الله عظة ننتفع بها، فإنا قوم نغير في البادية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم يا قيس. إن مع العز ذلاً، وإن مع الحياة موتاً، وإن مع الدنيا آخرة، وإن لكل شيءٍ حساباً، وإن على كل شيءٍ رقيباً، وإن لكل حسنةٍ ثواباً، وإن لكل شيء عقاباً، وإن لكل أجل كتاباً، وإنه لا بد لك يا قيس من قرينٍ يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت، فان كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيما أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل إلا عنه. فلا تجعله إلا صالحاً؛ فإنه إن صلح أنست به، وإن فسد لم تستوحش إلا منه، وهو عملك " .
وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام يقول في دعائه: " اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك " . فقال له: " مهلاً يا علي، إن الله خلق الخلق ولم يغن بعضهم عن بعضٍ " .
ودعا عليه السلام وصيفةً له فأبطأت، فقال: " لولا مخافة القصاص لأوجعتك بهذا السواك " .
وقال: " الرغبة في الدنيا تطيل الهم والحزن، والزهد في الدنيا راحةٌ القلب والبدن " .
وقال أنس: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته الجدعاء وليست بالعضباء، فقال: " أيها الناس كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وكأن الذين نشيع من الأموات سفرٌ عما قليلٍ إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم، ونأكل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهم؛ قد نسينا كل واعظةٍ، وأمنا كل جائحةٍ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وأنفق من مالٍ كسبه من غير معصيةٍ، ورحم أهل الذل والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة. طوبى لمن أذل نفسه، وحسن خليقته، وأصلح سريرته وعزل الناس عن شره، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السنة ولم يتعدها إلى البدعة " .
وقال: " إياكم والمشارة، فإنها تميت الغرة وتحيي العرة " وقال عليه السلام: " أحسن النساء بركة أحسنهن وجهاً وأرخصهن مهراً " .
وقال: " الدنيا متاعٌ وأفضل متاعها الزوجة الصالحة " .
وقال: " ما أفاد المرء المسلم بعد الإسلام كامرأة مؤمنة إذا رآها سرته، وإذا أقسم عليها برته، وإذا غاب عنها حفظته " .
وقال صلى الله عليه وسلم: " لا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا عقل كالتدبير، ولا قرين كحسن الخلق، ولا ميراث كالأدب، ولا فائدة كالتوفيق، ولا تجارة كالعمل الصالح، ولا ربح كثواب الله، ولا ورع كالوقوف عند الشبهة، ولا زهد كالزهد في الحرام، ولا علم كالتفكر، ولا عبادة كأداء الفرائض، ولا إيمان كالحياء والصبر، ولا حسب كالتواضع، ولا شرف كالعلم، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، فاحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، واذكر الموت وطول البلى " .
وقال: " إن الله يحب أن يعفى عن زلة السرى " .
وقال صلى الله عيه وسلم: " من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم فهو مؤمنٌ كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته " .
وكتب عليه السلام إلى بني أسد بن خزيمة ومن يألف إليهم من أحياء مضر: إن لكم حماكم ومرعاكم، ولكم مهيل الرمال وما حازت، وتلاع الحزن وما ساوت، ولكم مفيض السماء حيث استنهى، وصديع الأرض حيث ارتوى.
وقال صلى الله عيه وسلم: " مثل الذي يعتق عند الموت كمثل الذي يهدي إذا شبع " .
وقال: " الاقتصاد نصف العيش، وحسن الخلق نصف الدين " .
ورى عبد الرحمن بن عوف أنه قال عليه السلام: " أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلى لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، والشيعة ورقها " .
وقال عليه السلام: " لا تديموا النظر إلى أهل البلاء فتحزنوهم " .
وقال عليه السلام: " مثل الفقر للمؤمن كمثل فرسٍ مربوطٍ بحكمته إلى آخيةٍ كلما رأى شيئاً مما يهوى ردته الحكمة " .
روى عن زيد قال: تلقيت هذه الخطبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، سمعته يقول: أما بعد. فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن، وخير الأمور عوازمها، وشر الأمور محدثاتها، وأحسن الهدى هدى الأنبياء، وأشرف الموت قتل الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير العمل ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العيا خيرٌ من اليد السفلى، وما قل وكفى خيرٌ مما كثر وألهى، وشر الندامة ندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا نزرا، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا، وإن أعظم الخطايا اللسان الكذوب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما ألقى في القلب اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول من جهنم، والسكر من النار، والشعر من إبليس، والخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، والشباب شعبةٌ من الجنون، وشر الكسب كسب الربا، وشر المأكل أكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقى في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أذرعٍ، والأمر إلى آخره، وشر الروايا روايا الكذب، وكل ما هو آتٍ قريبٌ، وسباب المؤمن فسقٌ وقتال المؤمن كفرٌ، وأكل لحمه من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يتأل على الله يكذبه، ومن يغفر يغفر الله له، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يصم يضاعف الله له، ومن يعص الله يعذبه الله، اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي - ثلاث مرات - أستغفر الله لي ولكم.
روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " زوجوا أبناءكم وبناتكم " .
قالوا: يا رسول الله؛ هؤلاء أبناؤنا نزوج، فكيف بناتنا؟ فقال: " حلوهن بالذهب والفضة، وأجيدوا لهن الكسوة، وأحسنوا إليهن النحلة يرغب فيهن " .
وقال عليه السلام: " أربعٌ من قواصم الظهر؛ إمامٌ تطيعه فيضلك، وزوجةٌ تأمنها فتخونك، وجارٌ إن رأى حسنةً سترها وإن رأى قبيحةً أذاعها، وفقرٌ يترك المرء متلدداً " .
قال: " ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا افتقر من اقتصد " .
وقال عليه السلام: " اغد عالماً أو متعلماً أو مجيباً أو سائلاً، ولا تكن الخامس فتهلك " .
وقال: " يا عجباً للمصدق بدار الخلود وهو يسعى لدار الغرور " .
ورووا أنه صلى الله عليه وسلم أوصى علياً أن يقضي دينه، ولم يكن عليه دين، إنما أمر أن يقضي عدته.
وقال عليه السلام: " العالم والمتعلم شريكان في الخير، وسائر الناس لا خير فيهم " .
وقال: " لا خير فيمن كان في أمتي ليس بعالمٍ ولا متعلمٍ " .
وقال: " خير سليمان بين الملك والمال والعلم فاختار العلم، فأعطى العلم والمال والملك باختياره العلم " .
وقال: " فضل العلم خيرٌ من فضل العبادة " .
وقال: " أربع خلال مفسدة: مجاراة الأحمق، فإنه يصيرك في مثل حاله، وكثرة الذنوب، فإن الله تعالى يقول: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " ، والخلو بالنساء والاستمتاع منهن والعمل برأيهن، ومجالسة الموتى " . قيل: يا رسول الله، ومن الموتى؟ قال: " الذين أطغاهم الغنى وأنساهم الذكر " .
وقال: " من ابتلى بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته " .
وقال: " لا يقض القاضي بين اثنين وهو غضبان " .
قال عبد الله بن مسعود: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير. فكان عليٌ وأبو لبابة زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانا إذا دارت عقبتهما قالا: يا رسول الله. اركب نمشي عنك، فيقول: " ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما " .
وكان صلى الله عليه وسلم يكتب إلى أمرأته: " إذا أبردتم إلى بريداً فاجعلوه حسن الوجه حسن الإسم " .
وقال عليه السلام: " اضربوا الدواب على النفار، ولا تضربوها على العثار " .
وقال عليه السلام: " من بذل معروفه وكف أذاه فذاك السيد " .
وقال: " قلة الحياء كفرٌ " .
وقال: " أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضمٍ؟ كان إذا خرج من منزله قال: اللهم إني قد تصدقت بعرضي على عبادك " .
وقال: " ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " .
وقال: " إذا غضب أحدكم وكان قائماً فليقعد، وإن كان قاعداً فليضطجع " .
وقال رجل من مجاشع: يا رسول الله. ألست أفضل قومي؟ فقال: " إن كان لك عقلٌ فلك فضلٌ، وإن كان لك خلقٌ فلك مروىةٌ، وإن كان لك مالٌ فلك حسبٌ؛ وإن كان لك تقى فلك دينٌ " .
وقال: " ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا الآخرة للدنيا ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه " .
وقال: " إن قامت الساعة على أحدكم وفي يده فسيلةٌ فاستطاع أن يغرسها فليفعل " .
وقال رجل له عليه السلام: إني أريد سفرا. فقال: " في حفظ الله وكنفه، زودك الله التقوى، وغفر ذنبك ووجهك للخير حيث كنت " .
وقال: " تهادوا تحابوا، إن الهدية تفته الباب المصمت، وتسل سخيمة القلب " .
وقال عليه السلام لأحد ابني ابنته " إنكم لتجبنون، وإنكم لتبخلون، وإنكم لمن ريحان الجنة " .
روى عن جابر قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمرن فأطعمناهم رطباً، وسقيناهم ماء، فقال عليه السلام: " هذا من النعم التي تسألون عنها " .
وروى أنه عليه السلام قال: " إيتوني برطبٍ سقيٍ وبعل " .
فجعل يأكل من البعل. فقيل له: لو أكلت من هذا فإنه أصفى وأطيب. فقال: " إن هذا لم يعرق فيه بدنٌ، ولم تجع فيه كبد " .
وروى أنه عليه السلام زار أخواله من الأنصار ومعه علي عليه السلام، فقدموا إليه قناعاً من رطب، فأهوى علي ليأكل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تأكل، فإنك حديث عهد بالحمى " .
وفي حديث آخر أنه أكل رطباً وبطيخاً، فقال: " هذان الأطيبان " .
روى عن أنس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت في المنام كأنا دخلنا دار عقبة بن نافع، فأتينا برطب من رطب ابن طابٍ، فأولته أن الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة " .
وروى عنه أنه قال - وقد وعك - : أتاني جبريل فقال: إن شفاءك في عذق ابن طاب، يجنيه لك خير أمتك، فجاء به علي بن أبي طالب عليه السلام فأكل فبرئ.
وروى عنه عليه السلام أنه قال: " بيت لا تمر فيه جياع أهله " .
وروى عنه أنه قال: " أطعموا المرأة في شهرها الذي تلد فيه التمر، فإن ولدها يكون حليماً تقياً.
جاءت فاطمة بالحسن والحسين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: انحلهما. فقال: ما لأبيك مال ينحلهما. ثم أخذ الحسن فقبله وأجلسه على فخذه اليمنى، وقال: ابني هذا نحلته هيبتي وخلقي. ثم أخذ الحسين فقبله وأجلسه على فخذه اليسرى وقال: أما ابني هذا فنحلته شجاعتي وجودي.
وقال: " رحم الله والداً أعان ولده على بره " .
وقال صلى الله عليه وسلم: " لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به " .
وبعث عليه السلام أم سليم تنظر إلى امرأة فقال: شمى عوارضها، وانظري إلى عقبيها.
وروت أم سلمة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أنا بشرٌ أحكم على نحو ما أسمع، فمن قطعت له شيئاً من مال أخيه فلا يأخذنه، فإنما أقطع له قطعةً من نار جهنم " .
وقال: " اكفلوا لي ستةً أكفل لكم الجنة: إذا حدث أحدكم فلا يكذب، وإذا أؤتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يخلف، وغضوا الأبصار، وكفوا الأيدي، واحفظوا الفروج " .
وقال عليه السلام: " اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة؛ فإن جار البادية يتحول " .
وقال: " تجافوا عن عثرة السخي، فإن الله آخذٌ بيده كلما عثر " .
قال بعضهم: تتبعت خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوحدت أوائل أكثرها: " الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونستغفر ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده " .
قال عليه السلام: " الأكل في السوق دناءة " .
وسئل عليه السلام: أي الشراب أفضل؟ فقال: الحلو البارد " يعني العسل.
والعرب تصف العسل بالبرد قال الأعشى:
كما شيب بماءٍ با ... ردٌ من عسل النحل
وعنه عليه السلام: " من استقل بدائه فلا يتداوين؛ فإنه رب دواءٍ يورث الداء " .
وعنه: " كل شيءٍ يلهو به الرجل باطل إلا تأديبه فرسه، ورميه عن قوسه، وملاعبته أهله " .
وروى عن أنس قال: بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ غشيه الوحي، فمكث هنيهة ثم أفاق، فقال لي: يا أنس؛ أتدري ما جاءني به جبريل من عند صاحب العرش عز وجل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: إن ربي أمرني أن أزوج فاطمة من علي ابن أبي طالب، انطلق ادع لي أبا بكرٍ وعمر وعثمان وطلحة والزبير، وعدتهم من الأنصار فانطلقت فدعوتهم فلما أخذوا مقاعدهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المرهوب من عذابه، المرغوب فيما عنده، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعرزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمدٍ. ثم إن الله تعالى جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمراً مفترضاً، وشج به الأرحام، وألزمه الأنام قال تبارك اسمه وتعالى ذكره: " وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً " فأمر الله يجري إلى قضائه وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قشاءٍ قدرٌ ولكل قدرٍ أجلٌ " يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " .
ثم إن ربي أمرني أن أزوج فاطمة من علي بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه على أربعمائة مثقال فضةٍ إن رضى بذلك علي. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث عليا في حاجة، ثم إنه - عليه السلام - دعا بطبقٍ من بسر فوضعه بين أيدينا، ثم قال: انتبهوا، فبينما نحن ننتهب إذ دخل علي؛ فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، ثم قال: يا علي، إن ربي عز وجل أمرني أن أزوجك فاطمة. وقد زوجتك إياها على أربعمائة مثقال فضةٍ إن رضيت يا علي. قال: رضيت يا رسول الله. ثم إن علياً خر ساجداً لله شكراً، فلما رفع رأسه قال النبي صلى الله عليه وسلم: " بارك الله عليكما، وبارك فيكما، وأسعد جدكما، وأخرج منكما الكثير الطيب " .
قال أنس: فوالله لقد أخرج منهما الكثير الطيب، وعلى من يدفع فضلهما - مع محلهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فضلهما به!! لعنة الله، ولعنة اللاعنين إلى يوم يبعثون.
وفي حديثه عليه السلام: " اعص هواك والنساء واصنع ما شئت " .
وفيه: " من أراد الله به خيراً فقهه في الدين، وعرفه معايب نفسه " وفيه: " ألا أخبركم بأشدكم؟ من ملك نفسه عند الغضب " وفيه: " المشاورة حصن من الندامة، وأمنٌ من العلامة " .
سأل عليه السلام جابر بن عبد الله: " ما نكحت " ؟ قال: ثيباً، قال: " فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك.
وقال عليه السلام: " كفى بالمرء حرصاً ركوبه البحر " .
وفي الحديث: " حصنوا أموالكم بالزكاة، وادفعوا أمواج البلاء بالدعاء " .
وفيه: رحم الله امرأ صمت فسلم، أو قال خيراً فغنم " .
وفيه: " رحم الله امرأ أمسك الفضل من قوله، وأنفق الفضل من ماله " .
وفيه: " لا بأس بالشعر لمن أراد انتصافاً من ظلمٍ، واستغناءً من فقرٍ، وشكراً على إحسانٍ " .
وفيه: " إعطاء الشعراء من بر الوالدين " .
وفيه: " مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه " .
وفيه: " أجرؤكم على النار أجرؤكم على الفتيا " .
وروى عن بعضهم أنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " فقال: " ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعا وإعجاب كل امرئ بنفسه فعليك نفسك ودع عنك العوام " .
وفي الحديث: " الطيرة شركٌ، وما منا إلا ويجد ذلك في نفسه، ولكن الله يذهبه بالتوكل " .
وفيه: " ثلاثةٌ لا ينجو منهم أحدٌ: الظن، والطيرة، والحسد. فإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا تطيرت فامض ولا تنثن " .
وفيه: " اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا رب غيرك " .
وفيه: " لن تهلك الرعية وإن كانت ظالمةً مسيئةً إذا كانت الولاة هاديةً مهدية " .
وفيه: " ما من أحد من المسلمين ولي أمراً فأراد الله به خيراً إلا جعل معه وزيراً صالحاً إن نسى ذكره وإن ذكر أعانه " .
ويروى أنه - عليه السلام - كان إذا خرج من بيته يقول: " اللهم إني أعوذ بك من أن أزل أو أضل، أو أظلم، أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي " .
وعنه: " من سألكم بالله فأعطوه، ومن استعاذ بكم فأعيذوه، ومن أهدى إليكم كراعاً فاقبلوه " .
وقال عليه السلام: " الأمل راحةٌ لأمتي، ولولا الأمل ما أرضعت الأم ولداً، ولا غرس غارسٌ شجراً " .
وقال عليه السلام: " لا خير في التجارة إلا لست: تاجرٍ إن باع لم يمدح، وإن اشترى لم يذم، وإن كان عليه أيسر القضاء، وإن كان له أيسر الإقتضاء، وتجنب الحلف والكذب " .
وفي الحديث: " كفى بالمرء من الشح أن يقول: آخذ حقي حتى لا أترك منه شيئاً " .
وروى أن قوماً قدموا عليه صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن فلانا صائم النهار، قائم الليل، كثير الذكر؛ فقال: أيكم يكفي طعامه وشرابه؟ فقالوا: كلنا. فقال: " كلكم خيرٌ منه " .
وفيه: " خيركم من لم يدع دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه " .
وفيه: " من رضى من الله باليسير من الرزق رضى الله منه باليسير من العمل " .
وفيه: " إن الصفاة الزلاء التي لا تثبت عليها قدم العلماء الطمع " .
وفيه: " الود والعداوة يتوارثان " .
وكان عليه السلام يقبل الحسن، فقال الأقرع بن حابس: إن لي من الولد عشرةٌ ما قبلت واحداً منهم، فقال عليه السلام: " فما أصنع إن كان الله قد نزع من قلبك الرحمة " .
وقال: " إن الله يسأل العبد عن جاهه كما يسأله عن ماله، فيقول: جعلت لك جاهاً فهل نصرت به مظلوماً، أو قمعت به ظالماً، أو أعنت به مكروباً " .
وعنه عليه السلام: " أفضل الصدقة أن تعين بجاهك من لاجاه له " .
" الخلق عيال الله، فأحبهم إليه أنفعهم لعياله " .
" أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك " .
" إياكم وخضراء الدمن. قيل: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت سوءٍ " .
" خير نسائكم التي إذا خلعت ثوبها خلعت معه الحياء فاذا لبسته لبست معه الحياء " .
" النساء شر كلهن، وشر ما فيهن أن لا استغناء عنهن " .
" من حفظ ما بين لحييه ورجليه دخل الجنة " .
" عليكم باصطناع المعروف فانه يدفع مصارع السوء " .
" إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فان شاء طعم وإن شاء ترك " " من آتاه الله وجهاً حسناً واسماً حسناً، وجعله في موضعٍ غير شائن فهو من صفوة خلقه " .
وكان عليه السلام يقول: " أعوذ بالله من الكفر والدين " .
وقال: " لا يقبل الله صلاة بلا طهورٍ، ولا صدقةً من غلولٍ " .
وقال: " من قدر على ثمن دابةٍ فليشترها فانها تأتيه برزقها فتعينه على رزقه " .
ويروى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: لقد ضممت إلى سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدت في قائم سيفه صحيفةً معلقةً فيها: صل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك، وقل الحق ولو على نفسك " .
وعنه - عليه السلام: " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلبٍ لا يخشع، ونفسٍ لا تشبع " .
وعنه: " من ازداد في العلم رشداً، ولم يزدد في الدنيا زهداً، لم يزدد من الله إلا بعداً " .
وروى أنه جاءه عليه السلام رجل فقال: صف لي الجنة، فقال: " فيها فاكهةٌ ونخلٌ ورمانٌ " .
وجاء آخر فقال مثل قوله فقال: " فيها سدرٌ مخضورٌ، وطلحٌ منضود، وفرشٌ مرفوعةٌ، ونمارق مصفوفةٌ " .
وجاء آخر فسأله عن ذلك، فقال: " فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين " .
وجاء آخر فسأله. فقال: " فيها ما لاعينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ " ؛ فقالت عائشة، ما هذا يا رسول الله؟ قال: " إني أمرت أن أكلم الناس على قدر عقولهم " .
وروى أنه كان - عليه السلام - يجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار ردفاً.
وقال عليه السلام: " اشتدى أزمة تنفرجي " .
وقال: " من ستر أخاه المسلم ستره الله يوم القيامة، ومن نفس عن أخيه كربةً من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كرب الآخرة والله عز وجل في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه " .
وقال: " انتظار الفرج عبادة " .
وقال لعلي رضي الله عنه: " اعلم أن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً " .
وعنه: " لأن أكون في شدةٍ أتوقع بعدها رخاءً، أحب إلي من أن أكون في رخاءٍ أتوقع بعده شدةً " .
وقال عليه السلام: " لو كان العسر في كوةٍ لجاء يسران فأخرجاه " .
وعنه: " القناعة مالٌ لا ينفذ " .
خطبته في حجة الوداعالحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على العمل بطاعته، وأستفتح الله بالذي هو خيرٌ.
أما بعد، أيها الناس؛ اسمعوا مني أبين لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.
أيها الناس؛ إن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا؛ ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فمن كانت عنده أمانةٌ فليؤدها إلى من ائتمنه عليها. وإن ربا الجاهلية موضوعٌ. وأول ربا أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب. وإن دماءً الجاهلية موضوعةٌ، وأول دمٍ أبدأ به دم عامر بن ربيعة الحارث بن عبد المطلب، وإن مآثر الجاهلية موضوعةٌ غير السدانة والسقاية. والعمد قودٌ. وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعيرٍ. فمن ازداد فهو من الجاهلية.
أيها الناس؛ إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضى أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم.
أيها الناس " إنما النسىء وزيادةٌ في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله " . وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض. منها أربعةٌ حرمٌ؛ ثلاثةٌ متوالياتٌ، وواحدٌ فرد: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي بين جمادي وشعبان. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.
أيها الناس؛ إن لنسائكم عليكم حقاً، لكم عليهن حقا، فعليهن ألا يوطئن فرشكم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشةٍ؛ فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرحٍ. فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف؛ فإنما النساء عندكم عوانٍ لا يملكن لأنفسهن شيئاً، أخذتموهن بامانة الله، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً.
أيها الناس؛ إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا على طيب نفس منه. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.
فلا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض؛ فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.
أيها الناس؛ إن ربكم واحدٌ، وإن أباكم واحدٌ. كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم. وليس لعربي على عجمي فضلٌ إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد الغائب.
أيها الناس؛ إن الله قد قسم لكل وارثٍ نصيبه من الميراث. ولا يجوز لوارث وصيةٌ في أكثر من الثلث. والولد للفراش وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير أبيه ومن تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقال عليه السلام: " من سن في الإسلام سنةً فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن سنةً سيئةً فعمل بها بعده كتب له مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء " .
وقال عليه السلام: " ما من عبدٍ إلا وله في السماء صيتٌ، فإذا كان في السماء صيته حسنا وضع في الأرض حسناً. وإذا كان صيته سيئاً وضع في الأرض سيئاً " .
وقال عليه السلام: " من كف غضبه وبسط رضاه وبذل معروفه ووصل رحمه، وأدى أمانته أدخله الله عز وجل يوم القيامة في نوره الأعظم " .
وقال: " لكل أمة فتنةٌ، وفتنة أمتي المال " .
وقال: " من غدا في طلب العلم صلت عليه الملائكة، وبورك له في معاشه، ولم ينتقص من عمره " .
وقال: " فضل الإزار في النار " .
وقال لأبي تميمة: " إياك والمخيلة. فقال: يا رسول الله؛ نحن قوم عربٌ. فما المخيلة؟ قال: سبل الإزار " .
وقال عليه السلام: من كان آمنا في سربه معافىً في بدنه، وعنده قوت يومه، كان كمن حيزت له الدنيا بحذافيرها " .
وفي الحديث: " لاتنظروا إلى صومه وصلاته، ولكن انظروا إلى ورعه عند الدينار والدرهم " .
وقال عليه السلام: " من سره أن يكون أغنى الناس، فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يديه " .
وقال: " أمرني ربي بتسع: الإخلاص في السر والعلانية، والعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأن أعفو عمن ظلمني، وأصل من قطعني، وأعطي من حرمني، وأن يكون نطقي ذكرا، وصمتي فكراً، ونظري عبرةً " .
وقال عليه السلام: " كفى بالسلامة داءً " .
وقال: " لاترفعوني فوق قدري؛ فتقولون في ما قالت النصارى في المسيح، فإن الله عز وجل اتخذني عبداً قبل أن يتخذني رسولا " .
وقال: " إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك، فإن المنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى " .
وقال عليه السلام: " لو تكاشفتم ما تدافنتم " .
يقول: لو علم بعضكم سريرة بعض لاستثقل تشييعه ودفنه.
وقال: " اجتنبوا القعود على الطرقات إلا أن تضمنوا أربعاً: رد السلام، وغض الأبصار، وإرشاد الضال، وعون الضعيف " .
وقال: " افصلوا بين حديثكم بالاستغفار " .
وقال: " لاتزال أمتي صالحاً أمرها ما لم تر الفيء مغنما والصدقة مغرماً " .
وقال: " لست من ددٍ ولا ددٌ مني " .
وقال يوم بدر: " هذه مكة قد ألقت إليكم بأفلاذ كبدها " .
وقال لعبد الله بن عمرو بن العاص: " كيف بك إذا بقيت في حثالةٍ من الناس مرجت عهودهم وأماناتهم وصار الناس كذا - وشبك بين أصابعه " - قال فقلت: مرني يا رسول الله. فقال: " خذ ما عرفت، ودع ما أنكرت، وعليك بخويصة نفسك، وإياك وعوامها " .
ووفد عليه رجل فسأله فكذبه، فقال له: " أسالك فتكذبنب. لولا سخاءٌ فيك ومقك الله عليه، لشردت بك من وافدٍ قوم " .
وقال عليه السلام: " لعن الله المثلث " . فقيل: يا رسول الله، ومن المثلث؟ قال: " الذي يسعى بصاحبه إلى سلطانه، فيهلك نفسه وصاحبه وسلطانه " .
وكان عليه السلام يقول عند هبوب الريح: " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " ، والعرب تقول: لا يلقح السحاب إلا من رياح، ومصدق ذلك قول الله تعالى: " والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً " .
ويروى أن سلمان أخذ من بين يديه صلى الله عليه وسلم تمرةً من تمكر الصدقة، فوضعها في فيه، فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " يا عبد الله. إنما يحل لك من هذا ما يحل لنا " ومن حديثه - صلى الله عليه وسلم من رواية أبي عبيد " خير الناس رجلٌ ممسكٌ بعنان فرسه في سبيل الله، كلما سمع هيعةً طار إليها، ورجلٌ في شعفةٍ في غنيماتٍ له حتى يأتيه الموت " .
وقال: " ما يحملكم أن تتايعوا في الكذب كما يتتايع الفراش على النار " .
ومر بناس يتجاذون مهراسا فقال: " أتحسبون الشدة في حمل الحجارة؛ إنما الشدة أن يمتلئ أحدكم غيظاً ثم يغلبه " .
سأله رجل فقال: يا رسول الله، إنا نصيب هوامى الإبل. فقال: " ضالة المؤمن حرق النار " .
وقال: " لا عدوى، ولا هامة، ولا صفر " .
وقال: " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً " .
وقال: " ما زالت أكلة خيبر تعاودني، فهذا أوان قطعت أبهرى " .
وقال: " مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تميلها الريح مرةً هكذا ومرة هكذا، ومثل المنافق مثل الأرزة المجذية على الأرض حتى يكون انجعافها مرةً " .
وقال: " الأنصار كرشي وعيبتي، ولولا الهجرة لكنت رجلاً من الأنصار " .
وقال: سوداء ولودٌ خيرٌ من حسناء عقيم " .
وقال: " تراصوا بينكم في الصلاة ولا يتخللكم الشيطان كأنها بنات حذف " .
وقال: " الثيب يعرب عنها لسانها، والبكر تستأمر في نفسها " .
وقال: " إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجيب، فإن كان مفطراً فليأكلن وإن كان صائماً فليصل " .
وقال:: من نوقش الحساب عذب " .
كتب إلى وائل بن حجر الحضرمي ولقومه: من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة: على التيعة شاة، والتيمة لصاحبها، وفي السيوب الخمس. لا خلاط ولا راط، ولا شناق ولا شغار. فمن أجبا فقد أربى. وكل مسكرٍ حرامٌ.
كان إذا سافر سفرا قال: " اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، وسوء المنظر في الأهل والمال " وقال: " إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم كان بأسهم بينهم " .
وقال: " خمروا آنيتكم، وأوكوا أسقيتكم، وأجيفوا الأبواب، وأطفئوا المصابيخ، وأكفتوا صبيانكم؛ فإن للشياطين انتشارً وخطفةً " .
وقال: " لا والذي نفسي بيده، حتى تأخذوا على يدي الظالم وتأطروه على الحق أطراً " .
وخرج عليه السلام يريد حاجة، فاتبعه بعض أصحابه، فقال عليه السلام: " تنح عني؛ فإن كل بائلة تفيخ " .
وقال: " العجماء جبارٌ، والبئر جبار، والمعدن جبارٌ. وفي الركاز الخمس " .
وأتاه سعد بن عبادة برجل - كان في الحي - مخدج سقيم وجد على أمة من إمائهم يخبث بها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: " خذوا له عثكالاً فيه مائة شمراخ فاضربوه ضربة " .
وقال: " إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها. فاتقوا الله وأجملوا في الطلب " .
وقال: " من تعزى بعزاء الجاهلية فاعضوه بهن أبيه ولا تكنوا " .
وقال: " لا يعدى شيءٌ شيئاً " ؛ فقال أعرابي: يا رسول الله؛ إن النقبة قد تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة فتجرب كلها. فقال صلى الله عليه وسلم: " فما أجرب الأولى؟ " .
وقال: " ثلاثٌ من أمر الجاهلية: الطعن في الأنساب والنياحة، والأنواء " .
وقال: " لا يدخل الجنة قتات " .
وقال: " لا ترفع عصاك عن أهلك " .
وقال: " بلوا أرحامكم ولو بالسلام " .
وقال: " خير المال سكة مأبورةٌ، وفرسٌ مأمورةٌ " .
وقال: " لا يدخل الجنة من لم يأمن جاره بوائقه " .
وروى بريدة قال: بينما أنا ماش في طريق فإذا برجلٍ خلفي، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي وانطلقنا، فإذا نحن برجل يكثر الركوع والسجود. فقال لي: " يا بريدة؛ أتراه يرائي؟ " . ثم أرسل يده من يدي وجعل يقول: " عليكم هدياً قاصداً، إنه من يشاد هذا الدين يغلبه " .
وقال: " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحا، فيقال: ما لك؟ فيقول: كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه " .
وقدم عليه السلام من سفر فأراد الناس أن يطرقوا النساء ليلا فقال: " أمهلوا حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة، فإذا قدمتم فالكيس الكيس " .
وقال: " الطيرة والعيافة والطرق من الجبت " .
سأله عدي بن حاتم فقال: إنا نصيد الصيد فلا نجد ما نذكي به إلا الظرار وشقة العصا، فقال: " أمر الدم بما شئت " .
وقال: " عليكم بالباء، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. فمن لم يقدر فعليه بالصوم فإنه له وجاءٌ " .
وبعث مصدقاً فقال عليه السلام: " لا تأخذ من حزرات أنفس الناس شيئاً، خذ الشارف والبكر وذا العيب " .
وقال: " إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح بها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد بها سائر الجسد، ألا وهي القلب " .
وقال: " إن الله يحب معالي الأمور ويبغض سفسافها " .
وذكر عليه السلام أشراط الساعة فقال: " بيع الحكم، وقطيعة الرحم، والاستخفاف بالدم، وكثرة الشرط، وأن يتخذ القرآن مزامير، يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم غناء " .
وقال: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " .
وقال: " نعم الإدام الخل " .
وقال: " لا تجوز شهادة خائنٍ ولا خائنة، ولا ذي غمرٍ على أخيه، ظنين في ولاء ولا قرابة، ولا القانع مع أهل البيت لهم " .
وقال: " لي الواجد يحل عقوبته وعرضه " .
وقال: " الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة:.
وقال: " اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان " .
وقال: " بينما عليه السلام في طريق إذ مال إلى دمثٍ قبال، وقال: " إذا بال أحدكم فليرتد لبوله " .
وسئل عن اللقطة فقال عليه السلام " احفظ عفاصها ووكاءها فإن جاء صاحبها فادفعها إليه " قيل: فضالة الغنم؟ قال: " هي لك أو لأخيك أو للذئب. " قيل: فضالة الإبل؟ وقال: " ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشحر حتى يلقاها ربها " .
ولما توفي ابنه إبراهيم فبكى عليه قال: " لولا أنه وعدٌ حق وقولٌ صدقٌ وطريق ميتاءٌ لحزنا عليه يا إبراهيم أشد من حزننا " .
وقد روى: " وطريق مأتي " .
وقال: " من سره أن يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو مع الإثنين أبعد " .
وقال: " استعيذوا بالله من طمع يهدي إلى طبع " .
وقال: " لا يوردن ذو عاهةٍ على مصح " .
وقال: " من أشراط الساعة أن يرى رعاء الغنم رءوس الناس، وأن ترى العراة الجوع يتبارون في البنيان، وأن تلد الأمة ربها وربتها " .
استأذن عليه أبو سفيان فحجبه ثم أذن فقال: " ما كدت تأذن لي حتى تأذن لحجارة الجلهمتين، فقال: يا أبا سفيان؛ أنت كما قال القائل: كل الصيد في جوف الفرا " .
وقال للنساء: " إنكن أكثر أهل النار؛ وذلك لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير " .
وقال: " المتشبع بما لا يملك كلابس ثوبي زورٍ " .
وذكر الفتن فقال له حذيفة: أبعد هذا الشر خير؟ قال: " هدنةٌ على دخنٍ، وجماعةٌ على أقذاءٍ " .
وقال: " الغيرة من الايمان، والمذاء من النفاق " .
وقالت: " من أزلت إليه نعمة فليكافئ بها، فإن لم يجد فليظهر ثناءً حسناً " .
وقال: " لا حمى إلا في ثلاثٍ: ثلة البشر، وطول الفرس، وحلقة القوم " .
وقال: " إن الدنيا حلوةٌ خضرةٌ، فمن أخذها بحقها بورك له فيها " .
وقال: " تخيروا لنطفكم " .
وقال: " إذا تمنى أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربه " .
وقال: " لا يموت لمؤمن ثلاثة أولادٍ فتمسه النار إلا تحله القسم " .
وقال: " إذا مر أحدكم بطربالٍ مائلٍ فليسرع المشي " .
وقال: " تمسحوا بالأرض فإنها بكم برةً " .
وقال: " إني لأكره أن أرى الرجل ثائراً فريص رقبته قائماً على مريته يضربها " .
وقال: " المسلمون هينون لينون كالجمل الأنف إن قيد انقاد، وإن أنيخ على صخرة استناخ " .
وأتاه عمر فقال: " إنا نسمع أحاديث من اليهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال عليه السلام: " أمتهو كون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي " .
ولما خرج من مكة عرض له رجل فقال: " إن كنت تريد النساء البيض والنوق الأدم فعليك ببني مدلج. فقال: إن الله منع مني بني مدلج بصلتهم الرحم وطعنهم في ألباب الإبل " وروى " في لبات الإبل " .
وقال: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة: " إذا لم تستح فاصنع ماشئت " .
أتى عليه السلام بوشيقةٍ يابسة من لحم صيد فقال: " إني حرامٌ " .
وقال: " إن الله يحب النكل على النكل " . قيل: وما النكل على النكل قال: " الرجل القوي المجرب المبدئ المعيد على الفرس القوي المجرب المبدئ المعيد " .
أتاه رجل فقال: يا رسول الله أكلتنا الضبع، فقال عليه السلام: " غير ذلك أحوف عندي؛ أن تصب عليكم الدنيا صبا " .
وقال: " من تعلم القرآن ثم نسيه لقى الله وهو أجدم " .
وقال: " فصل بين الحلال والحرام الصوت والدفء في النكاح " .
وقال: " عليكم بالصوم، فإنه محسمة للعرق مذهبةٌ للأشر " .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح القراءة في الصلاة قال: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من همزة ونفثه ونفخه. فقيل: يا رسول الله: ما همزه ونفثه ونفخه " فقال: أما همزه فالموته، وأما نفثه فالشعر، وأما نفخه فالكبر " .
قال: " لاتقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل، ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن، وتهلك الوعول، وتظهر التحوت " .
كتب لحارثه بن قطن ومن بدومة الجندل من كلب: إن لنا الضاحية من البعل، ولكم الضامنة من النخل، لا تجمع سارحتكم، ولا تعد فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، ولا يؤخذ منكم عشر البتات " .
وكان يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما: " أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامةٍ، ومن كل عينٍ لامةٍ " .
وقال: " من بنى مسجدا ولو مثل مفحص قطاةٍ بنى الله له بيتاً في الجنة " .
وقال: " مثل المؤمن والإيمان كمثل الفرس في آخيته يجول ثم يرجع إلى آخيته، وإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الإيمان " .
ودخلت عليه صلى الله عليه وسلم عجوز؛ فسأل وأحفى، وقال: " إنها كانت تأتينا أزمان خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان " .
سئل عليه السلام عن البر والإثم؛ فقال: " البر حسن الخلق، والإثم ما حك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس " .
وقال: " إن من شر ما أعطى العبد شح هالعٌ وجبنٌ خانع " .
وقال: " ما من أمير عشرةٍ إلا وهو يجئ يوم القيامة مغلولةً يداه إلى عنقه، حتى يكون عمله هو الذي يطلقه أو يوكفه " .
وقال: " وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم " .
وأهدى إليه عليه السلام هدية؛ فلم يجد شيئاً يضعه عليه فقال: " ضعه بالحضيض، فإنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد " .
وندب - صلى الله عليه وسلم - إلى الصدقة؛ فقيل له: قد منع أبو جهم وخالد بن الوليد والعباس عم النبي عليه السلام، قال: فقال عليه السلام: " أما أبو جهمٍ فلم ينقم منا إلا أن أغناه الله ورسوله من فضله، وأما خالدٌ فإن الناس يظلمون خالداً. إن خالداً قد جعل رقيقه ودوابه حبسا في سبيل الله، وأما العباس فإنها عليه ومثلها معها " .
وكتب عليه السلام لأكيدر: هذا كتابٌ من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام، وخلع الأنداد والأصنام، مع خالد بن الوليد، سيف الله في دوماء الجندل وأكنافها، أن لنا الضاحية من البعل، والبور والمعامى وأغفال الأرض والحقلة، ولكم الضامنة من النخل، والمعين من المعمور بعد الخمس، لا تعدل سارحتكم، ولا تعد فاردتكم ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك عهد الله وميثاقه.
وقال عليه السلام في الرجل الذي استعمله؛ فأهدى إليه شيءٌ فقال: هذا لي: " هلا جلس في حفش أمه؛ فينظر أكان يهدي إليه شيءٌ " .
وقال: " إذا وجد أحدكم طخاءً على قلبه فليأكل السفرجل " ومن حديثه صلى الله عليه وسلم مما رواه ابن قتيبة: " عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير " .
" فارس نطحةٌ أو نطحتان، ثم لا فارس بعدها أبداً. والروم ذات القرون، كلما هلك قرنٌ خلف قرنٌ، أهل صخر وبحرٍ، هيهات آخر الدهر " .
" سموا أولادكم أسماء الأنبياء، وأحسن الأسماء عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها الحارث وهمام وأقبحها حرٌ ومرة " .
" اللهم إن عمرو بن العاص هجاني وهو يعلم أني لست بشاعر فاهجه، اللهم والعنه عدد ما هجاني " .
" من توضأ للجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فذلك أفضل، ومن غسل واغتسل، وبكر وابتكر، واستمع ولم يلغ كفر ذلك ما بين الجمعتين " .
" سيد إدام أهل الدنيا والآخرة اللحم، وسيد ريحان أهل الجنة الفاغية " .
لما أراد الأنصار أن يبايعوه، قال أبو الهيثم بن تيهان: يا رسول الله، إن بيننا وبين القوم حبالاً ونحن قاطعوها، فنخشى إن الله أعزك ونصرك أن ترجع إلى قومك، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: " بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني؛ أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم " .
قالوا في معنى ذلك: إنهم كانوا ف يالجاهلية إذا تحالفوا يقولون: الدم الدم والهدم الهدم، يريدون: تطلب بدمى وأطلب بدمك، وما هدمت من الدماء هدمت؛ أي: ما عفوت عنه وأهدرته عفوت عنه وأهدرته. وكان أبو عبيدة يقول: هو الهدم الهدم واللدم اللدم؛ أي: حرمتي مع حرمتكم وبيتي مع بيتكم، وأنشد:
ثم الحقي بهدمي ولدمي
وروى في حديث آخر أن الأنصار قالوا: ترون نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا فتح الله عليه مكة أرضه وبلده يقيم بها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: " معاذ الله، المحيا محياكم والممات مماتكم " .
" ما ينتظر أحدكم إلا هرماً مفنداً أو مرشاً مفسداً " .
" المستبان شيطانان يتكاذبان ويتهاتران " .
" غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج، فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم " .
وروى أن أم سلمة قالت: " يا رسول الله أراك ساهم الوجه. أمن علة؟ قال: لا، ولكنه السبعة الدنانير التي أيتنا بها أمس نسيتها في خصم الفراش فبت ولم أقسمها " . خصم الفراش: جانبه.
" ويلٌ لأقماع القول، ويلٌ للمصرين " .
وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من خمس: من العيمة والغيمة، والأيمة، والكزم، والقزم.
واستأذنه سعد في أن يتصدق بماله، فقال: لا، ثم قال: الشطر. قال: لا. قال: فالثلث؟ قال " الثلث، والثلث كثيرٌ. إنك إن تترك أولادك أغنياء خيرٌ من أن تدعهم عالةً يتكففون الناس.
" أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح " .
" الحمى رائد الموت، وهي سجن الله في الأرض يحبس بها عبده إذا شاء، ويرسله إذا شاء " .
وسئل عليه السلام عن بني عامر بن صعصعة، فقال: " جملٌ أزهر متفاجٌ يتناول من أطراف الشجر " ، وسألوه عن غطفان، فقال: " رهوةٌ تنبع ماء " .
وفي حديث آخر أنه قال في غطفان - وقد ذكرهم - : أكمةٌ خشناء تنفى الناس عنها.
وقال عليه السلام في حجة الوداع: " لا يعشرن ولا يحشرن " .
وقال عليه السلام: " كل رافعةٍ رفعت علينا من البلاغ فقد حرمتها أن تعضد أو تخبط إلا بعصفورٍ قتبٍ أو مسد محالةٍ أو عصا حديدةٍ " .
قوله: كل رافعة رفعت علينا، يريد: كل جماعة مبلغة تبلغ عنا وتذيع ما نقوله.
وذكر عليه السلام (يأجوج ومأجوج) فقال: " عراض الوجوه، صغار العيون، صهب الشعاف، من كل حدبٍ ينسلون " .
الشعاف: جمع شعفة، وشعفة كل شيء أعلاه.
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم دعا بلالا بتمر. فجعل يجئ به قبضا قبضا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: " أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً " .
" من حفظ ما بين فقميه ورجليه دخل الجنة " .
" لا زمام ولا خزام ولا رهبانية ولا تبتل ولا سياحة في الإسلام " وذكر المنافقين، فقال: " متكبرون لا يألفون ولا يؤلفون، خشبٌ بالليل صخب بالنهار " .
وقدم وفدٌ من همدان فلقوه مقبلا من تبوك، فقال مالك ابن نمط: يار سول اله، نصية من همدان من كل حاضرٍ وباد، أتوك على قلص نواجٍ متصلة بحبائل الإسلام، لا تأخذهم في الله لومة لائمٍ، من مخلاف خارفٍ ويام. عهدهم لا ينقض عن شية ماحل ولا سوءاء عن فقير ما قامت لعلع، وما جرى اليعفور بصلع.
فكتب لهم النبي صلى الله عليه وسلم: هذا كتاب من محمد رسول الله لمخلاف خارف، وأهل جناب الهضب وحقاف الرمل، مع وافد هادي المشعار مالك بن نمط ومن أسلم من قومه، على أن لهم فراعها ووهاطها وعزازها ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، يأكلون علافها ويرعون عفاءها. لنا من دفئهم وصرامهم ما سلموا بالميثاق والأمانة، ولهم من الصدقة الثلب والناب والفصيل والفارض والداجن والكبش الحورين وعليهم فيه الصالع والقارح.
قوله: نصية من همدان، أي رءوسا مختارين منهم. وخارف ويام قبيلتان. وقوله: عهدهم لا ينقض عن شية ماحل. الماحل: الساعي بالنمائم. يقول ليس ينقض عهدهم بسعي ماحل. ولا سوءاء عن فقير يريد: الداهلية، ولعله: جبل. واليعفور: ولد البقرة. والصلع: الصحراء البارزة المستوية التي لا نبت فيها. والفراع: عالي الجبال. والوهاط: المواضع المطمئنة. والعزاز: ما صلب من الأرض. والعلاف: جمع علف. والعفاء من الأرض: ما ليس لأحد فيه شيء. وقوله: لنا من دفئهم: يعني من إبلهم وشائهم، سميت دفئا لما يتخذ من أوبارها وأصوافها من الأكسية والبيوت. والصرام: النخل. والثلب من الإبل: الذكور والذي قد تكسرت أسنانه. والناب: الهرمة من النوق. والفارض: المسنة. والداجن: التي يعلفها الناس في منازلهم. والصالع من الغنم والبقر مثل اقارح من الخيل والحورى، منسوب إلى الحور، وهي جلود حمر تتخذ من جلود المعز والضأن.
وكتب عليه السلام لوفد كلب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا الكتاب من محمد رسول الله ؛ لعمائر كلب وأحلافها ومن ظأره الإسلام من غيرهم، مع قطن بن حارثة العيلمى بإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة بحقها في شدة عقدها ووفاء عهدها بحضرٍ من شهود المسلمين: سعد بن عبادة، وعبد الله بن أنيس، ودحية بن خليفة الكلبي عليهم في الهمولة الراعية البساط الظؤار ؛في كل خمسين ناقةٌ غير ذات عوار، والحمولة المائرة لهم لاغية، وفي الشوي الوري مسنةٌ حاملٌ أو حائلٌ، وفيما سقى الجدول من العين المعين العشر من ثمرها، ومما أخرجت أرضها. وفي العذى شطره بقيمة الأمين. لا يزاد عليهم وطيفه ولا يفرق. شهد الله على ذلك ورسوله.
وكتب ثابت بن قيس بن شماس.
العمائر: جمع عمارة وهو فوق البطن.
قوله: ظأره الإسلام أي عطفه. والظؤار: هي التي معها أولادها وجمعت على فعال.
والحمولة المائرة، يعني: الإبل التي تحمل عليها الميرة. لاغية: أي ملغاة. لا تعد ولا يلزمون لها صدقة. والشوى: جمع شاة، والورى: السمين فعيل بمعنى فاعل.
ولما قدمت عليه وفود العرب، قام طهفة بن أبي زهير النهدي، فقال: أتيناك يا رسول الله من غورى تهامة على أكوارٍ الميس، ترتمي بنا العيس، نستحلب الصبير، ونستحلب الخبير، ونستعضد البربر، ونستخيل الرهام، ونستحيل الجهام، من أرض غائلة النطاء، غليظة الوطاء. قد نشف المدهن، ويبس الجعثن، وسقط الأملوج، ومات العسلوج، وهلك الهدى، ومات الودى، برئنا يا رسول الله من: الوثن، والعنن وما يحدث الزمن. لنا دعوة السلام وشريعة الإسلام ما طما البحر وقام تعار، ولنا نعم همل أغفالٌ، ما تبض ببلال ووقيرٌ كثير الرسل قليل الرسل، أصابتها سنيةٌ حمراء مؤزلة، ليس لها عللٌ ولا نهلٌ.
فقال صلى الله عليه وسلم: " اللهم بارك لهم في محضها ومخضها ومذقها، وابعث راعيها في الدثر بيانع الثمر، وافجر له الثمد، وبارك له في المال والولد، من أقام الصلاة كان مسلماً، ومن آتى الزكاة كان محسناً، ومن شهد أن لا إله إلا الله كان مخلصا؛ لكم يا بني نهد ودائع الشرك ووضائع الملك، لا تلطط في الزكاة، ولا تلحد في الحياة، ولا تثاقل عن الصلاة.
وكتب معه كتاباً إلى بني نهد: بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى بني نهد بن زيد: سلامٌ على من آمن بالله ورسوله، لكم يا بني نهدٍ في الوظيفة الفريضة، ولكم العارض والفريش وذو العنان الركوب، والفلو الضبيس، لا يمنع سرحكم ولا يعضد طلحكم، ولا يحبس دركم ما لم تضمروا الإماق وتأكلوا الرباق، من أقر بما في هذا الكتاب فله من الله ورسوله الوفاء بالعهد والذمة، ومن أبي فعليه الربوة.
الميس: شجر تعمل منه الرحال. والصبير: السحاب الأبيض. ونستخلب: نحصد ونقطع، ومنه قيل: المنجل مخلب، ومخلب الطائر من ذلك، والحبير: النبات. والبربر: ثمر الأراك، وهم يأكلونه إذا أجدبوا، وأصل العضد القطع. ونستخيل: من أخيلت السحابة إذا رأيتها فحسبتها ماطرة. والرهام الأمطار الضعاف. ونستحيل الجهام ننظر إليه. يقال: استحيل كذا وكذا أي نظر إليه. والجهام سحابٌ لا ماء فيه. ومن قال: تستحيل فإنه أراد أنا نراه جائلا في الأفق. وقوله: من أرض غائلة النطاء يريد: فلاة تغول ببعدها من سلكها أي تهلكة. والنطاء: البعد. والمدهن: نقرة واسعة في الجبل يستنقع فيها الماء. والجعثن: أصل النبات. والعسلوج: الغصن. والأملوج: ورق كالعيدان يكون لضروب من شجر البر. والهدى: الإبل هاهنا، وأصل الهدى البدن التي تهدى إلى البيت. والودي: فسيل النخل. والعنن: الاعتراض والمخالفة. وتعار: جبل معروف. ونعمٌ أغفال يريد: لا ألبان لها، والأصل في الغفل التي لا سمة لها. والوقير: الغنم. والرسل: ما يرسل منها إلى المرعى. والرّسل: اللبن. يقول:هي كثيرة العدد قليلة اللبن. والمؤزلة:الجائية بالأزل وهو الضيق. والدثر: المال الكثير من الإبل والغنم بمرعى قد سلم وتم حتى ينعت ثمرته. و الدثر: الماء القليل. يقول: يقول: أفجره لهم حتى يصير كثيراً غزيرا. و دائع الشرك: يريد العهود. يقال: توادع الفريقان إذا أعطى كل واحد منهما الآخر عهدا ألا يغزوه، و كان اسم ذلك العهد وديعا. ووضائع الملك: يريد لكم الوضائع التي يوظفها على الملمين في الملك لا يتجاوزها، ولا يزيد عليكم فيها. والفريضة: الهرمة وهي الفارض أيضا، يقال: فرضت إذا هرمت. والعارض: المريضة. والفريش: هي التي وضعت حديثا كالنّفساء من النساء، يريد لا يأخذ منكم ذا العيب فيضرّ بأهل الصدقة فهى لكم، ولا يأخذ منكم ذات الدّر فيضرّ بكم فهى لكم، ولكنا نأخذ الوسط. وذو العنان: الفرس، والركوب الذلول. والفلوّ: المهر. والضّبيس: الصعب.
وقوله: لا يمنع سرحكم: أي لا يدخل عليكم في مرعاكم أحدٌ يمنع سرحكم عن شيءٍ منه، ولا يحبس دركم، يريد: ذوات اللبن، لا تحشر إلى المصدق وتحبس عن المرعى، إلى أن تجتمع الماشية ثم تعد، لما في ذلك من الإضرار بها. والإماق أصله الإمآق بالهمزة، وهو من المأقة، والمأقة: الأنفة والحدة والجرأة، يقال رجل مثق، وإنما أراد بالاماق النكث والغدر. والرياق: جمع ربق وهو الحبل وإنما أراد به العهد. وقوله: فمن أبى فعليه الربوة يريد: الزيادة.
وكتب صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار كتابا، وفي الكتاب: إنهم من أمةٍ واحدةٍ دون الناس، المهاجرون من قيس على رباعتهم يتعاقلون بينهم معاقلهم الأولى، ويفكون عاتيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وأن المؤمنين لا يتركون مفرحاً منهم أن يعينوه بالمعروف في فداءٍ أو عقلٍ، وأن المؤمنين المتقين أيديهم على من بغى عليهم، وابتغى دسيعة ظلم، وأن سلم المؤمنين واحدٌ، لا يسالم مؤمنٌ دون مؤمنٍ في قتال في سبيل الله إلا على سواءٍ وعدلٍ بينهم، وأن كل غازيةٍ غزت يعقب بعضهم بعضاً، وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش، ولا يعينها على مؤمنٍ، وأنه من اعتبط مؤمناً قتلا، فإنه قود إلا أن يرضى ولى المقتول بالعقل، وأن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأن يهود بني عوفٍ أنفسهم ومواليم أمةٌ من المؤمنين، لليهود دينهم وللمؤمنين دينهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوبغ إلا نفسه وأهل بيته، وأن يهود الأوس ومواليهم وأنفسهم مع البر المحبين من أهل هذه الصحيفة، وأن البر دون الإثم، فلا يكسب كاسبٌ إلا على نفسه، وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة منه وأبره لا يحول الكتاب دون ظلم ظالمٍ ولا إثم آثمٍ، وأن أولاهم بهذه الصحيفة البر المحسن.
قوله: رباعتهم يريد: أمرهم الذي كانوا عليه، والمفرح: الذي يلزمه أمر أثقله من دين أو دية، يقال: أفرحني الشيء أي أثقلني وقوله: دسيعة ظلم: من الدسع وهو الدفع: وفي حديثه صلى الله عليه وسلم أنه خرج في الاستسقاء؛ فتقدم فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة. وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب، و " سبح اسم ربك الأعلى " وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب، و " هل أتاك حديث الغاشية " فلما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه، وقلب رداءه، ثم جثا على ركبتيه، ورفع يديه، وكبر تكبيرةً قبل أن يستسقى، ثم قال: " اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسفنا غيثاً مغيثاً، وحياً ربيعا، وجداً طبقاً غدقاً مغدقاً، مونقاً عاماً، هنيئاً مريئاً مربعاً مرتعاً، وابلاً سابلاً، مسبلاً مجللاً، ديماً درراً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير رائثٍ غيثاً اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العبا، وتجعله بلاغاً للحاضر منا والباد. اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها، وأنزل علينا في أرضنا سكنها. اللهم أنزل علينا من السماء ماءً طهوراً؛ فأحيا به بلدةً ميتاً، وأسقاه مما خلقت لنا أنعاماً وأناسى كثيراً " .
وقال عليه السلام: " خيار أمتي أولها وآخرها، وبين ذلك ثبج أعوج " .
" لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خيرٌ من الغنى، وطيب النفس من النعيم " .
" إن الكاسيات العاريات والمائلات المميلات لا يدخلن الجنة " .
قالوا في تفسير " الكاسيات العاريات " هن اللواتي يلبسن رقاق الثياب التي لا تسترهن. والمميلات، قالوا: اللواتي يملن قلوب الرجال، وقيل: اللواتي يملن الخمر ليظهر الوجه والشعر، وقيل: هو من المشط الميلاء وهي معروفةٌ عندهم.
ومن حديثه عليه السلام أنه قال: " إن للرؤيا كنى، ولها أسماء فكنوها بكناها، واعتبروا بأسمائها، والرؤيا لأول عابرٍ " .
وذكر الخوارج، فقال: " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وفينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نضله فلا يوجد فيه شيءٌ، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجلٌ أسود في إحدى يديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر " .
" يحشر ما بين السقط إلى الشيخ الفاني، مرداً مكحلين إلى أفانين " .
" من استمع إلى حديثٍ قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة " .
" لا طلاق ولا عتاق في إغلاقٍ " .
" إن تهامة كبديع العسل حلو أوله حلو آخره " . البديع: الزق " مضر صخرة الله التي لا تنكل " .
" والذي نفس محمدٍ بيده لا يحلف أحدٌ وإن على مثل جناح البعوضة إلا كانت وكتةً في قلبه " .
" الكباد من العب " .
" استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمنٌ " . لن تحصوا: لن تطيقوا.
كان يبايع الناس وفيهم رجل دحسمان، وكان كلما أتى عليه أخره حتى لم يبق غيره، فقال له عليه السلام: " هل اشتكيت قط؟ قال: لا. قال: فهل رزئت بشيءٍ؟ قال: لا، فقال عليه السلام: " إن الله يبغض العفرية النفرية الذي لم يرزأ في جسمه ولا ماله " " مثل الجليس الصالح مثل الداري، إن لم يحدك من عطره علقك من ريحه. ومثل الجليس السوء مثل الكير؛ إن لم يحرقك من شراره علقك من نتنه " .
" خير الصدقة ما أبقت غنىً، واليد العيا خيرٌ من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول " .
وقال في المدينة: " اللهم بارك لنا في مدها وصاعها، وانقل حماها إلى مهيعة " .
مهيعة الجحفة، وغدير خم بها. قال الأصمعي: لم يولد بغدير خم أحد فعاش بها إلى أن يحتلم.
وفي الحديث أنه مر عليه السلام برجل له عكرة فلم يذبح له شيئاً، ومر بامرأة لها شويهات فذبحت له، فقال: " إن هذه الأخلاق بيد الله، فمن شاء أن يمنحه منها خلقاً حسناً فعل " .
وقال لنسائه: " ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تسير أو تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب " - الأدبب: الأدب.
وفي حديثه صلى الله عليه وسلم؛ أن رعاء الإبل ورعاء الغنم تفاخروا عنده فأوطأهم رعاء الإبل غلبةً، فقالوا: وما أنتم يا رعاء النقد، هل تخبون أو تصيدون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بعث موسى وهو راعي غنم، وبعث داود وهو راعي غنم ويعثت أنا وأنا راعي غنم أهلي بأجياد " ؛ فغلبهم عليه السلام.
" أغبط الناس عندي، مؤمنٌ خفيف الحاذ، ذو حظ من صلاةٍ " . وكتب في كتاب له ليهود تيماء: " إن لهم الذمة، وعليهم الجزية بلا عداءٍ، النهار مدى، والليل سدى " .
المدى: الغاية، أي ذلك لهم أبدا ما كان الليل والنهار. والسدى: التخلية.
وأهدى له الرجل راوية خمر، فقال: " إن الله حرمها " . قال: أفلا أكارم بها يهود؟ قال: " إن الذي حرمها حرم أن يكارم بها " . قال: فما أصنع بها؟ قال: " سنها في البطحاء " .
وقال: " ليس للنساء سروات الطريق " .
وقال: " يمين الله سحخاء، لا يغيضها شيءٌ الليل والنهار " .
وقال عليه السلام: " حجوا اقبل ألا تحجوا " . قالوا: وما شأن الحج؟ قال: " يقعد أعرابها على أذناب أوديتها فلا يصل إلى الحج أحدٌ " .
ومن حديثه صلى الله عليه وسلم من رواية الحربى قوله عليه السلام: " أنا وامرأةٌ سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة، وامرأة أيمت من زوجها حبست نفسها على يتاماها حتى ماتوا أو بانوا " .
" الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن، وإذنها صماتها " " ثلاثٌ لا يؤخرن: الصلاة إذا أتتك، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفئاً " .
أتى ابن عمر أباه، فقال: إني قد خطبت ابنة نعيم النحام، وأريد أن تمشي معي فتكلمه، فقال: إني أعلم بنعيم منك. إن عنده ابن أخ له يتيماً، لم يكن لينقض لحوم الناس ويترب رسول الله صلى الله عليه وسلمفإن كنت فاعلا فأذهب معك زيد بن الخطاب، فذهب إليه فكلمه، فكأن نعيماً سمع مقال عمر، فقال: مرحباً بك وأهلاً، إن عندي ابن أخ لي يتيما، ولم أكن لا نقض لحوم الناس وأترب لحمي.. فقالت أمها من ناحية البيت: والله لا يكون هذا حتى يقضي به علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم - أتحبس أيم بني عدي على ابن لأخيك سفيهٍ أو ضعيفٍ، ثم خرجت حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأخبرته الخبر، فدعا نعيما، وقال: صل رحمك، وأرض أيمك وأمها، فإن لهما من أمرهما نصيباً.
قال أبو هريرة: قلت يا رسول الله، أي الناس أحق بحسن الصحبة؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك " .
قال أبو بكر رضي الله عنه: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم، ونحن في الغار - : لو أن أحدهم رفع قدميه لأبصرنا تحتهما، فقال: " ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ " .
وقال عليه السلام: " المؤمن غر كريمٌ، والفاجر خب لئيمٌ " .
" تزوجوا الشواب فإنهن أغر أخلاقاً " .
" من طلب دماً أو خبلا فإنه بالخيار: أن يقتص، أو يعفو أو يأخذ بالعفو " .
" ما من قومٍ تعمل فيهم المعاصي يقدرون أن يغيروا فلا يغيرون إلا أصابهم الله بعقاب " .
" شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا بالصلاة " .
" قال سراقة بن جعشم: قلت: " يا رسول الله؛ الضالة تغشى حياضي، هل لي أجرٌ إن أسقها؟ قال: " في كل كبدٍ حرى أجرٌ " .
" إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب " .
" أول دينكم نبوةٌ ورحمةٌ، ثم ملكٌ ورحمةٌ، ثم ملكٌ وجبريةٌ، ثم ملكٌ عض يستحل فيه الخز والحرير " .
" أعوذ بك من الحور بعد الكور " .
" الصوم جنةٌ ما لم تخرقها " .
" ألا لا يجن جانٍ على نفسه، لا يجن والدٌ على ولده " .
روى أن رجلا من أهل الصفة مات، فوجد في شملته ديناران، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كيتان " .
" استذكروا القرآن، فلهو أشد تفصياً من صدور رجالٍ من النعم من عقله " .
كان عامة وصيته صلى الله عليه حين حضرته الوفاة: " الصلاة وما ملكت أيمانكم، حتى جعل يغرغر بها، وما يفيص بها لسانه " .
" اسمح يسمح لك " .
" الأنصار كرشي؛ فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم " " المقة من الله، والصيت في السماء " .
وقيل: يا رسول الله، الرجل يحب قومه، أعصبي هو؟ قال: " لا: العصبي الذي يعين قومه على الظلم " .
" إن الخلق الحسن ليذهب الخطايا، كما تذهب الشمس الجليد " ومر به أعرابي جلد شابٌ، فقال أبو بكر وعمر: ويح هذا لو كان شبابه وقوته في سبيل الله كان أعظم لأجره! فقال عليه السلام: " إن كان يسعى على أبويه فهو في سبيل الله " .
" رجلان من أمتي لا تبلعهما شفاعتي: إمامٌ ظلومٌ عسوفٌ، وآخر غالٍ في الدين مارٌق منه " .
" فاطمة بضعة مني يسعفني ما أسعفها " .
" اللهم أسألك العفة والغنى " .
" ما بلغ عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه " .
" إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث " .
وأمر عليه السلام مناديا، فنادى: " لا تجوز شهادة ظنينٍ " .
وكان عليه السلام يدلع لسانه للحسن، فيرى الحسن حمرة لسانه فيهش إليه.
وقيل له: أي الجهاد أحب إلى الله؟ قال: " كلمة حق عند سلطانٍ جائرٍ " .
" لا يدخل الجنة سيء الملكة " .
وقال له أبو بكر: كيف الفلاح بعد " من يعمل سوءً يجز به " قال: " يا أبا بكر ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ " .
" أعوذ بالله من الجوع فإنه بئس الضجيع " .
" لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرةٍ سوى " .
" ليس الغني عن كثرة العرض، إنما الغني غني النفس " .
" الدنيا عرضٌ حاضرٌ يأكل منها البر والفاجر " .
" لا جلب ولا جنب ولا اعتراض " .
" من بات وفي يده غمرٌ، فعرض له عارضٌ فلا يلومن إلا نفسه " .
كان عليه السلام إذا استجد ثوباً قال: " اللهم أنت كسوتني هذا الثوب، فلك الحمد، أسألك من خيره وخير ما صنع له " .
ذكرت الجدود عنده عليه السلام، فقال قوم: جد بني فلان في الإبل، وقال آخرون: جد بني فلان في الغنم. فلما قام إلى الصلاة قال: " لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " .
" لا تسبوا بني تميمٍ فإنهم ذوو حد وجلدٍ " .
وجد عمر حلة من استبرق، فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم - فقال: ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفد، فقال: " إنما يلبس هذه من لا خلاق له " .
وقال عليه السلام: " خير السرايا أربعمائةٍ " .
قالت عائشة: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم - مسروا تبرق أسارير وجهه، فقال: ألم ترى أن محرزا المدلجي رأى قدم زيد وأسماة؟ فقال: " هذه أقدامٌ بعضها من بعضٍ " .
" من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش " .
" البكر بالبكر جلد مائةٍ ونفى سنةٍ " .
" من انتفى من ولده فضحه الله يوم القيامة " .
جاءت ارمأة إليه - عليه السلام - تشكو زوجها، فقال: " أتريدين أن تتزوجي ذا جمةٍ فينانةٍ على كل خصلةٍ منها شيطانٌ " .
" من شرب الخمر لم يرضى الله عنه، فإن تاب تاب الله عليه؛ فإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من طينه الخيال " .
" الطاعون وخز أعدائكم من الجن " .
كان عليه السلام إذا أراد أن يرقد، قال: " اللهم قنى عذابك يوم تبعث عبادك " .
" مثلي ومثل ما يعثني الله به، كمثل رجلٍ أتى قوماً، فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وأنا النذير العريان " .
قال: " يقول الله إذا شغل عبدي ذكرى عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطى السائلين " .
قال عليه السلام لأسماء بنت عميس: " العيلة تخافين على بني جعفرٍ انا وليهم في الدنيا والآخرة " .
قال للأنصار حين أعطى المؤلفة قلوبهم: " أوجدتهم في قلوبكم من لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً أسلموا ووكلنكم إلى إيمانكم؟ " .
قال وائلة: إن النبي صلى الله عليه وسلم أجلس عليا عن يمينه، وفاطمة عن يساره، وحسنا وحسينا بين يديه، ولفع عليهم يثوبه، وقال: " اللهم هؤلاء أهلي " .
" لو أمسك الله القطر عن الناس، ثم أرسله أصبحت طائفةٌ به كافرين، يقولون: مطرنا بنوء المجدح " .
جاء رجلٌ يتخطى رقاب الناس والنبي عليه السلام يخطب. فقال: " اجلس فقد آنيت وآذيت " .
" المال فيه خيرٌ وشرٌ، فيه حمل الكل وصلة الرحم " .
قال عائشة: " فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فراشه، فأخذت درعي، وأخذت إزاري، فتقنعت به، فخرجت أمشي، فقال: ترب جبينك أتخافين أن يحيف الله عليك ورسوله، أتاني جبريل، فأمرني أن آتي أهل البقيع فأستغفر لهم " .
" أمرت بقريةٍ تأكل القرى ويبقى اسمها، تنفى الخبث كما ينفى الكير خبث الحديد " .
" من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، لا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدها فليس مني " .
قالت عائشة: " جاءت ارمأة ومعها ابنتان لها، فأعطيتهما تمرة فشقتها بين ابنتيها، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على قفية ذلك فحدثته فقال: " من ابتلى بشيء من هؤلاء البنات كن له ستراً من النار " .
قالت أم سلمة: كنت أنا وميمونة عنده عليه السلام، فجاء ابن أم مكتوم، فقال: احتجبا، فقلنا: أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال: اعميا وإن أنتما؟ " لا تكونوا إمعين يقولون إن ظلم الناس ظلمنا، وإن أساء الناس أسأنا " .
" أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر " .
" الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة " .
" إني أكره أن أرى المرأة سلتاء مرهاء " .
" يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان: الحرص على الحياة، والحرص على المال " .
" من احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله بجذامٍ أو إفلاسٍ " .
" بئس قومٌ يشهدون قبل أن يستشهدوا ولهم لغطٌ في أسواقهم.
وسئل: أيضر الناس الغيط؟ فقال عليه السلام: كما يضر العضاة الخيط.
روى عن ابن أبي الحمساء قال: " بايعت النبي صلى الله عليه وسلم فوعدته مكاتنا، فنسيته يومي والغد، فأتيته اليوم الثالث، فقال: يا فتى، لقد شققت علي، أنا هنا منذ ثلاثٍ أنتظلاك " .
كان يقول عليه السلام: " اللهم إني أعوذ بك من الجبن والبخل " .
" من خرج من بيته فقال: اعتصمن بالله، وآمنت بالله، رزق خير ذلك المخرج " .
" إن أربي الربا الاستطالة في عرض المسلم " .
" من أكل من ذوات الريح، فلا يقربن مسجدنا " .
" من لم يستطع التزوج فالصوم له وجاءٌ " .
" من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير " .
" اللهم بك أصول، وبك أجول وبك أسير، اللهم بك أصاول وبك أقاتل " .
وقال في تميم: " ضخم الهام رجح الأحلام " .
" بئس العبد عبدٌ تخيل واختال، ونسي الكبير المتعال " .
وأتى عليه السلام بسارق، فقال: أسرقت؟ لا إخالك فعلت.
روى عن بعضهم قال: بينا أنا أمشي في بعض طرق المدينة - وعلى بردة ملحاء قد أرخيتها - إذ طعنني رجل، فقال: " لو رفعت ثوبك كان أتقى وأنقى " ، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. " تحت كل شعرةٍ جنابةً، فبلوا الشعر، وانقوا البشر " .
" يكفي أحدكم من الدنيا خادمٌ ومركبٌ " .
" يمن الخيل في شقرها " .
سئل عليه السلام عن البحر، فقال: " هو الطهور مأوه الحل ميتته " .
كان عليه السلام إذا سمع الرعد والصواعق قال: " اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعقابك " .
من روع مسلماً لرضا سلطان جيء به يوم القيامة مغلولاً " .
" من أدان ديناً ينوى قضاءه أداه الله عز وجل عنه " .
" إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه " .
" أطعموا الطعام، وصلوا والناس نيامٌ تدخلوا الجنة بسلام " .
" يطلع الله إلى عباده في النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين، ويملي للظالمين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه " .
" من أخذ هذا المال بإشراف نفسٍ لم يبارك له " ، يريد: بطلب وحرص.
" للوضوء شيطانٌ يقال له: الولهان " .
" يكون كنز أحدكم شجاعاً أقرع ذا زبيبتين حتى يلقمه يده " .
" العين وكاء السه؛ فإذا نامت العين استطلق الوكاء " .
وقال علي عليه السلام: أعتتقني النبي صلى الله عليه وسلم - ثم أجهش باكياً؛ قلت: ما يبكيك؟ قال: ضغائن قومٍ لا يبدونها لك إلا من بعدي " .
ما أذن الله لشيءٍ كإذنه لإنسان حسن الترنم بالقرآن " .
" لا طاعة لمخلوق في معصية الله " .
أتته عليه السلام امرأة فقال: ألك بعل؟ فقالت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه، قال، هو جنتك ونارك " .
ولما صبح خيبر قال عليه السرم: " إنا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذرين " .
قال أبو رافع: استسلف النبي صلى الله عليه وسلم - بكراً؛ فأمرني أن أقضيه، فلم أجد إلا جملا، قال: " أعطه؛ فإن خيار الناس أحسنهم قضاءً " .
وقال عليه السلام: لا يزال العبد خفيفاً معنقاً بذنبه ما لم يصب دماً، فإذا أصاب دماً بلج " .
وقال عليه السلام: " إذا أويت إلى فراشك؛ فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك " .
وكان عليه السلام يتعوذ من ضلع الدين.
ولولا أن المرأة تصنع لزوجا لصلفت عنده " .
" إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحدٌ " .
" لا تضرب أكباد الإبل إلا إلى المسجد الحرام، وطيبة وبيت المقدس " " فاطمة شجنة منّى يقبضنى ما قبضها ويبسطنى ما بسطها " " من سره أن يمثل له عباد الله قياماً فليتبوأ مقعده من النار " .
" مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة؛ ريحها طيبٌ وطعمها طيبٌ " .
" تركوا الترك ما تركوكم " .
" استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك " .
وقال له الحكيم بن حزام: أمور كنت أتحنث بها في الجاهلية من عتاقةٍ وصلة رحم، فهل لى فيها من أجر ؟ فقال عله السلام: " أسلمت على ما سلف من خير " " أكذب الناس الصّوّاغون والصباغون " قال له رجل: ما شيبك؟ فقال عليه السلام: " هود وذواتها " .
" من تعظم في نفسه، واختال في مشيه لقى الله وهو عليه غضبان " .
" إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء " .
" أربع من كن فيه كان منافقاً: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر " .
" لا ينظر الله إلى العائل الزهو " .
وقدم عليه جعفر بعد فتح خيبر، فقال صلى الله عليه وسلم: ما أدري بأيهما أنا أشد فرخاً، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر.
لا تسترضعوا أولادكم الرسح ولا الحمش؛ فإن اللبن يورث.
" لو أن رجلا نادى الناس إلى عرق أو مرماتين، لأجابوه وهم يتخلفون عن هذه الصلاة " .
يقول الله عز وجل: " خلقت عبادي حنفاء فأتتهم الشياطين فاحتالتهم " .
ولحق رجلا يجر إزاره؛ فقال عليه السلام::ارفع إزارك " فقال: إني أحف،فقال: " ارفع فكل خلق الله حسنٌ " .
" اللهم إني أسألك رحمة تلم بها شعثى " .
" إن الله يملى للظالم فإذا أخذه لم يفلته " ، ثم قرأ: " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظلمةٌ " .
" إني أعوذ بك من الفقر والذلة والقلة " .
" إذا طبخت فأكثر المرقة وتعاهد جيرانك " .
وسئل: ما الحزم؟ فقال عليه السلام: " تستشير أهل الرأي ثم تطيعهم " .
كان عليه السلام إذا أراد سفراً ورى إلى غيره.
وقال: " الحرب خدعة " .
قال زيد: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية، فسألني عنها، فقلت: كسوتها امرأتي، فقال: " أخاف أن تصف حجم عظامها " .
وذكر الجنة فقال عليه السلام: " ألا مشمر! يتلألأ وريحانةٌ تزهر " .
كان عليه السلام إذا أراد سفرا قال: " اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل؛ اللهم اصحبنا بنصحٍ، واقلبنا بذمةٍ، اللهم ازو لنا الأرض، وهون علينا السفر، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب " .
وقال لسعد بن معاذ رضي الله عنه: " لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعةٍ " .
وقال: " المؤمن وادٍ راقعٌ، فسعيدٌ من هلك على رقعه " .
" المسألة لا تحل إلا من غرم مفظع أو فقرٍ مدقعٍ " .
" من أعان غارماً في غرمه أظله الله عز وجل يوم لا ظل إلا ظله " .
" من كانت نيته الآهرة جعل الله تبارك وتعالى غناه في قلب، وأتته الدنيا وهي راغمةٌ " .
" لا يدخل الجنة ديوثٌ " .
" من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبةً من السحر " .
قال حذيفة، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن كان لله عز وجل خليفةٌ فضرب ظهرك، وأخذ مالك فأطعه، وإلا فمت وأنت عاض بجذل شجرةٍ " .
كان عليه السلام يطوف بالبيت فانقطع شسعه؛ فأخرج رجل شسعه من نعله، فذهب يشده في نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " هذه أثرةٌ ولا أحب الأثرة " .
" لايغني حذرٌ من قدرٍ، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل " .
وقال له رجل: أرسل راحلتي وأتوكل؟ فقال: بل اعقلها وتوكل " .
" الصبحة تمنح الرزق " ز " لا تجسسوا ولا تحسسوا " .
" حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه؛ فإن كان لا محالة فثلث طعامٌ، وثلث شرابٌ، وثلث لنفسك " .
عطس رجل عنده عليه السلام فشمته، ثم عطس فقال: " امتخط فإنك مضنوكٌ " .
" لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم " .
ومما ذكره أحمد بن أبي ضاهر في كتاب (المنشور والمظلوم): " لا تجن يمينك على شمالك " .
" اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني وزدني علماً " .
" إياكم وكثرة الضحك؛ فإنه يميت القلب ويورث النسيان " .
" الهدية تذهب السخيمة " .
وسئل أي الأصحاب أفضل؟فقال: " الذي إذا ذكرت أعانك، وإذا نسيت ذكرك " .
" إن الله كره لكم العبث في الصلاة، والرفث في الصيام، والضحك عند المقابر " .
وقرأ عليه السلام: " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام " .
فقال: " إن النور إذا دخل القلب انشرح وانفسح، قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما علامته التي يعرف بها؟ قال: " التخلي من دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت " .
" المسلم أخو المسلم، والمسلم نصيح المسلم " .
" حق المسلم على أخيه ست خصال: تسليمه عليه إذا لقيه، وتشميته إذا عطس، وإجابته إذا دا، وعيادته إذا مرض، وشهادته إذا توفى " .
" إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبله ولا تتفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال " .
" خير نساءٍ ركبن الإبل نساءٌ صوالح من قريش، أحناه على ولدٍ في صغره، وأرعاه على بعلٍ في ذات يده " .
" ما أظلت الخضراء، ولا أقلت العبراء أصدق لهجة من أبي در " .
من لم يتقبل من متنصلٍ صادقاً كان أو كاذباً لم يرد على الحوض " .
" لايزال المسروق منه في تهمة من هو بريءٌ حتى يكون أعظم جرماً من السارق " .
" لو دعيت إلى كراعٍ لأجبت، ولو أهدى إلى ذراعٌ لقبلت " .
" الجمعة حج المساكين " .
" من ذب عن لحم أخيه بظهر الغيب كان حقا على الله أن يحرم لحمه على النار " .
" السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب " .
" أربعٌ من جمعهن في يوم دخل الجنة: من أصبح صائماً، وأعطى سائلاً، وعاد مريضاً، وشيع جنازة " .
" من أحب أن يسمع الله دعوته ويفرج كربته في الدنيا والآخرة فلينظر معسراً " .
وكان عليه السلام إذا أفطر عند أهل بيت قال: " أفطر عندكم الصوام، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة " .
" سؤوا بين أولادكم في العطية؛ فلو كنت مؤثراً أحداً على أحد لآثرت النساء على الرجال " .
وروى: أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا أحمد بن جحش خطبا فاطمة بنت قيس؛ فأرسل عليه السلام إلها: أما معاوية فصعلوك، وأما أبو أحمد فهو هراوةٌ، فانكحى أسامة؛ فنكحت أسامة.
" الأيدي ثلاثةٌ: فيد الله العليا، ويد المعطى الوسطى، ويد المعطى السفلى " .
" الناس عاديان: فبائع رقبته فموثقها، أو معاديها فمعتقها " .
" لا يدخل الجنة جسدٌ نبت من السحت النار أولى به " .
" الحاج والعمار وفد الله، يعطيهم ما سألوا، ويخلف عليهم ما أنفقوا " .
" ألا أخبركم بشر الناس؟ الذي يسأل بالله ولا يعطى " .
وكان عليه السلام إذا شرب الماء قال: " الحمد لله الذي سقانا عذباً فراتاً برحمته، ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا " .
" ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته، فالأمير على الناس راعٍ وهو مسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئولٌ عنهم، وعبد الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسئول عنه " .
قالوا: يا رسول الله؛ أخبرنا بخصالٍ نعرف بها المنافقين، قال: " من حلف ففجر، وعاهد فغدر، وحدث فكذب " .
" من سرته حسنته وساءته سيئة فهو مؤمن " .
وكان يقول إذا لقى العدو: " اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل " .
" اللهم بارك لأمتي في بكورها " .
" لا يدخل الجنة مدمن خمرٍ، ولا مؤمنٌ بسحرٍ، ولا قاطع رحمٍ ولا كاهنٌ ولا منانٌ " .
" من قال: قبح الله الدنيا، قالت له الدنيا: قبح الله أعصانا لربه " .
" مثل أمتي كمثل المطر لا يدري أوله خيرٌ أم آخره " .
" كل ولد آدم فيه حسدٌ، فإذا وجد شيئاً من ذلك فليعه في قلبه، فإنه ليس عليه شيءٌ مالم يعده بقول ولا فعل " .
" يغضب الرب ويهتز العرش إذا مدح الفاسق " .
" اترعبون عن ذكر الفاجر؟ اذكروه بما فيه يحذره الناس " .
قال له رجل: يا رسول الله؛ نحن قوم نتساءل أموالنا، فقال: " يسأل الرجل في الجائحة والفتق لبصلح بين قومه، فإذا بلغ أو كرب استعف " .
" المسائل كدوحٌ يكدح بها الرجل وجهه؛ فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك؛ إلا رجلاً يسأل ذا سلطانٍ أو في أمر لابد منه " .
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، وليحسن إلى جاره " .
" إنما يكفي أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب " .
" خير فائدة أفادها المسلم بعد الإسلام امرأةٌ جميلةٌ: تسره إذا نظر إليها، وتعطيه إذا أمرها، وتحفظه في غيبته في ماله ونفسها " . " لا وفاء لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم " .
" إن المعونة تأتي على قدر شدة المئونة، وإن الفرج يأتي على قدر شدة البلاء " .
وقال عليه السلام لأبي بكر: " احفظ مني أربعا؛ لا يفتح عبدٌ باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقرٍ، ولا يفتح باب عفة إلا فتح الله عليه باب غنى، ولا يرتفع إلا وضعه الله، ولا يدع مظلمة إلا زاده الله عزا، وإن عيرك امرؤٌ بما ليس هو فيك فلا تعيره بما هو فيه يكون لك أجره وعليه وباله " .
" كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع " .
" الدال على الخير كفاعله " .
" والله يحب أن يستغيث به اللهفان " .
و " كل معروف صدقة " .
" رأس العقل بعد الإنسان مداراة الناس " .
" وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة " .
و " لن يهلك رجلٌ بعد مشورة " .
" إن الله عباداً خلقهم لحوائج الناس يرغبون في الأجر، يعدون الجود مجداً " .
" والله يحب مكارم الأخلاق " .
" إن لله عباداً خلقهم لحوائج الناس تفزع الناس إليهم في حوائجهم؛ أولئك الآمنون من عذاب الله " .
وعن أبي هريرة أنه عليه السلام: " ما عاب طعاماً قط؛ إن اشتهاه أكله وإلا لم يعبه " .
" اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، واتقوا الشح؛ فإن أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم " .
" انصر أخالك ظالماً أو مظلوماً؛ فقيل: يا رسول الله، هذا نصرته مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال: امنعه من الظلم فذلك نصرك إياه " .
" خلتان لا تجتمعان في مؤمن؛ البخل وسوء الخلق " .
" الوضوء قبل الطعام وبعده ينفي الفقر، وهو من أخلاق النبيين " .
" إن بني هاشمٍ فضلوا الناس بست خلال: هم أعلم الناس، وهم أسمح الناس، وم أصبح الناس، وهم أفضل الناس، وهم أشجع الناس، وهم أحب الناس إلى نسائهم " .
" نعم العمة لكم النخلة! تشرب من عينٍ خرارة، وتغرس في أرضٍ خوارةٍ " .
" الحمى في أصول النخل " .
" إذا كان هذا المال في قريشٍ فاض، وإن كان في غيرهم غاض " .
" أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وكونوا إخواناً كما أمركم الله " .
وقال له رجل: يا رسول الله لي جارٌ ينصب قدره ولا يعطني، فقال عليه السلام: " ما آمن بي هذا قط " .
" إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملاً موفرا صيبةً نفسه، حتى يدفعه إلى من أمر له أحد المتصدقين " .
" من اهتبل جوعة أخيه المسلم فأطعمه غفر الله له " .
" أحب الطعام إلى ما كثرت عليه الأيدي وإن قل " .
" من كان منكم بحب أن تستجاب دعوته وتكشف كربته فلييسر على المعسر " .
" ما من أحد أفضل منزلة من إمامٍ إن قال صدق، وإن حكم عدل، وإن استرحم رحم " .
وقال: " إن السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم من عباده، فإذا عدل كان له الأجر وعلى الرعية الشكر؛ وإذا جار كان عليه الإصر، وعلى الرعية الصبر " .
و " إذا جارت الولاة قحطت السماء " .
" أفضل الأعمال عند الله يوم القيامة: إيمانٌ لاشك فيه، وغزوٌ لا غلول فيه، وحج مبرورٌ يكفر خطايا تلك السنة " .
ليس من لهوكم شيءٌ تحضره الملائكة إلا النصال والرهان " .
وعن علي بن أب يطالب - كرم الله وجهه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ستكون فتنةٌ قلت: فما المخرج منها يا رسول الله قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخير ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو ليس بالهزل، من تركه من جبارٍ قصمه الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع من العلماء، ولا يخلق عن رد؛ ولا تنقضى عجائبه، هو الذي لم ينته الجن حين سمعته حتى قالوا: " إنا سمعنا قرءاناً عجباً " ، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن خاصم به فلج، ومن اعتصم به هدى إلى صراطٍ مستقيمٍ " .
" إن الله عز وجل لم يبعث نبياً إلا مبلغاً، وإن تشقيق الكلام والخطب من الشيطان " .
" كبرت خيانةً أن حدثت أخالك حديثاً هو لك مصدقٌ وأنت به كاذبٌ " .
وعن قيس بن أبي غرزة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نبتاع في السوق، وكنا ندعى السماسرة، فقال: يا معشر التجار، فاشرأب القوم، فقال: ألا إن الشيطان والإثم يحضران البيع فشوبوا بيعكم بصدقه. قال: ففرحنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر التجار، وكان أول من سمانا التجار.
" رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره " .
" إذا أقبلت الرايات السود من قبل المشرق فأولها فتنةٌ، وأوسطها هرجٌ، وآخرها ضلالة " .
" من ولع بأكل الطين فكأنهما أعان على قتل نفسه " .
" إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو دونه ممن فضل هو عليه " .
وكتب عليه السلام لعبد الله بن جحش، وكان أخرجه في ثمانية من المهاجرين: من محمد رسول الله، عليكم بتقوى الله، سيروا على بركة الله حتى تأتوا نخيلة، فعليكم إقامة يومين، فإن لقيتم كيداً فاصبروا، وإن غنمتم فوفروا، وإن قتلتم فأثخنوا، وإن أعطيتم عهداً فأوفوا، ولا تقبلوا عهد المشركين.
وقال لعمرو بن العاص لما أخرجه إلى ذات السلاسل يا عمرو؛ إني قد بعثت معك المهاجرين قبلك، واستعملتك على من هو خيرٌ منك.إذا أذن مؤذنك للصلاة فاسبقهم، فإذا جهرت بالقراءة فارفع صوتك وأسمعهم تكبيرك، ولا تقصر في الصلاة فتضيع أجرهم، ولا تطول فتملهم، واسمر بهم فإنه أذكى لحراستهم ولا تحدثهم عن ملوك الأعاجم فيتعلموا الغدر، ورغبتهم في الوفاء فإن ذلك الملك أخذ بغير الله، وعمل فيه بمعصية الله فدمره الله تدميراً.
ثم أمده بأبي عبيدة، ومعه أبو بكر وعمر وغيرهما. وقال له...
لا تستأخرن عن الله فتسبق إليه، قل ما تفعل، واعمل ما تأمر ولا تشقق الكلام تشقيق الكهان، ولا تبحث عن المعصية، ولا تسأل عن القالة. وتغمد ما لم تكن البينة، وإذا وجب الحد فلا تقصر عنه، وإذا قدمت على صاحبك فإن عصاك فأطعه.
وكان عليه السلام إذا بعث سرية أو وجه جيشاً قال: اغزروا باسم الله وفي سبيل الله، لا تغدروا ولا تميلوا، ولا تجبنوا ولا تغلوا، وإذا أنت لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاثٍ خصال، ما أجابوك إليها فاقبل: ادعهم أن يدخلوا في الإسلام؛ فإن فعلوا كان لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم؛ فإن أبوا فإلى أن يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، فإن أبوا فاستعن عليهم بالله وقاتلهم، ولا تنزلوهم على حكم الله؛:فإنكم لا تدرون أتصيبون حكم الله فيهم أم لا، ولكن أنزلوهم على حكمكم، ولا تعطوهم ذمة الله ولا ذمة رسوله، ولكن أعطوهم ذممكم وذمم آبائكم فإنكم إن تخفروها خير من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله.
وأول خطبة خطبها عليه السلام بمكة حين دعا قومه فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبت الناس ما كذبتكم ولو غررت الناس ما غررتكم، والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم حقاً، وإلى الناس كافةً، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون ولتجزون بالإحسان إحساناً، وبالسوء سوءاً، وإنها للجنة أبداً أو الناء أبداً، وإنكم لأول من أنذر بين يدي عذابٍ شديد.
وكان عليه السلام يقول في خطبة العيد: يا أيها الناس؛ آمنوا برسول الله، " وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم " .
" ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب " .
هذا يومٌ أكرمكم الله به وخصكم، وجعله لكم عيداً؛ فاحمدوا الله كما هداكم لما ضل عنه غيركم، وقد بين الحلال والحرام؛ غير أن بينهما شبهاً من الأمر لم يعلمها كثيرٌ من الناس، إلا من عصم الله؛ فمن تركها حفظ عرضه ودينه، ومن وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى أوشك أن يقع فيه، فعليكم بطاعة الله واجتناب سخطه، غفر الله لنا ولكم.
وخطب عليه السلام: فقال أما بعد أيها الناس، اتقوا خمساً قبل ان يحللن بكم ؛ مانكث قوم العهد الا سلط الله عليهم عدوهم ولابخس قوم الكيل والميزان الااخذهم الله بالسنين، ونقص من الثمرات، وما منع قومٌٌ الزكاة الاحبس الله عنهم قطر السماء، وما ظهرت الفاحشة قط في قوم ألا سلط الله عليهم الطاعون وخطب عليه السلام فقال:أحذركم يوماً لا يعرف فيه لخير أمد ولا ينقطع لشر أمد ولا يعتصم من الله أحد.
وكتب لخثعم: هذا كتاب من محمد رسول الله. لولد خثعم حاضر بيشة وباديتها؛ إن كل دمٍ سفك في الجاهلية فهو عنكم موضوعٌ، من أسلم منكم طوعاً أو كرهاً في يده حريٌ أو برثٌ في خيارٍ أو عزازٍ تسقيه السماء أو يرويه الماء فزكا عمارة في غير أزمة ولا حطمةٍ، فلكم بسره وأكله، عليكم في كل سيحٍ العشر وفي الغيل نصف العشر، شهد حزمٌ ومن حضر من المسلمين. وذكر ابن عباس أن أول خطبة صلى بها الجمعة: الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره، وأستهديه، وأومن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترةٍ من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الآجال، فمن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالاً مبيناً.
وخطب عليه السلام يوم الأحزاب فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: والّذي بعثني بالحقّ، إنّهم لحزب الشياطين يحدّثونهم فيكذبونهم، ويمنّونهم فيغرّونهم، ويعدونهم فيخلفونهم، واللّهما حدّثتكم قكذبتكم، ولا منّيتكم فغررتكم، ولا وعدتكم فأخلفتكم. اللهمّ اضرب وجوههم،وأكلّ سلاحهم، ولا تبارك لهم في مقامهم. اللهم مزّقهم في الأرض تمزيق الرّياح الجراد. والذي بعثنى بالحقّ لئن أمسيتم قليلا لتكثرنّ، ولئن كنتم أذلّةً لتعزّنّ، ولئن كنتم وضعاء لتشرفنّ حتىّ تكونوا نجوماً يقتدي بواحدكم، يقال: قالفلان وقال فلان.
ومن كلامه الموجز الذي صار مثلا.
" يا خيل اللّه اركبي " . " لا ينتطح فيه عنزان " .
" لا يلسع المؤمن من حجر مرتين " ، " لا يجنى على المرء إلا يده " ، " الشديد من غلب نفسه " ، " ليس الخبر كالمعاينة " ، " الشهد يرى ما لا يرى الغائب " ، " لو بغى جبل على جبل لدكّ الباغى " ، " الحرب خدعة " ، " المسلم مرآة أخيه " ، " اليد العليا خير من اليد السفلى " ، " البلاء موكّل بالمنطق " ، " الغنى غني النفس " ، " الأعمال بالنيات " " اليمين الفاجرة تدع البيوت بلاقع " " سيد القوم خادمهم " " إن من الشعر حكماً " ، " إن من البيان سحراً " ، " الصحة والفراغ نعمتان " ، " ما نقص مالٌ من صدقةٍ " ، " استعينوا على الحوائج بالكتمان " ، " ليس منا من غشنا " ، " المرء مع من أحب " ، " المستشار مؤتمنٌ " ، " الدال على الخير كفاعله " ، " حبك الشيء يعمي ويصم " ، " السفر قطعةٌ من العذاب " ، " المسلمون عند شروطهم " ، " جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبعض من أساء إليها " ، " عفو الملوك أبقى للملك " .
وقال عليه السلام لأصيل الخزاعي: يا أصيل، كيف تركت مكةً؟ قال: تركتها وقد أحجن ثمامها، وأمشر سلمها، وأعذق إذخرها. فقال عليه السلام: " دع القلوب تقر " .
وقال عليه السلام: " سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن " .
وقال: " من رضى رقيقه فليمسكه، ومن لم يرض فلا تعذبوا عباد الله " .
وقال: " إن الله يحب الجواد من خلقه " .
وقال: " من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبي " .
وكان عليه السلام إذا دخل مكة كبر ثلاثاً وقال: " لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٍ، آيبون تائبون، عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده " .
وكان في جنازة فبكى النساء فانتهرهن عمر رضي الله عنه، فقال عليه السلام: " دعهن يا عمر، فإن النفس مصابةٌ، والعين دامعةٌ، والعهد قريب " .
وقال: " إنما بعثت رحمة مهداةً " .
وقال: " إسباغ الوضوء على المكارة، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة تغسل الخطايا غسلاً " .
وقال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يرفعن إلينا عورة مسلمٍ " .
وقال: " من أعطى الذل من نفسه فليس مني " .
وقال: " كفك اللسان عن أعراض الناس صيامً " .
وقال: " القر بؤسٌ والحر أذى " .
وكان عليه السلام إذا نزل به الضيق في الرزق أمر أهله بالصلاة ثم تلا هذه الآية: " وأمر أهلك بالصلوة واصطبر عليها لا نسئلك رزقاً نحن نرزقك " .
ورأى رجلا متغيرا فقال: ما لهذا؟ قالوا: مجنون يا رسول الله، فقال عليه السلام: " المجنون من عصى الله، أما هذا فمصابٌ " .
وقال عليه السلام: " لاتغضبوا الحكام فيحتروا عليكم الأحكام " .
وقال: " العدة عطيةٌ " .
وسئل عن أصحابه فذكرهم، ثم سئل عن علي عليه السلام، فقال صلى الله عليه: وهل يسأل الرجل عن نفسه؟ ورأى عليه السلام رجلا قد ذهب بصره فقال: يا فلان؛ متى ذهبت دنياك؟ وقال: " إن قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة، فاستطاع أن يغرسها فليغرسها " .
وقال: " المغبون لا محمودٌ ولا مأجورٌ " .
وقال: " إذا أتاكم الأكفاء فالقوهن إلقاء " .
وسئل عليه السلام عن عمل يحبه الله، فقال: " ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس " .
وقال: " إن الله عز وجل يبغض الشيخ الغربيب " .
وقال: " خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي " .
وقيل له عليه السلام: فلان عالمٌ بالنسب، فقال: علمٌ لا ينفع، وجهلٌ لا يضر.
الباب الثالث
غرر من كلام أمير المؤمنين علي
عليه السلام وخطبهحكى عن ابن عباس أنه قال: عقمت النساء أن يأتين بمثل علي بن أبي طالب؛ لعهدي به يوم صفين وعلى رأسه عمامةٌ بيضاء، وهو يقف على شرذمةٍ من الناس يحثهم على القتال، حتى انتهى إلى وأنا في كنفٍ من الناس، وفي أغيلمة من بني عبد المطلب؛ فقال: يا معشر المسلمين تجلببوا السكينة، وأكبروا اللأمة، وأقلقوا السيوف في الأغماد، وكافحوا بالظبا، وصلوا السيوف بالخطا، فإنكم بعين الله، ومع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاودوا الكر، واستحيوا من الفر؛ فإنه عارٌ في الأعقاب، ونارٌ يوم الحساب، وطيبوا عن الحياة نفساً، وسيروا إلى الموت سيراً سجحا؛ ودونكم هذا الرواق الأعظم، فاضربوا ثبجه؛ فإن الشيطان راكبٌ صعيديه. قد مد للوثبة رجلاً، وأخر للنكوص أخرى، فصمداً صمداً حتى يبلغ الكتاب أجله. " والله معكم ولن يتركم أعمالكم " .
ثم صدر عني وهو يقول: " قتلوهم بعذابهم الله بأيديكم ويخرهم وينصركم عليهم ويشف صدور قومٍ مؤمنين " .
ومن كلامع عليه السلام: أيها الناس: إن الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر عن عذاب الله.
ومنه: كم بين عمل قد ذهب تعبه، وبقي أجره، وبين عملٍ قد ذهبت لذته، وبقيت تبعته.
وسئل عن بني هاشم فقال: أطيب الناس أنفسا عند الموت وذكر مكارم الأخلاق. وعن بني أمية فقال: أشدنا حجزاً، وأدركنا للأمور إذا طلبوا، وعن بني المغيرة فقال: أولئك ريحانة قريش التي تشمها. وسئل عن بطن آخر كنى عنهم فقال: ومن بقى من قريش.
وقال: " خصصنا بخمس: فصاحةٍ، وصباحةٍ، وسماحةٍٍٍٍ، ونجة، وحظوة عن النساء.
وقال: " رأى الشيخ أحب إلينا من مشهد الغلام.
وقال الجاحظ قال أبو عبيدة: أول خطبة خطبها علي عليه السلام: حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال: أما بعد. فلا يرعين مرعٍ إلا على نفسه؛ شغل من الجنة، والنار أمامه، ساعٍ مجتهدٌ، وطالبٌ يرجو، ومقصرٌ في النار. ثلاثةٌ. واثنان: ملكٌ طار بجناحيه، ونبي أخذ الله بيده ولا سادس. هلك من ادعى، وردى من اقتحم؛ فإن اليمين والشمال مضلةٌ، والوسطى الجادة. منهجٌ عليه باقي الكتاب والسنة وآثار النبوة. إن الله داوى هذه الأمة بدوائين: السوط والسيف، لا هوادة عند الإمام فيهما. استتروا ببيوتكم، واصطلحوا فيما ينكم، والتوبة من ورائكم. من أبدى صفحته للحق هلك. قد كانت أمور لم تكونوا فيها عندي محمودين. أما إني لو أشاء لقلت عفا الله عما سلف. سبق الرجلان ونام الثالث؛ كالغراب همته بطنه. ويحه لو قص جناحه وقطع رأسه لكان هيرا له. انظروا فإن أنكرتم فأنكروا وإن عرفتم فأقروا؛ حق وباطلٌ، ولكل أهل ولئن أمر الباطل لقديماً فعل. ولئن قل الحق لربما ولعل ولقلما أدبر شيء فأقبل ولئن رجعت عليكم أموركم إنكم لسعداء؛ وإني لأخشى أن تكونوا في فترةٍ. وما علينا إلا الاجتهاد.
قال أبو عبيدة: وروى فيها جعفر بن محمد عليه السلام: ألا إن أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلم الناس كباراً. ألا وإنا من أهل بيت من علم الله علمنا، وبحكم الله حكمنا، ومن قول صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا بهلككم الله بأيدينا. معنا راية الحق. من تبعها لحق، ومن تأخر عنا غرق. ألا وبنا تدرك ترة كل مؤمن، وبنا تخلع ربقة الذل من أعناقكم، وبنا فتح لابكم، وبنا يختم لا بكم.
وخطبة أخرى له: أيها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم. كلامكم يوهى الصم الصلاب. وفعلكم يطمع فيكم عدوكم. تقولون في المجالس كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم حيدي حياد. ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل. وسألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول، لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك الحق إلا بالجد، أي دارٍ بعد داركم تمنعون أم مع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتمو، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحت والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم. فرق الله بيني وبينكم! وأعقبني من هو خيرٌ لي منكم.
والله لو وددت أن لي بكل عشرةٍ منكم رجلا من بني فراس بن غنمٍ، صرف الدينار بالدرهم.
وذمٌ رجل الدنيا عنده، فقال: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها. مهبط وحي الله، ومصلي ملائكته، ومسجد أنبيائه، ومتجر أوليائه، ربحوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة. فمن ذا يذمها؟ وقد آذنت ببينها، ونادت بفراقها، وشبهت بسرورها السرور وببلائها البلاء ترغيباً وترهيباً. فبأيها الذام للدنيا المعلل نفسه، متى خدعتك الدنيا، أم متى استذمت إليك. أبمصارع آبائك في البلى أم بمضاجع أمهاتك في الثرى، كم مرضت بيديك، وعللت بكفيك، تطلب له الشفاء، وتستوصف له الأطباء، غداة لا يغنى عنه دواؤك، ولا ينفعه بكاؤك.
ودعاه رجلٌ إلى طعام فقال عليه السلام: نأتيك على ألا تتكلف لنا ما ليس عندك، ولا تدخر مما عندك.
وقام إليه الحارث بن حوط الليثي وهو على المنبر فقال: أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كانا على ضلال؟ فقال: يا حار؛ إنك ملبوسٌ عليك؛ إن الحق لا يعرف بالرجال، فاعرف الحق تعرف أهله.
وكان عليه السلام يقول في دعائه: اللهم إن ذنوبي لا تضرك، وإن رحمتك إياي لا تنقصك فاغفر لي ما لا يضرك، وأعطني ما لا ينقصك.
وقيل له: كم بين السماء والأرض؟ فقال: دوةٌ مستجابةٌ وقيل له: كم بين المشرق والمغرب؟ فقال: مسيرة يومٍ للشمس من قال غير هذا فقد كذب.
وسئل عن عثمان، فقال: خذله أهل بدر. وقتله أهل مضر، غير أن من نصره لا يتسطيع أن يقول خذله من أنا خير منه. ووالله ما أمرت به ولا نهيت عنه، ولو أمرت به لكنت قائلاً، ولو نهيت عنه لكنت ناصراً. استأثر عثمان فأساء الأثرة، وجزعتم فأفحشتم الجزع.
وسأله الحسين عليه السلام عن النذالة، فقال: الجرأة على الصديق، والنكول عن العدو.
وذكرت عنده عليه السلام الخلافة، فقال: لقد تقمصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أن محل منها القطب، ينحدر عني النسيل ولا تترقى إلى الطير. فصبرت وفي الحلق شجاً، وفي العين قذى، لما رأيت تراي نهباً. فلما مضى لسبيله صيرها إلى أخي عدي، فصيرها إلى ناحيةٍ خشناء تسنع مسها، ويعظم كلامها، فمنى الناس بتلوم وتلون، وزللٍ واعتذار، فلما مضى لسبيله صيرها إلى ستة زعم أني أحدهم. فيالله وللشورى! متى اعترض في الريب فأقرن بهذه النظائر؟ فمال رجلٌ لضغنه، وصغا آخر لصهره. وقام ثالث القوم نافجا خصييه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يهضمون مال الله هضم الإبل نبات الربيع، فلما أجهز عليه عمله، ومضى لسبيله ما راعني إلا والناس إلى سراعاً كعنق الضبع، وانثالوا على من كل فج عميق، حتى وطيء الحسنان، وانشق عطفاي؛ فلما نهضت بالأمر مرقت طائفىٌ، ونكثت أخرى، وفسق آخرون، كأن لهم يسمعون الله يقول: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علو في الآرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين " . بلى والله قد سمعوه، ولكن احلولت الدنيا في عيونهم، وراعهم زبرجها. أما والله لولا حضور الناصر، ولزوم الطاعة، وما أخذ الله على العباد ألا يقروا كظة ظالمٍ، ولا شغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيت دنياكم هذه أهون عندي من عفطة عنز.
شتان ما نومي على كورها ... ونوم حيان أخي جابر
فقام رجل من القوم فناوله كتابا شغل به، فقال ابن عباس: فقمت إليه، وقلت له: يا أمير المؤمنين؛ لو أبلغت مقالتك من حيث قطعت. قال: هيهات إنها كانت شقشقةً هدرت فقرت.
وقال: إن الله عز وجل فرض في أموال الأغنياء أوقات الفقراء، فما جاع فقيرٌ إلا بما منع غني. وعلى الله أن يسألهم عن ذلك.
وكان عليه السلام يقول: عليكم بالصبر:، فإن به يأخذ الحازم وإليه يئول الجازع. وقال: لا خير في صحبة من إذا حدثك كذبك، وإذا حدثته كذبك. وإن ائتمنته خانك، وإن ائتمنك اتهمك، وإن أنعمت عليه كفرك، وإن أنعم عليه منّ عليك.
ومن كلامه عليه السلام: أعجب ما في هذا الإنسان قلبه، وله مواد من الحكمة وأضدادٌ من خلافها، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرس، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن هاج به الغضب استبد به الغيظ، وإن أسعده الرضا نسى التحفظ، وإن ناله الخوف شغله الحزن، وإن استع له الأمن استلبته الغرة، وإن عادت له نعمةٌ أخذته العزة، وإن امتحن بمصيبةٍ فضحه الجزع، وإن أفاد ما لا أطغاه الغنى، وإن عضته فاقةٌ أضرعه البلاء، وإن أجهده الجزع أقعده الضعف، وإن أفرط في الشبع كظته البطنة؛ فكل تقصيرٍ، وكل إفراطٍ له مفسد.
وقال عليه السلام: يأتي على الناس زمانٌ لا يقرب فيه إلا الماحل، ولا يظرف فيه إلا الفاجر، ولا يعف فيه إلا المنصف. يتخذون الفيء مغنماً، والصدقة مغرماً، وصلة الرحم منا، والعبادة استطالةً على الناس؛ فعند ذلك يكون سلطان النساءئئن ومشاورة الإماء، وإمارة الصبيان.
وقال: عليكم بأوساط الأمورن فإنه إليها يرجع الغالي، وبها يلحق التالي.
وخطب فقال: اتقوا الله الذي إن قلتم سمع، وإن أضمرتم علم، واحذروا الموت الذي إن أقمتم أخذكم، وإن هربتم أدرككم. فقال ابن عباس: والله لكأن هذا الكلام ينزل من السماء.
وقال له رجل: عظني، فقال: لا تكن ممن يرجو الجنة من غير عملٍ، ويؤخر التوبة لطول الأمل، ويقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إن أعطى منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع. يعجز عن شكر ما أوتى، ويبتغي الزيادة على ما أولى ولا ينتهي. يقول: لا أعمل فأتعنى؛ بل أجلس فأتمنى؛ فهو يتمنى المغفرة، ويدب للمعصية. وقد عمر ما يتذكر فيه من تذكر. وإلى الله المصير.
وقال في وصية: لا يكبر عليك ظلم من ظلمك؛ فإنما يسعى في مضرته ومنفعتك. وليس جزاء من سرك أن تسوءه.
وقال له رجل: أوصني. فقال: لا تحدث نفسك بالفقر وطول العمر.
وقال: الأمل على الظن آفة العمل على اليقين.
وقال: ما مزح أحدٌ مزحةً إلا مج من عقله مجة.
وخطب فقال: أيها الناس، كان فيكم أمانان من عذاب الله، قال الله عز وجل: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " . وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي الاستغفار؛ فتمسكوا به.
وقال: أين من سعى واجتهد، وأعد واحتشد، وجمع وعدد، وبنى وشيد، وزخرف ونجد، وفرش ومهد " .
قال جعفر بن يحيى - وقد ذكر هذا الكلام - هكذا تكون البلاغة، أن يقرن بكل كلمة أختها، فتلوح الأولى بالثانية قبل ظلوعها، وتؤكد الثانية الأولى قبل انفصالها، وتزيد كل واحدة في نور الأخرى وضيائها.
ومر في منصرفه من صفين بمقابر، فقال: السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، من المؤمنين والمؤمنات. يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين منا، أنتم لنا سلفٌ فارطٌ. ونحن لكم تبعٌ؛ وإنا بكم عما قليلٍ لاحقون. اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم. الحمد لله الذي منها خلقنا، وعليها ممشانا، وفيها معاشنا. طوبى لمن ذكر المعاد، وأعد للحساب، وقنع بالكفاف.
ومن كلامه عليه السلام: التجارب لا تنقضي، والعاقل منها في زيادةٍ.
وقال من رضى عن نفسه كثر سخط الناس عليه.
وأخبر عليه السلام بقول الأنصار يوم السقيفة لقريش: منا اميرٌ ومنكم أميرٌ. فقال: أذكرتموهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استوصوا بالأنصار خيرا، اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم " ؟ قالوا: وما في ذلك؟ قال: كيف تكون الإمامة لهم مع الوصية بهم؟ لو كانت الإمامة لهم لكانت الوصية إليهم. فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال: ذهبت والله عنا، ولو ذكرناها ما احتجنا إلى غيرها.
وقال عليه السلام: كن في الناس وسطاً، وامش جانبا.
وقال: أفضل العبادة الصمت وانتظار الفرج.
وقال: أوصيكم بأربعٍ لو ضربتم إليها أباط افبل لكن لها أهلاً: لا يجون أحدكم إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحين أحدٌ إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، ولا يستحين أحدٌ إذا لم يعلم شيئاً أن يتعلمه.
وقال: جمال الرجل في كمته، وجمال المرأة في خفها.
وقال: خذ الحكمة أنى أتتك، فإن الحكمة تكون في صدر المنافق فتتلجلج في صدره، حتى تخرج فتسكن مع صواحبها.
وقال: كل الدنيا علىالعاقل، والأحمق خفيف الظهر.
وقال مصعب الزبيري: كان علي بن أبي طالب حذراً في الحروب، شديد الروغان من قرنه، لا يكاد أحدٌ يتمكن منع؛ وكانت درعه صدراً لا ظهر لها. فقيل له: ألا تخاف أن تؤتى من قبل ظهرك؟ فقال: إذا أمكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله عليه إن أبقى علي.
وسمع حرورياً يقرأ بصوت حزين في الليل، فقال: نومٌ على يقينٍ خيرٌ من صلاةٍ في شك.
وقال له يودي: ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم. فقال: إنما اختلفنا عنه لا فيه؛ ولكن ما إن جفت أرجلكم من البحر حتى قلتم: " اجعل لنا إلهاً كما ءالهةٌ قال إنكم قومٌ تجهلون " .
وقال عليه السلام: لله امرؤ راقب ربه، وخاف ذنبه، وعمل صالحاً، وقدم خالصا. احتسب مذخوراً واجتنب محذوراً، رمى غرضاً، وأخر عوضاً. كابر هواه، وكذب مناه. جميع الحقوق متاحة لجميع المسلمين
المؤلف : الآبي
ودخل عليه كعب بن مالك الأنصاري، فقال: يا أمير
المؤمنين بلغك عنا أمرٌ لو كان غيرك لم يحتمله، ولو كان غيرنا لم يقم معك
عليه. ما في الناس من هو أعلم منك، وفي الناس من نحن أعلم منه. وأوضع العلم
ما وقف عليه اللسان، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان. ونحن أعرف بقدر
عثمان من قاتليه، وأنت أعلم بهم وبخاذليه. فإن قلت إنه قتل ظالماً قلنا
بقولك، وإن قلت إنه قتل ظالماً قلنا بقولك، وإن قلت إنه قتل مظلوماً قلت
بقولنا، وإن وكلتنا إلى الشبهة أيأستنا بعدك من إصابة البنة.
فقال عليه السلام: عندي في عثمان أربعٌ: استأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، ولله عز وجل حكم عادلٌ في المستأثر والجازع.
قال
ابن عباس: ما انتفعت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتفاعي بكلام علي
عليه السلام. كتب إلي: أما بعد؛ فإن المرء يشره درك ما لم يكن يفوته،
ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما أدركت من الآخرة، وليكن أسفك
على ما فاتك منها، وما أتاك من الدنيا فلا تكن به فرحاً، وما فاتك فلا تكن
عليه جزعا، وليكن همك لما بعد الموت والسلام.
وقال: لسان الإنسان يخطر على جوارحه.
وقيل
له: ألا تخضب - وقد خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فقال: أنا
أعلم بشجر أرضي. كان ذلك والإسلام قل. فأما إذا اتسع نطاق الإسلام فامرؤ
وما اختار.
وقال في خطبته بصفين: قدموا الدراع. وأخروا الحاسر، وأميتوا الأصوات والتووا في أطراف الأسنة، واردعوا العجاج.
وقيل له: كيف الرزق والأجل؟ فقال: إن لك عند الله رزقاً، وله عندك أجلاً، فإذا وفاك مالك عنده أخذ ماله عندك.
ونزل
به رجل، فمكث عنده أياما، ثم تغوث إليه في خصومة، فقال علي: أخصم أنت؟
نعم. قال: تحول عنا. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يضاف الخصم
إلا ومعه خصمه.
وقال عليه السلام: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يعظم حلمك ويكثر علمك.
وقال:
أشد خلق ربك عشرة أشياء، فأشدها الجبال فإن الحديد ينحت الجبال، والنار
تأكل الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب يحمل الماء، والريح يفرق السحاب،
والرجل يتقي من الريح بيده فيبلغ حاجته، والسكر يغلب الإنسان والنوم يذهب
بالسكر، والهم يمنع النوم، فأشد خلق ربك الهم.
وقال: إن الله أعان الكذابين بالنسيان.
وقال
عليه السلام: المدة قصيرةٌ وإن طالت، والماضي للمقيم عبرةٌ، والميت للحي
عظة، وليس لأمس إذا مضى عودة، ولا المرء من غده على ثقة، والأول للأوسط
جابذٌ، والأوسط للآخر آخذ، وكل لكل مفارقٌ، وكل بكل لاحقٌ، واليوم الهائل
لكل آزفٌ، وهو اليوم الذي لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله
بقلبٍ سليمٍ. اصبروا على عملٍ لا غنى بكم عن ثوابه، واصبروا عن عملٍ لا صبر
لكم على عقابه، إن الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله.
اعلموا أنكم في نفسي معدود، وأجلٍ محدود، ولا بد للأجل أن يتناهى، وللنفس
أن يحصى، وللسبب أن يطوى: " وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما
تفعلون " .
وكان إذا نظر إلى الهلال قال: اللهم اجعلنا أهدى من نظر إليه، وأزكى من طلع عليه.
وقال
له الحسن عليه السلام: أما ترى حب الناس للدنيا؟ قال: هم أولادها. أفيلام
المرء على حب والدته؟ وقال في القرآن: خير من قبلكم ونبأ من بعدكم وحكم ما
بينكم وكان من دعائه: اللهم لا تجعل الدنيا لي سجناً، ولا فراقها علي
حزناً. أعوذ بك من دنيا تحرمني الآخرة، ومن أملٍ يحرمني العملن ومن حياة
تحرمني خير الممات.
وقال: الكريم لا يلين على قسرٍ، ولا يقسو على يسرٍ
وقال: الدهر يومان؛ يوم لك ويم عليك؛ فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك
فاصبر، فبكليهما أنت مختبرٌ.
وقال له رجل: متى أضرب حماري؟ قال: إذا لم يذهب في حاجتك كما ينصرف إلى البيت.
وقال
عليه السلام: النكبات لها غاياتٌ لا بد أن تنتهي إليها. فيجب للعاقل أن
ينام لها إلى وقت إدبارها. فالمكابرة لها بالحيلة زيادةٌ فيها.
وقال: تعطروا بالاستغفار لا تفضحكم روائح الذنوب.
ومن
كلامه الموجز عليه السلام: قيمة كل امرئ ما يحسن. إعادة الاعتذار تذكيرٌ
بالذنب. النصح بين الملإ تقريعٌ. إذا تم العقل نقص الكلام. الشفيع جناح
الطالب.
من كتم علماً فكأنه جهله. أهل الدنيا كصورٍ في صحيفة كلما
نشر بعضها طوى بعضها. المسئول حر حتى يعد إذا طرت فقع قريباً لا يرضى عنك
الحاسد حتى يموت أحدكما. أكبر الأعداء أخفاهم مكيدةً. السامع للغيبة أحد
المغتابين. الصبر على المصيبة مصيبةٌ على الشامت بها. أتستبطئ الدعاء
بالإجابة وقد سددت طريقه بالذنوب؟ عبد الشهوة أذل من عبد الرق. لا أدري
أيهما أمر، موت الغني أو حياة الفقير. العلم لا ينقطع ولا ينفذ كالنار لا
ينقصها ما يؤخذ منها. من كثر حقده قل عتابه. كفى بالظفر شفيعاً للمذنب.
الساعي ظالمٌ لمن سعى به، خائنٌ لمن سعى إليه. التواضع سلم الشرف. التجارب
عقلٌ مكتسبٌ. إباك والكسل والضجر؛ فإنك إن كسلت لم تؤد حقاً، وإن ضجرت لم
تصبر على حق لا ترج إلا ربك، ولا تخش إلا ذنبك، وكن بما في يد الله أوثق
منك بما في يدك. كفى بالمرء شراً أن يعرف من نفسه فساداً فيقم عليه، وكفى
به أدباً أن يترك أمرا يكرهه من غيره. من ساس نفسه بالصبر على جهل الناس
صلح أن يكون سائساً العقل يأمرك بالأنفع، والمروءة تأمرك بالأجمل. ما ضاع
امرؤ عرف قدر نفسه. الفقر يخرس الفطن عن حجته. الأدب حللٌ جددٌ. التثبت
حزمٌ. الفكر مرآة صافيةٌ. الاعتبار منذرٌ ناصحٌ. البشاشة فخ المودة. تنقاد
الأمور في المقادير، حتى يكون الحتف في التدبير. القلب إذا أكره عمى. من
لانت كلمته وجبت محبته. لا راحة لحسود، ولا وفاء لملول، ولا مروءة لكذوبٍ.
الدنيا كلها يد إلا ما سد جوعةً، وستر عورةً، وهو الذي استثنى عز وجل لآدم
حيث قال: " إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى " . الدنيا والآخرى كالمشرق
والمغرب، كلّما قربت من أحد بعدت من الآخر.
ومن أمثاله عليه السلام: خسر
مروءته من ضيّع يقينه،وأزرى بنفسه من استشعر الطّمع، ورضى بالذلّ من كشف
ضرّه، وهانت عليه نفسه من أمّر عليها لسانه.
ولما فرغ - رضى اللّه عنه -
من حرب الخوارج مرّ بإيوان كسرى،فقال: " أتبنون بكلّ ريع ءاية تعبثون
وتتّخذون مصانع لعلّكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين " ،فقال رجل كان
معه:
دار تخيره لطيب مقيلها ... كعب بن مامة وابن أم إياد
جرت الرّياح على رسوم ديارهم ... فكأنّما كانوا على ميعاد
فقال
عليه السلام: ألا قلت كما قال اللّه عز وجل: " كم تركوا من جنّت وعيون
وزروع ومقامكريم ونعمة كانوا فيها فكهين كذلك وأورثنها قوماً آخرين " .
ثم
قال:إن هؤلاء كانوا وارثين فصاروا مورثين، ولم يكونوا شاكرين، فأصبحوا
مسلوبين، ولم يكونوا حامدين، فأصبحوا محرومين، وكفروا النعم فحلّت بهم
النقم.
وكتب إلى عامل له: أما بعد، فاعمل بالحقّ ليوم لا يقضى فيه إلا بالحق والسلام.
وقال عليه السلام: ربّ حياة سببها التّعرض للموت، وربّ ميتة سببها طلب الحياة.
وقال عليه السلام: إياكم ومحّقرات الذنوب، فإن الصغير منها يدعو إلى الكبير.
أتى عليه السلام - بفالوذج، فقال لأصحابه: كلوا فوالله ما اضطرب الغاران إلا عليه.
وقال: لا يكون الرجل سيد قومه، حتى لا يبالي أي ثوبيه لبس.
وقال
له ابن دودان الأسدي: كيف دفعتهم يا أمير المؤمنين عن هذا الموضع وأنتم
الأعلون نسباً، الأكرمون حسباً، الأتمون شرفاً، نوطاً لرسول الله صلى الله
عليه وسلم وقاربةً به؟ فقال له: يا ابن دودان. إنك لقلق الوضين، ترسل عن
غير ذي مسدٍ، ولك مع ذلك حق القرابة وذمام الصهر. وقد استعلمت فاعلم، كانت
أمورٌ شحت عليها نفوس قومٍ وسخت بها نفوس آخرين، ونعم الحكم العدل، وفي
الساعة ما يؤفكون. " لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون " .
ودع عنك نهيا صيح في حجراته
وهلم
إلى الخطب الجليل، إلى ابن أبي سفيان، فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه، ولا
غرو، يئس القوم من هيبتي، وجدحوا بيني وبينهم شرباً وبيئاً؛ فإن تك للإيام
عاقبةٌ أحملهم من الأمر على محضه، وإن تكن الأخرى فلا تذهب نفسك عليهم
حسراتٍ، ولا تأس على القوم الفاسقين.
وقال: الفقيه كل الفقيه من لم يرخص في معصية الله، ولم يوئس من رحمة الله.
وأخذ قوما في سرقٍ فأمر بحبسهم، فجاء رجلٌ آخر، فقال: يا أميرالمؤمنين؛ إني كنت معهم، وقد تبت، فأمر بأخذه وقال متمثلا:
ومدخلٍ رأسه لم يدعه أحدٌ ... بين الفريقين حتى لزه القرن.
وقال: الحاسد مغتاظٌ على من لا ذنب له. وقال: من ترفع بعلمه وضعه الله بعمله. وقال: من لم يحسن ظنه بالظفر لم يجد في الطلب.
وقال
علي السلام: إن أخيب الناس سعياً، اخسرهم صفقةً رجلٌ أتعب بدنه في آماله،
وشغل بها عن معاده، فلم تساعده المقادير على إرادته، وخرج من الدنيا
بحسرته، وقدم بغير زادٍ على آخرته.
وقال: إن أخوف ما أخاف عليكم إذا تفقه لغير الدين؛ وتعلم لغير العمل، وطلبت الدنيا بعمل الآخرة.
وروى
الشعبي عنه أنه قال: تجنبوا الأماني؛ فإنها تذهب بهجة ما خولتم، وتصفر
مواهب الله عندكم، وتعقبكم الحسرات على ما أوهمتكم أنفسكم.
وقال: الهيبة مقرونة بالخيبة، والحياء مقرونٌ بالحرمان، والفرصة تمر مر السحاب.
وسمع رجلا يغتاب آخر عند ابنه الحسن عليه السلام، فقال: يا بني نزه سمعك عنه؛ فإنه نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك.
وقال: أول عوض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل.
وقال:
لا تؤاخ الجاهلن فإنه يزين لك فعله، ويحب لو أنك مثله، ويحسن لك أسوأ
خصاله، ومخرجه من عندك ومدخله عليك شينٌ وعارٌ؛ ولا الأحمق، فإنه يجهد لك
نفسه ولا ينفعك، ولربما أراد أن ينفعك فضرك، فسكوته خيرٌ من نطقه، وبعده
خيرٌ من قربه، وموته خيرٌ من حياته؛ ولا الكذاب؛ فإنه لا ينفعك معه عيشٌ،
ينقل حديثك وينقل الحديث إليك، حتى إنه ليحدث بالصدق ولا يصدق.
لما كان
يوم الجمل طاف علي عليه السلام على القتلى فبصر بعبد الله ابن حكيم بن حزام
وليس لأبي غيره، وبصر بأبي سفيان بن حويطب ابن عبد العزى وليس لأبيه غيره
يومئذ، فقال: لقد اجتمعت على قريش، حتى هذان اللذان لم يبق من أجل كل واحد
منهما إلا ظمء الدابة، ثم أرسل إلى كل واحد منهما ودمعت عيناه، ثم قال أهون
علي بشكل الشيخين! وروى عنه عليه السلام ي قوله تعالى: " فاصفح الصفح
الجميل " . قال: صفحٌ بلا عتابٍ.
ومرّ بدارٍ في مراد تبنى، فوقعت شظية
منها على صلعته فأدمته،فقال: ما يومي من مراد بواجد. فقال رجل: لقد رأيت
تلك الدار بين الدور كالشاة الجمّاء بين العنم ذوات القرون. ورأى عليه
السلام رجلا معه ابنة فقال: من هذا معك ؟ فقال: اابني - قال: أتحبه؟ قال:
إي واله حبا شديدا. فقال: لا تفعل فإنه إن عاش كدك. وإن مات هدك.
وذكروا
أنه مر بقوم من الأنصار، فسلم عليهم ووقف؛ فقالوا: ألا تنزل يا أمير
المؤمنين، فنطعمك الخريزة. فقال رضي الله عنه: إما حلفتم علينا أو انصرفنا.
وقال القناعة سيفٌ لا ينبو، والصبر مطيةٌ لا تكبو، وأفضل عدةٍ الصبر على شدةٍ.
وقيل له: كيف صرت تقتل الأبطال؟ قال: لأني كنت ألقى الرجل فأقدر أني أقتله، ويقدر أني أقتله، فأكون أنا ونفسه عونين عليه.
وقال عليه السلام: من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب.
وخرج
عليه السلام إلى الكوفة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد يا أهل
العراق، فغنما أنتم كأم مجالد، حملت فلما أتمت أملصت ومات قيمها، وطال
تأيمها، وورثها أبعدها، والله ما أتيتكم اختياراً مني، ولكن سقت إليكم
سوقاً؛ وإن وراءكم عشرةٌ يهلك دينكم بينهم ودنياكم، ليس الآخر بأرأف بكم من
الأول؛ حتى يستخرجوا كنوزكم من حجالكم. والله لقد بلغني أنكم تقولون:
يكذب، فعلى من أكذب؟ أعلى الله أكذب وأنا أول من آمن به؟ أم على نبيه وأنا
أول من صدقه. كلا والله، ولكنها لهجة غبتم عنها ويل أمة كيلاً بلا ثمن! لو
كان له وعاءٌ " ولتعلمن نبأه بعد حينٍ " .
قال بعضهم: رأيته عليه السلام
بالكوفة اشترى تمراً فحمله في طرف ردائه، فبادره الناس وقالوا: يا أمير
المؤمنين، نحمل عنك. فقال: رب العيال أحق بحمل متاعه.
وقال: لن يهلك امرؤ عرف قدره.
وقال: نعم المؤازرة، وبئس الاستعداد الاستبداد.
وقال
للأشعث بن قيس: " أد وإلا ضربتك بالسيف، فأدى ما كان عليه، فقال له: ما
كان عليك لو كنا ضربناك بعرض السيف. فقال: إنك ممن إذا قال فعل.
وقال عليه السلام: " عليكم بالأبكار فإنهن أطيب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأشد حباً، وأقل خباً " .
ومن
كلامه عليه السلام: توق ما تعيب؛ لا ات ما تعيب، ولا تعب ما تأتي. إنما
يستحق السيادة من لا يصانع ولا يخادع ولا تغره المطامع. وقال يوما: ما
أحسنت إلى أحد قط، فرفع الناس رءوسهم تعجباً، فقرأ: " إن أحسنتم أحسنتم
لأنفسكم وإن أسأتم فلها " .
وقال: إذا قدرت على عدوك، فاجعل العفو شكر قدرتك.
مرض
عليه السلام، فقالوا: كيف نجدك؟ فقال: بشر. فقالوا: أتقول ذلك؟ قال: نعم،
إن الله يقول: " ونبلوكم بالشر والخير فتنةً " ؛ فالخير الصحة، والشر
المرض.
وقال: من تجر بغير فقهٍ فقد ارتطم في الربا.
وقال: الحلف ينفق السلعة ويمحق البركة، والتاجر فاجرٌ إلا من أخذ الحق وأعطاه.
وقال: أنكأ الأشياء لعدوك ألا تعلمه أنك اتخذته عدوا.
وقال: لله در الحسد! ما أعدله! يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود.
وقال: لا يلقح الغلام، حتى يتفلك ثدياه، وتسطع إبطاه.
وروى
أنه ملك أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلا؛ وبآخر نهاراً، وبدرهم سرا؛ وبآخر
علانية؛ فأنزل الله تعالى فيه: " الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سراً
وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم " .
وقال: شر الإخوان من يحتشم ويتكلف.
وقيل له: أنت محربٌ مطلوبٌ، فلو اتخذت طرفاً. قال: أنا لا أفر عمن كر ولا أكر على من فر؛ فالغلة تكفيني.
وقيل له في بعض حروبه: إن جالت فأين نطلبك؟ قال: حيث تركتموني.
ومن
كلامه عليه السلام: الكفاف خيرٌ من الإسراف. ما أدرك النمام ثاراً ولا محا
عاراً. الخيرة في ترك الطيرة. الاهتمام بالأمر يثير لطيف الحيلة. الرد
الجميل خيرٌ من المطل الطويل. شفيع المذنب إقراره، وتوبته اعتذاره. المنية
ولا الدنية. الحيلة أبلغ من الوسيلة. لسان المرء من خدم عقله. أفضل الأعمال
ما أكرهت عليه النفوس. كفى من أمر الدين أن تعرف ما لا يسع جهله. ليس
النجاح مع الأخف الأعجل. الهوى عدو العقل.
وقال له رجل وهو يخطب: يا
أمير المؤمنين؛ صف لنا الدنيا. فقال: ما أصف من دار أولها عناء، وآخرها
فناء، في حلالها حسابٌ، وفي حرامها عقابٌ، من صح فيها أمن، ومن مرض فيها
ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر حزن.
وقال: لا تحمل هم يومك الذي
لم يأت على يومك الذي أنت فيه؛ فإنه إن يكن من أجلك يأت فيه رزقك واعلم أنك
لاتكتسب من المال شئاً فوق قوتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك.
وقال: من سره الغنى بلا مالٍ، والعز بلا سلطانٍ، والكثرة بلا عشيرة، فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله؛ فإنه واجدٌ ذلك كله.
وقال: ثلاثٌ لا يعرفون إلا في ثلاثة مواشع؛ لا يعرف الشجاع إلا في الحرب، ولا الحليم إلا عند الغضب، ولا الصديق إلا عند الحاجة.
وتمثل عليه السلام في طلحة بن عبيد الله:
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
ولما
انقضى يوم الجمل خرج في ليلة ذلك اليوم، ومعه قنبر ومعه شعلة نارٍ يتصفح
وجوه القتلى، حتى وقف عليه، فقال: أعزز على أبا محمد أن أراك معفراً تحت
نجوم السماء؛ وفي بطون الأودية! شفيت نفسي وقتلت معشري. إلى الله أشكو عجري
وبجري. وقال: العجب لمن يهلك والنجاة معه. فقيل: ما هي يا أمير المؤمنين؟
قال: الاستغفار.
وقال: الدنيا دار ممر لا دار مقر، والناس فيها رجلان؛ رجلٌ باع نفسه فأوثقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها.
وقال:
مكابرة النكبات بالحيلة قبل انتهائها زيادةٌ فيها. وقال لرجل: كيف أنت؟
قال: أرجو الله وأخافه. فقال: من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف شيئاً توقاه.
وقال: قصم ظهري رجلان: جاهلٌ متنسك، وعالمٌ متهتك.
وسمع حالفاً يقول: والذي احتجب بسبع، فقال: ويلك. إن الله لا يحجبه شيءٌ، فقال: هل أكفر عن يميني؟ فقال: لا، لأنك حلفت بغير الله.
وقال: من وضع معروفاً في غير موضعه عاد عليه وبالاً.
وروى
عن المسيب بن نجبة الفزاري قال: خطبنا علي عليه السلام، فقال: ألا أخبركم
بذات نفسي؟ أما الحسن ففتى من الفتيان صاحب جفنةٍ وخوان. ولو قد التفت
حلقتا البطان لم يعن عنكم في الحرب حبالة عصفورٍ. وأما عبد الله بن جعفر
فصاحب لهوٍ وظل باطلٍ. وأما أنا والحسين فنحن منكم وأنتم منا، ولقد خشيت أن
يدال هؤلاء القوم عليكم، وليس ذاك: ألا أن تكونوا أولى بالحق منهم، ولكن
بطاعتهم إمامهم وعصيانكم إمامكم، وإصلاحهم في أرضهم وإفسادكم في أرضكم،
واجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، حتى لا يدعون بيت مدرٍ ولا وبرٍ إلا
أدخلوه ظلمهم؛ حتى يقوم الباكيان، باكٍ لدينه وباكٍ لدنياه، وحتى لا تكون
نصرة أحدكم منهم إلا كنصرة العبد من سيده، إن شهده أطاعه، وإن غاب عنه سبه،
فإن أتاكم الله بعافيةٍ فاقبلوها، وإن ابتليتم فاصبروا؛ فإن العاقبة
للمتقين.
ويروى عنه أنه قال: الحرص مقدمة السكون.
وقال في قوله تعالى: " أكلون للسحت " هو الرجل يقضي لأخيه حاجته ثم يقبل هديته.
قال
الحارث الأعور: مما رأيت أحداً أحسن من علي عليه السلام، أتاه رجل فقال:
يا أمير المؤمنين؛ مات رجل وخلف ابنتين، وأبوين، وزوجة، فقال: صار ثمنهما
تسعا.
هذه الفريضة من أربعة وعشرين سهما، للبنتين الثلثان، ستة عشر
سهما، وللأبوين السدسان ثمانية أسهم، وكمل المال وعالت الفريضة واحتيج
للمرأة إلى ثمن الأربعة والعشرين سهما، وصار الثمن من أربعة وعشرين تسعا من
سبعة وعشرين. هذا معنى قوله.
وخطب فقال: أما بعد؛ فإن الجهاد باب من
أبواب الجنة. فمن تركه رغبةً عنه ألبسه الله الذل، وسم الخسف، وديث بالصغار
وقد دوتكم لحرب هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسراً وإعلاناً، وقلت لكم:
اغرزوهم من قبل أن يغزوكم؛ فو اللذي نفسي بيده ما غزى قومٌ قط في عقر دارهم
إلا ذلوا؛ فتخاذلتم وتواكلتم، وثقل عليكم قولي، واتخذتموه وراءكم ظهريا؛
حتى شنت عليكم الغارات. هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار، وقتلوا حسان بن
حسان ورجالاً منهم كثيراً ونساء، والذي نفسي بيده لقد بلغني أن كان يدخل
على المرأة المسلمة والمعاهدة، فينزع حجالهما ورعثهما، ثم انصرفوا موفورين
لم يكلم أحدٌ منهم كلما. فلو أن ارمءاً مسلماً مات من دون هذا أسفاً ما كان
فيه عندي ملوماً؛ بل كان به جديراً. يا عجبا كل العجب من تضافر هؤلاء
القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم! إذا قلت لكم اغزوهم في الشتاء قلتم هذا
أوان قر وسر، وإن قلت لكم: اغزوهم في الصيف قلتم: هذه حمارة القيظ، أنظرنا
ينصرم الحر عنا ؛ فإذا كنتم من الحرّ والبرد تفرّون، فأنتم واللّه من السيف
أفرّ. يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا طغام الأحلام، ويا عقول ربّات
الحجال، واللّه لقد أفسدتم علىّ رأيى بالعصيان، ولقد ملأتم جوفى غيظا، حتى
قالت قريش: ابن أبى طالب رجل شجاع، ولكن لا رأى له في الحرب. للّه درّهم،
ومن ذا يكون أ علم بها منّى أو أشدّ لها مراسا ؟ فواللّه لقد نهضت فيها
وبلغت العشرين، ولقد نيّفت اليوم على الستين. ولكن لا أرى لمن لاّ يطاع، لا
أرى لمن لاّ يطاع - يقولها ثلاثا.
ومن كلامه رضى اللّه عنه: من لانت كلمته وجبت محبته.
وقال له قائل: أين كان ربّنا قبل أن خلق السموات والأرض ؟ فقال رضى اللّه عنه: " أين " سؤال عن مكان وكان اللّه ولا مكان.
وقال: من أكثر النظر في العواقب لم يتشجّع.
وقال لابنه الحسن رضى اللّه عنه: لا تبدأ بدعاء إلى مبارزة، وإن دعيت إليها فأجب ؛ فإن طالبها باغ والباغي مصروع.
وقال: وما ابن آدم والفخر، وإنّما أوّله نطفة، وآخره جيفة، لا يرزق نفسه ولا يدفع حتفه.
جاء
الأشعث بن قيس إلى أمير المؤمنين على عليه السلام يتخطّى رقاب الناس،
وعلىّ على المنبر ؛ فقال: يا أمير المؤمنين، غلبتنا هذه الحمراء على قربك -
يعني العجم - قال: فركض على المنبر برجله، فقال صعصعة بن صوحان: ما لنا
ولهذا؟ - يعني الأشعث - ليقولن أمير المؤمنين اليوم في العرب قولاً لا يزال
يذكر. فقال رضي الله عنه: من يعذرني من هؤلاء الضياطرة؟ يتمرغ أحدهم على
فراشه تمرغ الحمار، ويهجر قومٌ الذكر فيأمرونني أن أطردهم. ما كنت أطردهم
فأكون من الجاهلين؛ والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة؛ ليضربنكم على الدين
عوداً، كما ضربتموهم عليه بدءاً.
وسئل عليه السلام: كيف كان حبكم
للرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان والله أحب إلينا من أموالنا
وأولادنا وأمهاتنا وآبائنا، ومن الماء البارد على الظمأ.
وكان عليه
السلام يقول: إذا لقيتم القوم فاجمعوا القلوب، وعضوا على النواجذ؛ فإن ذلك
نبي السيوف عن المهام. وروى أنه كان يتمثل إذا رأى عبد الرحمن بن ملجمٍ
المرادي ببيت معد يكرب:
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
فقيل له عليه السلام: كانك قد عرفته وعرفت ما يريده. أفلا تقتله؟ فقال: كيف أقتل قاتلي؟.
ولما سمع بصفين نداءهم: لا حكم إلا لله، قال: كلمة عادلةٌ يراد بها جورٌ. إنما يقولون: لا إمارة، ولا بد من إمارةٍ برةٍ أو فاجرةٍ.
وكان
أبو نيزر من أولاد بعض ملوك الأعاجم. وقيل: إنه كان من ولد النجاشي، فرغب
في الإسلام صغيراً؛ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وكان معه.
فلما توفي عليه السلام صار مع فاطمة وولدها رضي الله عنها، فقال أبو نيزر:
جاءني علي عليه السلام وأنا أقوم بالضيعتين: عين أب ينيزر والبغيبغة، فقال
لي: هل عندك من طعامٍ؟ فقلت: طعامٌ لا أرضاه لك يا أمير المؤمنين؛ قرعٌ من
قرعٍ الضيعة صنعته بإهالة سنخة فقال: علي به، فقام إلى الربيع: وهو جدول
فغسل يده، ثم أصاب من ذلك شيئاً، ثم رجع إلى الربيع فغسل يديه بالرمل حتى
أنقاهما، ثم ضم يديه كل واحدة منهما إلى أختها وشرب بهما حساً من الربيع،
ثم قال: يا نيزر إن الأكف أنظف الآنية، ثم مسح ندى ذلك الماء على بطنه
وقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله! ثم أخذ المعول وانحدر في العين
وجعل يضرب، فأبطأ عليه الماء، فخرج وقد تفضج جبينه عرقا، فانتكف العرق عن
جبينه أي أزاله، ثم أخذ المعول وعاد إلى العين، ثم أقبل يضرب فيها وجعل
يهمهم، فانثالت كأنها عنق جزور، فخرج مسرعاً، فقال: أشهد الله أنها صدقة.
على بداوة وصحيفة، قال: فعجلت بهما إليه فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا
ما تصدق به عبد الله أمير المؤمنين: تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي
نيزر والبغيبغة على فقراء أهل المدينة وابن السبيل؛ ليقي الله عز وجل بهما
وجهه يوم القيامة، لا تباعان ولا توهبان حتى يرثهما الله وهو خير الوارثين،
إلا أن يحتاج إليهما الحسن والحسين، فهما طلقٌ لهما وليس لأحدٍ غيرهما.
قال:
فركب الحسين دين، فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مائتي ألف دينار، فأبى
أن يبيع، وقال: إنما تصدق بها أبي ليقي الله بها وجهه حر النار، ولست
بائعها بشيء.
ولما ضربه عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله تعالى دعا الحسن
والحسين رضي الله عنهما، وقال: أوصيكما بتقوى الله والرغبة في الآخرة،
والزهد ف يالدنيا، ولا تأسفا على شيء فاتكما منها، اعملا الخير، وكونا
للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.
وقال في دعائه: إلهي ما قدر ذنوبٍ يقابل
بها كرمك؟ وما قدر أعمالٍ تقابل بها نعمك؛ وإني لأجور أن تستغرق ذنوبي في
كرمك؛ كما استغرقت أعمالي في نعمك.
وعنه - عليه السلام - أنه قال: يجد
البليغ من ألم السكوت ما يجده العيي من ألم الكلام، وكان إذا نعت النبي صلى
الله عليه وسلم قال: لم يكن بالطويل الممغط، ولا القصير المتردد، ولم يكن
بالمطهم ولا المكلثم، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش
شئن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت
معا، ليس بالسبط ولا الجعد القطط، كان أزهر ليس بالأبيض الأمهق في عينيه
شكلة، شبح الذراعين.
وقال: بقية عمر المرء لا قيمة لها يدرك بها ما فاته، ويحيى ما أماته.
خطبته
التي خطب بها حين زوج فاطمة رضي الله عنهما: الحمد لله الذي قرب من
حامديه، ودنا من سائليه، ووعد بالجنة من يتقيه، وقطع بالنار عذر من يعصيه،
أحمده بجميع محامده وأياديه، وأشكره شكر من يعلم أنه خالقه وباريه، ومصوره
ومنشيه، ومميته ومحييه، ومعذبه ومنجيه، ومثببه مجازيه. وأشهد أن لا إله إلا
الله شهادةً تبلغه وترضيه، وأن محمداً حبيب الله وعبده ورسوله، صلى الله
عليه صلاةً تزلفه وتدنيه، وتعزه وتعليه، وتشرفه وتجتبيه.
أما بعد؛
فإن اجتماعنا مما قدر الله ورضيه، والنكاح مما أمر الله به، وأذن فيه. هذا
محمدٌ صلى الله عليه وسلم قد زوجني فاطمة ابنته على صداق أربعمائة درهم
وثمانين درهماً، ورضيت به، فاسألوه، وكفى بالله شهيداً.
وقال: إن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق وصلة بينه وبين خلقه، فحسب أحدكم أن يتمسك بخلقٍ متصلٍ بالله عز وجل.
قال
الأحنف: دخلت على معاوية، فقدم لي من الحار والبارد، والحلو والحامض ما
كثر تعجبي منه، ثم قدم لي لوناً لم أدر ما هو، فقلت: ما هذا؟ قال: مصارين
البط محشوة بالمخ قد قلى بدهن الفستق وذر عليه الطبرزد. فبكيت. فقال: ما
يبكيك؟ قلت: ذكرت عليا رضي الله عنه. بينا أنا عنده وحضر وقت إفطاره فسألني
المقام، إذ دعا بجراب مختوم، قلت: ما في الجراب؟ قال: سويق شعير، قلت:
ختمت عليه أن يؤخذ أو بخلت به؟ قال: لا ولا أحدهما، ولكني خفت أن يلته
الحسن أو الحسين بسمنٍ أو زيتٍ. قلت: محرم هو يا أمير المؤمنين؟ قال: لا
ولكن يجب على أئمة الحق أن يعتدوا أنفسهم من ضعفة الناس؛ لئلا يطغي الفقير
فقره، فقال معاوية: ذكرت من لا ينكر فضله.
وقال علي عليه السلام: لا يكون الصديق صديقاً، حتى يحفظ صديقه في غيبته وعند نكبته وبعد وفاته في تركته.
قيل له: كيف يحاسب الله الخلق على كثرة عددهم؟ قال: كما يرزقهم على كثرة عددهم.
ولما خرج عليه السلام يريد العراق أشار عليه ابنه الحسن أن يرجع، فقال: لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد.
وقال: لئن وليت بني امية لأنفضنهم نفض القصاب الوذام التربة.
ومر بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد مقتولا يوم الجمل، فقال: هذا يعسوب قريش.
وجائته امراة فذكرت أن زوجها يأتي جاريتها، فقال: إن كنت صادقةً رجمناه، وإن كنت كاذبةً جلدناك، قالت: ردوني إلى أهلي غيري نغرة.
وقال
عليه السلام: إن المرء المسلم ما لم يغش دناءةً يخشع لها إذا ذكرت وتغرى
به الناس، كالياسر الفالج ينتظر فوزةً من قداحه أو داعي الله؛ فما عند الله
خيرٌ للأبرار.
وسافر رجلٌ مع أصحاب له فلم يرجع حين رجعوا، فاتهمهم
اهله به، ورفعوهم إلى شريح، فسألهم البينة على قتله، فارتفعوا إلى علي عليه
السلام، فأخبروه بقول شريح، فقال متمثلا:
أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل ... يا سعد لا تروي بهذاك الإبل
ثم قال: " إن أهون السقي التشريع " ، ثم فرق بينهم، وسألهم فاختلفوا، ثم أقروا بقتله.
وقال: إذا صلى الرجل فليخو، وإذا صلت المرأة فلتحتفز.
وقال كرم الله وجهه: ما أعظم التفاوت بين العبر والاعتبار! فالعبر قد بلغت في الكثرة الغاية، والاعتبار قد بلغ في القلة النهاية.
وقالوا: انصرف من صفين وكأنه رأسه ولحيته قطنة، فقيل له: يا أمير المؤمنين لو غيرت، فقال: إن الخضاب زينةٌ، ونحن قومٌ محزونون.
وروى
أن الحسن قال له يوم الجمل: أشرت عليك ثلاث مراتٍ فعصيتني، فقال عليه
السلام، إنك تحن حنين الجارية، هات ما الذي أشرت به؛ وما الذي عصيتك فيه؟
فذكر أشياء، فقال له علي عليه السلام: أنا والله إذا مثل التي أحيط بها
فقيل لها: زباب حتى دخلت جحرها، ثم احتفر عنها فاجتر برجلها حتى ذبحت.
يريد: الضبع.
وروى أنه اشترى قميصا بثلاثة دراهم، وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه.
وقال: لا قود إلا بالأسل.
وقال:
من أراد البقاء - ولا بقاء - فليباكر الغداء، وليقلل غشيان النساء، وليخفف
الرداء في البقاء، قيل: يا أمير المؤمنين وما خفة الرداء في البقاء؟ قال:
الدين.
ورأى رجلاً في الشمس، فقال: قم عنها فإنها مبخرةٌ مجفرةٌ: تتفل الريح، وتبلى الثوب، وتظهر الداء الدفين.
وأتى بالمال فكوم كومةً من ذهب وكومة من فضة، وقال: يا حمراء يا بيضاء احمرى وابيضي وغري غيري.
وقال: من يطل أير أبيه ينتطق به.
وقال:
ذمتي بما أقول رهينةٌ وأنا به زعيمٌ لمن صرحت له العبر ألا يهيج على
التقوى زرع قومٍ، ولا يظمأ على التقوى سنخ أصلٍ. ألا وإن أبغض خلق الله إلى
الله رجلٌ قمش علماً، غارً بأغباش الفتنة، عمياً بما في غيب الهدنة، سماه
أشباهه من الناس عالما ولم يغن في العلم يوماً سالماً، بكر فاستكثر. مما قل
منه فهو خير مما كثر، حتى إذا ما ارتوى من آجنٍ، واكتنز من غير طائلٍ، قعد
بين الناس قاضياً لتخليص ما التبس على غيره، إن نزلت به إحدى المبهمات هيأ
حشواً من رأيه، فهو من قطع الشبهات في مثل غزل العنكبوت، لا يعلم إذا
أخطأ؛ لأنه لا يعلم أخطأ أم أصاب. خباط عشواتٍ ركاب جهالاتٍ، لا يعتذر مما
لا يعلم فيسلم، ولا يعض في العلم بضرصٍ قاطع، يذور الرواية ذرو الريح
الهشيم، تبكي منه الدماء وتصرخ منه المواريث، ويستحل بقضائه الفرج الحرام.
لا ملئ والله بإصدار ما ورد عليهن ولا أهلٌ لما قرظ به.
وكتب إلى ابن
عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ: إني أشركتك في امانتي، ولم يكن رجلٌ من
أهلي أوثق منك في نفسي، فلما رأيت الزمات على ابن عمك قد كلب، والعدو قد
حرب، قلبت لابن عمك ظهر المجن، بفراقه مع المفارقين، وخذلانه مع الخاذلين،
واختطفت ما قدرت عليه من أموال الأمة اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى ضح
رويدا، فكأن قد بلغت المدى، وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي المغتر
بالحسرةن ويتمنى المشيع التبوة، والظالم الرجعة.
وروى عنه عليه السلام -
أنه قال يوم الشورى لما تكلم عبد الرحمن ابن عوف بما تكلم: الحمد لله الذي
اتخذ محمداً نبياً، وابتعثه إلينا رسولاً؛ فنحن بيت النبوة، ومعدن الحكمة،
أمانٌ لأهل الأرض، ونجاةٌ لمن طلب. لنا حق إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب
أعجاز الإبل وإن طال السرى. لو عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
عهدا لجالدنا عليه حتى نموت، أو قال لنا قولاً أنفذنا قوله على رغمنا، لن
يسرع أحدٌ قبلي إلى صلة رحمٍ ودعوة حق. والأمر إليك يا بن عوف على صدق
اليقين وجهد النصح. استغفر الله لي ولكم.
وقال: " ما من مسلم إلا له ذنبٌ يعتريه الفينة بعد الفينة " .
" يهلك في رجلان: محب مطرٍ وباهتٌ مفترٍ " .
" يهلك في رجلان: محب غالٍ ومبغضٌ قال " .
وقال: لا يذهب أمر هذه الأمة إلا على رجل واسع السرم ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع.
وسئل عن قتلاه وقتلى معاوية، فقال: يؤتى بي يوم القيامة وبمعاوية فنختصم عند ذي العرش، فأينا فلج فلج أصحابه.
وقال: إن لبني أمية مروداً يجرون فيه، ولو قد اختلفوا فيما بينهم ثم كادتهم الضياع لغلبتهم.
وذكر
أهل النهروان، فقال: فيهم رجل مودن اليد، أو مثدن اليد، أو مخدج اليد،
لولا أن تبطروا لنبأتكم بما وعد الله الذين يقاتلونهم على لسان محمد صلى
الله عليه وسلم.
وقال: إذا كان القلب لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكر
أنكس، فجعل أعلاه أسفله. وقال: ألم يأن لبني أمية أن يقتلوا، قتيلهم؟ قيل:
ما هذا القتيل؟ قال: غرنوقٌ من غرانيق بني عبد المطلب.
ومر بقاضٍ، فقال: أترعف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت.
وقال: لا يستقيم قضاء الحوائج إلا بثلاث، باستصغارها لتعظم، واستكتامها لتنسى، وتعجيلها لتهنؤ.
وجاءه
يهودي، فقال: أين كان ربنا قبل أن يخلق العرش؟ قال: حيث هو اليوم، قال:
فأين هو اليوم؟ قال: حيث كان ذلك اليوم، لا تخطر عليه القلوب، ولا تقع عليه
الأوهام " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير " .
وروى
عن نوف قال: رأيت عليا عليه السلام قد خرج؛ فنظر إلى النجوم، فقال: أراقد
أم رامقٌ؟ قلت: بل رامقٌ يا أمير المؤمنين. قال: يا نوف طوبى للزاهدين في
هذه الدنيا، الراغبين في الآخرة، أولئك قومٌ اتخذو الأرض بساطاً، وترابها
فراشاً، وماءها طيباً، والقرآن شعاراً ودثاراً، وقرضوا للدنيا قرضاً على
منهاج المسيح عيه السلام. يا نوف، إن داود عليه السلام قام ساعةً من الليل،
فقال: إنها ساعةٌ لا يدعو عبد إلا استجيب له فيها إلا أن يكون عشاراً أو
عرييفاً أو شرطياً أو صاحب عرطبةٍ - وهو الطنبور - أو صاحب كوبة - وهو
الطبل.
وقال عليه السلام: إن الله فرض عليكم فرائض فلا تضبعوها، وحد لكم
حدوداً فلا تعدوها، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت لكم عن أشياء، فلم
يدعها نسياناً فلا تتكلفوها.
وقال: لا يترك الناس شيئاً من إصلاح دينهم لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو أضر منه.
وقال:
ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك، ويعظم حلمك،
وتباهى الناس بعبادة ربك؛ فإن أحسنت حمدت الله، وإن أسأت استغفرت الله؛ ولا
خير ف يالدنيا إلا لرجلين، رجل أذنب ذنوباً فهو يتدارك ذلك بتوبةٍ، ورجل
يسارع ف يالخيرات. ولا يقل عملٌ مع تقوى، وكيف يقل ما يتقبل؟ أيها الناس
عليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق. ولا تنكرن
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فيولى الله عليكم شراركم، ثم تدعون فلا
يستجاب لكم.
" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب " .
تجهزوا
رحمكم الله، فقد نودي فيكم بالرحيل، وأقلوا الفرحة على الدنيا، وانقلبوا
بصالح ما بحضرتكم من الزاد؛ فإن أمامكم عقبةً كئوداً، ومنازل مخوفةً لا بد
من الممر عليها، والوقوف عندها، فإما برحمة الله نجوتم من فظاعتها، وشدة
مختبرها، وكراهة منظرها؛ وإما بهلكة ليس بعدها نجاةٌ. فيا لها حسرةً على كل
ذي غفلةٍ! أن يكون عمره عليه حجة، أو تؤديه أيامه إلى شقوة.
وخطب لما
ورد عليه خبر مقتل محمد بن أبي بكر، وغلبة أصحاب معاوية على مصر، قال بعد
أن حمد الله: ألا إن مصر أصبحت قد فتحت، ألا وإن محمد بن أبي بكرٍ قد أصيب
رحمه الله، وعند الله نحتسبه. أما والله إن كان لمن ينتظر القضاء، ويعمل
للجزاء، ويبغض شكل الفاجر، ويحب هدى المؤمن. إني والله لا ألوم نفسي في
تقصير ولا عجز، إني بمقاساة الحرب جد عالمٍ خبيرٍ، وإني لأقدم في الأمر
فأعرف وجه الحزم، وأقوم فيه بالرأي المصيب معلناً، وأناديكم نداء المستغيث
فلا تسمعون لي قولاً، ولا تطيعون لي أمراً؛ حتى تصير بي الأمور إلى عواقب
الفساد، وأتم لا تدرك بكم الأوتار، ولا يشفى بكم الغليل. دعوتكم إلى غياث
إخوانكم، فجرجرتم جرجرة الجمل الأسر، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له
نيةٌ في اجهاد عدو، ولا احتساب أجرٍ. وخرج جنيدٌ ضعيفٌ " كأنما يساقون إلى
الموت وهم ينظرون " .
وقال في خطبته بالبصرة: يا أهل البصرة يا أهل
المؤتفكة أئتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله تمام الرابعة. يا جند المرأة،
وأعوان البهيمة، رغا فأجبتم وعقر فتفرقتم.
وخطب فقال: انظروا إلى الدنيا
نظر الزاهدين فيها، فإنها والله عن قليل تزيل الثاوي الساكن، وتبخع المترف
الآمن، لا يرجع ما تولى منها فادبر، ولا يدري ما هو آت منها فينتظر،
سرورها مشوبٌ بالحزن، وآخر الحياة فيها إلى الضعف والوهن، فلا يغرنكم كثرة
ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها. رحم الله رجلاً تفكر فاعتبر، فأبصر
إدبار ما قد أدبر، وحضور ما حضر؛ فكأن ما هو كائنٌ في الدنيا لم يكن، وكأن
ما هو كائن في الآخرة لم يزل.
وقال جندب: دخلنا عليه فقال: أما إنكم
ستلقون بعدي ثلاثاً؛ ذلاً شاملاً، وسيفاً قاتلاً، وأثرةً يتخذها الظالمون
عليكم سنة، فتودون عند ذلك لو رأيتموني فنصرتموني وقاتلتم دوني، لا يبعد
الله إلا من ظلم!. فكان جندب بعد ذلك إذا رأى شيئاً مما يكره يبكي ويقول:
أبعد الله الظالم.
وقال في خطبة له: وأيم الله إنكم لو قد رأيتم الموت
لا نفرجتم عن علي ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها؛ فقال له رجل: أفلا
كما فعل عثمان، فقال: إن الذي فعل عثمان مجزاةٌ لمن لا نصرة له، ولا حجة
معه، فأما وأنا على بينةٍ من ربي، ويقينٍ وعهدٍ من نبيي كلا والله: إن
أمرءاً يمكن من نفسه عدوة فيهشم عظمة، ويفرى جلده لعظيمٌ عجزه، ضعيفٌ ما
ضمت عليه الأحشاء من صدره، وأنت ذاك إن شئت. فأما أنا فوالله لأعطين دون
ذلك ضرباً بالمشرفي تطير له فراش الهام، والله يفعل ما يشاء.
وقال له
المهاجر بن خالد بن الوليد: ما رأيك يا أمير المؤمنين في هذه المعتزلة سعدٍ
وأصحابه؟ فقال: خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل، كما قال أخو جشم:
عليكم بواديكم من الذل فارتعوا ... ونالوا بذل من ندى البقل والشجر
فما أنتم بالمانعين ذماركم ... قديماً، ولستم في النفير إذا نفر
وقال
عليه السلام: اتركوا هذه الدنيا التاركة لكم، وإن لم تكونوا تحبون تركها،
والمبلية لكم، وإن كنتم تحبون تجديدها. فإنما مثلكم ومثلها كركبٍ سلكوا
سبيلاً، فكأنهم قد قطعوه وأموا علماً، فكأنهم قد بلغوه. جعلنا الله وإياكم
ممن لا تبطره نعمةٌ، ولا تقصر به عن طاعة ربه رغبةٌ، ولا يحل به الموت
حسرةً؛ فإنما نحن له وبه.
وقال في خطبة: إياكم ومجالس اللهو؛ فإن اللهو
ينسى القرآن، ويحضره الشيطان، ويدعو إلى كل غي. ومحادثة النساء تزيغ
القلوب، وهي من مصايد الشيطان. ألا فاصدقوا؛ فإن الله مع الصادقين، وجانبوا
الكذب؛ فإنه مجانبٌ للإيمان، إن الصادق على شفا منجاةٍ وكرامة، وإن الكاذب
على شفا هوانٍ. قولوا الحق تعرفوا به، وتكونوا من أهله، وأدوا الأمانة إلى
من ائتمنكم، وصلوا أرحام من قطعكم، وعودوا بالفضل على من حرمكم. وإذا
عاهدتم ففوا، وإذا حكمتم فاعدلوا، ولا تفاخروا بالآباء ولا تنابزوا
بالألقاب، ألا ولا تمادحوا ولا تمازحوا ولا تباغضوا، أفشوا السلام وردوا
التحية على أهلها بأحسن منها، وارحموا الأرملة واليتيم، وأعينوا الضعيف
والمظلوم، " ونعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "
ألا وإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع. ألا وإن الآخرة قد أقبلت وآذنت
باطلاع، ألا وإن المضمار اليوم، والسباق غداً وإن السبقة الجنة والغاية
النار.
وقال عليه السلام: خير النساء الطيبة الريح، الطيبة الطعام، التي
إن أنفقت أنفقت قصداً، وإن أمسكت أمسكت قصداً، تلك من عمال الله، وعامل
الله لا يخيب.
وقال: الصمت في اانه خيرٌ من المنطق في غير أوانه.
وقال: إذا رأيت في رجلٍ خلةً رائعةً من خيرٍ أو شر فانتظر أخواتها.
وقال: إن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما صفا وصلب ورق فأما صفاؤها فلله، وأما رقتها فللإخوان، وأما صلابتها فللدين.
وقال:
الفقيه كل الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يؤمنهم من مكر
الله، ولا يرئسهم من رحمة الله، ولا يرخص لهم في معاصي الله.
ودخل عليه
قوم فقالوا: يا أمير المؤمنين، لو أعطيت هذه الأموال، وفضلت بها هؤلاء
الأشراف ومن تخاف فراقه، حتى إذا استتب لك ما تريد عدت إلى أفضل ما عودك
الله عز وجل من العدل في الرعية، والقسم بالسوية، فقال عليه السلام:
أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام! والله لا
أفعل ذلك ما سمر بنا سمير، وما آب في السماء نجم، فلو كان هذا المال لي
لسويت بينهم، فكيف؟ وإنما هي أموالهم، ثم أرم طويلا ثم قال: من كان منكم له
مالٌ فإياه والفساد، فإن إعطاء المال في غير حله تبذير وإسرافٌ وفسادٌ،
وهو يرفع ذكر صاحبه، ويضعه عند الله عز وجل، ولن يضع ارمؤٌ ماله ف يغير
حقه، وعند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم، وكان لغيره ودهم، فإن بقي معه
منهم من يريد الود، ويظهر له الشكر فإنما هو ملق وكذب؛ فإن زلت بصاحبه
النعل واحتاج إلى معونته ومكافأته فشر خليلٍ، والأم خدين، فمن آتاه الله
مالاً فليصل به القرابة، وليحسن منه الضيافة، وليفك به العاني والأسير،
وليعط منه الغارم وابن السبيل، والفقراء والمجاهدين، وليصبر نفسه على
الحقوق وابتغاء الثّواب، فإنّه ينال بهذه الخصال مكارم الدّنيا وفضائل
الآخرة إن شاء اللّه.
وخطب عليه السلام حين كان من أمر الحكمين ما كان،
فقال: الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدث الجليل، وأشهد أن لا
إله إلا اللّه وأن محمد عبده ورسوله.
أما بعد، فإن معصية الشيخ العالم
المشفق المجرّب تورث الحسرة، وتعقب النّدامة، وقد كنت أمرتكم في هذه
الحكومة بأمرى، ونخلت لكم رأيى لو كان يطاع لقيصر أمر ! ولكنكم أبيتم، وكنت
أنا وأنتم كما قال أخو هوزان
أمرتهم أمرى بمنعرج اللّوى ... فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
فلما عصوني كنت فيهم وقد أرى ... غوايتهم أو أنّنى غير مهتد
ألا
إنّ هذين الرّجلين اخترتموهما حكمين، وقد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما
فأماتا ما أحيا القرآن، وأحييا ما أمات، واتّبع كلّ واحد منهما هواة، يحكم
فيه بغير حجّة بيّنة، ولا " 82 " سنة ماضية، واختلفا في حكمهما، فكلاهما لم
يرشده اللّه، استعدّوا للجهاد، وتأهّبوا للسير، وأصبحوا في معسكركم يوم
كذا.
وخطب فقال: أما بعد ؛ يا أهل الكوفة فإنّ أهل الشّام لو قد
طلعوا عليكم أغلق كلّ امرئ منكم بابه، وانجحر في بيته انجحار الضّبّ في
جحره والضّبع في وجارها الذّليل، واللّه ما نصرتم، ومن رمى بكم رمى بأضعف
سهم. أفّ لكم ! لقد لقيت منكم برحاً، يوماً أناديكم ويوماً أناجيكم، فلا
أحرار عند النداء، ولا أنجاد عند اللقاء، أنا لله ممّا منيت به منكم، صمّ
لا تسمعون، بكم لا تعقلون، كمه لا تبصرون، والحمد لله ربّ العالمين.
وكتب
إلى سهل بن حنيف وهو عامله على المدينة: بلغنى أن رجالاً يخرجون إلى
معاوية ؛ فلا تأسف على ما فاتك منهم ؛ فكفى لهم غيّاً فرارهم من الحق
والهدى، وإيضاعهم في الجهالة والعمى ؛ إنّما هم أهل دنيا، مكبّون عليها، قد
علموا أنّ في الحق أسوةً فهربوا منه إلى الأثرة ؛ فبعداً لهم وسحقاً، أما
لو قد بعثرت القبور، واجتمعت الخصوم، وقضى بين العباد لتبيّن لهم ما
يكسبون.
وكتب إلى مصقلة بن هبيرة: بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أتيت
شيناً ؛ إذ بلغني أنّك تقسم فئ المسلمين فيمن اعتفاك من أعراب بكر بن وائل،
فو الذّي فلق الحبّة، وبرأ النّسمة، لئن كان ذالك حقّاً لتجدنّ بك علىّ
هواناً. فلا تستهن بحق ربك، ولا تصلح دنياك بمحق دينك فتكون من: " الأخسرين
أعمالاً " الآية.
وكتب إلى زياد - وهو خليفة ابن عباس على البصرة -
وكان أخرج إليه سعدا مولاه يستحثه على حمل مالٍ فعاد وشكاه وعابه: أما بعد،
فإن سعداً ذكر أنك شتمته ظلماً له، وتهددته وجبهته، تجبراً وتكبرا. فما
دعاك إلى التكبر؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الكبر رداء الله
فمن نازع الله رداءه قصمه " .
وأخبرني أنك تكثر من الطعام والألوان،
وتدهن في كل يوم؛ فما عليك لو صمت لله أياما؟ وتصدقت ببعض ما عندك محتسبا،
وأكلت طعامك مراراً قتاراً؛ فإن ذلك دثار الصالحين، أتطمع وأنت تتقلب في
النعيم تستأثر به على الجار المسكين، والضعيف الفقير، والأرملة واليتيم أن
يجب لك أجر المتصدقين؟.
وأخبرني أنك تتكلم بكلام الأبرار وتعمل عمل
الخطائين؛ فإن كنت تفعل ذلك فنفسك ظلمت، وعملك أحبطت؛ فتب إلى ربك يصلح
عملك، واقصد في أمرك، وقدم الفضل ليوم حاجتك إليه إن كنت من المؤمنين،
وادهن غباً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ادهنوا غباً ولا
تدهنوا رفها " .
فكتب إليه زياد: أما بعد يا أمير المؤمنين فإن سعداً
قدم فعجل فانتهرته وزجرته. وكان أهلاً لأكثر من ذلك. فأما ما ذكر من
الإسراف، واتخاذ ألوان الطعام، والتنعم؛ فإن كان صادقا فأثابه الله ثواب
الصادقين، وإن كان كاذباً فوقاه الله عقوبة الكاذبين. وأما قوله: إني أصف
العدل وأخالفه إلى غيره، فإني إذاً لمن الأخسرين أعمالاً، فخذه يا أمير
المؤمنين بمقالٍ قلته في مقامٍ قمته. فإن أتاك بشاهدي عدلٍ، وإلا تبين لك
كذبه وظلمه.
وقال عليه السلام: " قبلة الولد رحمةٌ، وقبلة المرأة شهوة، وقبلة الوالدين عبادة، وقبلة أخيك دينٌ، وقبلة الإمام العادل طاعةٌ " .
وقال: بئس الجار الغني، يبعث عليك ما لا يعينك عليه.
وقال: نعم البيت بيت العروس تذكر به الجنة، وتحمد الله على النعمة.
وقال: الكريم لا يقبل على معروفه ثمنا.
وقال: لا ينبغي للعاقل أن يظهر سروراً برجاء، لأن الرجاء غرور.
وقال: المعروف زكاة النعم.
وقال: إزالة الرواسي أيسر من تأليف القلوب.
وكتب
إلى ابن عباس: أتاني كتابك تذكر ما رأيت من أهل البصرة بعد خروجي عنهم،
وإنما ينقمون لرغبةٍ يرجونها، أو عقوبةٍ يخافونها؛ فأرغب راغبهم، واحلل عقد
الخوف عن خائفهم بالعدل عليه، والإنصاف إليه.
وكتب إلى سعد بن مسعود
الثقفي: إنك وفرت على المسلمين فيئهم، فأطعت ربك، ونصحت إمامك فعل المتنزه
العفيف، فقد حمدت فعلك، ورضيت هديك، وأوتيت رشدك، وغفر الله ذنبك.
ومشى قوم خلفه، فقال: عنى خفق نعالكم؛ فإنها مفسدة لقلوب نوكي الرجال.
وقال: أكبر الغي أن تعيب رجلاً بما فيك، وأن تؤذي جليسك بما هو فيه عبثاً به.
وقال: اتقوا من تبغضه قلوبكم.
ودخل
عليه السلام المقابر، فقال: " أما المنازل فقد سكنت، والأموال قد قسمت،
والأزواج قد نكحت، فهذا خير ما عندنا؛ فما عندكم؟ ثم قال: والذي نفسي بيده
لو أذن لهم في الكلام لأخبروا أن خير الزاد التقوى.
وخطب فقال:
أما
بعد فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع،
وإن المضمار اليوم وغداً السباق. ألا وإنكم في أيام أملٍ من ورائه أجلٌ؛
فمن أخلص في أيام أمله قبل حضور أجله نفعه عمله، ولا يضره أمله، ومن قصر في
أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله، وضره أمله. فاعملوا لله في الرغبة
كما نعملون له في الرهبة. ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولم أر كالنار
نام هاربها، ألا وإنه من لم ينفعه الحق يضره الباطل، ومن لم يستقم به
الهدى يخزيه الضلال. ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن، ودللتم على الزاد. وإن
أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل.
وقال له الأشتر: كيف ود أمي
رالمؤمنين امرأته؟ قال: كالخير من امرأة جباء قباء. قال: وهل يريد الرجال
من النساء غير ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، حتى تدفي الضجيع، وتروي
الرضيع.
وقال: حسبي حسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وديني دينه، فمن
أبغض حسبي فإنما يبغض حسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يبغض ديني
فإنما يبغض دين النبي صلى الله عليه وسلم.
قال بعض قريش: أتيت الكوفة
فتبوأت بها منزلاً، ثم خرجت أريد عليا عليه السلام. فلقيني في الطريق وهو
بين الأشعث بن قيس، وجرير بن عبد الله، فلما رآني خرج من بينهما فسلم علي.
فلما سكت قلت: يا أمير المؤمنين، من هذان؟ وما رأيهما؟ فقال: أما هذا
الأعور - يعني الأشعث - فإن الله لم يرفع شرفاً إلا حسده، ولم يسن ديناً
إلا بغاه. وهو يمنى نفسه ويخدعها، فهو بينهما لا يثق بواحدة منهما. ومن
الله عليه أن جعله جباناً، ولو كان شجاعاً لقد قتله الحق بعد. وأما هذا
الأكشف - يعني جريرا - عبد الجاهلية فهو يرى أن كل أحد يحقره، فهو ممتلئ
بأوا، وهو في ذلك يطلب جحراً يؤويه، ومنصباً يغنيه. وهذا الأعور يغويه
ويطغيه، إن حدثه كذبه، وإن قام دونه نكص عنه، فهما كالشيطان " إذ قال
للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين " قال:
فقلت له: والله يا أمير المؤمنين لقد نزلت بشر منزل. ما أنت إلا بين الكلب
والذئب. قال: هو عملكم يا معشر قريش، والله ما خرجت منكم إلا أني خفت أن
تجلوا في فألج بكم.
وقال: أشد الذنوب ما استخف صاحبه به.
روى عن أبي
اراكة أنه صلى مع أمير المؤمنين - عليه السلام - صلاة الفجر، فلما سلم
انفتل عن يمينه، ثم مكث كأن به كابةً، حتى طغت الشمس على حائط المسجد، ثم
قلب يديه وقال: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم
شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون صفرا غبراً شعثاً، بين أعينهم مثل ركب
المعزى، قد باتوا لله سسجداً وقياماً، يتلون كتاب لله،يواحون بين أقدامهم
وجباههم، فإذا أصحبوا فذكروا الله مادوا كما يمد الشجر في يوم الريح،وهملت
أعينهم حتى تبل ثيابهم. والله لكأن القوم باتوا غافلين.
ثم نهض،ير مفترًّا حتى ضربه عدو الله ابن ملجم لعنه الله.
وكان
عليه السلام جالساً في أصحابه،فمرت امرأ جميلة،فرمقها القوم
بأبصارهم،فقال: إن أبصار هذه الفحول طوامح،فإذا رأى أحدكم المرئة تعجبه
فلأتي أهله حفإنما امرأة بامرة،.فقال رجل من الخوارج: قاتله الله كافراً،ما
أفهمه !فوثبوا عليه ليضربوه،فقال رضى الله عنه: مه،فإنما هو سب بسب،أو عفو
وقد عفوت.
وقال: من أبطأ به لم يسرع حسبه.
وقال:ما أضمر أحد شياً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه.
وقال: إذا كنت قي إدبار،والموت في إقبالٍ،فما أسرع الملتقى ! وقال:قلب الأحمق في لسانه،ولسان العاقل في قلبه.
وقال:عجبت
من البخيل يستعجل الفقر الذى منه هرب، ويفوته الغنى الذي إياه طلب، فيعيش
في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء.
وقال: يا أسرى الرغبة، أقصروا؛ فإن المعرج على الدنيا لا يروعه إلا صريف أنياب الحدثان.
وقال: المرأة عقربٌ حلوة اللسبة.
وقال: أهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيامٌ.
وقال: احذروا نفار النعم، فما كل شاردٍ مردودٌ.
وقال: كفى بالأجل حارساً.
وقال في بعض كلامه: لقد اتلعوا أعناقهم إلى أمر لم يكونوا من أله، فوصوا دونه.
وقال: أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع.
ومن كلامه: ولقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه، وقلبت ظهره وبطنه، فلم أر إلا القتال أو الكفر.
وقال: الولايات مضامير الرجال.
وقال: اللجاجة تسل الرأي.
الباب الرابع
من كلام الأئمة
عليهم السلام، وكلام جماعة من أشراف أهل البيت
الحسن بن علي
عليه السلام
روى أن أباه عليه السلام قال له: قم واخطب لأسمع كلامك، فقام فقال: " الحمد لله الذي من تكلم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه معاده. أما بعد، فإن القبور محلتنا، والقيامة موعدنا، والله عارضنا، إن علياً باب من دخله كان مؤمنا، ومن خرج منه كان كافراً.فقام إليه علي رضي الله عنه فالتزمه، وقال: بأبي أنت وأمي، " ذريةً بعضها من بعضٍ والله سميعٌ عليمٌ " .
ومن كلامه عليه السلام: إن هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور، فليجل جالٍ بصره، وليلجم النصفة قلبه؛ فإن التكفير حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور.
واعتل علي عليه السلام بالبصرة، فخرج الحسن عليه السلام يوم الجمعة، فصلى الغداة بالناس، وحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الله لم يبعث نبياً إلا اختاره نفساً ورهطاً وبيتاً. والذي بعث محمدا صلى الله عليه بالحق لا ينتقص أحدٌ من حقنا إلا نقصه الله من عمله، ولا تكون علينا دولةٌ إلا كانت لنا عاقبة. " ولتعلمن نبأه بعد حين " .
وقال له معاوية بعد الصلح: قم فاعتذر من الفتنة، فقام عليه السلام وقال: إن أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور، وإن هذا الأمر الذي تناوعنا فيه أنا ومعاوية إما حق رجلٍ هو أحق به مني، وإما حقي تركته لصلاح أمة محمد صلى الله عليه. " وإن أدرى لعله فتنةٌ لكم ومتسع إلى حين " .
ولما خرج حوثرة الأسدي وجه معاوية إلى الحسن عليه السلام يسأله أن يكون المتولى لمحاربة الخوارج، فقال: والله لقد كففت عنك لحقن الدماء؛ وما أحسب ذلك يسعني. أفأقاتل عنك قوماً أنت والله بقتالي أولى منهم.
ولما قدم معاوية المدينة صعد المنبر، ونال من علي عليه السلام، فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله لم يبعث نبياً إلا جعل له عدواً من المجرمين، فأنا ابن علي، وأنت ابن صخر، وأمك هند وأمي فاطمة، وجدتك قتيلة، وجدتي خديجة. فلعن الله ألأمنا حسباً وأخملنا ذكراً، وأعظمنا كفرا، وأشدنا نفاقاً.
فصاح أهل المسجد: آمين، آمين، وقطع معاوية خطبته ونزل ودخل منزله.
ودخل إلى معاوية وهو مضطجع، فقعد عند رجله، فقال معاوية: ألا أطرفك؟ بلغني أن أم المؤمنين عائشة تقول: إن معاوية لا يصلح للخلافة. فقال الحسن رضي الله عنه: وأعجب من ذلك قعودي عند رجلك، فقام معاوية واعتذر إليه.
وقيل له عليه السلام: فيك عظمة، قال: لا، بل في عزةٌ، قال الله تعالى: " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " .
وقال لأبيه عليهما الرحمة: إن للعرب جولة. ولو قد رجعت إليها غوارب أحلامها، لقد ضربوا إليك أكباد الإبل حتى يستخرجوك ولو كنت في مثل وجار الضبع.
وخطب مرةً فقال: ما بين جابلق وجابلص رجلٌ جده نبي غيري.
وقام إليه رجل، فقال: سودت وجوه المؤمنين. فقال: لا تؤنبني رحمك الله؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى بني أمية يصعدون على منبره رجلاً رجلاً.
وروى عن رجل من أهل الشام قال: دخلت المدينة، فرأيت راكبا على بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا سمتا ولا ثوباً ولا دابة منه، فمال قلبي إليه، فسألت عنه، فقيل: هذا الحسن بن علي بن أبي طالب. فامتلأ قلبي له بغضا، وحسدت عليا أن يكون له ابنٌ مثله، فصرت إليه فقلت: أنت ابن أبي طالب؟ فقال: أنا ابن ابنه. قلت فبك وبأبيك. أسبهما. فلما انقضى كلامي قال: أحسبك غريبا، قلت: أجل. قال: فمل بنا، فإن احتجت إلى منزل أنزلناك، أو إلى مالٍ آسيناك، أو إلى حاجةٍ عاونك. قال: فانصرفت عنه وما على الأأرض أحب إلي منه.
وقال معاوية: إذا لم يكن الهاشمي جواداً لم يشبه قومه، وإذا لم يكن المخزومي تياهاً لم يشبه قومه، وإذا لم يكن الزبيري شجاعاً لم يشبه قومه، وإذا لم يكن الأموي حليماً لم يشبه قومه.
فبلغ ذلك الحسن عليه السلام، فقال: ما أحسن ما نظر لقومه! أراد أن يجود بنو هاشم بأموالهم فيفتقروا، وتزهى بنو مخزوم فتبغض وتشنأ، ويحارب بنو الزبير فيتفانوا، وتحلم بنو أمية فتحب.
وقال عليه
السلام لحبيب بن مسلمة: رب مسيرٍ لك في غير طاعة الله. فقال: أما مسيري إلى
أبيك فلا. قال: بلى. ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة. ولعمري لئن قام بك
في دنياك لقد قعد بك في دينك. ولو أنك إذ فعلت شراً قلت خيراً كما قال
الله تعالى: " خلطوا عملاً صالحاً وءاخر سيئاً " ؛ ولكنك فعلت شراً وقلت
شراً فأنت كما قال الله تعالى: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " .
قال
الشعبي: كان معاوية كالجمل الطب، قال يوما والحسن عليه السلام عنده: أنا
ابن بحرها جوداً، وأكرمها جدودا، وأنضرها عودا. فقال الحسن: أفعلي تفخر؟
أنا ابن عروق الثرى، أنا ابن سيد أهل الدنيا، وأنا ابن من رضاه رضا الرحمن،
وسخطه سخط الرحمن. قل لك يا معاوية من قديم تباهى به، أو أب تفاخرني به؟
قل لا أو نعم، أي ذلك شئت، فإن قلت لا أثبت، وإن قلت نعم عرفت. قال معاوية:
فإني أقول لا تصديقا لك. فقال عليه السلام:
الحق أبلج ما يخيل سبيله ... والحق يعرفه ذوو الألباب
وأتاه رجل فقال: إن فلانا يقع فيك. قال: ألقيتني في تعب. أريد الآن أن أستغفر الله لي وله.
وجاء عليه السلام إلى أبي بكر وهو يخطب فقال: انزل عن منبر أبي.
قال
أبو بكر: صدقت. إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي، ثم أخذه فأجلسه في حجره وبكى،
فقال علي عليه السلام: والله ما كان هذا عن أمري. فقال أبو بكر رضي الله
عنه: صدقت والله ما اتهمتك.
وقال الحسن عليه السلام: من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه.
وسئل عن البخل فقال: هو أن يرى الرجل ما أنفقه تلفاً، وما أمسكه شرفاً.
وقال: حسن السؤال نصف العلم.
وقال: التبرع بالمعروف، والإعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد.
الحسين بن علي
عليهما السلام
لما عزوم علي الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال: الحمد لله، وما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على رسوله وسلم. خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة. وما أولهني إلى أسلافي! اشتياقي كاشتياق يعقوب إلى يوسف، وخيرٌ لي مصرعٌ أنا لاقيه. كأني بأوصالي تتقطعها عسلا الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملالأن مني أكراشاً جوفاً وأجريةً سغباً. لا محيص عن يومٍ خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت. نصبر على بلائه، ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمته؛ هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقر بهم عينه، وينجز لهم وعده. من كان باذلاً فينا مهجته، وموطناً على لقائنا نفسه فليرحل، فإني راحلٌ مصبحاً إن شاء الله.ةخطب عليه السلام فقال: أيها الناس. نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، ولا تحتسبوا بمروف لم تعجلوه، واكتسبوا الحمد بالنجح، ولا تكتسبوا بالمطل ماً، فمهما يكن لأحدٍ عند أحدٍ صنيعةٌ له رأى أنه لا يقوم بشكرا فالله له بمكافأته، فإنه أجزل عطاءً، وأعظم أجراً، واعلموا أن حوائج الناس إلكم من نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم، فتحور نقما، واعلموا أن المعروف يكسب حمدا ويكسب أجراً، فلو رأيتم المعروف رجلاً رأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين، ويفوق العالمين، ولو رأيتم اللؤم رجلا رأيتموه سمجاً مشوهاً تنفر منه القلوب، وتغش دونه الأبصار. أيها الناس. من جاد ساد، ومن بخل رذل. وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وإن أعفى الناس من عفا عن قدرة، وإن أفضل الناس من وصل من قطعه، والأصول على مغارسها ففروعها تسمو. فمن تعجل لأخيه خيراً وجده إذا قدم عليه غداً، ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها وقت حاجته، وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه، ومن نفس كربة مؤمنٍ فرج الله عن كرب الدنيا والآخرة، ومن أحسن أحسن الله إليه، والله يحب المحسنين.
وخطب فقال: إن الحلم زينةٌ، والوفاء مروءةٌ، والصلة رحمةً، والاستكبار صلفٌ، والعجلة صفهٌ، والسفه ضعفٌ، والغلو ورطةٌ، ومجالسة الدناة شر، ومجالسة أهل الفسق ريبةٌ.
ولما قتل معاوية حجر بن عدي
وأصحابه، لقى في ذلك العام الحسين عليه السلام فقال: أبا عبد الله هل بلغك
ما صنعت بحجرٍ وأصحابه من شيعة أبيك؟ فقال: لا. قال: إنا قتلناهم وكفناهم
وصلينا عليهم، فضحك الحسين عليه السلام، ثم قال: خصمك القوم يوم القيامة يا
معاوية. أما والله لو ولينا مثلها من شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم.
وقد بلغني وقوعك بأبي حسن، وقيامك واعتراضك بني هاشم بالعيوب، وايم الله
لقد أوترت غير قوسك، ورميت غير غرضك، وتناولتها بالعداوة م مكانٍ قريبٍ،
ولقد أطعت امرءاً ما قدم إيمانه، ولا حدث نفاقه، وما نظر لك، فانظر لنفسك
أودع. يريد: عمرو بن العاس.
قال أنس: كنت عند الحسين عليه السلام فدخلت
عليه جاريةٌ بيدها طاقة ريحان فحيته بها، فقال لها: أنت حرةٌ لوجه الله
تعالى، فقلت: تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها! قال: كذا أدبنا الله
جل جلاله. قال: " وإذا حييتم بتحيةٍ فحيوا بأحسن منها أو ردوها " ؛ فكان
أحسن منها عنقها.
وقال يوما لأخيه الحسن عليهما السلام: يا حسن. وددت أن لسانك لي، وأن قلبي لك.
وكتب إليه الحسن عليه السلام يلومه على إعطاء الشعراء، فكتب إليه: أنت أعلم مني أن خير المال ما وقى العرض.
ومن دعائه: اللهم لا تستدرجني بالإحسان، ولا تؤدبني بالبلاء.
ودعاه
عبد الله بن الزبير وأصحابه فأكلوا ولم يأكل الحسين عليه السلام. فقيل له:
ألا تأكل؟ قال: إني صائم، ولكن تحفة الصائم قيل: وما هي؟ قال: الدهن
والمجمر.
وجنى غلامٌ له جنايةً توجب العقاب عليه، فأمر به أن يضرب،
فقال: يا مولاي " والكاظمين الغيظ " قال: خلوا عنه، قال: يا مولاي "
والعافين عن الناس " قال: قد عفوت عنك. قال: يا مولاي " والله يحب المحسنين
" قال: أنت حر لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك.
وقال الفرزدق: لقيني
الحسين عليه السلام في منصرفي من الكوفة فقال: ما وراءك يا أبا فراس؟ قلت:
أصدقك. قال: الصدق أريد. قلت: أما القلوب فمعك، وأما السيوف فمع بني أمية
عليك. والنصر من عند الله. قال: ما أراك إلا صدقت. إن الناس عبيد المال،
والدين لغوٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درت به معايشهم، فإذا محصوا للابتلاء
قل الديانون.
وقال الحسين عليه السلام: من أتانا لم يعدم خصلة من أربعٍ؛ آيةً محكمةً، وقضيةً عادلةً، وأخاً مستفاداً، ومجالسة العلماء.
وكان يرتجز يوم قتل السلام ويقول:
الموت خير من ركوب العار ... والعار خير من ركوب النار
واللّه من هذا وهذا جارى وقال عليه السلام: صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك، فأكرم وجهه عن ردّك إياه.
وكان يقول: حوائج الناس إليكم. فلا تملّوا النّعم فتحور نقماً.
ولما
نزل به عمرو بن سعد لعنه اللّه وأيقن أنهم قاتلوه قام في أصحابه خطييباً،
فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: إنّه قد نزل من الأمر ما ترون، وإن الدنيا
قد تغيرت وتنكّرت، وأدبر معروفها واستمرّت، حتّى لم يبق منها إلا صبابةٌ
كصبابة الإناء، وإلا خسيس عيش كالكلإ الوبيل.
ألا ترون الحق لا يعمل به،
والباطل لا يتناهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء اللّه. فإنى لا أرى الموت
إلا سعادة، والحياة مع الظّالمين إلا برماً.
وقال عليه السلام: علّمنا عبد اللّه بن جعفر السّخاء.
وقيل:
كان بينه وبين أخيه الحسن عليهما السلام كلام، فقيل للحسين: ادخل على أخيك
فهو أكبر منك ؛ فقال: إنى سمعت جدّى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
أيما اثنين جرى بينهما كلام فطلب أحدهما رضا الآخر كان سابقه إلى الجنة،
وأنا أكره أن أسبق أخى الأكبر ؛ فبلغ قوله الحسن رضى اللّه عنه ؛ فأتاه
عاجلا.
على بن الحسين زين العابدين
رضى اللّه عنهنظر إلى سائل يبكى، فقال: لو أنّ الدنيا في يد هذا، ثم سقطت منه ما كان ينبغى أن يبكى عليها.
وسئل رضى اللّه عنه: لم أوتم النبى - صلى اللّه عليه وسلم - من أبويه ؟ قال: لئلا يوجب عليه حقّ لمخلوقٍ.
وقال: ليس في القرآن: يأيّها الذين آمنوا، إلا وهي في التوراة: يأيّها المساكين.
وقال لابنه: يا بنى. إياك ومعاداة الرجال، فإنه لن يعدمك مكر حليم، أو مفاجأة لئيمٍ.
وكان رضى اللّه عنه إذا توضأ للصلاة احمرّ واصفرّ وتلوّن ألواناً، فإذا قام إلى الصلاة رجفت أضلاعه ؛ فقيل له في ذلك ؛ فقال: أتدرون بين يدي من أنا قائم ؟.
وسقط ابن له في بئر، ففزع أهل المدينة لذلك حتى أخرجوه - وكان قائماً
يصلّى، فما زال عن محرابه - فقيل له في ذلك، فقال: ما شعرت، إنى كنت أناجى
ربّا عظيماً.
وكان له ابن عم يأتيه بالليل متنكرا،فيناوله شيئا " من
الدنانير، فيقول: لكن علي بن الحسين مايصلني، لا جزاه الله عني خيرا، فيسمع
ذلك فيحتمله،ويصبر عليه وليعررفه نفسه،فلما ماتى علي رضيى الله عنه فقدها،
فحينئذِِ علما أنه هو كان، فجاء الى قبره وبكى عليه.
وكان يقال له ابن
الخيرتين، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله من عباده خيرنين؛
فخيرته من العرب قريش ومن العجم فارس " ،وكانت امه ابنة كسرى.
وبلغه عليه الرحمة - قول نافع بن جبير في معاوية حيث قال:كان يسكته الحلم،وينطقه العلم،فقال:كذب،بل كان يسكته الحصر،وينطقه البطر.
وقيل له:من أعظم الناس خطراًِِ ؟قال:من لم ير الدنيا خطراً لنفسه.
وتزوجة
امة له اعتقها، فلامه عبد الملك بن مروان على ذلك وكتب اليه: اما بعد فانه
قد بلغني عنكا انكا اعتقتا امتك وتزوجتها وقد كان لك في اكفائك من قريش
ماتستكرم به في الصهر وتستنجد به في الولد،فلم تنظر لنفسك ولالولدك ونكحت
في اللؤم.
فكتب اليه.
اما بعد فني اعتقتها بكتاب الله،وارتجعتها بسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه والله مافوق رسول الله مرتقى لأحد في
مجد ان الله قد رفع بالإسلام الخسيسة،وأتم النقيصة وأكرم به من اللؤم فلا
عار على مسلم.هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تزوج امته وامرأة
عبده.
فقال عبد الملك:إن على بن الحسين يشرف من حيث يتضع الناس وروى لنا
الصاحب - رحمة الله - عن أبى محمدالجعفرى عن ابيه عن عمه عن جعفر قال:رجل
لعلى بن الحسين:ما أشد بغض قريش لأبيك! قال لأنه اورد اولهم النار وألزم
اخرهم العار.قال:ثم جرى ذكر المعاصى فقال:أعجب لمن يحتمى من الطعام لمضرته
وليحتمى من الذنب لمعرته.
وقيل له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحنا خائفين برسول
الله،وأصبح جميع أهل الإسلام آمنين به.قال ابن الأعرابي: لما وجه يزيد بن
معاوية عسكره لاستجابة أهل المدينة ضم على بن الحسين - رضي الله عنه -
أربعمائة منا فيمن يعلونه إلى أن يعلوهن إلى أن انقرض جيش مسلم بنة
عقبة،فقالت امرأة منهن:ما عشت والله بين أبوى بمثل ذلك التتريف.
وقد حكى عنه مثل ذلك عند إخراج ابن الزبير ابن أمية من الحجاز.
كتب
الوليد بن عبد الملك إلى صالح بن عبد الله المرى عامله على المدينة: أبرز
الحسن بن الحسن بن علي - وكان محبوسا - فاضربه في مسجد رسول الله صلى الله
عليه وسلم - خمسمائة سوط. فأخرجه إلى المسجد، واجتمع الناس وصعد صالحٌ
ليقرأ عليهم الكتاب ثم ينزل فيأمر بضربه، فبنا هو يقرأ الكتاب إذ جاء علي
بن الحسين - رضي الله عنه - فأفرج له الناس حتى انتهى إلى الحسن، فقال: يا
بن عم، مالك؟ ادع الله بدعاء الكرب يفرج الله عنك، فقال: ما هو يا بن عم؟
قال: قل لا إنه إلا الله العلي العظيم، سبحان رب السموات السبع ورب العرش
العظيم، والحمد لله رب العالمين.
قال: وانصرف علي بن الحسين، وأقبل
الحسن يكررها، فلما فرغ صالحٌ من قراءة الكتاب ونزل، قال: أرى سجنه. رجلٌ
مظلومٌ، أخروا أمره وأنا أراجع أمير المؤمنين في أمره؛ فأخروه ثم أطلق بعد
أيام.
قال علي - رضي الله عنه - وقد قيل له: ما بالك إذا سافرت كتمت
نسبك أهل الرفقة؟ قال: أكره أن آخذ برسول الله صلى الله عليه وسلم - ملا
أعطى مثله.
قال رجل لرجل من آل الزبير كلاماً أقذع فيه، فأعرض الزبيري
عنه ولم يجبه، ثم دار كلامٌ، فسب الزبيري على بن الحسن - رضي الله عنه -
فأعرض عنه ولم يجبه، فقال له الزبيري: ما يمنعك من جوابي؟ قال علي: ما
يمنعك من جواب الرجل.
ومات له ابنٌ فلم ير منه جزعٌ، فسئل عن ذلك، فقال: أمرٌ كنا نتوقعه، فلما وقع لم ننكره.
قال
طاوس: رأيت رجلا يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب ويدعو ويبكي في دعئه،
فتبعته حين فرغ من صلاته، فإذا هو على بن الحسين رضي الله عنهما، فقلت له:
يا بن رسول الله، رأيتك على حالة كذا، ولك ثلاثةٌ أرجو أن تؤمنك من الخوف
أحدهما: أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثانية شفاعة جدك،
والثالثة رحمة الله. فقال: يا طاوس؛ أما أني ابن رسول الله صلى الله عليه
وسلم - فلا تؤمنني، وقد سمعت الله يقول: " فلا أنساب بينهم يومئذٍ " وأما
شفاعة جدي فلا تؤمنني؛ لأن الله يقول: " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " . وأما
رحمة الله، فإن الله تعالى يقول: إنها " قريبٌ من المحسنين " ولا أعلم أني
محسنٌ.
وسمع رضي الله عنه رجلا كان يغشاه يذكر رجلاً بسوءٍ، فقال: إياك والغيبة؛ فإنها إدام كلاب الناس.
وقال: الكريم يبتهج بفضله، واللئيم يفتخر بملكه.
وقال: كل عينٍ ساهرة يوم القيامة إلا ثلاثاً: عين سهرت في سبيل الله وعين غضت عن محارم الله، وعينٌ فاضت من خشية الله.
محمد بن علي الباقر
رضي الله عنه
قال يوما لأحابه: أيدخل أحدكم يده في كم صاحبه؛ فيأخذ حاجته من الدنانير والدراهم؟ قالوا: لا. قال: فلستم إذاً بإخوانٍ.وقال لابنه جعفر رضي الله عنه: يا بني، إن الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن من الطاعة شيئاً، فلعل رضاه فيه. وخبأ سخطه ف يمعصيته، فلا تحقرن من المعاصي شيئاً، فلعل سخطه فيه. وخبأ أولياءه في خلقه، فلا تحقرن أحداً، فلعل ذلك الولي.
واجتمع عنده قومٌ من بين هاشم وغيرهم، فقال لهم: اتقوا البله، شيعة آل محمدٍ، وكونوا النمرقة الوسطى، يرجع إليكم الغالي، ويلحق بكم التالي! قالوا له: وما الغالي؟ قال: الذي يقول فينا ما لا نقوله في أنفسنا. قالوا: فما التالي؟ قال: الذي يطلب الخير فتزيدونه خيراً، إنه والله ما بيننا وبين الله قرابة، ولا لنا على الله من حجة، ولا نتقرب إليه إلا بالطاعة؛ فمن كان منكم مطيعاً لله يعمل بطاعته نفعته ولا يتنا أهل البيت، ومن كان منكم عاصياً لله يعمل لمعاصيه لم تنفعه ولايتناً. ويحكم لا تغتروا، ويحكم لا تغتروا.
وروى أنعبد الله بن معمر الليثي قال لأبي جعفر: بلغني أنك تفتى في المتعة، فقال: أحلها الله في كتابه، وسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم - وعمل بها أصحابه. فقال عبد الله: فقد نهى عمر عنها، قال: فأنت على قول صاحبك، وأنا على قول صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال عبد الله: فيسرك أن نساءك فعلن ذلك؟ قال أبو جعفر: وما ذكر النساء ها هنا يا أنوك؟ إن الذي أحلها في كتابه وأباحها لعباده أغير منك وممن نهى عنها تكلفاً، بل يسرك أن بعض حرمك تحت حاكة يثرب نكاحاً؟ قال: لا. قال: فلم تحرم ما أحل الله لك؟ قال: لا أحرم، ولكن الحائك ما هو لي بكفءٍ، قال: فإن الله ارتضى عمله ورغب فيه وزوجه حوراً، أفترغب عمن يرغب الله فيه، وتستنكف ممن هو كفءٌ لحور الجنان كبراً وعتواً؟ قال: فضحك عبد الله وقال: ما أحسب صدوركم إلا منابت أشجار العلم، فصار لكم ثمره، وللناس ورقه.
وسئل لم فرض الله تعالى الصوم على عباده؟ فقال: ليحد الغني مس الجوع فيحنو على الضعيف.
وقال: إن قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة العبد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار.
وقال أبو عثمان الجاحظ: جمع محمدٌ - عليه السلام - صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين، فقال: صلاح شأن التعايش والتعاشر مثل مكيالٍ، ثلثاه فطنةٌ وثلثٌ تغافلٌ.
هنأ رجلاً بمولود؛ فقال: أسأل الله أن يجعله خلفاً معك وخلفاً بعدك؛ فإن الرجل يخلف أباه ف يحياته وموته.
قال الحكم بن عيينة: مررنا بامرأة محرمةٍ وقد أٍبلت ثوبها، فقلت: أسفري عن وجهك. قالت: أفتاني بذلك زوجي محمد بن علي بن الحسن رضي الله عنهم.
وكان رضي الله عنه إذا رأى مبتلي أخفى الاستعاذة. وكان لا يسمع من داره: يا سائل بورك فيك، ولا يا سائل خذ هذا، وكان يقول: سموهم باحسن أسمائهم.
وكان يقول: اللهم أعني على الدنيا بالغنى وعلى الآخرة بالعفو.
وقال لابنه: يا بني، إذا أنعم الله عليك نعمة فقل: الحمد لله، وإذا حزبك أمرٌ فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا أبطأ عليك رزقٌ فقل: استغفر الله. وقال: أدب الله محمدا صلى الله عليه وسلم - أحسن الأدب فقال: " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " . فلما وعى قال: " وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " .
زيد بن علي
رضي الله عنه
وكان يسمى في آل محمد - صلى الله عليه وسلم - الراهب.ومن كلامه: إن الذين كرمت عليهم أنفسهم حفظوها بطاعة الله من العمل بمعصيته، وأدبوها بالقرآن، وأقاموها على حدود الرحمن، فلم يهتكوا حجاب ما حرم الله عليهم، ولم يسأموا من الصبر ومرارته في الله ابتغاءً مرضاته، فراقبوه في الخلوات، وبذلوا له من أنفسهم الكثير من الطاعات، حتى إذا عرضت لقلوبهن الدنيا أعرضوا عنها بيقينٍ لا يشوبه ريبٌ؛ فهؤلاء هم المؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصةٌ.
وقال رحمه الله: لا يسأل العبد عن ثلاث يوم الحساب؛ عما أنفق في مرضه، وعما أنفق في إفطاره، وعما أنفق في قرى ضيفه.
ةقال رضي الله عنه: اطلب ما يعنيك ودع ما لايعنيك؛ فإن في ترك مالا يعنيك دركاً لما يعنيك، وإنما تقدم على ما قدمت، ولست قادماً على ما أخرت، فآثر ما تلقاه غداً على مالا تراه أبداً.
ووقع بينه وبين عبد الله بن الحسن بن الحسن كلامٌ برصافة هشامٍ في صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال له عبد الله: يا بن السوداء، فقال: ذلك لونها، فقال: يابن النوبية. فقال: ذلك جنسها. فقال: يا بن الخبازة. فقال: تلك حرفتها. قال: يا بن الفاجرة. فقال: إن كنت صادقاً فغفر الله لها، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك. فقال: عبد الله: بل أنا كاذبٌ، يقولها ثلاث مرات.
وقال زيد رضي الله عنه: كان علي من رسول الله صلى الله عليه وسلم - بمنزلة هارون من موسى إذ قال له: " وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " . فألصق عيٌ - عليه السلام - كلكله بالأرض، لما رأى صلاحاً، فلما رأى الفساد بسط يده وشهر سيفه ودعا إلى سبيل ربه.
ودخل على هشام، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال: لا سلم الله عليك. فقال زيد: اتق الله. فقال: أمثلك يأمرني بتقوى الله؟ قال: إنه ليس أحدٌ فوق أن يؤمر بتقوى الله، ولا أحدٌ دون أن يأمر بتقوى الله. قال: أنت المحدث نفسك بالخلافة وأمك أمك قال: يا أمي رالمؤمنين إن الأمهات لا يعن من الأولاد، ولو وضعت أم من ولدها لوضعت أم إسماعيل من إسماعيل، فقدج جعله الله نبياً ودرأ سيد الأولين والآخرين محمداً - صلى الله عليه وسلم - منه. قال: لقد أعطيت على رغمى جدلاً. أخرجوه عني. فلما خرج اتبع فسمع يقول: ما أحب الحياة أحدٌ إلا ذل.
قارف الزهرى ذنبا فاستوحش من الناس، وهام على وجهه، فقال زيد رحمه الله: يا زهرى، لقنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيءٍ أشد عليك من ذنبك. فقال الزهري: الله أعلم حيث يجعل رسالاته، ورجع إلى أهله وماله وأصحابه.
من خطبه لزيد رضي الله عنه.
أوصيكم - عباد الله - بتقوى الله، التي من اكتفى بها كفته، ومن اجتن بها وقته. هي الزاد ولها المعاد؛ زادٌ مبلغٌ، ومعادٌ منجٍ. دعا إليها أسمع داع، ووعاها خير واعٍ، فأعذر داعيها، وفاز واعيها.
عباد الله: إن تقوى الله حمت أولياء الله محارمه، وألزمت قلوبهم مخافته حتى أسهرت ليلهم، وأظمأت هواجرهم، فأحذوا الراحة بالنصب، والر بالظمإ، وقربوا الأجل فبادروا العمل، وكذبوا الأمل، ولاحظوا الأجل. " طوبى لهم وحسن مآب " .
ثم إن الدنيا دار فناءٍ وعناء، وغيرٍ وعبر، فمن العناء أن المرء يجمع ما لايأكل، ويبني مالا يسكن، ثم يخرج إلى الله عز وجل لا مالاً حمل ولا بناءً نقل. ومن الفناء أن الدهر موترٌ قوسه ثم لا تخطئ سهامه، ولا تشوى جراحه، يرمى الحي بالموت، والحيح بالعطب، آكل لا يشبع، وشاربٌ لا يروى. ومن غيرها أنك تلقى المحروم مغبوطاً، والمغبوط محروماً، ليس ذلك إلا نعيماً زال وبؤسا نزل. ومن عبرها أن المشرف على أمله يقطعه أجله، فلا أمل يدرك، ولا مومل يترك، فسبحان الله، ما أغر سرورها، وأظمأ ريها، وأضحى فيئها! فكأن الذي كان من الدنيا لم يكن، وكأن الذي هو كائنٌ فيها قد كان، صار أولياء الله فيها إلى الأجر بالصبر، وإلى الأمل بالعمل، جاوروا الله في داره ملوكاً خالدين.
إن الله خلق موتاً بين حياتين؛ موتاً بعده حياة، وحياةً ليس بعدها موتٌ.
وإن
أعداء الله نظروا فلم يجدوا شيئاً بعد الموت إلا والموت أهون منه، فسألوا
الله عز وجل الموت، فقالوا: " بمالك ليقض علينا ربك قال إنكم مكثون " . وإن
أولياء الله نظروا فلم يجدوا شيئاً بعد الموت إلا والموت أشد منه، فسألوا
الله الحياة جزعاً من الموت، ولكل مما هو فيه مزيد. فسبحان الله، ما أقرب
الحي من الميت باللحاق به، وما أبعد الميت من الحي لانقطاعه منه!.
إنه
ليس شيءٌ بخيرٍ من الخير إلا ثوابه، وليس شيءٌ بشر من الشر إلا عقابه، وكل
شيءٍ من الدنيا سماعه أعظم من عيانه، وكل شيءٍ من الاخرة عيانه أعظم من
سماعه، فلكفكم من السماع العيان، ومن الغيب الخبر. إن الذي أمرتم به أوسع
مما نهيتم عنه، وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم، فذروا ما قل لما كثر، وما
ضاق لما اتسع، قد تكفل لكم بالرزق، وأمرتم بالعمل، فلا يكونن المضمون لكم
طلبة أولى بكم من المفروض عليكم، مع أنه والله، قد اعترض الشك، ووحل
اليقين، حتى كأن الذي ضمن لكم قد فرض عليكم، وكأن الذي فرض عليكم قد وضع
عنكم؛ فبادروا العمل، وخافوا بغتة الأجل؛ فإنه لا يرجى من رحمة الحياة ما
يرجى من رحمة الرزق؛ فإن ما فات اليوم من الرزق يرجى غداً زيادته، وما فات
أمس من العمر لم يرج اليوم رجعته، الرجاء مع الجائي، واليأس مع الماضي و "
اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " .
ومن خطبة له:
أوصيكم بتقوى الله؛ فإن الموصى بها لم يدخر نصيحةً، ولم يقصر في الإبلاغ؛
فاتقوا الله في الأمر الذي لا يصل إليه منه شيء إن أصبتموه، ولا ينقص منه
شيءٌ إن جهلتموه، وأحملوا في طلب أموركم، ولا تستعينوا بنعمة الله - عز وجل
- على معصيته.
وقال زيد لابنه رضي الله عنهما: يا بني ان الله - عز وجل
- لم يرضك لى فأوصاك بى ورضينى لك فحذرنيك واعلم أن خير الآباء للأ بناء
من لم تدعه المودة الى التفريط،وخير الأبناء للآباء من لم يدعه التقصير الى
العقوق فاحفظ وصيتتى قال ابن كناسة: لما صلب زيد بن على ما أمسى حتى نسج
العنكبوت على عورته. قال أبو بكر بن عياش: بقى زيد أربع سنين مصلوبا " فلم
تر عورته.
وقيل له: الصمت أفضل أم الكلام ؟ فقال: أخزى الله المسا كتة
فما أفسدها للسان وأجلبها للحصر والله للمماراة أسرع فى هدم العى من النار
فى يبس العرفج.
وقال: المروءة انصاف من دونك والسمو الى من فوقك والجزاء بما أتى من خير أو شر اليك.
قال:
أقبل زيد داخلأ الى المسجد وفيه نفر من قريش قد لحقتهم الشمس فى مجلسهم
فقاموا يريدون التحويل فلما توسط المسجد خاف أن يفوتوه فحصبهم فوقفوه
فحصبهم فوقفوا فقال لهم: أقتل يزيد بن معاوية حسين بن على ؟ قالوا:نعم قال:
ثم مات يزيد ؟ قالوا: نعم قال: فكأن حياة بينهما لم تكن قال: فعلم القوم
أنه يريد أمرا " .
جعفر بن محمد الصادق
رضى الله عنه
سئل: لم صار الناس يكلبون أيام الغلاء على الطعام، ويزيد جوعهم على العادة في الرخص ؟ قال: لأنهم بنو الأرض، فإذا قحطت قحطوا وإذا أخصبت أخصبوا. وشكا إليه رجل جاره، فقال: اصبر عليه، فقال: ينسبنى الناس إلى الذلّ فقال: إنما الذليل من ظلم، إنما الذليل من ظلم.وقال رحمه الله: أربعة أشياء القليل منها كثير: النار، والعداوة، والفقر، والمرض.
وسئل: لم سميت الكعبة البيت العتيق ؟ قال: لأن الله أعتقها من الطوفان يوم الغرق.
وقال أبو جعفر المنصور: إنّى قد عزمت على أن أخرب المدينة، ولا أدع بها نافخ ضرمة، فقال: يا أمير المؤمنين، لا أجد بدّاً من النّصاحة لك، فأقبلها إن شئت أولا.قال:إنه قد مضى لك ثلاثة أسلاف ؛ أيوب ابتلى فصبر، وسلمان أعطى فشكر، ويوسف قدر فغفر، فاقتد بأيهم شئت، قال: قد غفرت.
وروى أنه قال - وقد قيل بحضرته: جاور ملكاً أو بحراً - : هذا كلامٌ محال، والصواب: لاتجاور ملكا أو بحرا ؛ لأن الملك بؤذيك والبحر لايرويك.
وسئل عن فضيلة لأمير المؤمنين علىٍّ - رضى الله عنه - لم يشركه فيها غيره، فقال: فضل الأقربين بالسبق، وفضل الأبعدين بالقرابة.
وعنه رضى الله عنه: " بسم الله الرحمن الرحيم " تيجان السّور.
وقال رضى الله عنه: صحبة عشرين يوماً قرابة.
وقف أهل المدينة وأهل مكة بباب أبى جعفر ؛ فأذن الربيع لأهل مكة قبل أهل المدينة، فقال جعفر: عشّ والله طار خياره، وبقى شرارة.
وقيل
له: لم حرّم الله الربا ؟ قال: لئلا يتمانع الناس المعروف وقيل له: إن أبا
جعفر المنصور لا يلبس منذ صارت إليه الخلافة إلا الخشن، ولا يأكل إلا
الجشب، فقال: لم يا ويحه ؟ مع ما قد مكن الله له من السلطان وجبى إليه من
الأموال، فقيل له: إنما يفعل ذلك بخلاً وجمعاً، فقال: الحمد لله الذي حرمه
من دنياه ؛ ما له ترك دينه ؟.
لما قال الحكيم بن عياش الكلبى:
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلةٍ ... ولم أر مهدياًّ على الجذع يصلب
وقستم بعثمان علياًّ سفاهةً ... وعثمان خيرٌ من علىٍّ وأطيب
بلغ
قوله أبا عبد الله - رضى الله عنه - فرفع يديه إلى السماء وهما ترعشان،
فقال: اللهم إن كان عندك كاذباً فسلط عليه كلبك، فيعثه بنو أمية إلى الكوفة
فافترسه الأسد، واتصل خبره بالصادق - رضي الله عنه - فخر لله ساجداً ثم
قال: الحمد لله الذي أنجزنا ما وعدنا.
وقال لأبي ولاد الكاهلي: أرأيت
عمي زيداً؟ قال: نعم، رأيته مصلوباً ورأيت الناس فيه بين شامتٍ حنق، وبين
محزونٍ محترقٍ؛ فقال: أما الباكي فمعه في الجنة، وأما الشامت فشريكٌ في
دمه.
وقال: إذا أقبلت الدنيا على المرء أعطته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.
ومر
به رجل وهو يتغذى فلم يسلم، فدعاه إلى الطعام، فقيل له: السنة أن يسلم ثم
يدعى، وقد ترك السلام على عمدٍ، فقال: هذا فقهٌ عراقيٌ فيه بخل.
وقال: القرآن ظاهره أنيقٌ وباطنه عميقٌ.
وقال: من أنصف من نفسه رضي حكماً لغيره.
وقال: أكرموا الخبز؛ فإن الله تعالى أنزل له كرامةً. قيل: وما كرامته.
قال: ألا يقطع ولا يوطأ، وإذا حضر لم ينتظر به غيره.
وقال: حفظ الرجل أخاه بعد وفاته في تركته كرم.
وقال: ما من شيءٍ أسر إلى من يدٍ أتبعتها الأخرى؛ لأن منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل.
وقال: إني لأملق فأتاجر الله بالصدقة.
وقال: لا يزال العز قلقاً حتى يأتي داراً قد استشعر أهلها اليأس مما في أيدي الناس فيوطنها.
وقال: إذا دخلت إلى منزل أخيك فاقبل الكرامة كلها ما خلا الجلوس في الصدر.
وقال: كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان.
واشتكى مرةً فقال: اللهم اجعله أدباً لا غضباً.
وقال: البنات حسنات والبنون نعمٌ. والحسنات يثابٌ عليها، والنعم مسئولٌ عنها، وقال: إياك وسقطة الاسترسال فإنها لا تستقال.
وسئل: ما طعم الماء؟ فقال: طعم الحياة.
وقال: إني لأسارع في حاجة عدوي خوفاً أن أرده فيستغني عني.
وكان يقول: اللهم إنك بما أنت أهلٌ له من العفو أولى مني بما أنا أهلٌ له من العقوبة.
وقال:
من أكرمك فأكرمه، ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه. وأتاه أعرابي - وقيل بل
أتى أباه الباقر رضي الله عنهما - فقال: أرأيت الله حين عبدته؟ فقال: ما
كنت لأعبد شيئاً لم أره. قال: كيف رأيته؟ قال: لم تره الأبصار مشاهدة
العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس
بالناس، معروف بالآيات منعوتٌ بالعلامات. هو الله الذي لا إله إلا هو. فقال
الأعرابي: الله أعلم حيث يجعل رسالاته.
وقال: لا يكون المعروف معروفاً إلا باستصغاره وتعجيله وكتمانه.
وقال:
يهلك الله ستا بست؛ الأمراء بالجور، والعرب بالعصبية، والدهاقين بالكبر،
والتجار بالخيانة، وأهل الرستاق بالجهلن والفهاء بالحسد.
وقال: المسترسل موقى والمحترس ملقى.
وقال: منع الموجود سوء ظن بالمعبود.
وقال: صلة الأرحام منسأة في الأعمار، وحسن الجوار عمارةٌ للديار، وصدقة السر مثراةٌ للمال.
وقال
له أبو جعفر: ألا تعذرني من عبد الله بن حسن وولده، سبثون الدعاة، ويثيرون
الفتنة. قال: قد عرفت الأمر بيني وبينهم، وإن أقنعك مني آية من كتاب الله
تلوتها عليك، قال: هات. قال: " لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا
ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون " . قال: كفاني بين
عينيه.
وقال لرجل: أحدث سفراً يحدث الله لك منه رزقا، والزم ما عودت منه الخير.
وقال:
دعا الله الناس في الدنيا بآبائهم ليتعارفوا وفي الآخرة باعمالهم ليجازوا،
فقال: " يا أيها الذين ءامنوا " " ياأيها الذين كفروا " .
وقال: من أيقظ فتنةً فهو أكلها.
وقال: إن عيال الرجل أسراؤه، فمن أنعم الله عليه نعمةً فليوسع على أسرائه، فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة.
وكان يقول: السريرة إذا أصلحت قويت العلانية.
وقال:
ما يصنع العبد أن يظهر حسناً ويسر سيئاً. أليس يرجع إلى نفسه فيعلم أن ليس
كذلك، والله عز وجل يقول: " بل الإنسان على نفسه بصيرةٌ " .
وقال له
أبو حنيفة: يا أبا عبد الله، ما أصبرك علىالصلاة! فقال: يا نعما، أما علمت
أن الصلاة قربان كل تقي، وأن الحج جهاد كل ضعيفٍ، ولكل شيءٍ زكاةٌ، وزكاة
البدن الصيان، وأفضل الأعمال انتظار الفرج من الله، والداعي بلا عملٍ
كالرامي بلا وترٍ، فاحفظ هذه الكلمات: يا نعمان، استنزلوا الرزق بالصدقة،
وحصنوا الأموال بالزكاة، وما عال امرؤ اقتصد، والتقدير نصف العيس، والتؤدة
نصف العقل، والهم نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين، ومن أحزن والديه
فقد عقهما، ومن ضرب بيديه على فخذيه عند المصيبة أحبط أجره، والصنيعة لا
تكون صنيعةً إلا عند ذى حسبٍ ودينٍ، والله ينزل الرزق على قدر المئونة،
وينزل الصبر على قدر المصيبة، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية، ولو أراد الله
بالنملة خيراً ما أنبت لها جناحين.
وقيل له: ما بلغ من حبك لموسى؟ قال: وددت أن ليس لي ولدٌ غيره كيلا يشركه في حبي أحد.
وقال:
ثلاثة أقسام بالله إنها لحق، ما نقص مالٌ من صدقةٍ ولا زكاة، ولا ظلم أحدٌ
بظلامةٍ فقدر أن يكافئ بها وكظمها إلا أبدله الله مكانها عزاً، ولا فتح
عبدٌ على نفسه باب مسألةٍ إلا فتح الله عليه باب فقرٍ.
وقال: ثلاثةٌ لا يزيد الله المرء المسلم بها إلا عزاً: الصفح عمن ظلمه، والإعطاء لمن حرمه، والصلة لمن قطعه.
وقال:
الطبائع أربع: البلغم وهو خصمٌ جدلٌ، إن سددته من جانبٍ انفجر من جانب؛
والريح وهو ملكٌ يدارى، والدم وهو عبدٌ، وربما قتل العبد سيده، والمرة -
وهيهات - تلكم الرض إذا رجفت رجف ماعليها.
وقال: من اليقين ألا ترضى
الناس بما يسخط الله، ولا تذمهم على ما لم يؤتك الله، ولا تحمدهم على رزق
الله، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريصٍن ولا يصرفه كره كارهٍ؛ ولو أن أحدكم فر
من رزقه كما يفر من الموت لأدركه الرزق كما يدركه الموت.
وقال: مروءة الرجل في نفسه نسبٌ لعقبه وقبيلته.
وقال: من صدق لسانه زكا عمله، ومن حسنت نيته زيد في رزقه، ومن حسن بره بأهل بيته زيد في عمره.
وقال: خذ من حسن الظن بطرفٍ تروح به قلبك وتروج به أمرك.
وقال: المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق، وإذا رضى لم يدخله رضاه في باطلٍ، ولاذي إذا قدر لم يأخذ أكثر مما له.
موسى بن جعفر
رضي الله عنه
ذكر أن موسى الهادي قد هم به، فقال لأهل بيته: بن تشيرون؟ قالوا: نرى أن تتباعد عنه، وأن اغيب سخطك، فإنه لا يؤمن شره، فقال: زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغالب الغلاب ثم رفع يديه إلى السماء، فقال: إلهي، كم من عدو لي قد شحذ لي ظبة مدسته، وأرهف لي شبا حده، وذاف لي قواتل سمومه، ولم تنم عني عين حراسته، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن ملمات الجوائح صرفت ذلك عني بحولك وقوتك، لا بحولي وقوتي؛ فألقيته في الحفير احتفره لي، خائباً مما أمله في دنياه، متباعداً مما رجاه في آخرته، فلك الحمد على ذلك تدر استحقاقك. سيدي؛ اللهم فخذه بعزتك، وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلا فيما يليه، وعجزاً عمن يناديه، اللهم واعدني عليه عدوي حاضرةٌ تكون من غيظي شفاءً، ومن حنقي عليه وفاء، وصل اللهم دعائي بالإجابة، وانظم شكايتي بالعبير، وعرفه عما قليلٍ ما وعدت به الظالمين، وعرفني ما وعدت في إجابة المضطرين؛ إنك ذو الفضل العظيم، والمن الكريم.قال: ثم تفرق القوم، فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى الهادي، ففي ذلك يقول بعضهم في وصف دعائه:
وساريةٍ لم تسر في الأرض تبتغي ... محلاً، ولم يقطع بها السفر قاطع
وهي أبيات مليحةٌ ما قيل في وصف الدعاء المستجاب أحسن منها.
وسأله
الرشيد، فقال: لم زعمتم أنكم أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -
منا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنشر
فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله، وكنت أفتخر بذلك على
العرب والعجم، فقال: لكنه لا يخطب إلي ولا أزوجه، لأنه ولدنا ولم يلدكم.
وقد
روى أنه قال: هل كان يجوز أن يدخل على حرمك وهن فقال: لا، فقال: لكنه كان
يدخل على حرمي كذلك وكان يجوز له. وقيل: إنه سأله أيضا: لم قلتم إنا ذرية
رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوزتهم للناس أن ينسبوكم إليه، فيقولون: يا
بني رسول الله، وأنتم بنو علي؛ وإنما ينسب الرجل إلى أبيه دون جده؛ فقال:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
" ومن ذريته
داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى
وعيسى وإلياس " . وليس لعيسى أب، وإنما ألحق بذرية الأنبياء من قبل أمه،
وكذلك ألحقنا بذرية النبي صلى الله عليه وسلم وأزيدك يا أمير المؤمنين -
قال الله تعالى: " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من اعلم فقل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم " .
ولم يدع عليه السلام عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والخسين وهم الأبناء.
ومات
رضي الله عنه في حبس الرشيد. وقيل: سعى عليه جماعة من أهل بيته، ومنهم
محمد بن جعفر بن محمد أخوه، ومحمد بن إسماعيل بن جعفر ابن أخيه والله أعلم.
وسمع
موسى رضي الله عنه رجلا يتمنى الموت، فقال: هل بينك وبين الله قرابةٌ
يحابيك بها؟ قال: لا. قال: فهل لك حسناتٌ قدمتها تزيد على سيئاتك؟ قال: لا.
قال: فأنت إذاً تتمنى هلاك الأبد.
وقال رحمه الله: من استوى يوماه فهو
مغبونٌ، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه
فهو في النقصان، ومن كان في النقصان فالموت خير له من الحياة.
وروى عنه أنه قال: اتخذوا القيان؛ فإن لهن فطناً وعقولا ليست لكثير من النساء؛ فكأنه أراد النجابة من أولادهن.
علي بن موسى الرضا
رضي الله عنه
سأله الفضل بن سهل في مجلس المأمون، فقال: يا أبا الحسن؛ الخلق مجبرون؟ فقال: الله أعدل أن يجبر ثم يعذب قال: فمطلقون؟ قال: الله أحكم، أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه.أتى المأمون بنصراني قد فجر بها شمية، فلما رآه أسلم؛ فغاظه ذلك؛ وسال الفهاء فقالوا: أهدر الإسلام ما قبل ذلك. فسأل المأمون الرضا رضي الله عنه، فقال: اقتله؛ لأنه أسلم حين رأى البأس؛ قال الله عز وجل: " فلما رأوا بأسنا قالوا ءامنا بالله وحده " إلى آخر السورة.
قال عمرو بن مسعدة: بعثني المأمون إلى علي رضي الله عنه لأعلمه ما أمرني به من كتابٍ في تقريظه، فأعلمته ذلك، فأطرق مليا ثم قال: يا عمرو إن من أخذ برسول الله صلى الله عليه وسلم لحقيقٌ أن يعطى به. وسئل رضي الله عنه عن صفة الزاهد، فقال: متبلغٌ بدون قوته، مستعد ليوم موته متبرمٌ بحياته.
وسئل عن القناعة، فقال: القناعة تجمع إلى صيانة النفس، وعز القدر طرح مؤن الاستكثار والتعبد لأهل الدنيا، ولا يسلك طريق القناعة إلا رجلان: إما متقللٌ يريد أجر الآخرة، أو كريمٌ متنزه عن لئام الناس.
امتنع رجلٌ عن غسل اليد قبل الطعام؛ فقال رضي الله عنه: اغسلها، فالغسلة الأولى لنا، وأما الثانية فلك. إن شئت فاتركها.
أدخل إلى المأمون رجلٌ أراد ضرب عنقه والرضا حاضر؛ فقال له المأمون: ما تقول فيه يا أبا الحسن؟ فقال: أقول إن الله لا يزيدك بحسن العفو إلا عزاً، فعفا عنه.
حدث أبو الصلت قال: كنت مع علي بن موسى رضي الله عنه وقد دخل نيسابور، وهو راكبٌ بغلة شهباء، فغدا في طلبه علماء البلد: أحمد ابن حنبل، ويسن بن النضر، ويحيى، وعدةٌ من أهل العمل؛ فتعلقوا بلجامه في المربعة، فقالوا له: بحق آبائك الطاهرين حدثنا بحديث سمعته من أبيك؛ فقال: حدثني أبي العدل الصالح موسى بن جعفر، قال: حدثني أب يباقر - علم الأنبياء - محمد بن علي، قال: حدثني أبي سيد العابدين علي بن الحسين، قال: حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي، قال: سمعت أبي سيد العرب علي بن أب يطالب
قال:
سمعت رسول الله سلى الله عليه وسلم يقول: الإيمان معرفة بالقلب، وإقرارٌ
باللسان، وعملٌ بالأركان. قال: فقال أحمد بن حنبل: لو قرأت هذا الإسناد على
مجنون لبرئ من جنونه.
وروى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم مثلب ذلك يحكيه عن أبيه، وأنه قرأه على مصروعٍ فأفاق.
ولما
عقد المأمون اليعة له بعده قال: يا أمي رالمؤمنين؛ إن النصح واجب لك،
والغش لا ينبغي لمؤمنٍ، إن العامة تكره ما فعلت بي، وإن الخاصة تكره ما
فعلت بالفضل بن سهل، فالرأي لك أن تنجينا عنك حتى يصلح أمرك.
فكان إبراهيم الصولي يقول: كان هذا والله السبب فيما آل الأمر إليه.
حدث
بعضهم قال: خطب المأمون المدينة، فقال: أيها الناس؛ أتدرون من ولى عهدكم؟
هذا على بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين ين علي:
ستة أباء هم ما هم ... هم خير من يشرب صوب الغمام
روى عن الرضا - رحمه الله - أنه قال: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، ومن نسب إليه ما نهى عن فهو كافر.
وروى
عن بعض أصحابه أنه قال: دخلت عليه بمرو فقلت له: يا بن رسول الله، روى لنا
عن الصادق - رضي الله عنه - أنه قال: لا جبر ولا تفويض، أمر بين أمرين فما
معناه؟ قال: من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا فقد قال بالجبر، ومن
زعم أ نالله فوض أمر الخلق والرزق إلى خلقه، فقد قال بالتفويض والقائل
بالجبر كافر، والقائل بالتفويض مشرك. فقلت: يا بن رسول الله؛ فما أمر بين
أمرين؟ قال: وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به وترك ما نهوا عنه.
وقال في قول الله تعالى: " فاصفح الصفح الجميل " - قال: عفوٌ بغير عتاب. وفي قوله: " خوفاً وطمعاً " خوفا للمسافر وطمعا للمقيم.
وقال
له المأمون: يا أبا الحسن؛ أخبرني عن جدك علي بن أب يطالب بأي وجهٍ هو
قسيم الجنة والنار؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن
عبد الله بن عباس أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " حب
علي إيمانٌ وبغضه كفرٌ " . فقال: بلى. قال الرضا: فقسمه الجنة والنار إذا
كانت على حبه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار. فقال المأمون: لا أبقاني الله
بعدك يا أبا الحسن، أشهد أنك وارث علم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال
أبو الصلت الهروي: فلما رجع الرضا إلى منزله أتيته فقلت: يا بن رسول الله
ما أحسن ما أجبت به أمي رالمؤمنين! فقال: يا أبا الصلت، إنما كلمته من حيث
هو، لقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن علي رضي الله عنه، قال: قال لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم: يا علي، أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة، تقول
للنار هذا لي وهذا لك " .
ودخل عليه بخراسان قومٌ من الصوفية، فقالوا
له: إن أمير المؤمنين المأمون نظر فيما ولاه الله من الأمر فرآكم - أهل
البيت - أولى اناس بأن تؤموا الناس، ونظر فيكم - أهل البيت - فرآكم أولى
الناس بالناس، فرأى أن يرد هذا الأمر إليك، والأمة تحتاج إلى من يأكل الجشب
ويلبس الخشن، ويركب الحمار، ويعود المريض. قال: وكان الرضا - رضي الله عنه
- متكئاً فاستوى جالساً، ثم قال: كان يوسف نبياً يلبس أقبية الديباج
المزررة بالذهب، ويجلس على متكآت آل فرعون ويحكم؛ إنما يراد من الإمام قسطه
وعدله؛ إذا قال صدق، وإذا حكم عدل، وإذا وعد أنجز؛ إن الله تالى لم يحرم
لبوساً ولا مطعماً، وتلا: " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والكيبات
من الرزق " .
محمد بن علي بن موسى
رضي الله عنه
تذكر المتوكل في علة إن وهب الله له العافية أن يتصدق بمال كثير، فعوفى، فاحضر الفقهاء واستفتاهم، فكل منهم قال شيئاً إلى أن قال محمد رضي الله عنه: إن كنت نويت الدنانير فتصدق بثمانين ديناراً، وإن كنت نويت الدراهم فتصدق بثمانين درهماً.فقال الفقهاء: ما نعرف هذا في كتابٍٍ ولا سنة، فقال: بلى.
قال الله عز وجل: " لقد نصركم الله في مواطن كثيرةٍ " . فعدوا وقائع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا فإذا هي ثمانون.
هذه القصة إن كانت وقعت للمتوكل فالجواب لعلي بن محمدٍ. فإن محمداً لم يلحق أيام المتوكل، ويجوز أن تكون له مع غيره من الخلفاء.
وأتاه رجل فقال: أعطني على قدر مروءتك، قال: لا يسعني، قال: فقال على قدري، قال: أما ذا فنعم، يا غلام؛ أعطه مائتي دينار.
عبد الله بن الحسن بن الحسن
رضي الله عنه
نظر
إليه رجل وهو مغموم، فقال ما غمك يا بن رسول الله؟ فقال: كيف لا أغتم وقد
امتحنت بأغلظ من محنة إبراهيم خليل الله، ذاك أمر بذبح ابنه ليدخل الجنة،
وأنا مأخوذٌ بأن أحضر ابني ليقتلا فأدخل النار.
ولما أمعن داود بن علي
في قتل بني أمية بالحجاز، قال له عبد الله: يابن عم؛ إذا أفرطت في قتل
أكفائك فمن تباهى بسلطانك؟ أوما يكفيك منهم أن يروك غادياً رائحاً فيما
يسرك ويسوءهم؟ وكتب إلى صديقٍ له: اتق الله؛ فإنه جعل لمن اتقاه من عباده
المخرج مما يكره والرزق من حيث لا يحتسب.
قالوا: كان عثمان بن خالد
المرى على المدينة منن قبل الوليد بن عبد الملك؛ فأساء بعبد الله والحسن
ابني الحسن إساءةً عظيمةً وقصدهما، فلما عزل أتياه، فقالا: لا تنظر إلى ما
كان بيننا؛ فإن العزل قد محاه، وكلفنا أمرك كله. فلجأ إليهما، فبلغا له كل
ما أراد؛ فجعل عثمان يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالاته.
وكان عبد الله يقول: يا بنى اصبر؛ فإنما هي غدوةٌ أو روحةٌ حتى يأتي الله بالفرج.
وروى
أنه قال لابنه محمد حين أراد الاستخفاء: يا بني، إني مؤد إليك حق الله في
تأديبك ونصيحتك، فأد إلى حقه عليك في الاستماع والقبول، يا بني كف الأذى،
واقض الندى، واستعن على السلامة بطول الصمت في الموطن التي تدعوك فيها نفسك
إلى الكلام؛ فإن الصمت حسن، وللمرء ساعاتٌ يضره فيها خطؤه، ولا ينفعه فيها
صوابه. واعلم أن من أعظم الخطإ العجلة قبل الإمكان، والأناة بعد الفرصة.
يا بني: احذر الجاهل وإن كان لك ناصحاً كما تحذر عداوة العاقل إذا كان لك
عدوا؛ فيوشك الجاهل أن يورطك بمشورته في بعض اغترارك، فيسبق إليك مكر
العاقل ومورط الجاهل، وإياك ومعاداة الرجال؛ فإنه لا يعدمك منها مكر حليمٍ
ومفاجأة جاهل.
قال بعضهم: إني لعند عبد الله بن حسن - رضي الله عنه -
وهو واقفٌ على نهاية ما يكون من الخوف والجزع من مروان بن محمد إذ استأذن
أبو عدي الأموي الشاعر فأدخل، فبشره بأن البيعة قد وقعت بالكوفة لعبد الله
ابن محمد أبي العباس السفاح، فوهب له عبد الله أربعمائة دينار، ودفع إليه
ابناه إبراهيم ومحمد مثلها، ودفعت إليه أمهما مائتي دينار فانصرف بألف
دينار.
وقال السفاح يوما لعبد الله: أما وعدتني أن تحضر ابنيك محمد
وإبراهيم؟ قال: والله ما أعلم علمهما. وأعلم مني بأمرهما عمهما حسن بن حسن.
وكان حسن قد قال لعبد الله: إذا سألك عنهما فارم بأمرهما إلي، فوجه أبو
العباس إلى حسن: إن أخاك زعم أن علم ابنيه عندك، وما أريدهما إلا لما هو
خير لهما، فوجه إليه حسن: يا أمير المؤمنين، لم تنقص معروفك عند هذا الشيخ؟
وقد علمت أنه إن كان في قدر الله أن يلي ابناه أو أحدهما شيئاً من هذا
الأمر لم ينفعك ظهورهما، وإن كان لم يقدر ذلك لم يضرك استتارهما.
فقال
أبو العباس: صدق والله حسنٌ، لا ذكرتهما بعد هذا وأمسك عن طلبهما ولما أخرج
المنصور عبد الله بن حسن وأهل بيته من المدينة مقيدين على جمالٍ في محامل
أعرى كل واحد منهم يعادله جندي، وقعت عين عبد الله على أبي جعفر في الطريق
فناداه: يا أبا جعفر؛ ما هكذا فعلنا بأسارئكم يوم بدرٍ.
وكان عبد الله
يقول في الحبس: اللهم إن كان هذا من سخطك فاشدد على حتى ترضى؛ فبلغ ذلك
جعفر الصادق - رضي الله عنه - فقال: رحم الله أبا محمدٍ؛ أما إنه لو سأل
ربه العافية كان خيرا له.
ومن كلام عبد الله: المراء يفسد الصداقة القديمة، ويحل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن تكون المغالبة أشد أسباب القطيعة.
وكان
يقال في ذلك الزمان: من أكرم الناس؟ فيقال: عبد الله بن الحسن، فيقال: من
أحسن الناس؟ فيقال: عبد الله بن الحسن، فيقال: من أفضل الناس؟ فيقال: عبد
الله بن الحسن. وكان أولاده يسمون حلي البلاد.
محمد بن عبد الله بن الحسن
النفس الزكية وأخويه رضى الله عنهم
لما ظهر بالمدينة كتب إليه المنصور: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله. أما بعد ف " إنما جزؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الأخرة عذابٌ عظيمٌ إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفورٌ رحيمٌ " .ولك ذمة الله عز وجل وعهده وميثاقه، وحق نبيه محمد - صلى الله عليه
وسلم - إن تبت من قبل أن أقدر عليك أن أومنك على نفسك وولدك وإخوتك ومن
تابعك وبايعك وجميع شيعتك، وأن أعطيك ألف ألف درهم، وأنزلك من البلاد شئت،
وأقضي لك ما شئت من الحاجات، وأن أطلق من في سجني من أهل بيتك وشيعتك
وأنصارك، ثم لا أتبع أحداً منهم بمكروه؛ فإن شئت أن تتوثق لنفسك؛ فوجه إلى
من يأخذ لك من الميثاق والعهد والأمان ما أحببت والسلام.
فكتب إليه محمد رضي الله عنه: من عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن محمد. أما بعد.
"
طسم تلك ءايت الكتاب المبين نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقومٍ
يؤمنون إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طايفةً منهم يذبح
أبناءهم ويستحي نسآءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين
استضعفوا في الأرض ونجعلهم أيمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونرى
فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " .
وأنا أعرض عليك من
الأمان مثل الذي أعطيتني؛ فقد تعلم أن الحق حقنا، وأنكم إنما طلبتمون بنا،
ونهضتم فيه بشيعتنا، وخطبتموه بفضلنا، وأن أبانا علياً عليه السلام كان
الوصي والإمام، فكيف ورثتموه دوننا ونحن أحياء؟ وقد علمت أنه ليس أحد من
بني هاشم يمت بمثل فضلنا، ولا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا، ونسبنا وسيينا،
وأنا بنو أم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت عمرو في الجاهلية
دونكم، وبنو بنته فاطمة في الإسلام من بينكم. وأنا أوسط بني هاشم نسبا،
وخيرهم أما وأبا، لم تلدني العجم، ولم تعرق في أمهات الأولاد. وإن الله
تبارك وتعالى لم يزل يختار لنا؛ فولدني من النبيين أفضلهم محمد - صلى الله
عليه وسلم - ومن أصحابه أقدمهم إسلاما، وأوسعهم علما، وأكثرهم جهاداً عليٌ
ابن أبي طالب، ومن نسائه أفضلهن خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله وصلى
القبلة، ومن بناته أفضلهن سيدة نساء أهل الجنة، ومن المولودين في الإسلام
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. ثم قد علمت أن هاشما ولد عليا مرتين،
وأن عبد المطلب ولد الحسن مرتين وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدني
مرتين من قبل جدي الحسن والحسين، فما زال الله عز وجل يختار لي حتى اختار
لي في النار؛ فولدني أرفع الناس درجةً في الجنة وأهون أهل النار عذاباً،
وأنا ابن خير الأخيار، وابن خير أهل الجنة، وابن خير أهل النار.
ولك عهد
الله، إن دخلت في بيعتي، أن أومنك على نفسك وولدك وكل ما أصبته إلا حدا من
حدود الله أو حقاً لمسلم أو معاهد. وقد علمت ما يلزمك في ذلك، وأنا أوفى
بالعهد منك، وأنت أحرى بقبول الأمان مني؛ فأما أمانك الذي عرضته فأي
الأمانات هو؟ أمان ابن هبيرة، أم عبد الله عمك، أم أمان أبي مسلم؟ والسلام.
وللمنصور جوابٌ - عن هذه الرسالة - طويل فيه احتجاج كثير، وطعن وقدح أمسكنا عن ذكره.
روى
الصولى بإسنادٍ له عن عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن مسور ابن مخرمة
قال: اجتمع رجال من بني هاشم في منزلي منهم: إبراهيم بن محمد ابن علي بن
عبد الله بن العباس، وعبد الله بن علي وغيرهم من بني العباس. ومن ولد أبي
طالب عبد الله والحسن ابنا الحسن، وابنا عبد الله محمد وإبراهيم، وجعفر بن
محمد رضي الله عنهم وغيرهم من أهلهم، وكان اجتماعهم للحج، فخفي بذلك
إبراهيم، فابتدأ محمد بن عبد الله؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أما
بعد، يا بني هاشم، فإنكم خيرة الله، وعترة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبنو
عمه وذريته، فضلكم الله بالوحي، وخصكم بالنبوة، وإن أولى الناس بحفظ دين
الله، والذب عن حرمه من وضعه الله بموضعكم من نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد
أصبحت الأمة مغصورةً، والسنة مبدلةً، والأحكام معطلة، فالباطل حي، والحق
ميتٌ فأبلوا أنفسكم في طاعة الله، واطلبوا باجتهادكم رضاه، واعتصموا بحبله
من قبل أن تهونوا بعد كرامةٍ، وتذلوا بعد عز، كما ذلت بنو إسرائيل من
قبلكم، وكانت أحب الخلق في وقتها إلى ربكم، فقال فيهم جل وعز: " كانوا لا
يتناهون عن منكرٍ فعلوه " . فمن رأى منكم نفسه أهلا لهذا الأمر فإنا نراه
له أهلاً، وهذي يدي له بالسمع والطاعة، ومن أحس من نفسه ضعفاً، أو خاف منها
وهناً وعجزاً فلا يحل له التولي على المسلمين، وليس بأفقههم في الدين، ولا
أعلمهم بالتأويل. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
قال:
فوالله ما رد أحدٌ كلمةً غير أبي جعفر عبد الله بن محمد، فإنه قال: أمتع
الله قومك بك، وكثر فيهم مثلك، فوالله لا يزال فينا من يسمو إلى الخير،
ويرجى لدفع الضيم، ما أبقاك الله لنا وشد بك أزرنا.
فقالوا لعبد الله:
أنت شيخ بني هاشم وأقعدهم، فأمدد يدك حتى نبايعك؛ فقال: ما أفعل ذلك، ولكن
هذا ابني محمدٌ فبايعوه، فقالوا له: إنما قيل لك هذا لأنه لم يشك فيك، وها
هنا من هو أحق بالأمر من ابنك، واختلطت الأصوات، وقاموا لوقت صلاة.
قال
عبد الله بن جعفر؛ فتوكأ جعفر بن محمد على يدي وقال: والله لا يملكها إلا
هذان الفتيان - وأومأ إلى السفاح والمنصور - ثم تبقى فيهم حتى يتلعب بها
خدمهم ونساءهم، وإن الراد على محمد بن عبد الله كلامه من العباسيين هو
قاتله وقاتل أبيه وأخيه.
ثم افترقوا، فقال لي ممد بن عبد الله المنصور -
وكان بيني وبينه خاصة ود: ما الذي قال لك جعفر؟ فعرفته ذلك، فقال: إنه
خيرنا آل محمد، وما قال شيئا قط إلا وجدناه كما قال.
قال عبد العزيز بن عمران: وبلغني أن المنصور قال: رتبت عمالي بعد جعفر ثقة بقوله.
قالوا:
ولد محمد - رضى الله عنه - في سنة مائةٍ في شهر رمضان، فصار عبد الله أبوه
إلى عمر بن عبد العزيز فعرفه ذلك، فأثبته في شرف العطاء، وقال لعبد الله:
أقسم بالله لئن عدت إلى في حاجةٍ لاقينها، اكتب إلى فيما تريد حتى أفعله.
كان
محمد يقول: إن كنت أطلب العلم في دور الأنصار، حتى إنه لأتوسد عند أحدهم،
فيوقظني الإنسان فيقول: إن سيدك قد خرج إلى الصلاة، ما يحسبني إلا عبده.
قال
إبراهيم بن عبد الله بن حسن: وجدت جميع ما يطلب العباد من جسيم الخير عند
الله في ثلاث: في المنطق والنظر والسكوت؛ فكل منطقٍ ليس فيه ذكرٌ فهو لغو،
وكل سكوتٍ ليس فيه تفكرٌ فهو سهوٌ، وكل نظر ليس فيه عبرة فهو غفلةٌ. فطوبى
لمن كان منطقه ذكرا، ونظره عبرا، وسكوته تفكرا، ووسعه بيته، وبكى على
خطيئته، وسلم المسلمون منه.
وقال في خطبته يوم الفطر: اللهم إنك ذاكرٌ
اليوم آباءنا بأبنائهم وأبناءنا بآبائهم؛ فاذكرنا عندك بمحمد - صلى الله
عليه - يا حافظ الآباء في الأبناء احفظ ذرية نبيك. قال: فبكى الناس بكاء
شديداً.
قالوا: نازع رجلٌ من بني عدي بن كعب، يقال له: محمد بن إسماعيل،
موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن - رضي الله عنهم - في بئر احتفرها، فقال:
يا أبا الحسن، ما وفقت فيما صنعت، فقال له موسى: ومن أنت حتى تقول هذا؟
قال: أنا من تعرف، قال: أعرفك دنيا في قريش تحملك القوادم. فلم يجبه
العدوى، ثم التقيا، فأحد موسى النظر إليه، فقال له العدوى: أتحد النظر إلى
وتستطيل بالخيلاء علي؟ أغرك حلمي وعفوي عما كان منك؟ الخير لك أن تربع على
ظلعك، وتقيس شبرك بفترك، وتعرف حالك من حال غيرك. فقال موسى: ما أعدك ولا
أعتد بك، وإنك للغوى العيي، القريب من كل شرٍ، البعيد من كل خيرٍ. وأما
ذكرك شبرى وفتري فإن فتري من شبري، وشبري من فتري، من كف رحبة الذراع طويلة
الباع، بقيمتها ما يقعدك ويرفعها ما يخفضك، ومهما جهلت مني فإني عالم بأني
خير منك أما وأبا ونفساً وإن رغم أنفك، وتصاغرت إليك نفسك.
وروى أن موسى بن عبد الله دخل على الرشيد فعثر بالبساط، فضحك الخدم؛ فقال: يا أمير المؤمنين، إنه ضعف صوم لا ضعف سكرٍ.
وكان
المنصور قد حبس موسى مع أبيه وعمومته، ثم أفرج عنه على أن يظهر أخويه،
فاستتر عنه إلى أن خرج مع أخويه، ثم استتر أيضاً، فظفر به المنصور، وضربه
ألف سوطٍ، فما نطق بحرف؛ فقال الربيع: ما عجبي لصبر هؤلاء الشطار، ولكن
عجبي من هذا الفتى الذي لم تره الشمس. وسمع موسى قوله فقال: الصبر وأنت على
الحق أولى منه وأنت على الباطل، وأنشد:
إني من القوم الذين يزيدهم ... جلداً وصبراً قسوة السلطان
محمد بن إبراهيم بن إسماعيل
ابن إبراهيم طباطبا بن حسن بن حسن بن علي - رضي الله عنهم - صاحب أبي السرايا. خطب حين انتهت أبو السرايا قصر العباس بن موسى ابن عيسى، فقال: أما بعد، فإنه لا يزال يبلغني أن القبائل منكم تقول: إن بني العباس فيء لنا، نخوض في دمائهم، ونرتع في أموالهم، ويقبل قولنا فيهم، وتصدق دعوانا عليهم، حكم بلا علم، وعزمٌ بلا روية. عجباً لمن أطلق بذلك لسانه، أو حدث به نفسه! أبكتاب الله حكم أم سنة نبيه صلى الله عليه اتبع؟ أو بسط يدي له بالجور أمل؟ هيهات هيهات، فاز ذو الحق بما نوى، وأخطأ طالب ما تمنى، حق كل ذي حق في يده، وكل مدعٍ على حجته، ويل لمن اغتصب حقا، وادعى باطلاً، فلح من رضى بحكم الله، وخاب من أرغم الحق أنفه. العدل أولى بالأثرة وإن رغم الجاهلون، حق لمن أمر بالمعروف أن يجتنب المنكر، ولمن سلك سبيل العدل أن يصبر على مرارة الجورن كل نفس تسمو إلى همتها. ونعم الصاحب القناعة.أيها الناس؛ إن أكرم العبادة الورع، وأفضل الزاد التقوى؛ فاعملوا في دنياكم، وتزودوا آخرتكم. " اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " . وإياكم والعصبية وحمية الجاهلية؛ فإنهما تمحقان الدين، وتورثان النفاق، خلتان ليستا من ديني ولا دين آبائي رحمة الله عليهم. تعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، يصلح لكم دينكم وتحسن المقالة فيكم. الحق أبلج، والسبيل منهج، والناس مختلفون، ولكل في الحق سعةٌ، من حاربنا حاربناه، ومن سالمنا سالمناه، والناس جميعاً آمنون قال فينا يتناول من أعراضنا قلت؛ ولكن حسب امرءٍ ما اكتسب، وسيكفي الله.
ولما اشتدت به علته؛ قال له أبو السرايا: أوصني يابن رسول الله؛ فقال: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله والطيبين، أوصيط بتقوى الله فإنها أحصن جنة، وأمنع عصمة، والصبر فإنه أفضل منزلٍ وأحمد معولٍ، وأن تستتم الغضب لربك، وتدوم على منع دينك، وتحسن صحبة من استجاب لك، وتعدل بهم عن المزالق، ولا تقدم إذدام متهورن ولا تضجع تضجيع متهاونٍ، واكفف عن الإسراف في الدماء، مالم يوهن لك دينا ويصدك عن صواب، وارفق بالضعفاء وإياك والعجلة، فإن معها الهلكة واعلم أن نفسك موصولةٌ بنفوس آل محمد عليه السلام، ودمك مختلط بدمائهم؛ فإن سلموا سلمت، وإن هلكوا هلكت؛ فكن على أن يسلموا أحرص منك على أن يعطبوا؛ وقر كبيرهم، وبر صغيرهم، واقبل رأي عالمهم. واحتمل هفوةً إن كانت من جاهلهم يرع الله حقك، واحفظ قرابتهم يحسن الله نصرك، وول الناس الخيرة لأنفسهم فيمن يقوم مقامى لهم من آل علي؛ فإن اختلفوا فالأمر إلى علي بن عبد الله؛ رضيت دينه ورضيت طريقته فارضوا به، وأحسنوا طاعته تحمدوا رأيه وبأسه.
وخطب الناس يوما، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: عباد الله، إن عين الشتات تلاحظ الشمل بالبتات، وإن يد الفناء تقطع مدة البقاء، فلا يكبحنكم الركون إلى زهرتها عن التزود لمقركم منها؛ فإن ما فيها من عيمٍ بائد، والراحل عنها غير عائد. وما بعدها إلا جنةٌ تزلف للمتقين، أو نارٌ تبرز للغاوين. " من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظالمٍ للعبيد " .
جماعة من الأشراف العلوية
كان يحيى بن الحسين يسمى ذا الدمعة، وكانت عينه لا تكاد تجف من الدموع، فقيل له في ذلك، فقال: وهل ترك السهمان في مضحكا، يعني: السهم الذي رمى به زيد - رحمه الله - والسهم الذي رمى به يحيى بن زيد.كان عيسى بو زيد - رحمه
الله - خرج مع النفس الزكية محمد بن عبد الله، وأشار عليه لما كثر عليه
الجيش أن يلحق باليمن، فإن له هناك شيعة، وطلبه يبعد، فلم يقبل منه؛ فلما
أحس بالقتل ندم على ترك القبول منه، وقال لمن حوله من شيعته: الأمر من بعدي
لأخي إبراهيم؛ فإن أصيب فلعيسى بن زيد. فلما قتل محمد استتر عيسى مدة أيام
المنصور وفي أيام المهدي، فطلب طلبا شديدا إلى أن مات في الاستتار في آخر
أيام المهدي.
وحدث شبيب بن شيبة، قال: كنت أجالس المهدي في كل خميس،
خامس خمسة، فخرج إلينا عشيةً وهو غضبان لخبر بلغه عن عيسى بن زيد، فقال:
لعن الله كتابي وعمالي وأصحاب بردى وأخباري، هذا ابن زيد قد غمض على أمره
فما ينجم لي منه خبر، فقلت: لا تشكون منه يا أمير المؤمنين، وما يكربك من
خبر ابن زيد؟ فوالله ما هو بحقيقٍ أن يتبع وأن يجتمع عليه اثنان.
قال:
فنظر إلى نظرة منكرٍ لقولي، ثم قال: كذبت، والله هو والله الحقيق بأن يتبع،
وأن يجتمع عليه المسلمون. وما يبعده عن ذلك؟ لقد حطبت في حبلى، وطلبت هواي
بفساد أمري. يا فضل - للفضل بن الربيع - احجبه عن هذا المجلس. قال: فحجبت
عنه مدة.
ولعيس بن زيدٍ شعرٌ حسن، ومات وله ستون سنة، كان ثلث عمره عشرين سنة في الاستتار.
وكان
ابنه أحمد بن عيسى من أفاضل أهل البيت علما وفقها وزهدا، وكان الرشيد حبسه
ثم أطلقه، ثم طلبه لما بلغه كثرة شيعته من الزيدية، فاستتر، فلم يزل في
الاستتار ستين سنة، فلما قتل المتوكل وقام بعده المنتصر، وبلغه عطفه على
العلوية وإحسانه إليهم، أراد أحمد بن عيسى أن يظهر نفسه، فاعتل وتوفى
بالبصرة.
قيل ماتت ابنة لأحمد بن عيسى فوجد بها وجدا شديدا، فقيل له في
ذلك، فقال: إني أعلم الناس الصبر وآمرهم به، وما أنسيته ولا أغفلته، وليس
جزعي لموتها، ولكني لا أخبر الذكر من أولادنا بنسبه حتى يبلغ خمس عشرة رسول
الله صلى الله عليه وسلم لئلا تبدر منه بادرة يظهر علينا، ولا الأنثى حتى
تبلغ عشرين سنة، وإن هذه الصبية توفيت ولها ست عشرة سنة، ولم تعلم النسب
بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقع بأس منها فأخبرها، حتى
ماتت وهي لا تعلم بذلك؛ فلهذا غمى وأسفى. وأنشد:
أليس من العظائم أن يورى ... حذار الناس عن نسبٍ كريم
يعمر ذو الفخار وليس يدري ... أيعزى للأغر أو البهيم
يذل بنو النبي حذار ظلمٍ ... ويحوي العز ذو النسب اللئيم
قال
الصولي: كنت يوما مع الغلابي، ونحن نقصد المربد، فمررنا بدربٍ يعرف بدرب
الحريق، فقال لي: أتدري لم سمي هذا بدرب الحري؟ قلت: لا. قال: كان هذا
الدرب يسمى المعترض، فجلس اثنان على دكان بين يدي الدرب مما يلي المربد،
فطالب أحدهما صاحبه بمائة دينار ديناً له عليه، والرجل المطالب معترف، وهو
يقول: يا هذا: لا تمض بي إلى الحاكم؛ فإني قد تركت في منزلي أطفالاً قد
ماتت أمهم، لا يهتدون لشرب الماء إن عطشوا، وإن تأخرت عنهم ساعة ماتوا، وإن
أقررت عند الحاكم حبسني فتلفوا؛ فلا تحملني على يمينٍ فاجرةٍ، فإني والله
أحلف لك ثم أعطيك مالك، وصاحبه يقول له: لا بد من تقديمك وحبسك أو تحلف.
فلما كثر هذا منهما إذا صرة قد سقطت بينهما، ومعها رقعة: يا هذا، خذ هذه
المائة الدينار التي لك قبل الرجل، ولا تحمله على الحلف كاذبا، وليكن جزاء
هذا أن تكتماه فلا يعلم به غيركما، ولا تسألا عن فاعله، فسرا بذلك جميعا
وافترقا، فند الحديث من أحدهما فشاع، فقيل: ما يفعل هذا الفعل إلا أحمد بن
عيسى، فقصدوا الدار لطلبه فوجدوا آثاراً تدل على أنه كان فيها وتنحى، وهرب
صاحب الدار، فأحرق السلطان الدار، فسمي منذ ذاك درب الحريق.
كان أبو
السرايا لما مات محمد بن إبراهيم بن طباطبا أقام مقامه محمد ابن محمد بن
زيد فلما ظفر به حمل إلى مرو إلى المأمون، فأظهر إكرامه وعجب من صغر سنه،
وحبسه حبساً جميلا، فقيل له: كيف رأيت صنيع ابن عمك أمير المؤمنين في ظفره
وقدرته. فقال: والله لقد أغضى عن العورة، ونفس الكربة، ووصل الرحم، وعفا عن
الجرم وحفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - في ولده، واستوجب الشكر من جميع
أهل بيته، ومات بمرو من شيء سقيه، فلما أحس بالموت كان يقول: يا جدي، يا
أبي يا أمي: اشفعوا لي إلى ربي؛ فكان ذلك هجيراه إلى أن مات، وكانت سنة يوم
توفى عشرين سنة.
كان يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين شريفاً جليلاً
زاهدا أيدا شديدا، جواداً حسن الوجه محبيا إلى الناس، خرج إلى سر من رأى،
وكان قد أضاق بالكوفة يستميح المستعين، فرد عليه وصيفٌ رداً غليظاً، وكان
يلي الأمر إذ ذاك، فخرج في سنة خمسين ومائتين، واجتمع عليه الناس، وظفر
بالكوفة بأصحاب السلطان، وأنفذ إليه محمد بن عبد الله بن طاهر من بغداد
جيشاً، فقتل، وحمل رأسه إلى بغداد، وحمله محمد إلى سر من رأى إلى المستعين،
فنصب ساعة، ثم كره المستعين ذلك، فأمر برده إلى بغداد، فنصبه محمد ساعة
فكثر الناس، وأثنوا على يحيى، وقالوا: رجل صالح منع القوت فخرج، فما آذى
أحداً ولا ظلم، وقتل فما معنى صلب رأسه؟ ولعنوا محمد بن عبد الله فأنزل،
وقال أبو هاشم الجعفري لمحمد بن عبد الله - وقد هنأه الناس بالظفر - إنك
لتهنأ بقتل رجلٍ لو كان رسول الله حياً لعزى عليه، فأخذ ذلك ابن الرومي في
قصيدة رثاه بها:
أكلكم أمسى اطمأن فؤاده ... بأن رسول الله في القبر مزعج
وقال:
ليهنكم يا بني المجهول نسبته ... فتحٌ تخرم أولاد النبلينا
فتحٌ لو أن رسول الله حاضره ... كان الأنام له طرا معزينا
وقال:
بني طاهرٍ غضوا الجفون وطأطئوا ... رءوسكم مما جنت أم عامر
سمى محمد بن عبد الله أم عامر - وهي كنية الضبع - لأنه كان أعرج، والضبع عرجاء.
وانقضت دولة آل طاهر بعد قتله، فما انتعشوا بعد ذلك. لعنة الله على جميع من ظلم آل محمد عليه السلام.
قال
الصولى: كان يحيى بن عمر كثير المقام ببغداد، وما شرب شراباً يسكر قط،
ولكنه كان مستهتراً بالسماع يحبه ويوثره، وكان أسمح الناس أخلاقاً. فحكى من
سمعه يقول يوما لجاريةٍ غنت فأحسنت: غفر الله لك ما قلت، ولنا ما سمعنا.
قال
الصولى: أعرق الناس في الشعر أبو الحسن علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن
زيد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وهو شاعرٌ، وآباؤه إلى قصي بن
كلاب من مرة، وهو المعروف بالحماني وكان ينزل في بني حمان ابن كعب بن سعد
بن زيد بن مناة بن تيم؛ فعرف بذلك. وله شعرٌ كثير مليح.
قال بعضهم: لقيت
علي بن محمد بالكوفة بعد خلاصه من حبس الموفق. وكان حبس مرتين، مرة
لكفالته بعض أهله، ومرة لسعاية لحقته، فهنأته بالسلامة، وقلت له: قد عدت
إلى وطنك الذي تلذه، وإخوانك الذين تحبهم، فقال لي: يا أبا علي؛ ذهب
الأتراب والشباب والأصحاب. وأنشد:
هبني بقيت على الأيام والأبد ... ونلت ما نلت من امالٍ ومن ولد
من لي برؤية من قد كنت آلفه؟ ... وبالشباب الذي ولى ولم يعد؟
كان
العباس بن الحسين بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب رضي الله
عنهم - شاعرا عالما محسنا فصيحا، وكان يقال: من أراد لذةً لا تبعة فيها
فليسمع كلام العباس بن الحسين.
وقال له العباس بن محمد بن علي بن عبد
الله بن عباس: أنت والله يا أبا الفضل أشعر بني هاشم، فقال: لا أحب أن أكون
بالشعر موصوفاً؛ لأنه أرفع ما في الوضيع، وأوضع ما في الرفيع. وهذا يشبه
ما قاله الرشيد للمأمون فإنه قال - وقد كتب إليه بشعر - يا بني ما أنت
والشعر؟ أما علمت أن الشعر أرفع حالات الدنى، وأقل حالات السنى؟ وصف العباس
بن الحسين العلوي رجلا بفصاحته، فقال: ما شبهته يتكلم إلا بثعبانٍ ينهال
بين رمال، أو ماءٍ يتغلغل بين جبالٍ.
كان المعتصم قد قرر عند المأمون
أن العباس يبغضه، فحطه ذلك عنده، فلما ركب المأمون في الليل لقتل ابن
عائشة رأى العباس بن الحسين قد ركب مع أهله ومواليه في السلاح، فقال له
المأمون: سررت بالمخاض طمعاً في الولاد، فقال: معاذ الله يا أمير المؤمنين
أن أكون عليك مع عدو، وما أعلم في بني أبي أحداً لو ملك كان لي مثلك.
قال:
فما هذه العدة والعدة؟، قال: اتباعٌ لأمر الله وقوله: " ما كان لأهل
المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم
عن نفسه " . قال: أنت المصدق.
فلما قتل ابن عائشة وانصرف، قال له
العباس: الله الله يا أمير المؤمنين في الدماء التي لا بقية معها، ولا
عقوبة بعدها، والبس رداءً العفو الذي ألبسك الله إياه وجملك به، وأسعدك
باستعماله، فإن الملك إذا قتل أغرى بالقتل حتى يصير عادةً من عاداته، ولذة
من لذاته، فقال: والله يا أبا الفضل لو سمعت هذا منك قبل قتلي لابن عائشة
ما قتلته. ولطفت حاله عند المأمون بعد ذلك. وعزى العباس رجلا، فقال: إني لم
أقل شاكاً في عزمك، ولا زائداً في علمك، ولا متهماً لفهمك، ولكنه حق
الصديق، وقول الشفيق؛ فاسبق السلوة بالصبر، وتلق الحادثة بالشكر يحسن لك
الله الذخر، ويكمل لك الأجر.
قال إسحاق: أتيت العباس مرة فسلمت عليه، ثم تأخرت عنه، فقال لي: أذقتنا، فلما اشتقناك لفظتنا.
وقال له رجل: كم سنك؟ فقال: خلفت الخمسين، وإن التقاتي لطويل إليها.
وسأله
المأمون عن رجل، فقال: رأيت له حلماً وأناةً ولم أر سفها ولا عجلة، ووجدت
له بياناً وإصابةً، ولم أر لحنا ولا إحالة، يجيء بالحديث على مطاويه. وينشد
الشعر على معانيه، ويروي الأخبار المتقنة، ويرمي بالأمثال المحكمة.
قال
أبو محمد اليزيدي: كنت أنا والكسائي عند العباس بن الحسين، فجاءه غلامه،
فقال: كنت عند فلان وهو يريد أن يموت، فضحكت أنا والكسائي، فقال: مم
ضحكتما؟ قلنا: من قول الغلام. وهل يريد الإنسان الموت؟ فقال العباس: قد قال
الله عز وجل: " فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض " فهل للجدار إرادةٌ؟
وإنما هذا مكان " يكاد " فنبهنا والله عليها.
دخل أبو دلف العجلى على
الرشيد، وهو في طارمة على طنفسة، وعند باب الطارمة شيخٌ على طنفسة مثلها،
فقال الرشيد: يا قاسم ما خبر الجبل؟ قال: خراب يبابٌ، اعتوره الأكراد
والأعراب. قال: أنت سبب خرابه وفساده، فإن وليتك إياه؟ قال: أعمره وأصلحه.
قال بعض من حضر: أو غير ذلك، فقال أبو دلف: وكيف يكون غير ذلك؟ وأمير
المؤمنين يزعم أني ملكته فأفسدته وهو علي، أفتراني لا أقدر على إصلاحه وهو
معي؟ فقال الشيخ: إن همته لترمي به وراء سنه مرمى بعيداً، وأخلق به أن يزيد
فعله على قوله؛فقبل الرشيد وولاه، وأمر أن يخلع عليه، فلما خرج أبو دلف
سأل عن الشيخ: فقيل له: هو العباس بن الحسين العلوي، فحمل إليه عشرة آلاف
دينارٍ، وشكر فعله فقال له العباس ما أخذت على معروفٍ أجراً قط واضطرب أبو
دلف وقال: إن رأيت أن تكمل النعمة عندي، وتتمها على بقبولها، فقال: هل لي
عندك، فإذا لزمتني حقوقً لقوم يقصر عنها مالي صككت عليك بما تدفعه عليهم
إلى أن أستنفذها، فقنع أبو دلف بذلك، فما زال يصك عليه للناس، حتى أفناها
من غير أن يصل إلى العباس درهم منها.
وسأل العباس الفضل بن الربيع حاجة،
فقضاها له سريعا كما أراد، فقال له: جزاك الله خيراً، فما في دون ما أتيت
به تقصير ولا نقصانٌ، ولا فوقه إحسانٌ ولا رجحانٌ.
ووصف رجلا ثقيلاً، فقال: ما الحمام على الأحرار، وحلول الدين مع الإقتار، وشدة السقم في الأسفار بآلم من لقائه.
وذم أبا عباد - وهو وزير - فقال: الذليل من اعتز بك، والحائن من اعتزى إليك، والخائب من أملك، والسقيم من استشفاك.
وكان
ابنه عبد الله شاعراً فصيحاً يشبه بأبيه، ووقف على باب المأمون يوما فنظر
إليه الحاجب ثم أطرق، فقال عبد الله لقومٍ معه: إنه لو أذن لنا لدخلنا، ولو
صرفنا لانصرفنا، ولو اعتذرنا لقبلنا. فأما الفترة بعد النظرة، والتوقف بعد
التعرف فلا أفهمه. ثم تمثل:
وما عن ضاً كان الحمار مطيتي ... ولكن من يمشي سيرضى بما ركب
وانصرف؛ فبلغ المأمون كلامه فصرف الحاجب، وأمر لعبد الله بصلة جزيلة وعشر دواب.
وكتب
إلى المأمون: الناس ثلاثةٌ: رجلٌ ورث خلافةً أو احتقب بقرابة، فهو من
قليلها في كثيرٍ، ومن صغيرها في كبيرٍ، أو رجلٌ ولي ولايةً فأطلق له من
عمالته وأرزاقه ما لو سأل الجزء منه من أجزاء كثيرة علىغيرها لما أجيب
إليه. أو رجلٌ خف عياله وقل ماله، فصغر قدره عن إساءة وإحسان. فهو كالخردلة
تقع بين طبقي الرحا، فلا الطحن ينالها، ولا سلامتها يعتد بها. فأما من كان
عياله ثلثمائة إنسان، لا يرجع إلى أثاثٍ ولا متجرٍ ولا صناعةٍ ولا ضيعةٍ،
تقتضيه الأيام لأهله مئونة جارية فما أسوأ حاله إن لم يتداركه أمير
المؤمنين بفضلٍ منه! فأمر له المأمون بخمسمائة ألف درهم؛ فأتاه عبد الله بن
الأمين والقاسم ابن الرشيد، فقالا: يا أمير المؤمنين؛ أتأمر لعبد الله بن
العباس بمثل هذا المال؟ فما قصتنا ونحن أمس بك رحما منه؟ فقال: غلتكما فوق
غلته، وخلتك مادون خلته، وعيالكما دون عياله، وقد أجلتكما شهرا؛ فإن
تكلمتما بمثل كلامه أضعفت لكما ما أمرت به له.
وكتب عبد الله إلى
إبراهيم بن المهدي: ما أدري كيف أحتال؟ أغيب فأشتاق، ثم نلتقي فلا نشتفي،
ويجدد لي اللقاء الذي طلبت به الشفاء صنفاً من تجديد الحرقة بلوعة الفرقة.
فكتب
إليه إبراهيم: أنا علمتك الشوق لأني شكوته إليك فهيجته منك. كان الجمخي -
القاضي ببغداد بعد شريك للمنصور - متحاملا على الحسن بن زيد بن الحسن بن
علي - رضي الله عنهم - فقال له الحسن يوماً في خصرمةٍ له: ما أعرفني
بتحاملك على يا بن البدنة! يريد أبي ابن خلف جد الجمحي؛ لأن النبي صلى الله
عليه وسلم أشعره بالحربة كما تشعر البدنة؛ فبلغ ذلك المنصور فأضحكه.
وكان
عبد الرحمن بن صفوان قاضياً لهشام، فلما قتل زيد - رحمه الله - صعد المنبر
ونال منه، ولعن حسنا رضي الله عنه. وكان فصيحاً - لعنه الله - فما نزل عن
المنبر حتى عمى وفلج.
وأتى الحسن بن زيد - في ولايته المدينة - برجل في
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به فضرب، فقال له: أسألك بحق الثلاثة
لما عفوت عني: يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه؛ فقال الحسن:
بحق الواحد علي، وحقي على الإثنين لأحسنن أدبك.
لما ولي الحسن بن زيد
المدينة، منع ابن جندب أن يؤم بالناس، فقال له: أيها الأمير. لم تمنعني من
مقامي ومقام آبائي؟ قال الحسن: منعك منه يوم الأربعاء: يريد قول ابن جندب:
يا للرجال ليوم الأربعاء! أما ... ينفك يحدث لي بعد النهى طرباً
ما إن يزال غزالٌ فيه يفتنني ... يهوى إلى منزل الأحزاب منتقباً
ودخل ابن جندب هذا على المهدي في القراء وفي القصاص وفي الشعراء وفي المغنين؛ فأجازه فيهم كلهم.
وقال
الحسن لابن هرمه: إني لست كمن باع لك دينه رجاء مدحك وخوف ذمك. فقد رزقني
الله بولادة نبيه صلى الله عليه وسلم الممادح وجنبني المقابح، وإن من حقه
على ألا أغضى على تقصير في حق ربه، وأنا أقسم لئن أتيت بك سكران لأضربنك
حداً للخمر، وحداً للسكر، ولأزيدن لموضع حرمتك بي؛ فليكن تركك لها لله تعن
عليه، ولا تدعها للناس فتوكل إليهم.
وأخذ بعض الحرس زيد بن الأفطس -
والأفطس: حسن بن علي بن حسين ابن علي بن أب يطالب - في شراب؛ فجاء به إلى
الحسن بن زيد، فقال: قبحك الله؛ أيأخذك مثل هذه؟ ألم تستطع أن تحمله فتطرحه
في بئر؟ - وكان جلداً من الرجال - فقال: الطاعة للسلطان أصلحك الله. قال:
أما لأضربنك، ولا أضربك للشراب، ولكني أضربك للحمق، ثم أمر به فضرب.
ولما
قتل إبراهيم بن عبد الله بن حسن، وأتى برأسه إلى أبي جعفر. وعنده حسن بن
زيد، وقال: يا أبا محمد، هذا رأس إبراهيم، قال: أجل يا أمير المؤمنين كان
والله كما قال الشاعر:
فتى كان يحميه من الضيم سيفه ... وينجيه من دار الهوان اجتنابها.
الباب الخامس
كلام جماعة من بني هاشم
المتقدمين منهم والمتأخرين
عبد المطلب
لما تتابعت على قريش السنون، ورأت رقيقة بنت لبابة الرؤيا التي نذكرها من بعد خرج عبد المطلب حتى ارتقى أبا قبيس - ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام - فقال:اللهم ساد الخلة، وكاشف الكربة، أنت عالم غيرٌ معلمٍ،
ومسئولٌ غير مبخلٍ. وهذه عبداؤك وإماؤك بعذرات حرمك يشكون إليك سنتهم التي
أكلت الظلف والخف. فاسمعن اللهم، وأمطرن غيثا مريعاً مغدقا.
قالت رقيقة:
فما راموا البيت حتى انفجرت السماء بمائها، وكظ الوادي يثجيجه فسمعت شيخان
قريش وجلتها وهي تقول: " هنيئاً لك أبا البطحاء هنيئاً لك. أي عاش بك أهل
البطحاء " .
وكانت لعبد المطلب خمسٌ من السنن أجراها الله في الإسلام:
حرم نساء الاباء على الأبناء، وسن الدية مائةً من الأبل، وكان يطوف بالبيت
سبعة أشواط، ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس، وسمى زمزم حين حفرها سقاية الحاج.
قيل:
إن عبد المطلب أتى في المنام. فقيل: احفر زمزم، بين الفرث والدم، فقام ما
سمى له، فنحرت بقرةٌ فأفلتت من جازرها بحشاشة نفسها حتى غلبها فنحرت في
المسجد؛ فحفر عبد المطلب هناك.
روى عن بعض موالي المنصور قال: أخرج إلى
سليمان بن علي كتابا بخط عبد المطلب، وإذا هو شبيهٌ بخط النساء فيه: باسمك
اللهم - ذكر - حق عبد المطلب بن هاشم من أهل مكة على فلان ابن فلان "
الحميري من أهل أول صنعاء. عليه ألف درهم فضةٍ كيلا بالحديد، ومتى دعاه بها
أجابه. شهد الله والملكان.
ولما سار الأشرم صاحب الحبشة مع الفيل إلى
مكة لهدم البيت، وسمعت به قريش لم يبق بمكة أحدٌ منهم إلا عبد المطلب،
وعمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم، فأرسل الأشرم الأسود بن مقصود في خيل،
وأخذ إبلاً لقريش بناحية ثبير، فيها مائتا ناقة لعبد المطلب، وأرسل رسولا
فقال: انظر من بقى من مكة، فأتاها ثم رجع، وقال: لم أر بها أحدا إلا أنى
رأيت رجلاً لم أر مثل طوله وجماله - يعني عبد المطلب - ورأيت رجلا لم أر
مثل قصره كأنه إبهام الحبارى - يعني: عمرو بن عائذ؛ فقال: ايتنى بالطول،
فأتاه بعبد المطلب، فلما رآه استجهره، وأمر له بمنبر فجلس عليه وكلمه
فازداد به عجبا، ثم قال له: سلني حاجتك. قال: إنك أخذت إبلي فارددها علي،
فقال الأشرم: لقد زهدت فيك بعد عجبي بك. قال: ولم ذاك أبيت اللعن؟ قال: جئت
لأهدم شرفك وحرمك، وتركتني أن تسألني فيها فسألتني إبلك. فقال: والله
لحرمتى أعز علي وأعظم من مالي. ولكن لحرمتي رب إن شاء أن يمنعها منعها، وإن
تركها فهو أعلم.
فأمر برد إبله، فخرج عبد المطلب وقام بفناء البيت يدعو الله، ويقول:
لا هم إن المرء يم ... نع رحله فامنع حلالك
في أبيات وكان من أمر الفيل والحبشة ما قد قصه الله تعالى في كتابه الكريم، وعظمت قريش في أعين العرب، فسموهم أهل الله.
وكان الأسود بن مقصود بن بلحارث بن كعب، وكان مع جماعةٍ من قومه ومع خثعم نبعوا الأشرم، وكانوا يستحلون الحرم، والأسود هو الذي يقول:
يا فرسي اعدي بيه ... إذا سمعت التلبيه
الزبير بن عبد المطلب
قالوا: قدم الزبير بن عبد المطلب من أحدى الرحلتين، فبينا رأسه في حجر وليدة له وهي تدري ليمته إذ قالت له: ألم يرعك الخبر؟ قال: وما ذاك؟ قالت: زعم سعيد بن العاص أنه ليس لأبطحي أن يعتم يوم عمته، فقال: والله لقد كان عندي ذا حجا وقدر، وانتزع لمته من يدها، وقال: يا رعاث. على عمامتي الطول؛ فأتى بها فلاثها على رأسه، وألقى ضيفيها حتى لطخا قدميه وعقبيه، وقال: على فرسي فأتى به، فاستوى عن ظهره، ومر يخرق الوادي كأنه لهب عرفج، فلقيه سهيل بن عمرو فقال: بأبي أنت وأمي يا أبا الطاهر، مالي أراك قد تغير وجهك؟ قال: أو لم يبلغك الخبر؟ هذا سعيد بن العاص يزعم أنه ليس لأبطحي أن يعتم يوم عمته. ولم؟ فوالله لطولنا عليهم أظهر من وضح النهار، وقمر التمام، ونجم الساري، والآن تنثل كنانتها، فتعجم قريشٌ عيدانها فتعرف بازل عامنا وثنياته. فقال له سهيل: رفقاً. بأبي أنت وأمي فإنه ابن عمك. ولن يعييك شأوه، ولن يقصر عنه طولك. وبلغ الخبر سعيدا فرحل ناقته واغترز رحله، ونجا إلى الطائف. فقيل له: أتريد الجلاء؟ فقال: إني رأيت الجلاء خيراً من الفناء. ومضى قصده.أبو طالب
خطب لرسول الله صلى الله عليه وسلم - في تزويجه خديجة بنت خوليد؛ فقال:الحمد
لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وجعل لنا بلدا حراماً،
وبيتاً محجوجاً، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن محمد بن عبد الله ابن أخي
من لا يوازن به فتىً من قريش إلا رجح به براً وفضلاً، وكرما وعقلاً، ومجداً
ونيلاً، وإن كان في المال قل، فإنما المال ظل زائلٌ، وعاريةٌ مسترجعةٌ،
وله في خديجة بنت خويلدٍ رغبةٌ، ولها فيه مثل ذلك. وما أحببتم من الصداق
فعلى.
روى أبو الحسين النسابة بإسناد له قال: قال أبو رافع مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم - : سمعت أبا طالب يقول: حدثني محمد بن عبد الله -
ابن أخي - أن ربه تبارك وتعالى بعثه بصلة الرحم، وأن يعبد الله وحده ولا
يعبد معه غيره، ومحمد عندي الصدوق الأمين. قال أبو الحسين: قد قال أبو طالب
من التوحيد نظما ونثرا مالا خفاء به، فمن ذلك قوله لابنيه: جعفرٍ وعلي رضي
الله عنهما:
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما ... أخي ابن أمي من بينهم وأبي
والله لا أخذل النبي ولا ... يخذله من بني ذو حسب
فسماه النبي وقال:
عليها المراجيح من هاشمٍ ... هم الأنجبون مع المنتجب
فسماه المنتجب، وقال:
أمينٌ صدوقٌ في الأنام مسوم ... بخاتمٍ رب قاهرٍ للخواتم
فسماه الأمين والصدوق، وقال:
وحكم نبي جاء يدعو إلى الهدى ... ودينٍ أتى من عند ذى العرش قيم
وقال:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً ... نبياً كموسى خط في أول الكتب
وقال:
وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا ... على ربوةٍ من رأس عنقاء عيطل
فسماه ربيع الأبطحين ولما استسقى النبي صلى الله عليه وسلم - فسقى، قال: من ينشدنا قول أب يطالب؟ فأنشده أبو بكر رضي الله عنه:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمةٍ للأوامل
ولما قتل أهل بدر وجر القوم إلى القليب؛ التفت صلى الله عليه وسلم إلى أبى بكر، فقال: كيف قول أب يطالب " بالأماثل " فقال:
وإنا لعمر الله إن جد جدنا ... لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
فقال صلى الله عليه وسلم: قد التبست.
وقال المأمون: أسلم أبو طالب بقوله:
نصرنا الرسول رسول المليك ... بقضبٍ تلألأ مثل البروق
ومشت
إليه قريش بعمارة بن الوليد؛ فقالوا: ادفع لنا محمدا نقتله لئلا يغير
ديننا ويعرضنا لقتال العرب، وأمسك عمارة فاتخذه ولداً - وكان عمارة جميلاً
جهيراً - فقال: ما أنصفتموني يا معشر قريش، أدفع إليكم ابني تقتلونه، وأمسك
ابنكم أغذوه لكم.
العباس بن عبد المطلب
سئل: أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: رسول الله أكبر، وأنا أسن. ولدت قبله بثلاث سنين. أذكر وقد قيل لأمي: إن آمنة قد ولدت ابناً؛ فأدخلتني إليه صبيحة الليلة التي ولد فيها، وهو صلى الله عليه وسلم يمصع برجليه، والنساء يجبذنني عليه، يقن: قبل أخاك.قيل لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم - اجتمع عليٌ والعباس وجماعةٌ من حفدتهم ومواليهم في منزل رجل من الأنصار لإجالة الرأي، فبدر بهم أبو سفيان فجاء حتى طرق الباب؛ فقال: أنشدكم الله أن تكونوا أول من قطع رحم بني عبد مناف، ثم جاء الزبير يهدج حتى طرق الباب، فقال: أنشدكم الله والخئولة، والصهورة، فلما حضر أرم القوم عن الكلام، فلما رأى أبو سفيان ذلك قال: مجدٌ قديمٌ أثل بشرف الأبد، يا بني عبد مناف؛ ذبوا عن مجدكم، وانصحوا عن سؤددكم، وإياكم أن تخلعوا تاج كرامةٍ ألبسكم الله إياه، وفضلكم بها، إنها عقب نبوةٍ، فمن قصر عنها اتبع.
وقال الزبير: قد سمعتم مقالته، فابذلوا الشركة، وأحسنوا النية؛ فلن يستغنى من استحق هذا الأمر عن مقاتل يقاتل معه، وموئلٍ يلجأ إليه، والمقاتل معكم خيرٌ من المقاتل لكم.
فقال العباس: قد سمعنا مقالتكم، فلا لقلةٍ نستعين بكم، ولا لظنةٍ نترك آراءكم، ولكن لالتماس الحق؛ فأمهلونا نراجع الفكرة. فإن يكن لنا من الإثم مخرجٌ يصر بنا وبهم الحق صرير الجدجد، ونبسط أكفا إلى المجد؛ لا نقبضها أو تبلغ المدى؛ وإن تكن الأخرى فلا لقلةٍ في العدد، ولا لوهن في الأيد. والله لولا أن الإسلام قيد الفتك لتدكدكت جنادل صخرٍ يسمع اصطكاكها من محل الأثيل.
قال: فحل علي رضي الله عنه حبوته، وكذا كان يفعل
إذا تكلم؛ وجثا على ركبتيه وقال: الحلم صبرٌ، والتقوى دين، والحجة محمدٌ
صلى الله عليه وسلم - والطريق الصراط. إيهاً رحمكم الله، شقوا متلاطمات
أمواج الفتن، بحيازيم سفن النجاة، وعرجوا عن سبيل المنافرة، وحطوا تيجان
المفاخرة، أفلح من نهض بجناحٍ، واستسلم فأراح. ما آجن لقمةً تغص آكلها!
ومجتنى الثمرة لغير إيناعها كالزارع في غير أرضه أما لو أقول ما أعلم
لتداخلت أضلاعٌ تداخل دوارة الرحا. وإن أسكت يقولوا جزع ابن أبي طالب من
الموت. هيهات هيهات بعد اللتيا والتي. والله لعلي آنس بالموت من الطفل بثدي
أمه، ولكني أدمجت على مكنون علمٍ لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في
الطوى البعيدة.
ثم نهض وفرقهم، وأبو سفيان يقول: لشيءٍ ما فرقنا ابن أب
يطالب. روى أحمد بن أبي طاهر في كتاب " المنثور والمنظوم " بإسناد له عن
البراء ابن عازبٍ قال: لم أزل لبني هاشمٍ محبا؛ فلما قبض رسول الله صلى
الله عليه وسلم تخوفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر من بني هاشم؛
فأخذني ما يأخذ الواله العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة النبي صلى الله
عليه وسلم - وقد ملأ الهاشميون بيتهم، فكنت أتردد بينهم وبين المسجد أتفقد
وجوه قريش، فإني لكذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر، ثم لم ألبث إذ أنا بأبي قد
أقبل في أهل السقيفة، وهم يحتجزون الأزر الصنعانية، لا يمرون بأحد إلا
خطبوه، فإذا عرفوه قدموه فمدوا يده، فمسحوها على يد أبي بكرٍ، وقالوا له:
بايع. شاء ذلك أو أبى، فأنكرت عند ذلك عقلي، وخرجت مسرعاً حتى انتهيت إلى
بني هاشم - والباب مغلقٌ - فضربت الباب عليهم ضرباً عنيفاً، وقلت: قد بايع
الناس أبا بكر بن أبي قحافة.
فقال العباس: ترحت أيديكم إلى آخر الدهر؛ أما إني قد أمرتكم فعصيتموني.
قال
البراء: فمكثت أكابد ما في نفسي، ورأيت في الليل المقداد بن الأسود،
وعبادة بن الصامت، وسلمان الفارسي، وأبا ذر وأبا الهيثم بن التيهان، وحذيفة
بن اليمان. وإذا هم يريدون أن يعود المر شورى بين المهاجرين، وبلغ ذلك أبا
بكر وعمر فأرسلا إلى أبي عبيدة بن الجراح وإلى المغيرة بن شعبة، فسألاهما
عن الرأي؛ فقال المغيرة: أرى أن تلقوا العباس فتجعلوا في هذا الأمر نصيباً
له ولعقبه؛ فتقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب.
فانطلق أبو بكر وعمر
وأبو عبيدة والمغيرة، حتى دخلوا على العباس في الليلة الثانية من وفاة
النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه وقال: إن الله
ابتعث لكم محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً، وللمؤمنين ولياً، فمن الله
عليهم بكونه بين ظهرانيهم، حتى اختار له ما عنده فخلى على الناس أمورهم،
ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم، متفقين لا مختلفين، فاختاروني عليهم والياً،
ولأمورهم راعياً؛ فتوليت ذلك عليهم، وما أخاف بعون الله وتسديده وهناً ولا
حيرةً ولا جبنا، " وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب " .
وما
انفك يبلغني عن طاعنٍ يقول بخلاف عامة المسلمين، يتخذكم لجئاً فتكونوا حصنه
المنيع، وخطبه البديع. فإما دخلتم فيما اجتمع عليه الناس، أو صرفتموهم عما
مالوا إليه، وقد جئنا ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً، يكون لك
ويمون لمن بعدك إذ كنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن كان الناس قد
رأوا مكانك من رسول الله ومكان أصحابك فعدلوا هذا الأمر عنكم، وعلى رسلكم
بني هاشم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم منا ومنكم.
فقال عمر: إي
واله وأخرى أنا لم نأتكم حاجةً إليكم، ولكنا كرهنا أن يكون الطعن فيما
اجتمع عليه المسلمون منكم، فيتفاقم الخطب بكم وبهم. فانظروا لأنفسكم
ولعامتكم.
فحمد الله العباس وأثنى عليه ثم قال: إن الله ابتعث محمداً
صلى الله عليه وسلم - كما وصفت - نبياً. وللمؤمنين ولياً، فمن الله به على
كل حتى اختار له ما عنده، فخل الناس على أمرهم مختاروا لأنفسهم، مصيبين
للحق، لا مائلين بزبغ الهوى.
وإن كنت برسول الله صلى الله عليه وسلم
طلبت فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت فنحن منهم، ما تقدمنا في أمركم
فرطاً، ولا حللنا وسطاً، ولا برحنا سخطاً. وإن كان هذا الأمر إنما يجب لك
بالمؤمنين فما وجب إذ كنا كارهين. وما أبعد قولك إنهم طعنوا عليك من قولك
إنهم مالوا إليك! وأما ما بذلت فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليه، وإن يكن
حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه. وإن يكن حقنا لم نرض منك ببعضه دون بعض.
وما أقول هذا أروم صرفك، ولكن للحجة نصيبها من البيان. وأما قولك: إن رسول
الله منا ومنكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من شجرة نحن أغصانها
وأنتم جيرانها. وأما قولك: يا عمر إنك تخاف الناس علينا، فهذا الذي تقدمتم
به أول ذلك. والله المستعان.
لما خرج عمر بالعباس يستسقي به قال: اللهم
إنا نتقرب إليك بعم نبيك، وقفية آبائه وكبير رجاله، فإنك تقول وقولك الحق:
" وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزٌ لهما وكان
أبوهما صالحاً " ؛ فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ نبيك في عمه، فقد دلونا به
إليك مستشفعين ومستغفرين، ثم أقبل على الناس فقال: " استغفر ربكم إنه كان
غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً " .
قال: رأيت العباس وقد طال عمره،
وعيناه تنضحان، وسبابته تجول على صدره، وهو يقول: اللهم أنت الراعي، لا
تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعةٍ، فقد ضرع الصغير، ورق الكبير،
وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفىز اللهم فأغثهم بغياثك من قبل أن
يقنطوا فيهلكوا؛ فإنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون.
قال: فشأت
طريرةٌ من سحاب. فقال الناس: ترون، ترون، ثم تلامت واستتمت، ومشت فيها ريح،
ثم هدت ودرت، فوالله ما برحوا حتى اعتلقوا الحذاء وقلصوا المآزر؛ وطفق
الناس بالعباس يمسحون أردانه، ويقولون: هنيئاً لك ساقي الحرمين.
روى
الشعبي قال: قال لي عبد الله بن عباس: قال لي أبي العباس: يا بني إن أمي
رالمؤمنين قد اختصك دون منارى من المهاجرين والأنصار، فاحفظ عني ثلاثاً ولا
تجاوزهن: لا يجربن عليك كذباً، ولا تغتب عنده أحداً، ولا تفشين له سراً.
قال: فقلت يا أبا عباس؛ كل واحدةٍ خيرٌ من ألف، فقال: كل واحدة خير من عشرة آلاف.
قال
العباس: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حنيناً، فلما انهزم الناس قال:
ناد: يا أصحاب السمرة، فناديت؛ فوالله لكان عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة
البقر على أولادها.
قال أبو اليسر: لقيت العباس يوم أحد، فقال: أصاب القتل محمداً؟ قلت: الله أعز له وأمنع، فقال: جلل ما عدا محمداً.
وقال العباس: يا بني عبد المطلب اختضبوا بالسواد، فإنه أحظى لكم عند نسائكم، وأهيب لكم في صدور عدوكم.
وقال
لابنه: يا بني تعلم العلم، ولا تعلمه لترائي به، ولا لتباهي به، ولا
لتماري به؛ ولا تدعه رغبةً في الجهل، وزهادةً في العلم، واستحياء من
التعلم.
عقيل
قال معاوية يوما: هذا أبو يزيد، لولا أنه علم أني خيرٌ له من أخيه لما أقام عندنا وتركه، فقال له عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خيرٌ لي في دنياي.وقال له مرة: أنت معنا يا أبا يزيد، قال: ويوم بدرٍ كنت معكم.
وقالت له ارمأته - وهي ابنة عتبة بن ربيعة: يا بني هاشم؛ لا يحبكم قلبي أبدا، أين أبي؟ أين أخي، أين عمي؟ كأن أعناقهم أباريق الفضة تر آنفهم قبل شفاههم الماء.
فقال لها عقيل: إذا دخلت جهنم فخذي عن شمالك.
تزوج امرأة، فقيل له بالرفاء والبنين، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا تزوج أحدكم فليقل له بارك الله فيك وبارك عليك " .
محمد بن علي ابن الحنفية
رضي الله عنه
قيل له: من أشد الناس زهدا؟ من لا يبالي الدنيا في يد من كانت.وقيل له: من أخسر الناس صفقةً؟ قال: من باع الباقي بالفاني.
وقيل له: من أعظم الناس قدراً؟ قال: من لايرى الدنيا قدراً لنفسه.
وقال: من كرمت عليه نفسه صغرت الدنيا في عينيه.
وكان يقول: اللهم أعني على الدنيا بالغنى، وعلى الآخرة بالتقوى.
وقال المنافقون له: لم يغرر بك أمير المؤمنين في الحرب ولا يغرر بالحسن والحسين؟ قال: لأنهما عيناه، وأنا يمينه؛ فهو يدفع بيمينه عن عينيه.
وكتب إلى ابن العباس حين سيره ابن الزبير إلى الطائف:
أما
بعد، قد بلغني أن ابن الزبير سيرك إلى الطائف، فأحدث اله جل وعز لك بذلك
ذخراً حط به عنك وزراً. يا بن عم؛ إنما يبتلى الصالحون، وتعد الكرامة
للأخيار؛ ولو لم تؤجر إلا فيما تحب لقل الأجر، وقد قال الله تعالى: " وعسى
أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم " . عزم
الله لنا ذلك بالصبر على البلاء، والشكر على النعماء، ولا أشمت بنا عدوا
والسلام.
وقال: مالك من عيشك إلا لذة تزدلف بك إلى حمامك، وتقربك من
يومك، فأية أكلةٍ ليس معها غصصٌ، أو شربةٍ ليس معها شرقٌ؟ فتأمل أمرك؛
فكأنك قد صرت الحبيب المفقود، والخيال المخترم. أهل الدنيا أهل سفرٍ لا
يحلون عقد رحالهم إلا في غيرها.
وقال في قوله عز ذكره: " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " هي مسجلةٌ للبر والفاجر يعني مرسلة.
وذكر رجلا يلي بعد السفياني، فقال: حمش الذراعين والساقين، مصفح الرأس، غائر العينين، بين شث وطباقِ.
ولما دعاه ابن الزبير إلى البيعة قال: إنما ابن الزبير شيطانٌ كلما رفع رأسه قمعه الله.
وقال: إني أكره أن أيسر هذه الأمة أمرها وآتيها من غير وجهها.
وذكر أمير المؤمنين عليه السلام فقال: كان إذا تكلم بذ، وإذا كلم حذ. وهذا مثل قول غيره: كان علي إذا تكلم فصل، وإذا ضرب قتل.
وقال غيره: كان إذا اعترض قط وإذا اعتلى قد.
وقال محمد: الكمال في ثلاثة: الفقه في الدين، والصبر في النوائب، وحسن تقدير المعيشة.
وكان
محمدٌ قوياً شديد الأيد، وله في ذلك أحاديث منها: أن أياه عليه السلام
اشترى درعا فاستطالها، فقال: لينقص منها كذا، وعلم عند موضعٍ منها، فقبض
محمدٌ بيده اليمنى على ذيلها، وبالأخرى على فضلها، ثم جذبه، فقطعها من
الموضع الذي حده أبوه.
وكان عبد الله بن الزبير إذا حدث بذلك غضب واعتراه أفكل، وكان يحسده على قوته.
ابن عباس
قيل لعبد الله بن عباس: ما منع عليا رضي الله عنه أن يبعثك مع عمرو يوم التحكيم، فقال: ما منعه والله إلا حاجز القدر ومحنة الابتلاء، وقصر المدة. أما والله لو وجه بي لجلست في مدارج نفسه، ناقصاً ما أبرم، ومبرماً ما نقص. أطير إذا أسف، وأسف إذا طار، ولكن مضى قدرٌ وبقي أسفٌ، ومع اليوم غدٌ والآخرة خيرٌ لأمير المؤمنين.قال: أني زيد بن ثابت بدابته، فأخذ ابن عباس بركابه؛ فقال زيد: دعه بالله؛ فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا. فقال زيد: أخرج يدك؛ فأخرجها، فقبلها زيدٌ وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا عليه السلام.
وكان يقول: تواعظوا وتناهوا عن معصية ربكم؛ فإن الموعظة تنبيهٌ للقلوب من سنة الغفلة، وشفاءٌ من داء الجهالة، وفكاكٌ من رق ملكة الهوى.
ودخل على معاوية؛ فقال له: ألا أنبئك؟ مات الحسن بن علي، فقال ابن عباس: إذاً لا يدفن في قبرك، ولا يزيد موته في عمرك، وقبله ما فجعنا بخيرٍ منه، فجبر الله وأحسن.
ومن كلامه: ما رضى الناء بشيءٍ من أقسامهم كما رضوا بأوطانهم. وقال له معاوية: أخبرني عن بني هاشم وبني أمية. قال: أنت أعلم بهم قال: أسمت عليك لتخبرني. قال: نحن أفصح وأصبح وأسمح، وأنتم أمكر وأنكر وأغدر.
وقال: من استؤذن عليه فهو ملك.
مر معاوية بقوم من قريش، فلما رأوه قاموا غير عبد الله بن عباس؛ فقال: يا بن عباس؛ ما منعك من القيام كما قام أصحابك؟ ما ذاك إلا لموجدة أنى قاتلتكم بصفين، فلا تجد؛ فإن عثمان ابن عمي قتل مظلوما.
قال ابن عباس: فعمر بن الخطاب قتل مظلوماً. قال: إن عمر قتله كافر قال ابن عباس. فمن قتل عثمان؟ قال: المسلمون. قال: فذاك أدحض لحجتك.
قال ابن عباس: أهبط مع آدم المطرقة والميقعة والكلبتان.
وسئل عن عمر، فقال: كان كالطير الحذر، يرى أن له في كل طريقٍ شركاً يأخذه.
قال قلت لعمر: متى يسارع الناس في القرآن يحتقوا، ومتى يحتقوا يختصموا، ومتى يختصموا يختلفوا، ومتى يختلفوا يقتتلوا.
وقال: لأن أمسح على ظهر عابرٍ بالفلاة أحب إلي من أن أمسح على خف.
وقال له رجل: ما تقول في سلطان علينا تغشمونا وتظلمونا؟ قال: إن أتاك أهدل الشفتين منتشر المنخرين فأعطه صدقتك.
وقال: إياك والقبالات؛ فإنها صغارٌ، وفضلها رباً.
وقال
لع عبد الله بن صفوان: كيف كانت إمارة الأخلاف فيكم؟ يعني إمارة عمر؛
فقال: التي قبلها خيرٌ. أو سنة عمر تريد أنت وصاحبك ابن الزبير؟ تركتما
والله سنة عمر شأواً مغرباً.
قال أبو حسان: قلت لابن عباس: ما هذه الفتيا التي تفشغت من طاف فقد حل؟ قال: سنة نبيكم عليه السلام وإن رغمتم.
وقام
عمرو بن العاص بالموسم؛ فأطرى معاوية وبني أمية، وتناول من بني هاشم، وذكر
مشاهده بصفين؛ فقال له ابن عباس: يا عمرو؛ إنك بعت دينك من معاوية؛
فأعطيته ما في يدك، ومناك ما في يد غيره، وكان الذي أخذ منك فوق الذي
أعطاك، وكان الذي أخذت منه دون الذي أعطيته؛ وكل راضٍ بما أخذ وأعطى؛ فلما
صارت مصر في يدك تتبعك فيها بالعزل والتنقص حتى لو أن نفسك فيها ألقيتها
إليه.
وذكرت مشاهدك بصفين، فما ثقلت علينا وطأتك، ولا نكأتنا فيها حربك،
وإن كنت فيها لطويل اللسان قصير السنان، آخر الحرب إذا أقبلت، وأولها إذا
أدبرت، لك يدان: يد لا تبسطها إلى خيرٍن ويدٌ لا تقبضها عن شر، ووجهان:
وجهٌ مؤنسٌ، ووجهٌ موحشٌ. ولعمري إن من باع دينه بدنيا غيره لحري أن يطول
حزنه على ما باع واشترى، لك بيانٌ وفيك خطلٌ، ولك رأي وفيك نكلٌ، ولك قدرةٌ
وفيك حسدٌ، فأصغر عيب فيك أعظم عيب غيرك.
فقال عمرو: أما والله ما في قريشٍ أثقل وطأة منك، ولا لأحدٍ من قريشٍ عندي مثل قدرك.
وقال بعضهم: قلت لابن عباس: أخبرني عن أبي بكر. قال: كان خيرا كله على الحدة وشدة الغضب.
قلت: أخبرني عن عمر. قال: كان كالطائر الحذر قد علم أنه نصب له في كل وجه حبالةٌ، وكان يعمل لكل يوم بما فيه على عنف السياق.
قلت: أخبرني عن عثمان. قال: كان والله صواماً قواماً، لم يخدعه نومه عن يقظته.
قلت:
فصاحبكم. قال: كان والله مملوءاً علماً وحلماً غرته سابقته وقرابته، وكان
يرى أنه لا يطلب شيئاً إلا قدر عليه. قال: أكنتم ترونه محدوداً؟ قال: أنتم
تقولون ذلك.
وقيل له: أني لك هذا العلم؟ فقال: قلب عقول ولسان شئول.
وقال: من ترك قول: " لا أدري " أصيبت مقاتله.
قال
علي بن عبد الله بن عباس. كنت مع أبي بمكة بعدما كف بصره وسعيد بن جبير
يقوده، فمر بصفة زمزم، وإذا قومٌ من أهل الشام يسبون عليا رضي عنه، فقال
لسعيد: ردني إليهم، فرده، فوقف عليهم فقال: أيكم الساب الله؟ قالوا: سبحان
الله. ما فينا أحدٌ سب الله. قال: فأيكم الساب رسول الله؟ قالوا: سبحان
الله، ما فعلنا، قال: فأيكم الساب علي بن أبي طالب؟ قالوا: أما هذا فقد
كان. قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعته يقول: " من سب
علياً فقد سبني، ومن سبنب فقد سب الله، ومن سب الله كبه الله على منخريه في
نار جهنم " . ثم ولى، فقال لي: يا بني. ما رأيتهم صنعوا؛ فقلت: يا أبه؛
نظروا إليك بأعينٍ محمرةٍ ... نظر التيوس إلى شفار الجازر
وقال:
أربعةٌ لا أقدر لهم على مكافأة: رجل بات وحاجته تململ في صدره حتى أصبح
فقصد بها إلي، ورجل أفشى إلى السر فوضعني مكان قلبه، ورجلٌ ابتدأني
بالسلام، ورجل دعوته فأجابني..
وجاء إليه رجل فقال: إني أريد أن أعظ.
فقال: إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله تعالى: قوله " أتأمرون
الناس بالبر وتنسون أنفسكم " . وقوله: " يا أيها الذين ءامنوا لم تقولون
مالا تفعلون " . وقول العبد الصالح شعيب: " وما أريد أن أخالفكم إلى ما
أنهاكم عنه " .
أأحكمت هذه الآيات؟ قال: لا. قال: فابدأ بنفسك إذاً.
وقال:
ملاك أموركم الدين، وزينتكم العلم، وحصون أعراضكم الدب. وعزكم الحلم،
وصلتكم الوفاء، وطولكم في الدنيا والآخرة المعروف. فاتقوا الله يجعل لكم من
أمركم يسراً.
وقال: ليس للظالم عهدٌ؛ فإن عاهدته فانقضه؛ فإن الله تعالى يقول: " لاينال عهدي الظالمين " .
وقال: صاحب المعروف لا يقع؛ فم رقع وجد متكئاً.
وكان يقول إذا وضع الطعام: باسم الله عني معن كل آكلٍ معي.
وسئل
عن الجشاعة والجبن، والجود والبخل؛ فقال: الشجاع يقاتل عمن لا يعرفه،
والجبان يفر عن عرسه، والجواد يعطى من لا يلزمه حقه، والبخيل يمنع نفسه.
واستئاره
عمر في توليه حمص رجلا، فقال: لا يصلح أن يكون إلا رجلاً منك. قال: فكنه.
قال: لا تنتفع بي. قال: ولم؟ قال: لسوء ظني في سوء ظنك بي.
وقال: لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم ما اشتكى عبدٌ الرزق.
وقال: إذا حدث أحدكم فأعجبه الحديث فليسكت؛ فإن أعجبه السكوت فليتحدث.
وسمع
كعباً يقول: مكتوبٌ في التوراة من ظلم يخرب بيته؛ فقال ابن عباس: تصديق
ذلك في كتاب الله عز وجل: " فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا " .
وقال: ما
رشى الله الناس بشيءٍ من أصامهم كما رضاهم بأوطانهم. فقال أبو زيد النحوي:
بلى والله وبأحسابهم؛ فقيل له: وكيف؟ فقال: تلقاه من عكل وسلول ومحاربٍ
وغني وباهلة وهو يفاخر.
قال ابن عباس في قوله تعالى: " وجعلني مباركاً أين ما كنت " . قال: معلما ومؤدباً.
وقال: كل ماشئت، والبس إذا أخطأتك اثنتان: سرٌ، أو مخيلةٌ.
وقال: لجليسي على ثلاثٌ: أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأن أوسع له إذا جلس، وأصغي إليه إذا حدث.
وقال: القرابة تقطع، والمعروف يكفر، ولم ار كالمودة.
روى
عنه في قوله تعالى: " مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان، " يخرج
منهما اللؤلؤ والمرجان " . البرحران: علي وفاطمة، والبرزخ: رسول الله صلى
الله عليه وسلم، واللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين عليهما السلام. وتكلم عنده
رجل فخلط، فقال ابن عباس: بكلام مثلك رزق السمت المحبة.
وقال لمعاوية: أشتم علي على منبر الإسلام وهو بناه بسيقه؟.
قيل له أو لقثم أخيه: كيف ورث علي النبي صلى الله عليه وسلم دونكم؟ فقال: إنه كان أولنا به لحوقاً، وأشدنا به لصوقاً.
وقال
ابن عباس: قلت لهند بن أبي هالة - وكان ربيباً لرسول الله صلى الله عليه
وسلم، فلعلك أن تكون أثبتنا معرفةً به. قال: كان - بابي وأمي - طويل الصمت،
دائم الفكرة، متواتر الأحزان، إذا تكلم تكلم بجوامع الكلام؛ لا فضل ولا
تقصير، إذا حدث أعاد، وإذا خولف أعرض وأشاح، يتروح إلى حديث أصحابه، يعظم
النعمة وإن دقت، ولا يذم ذواقاً، ويبتسم عن مثل حب الغمام.
وقال ابن عباس: أكرموا الخبز؛ فإن الله سخر له السموات والأرض.
حدث عن أبي العالية قال: كنت أمشي مع ابن عباس وهو محرمٌ يرتجز بالإبل وهو يقول:
وهنٌ يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطيرنن...لميسا
فقلت
له: أترفث وأنت محرم؟ فقال: إنما الرفث ما روجع به النساء وروى عنه في
قوله تعالى: " فلنحيينه حيوة طيبة " . قال: هي القناعة قال ابن عباس: لما
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هجاء الأعشى علقمة ابن علاثة نهى أصحابه
أن يرووه، وقال: " إن أبا سفيان شعث مني عند قيصر فرد عليه علقمة وكذب أبا
سفيان فشكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
وقال لبعض اليمانية: لكم من
السماء نجمها، ومن الكعبة ركنها؛ ومن السيوف صمصامها. يعني سهيلاً من
النجوم، والركن اليماني، وصمصامة عمرو بن معد يكرب.
وقال: لا يزهدنك في المعروف كفر من كفر؛ فإنه يشكرك عليه من لم تصطنعه إليه.
ذكر
أن ملك الروم وجه إلى معاوية بقارورةٍ فقال: ابعث فيها من كل شيءٍ، فبعث
إلى ابن عباس فقال: لتملأ له ماءً؛ فلما ورد به على ملك الروم قال: لله
أبوه ما أدهاه! فقيل لابن عباس: كيف اخترت ذلك؟ فقال: لقول الله عز وجل: "
وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي " .
وقال في كلام له يجيب ابن الزبير: والله
إنه لمصلوب قريشٍ، ومتى كان عوام بن عوامٍ يطمع في صفية بنت عبد المطلب؟
قيل للبغل: من أبوك؟ قال: خالي الفرس.
وقال: ما رأيت أحدا أسعفته في حاجة إلا أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت أحدا رددته عن حاجةٍ إلا أظلم ما بيني وبينه.
وقال: العلم أكثر من أن يؤتى على آخره، فخذوا من كل شيءٍ أحسنه.
كان نافع بن الأزرق يسأل ابن عباس عن القرآن وغيره، ويطلب منه الاحتجاج باللغة وبشعر العرب، فيجيبه عن مسائله.
وروى
أبو عبيدة أنه سأله فقال: أرأيت نبي الله سليمان مع ما خوله الله عز وجل
وأعطاه، كيف عنى بالهدهد على قلته وضئولته؟ فقال له ابن عباس: إنه احتاج
إلى الماء، والهدهد قناء، الأرض له كالزجاجة يرى باطنها من ظاهرها، فسأل
عنه لذلك. فقال له ابن الأزرق: قف يا وقاف، كيف يبصر ما تحت الأرض، والفخ
يغطى له بمقدار إصبع من تراب فلا يبصره حتى يقع فيه، فقال ابن عباس: ويحك
يا بن الأزرق، أما علمت أنه إذا جاء القدر عشى البصر.
وروى أنه أتاه
يوما فجعل يسأله حتى أمله، فجعل ابن عباس يظهر الضجر، وطلع عمر بن عبد الله
بن أبي ربيعة وهو يومئذ غلامٌ فسلم وجلس. فقال ابن عباس: ألا تنشدنا
شيئاً؟ فأنشده:
أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر ... غداة غدٍ أم رائحٌ فمهجر
حتى
أتمها وهي ثمانون بيتاً، فقال له ابن الأزرق: لله أنت يا بن عباس، أنضرب
إليك أكباد الإبل نسألك عن الدين فتعرض، ويأتيك غلامٌ من قريش فينشدك سفهاً
فتسمعه؟ فقال: لا والله ما سمعت سفها. فقال ابن الأزرق: أما أنشدك.
رأت رجلاً إذا الشمس عارضت ... فيخزى، وأما بالعشى فيخسر
فقال: ما هكذا قال إنما قال:
فيضحى، وأما بالعشى فيخصر.
قال:
أو تحفظ الذي قال؟ قال: والله ما سمعتها إلا ساعتي هذه، ولو شئت أن أردها
لرددتها. قال: فارددها؛ فأنشده إياها. فقال نافع: ما رأيت أروى منك؛ فقال
ابن عباس: ما رأيت أروى من عمر، ولا أعلم من علي.
سعى رجلٌ برجل إليه،
فقال له: إن شئت نظرنا فيما قلت؛ فإن كنت صادقاً مقتناك، وإن منت كاذباً
عاقبناك، وإن شئت أقلناك. قال: هذه أحبها إلي. قال: فامض حيث شئت.
وسئل عن رجلٍ جعل أمر امرأته بيدها، فقالت: فأنت طالقٌ ثلاثاً؛ فقال ابن عباس: خطأ الله نوءها. ألا طلقت نفسها ثلاثاً.
ةقال: لا يصلين أحدكم وهو يدافع الطوف والبول.
وقال في الذبيحة بالعود: كل ما أفرى الأوداج غير مثردٍ.
وأتاه رجل فقال: إني أرمي الصيد فأصمى وأنمى، فقال: ما أصميت فكل، وما أنميت فلا تأكل.
وسئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: أحمزها.
وذكر
عبد الملك بن مروان؛ فقال: إن ابن أبي العاص مشى القدمية، وإن ابن الزبير
لوى دنيه. وقال: أمرنا أن نبني المساجد جما والمدائن شرفاً.
وقال: قصر الرجال على أربعٍ من أجل أموال اليتامى.
قال
سعيد بن جبير: كنا مع ابن عباس بعرفات فقال: يا سعيد، مالي لا أسمع الناس
يلبون؟ قلت: يخافون من معاوية؛ فخرج ابن عباس من فسطاطه وقال: لبيك اللهم
لبيك. اللهم العنهم فإنهم قد تركوا السنة لبغضهم علياً.
وقال له بعضهم:
إن في حجري يتيما، وإن له إبلا في إبلي، فأنا أمنح من إبلي وأفقر. فما يحل
لي من إبله؟ فقال: إن كنت ترد نادتها، وتهنا جرباها، وتلوط حوضها؛ فاشرب
غير مضر بنسلٍ ولا ناهك حلباً.
وقال: ما رأيت أحداً كان أخلق للملك من معاوية؛ كان الناس يردون عنه أرجاء واد رحب ليس مثل الحصر العقص يعنى ابن الزبير.
ولما
استقام رأى الناس علي أب يموسى بصفين أتاه عبد الله بن عباس، فقال له -
وعنده وجوه الناس وأشرافهم - : " يا ابا موسى؛ إن الناس لم يرضوا بك، ولم
يجتمعوا عليك لفضلٍ لا تشارك فيه، وما أكثر أشباهك من المهاجرين والأنصار
والمقدمين قبلك! ولكن أهل الشام أبوا غيرك، وايم الله إني لأظن ذلك شراً لن
ولهم، وإنه قد ضم إليك داهية العرب، وليس في معاوية خصلةٌ يستحق بها
الخلافة؛ فإن تقذف بحقك على باطله تدرك حاجتك فيه، وإن تطمع باطله في حقك
يدرك حاجته فيك. اعلم أن معاوية طليق الإسلام، وأن أباه من الأحزاب، وأنه
ادعى الخلافة من غير مشورة؛ فإن صدقك فقد صرح بخلعه، وإن كذبك فقد حرم عليك
كلامه وإن زعم أن عمر وعثمان استعملاه فصدق؛ استعمله عمر وهو الوالي عليه،
بمنزلة الطبيب من المريض، يحميه مما يشتهي، ويزجره عما يكره، ثم استعمله
عثمان برأي عمر. وما أكثر ما استعملا ثم لم يدعو الخلافة وهو منهم واحدٌ!
واعلم أن لعمرو من كل شيءٍ يسرك خبيئاً يسوءك، ومهما نسيت فلا تنس أن علياً
بايعه القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، وأنها بيعة هدى، وأنه لم
يقاتل إلا عاصياً وناكثاً. فقال له أبو موسى: رحمك الله، والله مالي إمامٌ
غير علي، وإني لواقفٌ عندما أرى، ولرضا الله أحب إلى من رضا أهل الشام، وما
أنا وأنت إلا بالله.
وقال له رجل: إن رجلا من أصحابي يغتابني، فقال: ما
من غرةٍ إلا ومن جانبها عرى، وما الذئب في فريسته بأسرع من ابن العم الدني
في عرض ابن عمه السري.
ومر برجل ساجد يدعو؛ فقال: هكذا أمرتم فادعوا، وتلا قوله تعالى: " واسجد واقترب " .
وقال: التمسوا الرزق بالنكاح.
وقال: لا غنى بالناس عن الناس، ولكن سل الله أن يغنيك عن شرار الناس.
وقال:
إنكم من الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمالٍ محفوظة، من زرع خيراً أوشك
أن يحصد رغبةً، ومن عمل شرا أوشك أن يحصد ندامةً، وكل زارعٍ ما زرع. ولا
يسبق بطيءٌ بحظه، ولا يدرك حريصٌ ما لم يقدر له بحرصه، ومن أوتى خيراً
فالله آتاه، ومن وقى شراً فالله وقاه. المتقون سادةٌ، والعلماء قادةٌ،
ومجالستهم زيادة.
وقال: ذللت للعلم طالباً؛ فعززت مطلوباً.
وسئل عن منى - وقيل: عجباً لمنى وضيقه في غير الحج، وما يسع من الحاج، فقال ابن عباس: إن منى ليتسع بأهله كما يتسع الرحم للولد.
وكان
يقول: ألذ اللذات الإفضال على الإخوان، والرجوع إلى كفايةٍ. وخير العطية
ما وافق الحاجة، وخير المحبة ما لم يكن عن رغبةٍ ولا رهبةٍ.
وقال: لا تمار سفيهاً ولا حليما؛ فإن السفيه يؤذيك والحليم يقليك، واعمل عمل من يعلم أنه مجزى بالحسنات مأخوذٌ بالسيئات.
وقال: لكل داخلٍ دهشةٌ، فابدءوه بالسلام.
وقال:
أكرم الناس على جليسي، إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني، وما ادرى كيف أكافئ
رجلاً تخطى المجالس فجلس إلى؛ فإنه لا يكافئه إلا الله.
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وولده
مر بباب قوم، وجاريةٌ تغنيهم؛ فلما سمع غناءها دخل من غير أن استأذن، فرحبوا به، وقالوا: كيف دخلت يا أبا جعفر؟ قال: لأنكم أذنتم لي قالوا: وكيف؟ قال: سمعت الجارية تقول:قل لكرامٍ ببابنا يلجوا ... ما في التصابي على الفتى حرج
وقال لابنته: يا بنية. إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وإياك والمعاتبة فإنها تورث الضغينة، وعليك بالزينة، واعلمي أن أزين الزينة الكحل، وأطيب الطيب الماء.
وقال: لا تستحي من إعطاء القليل؛ فإن البخل أقل منه.
وربى يماكس وكيله في درهم؛ فقال له قائل: أتماكس في درهمٍ وأنت تجود بما تجود به؟ قال: ذلك مالي جدت به وهذا عقلي بخلت به.
وقال: لا خير ف يالمعروف إلا أن يكون ابتداءً؛ فأما أن يأتيك الرجل بعد تململٍ على فراشه، وأرق عن وسنته، لا يدري أيرجع بنجج المطلب أم بكآبة المتقلب، فإن أنت رددته عن حاجته تصاغرت إليك نفسه، وتراجع الدم في وجهه، تمنى أن يجد في الأرض نفقا فيدخل فيه - فلا.
وأنشد:
إن الصنيعة لا تكون صنيعةً ... حتى تصيب بها طريق المصنع
فقال: هذا شعر رجل يريد أن يبخل الناس... أمطر المعروف مطراً فإن صادفت الموضع الذي قصدت، وإلا كنت أحق به.
وقال له الحسن والحسين رضي الله عنهما: إنك قد أسرفت في بذل المال؛ فقال: بأبي أنتما وأمي! إن الله عودني أن يفضل علي، وعودته أن أفضل على عباده، فأخاف أن أقطع العادة فيقطع عني.
وافتقد عبد الله صديقاً له من مجلسه، ثم جاءه فقال له: أين كانت غيبتك؟ فقال: خرجت إلى عرض من أعراض المدينة مع صديقٍ لي؛ فقال له: إن لم تجد من صحبة الرجال بداً فعليك بصحبة من إن صحبته زانك، وإن خففت له صانك، وإن احتجت إليه مانك، وإن رأى منك خلة سدها، أو حسنةً عدها، وإن أكثرت عليه لم يرفضك؛ إن سألته أعطاك، وإن أمسكت عنه ابتداك.
وامتدحه نصيب، فأمر له بخيل وإبلٍ وأثاث ودنانير ودراهم. فقال له رجل: أمثل هذا الأسود يعطى مثل هذا المال؟ فقال عبد الله: إن كان المادح أسود فإن شعره أبيض؛ وإن ثناءه لعربي؛ ولقد استحق بما قال أكثر مما نال، وهل أعطيناه إلا ثياباً تبلى، ومالا يفنى، ومطايا تنضى، وأعطانا مدحاً يروى وثناءً يبقى.
وقيل له: إنك تبذل الكثير إذا سئلت، وتضيق في القليل إذا توجرت؛ فقال: إني أبذل مالي وأضن بعقلي.
قال بديح: كان في أذن عبد الله بن جعفر بعض الوقر إذا سمع ما يكره.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بعبد الله بن جعفر وهو صبي يصنع شيئاً من طينٍ من لعب الصبيان، فقال: ما تصنع بهذا؟ قال: أبيعه. قال: ما تصنع بثمنه؟ قال: أشتري به رطباً آكله؛ فقال عليه السلام: اللهم بارك له في صفقة يمينه. فكان يقال: ما اشترى شيئاً قط إلا ربح فيه.
وأخبار عبد الله بن جعفر في السخاء معروفة.
وذكر أن شاعرا أتاه فأنشده:
رأيت أبا جعفرٍ في المنام ... كساني من الخز دراعةً
فقال
لغلامه: ادفع إليه دراعتي الخز، ثم قال له: كيف لم تر جبتي المنسوجة
بالذهب التي اشتريتها بثلاثمائة دينار؟ فقال له الشاعر: بأبي أنت دعني أغفى
فلعلي أراها. فضحك؛ ثم قال: ادفع إليه جبتي، فدفعت إليه.
وذكر أن رجلا
جلب إلى المدينة سكراً فكسد عليه؛ فقيل له: لو أتيت ابن جعفر قبله منك
وأعطاك الثمن؛ فأتاه فأخبره؛ فأمره بإحضاره، ثم أمر به فنثر وقال للناس:
انتهبوا؛ فلما رأى الرجل الناس ينتهبون قال له: جعلت فداك آخذ معهم؟ قال:
نعم؛ فجعل الرجل يهيل في غرارته، ثم ثال لعبد الله: أعطني الثمن، فقال: وكم
ثمن سكرك؟ قال: أربعة آلاف درهم، فأمر له بها، فقال الرجل للناس: إن هذا
ما يدري ما يفعل أخذ أم أعطى، لأطالبنه بالثمن فغدا عليه وقال: ثمن سكري؛
فأطرق عبد الله ملياً ثم قال: يا غلام؛ أعطه أربعة آلاف درهم؛ فقال الرجل:
قد قلت لكم إن هذا الرجل لا يعقل أخذ أم أعطى، لأطلبنه بالثمن؛ فغدا عليه
وقال: أصلحك الله. ثمن سكري؛ فأطرق ثم رفع رأسه إلى رجلٍ وقال: ادفع إليه
أربعة آلاف درهم، فلما ولى الرجل قال له عبد الله: يا أعرابي هذه تمام اثنى
عشر ألف درهمٍ فانصرف الرجل وهو يعجب من فعله.
ولما ولى الملك بن مروان
جفا عبد الله ورقت حاله؛ فراح يوما إلى الجمعة وهو يقول: اللهم إنك عودتني
عادةً جريت عليها؛ فإن كان ذلك قد انقضى فاقبضني إليك، فتوفى في الجمعة
الأخرى.
وأوصى إلى ابنه معاوية - وكان في ولده من هو أسن منه، وقال له:
إني لم أزل أوملك لها. وكان عليه دين، فاحتال معاوية فيه وقضاه، وقسم أموال
أبيه في ولده ولم يستأثر عليهم بشيء.
قال المدائني: وكان عبد الله بن جعفر لا يؤدب ولده ويقول: إن يرد الله بهم خيرا يتأدبوا؛ فلم ينجب فيهم غير معاوية.
ومن
ولده عبد الله بن معاوية. وكان من فتيان بني هاشم وسمحائهم وشعرائهم
وخطبائهم. دعا إلى نفسه - وقيل دعا إلى الرضا من آل محمد - وغلب على
الكوفة، ثم خرج منها إلى فارس، ولبس الصوف وأظهر سيما الخير. وكان يطعن في
دينه، وينسب إلى الزندقة واللواط، فغلب على الجبل والرى والأصفهان وفارس
والماهين. وقصده بنو هاشم - وفيهم المنصور والسفاح، وعيسى بن علي، ومن بني
أمية سلمان بن هاشم بن عبد الملك وغيره؛ فمن أراد عملا ولاه، ومن أراد صلةً
وصله؛ فوجه إليه مروان بن محمد عامر بن ضبارة؛ فهرب عبد الله من فارس ولحق
بخراسان، وقد ظهر أبو مسلمٍ بها، فأخذه أبو مسلم وحبسه ثم قتله.
وكان
جعل عليه عيناً يرفع إليه أخباره؛ فرفع إليه أنه يقول: ليس على الأرض أحمق
منكم يا أهل خراسان، في طاعتكم هذا الرجل وتسليمكم إليه مقاليد أموركم
منغير أن تراجعوه في ئيءٍ، أو تسألوه عنه. والله ما رضيت الملائكة بهذا من
الله عز وجل حتى راجعته في أمر آدم؛ فقالت: " أتجعل فيها من يفس فيها ويسفك
الدماء " . حتى قال لهم: " إني أعلم ما لا تعلمون " .
وكتب إلى أبي مسلم من الحبس:
من
الأيسر في يديه بلا ذنبٍ إليه ولا خلاف عليه. أما بعد فآتاك الله حفظ
الوصية، ومنحك نصيحة الرعية، وألهمك عدل القضية، فإنك مستودع ودائع ومولى
صنائع، فاحفظ ودائعك بحسن صنائعك، فالودائع مرعية، والصنائع عاريةٌ، وما
النعم عليك وعلينا فيك بمستور نداها، ولا مبلوغ مداها، فاذكر القصاص، واطلب
الخلاص، وأنبه للتفكر قلبك، واتق الله ربك، واعط من نفسك من هو تحتك ما
تحب أن يعطيك من هو فوقك من العدل والرأفة والأمن من المخافة. فقد أنعم
الله عليك إذ فوض أمرنا إليك؛ فاعرف لنا شكر المودة وأعتقنا من الشدة
والرضا بما رضيت، والقناعة بما هويت؛ فإن علينا من ثقل الحديد أذى شديداً،
مع معالجة الأغلال، وقلة رحمة العمال، الذين تسهيلهم الغلظة، وتيسيرهم
الفظاظة، وإيرادهم علينا الغموم، وتوجيههم إلينا الهموم؛ زيارتهم الحراسةن
وبشارتهم الإياسة، فإليك نرفع كربة الشكوى، ونشكو شدة البلوى. ومتى تمل
إلينا طرفا وتزودنا منك عطفا تجد عندنا نصحاً صريحاً. ووداً صحيحاً، ولا
يضيع مثلك مثله، ولا يتقي مثلك أهله؛ فارع حرمة من أدركت حرمته، واعرف حجة
من فلجت حجته؛ فإن الناس من حوضك رواءٌ، ونحن منه ظماءٌ. يمشون في الأبراد،
ونحجل في الأقياد، بعد الخير والسعة، والخفض والدعة. والله المستعان وعليه
التكلان، صريخ الأخبار ومنجي الأبرار. الناس من دولتنا في رخاءٍ، ونحن
منها في بلاءٍ: ؛ حيث أمن الخائفون، ورجع الهاربون، رزقنا الله منك التحنن،
وظاهر علينا منك المنن؛ فإنك أمين للمؤمنين مستودع وذائد مصطنعٌ.
وكتب
عبد الله إلى بعض إخوانه: أما بعدن فقد عاقني الشك في أمرك عن عزيمة الرأي
فيك. ابتدأتني بلطفٍ عن غير خبرةٍ ثم أعقبتني جفاءً من غير ذنبٍ، فأطمعني
أولك في إخائك، وآيسني آخارك من وفائك. فلا أنا في غير الرجاء مجمعٌ لك
اطراحاً، ولا أنا في غدٍ وانتظاره منك على ثقة. فسبحان من لو شاء كشف
بإيضاح الرأي عن عزيمة الشك في أمرك فأقمنا على ائتلافٍ، أو افترقنا على
اختلافٍ. والسلام.
كان عبد الله بن جعفر إذا غنته الجارية يقول: أحسنت إلي والله، وكان يتأثم أن يقول: أحسنت والله.
ووفد على معاوية فأنزله في داره، فقالت له ابنة قرظة امرأته: إن جارك هذا يسمع الغناء فاطلع عليه وجاريةٌ له تغنيه، وتقول:
إنك والله لذو ملةٍ ... يصرفك الأدنى عن الأبعد
وهو يقول: يا صدقكاه! قال ثم قال: اسقيني. قالت: ما أسقيك؟ قال: ماءٌ وعسلاً. فانصرف معاوية وهو يقول: ما أرى بأساً.
فلما كان بعد ذلك قالت له: إن جارك هذا لا يدعنا ننام الليل من قراءة القرآن قال: هكذا قومي؛ رهبان بالليل، ملوكٌ بالنهار.
وقال
عبد الله: إن بأهل المعروف من الحاجة إليه أكثر مما بأهل الرغبة منهم فيه؛
وذلك أن حمده وأجره وذكره وذخره وثناءه لهم، فما صنعت من صنيعة أو أتيت من
معروفٍ، فإنما تصنعه إلى نفسك، فلا تطلبن من غيرك شكر ما أتيت لي نفسك.
ويروى هذا الكلام لابنه جعفرٍ رضي الله عنه.
علي بن عبد الله بن العباس وولده
قال علي رحمة الله عيه: من لم يجد مس نقص الجهل في عقله، وذلة المعصية في قلبه، ولم يستبن موضع الخلة في لسانه عند كلال حده عن حد خصمه، فليس ممن ينزع عن ريبةٍ، ولا يرغب عن حال معجزة، ولا يكترث لفصل ما بين حجةٍ وشبهةٍ.وقال: سادة الناس في الدنيا الأسخياء، وفي الآخرة الأتقياء.
وقال محمد بن علي وذكر رجلا من أهله: إني لأكره أن يكون لعمله فضلٌ على عقله كما أكره أن يكون للسانه فضلٌ على علمه: وقال أبو مسلم: سمعت إبراهيم بن محمد الإمام يقول: يكفي من حظ البلاغة ألا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق، ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع.
وكان من الخطباء داود بن علي، وهو الذي يقول: الملك فرع نبعةٍ نحن أفنانها، وذروة هضبةٍ نحن أركانها.
وخطب بمكة فقال: شكراً شكراً، إنا والله ما خرجنا لنحفر فيكم نهراً، ولا لنبني فيكم قصراً. أظن عدو الله أن لن نظفر به؟ أرخى له في زمامه، حتى عثر في فضل خطامه. فالآن عاد الأمر في نصابه، وطلعت الشمس من مطلعها، والآن أخذ القوس باريها. وعادت النبل إلى النزعة، ورجع الحق إلى مستقره، في أهل بيت نبيكم أهل الرحمة والرأفة.
وخطب فقال: أحرز لسانٌ رأسه، اتعظ المرؤ بغيره،
اعتبر عاقلٌ قبل أن يعتبر به، فامسك الفضل من قوله، وقدم الفضل من عمله. ثم
أخذ بقائم سيفه وقال: إن بكم داءً هذا دواؤه، وأنا زعيمٌ لكم بشفائه. وما
بعد الوعيد إلا الوقع، وما بعد التهديد غير إنجاز الوعيد. " وقد خاب من
افترى " . " إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم
الكاذبون " .
ولما قام أبو العباس السفاح في اول خلافته على المنبر، قام
بوجهٍ كورقة المصحف، فاستحيا فلم يتكلم، فنهض داود حتى صعد المنبر - قال
المنصور: فقلت في نفسي: شيخنا وكبيرنا يدعو إلى نفسه؛ فانتضيت سيفي وغطيته
بثوبي؛ فقلت: إن فعل ناجزته - فلما رقى عتباً استقبل الناس بوجهه دون أب
يالعباس، ثم قال: يا ايها الناس إن أمير المؤمنين يكره أن يتقدم قوله فعله،
ولأثر الفعال عليكم أجدى من تشقيق الكلام، وحسبكم كتاب الله متسلى فيكم
وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم خليفةً عليكم. والله - قسماً براً لا
أريد بها إلا الله - ما قام هذا المقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعلى آله أحق به من علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا؛ فليظن ظانكم،
وليهمس هامسكم.
قال أبو جعفر: ثم نزل فشمت سيفي.
وبلغه وهو بمكة أن
قوماً أظهروا الشكاة لأبي العباس، فافترع المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال: أعذرا غدرا: يا أهل الجبن والتبديل ألم يزعكم الفتح المبين عن الخوض
في ذم أمير المؤمنين. كلا والله، حتى تحملوا أوزاركم، ومن أوزار الذين كانو
قبلكم. كيف فاهت شفاهكم بالشكوى لأمير المؤمنين؟ بعد أن حانت آجالكم
فأرجأها، وانثعبت دماؤكم فحقنها؟ الآن يا منابت الدمن مشيتم الضراء، ودببتم
الخمر. أما ومحمدٍ والعباس لئن عدتم لمثل ما بدأتم لأحصدنكم بظبات السيوف.
ثم يغني ربنا عنكم، ويستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم.
مهلاً
مهلا يا روايا الإرجاف، وأبناء النفاق، وأنسال الأحزاب وكفوا عن الخوض فيما
كفيتم، والتخطي إلى ما حذرتم قبل أن تتلف نفوسٌ، ويقل عذرٌ، ويذل عز. وما
أنتم وتلك؟ ولم؟ ألم تجدوا ما وعد ربكم حقاً من إيراث المستضعفين مشارق
الأرض ومقاربها؟ بلى، والحجر والحجر. ولكنه حسدٌ مضمرٌ، وحسك في الصدور.
فرغماً للمعاطس، وبعداً للقوم الظالمين.
ولما أتى الخبر بقتل مروان بن
محمد خطب عيسى بن علي فقال: الحمد لله الذي لا يفوته من طلب، ولا يعجزه من
هرب. خدعت والله الأشيقر نفسه، أو ظن أن الله ممهله؟ " ويأبى الله إلا أن
يتم نوره " .
فحتى متى؟ وإلى متى؟ لقد كذبتهم العيدان التي افترعوها،
وأمسكت السماء درها، والأرض ريقها، وقحل الزرع، وجفر فنيق الكفر، واشتمل
جلباب الشرك، وأبطلت الحدود، وأهدرت الدماء، وكان ربك بالمرصاد، " فدمدم
عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقبها " .
وانتاشكم عباد الله لينظر كيف تعملون. فالشكر الشكر عباد الله؛ فإنه من دواعي المزيد. أعاذنا الله وإياكم من نفثات الفتن.
وخطب
عبد الله بن علي لما قتل مروان بن محمد فقرأ: " ألم تر إلى الذين بدلوا
نعمت الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار " .
ركض
بكم يا أهل الشام آل حربٍ وآل مروان، يتسكعون بكم الظلم، ويخوضون بكم
مداحض المراقي، ويوطئونكم محارم اله ومحارم رسوله. فما يقول علماؤكم غدا
عند الله؟ إذ يقولون: " ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذاباً ضعفاً من النار " .
فيقول: " لكل ضعفٌ ولكن لا تعلمون " .
أما أمير المؤمنين فقد أسف بكم
إلى التوبة، وغفر لكم الزلة، وبسط لكم الإقالة بفضله. فليفرج روعكم،
وليعظكم مصارع من كان قبلكم. فهذه الحتى منكم مضرعةٌ، وبيوتهم خاويةٌ بما
ظلموا، والله لا يحب الظالمين.
ثم نزل عن المنبر، وصعد صالح بن علي بعده
فقال: يا أهل النفاق، وعمد الضلالة، أعزكم لين الإبساس وطول الإيناس، حتى
ظن جاهلكم أن ذلك لفلول حد، وخور قناةٍ. فإذا استوبأتكم العافية فعندي
نكالٌ وفطام، وسيفٌ يعض بالهام.
ومن خطب داود: أيها القوم. حتى متى يهتف
بكم صريخكم؟ أما آن لراقدكم أن يهب من رقدته؟ بلى و " كلا بل ران على
قلوبهم ما كانوا يكسبون " . طال الإمهال حتى حسبتموه الإهمال. هيهات كيف
يكون ذلك والسيف مشهورٌ؟ لا والله، حتى يجوسكم خلال الديار.
حتى تبيد قبيلةٌ وقبيلةٌ ... ويعض كل مهند بالهام
ويقمن ربات الخدور حواسراً ... يمسحن عرض ذوائب الأيتام
ولما خرج داود إلى مكة والياً حم في بعض طريقه، فكان يدعو الله ويقول: يا رب. الثأر ثم النار.
قال
عبد الصمد بن علي: كنت عند عبد الله بن علي في عسكره بالشام لما خالف
المنصور ودعا إلى نفسه، وكان أبو مسلم بإزائه يقاتله، فاستؤذن لرسول أبي
مسلم عليه، فاذن له، فدخل رجلٌ من أهل الشام فقال له: يقول لك الأمير: علام
قتالك إياي وأنت تعلم أني أهزمك؟ فقال له: يا بن الزانية، ولم تقاتليني
عنه وأنت تعلم أنه يقتلك؟ قال العباس بن محمدل بن علي للرشيد: يا أمير
المؤمنين. إنما هو سيفك ودرهمك، فازرع بهذا من شكرك، واحصد بهذا من كفرك.
ولما
ضرب عبد الله بن علي أعناق بني أمية قال قائل: هذا والله جهد البلاء فقال
عبد الله: ما هذا وشرطة الحجام إلا سواءٌ. إنما جهد البلاء فقرٌ مدقعٌ بعد
غنى موسع.
وقال محمد بن علي: كفاك من عم الدين أن تعرف ما لايسع جهله، وكفاك من علم الأدب أن تروى الشاهد والمثل.
كتب
المنصور إلى صالح بن علي أن يطلب بشر بنعبد الواحد بن سليمان ابن عبد
الملك ويقتله. فأتى به إلى صالح، فقال له: قد كان لأبي خالد عندنا بلاء
يشكر. قال بشر: فلينفعني ذلك عندك. قال: أما مع كتاب أمير المؤمنين فلا بد
من قتلك. ولكني أقدم الساعي بك، فأضرب عنقه بين يديك، وأعطي الذي اشتمل
عليك ألف دينار؛ ففعل ذلك ثم قتله.
أوصى العباس بن محمد معم ولده فقال:
إني قد كفيتك أعراقه فاكفني آدابهم. اغذهم بالحكمة فإنها ربيع القلوب،
وعلمهم النسب والخبر؛ فإنه أفضل علم الملوك، وابدأهم بكتاب الله، فإنه قد
خصهم ذكره، وعمهم رشده، وكفى بالمرء جهلاً أن يجهل فضلاً عنه آخذ. وخذهم
بالإعراب فإنه مدرجة البيان، وفقههم في الحلال والحرام فإنه حارسٌ من أن
يظلموا، ومانع من أن يظلموا.
كان داود بن علي يقول: المعرفة شكرٌ، والحمد نعمةٌ يجب فيها الشكر.
وخطب
سليمان بن علي فقال: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها
عبادي الصالون " . قضاءٌ فصلٌ، وقولٌ مبرمٌ، فالحمد لله الذي صدق عبده،
وأنجز وعده، وبعداً للقوم الظالمين الذين اتخذوا الكعبة غرضاً، والدين
هزوا، والفئ إرثا، والقرآن عضين، لقد حاق بهم ما كانوا يستهزئون وكأين ترى
من بئرٍ معطلةٍ وقصرٍ مشيد، بما قدمت أيديهم، وما الله بظلام للعبيد.
أمهلهم حتى اضطهدوا العترة، ونبذوا السنة، " وخاب كل جبارٍ عنيد " ثم أخذهم
فهل تحس منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزاً " .
وكان أبوهم علي بن عبد
الله بن العباس سيداً شريفاً بليغاً، وكان يقال إن له خمسمائة أصل زيتون،
يصلى في كل يوم إلى كل أصلٍ منها ركعتين، فكان يدعى ذا الثفنات، وكان عبد
الملك بن مروان يكرمه.
وضربه الوليد مرتين بالسوط، إحداهما في تزوجه
لبابة بنت عبد الله ابنجعفر، وكانت عند عبد املك فطلقها، وذلك لأنه عض
تفاحةً ثم رمى بها إليها - وكان أبخر - فدعت بسكينٍ. فقال لها: ما تصنعين
بها؟ فقالت: أميط عنها الأذى، فطلقها، فتزوجها بعده علي، فضربه الويد،
وقال: إنما تتزوج أمهات أولاد الخلفاء لتضع منهم كما فعل مروان ابن الحكم
بأم خالد بن يزيد بن معاوية.
وأما ضربه إياه في الكرة الثانية فروى عن
بعضهم قال: رأيت علياً مضروبا بالسوط يدار به على بعيرٍ، وجهه مما يلي ذنب
البعير، وصائحٌ يصيح عليه: هذا علي بن عبد الله بن العباس الكذاب، فأتيته
فقلت له: ما هذا الذي سنبونك إليه من الكذب؟ قال: بلغهم قولي إن هذا الأمر
سيكون في ولدي. والله ليكونن حتى يملكهم عبيدهم الصغار العيون، العراض
الوجوه، الذين كأن وجوههم المجان المطرقة.
وروى أنه دخل على هشام ومعه
ابنا ابنه الخليفتان أبو العباس وأبو جعفر، فلما ولى قال هشام: إن هذا
الشيخ قد اختل وأسن، وصار يقول: إن هذا الأمر سنتقل إلى ولده، فسمع ذلك
عليٌ فالتفت إليه وقال: إي والله، ليكونن ذلك وليملكن هذان.
وروى أن
أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه افتقد عبد الله بن عباس وقت صلاة الظهر،
فقال لأصحابه: ما بال أب يالعباس لم يحضر؟ فقيل له: ولد له مولود. فلما صلى
قال: امضوا بنا إليه. فأتاه فهنأه، فقال: شكرت الواهب فبورك لك الموهوب.
ما سميته؟ قال: أو يجوز لي أن أسميه حتى تسميه، فأمر به فأخرج إليه فأخذه
وحنكه ودعا له ثم رده إليه وقال: خذه إليك أبا الأملاك. قد سميته علياً
وكنيته أبا الحسن. فلما قام معاوية بالأمر قال لابن عباس: ليس لكم اسمه
وكنيته. لكم الاسم ولي المنية، وقد كنيته أبا محمد، فجرت عليه.
أشرف عبد
الله بن علي وهو مستخفٍ بالبصرة عند أخيه سليمان بن علي فرأى رجلا له
جمالٌ يجر ثيابه ويتبختر، فقال: من هذا؟ قالوا: فلان الأموي. فقال يا أسفا.
وإن في طريقنا بعد منهم لوعثاء.
وقال لمولى له: بحقي عليك إلا جئتني برأسه. ثم أنشد قول سديف:
علام وفيم يترك عبد شمسٍ ... لها في كل راعية ثغاء
فما في القبر في حران منها ... ولو قتلت باجمعها وفاء
فمضى مولاه إلى سليمان وأخبره بما قال: فنهاه سليمان فعاد إليه واعتل بأنه فاته.
حدث ابن عائشة أن امرأة من نساء بن يأمية قالت لعبد الله بن علي: قتلت من أهلي وذويهم اثنى عشر ألفاً فيهم لحيةٍ خضبةٍ.
ودخلت
ابنة مروان عليه فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
فقال: لست به. فقالت: السلام عليك أيها الأمير. قال: وعليك السلام. فقالت:
ليسعنا عدلكم. قال: إذاً لا يبقى على الأرض منكم أحدٌ؛ لأنكم حاربتم علي
بن أبي طالب ودفعتم حقه وسممتم الحسن ونقضتم شرطه، وقتلتم الحسين وسيرتم
رأسه، وقتلتم زيداً وصلبتم جسده، وقتلتم يحيى بن زيد ومثلتم به، ولعنتم علي
بن أبي طالب على منابركم وضربتم علي بن عبد الله ظلماً بسياطكم، وحبستم
الإمام في حبسكم، فعدلنا ألا نبقي أحدا منكم. قالت: فليسعنا عفوكم. قال:
أما هذه فنعم. ثم أمر برد أموالهم عليها ثم قال:
سننتم علينا القتل لا تنكرونه ... فذوقوا كما ذقنا على سالف الدهر
حدث
بعضهم قال: رحت عشيةً من قريةٍ بطريق مكة مع عبد الله بن حسن، فضمنا
المسير وداود وعيسى وعبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس قال: فسار عبد
الله وعيسى أمام القوم فقال داود لعبد الله بن حسن: لم لا تظهر محمدا؟ فقال
عبد الله: لم يأت الوقت الذي يظهر فيه محمد بعد، ولسنا بالذين نظهر عليهم،
وليقتلنهم الذي يظهر قتلاً ذريعا. قال: فسمع عبد الله بن علي الحديث،
فالتفت إلى عبد الله بن حسن وقال: أبا محمد
سيكفيك الجعالة مستميتٌ ... خفيف الحاذ من فتيان حزمٍ
أنا والله الذي أظهر عليهم وأقتلهم وانتزع ملكهم.
كتب
عيسى بن موسى بن علي بنعبد الله إلى المنصور كتابا جوابا عن كتاب له إليه
يسومه تقديم المهدي بالعهد عليه والبيعة له: فهمت كتاب أمير المؤمنين
المزيل عنه نعم الله، والمعرض لسخطه بما قرب من القطيعة، ونقض به الميثاق
أوجب ما كان الشكر لله عليه. وألزم ما كان الوفاء له، فأعقب سيوغ النعم
كفراً، وأتبع الوفاء بالحق غدرا، وأمن الله أن يجعل ما مد من بسطته
إختبارا، وتمكينه إياه استدراجاً، وكفى بالله من الظالم منتصرا وللمظلوم
ناصراً، ولا قوة إلا بالله، وهو حسبي وإليه المصير.
ولقد حزبتك أمورٌ يا
أمير المؤمنين لو قعدت عنك فيها، فضلاً عن معونتك عليها، لقام بك القاعد،
ولطال عليك القصير. ولقد كنت واجداً فيها بغيتي، وآمنا معها نكث بيعتي،
فلزمت الطريقة بالوفاء إلى أن أوردتك شريعة الرجاء، وما أنا يائسٌ من
انتقام الله، ورفع حلمه فوق وتحت وبعد ذلك.
بدت لي أمارتٌ من الغدر شمتها ... أظن رواياها ستمطركم دما
وهي أبيات.
وكتب
إليه أياضا لما هدده بأهل خراسان بالقتل إن لم يخلع نفسه: لو سامني غيرك
ما سمتني لاستنصرتك عليه، ولاستشفعت بك إليه، حتى بقر الحزم مقرة، وينزل
الوفاء منزلته، ونحن أول دولة يستن بعملنا، وينظر إلى ما اخترناه منها، وقد
استعنت بك على قومٍ لا يعرفون الحق معرفتك، ولا يلحظون العواقب لحظك. فكن
لي عليهم نصيراً، ومنهم مجيراً، يجزك جزائك عن صلة الرحم وقطع الظلم إن شاء
الله.
وكتب إليه أيضاً: بسم الله الرحمن الرحيم
" والموفون بعهدهم إذا عهدوا والصابرين في البأسآء والضرآء وحين البأس " . وقال عز وجل: " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا " .
قرأت
كتاب أمي رالمؤمنين وتفهمته، وأمعنت النظر فيه كما أمر وتبحرته، فوجدت
أمير المؤمنين إنما يزيدني لينقصني، ويقربني ليبعدني، وما أجهل ما لي في
رضاه من الحظ الجزيل، والأثر الخطير. ولكن سامني ما تشح به الأنفس وتبذل
دونه، وما لا يسمح به والدٌ لوالده ما دام له حظ. وقد علم أمير المؤمنين
أنه يريد هذا الأمر لابنه لا له، وهو صائرٌ إليه أشغل ما يكون عنه، وأحوج
إلى حسنةٍ قدمها وسيةٍ احتنبها. ولا صلة في معصية الله، ولا قطيعة ما كانت
في ذات الله. وقد دعيت إلى ما لا صبر عليه وما لم ير غيري أجاب إليه، من حل
العقد ونقض العهد، وهذا هشام بن عبد الملك، ملك عجز دولةٍ طالت أيامهم
فيها، وكثرت صنائعهم بها. فلم يمت حتى حضر بين يديه عشرةٌ من ولده، أسغرهم
في سن من يريد أمير المؤمنين رفعه بوضعي وصلته بقطعي، فلم ير أن ينقض ما
عقده أخوه يزيد بن عبد الملك لابنه الوليد بن يزيد بعده، وهو يقاسي منه
عنتاً، ويتجرع له غيظاً، خوفاً على الملك، وإشفاقاً من الملك، وحذراً من
مغبة الظلم وتأسيس الغدر، حتى سلم إليه الأمر أغض ما كان وأنضره - ورآه
غالبا على أمره موكلاً بخزائنه، وروحه بعد في جسه، ولسانه دائرٌ في فمه،
وأمره نافذٌ في رعيته. لو تقدم بسوءٍ فيه لأسرع به إليه، فكان أكثر ما عنده
لما عرف، وامتلأ بأصحابه داره - تحسرا وتأسفاً: إنا لله. لا أراني إلا
خازناً للوليد إلى اليوم. اللهم أنت لي، فقد حضر أجلي على سوءٍ من عملي.
وما
هشامٌ بأعلم من أمير المؤمنين بالله، ولا أقرب إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم. وإذا أمضى أمير المؤمنين بهذا سنةً في حداثة ملك وأوائل دولةٍ،
لا يؤمن أن يستن به ولده ويقع منه ما تلاقى له، ولا بقيا معه وأمير
المؤمنين يعلم أن من جعل هذا الأمر إليه وله، منغير شرط فيه عليه - محكمٌ
في تدبيره، مخبر في تصريفه، ولا شرط على في تسليم المر من بعدي إلى أحد ذكر
ولا شخص عين، وقد جعلته لمحمد بعدي، طالبا بذلك رضا أمير المؤمنين،
وتابعاً موافقته، وتاركاً مخالفته؛ فإن رأى أمي رالمؤمنين أن يرعى سالفتي
وقرابتي، ويعرف اجتهادي ومناصحتي، ويذكر مخالطتي وكفايتي، ويقبل ذلك مني،
ويأمر بكف الذى عني فعل إن شاء الله.
فكتب إليه المنصور جواباً أغلظ فيه
وخوفه بادرة أهل خراسان فأنعم له بما أراد من تقديم المهدي على نفسه، ثم
سأله المهدي لما أفضى الأمر إليه أن يخلع نفسه ويجعل العهد لموسى ابنه،
ففعل. وكان يقول: ما لقى أحدٌ ما لقيت. كل أهلي أمنوا بعد خوفٍ، وأنا خفت
بعد أمن، وسممت مرتين، وخلعت مرتين. مع قديم بلائي، وطول غنائي.
كان عبد
الملك بن صالح والياً للرشيد على الشام. فكان إذا وجه سريةً إلى أرض الروم
أمر عليها أميرا شهما، وقال له: اعلم أنك مضارب الله بخلقه؛ فكن بمنزلة
التاجر الكيس، إن وجد ربحا تجر، وإلا احتفظ برأس المال، وكن من احتيالك على
عدوك أشد حذرا من احتيال عدوك عليك.
وولى العباس بن زفر الثغر،فودعه
فقال يا عباس: إن حصن المحارب من عدوه حسن تدبيره، والمقاتل عنه جليد رأيه
وصدق بأسه؛ وقد قال ابن هرمه:
يقاتل عنه الناس مجلود رأيه ... لدى البأس، والرأي الجليد مقاتل
وقال
له الرشيد مرة وقد غضب عليه: يا عدي الملك، والله ما أنت لصالح بولدٍ.
قال: فلمن أنا؟ قال: لمروان بن محمد، أخذت أمك وهي حبلى بك، فوطئها على ذاك
أبوك فقال عبد الملك: فحلان كريمان، فاجعلني لمن شئت منهما.
وهذا شبيهٌ
بما قاله مروان بن محمد حين بلغه أن الناس يقولون إن هذه الشجاعة التي
لأمير المؤمنين لم تكن لأبيه ولا لجده، وإنما جاءته من قبل إبراهيم بن
الأشتر - فإن أمه كانت له، وصارت لمحمد بن مروان - وهي حاملٌ - بعده -
فقال: ما أبالي الفحلين كنت، كلاهما شريفٌ كريم.
وقال الرشيد مرةٌ لعبد الملك: كيف هو أوكم بمنبج؟ قال: سحرٌ كله.
وقال
عبد الرحمن التيمي: قال لي عبد الملك: يا عبد الرحمن؛ كن على التماس الحظ
بالسكوت أحرص من على التماسه بالكلام. فقد قيل: إذا أعجبك الكلام فاصمت،
وإذا أعجبك الصمت فتكلم. ولا تساعدني على قبيحٍ، ولا تردن على في محفل،
وكلمني بقدر ما استنطقتك واعلم أن حسن الاستماع أحسن من حسن القول. فأرني
فهمك في نظرك، واعلم أني جعلتك جليساً مقرباً، بعد أن كنت معلماً مباعداً.
ومن لم يعرف نقصان ماخرج منه لم يعرف رجحان ما دخل فيه.
ولما دخل الرشيد
إلى منبج قال لعبد الملك: أهذا البلد منزلك؟ قال: هو لك ولي بك. قال: وكيف
بناؤك به؟ قال: دون منازل أهلي وفق منازل غيرهم. قال: فكيف صفة مدينتك
هذه؟ قال هي عذبة الماء، باردة الهواء، قليلة الأدواء. قال: فكيف ليلها؟
قال: سحرٌ كله. قال: صدقت إنها لطيبةٌ. قال: لك طابت، وبك كملت، أين بها عن
الطيب؟ وهي تربةٌ حمراء، وسنبلةٌ صفراء، وشجرةٌ خضراء، أفياف فيحٌ بين
قيصوم وشيح. فقال الرشيد لجعفر بن يحيى: هذا الكلام أحسن من الدر المنظوم.
وروى
أن صالح بن علي قال لعبد الملك ابنه وه صبي ما بلغ الحلم - في شيء فعله:
أتاك هذا من قبل أمك الزانية، فقال: " والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو
مشركٌ " . ثم ولى مغضباً وهو يقول:
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ... فكل قرينٍ بالمقارن يقتدى
ولما
ولى الرشيد عبد الملك المدينة قيل ليحيى بن خالد: كيف ولاه المدينة من بين
اعماله؟ قال: أحب أن يباهى به قريشا، ويعلمهم أن في بني العباس مثله.
وسمع
عبد الملك أصوات الحرس بالليل لما خرج من الحبس في أيام المين، فقال
للسندي: ما هذا العار الذي ألزمته السلطان؟ حق بلدان الملوك أن تضبط
بالهيبة لا بكثرة الأعوان.
ووجه عبد الملك إلى الرشيد فاكهةً في أطباق
خيزران وكتب إليه: أسعدك الله أمير المؤمنين وأسعد بك، دخلت بستاناً لي،
أفادنيه كرمك، وعمرته لي نعمك، وقد أينعت أشجاره، وآتت أثماره، فوجهت إلى
أمير المؤمنين من كل شيءٍ شيئاً على الثقة والإمكان، في أطباق القضبان،
ليصل إلى من بركة دعائه، مثل ما وصل من كثرة عطائه.
فقال رجل: يا أمي رالمؤمنين، ما سمعت أطباق القضبان، فقال الرشيد: يا أبله، إنما كنى عن الخيزران إذ كان اسماً لأمنا.
عاتب
عبد الملك يحيى بن خالد في شيءٍ، فقال له يحيى: أعينك بالله أن تركب مطية
الحقد. فقال عبد الملك: إن كان الحقد عندك بقاء الخير والشر لأهلهما عندي
إنهما لباقيان. فلما ولى قال يحيى: هذا خير قريش. احتج للحق حتى حسنه في
عيني.
خطبة يوم الجمعة لمحمد بن سلمان بن علي
" وكان لا يغيرها " الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأستغفره وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق " ليظهره علىالدين كله ولو كره المشركون " . من اعتصم بالله ورسوله فقد اعتصم بالعروة الوثقى، وسعد الآخرة والأولى ومن لم يعتصم بالله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يطيعه ويطيع رسوله، ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه؛ فإنما نحن به وله، أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعه، وأرضى لكم ما عند الله، فإن تقوى الله أفضل ما تحاث عليه الصالحون وتداعوا إليه، وتواصوا به. واتقوا الله ما استطعتم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.وكان محمدٌ من رجال بني هاشم وشجعانهم، وأمه وأم أخيه جعفر وأخته زينب أم حسنٍ بنت جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وكان له خمسون ألف مولى أعتق منهم عشرين ألفاً.
وخرج يوما إلى باب داره بالمربد في عشيةٍ من عشايا الصيف، فرأى الحر شديدا، فقال: رشوا هذا الموضع، فخرج من داره خمسمائة عبد بخمسمائة قربةٍ مملوءة ماء، فرشوا الشارع حتى أقاموا الماء فيه.
وكانت غلته في كل يوم مائة ألف درهم، وسمع دعاؤه في السحر اللهم أوسع علي؟ فإنه لا يسعني إلا الكثير.
ولما مات امنصو بمكة، وتلوى الناس على الربيع في تجديد البيعة للمهدي، جرد محمد سيقه، وقال: والله لئن امتنع أحدٌ منكم عن البيعة لأرمين برأسه، فبادروا إلى البيعة، فشكر المهدي ذلك فرفعه وزوجه ابنته العباسة، ونقلها إليه، وهي أول بنت خليفةٍ نقلت من بلدٍ إلى بلد.
ولما أراد أن يدخل بالعباسة شاور
كاتبه حماداً في اللباس الذي يلبسه في كل يوم، فأشار عليه بألا يتصنع،
ويقتصر على ما كان يلبسه في كل يوم، فلم يقبل منه، وعمد إلى ثياب دبيقية
كأنها غرقى البيض فلبسها، فرأتها عليه، فلما كان الغد دخل عليها وإذا هي في
دارٍ قد فرشت بالدبيقى الذي يشابه ما لبس أو يزيد عليه، فعلم أن كاتبه كان
قد نصحه وتمثل:
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى ... فلم تستبينوا الرش إلا ضحى الغد
وكان يتصدق في كل سنةٍ بخمسائة ألف درهمٍ، ويوم الفطر بمائة ألف وفي كل يوم بكرين من الدقيق.
ولم يكن له ولدٌ إلا بنتٌ واحدة، وماتت قبله، فذكر أنه قال: أشتهى والله أن يصفو لي يومٌ لا يعارض سروري فيه هم.
وكان
جعفر أخوه يقول: لا تمتحن هذا فقل من امتحنه إلا امتحن فيه. فجلس يوما
وأحضر جميع من يحب حضوره، فبينا هو على أتم أمرٍن وأسر حالٍ إذ سمع صراخا،
فسأل عنه، فكتم، فألح، فعرف أن ابنته - ولا ولد له غيرها - صعدت درجةً
فسقطت منها فماتت. فلم يف سروره صدر نهاره بما عقب من غمه؛ فكان يقول
كثيرا:
تفردت بالكمال ... وبالعز والجلال
وملكٍ بلا نفادٍ ... نراه ولا زوال.
وشبيه
بهذا ما اتفق على يزيد بن عبد الملك فإنه أحب أن يخلص له يومٌ بأن تطوى
عنه الأخبار، وأجلس حبابة عن يمينه، وسلامة عن يساره، يشرب وتغنيان، فلما
صليت العصر شربت حبابة قدحا، وتنقلت بحب رمانٍ فشرقت به وماتت، فكمد عليها
يزيد، ومات بعد خمسة عشر يوما.
وكان جعفر بن سليمان نهاية في الجلالة
والشرف، ولى المدينة للمنصور بعد انقضاء أمر محمد وإبراهيم. فأعطى الأموال.
ووصل الشعراء وأمن الناس، وشفع فيهم. ويقال إنه سقط من ظهره إلى الأرض ما
به نسمةٌ من ذكرٍ وأنثى.
قال الأصمعي: ما رأيت أكرم أخلاقاً ولا أشرف
فعالاً من جعفر بن سليما؛ فتغدينا معه فاستطاب الطعام. فقال لطباخه: قد
أحسنت وسأعتقك وأزوجك. فقال الطباخ: قد قلت يا سيدي هذا غير مرة وكذبت.
قال: فو الله ما زاد على أن ضحك. وقال لي: يا أصمعي. إنما يريد البائس "
وأخلفت " قال الأصمعي: وإذا هو قد رضى بأخلفت.
ذكر الصمعي أن ابن ميادة
امتدح جعفر بن سليمان فأمر له بمائة ناقة، فقبل يده وقال: والله ما قبلت يد
قرشي غيرك إلا واحداً. فقال: أهو المنصور؟ قال: لا والله. قال: فمن هو؟
قال الوليد بن يزيد فغضب، وقال: والله ما قبلتها لله. قال: ولا يدك والله
قبلتها لله، ولكن قبلتها لنفسي. فقال: والله لا ضرك الصدق عندي. أعطوه مائة
ناقة أخرى.
غزا اسماعيل بن صالح بن علي فرأى غلاماً من أبناء المقيمين
بطرسوس من أملح الناس وآدبهم، فاستصحبه، فقال له الغلام: بلغني أن فيك ملة
قال إسماعيل: هي في لها. فضحك الغلام وقال: الآن طابت صحبتك. فصحبه.
دخل
محمد بن عبد الملك بن صالح على المأمون بعد موت أبيه عبد الملك - وقد أمر
بقبض ضياعهم - فقال - وهو غلام أمرد: السلام عليك يا أمير المؤمنين. محمد
بن عبد الملك، سليل نعمتك، وابن دولتك، وعصنٌ من أغصان دوحتك، أتأذن له في
الكلام؟ قال: نعم. تكلم. فحمد اله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله
عليه وسلم وآله وسلم، ثم قال: نسأل الله لحياطة ديننا ودنيانا، ورعاية
أقصانا وأدنانا ببقائك يا أمير المؤمنين، ونسأله أن يزيد في عمرك من
أعمارنا، وفي أثرك من آثارنا.
ويقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا، هذا مقام العائذ بك تحت ظلك، الهارب إلى كنفك وفضلك، الفقير إلى رحمتك وعدلك.
فوصله وأمر برد ضياع أبيه على ورثته.
ومدح أبو تمام محمد بن عبد الملك، فقال في قصيدة:
أمت بنا عيسنا إلى ملك ... نأخذ من ماله ومن أدبه
فقال له محمد: كأني بك قد قلت:
نأخذ من ماله ونسخر به
فلجلج أبو تمام فقال: يا بن الفاعلة. لقد كنت أستقل لك مائة ألف درهم. وأمر له بعشرة آلاف درهم.
وكان
العباس بن محمد بن علي من مشايخ بني هاشم، وكان أسرى أهل عصره، وكان لبسه
من الثياب التي ينسجها أولاد عبيده، وكذلك جميع ما يفرشه، ولا يخدمه في
سائر خدمته غيرهم، وكان لا يأكل من النخل ومن سائر الفواكه إلا ما كان من
غرسه.
وكان ابنه إسحق يرمي بالواط. وحج مرة فرجع الناس وهم يتحدثون
بأن غلاماً له كان يعادله نهارا، فإذا كان الليل صار معه في شق محمل، ووضعت
حيالهما صخرة بوزنهما.
ورأى أبوه العباس يوما غلاما له، وقد كشف الريح
قباءه، فإذا عليه سراويل وشي إسكنرداني منسوجٍ بالذهب فقال لاسحق: أكان
العباس ابن عبد المطلب لوطياً؟ قال: معاذ الله. قال: أفعبد اله بن العباس؟
قال: معاذ الله. قال أفعلي بن عبد الله؟ قال: لا والله. قال: أفعرفت في
شيئاً منها؟ قال: المير أجل ديناً ومروءةً من ذاك. قال: فما دعاك إليه؟
قال: مكذوبٌ على بما يضاف إليه مني. قال: والله ما كسا أحدٌ غلامه هذه
الكسوة إلا وهو مريب. فأراد إٍحق أن يحلف فقال له: لا تحلف. فواللله لئن لم
يكن هذا لما اتهمت به إنه لأعظم قبحاً منه. فأمسك وتب إلى الله. قال: أنا
تائب إلى الله من جميع الذنوب.
قال العباس: قبح الله ابنهرمة، فلقد
حرمنا من أمير المؤمنين خيراً كثيراً. كنا نساله الشيء فيأباه، فنعاوده فيه
فيفعل ما نريد حتى قال ابن هرمة:
إذا ما أتى شيئاً، مضى كالذي أتى ... وإن قال إني فاعلٌ فهو فاعل.
فكان إذا عاودناه في شيءٍ قال لنا: فلست إذاً كما قال ابنهرمة، وأنشد هذا البيت، وكان يشاورنا في اموره إلى أن قال ابنهرمة:
إذا ما أراد الأمر ناجى ضميره ... فناجى ضميراً غير مضطرب العقل
ولم يشرك الدنين في جل رأيه ... إذا اضطربت بالحائرين قوى الحبل
فخضنا بالقول في ألا يشاورنا، فكان لا يشاورنا بعد ذلك.
كان
عبد الصمد بن علي ثقيل الرجل، لا يقدم على أحد من أهل بيته إلا مات، فقدم
على أخيه سليمان بن علي بالبصرة، فاعتل ومات، فصلى عليه، ثم رحل، وقدم
البصرة بعد مدة ومحمد بن سليمان صحيحٌ، فاعتل يوم قدومه ومات، فصلى عليه،
ثم قدم وجعفر بن سليمان صحيح، فاضطرب وقال: لأمر ما قدم عمي، فاعتل، واشتد
جزعه، ثم عوفى، فتصدق بمائة ألف دينارٍ.
ولما مات عبد الصمد قال الرشيد: الحمد لله الذي أمات عنوان الموت. لا يحمل عمي غيري. فكان أحد حملته إلى حفرته.
وقد
روى أيضاً أنه مات جعفر، وقد قدم عليه عبد الصمد وأن إسماعيل ابن جعفر كان
يقول: ما رأيت أشأم منه، وإنه عمي في ذلك الوقت. فقال إسماعيل: أخذنا بعض
ثأرنا.
وولى عبد الرحمن بن جعفر اليمن، وكان وعد أبا زيد، عمر بن شبة أن
يحسن إليه إذا ولي. فلما ولي قال: يا أبا زيد، ليس بعد اليمن شيء وكان
يرسل بالبرود وغيرها، فيقال له: اذكر أبا زيد. فيقول: أبو زيد إلى الدنانير
أحوج؛ فلما طال ذلك كتب إليه: قد رضيت من ولايتك بشراك نعلٍ. قال عمر:
فكتب إلى: ما رأيتك في شيء أعقل منك في هذا علمت ما تستحق فرضيت به.
كان
جعفر بن سليمان بن علي يشغف بجاريةٍ كانت من أحسن فتيات عصرها وجهاً
وغناءً وضرباً، ثم اشتراها بعشرة آلاف دينار، ومائتي ناقة، وأربعة أعدٍ من
النوبة يرعونها - فإن مولاتها استامت فيها ذلك - وحظيت عنده وولدت منه سيد
أهله في زمانه أحمد بن جعفر. وكان بلغ عبد الملك بن صالح شغفه بها، فكتب
إليه: خصك الله يا أخي بالتنبه على حظك، وأقبل بك إلى رشدك، وأنقذك من شر
هوى نفسك. إني لما نأت عني دارك، وانقطعت أخبارك استهديت ممن يراعى أمورك
ما انطوى عني من تصرفك في أحوالك، لأن نفسي لم تزل موكلةً بالشفقة عليك،
والمراعاة لأمورك. فأتاني عنك أنك سمحت بنفسك وجليل قدرك، ونبيه ذكرك،
وعالي شرفك وما ورثته من دينك ومروءتك عن سلفك، في طاعة هواك، وأنك وهبت
كلك لمن لم يهب بعضه لك، وآثرت لذة امتزج ظاهرها بموافقتك وكمنت في عواقبها
المكارة لك. فليتك إذ طغت نفسك، ولم تجنح ما يزينك أغليت السوم بنفسك،
وصرفتها إلى من يستحقك. ولئن كنت رأيت ما بذلته من نفسك وافياً بقيمة من
سمحت به له، لقد رأيت نفسك بعين غير صادقة التخيل، وقومتها بقيمةٍ مبخوسة
القدر، فليت شعري من أين أتاك سوء الاختيار؟ أمن طاعتك التصابي؟ أم منقبولك
مشروة وسيط. فلعمري إنه لضد الناصح الأمين. أم أحدثت لك هذا الرأي سورة
الشراب، وارتياح الطرب، والإصغاء إلى اقتران غزل الشعر بنغم الأوتار،
وامتزاج رقيق المعاني بسحر الأغاني؟ فلقد حكمت غير العدل، وآثرت غير
المستحق للأثرة. وهلا فكرت في أنك قد ملكت قيادك قينة أنت بالتهمة لها أولى
من الثقة بها. ولم حملتها على الشاذ من وفاء القيان؟ ولم تتحرز فيها من
مشهور غدرهن. أما والله لئن راجعت رأيك، وتدبرت مشورتي عليك لتعلمن أني لك
أنصح من نفسك ومن نضحائك، ولئن أقمت على تماديك إن المصيبة بك لعظيمةٌ مع
عظم قدرك في أنفسنا، وسعة آمالنا لك وبك وفيك. والله يوفقك لما هو أولى بك
وأشبه بقدرك والسلام.
فلما وصلت إلى جعفر هذه الرسالة أقامته وأقعدته. ولم يقدر على إجابة عبد الملك بشيء، وكان بينهما خصوصٌ ولصوقٌ شديدٌ فباعها.
أمر
المهدي عبد الصمد بن علي أن يقسم في أهل مكة مائة ألف درهم، فحواها ولم
يعطهم شيئاً. فلما عزل وخرج صرخوا به: " أيتها العير إنكم لسارقون " . فقال
ياأولاد الزنا. ماذا تفقدون؟ قالوا: مائة ألف درهم أمرك أمير المؤمنين
بقسمتها في أهل مكة. فقال أنا البطحاء وأنا مكة وأنا زمزم، فإذا قسمتها في
داري فقد قسمتها في أهل مكة.
ولعبد الصمد عجائب منها: أن أسنانه كانت قطعة واحدةً، ودخل قبره بأسنانه التي ولد بها؛ لم ينبت له سن ولم يثغر.
ومنها
أنه حج بالناس في سنة سبعين ومائة. وحج يزيد بن معاوية بهم سنة خمسين
وبينهما مائة وعشرون سنة، وهما في القعدد سواء في النسب إلى عبد مناف.
ومنها أنه دخل سربا فطارت ريشتان فلصقتا بعينيه، فذهب بصره.
ومنها
أنه كان يوما عند الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مجلسٌ فيه عمك، وعم
عمك وعم عم عمك، يعني سليمان بن أبي جعفر عم الرشيد، والعباس بن محمد عم
المهدي وهو عم سليمان، وعبد الصمد وهو عم العباس وعم المنصور.
قيل: إن أم عبد لاصمد هي كثيرة التي قال فيها ابن الرقيات
عادله من كثيرة الطرب
وكان مستترا عندها في اول خلافة عبد الملك وأحسنت إليه ويجب أن تكون ذلك الوقت امرأة برزة.
ومات عبد الصمد في سن خمس وثمانين ومائة، وبين ذلك وبين استتارة مائة وعشرون سنة وقيل هو أول من سمى عبد الصمد.
قال
الجاحظ: لما أتى عبد الملك بن صالح وفد الروم وهو في البلاد أقام على رأسه
رجالا في السماطين لهم قصر وهامٌ، ومناكب وأجسامٌ، وشوارب وشعورٌ، فبينما
هم قيامٌ يكلمونه، ووجه رجلٍ منهم في قفا البطريق إذ عطس عطسة ضئيبةً فلحظه
عبد الملك فقلم يدر أي شيء أنكر عليه، فلم خرج الوفد قال له: ويلك. هلا إذ
كنت ضيق المنخركز الخيشوم اتبعتها بصيحةٍ تخلع بها قلب العلج.
وقال: ما
الناس إلى شيء أحوج منهم إلى إقامة ألسنتهم التي بها يتعارفون الكلام،
ويتعاطون البيان، ويتهادون الحكم، ويستخرجون غوامض العلم من مخابئها،
ويجمعون منها. إن الكلام فاضٍ يحكم بين الخصوم، وضياءٌ يجلو الظلم حاجة
الناس إلى مواده كحاجتهم إلى مواد الإغذية.
وقال الجاحظ: حدثني
إبراهيم بن السندى، قال: سمعت عبد الملك يقول بعد إخراج المخلوع له من حبس
الرشيد - وذكر ظلم الرشيد له، وإقدامه عليه. وكان يأنس به، ويشق بمودته
وعقله. والله إن الملك لشيءٌ ما نويته ولا تمنيته ولا تصديت إليه ولا
تبعته. ولو أردته لكان أسرع إلى من السيل إلى الحدور، ومن النار في يابس
العرفج وإني لمأخوذٌ بما لم أجن، ومسئولٌ عما لا أعرف، ولكن حين رآني للملك
أهلاً، ورأى للخلافة خطراً وثمناً، ورأى أن لي يداً تنالها إذا مدت
وتبلغها إذا بسطت، ونفسا تكمل لها بخصالها وتسحقها بخلالها، وإن كنت لم
أختر تلك الخصال، ولا اصطنعت تلك الخلال، ولم ارشح لها في سر، ولا أشرت
إليها في جهر، ورآها تحن إلى حنين الواله، وتميل نحوي ميل الهلوك. وخاف أن
ترغب إلي خيرٍ مرغب. وتنزع إلى أحصن منزع، عاقبني عقاب من قد سهر في طلبها،
ونصب في التماسها وتقدر لها بجهده، ونهيأ لها بكل حيله. فإن كان إنما
حبسني على أني أصلح لها لي، وأليق بها وتليق بي، فليس ذلك بذنبٍ فأتوب منه،
ولا تطاولت له فأحط نفسي عنه. فإن زعم أنه لا صرف لعقابه، ولا نجاة من
أعطايه إلا بأن أخرج له من الحلم والعلم، ومن الحزم والعزم، فكما لا ستطيع
المضياع أن يكون حافظاً كذلك العاقل لا يستطيع أن يكون جاهلاً. وسواء
عاقبني على عقلي وعلمي أم على نسبي وسبي، وسواء عاقبني على خلالي أو على
طاعة الناس لي. ولو أردتها لأعجلته عن التفكر، ولشغلته عن التدبر، ولما كان
فيه من الخطار إلا اليسير، ومن بذل الجهد إلا القليل.
تم الجزء الأول بحمد الله.
//بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وأنطقنا بأفصح الكلام،
وأنقذنا من ظلمة الشرك، وحيرة الشك بمحمد نبيه خير الأنام، وعترته الأعلام
صلى الله عليه وعليهم صلاة يستحقها بفضله وكرامته، ويستحقونها بقرباه
وولادته.
اللهم كما اجتبيته من خلقك، وهديته بهديك ووفقته لأداء حقك،
وأكرمته برحيك، وأيدته بنصرك، وأرسلته إلى الأحمر والأسود من أهل أرضك،
بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، على حين فترة من
الرسل، وحيرة من أهل الملل، وتحريف منهم للمتلو عليهم المنزّل، وحين رفع
الشرك معالمه، وشيّد قوائمه ودعائمه، ونشر في الأفق خوافيه وقوادمه، وطبق
منه الأرض طخياء لا يلمع لها نار، ولا يرفع بها منار، قد تبع أهله الشيطان
فأرادهم، وأطاعوه فأغواهم، فعبدوا الأوثان من دونك، وجعلوا لك شركاء من
خلقك، فصدع عليه السلام بأمرك، وقام بفرضك ودعا إلى طاعتك، ونهى عن معصيتك
وبشر برحمتك، وأنذر بسطوتك وندب الخلق إلى ما شهدت به لنفسك، وشهدت به
ملائكتك لك: أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، ولم يزل يدعو إلى دينك
حتى بلغ ضوءه، ثم استطار شعاعه، ونجم روقه، ثم امتد رواقه، واخضل نداه، ثم
استبحر غديره، واخضر ثراه، ثم استداح شكيره، وحتى ظهر على الدين كله ولو
كره الكافرون.
اللهم كما فعل ذلك فافعل به ما هو أهله، وأوله ما يستحقه،
واحفظه في سنته، بحفظها على أمته، واخلفه فيها وفيهم بالإظهار والإدامة،
كما وعدته إلى يوم القيامة، واجزه عن عبادك جزاء من أنقذهم من النار،
وأنجاهم وهم على شفا جرف هار.
اللهم أنت الجواد الواحد، لا تعدم فتبخل،
والحليم القادر لا تفات فتعجل، عليك التكلان، وأنت المستعان، وبك التوفيق
والعصمة، ومنك الحول والقوة، وفضلك المرجوّ، وعدلك المخوف.
اللهم فلا
تتجاوز بذنوبنا الفضل إلى العدل، وبأعمالنا العفو إلى الجزاء، واغفر لنا
بإحسانك الذي وسع جميع الخلائق، ولا تكلنا إلى ما نستحقه بأعمالنا فإنا لا
نصبر على الحق، إليك المشتكي من أنفسنا الأمارة بالسوء، المتبابعة لكل عدو،
من هوى يردى، وشيطان يغوى، وأمل يضر، وعمل يغر، وزخارف دنيا أولها غرور،
وآخرها هباء منثور. فأعنا على أنفسنا بعصمتك، وأعذنا من كيد الشيطان
برحمتك، واجعل قولنا وفعلنا سددا، وهيئ لنا من أمرنا رشدا، ويسرنا لليسرى،
واختم لنا بالحسنى، فلا قنوط من رحمتك، ولا يأس من روحك، إنه لا ييئس من
روح الله إلا القوم الكافرون.
هذا هو الفصل الثاني من كتاب نثر الدر،
وكنا وعدنا أن نخلط الجد بالهزل، والجيد بالرذل، والحكم بالملح، والمواعظ
بالمضاحك، ليكون ذلك استراحة للقارئ، تنفى عنه الملل والسآمة، وتشحذ الطبع
والقريحة، وتروح القلب، وتشرح الصدر، وتنشر الخاطر، وتذكى الفهم، فإن القلب
إذا أكره عمي، والخاطر إذا مل كلّ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "
إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق " . وقال عليه السلام: " بعثت
بالحنيفية السهلة " . وقال علي: لا بأس بالفكاهة يخرج بها الرجل من حد
العبوس. وكان ابن عباس إذا أكثر عليه من مسائل القرآن والحديث يقول: "
أحمضوا " يريد: خذوا في الشعر وأخبار العرب. وقال أبو الدرداء: " إني لأجم
نفسي بشيء من الباطل ليكون أقوى لها على الحق " . وفي حديث زيد بن ثابت "
أنه كان من أفكة الناس إذا خلا مع أهله، وأزمتهم في المجلس " . وقال عطاء
بن السائب: " كان سعيد بن جبير يقص علينا حتى يبكينا، وربما يقص علينا حتى
يضحكنا " . وقال الزهري: " الأذن مجاجة، وللنفس حمضة " .
وبعد، فإن الذي
يأتي في أثناء هذا الكتاب من الهزل ربما صار داعية لطالبه إلى أن يتصفح ما
قبله من الجد، فيعلق منه بقليه ما ينتفع به، ويذوق حلاوة ثمرته، ويعرف به
قبح ضده، حتى يصير ذلك لطفاً في النزوع عن تماديه في غيّه، وتهوكه في هزله،
وأدنى ما فيه أن يتنزه عن مثله، ويتحامى أن يبدر منه ما عيب على غيره من
فعله، فليس يخلو ذلك من نادرة ماجن لا يتحاشى من باطله، أو فلتة مغفل يرمى
غير غرضه. وأخليت الفصل الأول من هذه النوادر والملح؛ لأني كرهت أن أفصل
بها بين كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وعترته، وبين كلام أصحابه
وحفدته، الذين واسوه بأنفسهم وأموالهم، وأطاعوه في أقوالهم وأفعالهم،
وهجروا له أوطانهم وبلادهم، وقاتلوا معه إخوانهم وأولادهم، ووقوه بأنفسهم
حر الجلاد، وجاهدوا معه في الله حق الجهاد، حتى ظهر دين الله، وعلت كلمة
الله، وحتى وضح الصبح لذي عينين، ببدر وأحد وحنين.
فقدمت كلام أبي بكر
الصديق، إذ كان المتقدم لكل ذي صحبة، والسابق الأول من غير كبوة، قاتل أهل
الردة الكفار، وثاني اثنين إذ هما في الغار، وأتبعته بكلام عمر بن الخطاب
القوي الأمين، الذي لم تغمز قناته في ذات الله، ولم تأخذه هوادة في دين
الله، درت عليه أفاويق الدينا، وألقت إليه كنوز القرون الأولى، فقبض ولم
يقبض، وقضم ولم يخضم، ورضف ولم يعب، حتى فارقها خميص البطن من حطامها، خفيف
الظهر من آثامها.
ثم كلام عثمان بن عفان ذي السابقة والصهر الكريم، وجامع القرآن والذكر الحكيم.
ثم
أوردت لمعاً من كلام سائر الصحابة من غير تقديم للأفضل فالأفضل، ولا ترتيب
للأقدم فالأقدم والأقرب فالأقرب، بل على ما اتفق وبحسب ما اتسق. وذكرت
مواعظ ونكتاً من كلام عمر بن عبد العزيز، فإنه وإن لم يدرك شأو المذكورين،
فإنه غبر في وجوه أهله المطعونين، وكلامه أشبه بكلام الصدر القديم، وأحرى
ألا يكون مصدره إلا عن الصدر السليم.
وختمت الفصل بأبواب تشتمل على نوادر مليحة، ومضاحك لطيفة.
الفصل الثاني
وهذا الفصل يشتمل على عشرة أبواب: الباب الأول: كلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه.الباب الثاني: كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الباب الثالث: كلام عثمان بن عفان رضي الله عنه.
الباب الرابع: كلام سائر الصحابة رحمهم الله ورضي عنهم.
الباب الخامس: كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
الباب السادس: مزح الأشراف والأفاضل.
الباب السابع: الجوابات المستحسنة جداً وهزلاً.
الباب الثامن: نوادر المتنبئين.
الباب التاسع: نوادر المدينيين.
الباب العاشر: نوادر الطفيليين والأكلة.
الباب الأول من الفصل الثاني:
في كلام أبي بكر الصديق
رحمة الله عليه ورضى الله عنه:
خطب
يوماً، فلما فرغ من الحمد لله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إن أشقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك " . فرفع الناس رؤوسهم. فقال:
ما لكم معاشر الناس؟ إنكم لطعانون عجلون، إن الملك إذا ملك زهده الله فيما
في يديه، ورغبه فيما في يدي غيره، وانتقصه شطر أجله، وأشرب قلبه الإشفاق،
فهو يحسد على القليل، ويتسخط الكثير، ويسأم الرخاء، وتنقطع عنه لذة البهاء،
لا يستعمل الغيرة، ولا يسكن إلى الثقة. هو كالدرهم القسي، والسراب الخادع،
جذل الظاهر، حزين الباطن، فإذا وجبت نفسه، ونضب عمره، وضحا ظلّه، حاسبه
الله، فأشد حسابه، وأقل عفوه.
ألا إن الأمراء هم المحرومون، إلا من آمن بالله، وحكم لكتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنكم
اليوم على خلافة نبوه، ومفرق محجة، وسترون بعدي ملكاً عضوضاً، وملكاً
عنوداً، وأمة شعاعاً، ودماً مفاحاً، فإن كانت للباطل نزوة ولأهل الحق جولة
يعفو لها الأثر، وتموت السنن، فالزموا المساجد، واستشيروا القرآن، والزموا
الجماعة، وليكن الإبرام بعد التشاور، والصفقة بعد طول التناظر. أي بلادكم
خرشنة؟ فإن الله سيفتح عليكم أقصاها، كما فتح عليكم أدناها.
ومن كلامه أنه أخذ يوماً بطرف لسانه وقال: هذا الذي أوردني الموارد.
وقدم وفد من اليمن عليه، فقرأ عليهم القرآن فبكوا فقال: " هكذا كنا حتى قست القلوب " . وقال: " طوبى لمن مات في نأنأة الإسلام " .
ولما
قال أحباب بن المنذر يوم السقيفة: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، إن
شئتم كررناها جذعة. منا أمير ومنكم أمير، فإن عمل المهاجري شيئاً في
الأنصاري رد عليه الأنصاري، وإن عمل الأنصاري شيئاً في المهاجري رد عليه
المهاجري.
فأراد عمر الكلام، فقال أبو بكر: على رسلك. نحن المهاجرون،
وأول الناس إسلاماً، وأوسطهم داراً وأكرم الناس أحساباً وأحسنهم وجوهاً،
وأكثر الناس ولادة في العرب، وأمسهم رحماً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسلمنا قبلكم وقدمنا في القرآن عليكم، فأنتم إخواننا في الدين، وشركاؤنا في
الفيء، وأنصارنا على العدو. آويتم وواسيتم ونصرتم، فجزاكم الله خيراً. نحن
الأمراء وأنتم الوزراء. لا تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش، وأنتم
محقوقون ألا تنفسوا على إخوانكم المهاجرين ما ساق الله إليهم.
ومن كلامه
ذلك اليوم: نحن أهل الله، وأقرب الناس بيتاً من بيت الله، وأمس الناس
رحماً برسول الله صلى الله عليه وسلم، إن هذا الأمر إن تطاولت له الخزرج لم
تقصر عنه الأوس، وإن تطاولت له الأوس لم تقصر عنه الخزرج، وقد كان بين
الحيين قتلى لا تنسى، وجراح لا تداوى، فإن نعق منكم ناعق فقد جلس بين لحيي
الأسد يضغمه المهاجري، ويجرحه الأنصاري. قال ابن دأب: فرماهم الله
بالمسكتة.
حدث سفيان بن عيينة لما قال عمر لأبي بكر: استخلف غيري. قال أبو بكر: ما حبوناك بها، وإنما حبوناها بك. ثم أنشد سفيان قول الحطيئة:
لم يؤثروك بها إذ قدموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الإثر
وقيل له في مرضه: لو أرسلت إلى الطبيب! قال: قد رآني. قيل: فما قال؟ قال: قال إني أفعل ما أشاء.
وقال لخالد بن الوليد حين أخرجه إلى أهل الردة: احرص على الموت توهب لك الحياة.
أقبل
رسول الله صلى الله عليه وسلم مردفاً أبا بكر، فكان الرجل يلقى أبا بكر
فيقول: من هذا بين يديك؟ فيقول: يهديني السبيل. يعني الحق.
ولما أسلم
قالت قريش: قيضوا لأبي بكر رجلاً يأخذه. فقيّضوا له طلحة بن عبيد الله،
فأتاه وهو في القوم فقال: يا أبا بكر إليّ. قال: إلام تدعوني؟ قال: أدعوك
إلى عبادة اللات والعزى. فقال أبو بكر: من اللات والعزى؟ قال: بنات الله.
قال: فمن أمهن؟ فسكت. وقال لأصحابه: أجيبوا صاحبكم. فسكتوا فقال طلحة: يا
أبا بكر فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فأخذ أبو بكر
بيده، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وقد أسلم.
ولما استخلف أبو بكر قال للناس: شغلتموني عن تجارتي فافرضوا لي. ففرضوا له كل يوم درهمين.
ولما
أرادوه على البيعة قال: علام تبايعونني، ولست بأقواكم ولا أتقاكم؟ أقواكم
عمر، وأتقاكم سالم. وكان إذا مدح يقول: اللهم أنت أعلم مني بنفسي، وأنا
أعلم منهم بنفسي، اللهم اجعلني خيراً مما يحسبون، واغفر مالا يعلمون، ولا
تؤاخذني بما يقولون.
وعهد عند موته فكتب: هذا ما عهد أبو بكر خليفة
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا، وأول عهده
بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتقي فيها الفاجر. إني استعملت
عليكم عمر بن الخطاب، فإن برّ وعدل فذاك علمي به، ورأيي فيه، وإن جار وبدل
فلا علم لي بالغيب، والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب من الإثم، وسيعلم الذين
ظلموا أي منقلب ينقلبون.
وروي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: دخلت عليه
في علته التي مات فيها، فقلت: أراك بارئاً يا خليفة رسول الله. فقال: أما
إني على ذلك لشديد الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من
وجعي، إني وليت أموركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من
دونه. والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير، ولتألمن النوم على الصوف
الأذربي ما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان. والذي نفسي بيده لأن يقدم
أحدكم فتضرب عنقه في غير حق خير له من أن يخوض غمرات الدنيا. يا هادي
الطريق جرت، إنما هو والله الفجر أو البجر.
فقلت: خفّض عليك يا خليفة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا يهيضك إلى ما بك، فوالله ما زلت
صالحاً مصلحاً لا تأسى على شيء فتك من أمر الدنيا، ولقد تخليت بالأمر وحدك
فما رأيت إلا خيراً.
بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أقواماً يفضلونه
على أبي بكر رضي الله عنه، فوثب مغضباً حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى
عليه وصلى على رسوله، ثم أقبل على الناس فقال: إني سأخبركم عني وعن أبي
بكر: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، ومنعت شاتها
وبعيرها، فأجمع رأينا كلنا أصحاب محمد أن قلنا: يا خليفة رسول الله، إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقاتل العرب بالوحي والملائكة يمده اللهم
بهم، وقد انقطع ذلك اليوم، فالزم بيتك ومسجدك، فإنه لا طاقة لك بالعرب.
فقال أبو بكر: أو كلكم رأيه هذا؟ فقلنا: نعم. فقال: والله لأن أخرّ من
السماء فتخطفني الطير أحب إليّ من أن يكون هذا رأيي.
ثم صعد المنبر،
فحمد الله وأثنى عليه وكبره، وصلى على النبي عليه السلام، ثم أقبل على
الناس فقال: أيها الناس؛ من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان
يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت. أيها الناس؛ ألأن كثر أعداؤكم وقل عددكم
ركب الشيطان منكم هذا المركب؟ والله ليظهرن الله هذا الدين على الأديان
كلها ولو كره المشركون. قوله الحق ووعده الصدق: " بل نقذف بالحق على الباطل
فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون " و " كم من فئة قليلة غلبت فئة
كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " .
أيها الناس. لو أفردت من جمعكم
لجاهدتم في الله حق جهاده حتى ابلغ من نفسي عذراً، أو أقتل مقتلاً. أيها
الناس؛ لو منعوني عقالاً لجاهدتم عليه، واستعنت بالله فإنه خير معين.
ثم نزل فجاهد في الله حق جهاده حتى أذعن العرب بالحق.
وقال لأبي بكر رجل: والله لأشتمنك شتماً يدخل معك قبرك. قال: " معك يدخل والله لا معي " .
وقال:
والله إن عمر لأحب الناس إليّ. ثم قال: كيف قلت؟ فقالت عائشة: قلت: والله
إن عمر لأحب الناس إليّ. فقال: اللهم أعزّ الولد ألوط.
ومر بعبد الرحمن ابنه وهو يماظّ جاراً له، فقال: لا تماظّ جارك فإنه يبقى ويذهب الناس.
وشكي
إليه بعض عماله، فقال: أنا اقيد من وزعة الله؟ وكان من كلامه في خطبته يوم
الجمعة: الوحاء الوحاء النجاء النجاء. وراءكم طالب حثيث مره سريع. تفكروا
عباد الله، فيمن كان قبلكم: أين كانوا أمس؟ وأين هم اليوم؟ أين الشباب
الوضاء المعجبون بشبابهم، صاروا كلا شيء. أين الملوك الذين بنوا الحوائط
واتخذوا العجائب؟ فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا، وهم في ظلمات القبور، " هل
تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً " أين الذين كانوا يعطون الغلبة في
مواطن الحرب؟ تضعضع بهم الدهر وصاروا رميماً. أين من كنتم تعرفون من آبائكم
وأبنائكم، وإخوانكم وقراباتكم؟ وردوا على ما قدموا، وخلوا يالشقاوة
والسعادة فيما بعد الموت.
اعلموا عباد الله أن الله ليس بينه وبين أحد
من خلقه نسب يعطيه خيراً، ولا يدفع عنه ضراً إلا بطاعته، واتباع أمره. فإن
أحببتم أن تسلم دنياكم وآخرتكم فاسمعوا وأطيعوا، ولا تفرقوا فتفرق بكم
السبل، وكونوا إخواناً كما أمركم الله. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي
ولكم.
لما قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. قال أبو بكر رضي الله
عنه: إنا معشر هذا الحي من قريش أكرم الناس أحساباً، وأثقبهم أنساباً، ثم
نحن بعد عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خرج منها، وبيضته التي
تفقأت عنه، وإنما جيبت العرب عنا كما جيبت الرحا عن قطبها.
وقال له عبد الرحمن ابنه: لقد أهدفت لي يوم بدر فضفت عنك، فقال له أبو بكر: لكنك لو أهدفت لي لم أضف عنك.
ورأى أبا ذر فحنا عليه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قال فيك، فأعوذ الله أن أكون صاحبك.
وقال:
كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزل: " من يعمل سوءاً يجز به "
فاقرأنيها، فلا أعلم إلا وجدت لها انقصاماً في ظهري حتى تمطيت لها.
ومر بحسن بن علي رضي الله عنهما يلعب مع الصبيان فاحتمله. وقال: بأبي شبيه النبي ليس بشبه لعلي.
وقام عمر يوم الحديبية وأنكر الصلح، فقال أبو بكر: استمسك بغرزه، فإنه على الحق.
وخطب
فقال: إنكم تقرءون هذه الآية " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " . وإني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه
يوشك أن يعمهم الله بعقاب " .
وقال لعائشة: انظري ما زاد في مالي مذ دخلت هذه الإمارة فرديه إلى الخليفة بعدي، فإني كنت نشحتها جهدي إلا ما كنا نصيب من ودكها.
وقال
في خطبة: تعلموا أن أكيس الكيس التقي، وأن أعجز العجز الفجور، وأن أقواكم
عندي الضعيف حتى أعطيه حقه، وأن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق. أيها
الناس؛ إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإذا أحسنت فأعينوني، وإذا زغت فقوموني.
وقال في خطبة: إنكم في مهل وراءه أجل، فبادروا في مهل آجالكم، قبل أن تقطع آمالكم فتردكم إلى سوء أعمالكم.
وخطب
فقال: أوصيكم بتقوى الله، أن تتقوه، وتثنوا عليه بما هو أهله، إنه كان
غفاراً، وأن تخلصوا لله اليقين فيما بلغكم في كتابه، فإنه أثنى على زكريا
وأهل بيته، فقال: " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً
وكانوا لنا خاشعين " . ثم اعلموا عباد الله أن قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ
على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي. هذا كتاب
الله بينكم، لا يطفأ نوره، ولا تنفد عجائبه، فاستنصحوا كتابه، واتبعوا
كلامه، واستضيئوا منه ليوم ظلمتكم، فإنما خلقكم لعبادته، وأمركم بطاعته،
وقد وكل بكم كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون.
ثم اعلموا عباد الله أنكم
تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضى آجالكم وأنتم
في عمل الله فافعلوا، ولن تنالوا ذلك إلا بالله. سارعوا في مهل آجالكم قبل
أن تنقضي أعماركم فيريكم سوء أعمالكم.
وقال في خطبة له في الردة: والله
لا نبرح نقوم بأمر الله، ونجاهد في سبيل الله حتى ينجز لنا وعده، ويفي لنا
بعهده، فيقتل من يقتل منا شهيداً من أهل الجنة، ويبقى من بقي منا خليفة في
أرضه. وعد الصدق لا خلف له، قال الله عز وجل: " وعد الله الذين آمنوا منكم
وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن
لهم دينهم الذي ارتضى لهم " . فانهضوا عباد الله إلى ما دعاكم الله إليه من
غنيمته، وسارعوا إلى ما وعدكم من جنته وأستغفر الله لي ولكم.
وأوصى
خالد بن الوليد حين خروجه إلى اليمامة فقال: يا خالد، إنك تخرج مجاهداً،
دينك ودنياك بين عينيك، وقد وهبن نفسك لله عز وجل، ثم أعطاك عليها فربحت
تجارتك ببياعتك. فسر إلى عدو الله على بركة الله، واعلم أن خير الأمرين لك
أبغضهما إليك.
وقال لعكرمة حين وجهه إلى عمان: سر على بركة الله، ولا
تنزلن على مستأمن، ولا تؤمنن على حق مسلم. وقدم النذر بين يديك. ومهما قلت
إني فاعل فافعل، ولا تجعل قولك لغواً في عفو ولا عقوبة، فلا ترجى إذا أمنت،
ولا تخاف إذا خوفت، ولكن انظر متى تقول وما تقول، ولا تعذب على معصية
بأكثر من عقوبتها، فإنك إن فعلت اثمت، وإن تركت كذبت، ولا تؤمّنن شريفاً
دون أن يكفل بأهله، ولا تكلّفنّ ضعيفاً أكثر من نفسه، واتق الله إذا لقيت،
وإذا لقيت فاصبر.
وقال أبو بكر رضي الله عنه: من أوتي القرآن فرأى أن
أحداً أوتي أكثر مما أوتي فقد صغّر عظيماً. يقول الله عز وجل: " ولقد
آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم " .
وقال لما احتضر لعمر: يا
عمر، إن لله حقاً بالليل لا يقبله إلا بالليل، وإن الله لا يقبل نافلة حتى
تؤدى فريضته، فكن مؤمناً راغباً راهباً، فلا ترغبن رغبةً تمنى على الله عز
وجل فيها ما ليس لك، ولا ترهبنّ رهبة تلقى بها بيديك إلى التهلكة.
ثم
قال: إن أول ما أحذرك نفسك وهؤلاء الرهط من المهاجرين، فإنهم قد انتفخت
أوداجهم وطمحت أبصارهم، وتمنى كل امرئ منهم لنفسه. وإن لهم نحيرة ينحرونها
عن زلة منه ومنهم، فلا تكوننه، فإنهم لن يزالوا فرقين منك ما فرقت من الله
عز وجل فيما بيّن لك.
وروي أنه قال: إني مستخلفك من بعدي، وموصيك بتقوى
الله، فإن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله
بالليل، وإنه لا يقبل نافلةً حتى تؤدى فريضته، وإنما ثقلت موازين من ثقلت
موازينهم يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان
يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلاً، وإنما خفّت موازين من خفت موازينهم يوم
القيامة باتباعهم الباطل، وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل
أن يكون خفيفاً. إن الله ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن
سيئاتهم، فإذا ذكرتهم أقول: إني أرجو أن أكون من هؤلاء، وذكر أهل النار
فذكرهم بأسوء أعمالهم ولم يذكر حسناتهم، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأخاف أن
أكون من هؤلاء. وذكر الرحمة مع آية العدل ليكون العبد راغباً راهباً لا
يتمنى على الله عز وجل غير الحق، ولا يلقي بيده إلى التهلكة. فإن حفظت
وصيتي فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت، وهو آتيك، وإن أضعت وصيتي فلا
يكونن غائب أبغض إليك من الموت، ولست بمعجز الله عز وجل.
وروي أنه لما أراد الوصية قال لعثمان: اكتب. فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا
ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة في أول عهده بالآخرة داخلاً فيها. وآخر
عهده بالدنيا خارجاً منها، حيث يصدق الكاذب، ويؤمن الكافر الجاحد: إني
استخلفت عليكم من بعدي. قال: ثم أدركته غشية، فلما أفاق قال: ما كتبت؟ قلت:
كتبت عمر بن الخطاب. قال: موفّقاً رشيداً، أما إنك لو تركته ما عذرتك.
وكان
إذا عزى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجزع فائدة، والموت اشد
ما قبله وأهون ما بعده، واذكروا فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم تذل
عندكم مصيبتكم، وعظم الله أجركم.
ومر به رجل ومعه ثوب، فقال: أتبيع
الثوب؟ فقال: لا، عافاك الله. فقال أبو بكر رضي الله عنه: قد علمتم لو
تعلمون. قل: لا، وعافاك الله.
وقال: أربع من كن فيه كان من خيار عباد الله: من فرح للتائب، واستغفر للمذنب، ودعا للمدين، وأعان المحسن على إحسانه.
الباب الثاني:
من كلام عمر بن الخطاب
رضي الله عنه:
قال رضي الله عنه في أول خطبة خطبها بعد أن حمد الله، وأثنى عليه، وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إنه والله ما فيكم أحد أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له، ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه، ثم نزل.وكتب إلى أبي موسى الشعري، وهي رسالته المشهورة في القضاء: سلام عليك. أما بعد؛ فإن الفضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له.
آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك.
البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحلّ حراماً أو حرم حلالاً.
لا يمنعك قضاء قضيته اليوم، فراجعت فيه عقلك، وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.
الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم اعرف الأشباه والأمثال، فقس الأمور عند ذلك بنظائرها، واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحقق، واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أو بينة أمداً ينتهى إليه، فإن أحضر بينته أخذت له بحقه، وإلا استحللت عليه القضية فإنه أنفى للشك، وأجلى للعمى.
المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد، أو مجرباً عليه شهادة زور، أو ظنيناً في ولاد أو نسب، فإن الله تولى منكم السرائر، ودرأ بالبينات والأيمان.
وإياك والغلق والضجر والتأذي بالخصوم والتنكر عند
الخصومات؛ فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر، ويحسن به الذخر. فمن
صحت نيته وأقبل على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلق للناس
بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شانه الله. فما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه
وخزائن رحمته؟.
واستكتب أبو موسى نصرانياً فكتب إليه عمر: اعزله
واستعمل حنيفياً. فكتب إليه أبو موسى: إن من غنائه وخبره كيت وكيت. فكتب
إليه عمر رضي الله عنه: ليس لنا أن نأتمنهم وقد خونهم الله، ولا أن نرفعهم
وقد وضعهم الله، ولا أن نستنصحهم في الأمر وهم يرون الإسلام قد وترهم،
ويعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
فكتب إليه أبو موسى: إن البلد لا يصلح إلا به.
فكتب إليه عمر رضي الله عنه مات النصراني والسلام.
وقال: ما كانت على أحد نعمة إلا وكان لها حاسد، ولو كان الرجل أقوم من القدح لوجد له غامزاً.
وقال: تمعددوا واخشوشنوا، واقطعوا الركب وانزوا على الخيل نزواً، واخفوا وانتعلوا فإنكم لا تدرون متى الجفلة.
وقال: أملكوا العجين، فإنه أحد الريعين.
وقال: إذا اشتريت بعيراً فاشتره ضخماً، فإنه إن أخطأك خيره لم يخطئك سوقه.
وقال: لا تسكنوا نساءكم الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، واستعينوا عليهن بالعري.
وسأل
رجلاً عن شيء، فقال: الله أعلم. فقال عمر رضي الله عنه: قد شقينا إن كنا
لا نعلم أن الله أعلم. إذا سئل أحدكم عن شيء لا يعلمه فليقل: لا أدري.
وقال رضي الله عنه: المرأة البكر تحتاج إلى خدمة كالبرة تطحنها وتعجنها وتخبزها ثم تأكلها، والثيب عجالة الراكب: تمر وسويق.
وخرج يستسقي، فصعد المنبر، فلم يزل يستغفر لا يزيد على ذلك، فلما نزل قيل له: ما رأيناك استسقيت. قال: بلى. قد أخذت بمجاديح السماء.
وقال رضي الله عنه: كانت العرب أسداً في جزيرتها يأكل بعضها بعضاً، فلما جمعهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم لم يقم لها شيء.
وقال: عوّدوا نساءكم " لا " فإن " نعم " تضريهنّ على المسألة.
وقال
لابنة هرم بن سنان: ما وهب أبوك لزهير؟ قالت: أعطاه مالاً وثياباً وأثاثاً
أفناه الدهر. فقال عمر رضي الله عنه: لكن ما أعطاكموه لا يفنيه الدهر.
ومن كلامه: إذا لم أعلم ما لم أر، فلا علمت ما رأيت.
وكتب
إلى معاوية: أما بعد؛ فإني لم آلك في كتابي إليك خيراً. إياك والاحتجاب
دون الناس، وأذن للضعيف، وأدنه حتى ينبسط لسانه، ويجترئ قلبه، وتعهّد
الغريب، فإنه إذا طال حبسه وضاق إذنه ترك حقه، وضعف قلبه، وإنما أقوى حقه
من حبسه، واحرص على الصلح بين الناس ما لم يستبن لك القضاء، وإذا حضرك
الخصمان بالبينة العادلة والأيمان القاطعة فأمض الحكم.
وقال: أشيعوا الكنى فإنها منبهة. ومرّ برجل من عماله، وهو يبني بالآجر والحصى، فقال: تأبى الدراهم إلا أن تخرج أعناقها. وشاطره ماله.
وقال
رضي الله عنه لغلام له يبيع الحلل: إذا كان الثوب عاجزاً فانشره وأنت
جالس، وإذا كان واسعاً فانشره وأنت قائم. فقال أبو موسى: الله يا عمر! قال:
إنما هي سوق.
وقال رضي الله عنه: إذا تناجى القوم في دينهم دون العامة فهم على تأسيس ضلالة.
وقال
لابن عباس: يابن عباس، أنت ابن عم رسول الله، وأبوك عم رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: نعم. قال: بخ بخ. فما منع قومكم منكم؟ قال: لا أدري،
فوالله ما كنا لهم إلا بالخير. قال: اللهم غفراً على كره قومكم أن تجتمع
فيكم النبوة والخلافة، فتذهبون في السماء شمخاً. لعلكم تقولون: إن أبا كر
أول من فعل ذلك. والله ما فعله، ولكن حضر أمر لم يكن بحضرته أحزم مما فعل،
ولولا رأي أبي بكر فيّ لجعل لكم من الأمر نصيباً، ولو فعل ما هنأكم مع
قومكم، إنهم ينظرون إليكم كما ينظر الثور إلى جازره.
وكان يقول: ليت شعري متى اشفي غيظي؟ أحين أقدر فيقال: لو عفوت، أم حين أعجل فيقال: لو صبرت.
وكان يقول: أكثروا شراء الرقيق فربّ عبد يكون أكثر رزقاً من سيّده.
وبلغه
اعتراض عمرو بن العاص على سعد، فكتب إليه: لئن لم تستقم لأميرك لأوجهن
إليك رجلاً يضع سيفه في رأسك، فيخرجه من بين رجليك. فقال عمرو: هددني بعلي
والله.
ومر على رماة غرض، فسمع أحدهم يقول لصاحبه: أخطيت وأسيت. فقال عمر رضي الله عنه: مه، فإن سوء اللحن أشد من سوء الرماية.
وقال
في خطبة له: إنما الدنيا أمل مخترم، وأجل منتقص، وبلاغ إلى دار غيرها،
وسير إلى الموت ليس فيه تعريج، فرحم الله امرءاً فكر في أمره، ونصح لنفسه،
وراقب ربه، واستقال ذنبه.
وقال رضي الله عنه: بئس الجار الغني، يأخذك بما لا يعطيك من نفسه، فإن أبيت لم يعذرك.
وقال له المغيرة: أنا بخير ما أبقاك الله، فقال: أنت بخير ما اتقيت الله.
وكان إذا كتب إلى أهل الكوفة كتب: رأي العرب، ورمح الله الأطول.
ولما
ولى عبد الله من مسعود قال له: يا ابن مسعود، اجلس للناس طرفي النهار،
واقرأ القرآن وحدث عن السنة وصالح ما سمعت من نبيك محمد صلى الله عليه وسلم
وإياك والقصص، والتكلف، وصلة الحديث، فإذا انقطعت بك الأمور فاقطعها، ولا
تستنكف إذا سئلت عما لا تعلم أن تقول: لا أعلم، وقل إذا علمت، واصمت إذا
جهلت، وأقلل الفتيا، فإنك لم تحط. بالأمور علماً، وأجب الدعوة ولا تقبل
الهدية، وليست بحرام، ولكني أخاف عليك القالة. والسلام.
وخطب رضي الله
عنه؛ فقال: إياكم والبطنة، فإنها مكسلة عن الصلاة، مفسدة للجسم، مؤدية إلى
السقم، وعليكم بالقصد في قوتكم فهو أبعد من السرف، واصح للبدن، وأقوى على
العبادة، وإن العبد لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.
وكتب إلى معاوية: الزم الحق ينزلك الحق منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق.
ونظر رضي الله عنه إلى أعرابي يصلي صلاة خفيفة، فلما قضاها قال: اللهم زوجني الحور العين، فقال عمر: أسأت النقد، وأعظمت الخطبة.
وقال
إبراهيم بن ميسرة، قال لي طاوس: لتنكحن أو لأقولن لك ما قاله عمر بن
الخطاب رضي الله عنه لأبي الزوائد: ما يمنعك من التزوج إلا عجز أو فجور.
وجلس
رجل إلى عمر رضي الله عنه فأخذ من رأسه شيئاً فسكت عنه. ثم صنع به ذلك
يوماً آخر، فأخذ بيده، وقال: ما أراك أخذت شيئاً. فإذا هو كذلك. فقال رضي
الله عنه: انظروا إلى هذا صنع بي مراراً، إذا أخذ أحدكم من رأس أخيه شيئاً
فليره. قال الحسن: نهاهم والله عن الملق.
وقال عمر رضي الله عنه على
المنبر: اقرءوا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، إنه لن يبلغ
من حق ذي حق أن يطاع في معصية الله، إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة
والي اليتيم، إذا استغنيت عففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرم البهيمة
الأعرابية: القضم لا الخضم.
وكتب إلى عبد الله رضي الله عنه: أما بعد.
فإنه من اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره
زاده. فعليك بتقوى الله، فإنه لا ثواب لمن لا نية له، ولا مال لمن لا رفق
له، ولا جديد لمن لا خلق له.
وقال رضي الله عنه: لا تصغرن هممكم، فإني لم أر شيئاً أقعد بالرجل من سقوط همته.
سئل الأحنف: أي الطعام أحب إليك؟ فقال: الزبد والكمأة. فقال عمر: ما هما بأحب الطعام إليه، ولكنه يحب الخصب للمسلمين.
وقال رضي الله عنه: إني لأن أرى في بيتي شيطاناً أحب إليّ من أن أرى فيه عجوزاً لا أعرفها.
وأتي
بنائحة قد تلتلت، فقال: أبعدها الله إنه لا حرمة لها، ولا حق عندها، ولا
نفع معها. إن الله عز وجل أمر بالصبر وهي تنهى عنه، ونهى عن الجزع وهي تأمر
به، تريق دمعتها وتبكي شجو غيرها، وتحزن الحي وتؤذي الميت.
وفي كتاب له
إلى أبي موسى: فإياك - عبد الله - أن تكون بمنزلة البهيمة، نزلت بوادٍ
خصب، فلم يكن لها هم إلا السمن، وإنما حتفها في السمن. واعلم أن العامل إذا
زاغ زاغت رعيته، وأشقى الناس من شقيت به رعيته.
وقال يوماً: دلوني على
رجل أستعمله على أمر قد دهمني. فقالوا: كيف تريده؟ قال: إذا كان في القوم
وليس أميرهم كان كأنه أميرهم، وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم. فقالوا:
ما نعلمه إلا الربيع بن زياد الحارثي. فقال: صدقتم. هو لها.
وذكر له غلام حافظ من أهل الحيرة، وقالوا: لو اتخذته كاتباً. قال: لقد اتخذت إذاً بطانة من دون المؤمنين.
ولما
أتي بتاج كسرى وسواره جعل بقلبهما بعود في يده ويقول: والله إن الذي أدى
هذا الأمين. فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أنت أمين الله، يؤدون إليك ما
أديت إلى الله، فإذا رتعت رتعوا.
وقام في الناس فحمد الله وأثنى
عليه، ثم قال: يا أيها الناس. اقرءوا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا
من أهله، فإنه لن يبلغ ذو حق في حقه أن يطاع في معصية الله. ألا وإنه لن
يبعد من رزق، ولن يقرب من أجل أن يقول المرء حقاً، وأن يذكر بعظيم. ألا
وإني ما وجدت صلاح ما ولاّني الله إلا بثلاث: أداء الأمانة، والأخذ بالقوة،
والحكم بما أنزل الله. ألا وإني ما وجدت صلاح هذا المال إلا بثلاث: أن
يؤخذ من حق، ويعطى في حق، ويمنع من باطل. ألا وإنما أنا في مالكم كوالي
اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف تقرم البهيمة
الأعرابية.
وبعث إليه بحلل فقسمها، فأصاب كل رجل ثوب، فصعد المنبر وعليه
حلة - والحلة ثوبان - فقال: ايها الناس ألا تسمعون؟ فقال سلمان: لا نسمع.
قال: ولم يا أبا عبد الله؟ قال: لأنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك حلة.
فقال: لا تعجل يا أبا عبد الله. يا عبد الله؛ فلم يجبه أحد. فقال: يا عبد
الله بن عمر؛ فقال: لبيك يا أمير المؤمنين. فقال: نشدتك الله. الثوب الذي
اتزرت به أهو ثوبك؟ قال: اللهم نعم. فقال سلمان: أما الآن فقل نسمع.
وحضر
باب عمر رضي الله عنه جماعة: سهيل بن عمرو، وعيينة بن حصين، والأقرع بن
حابس، فخرج الآذن فقال: أين صهيب: أين عمار؟ أين سلمان؟ فتمعرت وجوع القوم.
فقال سهيل: لم تتسعر وجوهكم؟ دعوا ودعينا، فأسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم
على باب عمر، لما أعد الله لهم في الآخرة أكثر.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يأخذ بيده اليمنى من الفرس أذنه اليسرى ثم يجمع جراميزه ويثب فكأنما خلق على ظهر فرسه.
وقال عمر رضي الله عنه: السيد الذي هو؛ الجواد حين يسأل، والحليم حين يستجهل، والبارّ بمن يعاشر.
وبلغه
أن سعداً واصحابه قد بنوا بالمدر، فكتب إليه: كنت أكره لكم البنيان
بالمدر، أما إذ فعلتم فعرّضوا الحيطان، وأطيلوا السمك، وقاربوا بين الخشب.
وقال: رحم الله امرءاً أمسك فضل القول، وقدم فضل العمل.
وقال رضي الله عنه: من دخل على الأغنياء، خرج وهو ساخط على الرزق.
وناول رجلاً شيئاُ فقال له: خدمك بنوك. فقال: بل أغناني الله عنهم.
أهدى
أبو موسى لعمر رضي الله عنه ألواناً من الأخبصة، فقال: ما هذا؟ قال: الخير
قبلنا كثير، والمئونة تخف علينا. قال: أطرفت أحداُ من أهل المدينة بشيء من
هذا؟ قال: لا. قال: إياك أن تراه أغيلمة قريش؛ فيضيقوا عليكم بلادكم.
وقيل
له رضي الله عنه: أخبرنا عن أيام جاهليتك. فقال: ما داعبت أمة، ولا جالست
إلا لمةً وما دابت إلا في حمل جريرة، أو خيل مغيرة. أما أيام الإسلام فكفى
برغائها مناديا.
واستعمل ابن علقمة على عمل، فشيعه، فقال ابن علقمة: يا
أمير المؤمنين إن معنا سفرة. فقال عمر: ابدؤوا بالحلوى، واجعلوا الدسم يلي
النبيذ.
ومن كلامه: النساء عورة، فاستروا عوراتكم بالبيوت، وداووا ضعفهن
بالسكوت، وأخيفوهن بالضرب، ولا تسكنوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة،
واستعينوا عليهن بالعري، وأكثروا لهن من قول: لا، فإن نعم تضريهن على
المسألة.
وقال رضي الله عنه: رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي.
ولما
أطلق الحطيئة من محبسه قال: إياك والشعر. قال: مأكلة عيالي. قال: قل وإياك
والمدح المجحف. قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: أن تقول بنو فلان خير
من بني فلان. قال: أنت والله أشعر مني.
قالوا: أول من خاطب ب " أطال الله بقاءك " عمر، قاله لعليّ بن أبي طالب عليه السلام.
ونظر إلى أبي بن كعب وقد تبعه قوم، فعلاه بالدرة، وقال: إنها فتنة للمتبوع مذلة للتابع.
وسأله عبد الرحمن أن يلين للناس، فقال: إن الناس لا يصلح لهم إلا هذا، ولو علموا ما لهم عندي لأخذوا ثوبي من عاتقي.
وقيل
له: كان الرجل يظلم في الجاهلية، فيدعو على ظالمه، فيجاب عاجلاً، ولا نرى
ذلك في الإسلام. فقال: كان هذا حاجزاً بينهم وبين الظلم، وإن موعدكم الآن
الساعة، والساعة أدهى وأمر.
كان أبو رافع صائغاً، فنظر إليه عمر وهو يقرأ ويصوغ، فقال: يا أبا رافع، أنت خير مني، تؤدي حق الله وحق مواليك.
قال لرجل: ما معيشتك؟ قال: رزق الله. قال: لكل رزق سبب، فما سبب رزقك؟
مر
عمر رضي الله عنه بشاب فاستسقاه، فخاص له عسلاً، فلم يشربه، وقال: إني
سمعت الله تعالى يقول: " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا " . فقال الفتى:
إنها والله ليست لك. اقرأ ما قبلها " ويوم يعرض الذين كفروا على النار " .
أفنحن منهم؟ فشربها وقال: كل الناس أفقه من عمر.
وقال رضي الله عنه: لا
يبلغنّي أن امرأة تجاوزت بصداقها صداق النبي عليه السلام إلا ارتجعت منها.
فقامت امرأة فقالت: ما جعل الله ذلك لك يا ابن الخطاب، إن الله تعالى يقول:
" وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً
مبيناً " . فقال عمر رضي الله عنه: لا تعجبوا من إمام أخطأ، وامرأة أصابت،
ناضلت إمامكم فنضلته.
وقال رضي الله عنه: أحبكم إلينا أحسنكم اسماً، فإذا رأيناكم فأجملكم منظراً، فإذا اختبرناكم فأحسنكم مخبراً.
وقال رضي الله عنه: الدين ميسم الكرام.
وقال لأهل الشورى: لا تختلفوا؛ فإن معاوية وعمراً بالشام.
وقال
ثور بن يزيد: كان عمر رضي الله عنه يعس بالمدينة في الليل، فسمع صوت رجل
في بيت، فارتاب بالحال، فتسور. فوجد رجلاً عنده امرأة وخمر. فقال: يا عدو
الله، أكنت ترى أن الله يسترك وأنت على معصية؟ فقال الرجل: لا تعجل يا أمير
المؤمنين، إن كنت قد عصيت الله في واحدة، فقد عصيته في ثلاث: قال الله
تعالى: " ولا تجسسوا " . وقد تجسست، وقال: " وأتوا البيوت من أبوابها " وقد
تسورت، وقال: " فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا " وما سلمت. فقال له عمر رضي
الله عنه: فهل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، والله
لئن عفوت عني لا أعود لمثلها أبداً. فعفا عنه.
وقال ابن عباس: لما أسلم عمر رضي الله عنه قال المشركون: انتصف القوم منا.
قيل:
أهدى رجل إلى عمر رضي الله عنه جزوراً، ثم خاصم إليه بعد ذلك في خصومة،
فجعل يقول: افصلها يا أمير المؤمنين كفصل رجل الجزور، فاغتاط عمر رضي الله
عنه، وقال: يا معشر المسلمين؛ إياكم والهدايا فإن هذا أهدى إليّ منذ أيام
رجل جزور، فوالله ما زال يرددها حتى خفت أن أحكم بخلاف الحكم.
ولما حصر
أبو عبيدة كتب إليه عمر رضي الله عنه: مهما ينزل بامرئ من شدة يجعل الله
بعدها فرجاً، إنه لن يغلب عسر يسرين، إنه يقول: " اصبروا وصابروا ورابطوا
واتقوا الله لعلكم تفلحون " .
وقال: ثلاث يثبتن لك الود في صدر أخيك: أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه.
وقال رضي الله عنه: من أفضل ما أعطيته العرب الأبيات يقدمها الرجل أمام حاجته، يستعطف بها الكريم، ويستنزل بها اللئيم.
وقدم
معاوية عليه وهو أبضّ الناس، فضرب عمر رضي الله عنه بيده على عضده، فاقلع
عن مثل الشراب في لونه أو مثل الشراك. فقال: إن هذا والله لتشاغلك
بالحمامات، وذوو الحاجات تقطع أنفسهم حسراتٍ على بابك.
وقال لربيع بن
زياد الحارثي: يا ربيع؛ إنا لو نشاء ملأنا هذه الرحاب من صلائق وسبائك
وصناب ولكني رأيت الله عز وجل نعى على قوم شهواتهم، فقال: " أذهبتم طيباتكم
في حياتكم الدنيا " .
وقال: علموا أولادكم العوم والرماية، ومروهم فليثبوا على الخيل وثباً، ورووهم ما جمل من الشعر، وخير خلق المرأة المغزل.
وقال: لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما أركب.
وقال رضي الله عنه: لا تزالون أصحاء ما نزعتم ونزوتم. نزعتم في القسي، ونزوتم على ظهور الخيل.
وقال رضي الله عنه: ليس قوم أكيس من أولاد السراري؛ لأنهم يجمعون عز العرب ودهاء العجم.
وقال رضي الله عنه: من يئس من شيء استغنى عنه.
ونظر إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدرة وقال: لا تمت علينا ديننا أماتك الله.
وقال
رضي الله عنه لأبي مريم السلولي والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم. قال:
أفتمنعني حقا؟ قال: لا. قال: فلا بأس. إنما يأسف على الحب النساء.
وروى
أن أعرابياً أتاه فقال: إني أصبت ظبياً وأنا محرم، فالتفت عمر رضي الله عنه
إلى عبد الرحمن بن عوف، وقال: قل. قال عبد الرحمن: يهدي شاة. قال عمر رضي
الله عنه: اهد شاة. فقال الأعرابي: والله ما درى أمير المؤمنين مافيها حتى
استفتى غيره، وما أظنني إلا سأنحر ناقتي، فخفقه عمر بالدرة وقال: أتقتل في
الحرم وتغمص في الفتيا؟ إن الله عز وجل يقول: " يحكم به ذوا عدل منكم " .
فأنا عمر بن الخطاب، وهذا عبد الرحمن بن عوف.
ومن كلامه رضي الله عنه: قد إلنا وإيل علينا، أي سسنا وساسنا غيرنا.
وقال
له عبد الله ابنه رضي الله عنهما: لم فضلت أسامة عليّ، وأنا هو سيّان؟
فقال: كان أبوه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وكان هو أحب
إلى رسول الله منك.
وأثني عليه وهو جريح، فقال: المغرور من غررتموه، لو أن لي ما في الأرض جميعاً لافتديت به من هول المطلع.
وقال: تعلّموا اللحن والسنن، والفرائض كما تعلمون القرآن.
وروي
أنه كان يحمل الدقيق على ظهره، فقال له بعضهم: دعني أحمله عنك. فقال: ومن
يحمل عني ذنوبي؟ وقال: لساني سبع، فإذا أرسلته أكلني. وقال رضي الله عنه:
من المروءة الظاهرة الثياب الطاهرة.
وقال: لئن بقيت لأسوين بين الناس، حتى يأتي الرجل حقه في صفنه لم يعرق فيه جبينه.
وقيل
له: إن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد، فقال: وما على نساء بني المغيرة
أن يسفكن من دموعهن على أبي سليمان، ما لم يكن نقع ولا لقلقة.
وقال: أعضل بي أهل الكوفة، ما يرضون بأمير، ولا يرضاهم أمير.
وقال
رضي الله عنه: فرقوا عن المنية، واجعلوا الرأس رأسين ولا تلثوا بدار
معجزة، وأصلحوا مثاويكم، وأخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم، واخشوشنوا
وتمعددوا.
وكتب رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد: إنه بلغني أنك دخلت
حماماً بالشام، وأن من بها من الأعاجم أعدوا لك دلوكاً عجن بخمر، وإني
أظنكم - آل المغيرة - ذرء النار.
وقال رضي الله عنه: ورع اللص ولا تراعه.
وقال
رضي الله عنه: ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسراً وساده عند امرأة مغيبة
يتحدث إليها وتتحدث إليه؟ عليكم بالجنبة فإنها عفاف، فإنما النساء لحم على
وضم إلا ماذبّ عنه.
وقال رضي الله عنه: إن العهد إذا تواضع رفع الله حكمته وقال: انتعش نعشك الله، وإذا تكبر وعدا طوره وهصه الله إلى الأرض.
وقال رضي الله عنه: لا تشتروا الفضة والذهب إلا يداً بيد، فإني أخاف عليكم الربا.
وقال
في متعة الحج: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلها وأصحابه،
ولكني كرهت أن يظلوا بهن معرسين تحت الأراك، ثم يلبون بالحج تقطر رؤوسهم.
ودخل
عدي بن حاتم فسلم وهو مشغول، فقال: يا أمير المؤمنين أنا عدي بن حاتم.
فقال: ما أعرفني بك! أنت الذي أقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وعرفت إذ
أنكروا، وأقررت إذ نفروا، وأسلمت إذ كفروا. فقال عدي: حسبي يا أمير
المؤمنين.
وسأل أصحابه: أي الناس أنعم بدناً؟ فكل أجاب برأيه. فقال عمر رضي الله عنه: لكني أقول: جسد في التراب، قد أمن العقاب، ينتظر الثواب.
قال
ابن المسيب: وضع عمر للناس كلمات حكماً كلها، وهي: " ما عاقبت من عصى الله
فيك بمثل أن تطيع الله فيه " . " ضع أمر أخيك على أحسنه، حتى يجيئك ما
يغلبك منه " لا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً
" . " من كتم سره كانت الخيرة بيده " . " من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من
أساء الظن به " . " عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم، فإنهم زينة في
الرخاء، وعدة في البلاء " . " لا تهاونوا بالحلف فيهينكم الله " . " لا
تسأل فيما لم يكن، فإن فيما قد كان شغلاً عما لم يكن " . " عليك بالصدق وإن
قتلك الصدق " . " احذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي الله " . "
استشر في أمرك الذين يخشون الله، فإنما يقول: " إنما يخشى الله من عباده
العلماء " . آخ الإخوان على التقوى " . " كفى بك عيباً أن يبدو لك من أخيك
ما يخفى عليك من نفسك، أو تؤذي جليسك فيما لا يعنيك، أو تعيب شيئاً وتأتي
بمثله " .
وكتب إلى أبي عبيدة: أما بعد؛ فإنه لم يقم أمر الله في الناس
إلا حصيف العقدة بعيد الغرة. لا يحنق في الحق على جرة، ولا يطلع منه الناس
على عورة. ولا تأخذه في الله لومة لائم.
وقال: من أسرع إلى الهجرة أسرع به العطاء، ومن أبطأ عن الهجرة أبطأ عنه العطاء، فلا يلومن رجل إلا مناخ راحلته.
وقال
له أبو عبيدة حين نزل عن ناقته، وخلع خفيه، وخاض المخاضة: ما يسرني أن أهل
البلد استشرفوك؛ أي رأوك. فقال له عمر رضي الله عنه: لو غيرك يقول هذا
لجعلته نكالاً، إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فإن طلبنا العزّ
بغير ما أعزنا الله به أذلنا.
==================ج333333.--------------
كتاب : نثر الدر
المؤلف : الآبي
وخطب رضي الله عنه فقال: إن أخوف ما أخاف عليكم أن
يؤخذ الرجل المسلم البريء عند الله، فيدسر كما يدسر الجزور، ويشاط لحمه كما
يشاط لحم الجزور، ويقال: عاص وليس بعاص. فقال عليّ عليه السلام: كيف ذاك؟
ولما تشتد البلية، وتظهر الحمية وتسب الذرية وتدقهم الفتن دق الرحا ثفالها.
وقال عمر 1: لا تفطروا حتى تروا الليل يغسق على الظراب.
وروي
أن ابن السوادة أخا بني ليث قال له: أربع خصال عاتبتك عليها رعيتك. فوضع
عود الدرة ثم ذقن عليها وقال: هات. قال: ذكروا أنك حرمت العمرة في اشهر
الحج. قال عمر رضي الله عنه: أجل. إنكم إذا اعتمرتم في أشهر حجكم ظننتموها
مجزية من حجكم فقرع حجكم؛ فكانت قائبة قوب عامها، والحج بهاء من بهاء الله.
قال: شكوا منك عنف السياق ونهر الرعية. قال: فقرع الدرة، ثم مسحها حتى أتى
على سيورها وقال: أنا زميل محمد في غزوة قرقرة الكدر ثم إني والله لأرتع
فأشبع، وأسقى فأروي، وأضرب العروض، وأزجر العجول وأؤدب قدري وأسوق خطوي،
وأرد اللفوت. وأضم العنود. وأكثر الزجر، وأقل الضرب، وأشهر العصا، وأدفع
باليد، ولولا ذلك لأعذرت.
وخطب رضي الله عنه فقال: ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تجمروهم فتفتنوهم.
وفي
حديثه، أنه انكفأ لونه في عام الرمادة حيث قال: لا آكل سمنا ولا سميناً.
وأنه اتخذ أيام كان يطعم الناس قدحاً فيه فرض، فكان يطوف على القصاع، فيغمر
القدح، فإن لم تبلغ الثريدة الفرض قال: فانظر ما الذي يفعل بالذي ولي
الطعام.
وقال لرجل: ما مالك؟ قال: ألفان مضمونان في بيت المال. فقال: اتخذ مالاً سوى هذا، فيوشك أن يأتي من لا يعطي إلا من يحب.
وخرج
ليلة في شهر رمضان، والناس أوزاع، فقال: إني لأظن لو جمعناهم على قارئ كان
أفضل، فأمر أبيّ بن كعب فأمهم، ثم خرج ليلة وهم يصلون بصلاته، فقال: نعم
البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل، يريد صلاة آخر الليل.
وروي أن
رجلاً قرأ عليه حرفاً فأنكره، فقال: من أقرأك هذا؟ قال: أبو موسى الأشعري.
فقال: إن أبا موسى لم يكن من أهل البهش - والبهش المقل ما كان رطباً، فإذا
يبس فهو الخشل، وإنما أراد أن أبا موسى ليس من أهل الحجاز، والمقل ينبت
بالحجاز - يريد أن القرآن نزل بلغة قريش.
ونحو منه قوله رضي الله عنه
لابن مسعود حين بلغه أنه يقرئ الناس " حتى حين " يريد " حتى " : إن القرآن
لم ينزل بلغة هذيل؛ فأقرئ الناس بلغة قريش.
وقال: من الناس من يقاتل
رياء وسمعة، ومنهم من يقاتل وهو ينوي الدنيا، ومنهم من ألحمه القتال فلم
يجد بداً، ومنهم من يقاتل صابراً محتسباً. أولئك هم الشهداء.
وسأله العباس عن الشعراء، فقال: امرؤ القيس سابقهم، خسف لهم عين الشعر، فافتقر عن معان عور أصح بصر.
وكتب
في الصدقة إلى بعض عماله: ولا تحبس الناس أولهم على آخرهم، فإن الرجن
للماشية عليها شديد ولها مهلك، وإذا وقف الرجل عليك غنمه فلا تعتم من غنمه،
ولا تأخذ من أدناها، وخذ الصدقة من أوسطها. وإذا وجب على الرجل سن، ولم
تجده في إبله فلا تأخذ إلا تلك السن من شروى إبله أو قيمة عدل، وانظر ذوات
الدر والماخض فنكب عنها؛ فإنها ثمال حاضرتهم.
وقال رضي الله عنه: من حظ المرء نفاق أيمه وموضع حقه. يريد أن يكون حقه عنه من لا يجحده.
وقال في قوله تعالى: " أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " . نعم العدلان ونعم العلاوة.
وقال
ابن عباس " دعاني عمر وعثمان رضي الله عنهما فإذا صبر من مال فقال: خذا
فاقتسما فإن فضل فردا. فأما عثمان فحثا، وأما أنا فقلت: إن كان نقصان رددت
علينا. فقال: شنشنة أعرفها من أخزم.
وطلى بعيراً من الصدقة بالقطران، فقال له رجل: لو أمرت عبداً من عبيد الصدقة كفاكه. فضرب بالثملة على صدره، وقال: أعبد أعبد مني؟.
وقال: لو صليتم حتى تكونوا كالحنى ما نلتم رحمة الله إلا بصدق الورع.
وقال: تفقهوا قبل أن تسودوا.
وقال: إن الموت فضح الدنيا، فما ترك لذي لبٍ فرحاً.
وقال: احذر من فلتات السباب كلما أورثك النبز واعلقك اللقب؛ فإنه إن يعظم بعده شأنك يشتد عليه ندمك.
وقال رضي الله عنه: بع الحيوان أحسن ما يكون في عينيك.
وقال: أجود الناس من جاد على من لا يرجو ثوابه، وأحلمهم من عفا بعد القدرة، وأبخلهم من بخل بالسلام، وأعجزهم الذي يعجز في دعائه.
وقال: كل عمل كرهت من أجله الموت فاتركه، ثم لا يضرك متى مت.
وقال رضي الله عنه: إذا توجه أحدكم في الوجه ثلاث مرات، فلم ير خيراً فليدعه.
وخطب
رضي الله عنه فقال: أيها الناس، ما الجزع مما لا بد منه، وما الطمع فيما
لا يرجى، وما الحيلة فيما سيزول؟ وإنما الشيء من أصله، وقد مضت قبلنا أصول،
ونحن فروعها، فما بقاء الفرع بعد اصله؟ إنما الناس في هذه الدنيا أغراض
تنتضل المنايا فيهم وهم نصب المصائب، مع كل جرعة شرق، وفي كل أكلة غصص. لا
ينالون نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يستقبل معمر من عمر يوماً إلا بهدم آخر من
أجله، وأنتم أعوان الحتوف على أنفسكم، فأين المهرب مما هو كائن؟ وإنما
يتقلب الهارب في قدره الطالب، فما أصغر المصيبة اليوم مع عظم الفائدة غداً!
أو أكثر خيبة الخائب! جعلنا الله وإياكم من المتقين.
قال الجاحظ: روى
الزهري أن عمر رضي الله عنه نظر إلى أهل الشورى جلوساً فقال: أكلكم يطمع في
الخلافة بعدي؟ فوجموا، فقال لهم ثانية، فأجابه الزبير فقال: نعم، وما الذي
يبعدنا عنها وقد وليتها فقمت بها. ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة، ولا
في القرابة؟ فقال عمر رضي الله عنه: ألا أخبركم عن أنفسكم؟ قالوا: بلى،
فإنا لو استعفيناك ما أعفيتنا. فقال عمر رضي الله عنه: أما أنت يا زبير
فوعقة لقس، مؤمن الرضا، كافر الغضب، يوم إنس، ويوم شيطان، ولعلها إن أفضت
إليك لظلت يومك تلاطم في البطحاء على مد من شعير. أفرأيت إن أفضت إليك فمن
يكون على الناس يوم تكون شيطاناً، ومن يكون - إذا غضبت - إماماً؟. ما كان
الله ليجمع لك أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأنت في هذه الصفة.
ثم
أقبل على طلحة فقال: أقول أم أسكت؟ قال: قل، فإنك لا تقول لي من الخير
شيئاً. قال: ما أعرفك منذ ذهبت إصبعك يوم أحد من البأو الذي أحدثت. ولقد
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخطاً للذي قلت يوم نزلت آية الحجاب
أفأقول أم أسكت؟ قال: بالله اسكت.
ثم أقبل على سعد، فقال: إنما أنت صاحب قنص وقوس واسهم ومقنب من هذه المقانب، وما أنت وزهرة والخلافة وأمور الناس؟.
ثم
أقبل على علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: لله أنت لولا دعابة فيك. اما
والله لو وليتهم لحملتهم على المحجة البيضاء، والحق الواضح، ولن يفعلوا.
ثم
قال: وأنت يا عبد الرحمن لو وزن نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجحت، ولكن
فيك ضعفاً، ولا يصلح هذا الأمر لم ضعف مثل ضعفك. وما زهرة وهذا الأمر؟.
ثم
أقبل على عثمان فقال: هيهاً إليك، كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها
إياك، فحملت بني أمية وبني معيط على رقاب الناس، وآثرتهم بالفيء، فسارت
إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحاً. والله لئن فعلوا
لتفعلن، ولئن فعلت ليفعلن. ثم أخذ بناصيته فناجاه، ثم قال: إذا كان ذاك
فاذكر قولي هذا، فإنه كائن.
وقال عمر رضي الله عنه للأحنف: من كثر ضحكه
قلت هيبته، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر مزاحه كثر سقطه، ومن كثر سقطه
قلّ ورعه، ومن قل ورعه ذهب حياؤه، ومن ذهب حياؤه مات قلبه.
وكتب إلى أبي
موسى: أما بعد؛ فإن للناس نفرة عن سلطانهم، فأعوذ بالله أن تدركني وإياك
عمياء مجهولة، وضغائن محمولة، وأهواء متبعة، ودنيا مؤثرة؛ فأقم الحدود ولو
ساعة من نهار، فإن عرض لك أمران: أحدهما لله، والآخر للدنيا، فآثر نصيبك من
الآخرة، فإن الدنيا تنفد والآخرة تبقى، وكن من خشية الله على وجل، وأخف
الفساق، واجعلهم يداً يداً ورجلاً رجلاً.
وإذا كانت بين القبائل نائرة،
ودعوا: يا لفلان، فإنما تلك النجوى من الشيطان، فاضربهم بالسيف حتى يفيئوا
إلى الله، وتكون دعواهم إلى الله وإلى الإسلام.
وقد بلغ أمير المؤمنين
أن ضبة تدعو: بالضبة، وإني والله ما أعلم أن ضبة ساق الله بها خيراً قط،
ولا منع بها شراً قط. فإذا جاءك كتابي هذا فأنهكهم عقوبة، حتى يفرقوا إن لم
يفقهوا. والصق بغيلان بن خرشة من بينهم.
وعد مرضى المسلمين، واشهد جنائزهم؛ وافتح بابك، وباشر أمرهم بنفسك، فإنما أنت رجل منهم، غير أن الله جعلك أثقلهم حملا.
وقد
بلغ أمير المؤمنين أنه فشا لك ولأهل بلدك هيئة في لباسك، ومطعمك ومركبك
ليس للمسلمين مثلها، فإياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة التي حلت
بواد خصب، فلم يكن لها هم إلا السمن، واعلم أن للعامل مرداً إلى الله، فإذا
زاغ العامل زاغت رعيته، وإن أشقى الناس من شقيت به رعيته، والسلام.
وكان
إذا اشترى رقيقاً يقول: اللهم ارزقني أنصحهم جيباً وأطولهم عمراً. وكان
إذا استعمل رجلاً يقول: إن العمل كبر، فانظر كيف تخرج منه.
وقال رضي الله عنه: أقلل من الدين تعش حراً، واقلل من الذنوب يهن عليك الموت، وانظر في أي نصاب تضع ولدك، فإن العرق دساس.
وقال: إياكم وهذه المجازر، فإن لها ضراوة كضراوة الخمر.
وقال: ما الخمر صرفاً باذهب لعقل الرجل من الطمع.
وقال: عجبت لمن يحسن المعاريض، كيف يكذب؟.
وقال:
الناس طالبان، فطالب يطلب الدنيا، فارفضوها في نحره، فإنه ربما أدرك الذي
طلب منها فهلك بما أصاب منها. وربما فاته الذي طلب منها فهلك بما فاته
منها، وطالب يطلب الآخرة، فإذا رأيتم طالب الآخرة فنافسوه.
وقال: أيها
الناس إنه أتى عليّ حين وأنا أحسب أنه من قرأ القرآن إنما يريد الله وما
عنده. ألا وقد خيل إليّ أخيراً أن أقواماً يقرؤون القرآن يريدون به ما عند
الناس. ألا فأريدوا الله بقرآنكم وأريدواه بأعمالكم، فإنما كنا نعرفكم إذ
الوحي ينزل، وإذ النبي عليه السلام بين أظهرنا، فقد رفع الوحي، وذهب النبي
عليه السلام، فإنما أعرفكم بما أقول لكم. ألا فمن أظهر لنا خيراً ظننا به
خيراً واثنينا به عليه، ومن أظهر لنا شراً ظننا به شراً وأبغضنا عليه،
فزعوا هذه النفوس عن شهواتها، فإنها طلاعة، تنزع إلى شر غاية، وإن الحق
ثقيل مريء، وإن الباطل خفيف وبيء، ترك الخطيئة خير من معالجة التوبة، ورب
شهوة ساعة أورثت حزناً دائماً.
وقال: استعبروا العيون بالتذكر.
ومر
بقوم يتمنون، فلما رأوه سكتوا، فقال: فيم كنتم؟ قالوا: كنا نتمنى. قال:
تمنوا وأنا أتمنى معكم. قالوا: فتمن. قال: أتمنى ملء هذا المسجد مثل أبي
عبيدة الجراح وسالم مولى أبي حذيفة، إن سالماً كان شديد الحي لله، لو لم
يخف الله لعصاه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل أمة أمين وأمين
هذه الأمة أبو عبيدة الجراح.
وقال رضي الله عنه: لولا أن أسير في سبيل
الله، واضع جبهتي لله، وأجالس أقواماً ينتقون أحسن الحديث كما تنتقى أطايب
الثمر لم أبال أن أكون قد متّ.
وقال سعد له - حين شاطره ماله - : لقد
هممت... قال عمر: لتدعو الله عليّ؟ قال: نعم: إذاً لا تجدني بدعاء ربي
شقياً. وكان سعد يسمى المستجاب الدعوة.
وقال عمر في ولد له صغير: ريحانة أشمها، وعن قريب ولد بار أو عدو حاضر.
وقال رضي الله عنه: لكل شيء شرف، وشرف المعروف تعجيله.
وقال:
من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة؛ لقوله تعالى: " ادعوني أستجب لكم " . ومن
أعطي الشكر لم يحرم الزيادة؛ لقوله جلّ اسمه: " لئن شكرتم لأزيدنكم " .
ومن أعطي الاستغفار لم يحرم القبول؛ لقول تعالى: " استغفروا ربكم إنه كان
غفارا " .
وقال رضي الله عنه: كونوا أوعية الكتاب، وينابيع العلم، واسألوا الله رزق يوم بيوم.
وقال
رضي الله عنه: الرجال ثلاثة: رجل ينظر في الأمور قبل أن تقع فيصدرها
مصدرها، ورجل متوكل لا ينظر، فإذا نزلت به نازلة شاور أهل الرأي وقبل
قبولهم، ورجل حائر بائر لا يأتمر رشداً، ولا يطيع مرشداً.
كان شرحبيل بن
السمط على جيش لعمر رضي الله عنه فقال: إنكم قد نزلتم أرضاً فيها نساء
وشراب، فمن أصاب منكم حداً فليأتنا حتى نطهره، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه
فقال: لا أم لك، تأمر قوماً ستر الله عليهم أن يهتكوا ستر الله عليهم.
وقال:
من قال لا ادري عندما لا يدري، فقد أحرز نصف العلم؛ لأن الذي له على نفسه
هذه القوة؛ فقد دلنا على جودة التثبت، وكثرة الطلب، وقوة المنة.
وأوصى الخليفة بعده فقال: أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيراً أن تعرف لهم سابقتهم.
وأوصيك
بالأنصار خيراً، فاقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، وأوصيك بأهل الأمصار
خيراً، فإنهم ردء العدو، وجباة الفيء، لا تحمل منهم إلا عن فضل منهم.
وأوصيك بأهل البادية خيراً، فأنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم.
وأوصيك بأهل الذمة خيراً أن تقاتل من ورائهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعاً، أو عن يد وهم صاغرون.
وأوصيك بتقوى الله، والحذر منه، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة، وأوصيك أن تخشى الله في الناس، ولا تخش الناس في الله.
وأوصيك
بالعدل في الرعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورهم، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم،
فإن في ذلك بإذن الله سلامة لقلبك، وحطاً لوزرك، وخيراً في عاقبة أمرك، حتى
تفضى في ذلك إلى من يعرف سريرتك، ويحول بينك وبين قلبك.
وآمرك أن تشتد
في أمر الله، وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في
أحد الرأفة، حتى تنتهك منه مثل جرمه. واجعل الناس عندك سواءً، لا تبالي على
من وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والأثرة والمحاباة فيما
ولاك الله مما أفاء على المؤمنين، فتجور وتظلم، وتحرم نفسك من ذلك ما قد
وسعه الله عليك.
وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت
لدنياك عدلاً وعفة عما بسط لك اقترفت به إيماناً ورضواناً، وإن غلبك فيه
الهوى اقترفت به غضب الله. وأوصيك ألا ترخّص لنفسك ولا لغيرها في ظلم أهل
الذمة.
وقد أوصيتك، وخصصتك ونصحتك، فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة،
واخترت من دلالتك ما كنت دالاً عليه نفسي وولدي، فإن عملت بالذي وعظتك،
وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيباً وافراً وحظاً وافياً؛ وإن لم تقبل
ذلك، ولم يهمك، ولم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك يكن ذلك
بك انتقاصاً، ورأيك فيه مدخولاً؛ لأن الأهواء مشتركة، ورأس الخطيئة إبليس
داع إلى كل مهلكة، وقد أضل القرون السالفة قبلك، فأوردهم النار وبئس الورد
المورود، ولبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالاة لعدو الله، الداعي إلى
معاصيه.
ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات، وكن واعظاً لنفسك، وأناشدك
الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقرت
عالمهم، ولا تضربهم فيذلوا، ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم. ولا تحرمهم
عطاياهم عند محلها فتفرقهم، ولا تجمرهم في البعوث فينقطع نسلهم، ولا تجعل
المال دولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم.
هذه وصيتي إليك، وأشهد الله عليك، وأقرأ عليك السلام.
وروي
عن ابن عباس: دخلت على عمر رضي الله عنه حين طعن. قال: فتنفس تنفساً
عالياً، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما أخرج هذا منك إلا هم. قال: هم شديد
لهذا الأمر الذي لا أدري لمن يكون بعدي. قال: ثم قال: لعلك ترى صاحبك لها.
يعني علياً. قلت: وما يمنعه في قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وسوابقه في الخير، ومناقبه في الإسلام؟ قال: ولكن فيه فكاهة. قلت له: فأين
أنت وطلحة؟ قال: الأكنع؟ ما زلت أعرف فيه بأواً منذ أصيبت يده مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم قلت: فأين أنت من الزبير؟ قال فوعقة لقس. قلت: فأين
أنت من سعد؟ قال: صاحب قوس وفرس. قلت: فأين أنت من عبد الرحمن؟ قال: نعم
المرء ذكرت، ولكنه ضعيف ولا يقوم بهذا الأمر إلا القوي في غير عنف، واللين
في غير ضعف، والجواد من غير سرف، والممسك في غير بخل. قلت: فأين أنت من
عثمان؟ قال: أوه - ووضع يده اليمنى على مقدم رأسه - إذاً والله ليحملن بني
معيط على رقاب الناس، فكأني قد نظرت إلى العرب حتى تأتيه فتقتله، والله لئن
فعل ليفعلن، والله لئن فعل ليفعلن، ثم قال: أما إن أحراهم - إن وليهم - أن
يحملهم على كتاب الله وسنة نبيهم صاحبك - يعني علياً - عليه السلام.
وقال
رضي الله عنه: اعتبروا عزمه بحميته وحزمه بمتاع بيته. وسمع رجلاً يقول:
اللهم إني أعوذ بك من الفتن. فقال: لقد استعذت مما تسأله، المال والولد
فتنة. ولكن قل يا لكع: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن.
وكان عيينة بن
حصن كثيراً ما ينظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إزار ورداء، فيقول:
يا أمير المؤمنين إني أراك تلبس إزاراً ورداءً، كأني أنظر إلى سبنتي من
العجم قد وجأك في خاصرتك، ففجع بك المسلمين، فيا لها ثلمة لا تسد، ووهياً
لا يرقع!! فأخرجهم من عيرك إلى عيرهم. فما مكث إلا أياما، حتى وجأه أبو
لؤلؤة - أخزاه الله - فقال عمر رضي الله عنه: لله در رأي بين الرقم والحاجر
لو أخذنا به! أما إنه قد خبرني بهذا.
وكان يقول: اللهم اصلح بين نسائنا، وعاد بين إمائنا.
وقال: الطمع فقر، واليأس غنى، وفي العزلة راحة من خليط السوء.
وكتب إلى أبي موسى وهو على البصرة: إنك ببلد جل أهله تميم وهم بخل، وربيعة وهم كدر، وفي الأزد موق. فتأدب بأدبك.
افتقد
من بيت المال أيام عمر أربعة آلاف درهم، وكان بيت المال في يد وهب بن
منبه. فكتب إليه عمر: أما بعد، فإنا لا نتهم دينك وأمانتك، ولكن نخاف
تفريطك وتضييعك، وهذا المال للمسلمين، وليس لأشحهم عليك إلا يمينك، فإذا
صليت العصر من يوم الجمعة، فاستقبل القبلة واحلف بالله أنك ما أخذتها، ولا
علمت لها آخذاً، والسلام.
وقيل له: جزاك الله عن الإسلام خيراً. فقال: بل جزى الله الإسلام عني خيراً.
وقال:
لا يطبق أمر الله في عباده إلا رجل لا يصانع، ولا يضارع، ولا يتبع
المطامع، ولا يطبق أمر الله إلا رجل يتكلم بلسانه كله، ولا يحنق في الحق
على جرته.
وقال رضي الله عنه: أكره لبستين: لبسة مشهورة، ولبسة محقورة.
وقال رضي الله عنه: ثلاث خصال من لم تكن فيه لم ينفعه الإيمان: حلم يرد به جهل الجاهل، وورع يحجزه عن المحارم، وخلق يداري به الناس.
وقال: من ملأ عينه من قاعه بيت قل أن يؤذن له فقد فسق، ومن اطلع على قوم في منازلهم بغير إذنهم فليفقئوا عينه.
وقال: لأن أموت بين شعبتي رحلي أبتغي فضل الله، أحب إلي من أن أموت على فراشي.
وقال لبعضهم: احذر النعمة كحذرك المعصية، وهي أخوفهما عليك عندي.
وقال رضي الله عنه: أحذركم عاقبة الفراغ، فإنه أجمع لأبواب المكروه من السكر.
وقال: أفلح من حفظ من الطمع والغضب والهوى نفسه، ولا خير فيما دون الصدق من الحديث، ومن كذب فجر، ومن فجر هلك.
وقال رضي الله عنه: قلت: بأبي وأمي يا رسول الله، ما بالنا نرق على أولادنا ولا يرقون علينا؟ قال: لأنا ولدناهم، ولم يلدونا.
وقال
لرجل أراد طلاق امرأته: لم تطلقها؟ قال: لأني لا أحبها. فقال له: أكل
البيوت بنيت على الحب؟ فأين الرعاية والتذمم والوفاء؟ وقال: تضيق أنصارنا،
وتقسو ثقيفنا، ومن ولى من العرب قرا في حوضه، وملأ وعاءه، ولم أر لهذا
الأمر مثل رجل من قريش أكل على ناجذه.
وقال رضي الله عنه في خطبة له حين
بويع: غني قد علمت أن قد كرهتم قيامي عليكم، ومن كرهه منكم ممن ساءه أخذ
بحق، ودفع عن باطل، وضرب عنق من خالف الحق، وتمنى الباطل، ودعا إليه، فليس
لأولئك هوادة، ولا مناظرة، ولا مصانعة، فليمت أولئك بغيظهم، ولا يلومن إلا
أنفسهم ولا يبقين إلا عليها. والله ما لمن خالف إلى الباطل من عقوبة دون
ضرب عنقه، فإن السيف نعم الوزير هو للحق وأهله، وقد أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالقتال على الحق، وقاتل عليه، فخذوا مني ما أعطيكم وأعطوني ما
أسألكم، إني آخذكم بالحق غير معتد به، وأعطيكم الحق غير قاصر عنه، كتاب
الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بيني وبينكم، لا يسألن أحد غير ذلك، ولا
يطمعن فيه عندي.
وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى معاوية قال: هذا كسرى العرب.
وخطب فقال: يا أيها الناس، لا تأكلوا البيض فإن أحدكم يأكل البيضة أكلة واحدة، فإن حضنها خرجت منها دجاجة فباعها بدرهم.
الباب الثالث:
من كلام عثمان بن عفان
رضي الله عنه:
لما نقم الناس عليه قام رضي الله عنه يتوكأ على مروان، وهو يقول: لكل أمة آفة، ولما نعمة عاهة، وإن آفة هذه الأمة، وعاهة هذه النعمة عيّابون طعانون، يظهرون لكم ما تحبون، ويسرون ما تكرهون، طغام مثل النعام، يتبعون أول ناعق. لقد نقموا عليّ ما نقموه على عمر، ولكنه قمعهم ووقمهم. والله إني لأقرب ناصراً، وأعز نفراً، فمالي لا أفعل في الفضل ما أشاء؟.وروي أنه رضي الله عنه قال يوماً على المنبر: والله ما تغنيت ولا تمنيت ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام، وما تركت ذلك تأثماً، ولكن تركته تكرماً.
اشتكى عليّ عليه السلام، فعاده عثمان رضي الله عنه فقال: أراك أصبحت ثقيلاً. قال: أجل. قال: والله ما أدري أموتك أحبذ إليّ أن حياتك؟ إني لأحب حياتك، وأكره أن أعيش بعد موتك، فلو شئت جعلت لنا من نفسك مخرجاً، إما صديقاً مسالماً، أو عدواً معالناً، فإنك كما قال أخو زياد: لقد جررت لنا حبل الشموس فلا يأساً مبيناً أرى منكم ولا طمعاً.
فقال له عليّ عليه السلام: مالك عندي ما تخاف، وما جوابك إلا ما تكره.
قدم إلى عثمان رضي الله عنه غلام في جنابة، فقال: انظروا هل اخضر إزاره.
قال سعيد بن المسيب: بلغ عثمان رضي الله عنه أن قوماً على فاحشة، فأتاهم وقد تفرقوا، فحمد الله وأعتق رقبة.
روى الزهري قال: اشتكى عثمان رضي الله عنه فدخل عليه عليّ عائداً فقال عثمان لما رآه.
وعائذة تعوذ بغير نصح ... تود لو أن ذا دنف يموت
قيل:
لما صعد عثمان المنبر أرتج عليه فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا
المقام مقالا؛ وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام خطيب.
وكتب إلى
علي رضي الله عنهما حين أحيط به: أما بعد؛ فإنه قد بلغ السيل الزبى، وجاوز
الحزام الطبيين، وتجاوز الأمر قدره، وطمع فيّ من لا يدفع عن نفسه:
فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق
وقال عثمان رضي الله عنه: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
وكان
عثمان إذا نظر إلى قبر بكى، فقيل له في ذلك. فقال: هو أول منازل الآخرة،
وآخر منازل الدنيا، فمن شدد عليه فما بعده أشد، ومن هون عليه فما بعده
أهون.
وكان يقول: ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه.
وقال رضي الله
عنه: بلغني أن ناساً منكم يخرجون إلى سوادهم، إما في تجارة، وإما في
جباية، وغما في حشر، فيقصرون الصلاة، فلا يفعلوا، فإنما يقصر الصلاة من كان
شاخصاً، أو بحضرة عدو.
وعرض به إنسان فقال: إني لم أفر يوم عينين فقال عثمان: فلم تسيرني بذنب قد عفا الله عنه؟.
وقال:
قد اختبأت عند الله خصالا، إني لرابع الإسلام، وزوجني رسول الله صلى الله
عليه وسلم ابنته ثم ابنته، وبايعته بيدي هذه اليمنى فما مسست بها ذكرى، وما
تغنيت، ولا تمنيت، ولا شربت خمراً في الجاهلية والإسلام.
وقال: كل شيء يحب ولده حتى الحبارى. خص الحبارى لأنه يضرب بها المثل في الموق.
وروى
أن أم سلمة أرسلت إليه: يا بني، ما لي أرى رعيتك عنك مزورين، وعن جنابك
نافرين؟ لا تعفّ سبيلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبها ولا تقدح
بزند كان أكباها. توخّ حيث توخى صاحباك، فإنهما ثكما الأمر ثكماً ولم
يظلماه.
فقال عثمان رضي الله عنه: إن هؤلاء النفر رعاع غثرة تطأطأت لهن
تطأطأ الدلاة، وتلددت تلدد المضطر، أرانيهم الحق إخواناً، وأراهموني الباطل
شيطاناً، أجررت المرسون رسنه، وأبلغت الراتع مسقاته، فتفرقوا عليّ فرقاً
ثلاثاً، فصامت صمته أنفذ من صول غيره، وساعٍ أعطاني شاهده، ومنعني غائبه:
ومرخص له في مدة زينت في قلبه. فأنا منهم بين ألسن لداد، وقلوب شداد، وسيوف
حداد، عذيري الله منهم، لا ينهى عالم جاهلاً، ولا يردع أو ينذر حليم
سفيهاً، والله حسبي وحسبهم يوم لا ينطقون، ولا يؤذن لهم فيعتذرون.
وقال
عثمان رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم كلمة
لا يقولها عبد عند موته إلا حرمه الله على النار " . قال عثمان: هي الكلمة
التي ألاص عليها عمه.
وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب العالم فلن أكون إياه.
وتكلم
يوم الشورى فقال: الحمد لله الذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً
واتخذه رسولاً، صدقه وعده، ووهب له نصره على كل من بعد نسباً، أو قرب
رحماً، صلى الله عليه وسلم. جعلنا الله وإياكم له تابعين، ولأمره مهتدين.
فهو لنا نور، ونحن بأمره نقول عند تفرق الأهواء ومجازاة الأعداء، جعلنا
الله بفضله أئمة، وبطاعته أمراء، لا يخرج أمرنا منا، ولا يدخل علينا غيرنا
إلا من سفه عن القصد، وأحر بها يا ابن عوف أن تكون إن خولف أمرك وترك
دعاؤك؛ فأنا أول مجيب لك وداع إليك، كفيل بما أقول زعيم، واستغفر الله لي
ولكم، وأعوذ بالله من مخالفتكم.
وخطب حين بويع، فقال بعد حمد الله ايها الناس. اتقوا الله، فإن الدنيا كما أخبر الله عنها: " لعب ولهو وزينة وتفاخر " الآية.
فخير
العباد فيها من عصم واعتصم بكتاب الله، وقد وكلت من أمركم بعظيم، لا أرجو
العون عليه إلا من الله، ولا يوفق للخير إلا هو. " وما توفيقي إلا بالله
عليه توكلت وإليه أنيب " .
وخطب رضي الله عنه، وهو محصور فقال: أيها
الناس، إن عمر بن الخطاب صير هذا الأمر شورى في ستة، توفي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فاختاروني، وأجمعوا عليّ فأجبتهم ولم آل عن
العمل بالحق، وما توفيقي إلا بالله، وما أعلم أن لي ذنباً أكثر من طول
ولايتي عليكم، ولعل بعضكم أن يقول: ليس كأبي بكر وعمر. أجل أجل. ليت كهما،
والأشياء أشباه قريبة بعضها من بعض، وقد زعمتم أنكم تخلعوني، فأما الخلع
فلا، دون أن تعذروني بأمر لا يحل لي إلا خلعها من عنقي. وأما العتبى فلكم
ونعمة العين.
وخطب لما كثر الطعن عليه، فقال: إني والله ما أتيت ما أتيت
وأنا أجهله، ولكن منتني نفسي، وأضلتني رشدي، وقد سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " لا تمادوا في الباطل " . وأنا أول من اتعظ، فاستغفر
الله، فأشيروا عليّ، فإنه لا يردني الحق إلى شيء إلا صرت إليه.
وكان يقول: إني لأكره أن يأتي عليّ يوم لا أنظر فيه في عهد الله - يعني المصحف - .
وكان حافظاً، ولا يكاد المصحف يفارق حجره، فقيل له في ذلك فقال: إنه مبارك جاء به مبارك.
قال
بعضهم: شهدت عثمان رضي الله عنه وهو محصور في القصر فأشرف على الناس،
فسمعته يقول: يا أيها الناس إن أعظمكم عنا غناءً من كف يده وسلاحه، ولأن
اقتل قبل الدماء أحب إليّ من أن أقتل بعد الدماء. وإنه والله ما حل دم امرئ
مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال، والله ما فعلت منهن شيئاً منذ أسلمت: ثيب زان،
أو مرتد عن الإسلام، أو نفس بنفس، فيقتص منه.
قال صعصعة بن صوحان: ما
أعياني جواب أحد ما أعياني جواب عثمان رضي الله عنه، دخلت عليه فقلت:
أخرجنا من ديارنا وأبنائنا أن قلنا: ربنا الله. قال: نحن الذين أخرجنا من
ديارنا وأبنائنا أن قلنا: ربنا الله. ومنا من مات بالحبشة، ومنا من مات
بأرض المدينة.
ولما ورد ابن الزبير على عثمان رضي الله عنه بفتح
إفريقية، وأقامه للناس، فتكلم فأحسن. قال عثمان: أيها الناس: انكحوا النساء
على آبائهن وإخوتهن، فإني لم أر كابي بكر الصديق ولداً أشبه به من هذا.
وروى
عن ابن عباس أنه قال: وقع بين علي وعثمان كلام. فقال عثمان: ما أصنع بكم
إن كانت قريش لا تحبكم وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأن وجوههم شنوف
الذهب، تشرب آنفهم قبل شفاههم.
ونظر إليه معبد بن سنان وهو يغرس فسيلة،
فقال: أتغرس فسيلة، وهذه الساعة قد أظلتك؟ فقال عثمان: لأن يراني الله
مصلحاً أحب إلي من أن يراني مفسداً.
وكان يكثر النظر في المصحف، فقيل له: أنت أحفظ أصحابك للقرآن وتكثر النظر، فقال: إني أحتسب بنظري كما أحتسب بحفظي.
الباب الرابع
كلام الصحابة
عبد الله بن مسعود
خطبة له: أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، خير الملل ملة إبراهيم، وأحسن السنن سنة محمد صلى الله عليه وسلم، شر الأمور محدثاتها، ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، خير الغنى غنى النفس، خير ما ألقي في القلب اليقين، الخمر جماع الآثام، النساء حبالة الشيطان، الشباب شعبة من الجنون، حب الكفاية مفتاح المعجزة، من الناس من لا يأتي الجماعة إلا دبراً، ولا يذكر الله إلا هجراً، أعظم الخطايا اللسان الكذوب. سباب المؤمن فسق، قتاله كفر، أكل لحمه معصية، من يتأل على الله يكذبه، ومن يغفر يغفر له. مكتوب في ديوان المحسنين: من عفا عفي عنه.ومن كلامه رضي الله عنه: حدث الناس ما حدجوك بأسماعهم، ورموك بأبصارهم، فإذا رأيت منهم فترة فأمسك.
وكانت له ثلاث خصال: أولها السرار، وهو سرار رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إذنك عليّ أن تسمع سوادي. وكان معه سواك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عصاه.
وقيل له في مرضه: لو نظر إليك الطبيب. فقال: الطبيب أمرضني.
وقال: ما الدخان على النار بأدل من الصاحب على الصاحب.
قال بعضهم: اسكتتني كلمة عبد الله بن مسعود عشرين سنة حيث يقول: من كان كلامه لا يوافق فعله، فإنما يوبخ نفسه.
وقال: الدنيا كلها غموم، فما كان منها من سرور فهو ربح.
ودخل عليه عثمان رضي الله عنهما في مرضه، فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي. قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي.
وقال: القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة.
وقال: كفى بالرجل دليلاً على سخافة دينه كثرة صديقه.
وقال: كونوا ينابيع العلم مصابيح الليل، جدد القلوب، خلقان الثياب، أحلاس البيوت، تخفون في الأرض، وتعرفون في السماء.
وقال: جردوا القرآن ليربو فيه صغيركم، ولا ينأى عنه كبيركم؛ فإن الشيطان يخرج من البيت تقرأ فيه سورة البقرة.
وقال: إن التمائم والرقى والتولة من الشرك.
وقال: إنكم مجموعون في صعيد واحد يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر.
وقال:
انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وهو صريع، فقلت: قد أخزاك الله يا عدو الله،
ووضعت رجلي على مذمّره. فقال: يا رويعي الغنم، لقد ارتقيت مرتقى صعباً، لمن
الدبرة؟ فقلت: لله ولرسوله. فقال: أعمد من سيد قتله قومه. قال: ثم اجنززت
رأسه فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال: إن طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل.
وقال:
لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، من لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً،
يتهارجون كما تهارج البهائم، كرجراجة الماء الخبيث التي لا تطعم.
وقال: لأن أزاحم جملاً قد هيئ بالقطران أحب إليّ من أن أزاحم امرأة عطرة.
وقال: ما شبهت ما غبر من الدنيا إلا بثغب ذهب صفوه، وبقي كدره.
وذكر
الفتنة فقال: الزم بيتك. فقيل: فإن دخل عليّ بيتي؟ قال: كن مثل الجمل
الأورق الثفال الذي لا ينبعث إلا كرهاً، ولا يمشي إلا كرهاً.
وسار سبعاً
من المدينة إلى الكوفة في مقتل عمر رضي الله عنه فصعد المنبر وقال: إن أبا
لؤلؤة قتل أمير المؤمنين عمر. قال: فبكى الناس. قال: ثم إنا أصحاب محمد
اجتمعنا فأمّرنا عثمان ولم نأل عن خبرنا ذا فوق.
وقال: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر.
وقال: إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات أتأنق فيهن.
وقال: إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبته.
وقال: لأن أعض على جمرة حتى تبرد،أحب إلي من أن أقول لأمر قضاه الله عز وجل: ليته لم يكن.
وقال: لا أعرفن أحدكم جيفة ليل، قطرب نهار.
وقال
له رجل: إني أردت السفر فأوصني. فقال له: إذا كنت في الوصيلة فأعط راحلتك
حظها، فإذا كنت في الجدب فأسرع السير ولا تهود وإياك والمناخ على ظهر
الطريق فإنه منزل للوالجة.
وقال: لا تهذوا القرآن كهذّالشعر، ولا تنثروه نثر الدقل - يقول: لاتعجلوا في تلاوته.
وقال
لرجل: إنك إن أخرت إلى قريب بقيت في قوم كثير خطباؤهم، قليل علماؤهم، كثير
سائلوهم، قليل معطوهم، يحافظون على الحروف ويضيعون الحدود، أعمالهم تبع
لأهوائهم.
وقال: لا تعجلوا بحمد الناس ولا بذمهم، إلا عند مضاجعهم، فإن الرجل يعجبك اليوم، ويسوءك غدا، ويسوءك اليوم ويسرك غدا.
وقال: تجوزون الصراط بعفو الله، وتدخلون الجنة برحمة الله، وتقتسمونها بأعمالكم.
وقال: أد ما افترض الله تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أزهد الناس، واجتنب ما حرم الله عليك تكن أورع الناس.
وقال:
من اليقين ألا تطلب رضا أحد من الناس بسخط الله، ولا تحمد أحدا من الناس
في رزق آتاك الله، ولا تلوم أحدا من الناس فيما لم يؤتك الله؛ فإن الله جعل
الروح والراحة في اليقين و الرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.
وقال: عليكم بالعلم؛ فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده. عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبضه ذهاب أهله.
واتبعه قوم، فقال: لو علموا ما أغلق عليه بابي ما اتبعني رجلان.
وقال: ما أبالي أبالفقر بليت أم بالغنى، إن حق الله فيهما لواجب؛ في الغنى البرّ والعطف، وفي الفقر الصبر والرضا.
وقالوا: لا تعادوا نعم الله فإن الحسود عدو النعم.
سلمان الفارسي
قال له عمر رضي الله عنه لما دون الدواوين: مع من نكتبك؟ قال: مع الذين لا يريدون علوا في الأرض.قالوا: أضاف سلمان الفارسي رجلاً فقدم إليه كسراً وملحاً، فقال: أما من جبن! فرهن سلمان ركوته واشترى له خبزاً وجبناً، فلما أكل وشبع قال: رضيت بما قسم الله لي. فقال سلمان: لو رضيت بما قسم الله لم ترهن الركوة.
وكان سلمان يتعوذ بالله من الشيطان والسلطان والعلج إذا استعرب.
وقال: القصد والدوام وأنت السابق الجواد.
اشترى رجل بالمدائن شيئاً، فمر سلمان وهو أمير بها فلم يعرفه، فقال: احمل هذا معي يا علج. فحمله، فكان من يتلقاه يقول: ادفعه إلي أيها الأمير، والرجل يعتذر، وهو يقول: لا والله ما يحمله إلا العلج، حتى بلغ منزله.
وروي أنه
أخذ من بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم تمرة من تمر الصدقة فوضعها في فيه
فانتزعها عليه السلام من فمه. وقال: إنما يحل لك من هذا ما يحل لنا.
وقال:
الناس أربعة: أسد، وذئب، وثعلب، وضأن، فأما الأسد فالملوك يفرسون ويأكلون،
وأما الذئب فالتجار، وأما الثعلب فالقراء المخادعون؛ وأما الضأن فالمؤمن
ينهشه من رآه.
ودخل عليه سعد يعوده فجعل يبكي. فقال سعد: ما يبكيك يا
أبا عبد الله؟. قال: والله ما أبكي جزعاً من الموت، ولا حزناً على الدنيا.
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا: " ليكف أحدكم مثل زاد الراكب
" وهذه الأساود حولي، وما حوله إلا مطهرة وإجانة وجفنة.
وقال: أحيوا ما بين العشاءين فإنه يحط عن أحدكم من جزئه، وإياكم وملغاة أول الليل، فإن ملغاة أول الليل مهدنة لآخره.
وقال:
إن صاحب عمورية قال لي: قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم عليه السلام
مهاجره أرض ذات نخل، فقدمت وادي القرى فرأيت بها النخل فطمعت أن تكون، وما
حقت لي أن تكون.
وقال سلمان: البر لا يبلى والإثم لا ينسى.
وكتب إلى أبي هريرة: إن نافرت الناس نافروك، وإن تركتهم لم يتركوك، فأقرضهم من عرضك ليوم فقرك، وكفى بك ظالماً ألاّ تزال مخاصماً.
وكتب سلمان أيضاً إلى أبي هريرة: إنك لن تكون عالماً حتى تكون متعلماً، ولن تكون بالعلم عالماً حتى تكون به عاملاً.
أبو ذر الغفاري
لما بنى معاوية خضراء دمشق أدخلها أبا ذر رحمه الله، فقال له: كيف ترى ما ها هنا؟ قال: إن كنت بنيتها من مال الله فأنت من الخائنين، وإن كنت بنيتها من مالك فأنت من المسرفين.وقال: كان الناس زرقاً لا شوك فيه، فصاروا شوكاً لا ورق فيه.
وقال: يخضمون ونقضم، والموعد الله.
وقال: إن لك في مالك شريكين: الحدثان والوارث، فإن قدرت ألاّ تكون أخس الشركاء حظاً فافعل.
ولما أمر عثمان بتسييره إلى الربذة قال له: إني سائر إلى ربذتك، فإن مت بها فأنا طريدك، فإذا بعثني ربي حكم بيني وبينك. قال: إذا أحجك، إنك تبغي عليّ وتسعى. قال أبو ذر: إن كنت أنت الحاكم فاحججني، إن الحكم يومئذ لا يقبل الرشوة، ولا بينه وبين أحد قرابة.
نظر عثمان إلى عير مقبلة، فقال لأبي ذر: ما كنت تحب أن تكون هذه العير؟ قال: رجالاً مثل عمر.
وكان يقول: إنما مالك لك، أو للجائحة، أو للوارث، فلا تكن أعجز الثلاثة.
وقيل له: أتحب أن تحشر في مسلاخ أبي بكر؟ قال: لا. قيل: ولم؟ قال: لأني على ثقة من نفسي وشك من غيري.
وشتمه رجل، فقال له أبو ذر: ياهذا لا تغرق في سبنا ودع للصلح موضعاً، فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.
وقال أبو ذر: ما تقدر قريش أن تفعل بي؟ والله للذل أحب إليّ من العز. ولبطن الأرض أحب إليّ من ظهرها.
وقال: أيها الناس، إن آل محمد صلى الله عليه وسلم هم الأسرة من نوح، والآل من إبراهيم، والصفوة والسلالة من إسماعيل، والعترة الطيبة الهادية من محمد صلى الله عليه وسلم فأنزلوا آل محمد بمنزلة الرأس من الجسد، بل بمنزلة العينين من الرأس، فإنهم فيكم كالسماء المرفوعة، وكالجبال المنصوبة، وكالشمس الضاحية، وكالشجرة الزيتونة أضاء زيتها وبورك زندها.
وقيل له: ما تقول في النبيذ؟ قال: شربه حلال، وتركة مروءة.
وقال لغلامه: لم أرسلت الشاة على علف الفرس. قال: أردت أن أغيظك. قال: لأجمعن مع الغيظ أجراً، أنت حر لوجه الله.
وقال: نرعى الخطائط ونرد المطائط، وتأكلون خضماً ونأكل قضماً والموعد الله.
وقال: إنكم في زمان الناس فيه كالشجرة المخضودة لا شوك لها، إن دنوت منهم لاطفوك، وإن أمرتهم بمعروف أطاعوك، وإن نهيتهم عن منكر لم يعادوك، وسيأتي زمن الناس فيه كالشوك، إن دنوت منهم آذوك، وإن أمرتهم بمعروف عصوك، وإن نهيتهم عن منكر عادوك، فرحم الله رجلاً تصدق من عرضه ليوم فاقته.
وقال للقوم الذين حضروا وفاته: أنشدكم الله والإسلام أن يكفنني منكم رجل كان أميراً أو عريفاً أو بريداً أو نقيباً.
وجاءت إليه ابنته عليها محش من صوف، فقالت: يا أبه زعم الزاعمون أن أفلسك بهرجة. قال: ضعي ثقتك واحمدي الله، إن أباك ما أمسى يملك حمراء ولا صفراء إلا أفلسك هذه.
وقال أبو ذر: فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوتي من الجمعة إلى الجمعة مد، لا والله لا أزداد عليه حتى ألقاه.
وكان يقول: اللهم أمتعنا بخيارنا، وأعنا على شرارنا.
وقال: الحمد لله الذي جعلنا من أمة تغفر لهم السيئات، ولا تقبل من غيرهم الحسنات.
وروى
في حديث إسلامه قال: قال لي أخي أنيس: إن لي حاجة بمكة، فانطلق، فراث،
فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلاً على دينك يزعم أن الله أرسله. قلت: فما
يقول الناس؟ قال: يقولون: ساحر شاعر كاهن. قال أبو ذر: وكان أنيس أحد
الشعراء. فقال: والله لقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فلا يلتئم على لسان
أحد. ولقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون.
قال أبو ذر: فقلت: اكفني حتى أنظر. قال: نعم، وكن من أهل مكة على حذر،
فإنهم قد شنفوا له وتجهموا.
فانطلقت فتضعفت رجلاً من أهل مكة، فقلت: أين
هذا الرجل الذي تدعونه الصابئ؟ قال: فمال عليّ أهل الوادي بكل مدرة وعظم
وحجر، فخررت مغشياً عليّ، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم
فغسلت عني الدم، وشربت من مائها، ثم دخلت بين الكعبة وأستارها، فلبثت بها
ثلاثين من بين يوم وليلة، ومالي بها طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت
عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع.
قال: فبينما أهل مكة في ليلة
قمراء إضحيان، قد ضرب الله على أصمختهم، فما يطوف بالبيت غير امرأتين،
فأتيا عليّ وهما يدعوان إسافاً ونائلة فقلت: أنكحوا أحدهما الأخرى. قال:
فما ثناها ذلك، فقلت: وذكر كلاماً فاحشاً لم يكن عنه، فانطلقتا وهما
تولولان وتقولان: لو كان ها هنا أحد من أنفارنا. فاستقبلهما رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأبو بكر بالليل وهما هابطان من الجبل. فقال لهما: ما لكما؟
قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قال: فما قال لكما؟ قالتا: كلمة تملأ
الفم. ثم ذكر أنه خرج إليه، وسلم عليه، وأنه أول من حياه بتحية الإسلام،
قال: وذهبت لأقبل بين عينيه فقدعني صاحبه.
المغيرة بن شعبة
ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: كان أفضل من أن يخدع، وأعقل من أن يخدع، وما رأيت مخاطباً له قط إلا رحمته كائناً من كان.وقال: من أخر حاجة الرجل فقد ضمنها.
وقال له عمر رضي الله عنه: ما أدري كيف أعامل أهل الكوفة؟ إن أرسلت إليهم مؤمناً ضعفوه، وإن أرسلت إليهم قوياً فجروه. فقال المغيرة: يا أمير المؤمنين، الضعيف إيمانه له وعليك ضعفه، والفاجر قوته لك وعليه فجوره. فولاه الكوفة.
وقال: ملكت النساء على ثلاث طبقات: كنت أرضيهن في شبيبتي بالباه، فلما شبت أرضيتهن بالمداعبة والمفاكهة، فلما كبرت أرضيتهن بالمال.
وقيل له: إن بوابك يأذن لأصحابه قبل أصحابك. فقال: إن المعرفة لتنفع عند الكلب العقور، والجمل الصئول، فكيف بالرجل الكريم؟.
ورأى عروة بن مسعود يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ويتناول لحيته يمسها، فقال: أمسك يدك عن لحية النبي صلى الله عليه وسلم قبل ألا تصل إليك. فقال عروة: يا غدر، وهل غسلت رأسك من غدرتك إلا بالأمس؟ وحديث غدرته أنه خرج مع سبعة نفر من بني مالك إلى مضر، فعدا عليهم فقتلهم جميعاً وهم نيام، واستاق العير ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجبوا من العجب.
وقال: السفلة من لا يبالي ما قال وما قيل له، ولا ما فعل ولا ما فعل به.
وقال: ما صنعت لرجل حاجة إلا كنت أضن بها منه حتى أربها.
عمرو بن العاص
قال: ثلاث لا أملهن: جليسي ما فهم عني، وثوبي ما سترني، ودابتي ما حملت رحلي.وقال لعبد الله بن عباس يوم صفين: إن هذا الأمر الذي نحن وأنتم فيه ليس بأول أمر قاده البلاء، وقد بلغ الأمر بنا وبكم ما ترى، وما أبقت لنا هذه الحرب حياة ولا صبراً، ولسنا نقول: ليت الحرب عادت، لكنا نقول: ليتها لم تكن فانظر فيما بقي بعين ما مضى، فإنك رأس هذا الأمر بعد علي، وإنما هو أمير مطاع، ومأمور مطيع، ومشاور مأمون، وأنت هو.
نصب معاوية قميس عثمان على المنبر، فبكى أهل الشام. فقال: هممت أن أدعه على المنبر. فقال له عمرو: إنه ليس بقميص يوسف، وإنه إن طال نظرهم إليه وبحثوا عن السبب وقفوا على ما لا تحب، ولكن لذعهم بالنظر إليه في الأوقات.
وقال لابنه وقد ولي ولاية: انظر
حاجبك فإنه لحمك ودمك، فلقد رأينا بصفين وقد اشرع قوم رماحهم في وجوهنا،
ما لنا ذنب إليهم إلا الحجاب.
وقال: ما وضعت سري عند أحد قط فأفشاه فلمته، لأني أحق باللوم أن كنت أضيق صدراً منه.
وكان
بين طلحة بن عبيد الله والزبير مداراة في واد بالمدينة، فقالا: نجعل بيننا
عمرو بن العاص، فأتياه فقال لهما: أنتما في فضلكما وقديم سوابقكما ونعمة
الله عليكما تختلفان، وقد سمعتما من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما
سمعت، وحضرتما من قوله مثل الذي حصرت، فيمن اقتطع شبراً م، أرض أخيه بغير
حق أنه يطوقه من سبع أرضين. والحكم أحوج إلى العدل من المحكوم عليه، وذلك
لأن الحكم إذا جار رزئ في دينه، والمحكوم عليه إذا جير عليه رزئ عرض
الدنيا. إن شئتما فأدليا بحجتكما، وإن شئتما فاصطلحا، وأعطى كل واحد منهما
صاحبه الرضا.
وقال: ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر، ولكنه الذي يعرف خير الشرين.
قال
المدائني: جعل لرجل جعل على أن يسأل عمرو بن العاص وهو على المنبر عن أمه،
فلما قام على المنبر، قال له: يا عمرو، من أمك؟ قال: سلمى بنت خزيمة، تلقب
بالنابغة، من بني جلان من عنزة، أصابتها رماح العرب فصارت للفاكه بن
المغيرة، ثم صارت إلى عبد الله بن جدعان، ثم صارت للعاص بن وائل فولدت
فأنجبت؛ اذهب فخذ جعلك الذي جعل لك.
وقال عمر رضي الله عنه يوماً
لجلسائه - وفيهم عمرو بن العاص - : ما أحسن كل شيء؟ فقال كل رجل برأيه
وعمرو ساكت، فقال عمر: ما تقول؟ قال: الغمرات ثم ينجلين.
وكان يقول: عليكم بكل أمر مزلقة مهلكة. أي عليكم بجسام الأمور.
ونظر
إليه على بغلة؟ قد شمط وجهها هرماً، فقيل له: أتركب هذه وأنت على أكرم
ناخرة بمصر؟ فقال: لا ملل عندي لدابتي ما حملت رحلي، ولا لامرأتي ما أحسنت
عشرتي، ولا لصديقي ما حفظ سري، إن الملل من كواذب الأخلاق.
وقال لعائشة: لوددت أنك قتلت يوم الجمل. فقالت: ولم؟ لا أبالك! قال: كنت تموتين بأجلك، وتدخلين الجنة، ونجعلك أكبر تشنيع على عليّ.
وروي
عن ابن عباس قال: دخلت على عمرو بن العاص وقد احتضر. فقلت: يا أبا عبد
الله إنك كنت تقول: أشتهي أن أرى عاقلاً يموت حتى أسأله كيف يجد، فكيف
تجدك؟ فقال: أجد السماء كأنها مطبقة على الأرض وأنا بينهما، وأراني كأني
أتنفس من خرت إبرة. ثم قال: اللهم خذ مني حتى ترضى، ثم رفع يده فقال: اللهم
أمرت فعصينا، ونهيت فركبنا، فلا برئ فأعتذر، ولا قوي فأنتصر، ولكن لا إله
إلا الله. - ثلاثاً - ثم فاز.
وقال: إذا أنا أفشيت سري إلى صديقي فأذاعه فهو في حل. فقيل له: وكيف؟ قال: أنا كنت أحق بصيانته.
وقال لبنيه: اطلبوا العلم، فإن استغنيتم كان جمالاً، وإن افتقرتم كان مالاً.
وقدم
على عمر من مصر، وكان واليه عليها، فقال: كم سرت؟. قال: عشرين. فقال عمر:
لقد سرت سير عاشق. فقال عمرو: إني والله ما تأبطتني الإماء ولا حملتني
البغايا في غبرّات المآلي. فقال عمر: والله ما هذا بجواب الكلام الذي سألتك
عنه، وإن الدجاجة لتفحص في الرماد فتضع لغير الفحل، والبيضة منسوبة إلى
طرفها. فقام عمرو متربد الوجه.
قال عمرو: يا بني، إمام عادل خير من مطر
وابل، واسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان ظلوم خير من فتنة تدوم، ولأن
تمازح وأنت مجنون خير من أن يمازحك مجنون، وزلة الرجل عظم يجبر، وزلة
اللسان لا تبقي ولا تذر، واستراح من لا عقل له.
وكتب إلى عمر رضي الله
عنه: يا أمير المؤمنين، إن البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف، دود على عود،
بين غرق وبرق. فقال عمر: لا يسألني الله عن أحد حملته فيه.
وقال: إن ابن
حنتمة بعجت له الدنيا معاها، وأطعمته شحمتها، وأمطرت له جوداً سال منها
شعابها، ودفقت في محافلها فمصّ منها مصّا، وقمص منها قمصاً، وجانب غمرتها
ومشى ضحضاحها وما ابتلت قدماه، ألا كذاك أيها الناس؟ قالوا: نعم رحمه الله.
وقال لعثمان وهو على المنبر: يا عثمان؟ إنك قد ركبت بهذه الأمة نهابير من الأمر، وزغت وزاغوا فاعتدل أو اعتزل.
وكان
في سفر، فرفع عقيرته بالغناء، فاجتمع الناس، فقرأ فتفرقوا. فعل ذلك وفعلوه
غير مرة. فقال: يا بني المتكاء، إذا أخذت في مزامير الشيطان اجتمعتم، وإذا
أخذت في كتاب الله تفرقتم!
وقيل له في مرضه: كيف تجدك؟ قال: أجدني أذوب ولا اثوب، أجدني نجوي أكثر من رزئي.
وكتب
إلى معاوية: إنه ليس أخو الحرب من يضع خور الحشايا عن يمينه وشماله،
ويعاظم الأكلاء اللقم، ولكنه من حسر عن ذراعيه، وشمر عن ساقيه، وأعد للأمور
آلاتها، وللفرسان أقرانها.
وقال له عثمان رضي الله عنه: قم فاعذرني عند
الناس فقد كثر طعنهم علي، فقام فحمد الله وأثنى عليه، وذكر النبي صلى الله
عليه وسلم، وما أكرمه الله به، ثم قال: إني قد صحبت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ورأيته، وقد سبق منكم من سبق فرأى ما لم أر، فرأيت السعة تكون
فيعمها الناس دون نفسه، وتكون الخصاصة فيخصها نفسه وأهل بيته دون الناس.
ثم ولى الناس أبو بكر، فسلك سبيله، حتى خرج من الدنيا في ثوب ليس له رداء.
ثم
وليها ابن حنتمة فانبعجت له الدنيا فقمص منها قمصا، ومصها مصا، وجانب
غمرتها، ومشى في ضحضاحها حتى خرج مشمراً، ما ابتلت عقبه. أكذاك أيها الناس؟
قالوا: اللهم نعم.
ثم ولى عثمان فقلتم تلومونه، وقال يعذر نفسه، فعلى
رسلكم، فرب أمر تأخيره خير من تعجيله، وإن الحسير يبلغ، والهزيل يبقى ثم
جلس، فقال عثمان رضي الله عنه: ما زلت منذ اليوم فيما لا ينفع أهلك. قال:
فإني قلت بما أعلم.
وقال يوم صفين: يا أهل الشام، أقيموا صفوفكم مثل قص
الشارب، وأعيرونا جماجمكم ساعة من نهار، فقد بلغ الحق مقطعه، وإنما هو ظالم
أو مظلوم.
وقال له سلامة بن روح الجذامي: إنه كان بينكم وبين العرب باب فكسرتموه، فما حملكم على ذلك؟ قال: أردنا أن نخرج الحق من حفير الباطل.
ولما
أخرج عمر إليه - وهو بمصر والياً لها من جهته - محمد بن مسلمة الأنصاري،
فشاطره ماله. قال عمرو بن العاص: لعن الله زماناً كنت فيه والياً لعمر،
والله لقد رأيته في الجاهلية وأباه، وعلى رأس كل واحد منهما حزمة من حطب،
وعلى كل واحد منهما عباءة قطوانية ما تواري مآبض ركبتيه، وما كان العاص بن
وائل يلبس في الجاهلية إلا الديباج مزرراً بالذهب. فقال محمد بن مسلمة: عمر
- والله - خير منك، فأما أبوك وأبوه ففي النار، وأيم الله لولا الذي سنيت
لألفيت معتقلاً شاة يسرك غزرها، ويسوؤك جمادها. قال: صدقت، ولكني غضبت فقلت
ما قلت، وهي أمانة عندك لن تذكرها لعمر.
وقال عمرو لمعاوية: لا يكن شيء
آثر عندك في أمر رعيتك، وتكون له اشد تفقداً منك كخصاصة الكريم، أن تعمل
في سدها، وكطغيان اللئيم أن تقمعه، واستوحش من الكريم الجائع، ومن اللئيم
الشبعان. فإن الكريم يصول إذا جاع، واللئيم يصول إذا شبع.
وقال: جمع العجز إلى التواني، فنتج بينهما الندامة، وجمع الحزم إلى الكسل، فخرج بينهما الحرمان.
وقال: من طلب لسره موضعاً فقد أشاد به.
طلحة
قال لعمر رضي الله عنه حين استشارهم في جموح الأعاجم: قد حنكتك الأمور، وجرستك الدهور، وعجمتك البلايا، فأنت ولي ما وليت، لا ينبو في يديك، ولا يحول عليك.لما حصر عثمان رضي الله عنه جاء علي عليه السلام إلى طلحة، وهو مسند ظهره إلى وسادة في بيته فقال: أنشدك الله لما رددت الناس عن عثمان. فقال طلحة: لا والله حتى تعطي بنو أمية من أنفسها.
قال ابن عباس: بعثني علي رضي الله عنه بالبصرة إلى طلحة والزبير فأتيتهما فقلت لهما: أخوكما يقرئكما السلام، ويقول لكما: ما الذي نقمتما عليّ؟ استشار بفيء أو جور في حكم؟ قال: فأما الزبير فسكت، وأما طلحة فقال: لا واحدة من ثنتين.
أبو موسى الأشعري
قال: من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط.وقيل له زمن علي عليه السلام ومعاوية: أهي؟ فقال: إنما هذه الفتنة، حيصة من حيصات الفتن، وبقيت الرداح المظلمة، التي من أشرف لها أشرفت له.
كتب معاوية إلى أبي موسى بعد الحكومة - وهو يومئذ بمكة عائذ بها من علي عليه السلام، وإنما أراد بكتابته أن يضمه إلى الشام - : " أما بعد؛ فإنه لو كانت النية تدفع خطأ لنجا المجتهد، وأعذر الطالب، ولكن الحق لمن قصد له فأصابه، ليس لمن عارضه فأخطأه. وقد كان الحكمان إذا حكما على رجل لم يكن له الخيار عليهما. وقد اختار القوم عليك، فاكره منهم ما كرهوا منك، فأقبل إلى الشام فهي أوسع لك.
فكتب أبو موسى إليه: أما بعد؛ فإني لم اقل في علي إلا بما
قال صاحبك فيك. إلا أني أردت ما عند الله، وأراد عمرو ما عندك، وقد كانت
بيننا شروط، والشورى عن تراض، فلما رجع رجعت، فأما الحكمان وأنه ليس
للمحكوم عليه الخيار، فإنما ذلك في الشاة والبعير، فأما في أمر هذه الأمة
فليس أحد آخذاً لها بزمام ما كرهوا، وليس يذهب الحق لعجز عاجز ولا مكيدة
كائد. وأما دعاؤك إياي إلى الشام، فليست بي رغبة عن حرم إبراهيم عليه
السلام.
فلما بلغ علياً عليه السلام قوله رق له، وأحب أن يضمه إليه، فكتب إليه: أما بعد: فإنك رجل أمالك الهوى، واستدرجك الغرور.
ولما
هجن أبو موسى فرس حجل بن نضلة قال له حجل: أنت بالبقر أبصر. قال أبو موسى:
أما إنك إذا أصبتها صغيرة الرأس لطيفة الأذن دقيقة القرن، سابغة الغبب،
واسعة الجفرة، رقيقة الذنب فإنها مما تكون كريمة.
ابن عمر
كتب إليه رجل يسأله عن العلم؛ فأجابه: إنك كتبت تسأل عن العلم. والعلم أكثر من أن أكتب به إليك، ولكن إن استطعت أن تلقى الله عز وجل كافّ اللسان عن أعراض المسلمين، خفيف الظهر من دمائهم، خميص البطن من أموالهم، لازماً لجماعتهم فافعل.وقال ابن عمر: كان الرجل إذا أراد أن يعيب جاره طلب الحاجة إلى غيره.
استأذن على الحجاج ليلاً، فقال الحجاج: إحدى حماقات أبي عبد الرحمن. فدخل، فلما وصل قال له الحجاج: ما جاء بك؟ قال: ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات وليس في عنقه بيعة لإمام مات ميتة جاهلية " فمد إليه رجله، فقال: خذ فبايع. أراد بذلك الغض منه.
سئل ابن عمر: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يلتفت في الصلاة؟ فقال: لا، ولا في غير الصلاة.
وكان إذا حدثه محدث فقال: زعموا. قال له ابن عمر: " زعموا " من زوامل الكذب.
وجاء إليه رجل فقال: الزنا يقدر؟ قال: نعم. قال: يقدر عليّ ثم يعذبني! قال: نعم يابن اللخناء.
وقيل له: إن المختار يزعم أنه أوحي إليه. قال: صدق، أما سمعت قول الله تعالى: " وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم " .
قال بعضهم: أتيته، فقلت: أتجب الجنة لعامل بكل الخيرات وهو مشرك؟ فقال: لا. قلت له: أتجب النار لعامل بالشر كله وهو موحد؟ فقال ابن عمر: عش ولا تفتر. فأتيت ابن عباس فسألته، فأجابني بمثل جوابه سواء قال: عش ولا تفتر.
ورأى رجلاً محرماً قد استظل، فقال: اضح لمن أحرمت له.
وروي أنه شهد فتح مكة وهو ابن عشرين سنة، ومعه فرس حرون، وجمل جرور وبردة فلوت، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يختلي لفرسه فقال: إن عبد الله إن عبد الله. وقال: لو لقيت قاتل أبي في الحرم ما لهدته.
وذكرت عنده الفتنة، فقال: لأكونن فيها مثل الجمل الرداح، الذي يحمل عليه الحمل الثقيل، فيهرج فيبرك، ولا ينبعث حتى ينحر.
جاء إليه رجل قد حج بأمة على ظهره. فقال: أتراني قضيتها؟ قال ابن عمر: لا، ولا طلقة واحدة.
وقال: ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية. قيل: ولا عمر؟ قال: كان عمر خيراً منه، وكان معاوية أسود من عمر.
وبلغه أن معاوية قتل حجراً واصحابه، فقال: إن معاوية كان جملاً طباً نباطياً، وإن ابن سمية تركه حماراً مصرياً.
وقف عبد الله بن عامر بن كريز بعرفات يوم عرفة، ومعه جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عبد الله بن عمر وجماعة من التابعين، فقال: كيف ترون وقفي هذا؟. يريد: العين والحياض التي وقفها على الحاج. فكل أثنى وقرّظ، وقال: هذا وقف شريف في يوم عظيم، وابن عمر ساكت لا يتكلم، فقال له: يا أبا عبد الرحمن، ما لك لا تتكلم؟ فقال: إذا طابت المكسبة زكت النفقة، وسترد فتعلم.
أتى رجل الحسن بن علي عليهما السلام فسأله، فقال له الحسن: إن المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح، أو فقر مدقع، أو حمالة مفظعة. فقال الرجل: ما جئت إلا في إحداهن، فأمر له بمائة دينار.
ثم أتى الحسين عليه السلام فسأله، فقال له مثل مقالة أخيه، فرد عليه مثل ما رد على أخيه، قال: كم أعطاك؟ فأخبره، فنقصه ديناراً عن مائة وأعطاه، وكره أن يساوي أخاه.
ثم أتى الرجل عبد الله بن عمر. فسأله، فأعطاه سبعة دنانير ولم يسأله عن شيء، فقال: إني أتيت الحسن والحسين رضي الله عنهما واقتص كلامهما وما أعطياه. فقال عبد الله: ويحك. وأين تجعلني منهما؟ إنهما غرا العلم غرا.
وقال: إنا معشر قريش نعد الحلم والجود سؤدداً، ونعد العفاف والصلاح مروءة.
ورأى جارية صغيرة تغنى فقال: لو ترك الشيطان أحداً لترك هذه.
أبو الدرداء
كان يقول: أبغض الناس إليّ أن أظلمه، من لا يستعين عليّ بأحد إلا الله. وقال: من هوان الدنيا على الله ألا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها.وقال: نعم صومعة المرء منزله، يكف فيه بصره ونفسه وفرجه، وإياكم والجلوس في الأسواق فإنها تلغي وتلهي.
وقال: لولا ثلاث لصلح الناس: هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه.
وقال: بئس العون على الدين قلب نخيب، وبطن رغيب، ونفط شديد.
وقال: لأنا أعلم بشراركم من البيطار بالخيل، هم الذين لا يأتون الصلاة إلا دبراً، ولا يستمعون القول إلا هجراً، ولا يعتق محررهم.
وقال: خير نسائكم التي تدخل قيسا، وتخرج ميساً، وتملأ بيتها أقطاً وحيساً، وشر نسائكم السلفعة البلقعة، التي تسمع لأضراسها قعقعة، ولا تزال جاريتها مفزعة.
وقال: معروف زماننا منكر رمان قد فات، ومنكره معروف زمان لم يأت.
سئل عن قوله تعالى: " كل يوم هو في شأن " . فقال: سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من شأنه أن يغفر ذنباً، ويكشف كرباً، ويرفع أقواماً ويضع آخرين.
وقال أبو الدرداء: إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل، ليكون أقوى لها على الحق.
وأتى باب معاوية فلم يؤذن له، فقال: من يأت سدد السلطان يقم ويقعد، ومن يجد باباً مغلقاً يجد إلى جنبه فتحاً رحباً، إن دعا أجيب، وإن سأل أعطي.
وقال: من يتفقد يفقد، ومن لا يعد الصبر لفواجع الأمور يعجز.
وقال: إن قارضت الناس قارضوك، وإن تركتهم لم يتركوك. قال الرجل: فكيف أصنع؟ قال: أقرض من عرضك ليوم فقرك.
وقال: سلوني، فلئن فقدتموني لتفقدن زملاً عظيماً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال: أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث، أضحكني مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل ليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فيه ولا يدري أراض عليه ربه أم غضبان. وابكاني هول المطلع، وانقطاع الأمل، وموقفي بين يدي الله عز وجل، لا أدري أيؤمر بي إلى الجنة أم إلى النار.
وقال: ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون!؟.
وقيل له: فلان يقرئك السلام. قال: هدية حسنة ومحمل خفيف.
وأشرف على معاوية وعمرو بن العاص وهما جالسان، فجاء فجلس بينهما، ثم قال: هل تدريان لم قعدت بينكما؟ قالا: لا. قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص مجتمعين فافرقوا بينهما، فإنهما لن يجتمعا على خير.
وقال: مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها.
وقال: أخوف ما أخاف إذا وقفت للحساب أن يقال لي: قد علمت، فماذا عملت فيما قد علمت.
عبد الله بن عمرو بن العاص
قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يطلع من هذا الفج رجل من أمتي ويبعث يوم القيامة على غير ملتي " . قال: وكنت تركت أبي يتوضأ ودعا بثيابه ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فكنت كضابط البول مخافة أن يكون أبي؛ إذ طلع معاوية، فقال عليه السلام: هذا هو.وسأله أبوه عن السؤدد، فقال: اصطناع العشيرة، واحتمال الجريرة. وعن الشرف، فقال: كف الأذى، وبذل الندى. وعن المروءة، فقال: عرفان الحق، وتعهد الصنيعة. وعن السناء، فقال: استعمال الأدب، ورعاية الحسب. وعن المجد، فقال: حمل المغارم، وابتناء المكارم. وعن الحلم، قال: كظم الغيظ، وملك الغضب. وعن الحزم، فقال: تنتظر فريستك، ولا تعاجل حتى يمكنك. وعن الرفق. فقال: أن تكون ذا أناة، دون مخاشنة الولاة. وعن السماحة، قال: حب السائل، وبذل النائل. وعن الجود، قال: أن ترى نعماك زائدة، والعطية فائدة. وعن الغنى، قال: قلة تمنيك، والرضا بما يكفيك. وعن الفقر، قال: شره النفس، وشدة القنوط. وعن الرقة، قال: اتباع اليسير، ومنع الحقير. وعن الجبن، قال: طاعة الوهل، وشدة الوجل. وعن الجهل، قال: سرعة الوثاب، والعيّ بالجواب.
حسان
قال لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام - وعنده المهاجرون والأنصار - : والله يا أمير المؤمنين ما نقول: إنك قتلت عثمان، ولكنك خذلته، وما نقول: إنك أمرت بقتله، ولكنك لم تنه. والخذل أخو القتل، والسكوت أخو الرضا، وإن صاحبه لغيرك.وكان إذا دعي إلى طعام قال: أفي عرس أو خرس أو إعذار؟ فإن كان في واحد من ذلك أجاب، وإلا لم يجب.
وروي أنه أخرج لسانه فضرب به روثة أنفه، ثم أدلعه فضرب به نحره. وقال: يا رسول الله. ادع لي بالنصر.
واستأذن النبي عليه السلام في هجاء المشركين، فقال: كيف بنسبي فيهم؟ قال: لأسألنك منهم كما تسل الشعرة من العجين.
وقيل له: لم لم ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو أجلّ من ذلك.
وقال
له النبي صلى الله عليه وسلم: " ما بقي من لسانك؟ فأخرج لسانه حتى قرع
بطرفه أرنبته، وقال: إني والله لو وضعته على صخر لفلقه، أو على شعر لحلقه،
وما يسرني به مقول من معد.
وروى عبد الرحمن بن حسان عن أبيه قال: بدت
لنا معشر الأنصار إلى الوالي حاجة، وكان الذي طلبنا أمراً صعباً، فمشينا
إليه برجال من قريش فكلموه، وذكروا له وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم
بنا، فذكر صعوبة الأمر فعذره القوم وخرجوا، وألح عليه ابن عباس فوالله ما
وجد بداً من قضاء حاجتنا.
فخرجنا حتى دخلنا المسجد، فإذا الناس فيه
أندية. قال حسان: فصحت: إنه والله كان أولاكم بها. إنه والله صبابة النبوة،
ووراثة أحمد. وتهذيب أعراقه، وانتزاع شبه طباعه. فقال القوم: أجمل يا
حسان. وقال ابن عباس: صدقوا، فأجمل.
فأنشأ حسان يقول مادحاً لابن عباس
أبياتاً يقول فيها: خلقت حليفاً للمروءة والندة مليحاً، ولم تخلق كهاماً
ولا جبلاً فقال الوالي: ما أراد بالكهام ولا الجبل غيري، فالله بيني وبينه،
وكان الوالي عمر أو عثمان رضي الله عنهما.
بلال
سأله رجل، وقد أقبل من الحلبة، فقال له: من سبق؟ قال: المقربون. قال: إنما أسألك عن الخيل. قال: وأنا أجيبك عن الخير.أبو هريرة
قال: إذا نزلت برجل فلم يقرك فقاتله.ونظر إلى عائشة بنت طلحة فقال: سبحان الله، ما أحسن ما غذاها أهلها! ما رأيت أحسن منها إلا معاوية.
وكان يحمل حزمة حطب وهو أمير، ويقول: وسعوا للأمير. وكان يجئ على حماره ويقول: الطريق الطريق قد جاء الأمير.
أتاه رجل فقال: كنت صائماً فدخلت داراً فأطعموني، ولم أدر. قال: الله أطعمك. فقال: ثم دخلت داراً أخرى، فسقوني ولم أدر. قال: أطعمك الله وسقاك. فقال: ثم دخلت داري فجامعت ولم أدر. فقال أبو هريرة: يا هذا، ليس ذا فعل من تعوذ الصيام.
وأردف غلامه خلفه فقيل له: لو أنزلته يسعى خلفك. فقال: لأن يسير معي ضغثان من نار يحرقان مني ما أحرقا. أحب إلي من أن يسعى غلامي خلفي.
وقال: إن للإسلام صوى ومناراً كمنار الطريق.
وسئل عن القبلة للصائم، فقال: إني لأرف شفتيها وأنا صائم.
ومر بمروان، وهو يبني بنياناً له، فقال: ابنوا شديداً وأملوا بعيداً، واخضموا فسنقضم.
وقال: مثل المؤمن الضعيف، كمثل خافت الزرع يميل مرة ويعتدل أخرى.
وقال: لما افتتحنا خيبر إذا ناس من يهود مجتمعون على خبزة يملونها، فطردناهم عنها فأخذناها فاقتسمناها فأصابني كسرة، وقد كان بلغني أنه من أكل الخبز سمن، فلما أكلتها جعلت أنظر في عطفيّ، هل سمنت؟.
وقال: لم يكن يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الوديّ، ولا صفقُ بالأسواق.
وقال: الصوم في الشتاء غنيمة باردة.
وقال: إن فرس المجاهد يستن في طوله، فتكتب له حسنات.
ووصف أصحاب الدجال، فقال: عليهم السيجان. شواربهم كالصياصي، وخفافهم مخرطمة.
وقال: تعس عبد الدينار والدرهم، الذي إن أعطي مدح وضبح، وإن منع قبح وكلح، تعس فلا انتعش، وشيك فلا انتقش.
قال بعضهم: كنت مع الحسن عليه السلام، فلقيه أبو هريرة فقال: هات أقبل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل. فوضع فاه على سرته فقبلها.
وقال: المروءة تقوى الله، وإصلاح الضيقة، والغداء والعشاء بالأفنية.
وقال له رجل: أريد أن أتعلم العلم، وأخاف أن أضيعه قال: كفى بترك العلم إضاعة.
كتب يزيد بن معاوية إلى أبي هريرة يأمره أن يخطب عليه هند بنت سهيل ابن عمرو أخي بني عامر بن لؤي. فجاءها أبو هريرة فخطبها على يزيد، فقالت له: فإن حسن بن عليّ خطبني، وإني أستشيرك فأشر عليّ. فقال: إني أشير عليك أن تضعي فاك حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاه، فتزوجت الحسن عليه السلام.
وقال له فتى: إنا نسابق بالحمام. فقال له أبو هريرة: هذا من عمل الصبيان، إذا كبرتم تركتموه.
عمار
قال بعضهم: كنا عند عمار يوم صفين، فقال: من الراجز؟ ارجز بالعجوزين. فقال له رجل: تقولون ذا يا أصحاب محمد! فقال: إن المشركين لما هجونا اشتد ذلك علينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا لهم كما يقولون لكم. إما أن تجلس، وإما أن تقوم.لم يشهد بدراً أحد أبواه مؤمنان إلا عمار بن ياسر. وكان لدة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحمي له الأرض يرعى فيها غنمه.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما لكم ولابن سمية؟ يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار.
وكان عمار يقول: الجنة تحت البارقة: يريد السيوف.
ووشى به رجل إلى عمر رضي الله عنه، فقال عمار: اللهم إن كان كذب عليّ فاجعله موطأ العقب. كأنه دعا عليه بأن يكون سلطاناً يطأ الناس عقبه.
وقال يوم صفين: لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر علمت أنّا على الحق، وأنهم على الباطل.
وقال له رجل: أيها العبد الأجدع. وكانت أذنه أصيبت في سبيل الله، فقال: عيرتموني بأحب أذنيّ إليّ.
وقال لقوم: جروا الخطير ما انجرّ لكم. الخطير: زمام الناقة، يريد: امضوا على أمركم ما أمكنكم.
ولما بايع أبو موسى قال عمار لعلي: والله لينقضنّ عهده، وليخلفنّ وعده، وليفرّنّ جهده، وليسلمنّ جنده.
وقال: ثلاث من جمعهن جمع خصال الإيمان: الإنفاق في الإقتار، والإنصاف من النفس، وإفشاء السلام.
الزبير
لما كان يوم الجمل صاح عليّ بالزبير فخرج إليه، فقال له: يا أبا عبد الله: لئن كان حل لك خذلاننا إنه لحرام عليك قتالنا. قال: أفتحبّ أن أنصرف عنك؟ قال: ومالي لا أحب ذلك؟ وأنت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه وابن عمته، فعارضه ابنه عبد الله، فقال له: يا أبه، ما الذي دهاك؟ فأخبره خبره. فقال: قد أنبأك ابن أبي طالب مع علمك بذلك، إنك بزمام الأمر أولى منك بعنان فرسك، ولئن أخطأك أن يقول الناس جبّنه عليّ ليقولنّ خدعه. فقال الزبير: ليقل من شاء ما شاء، فوالله لا أشري عملي بشيء، ومع ذلك للدنيا أهون علي من ضبحة سحماء. وانصرف راجعاً.ومن كلام الزبير: يكفيني من خضمهم القضم، ومن نصهم العنق.
ضرب الزبير يوم الخندق رجلاً فقطعت ضربته الدرع ومؤخر الجوشن حتى خلصت إلى عجز الفرس، فلما رأى أبو بكر رضي الله عنه ما صنعت ضربه الزبير، قال: يا أبا عبد الله، ما أجود سيفك! فغضب الزبير وقال: أما والله لو كان إلى السيف ما قطع، ولكني أكرهته بقلب مجتمع وقوة ساعد فقطع. فقال أبو بكر: ما أردنا غضبك يا أبا عبد الله.
قالوا: أدرك عثمان رضي الله عنه الزبير، وعثمان في موكبه يريد مكة بذات الجيش، ولموكب عثمان حس، قد ظهرت فيه الدواب والنجائب، والزبير على راحلة له، ومعه غلمان له وزوامل. فقال له عثمان: سر يا أبا عبد الله، فقال: سيكفيني القضم من خضمكم، والعنق من نصكم.
قال يوم الشورى لما تكلم عبد الرحمن بن عوف، وأخرج نفسه من الشورى ليقلد من يرضاه: " أما بعد، فإن داعي الله لا يجهل عند تفاقم الأهواء وليّ الأعناق، ولن يقصر عما قلت إلا غويّ، ولن يترك ما قلت إلا شقيّ، لولا حدود الله فرضت، وفرائض له حدت، تراح على أهلها، وتحيا لا تموت، لكان الفرار من الولاية عصمة، ولكن لله علينا إجابة الدعوة، وإظهار السنة لئلا نموت ميتة عمية، ولا نعمى عمى جاهلية، والأمر لك يا ابن عوف.
ذكر أن أول من سل سيفاً الزبير، سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل، فخرج بيده السيف، فتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم كفة كفة، فدعا له بخير.
أرسل عليّ عليه السلام عبد الله بن عباس، فقال: إيت الزبير ولا تأت طلحة، فإن الزبير ألين؛ وإنك تجد طلحة كالثور عاقصاً قرنه. يركب الصعوبة ويقول: هي أسهل. فأقره السلام، وقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز، وأنكرتني بالعراق، فما عدا ما بدا؟. قال: فأتيته فقال: مرحباً بابن لبابة. أزائراً جئت أم سفيراً؟ قلت: كل ذلك. وابلغته الرسالة فقال: ابلغه السلام وقل له: بيننا وبينك عهد خليفة ودم خليفة، واجتماع ثلاثة وانفراد واحد، وأم مبرورة ومشاورة العشيرة، ونشر المصاحف فنحل ما أحلت، ونحرم ما حرمت. فلما كان الغد حرش بين الناس غوغاؤهم، فقال الزبير: ما كنت أرى أن ما جئنا فيه يكون فيه قتال.
عبد الرحمن بن عوف
قال عبد الرحمن يوم الشورى: يا هؤلاء، إن عندي رأياً، وإن لكم نظراً، إن حابياً خير من زاهق، وإن جرعة شروب أنفع من عذب موب. إن الحيلة بالمنطق أبلغ من السيوب في الكلم. فلا تطيعوا الأعداء وإن قربوا، ولا تفلوا المدى بالاختلاف بينكم، ولا تغمدوا السيوف عن أعدائكم فتوتروا ثأركم، وتؤلتوا أعمالكم. لكل أجل كتاب، ولكل بيت إمام بأمره يقومون، وبنهيه يرعون. قلدوا أمركم رحب أمركم رحب الذراع فيما نزل، مأمون الغيب على ما استكنّ. يقترع منكم، وكلكم منتهى، ويرتضى منكم وكلكم رضا.
حذيفة بن اليمان
قال لرجل: أيسرك أنك غلبت شر الناس؟ قال: نعم. قال: فإنك لن تغلبه حتى تكون شراً منه.وقال: إن الله لم يخلق شيئاً إلا صغيراً ثم يكبر، إلا المصيبة، فإنه خلقها كبيرة ثم تصغر.
ومن كلامه: الحسد أهلك الجسد.
وقال: كن في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب.
وقال له رجل: أخشى أن أكون منافقاً. فقال: لو كنت منافقاً لم تخش.
وقال: تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تكون القلوب على قلبين: قلب أبيض مثل الصفا، لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، وقلب أسود مربد كالكور محجباً - وأمال كفه - لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً.
وقال: إن من أقرإ الناس للقرآن منافقاً، لا يدع منه واواً ولا ألفاً، يلفته بلسانه، كما تلفت البقرة الخلى بلسانها.
وذكر الفتنة فقال: أتتكم الدهيماء ترمى بالنشف، ثم التي تليها ترمي بالرضف.
وذكر خروج عائشة فقال: تقاتل معها مضر مضرها الله في النار، وأزد عمان سلت الله أقدامها، وإن قيساً لن تنفك تبغي دين الله شراً، حتى يركبها الله بالملائكة فلا يمنعوا ذنب تلعة.
وقال لجندب: كيف تصنع إذا أتاك مثل الوتد أو مثل الذونون، قد أوتي القرآن من قبل أن يؤتى الإيمان ينثره نثر الدقل، فيقول: اتبعني ولا أتبعك.
قال: إنما تهلكون إذا لم يعرف لذي الشيب شيبه، وإذا صرتم تمشون الركبات كأنكم يعاقيب حجل، لا تعرفون معروفاً ولا تنكرون منكراً.
خالد بن الوليد
لما ولاه أبو بكر وعزله عمر قال: إن أبا بكر ولدنا فرق لنا رقة الوالد، وإن عمر ولدناه فعقنا عقوق الولد.وقال في مرضه: لقد لقيت كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، ثم هاأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء! وخطب الناس فقال: إن عمر استعملني على الشام وهو له مهم، فلما ألقى الشام بوانيه وصار بثنية وعسلاً عزلني، واستعمل غيري. فقال رجل: هذا والله هو الفتنة. قال خالد: أما وابن الخطاب حي فلا، ولكن ذاك إذا كان الناس بذي بلّيّ وذي بلّي.
وانصرف عمرو بن العاص من الحبشة يريد سول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه خالد وهو مقبل من مكة، فقال: أين يا أبا سليمان؟ فقال: والله لقد استقام المنسم، وإن الرجل لنبي. أذهب فأسلم.
وكان بينه وبين عبد الرحمن كلام، فقال خالد: أتستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها؟.
وقال: كان بيني وبين عمار بعض ما يكون بين الناس، فعدمته، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من يبغض عماراً يبغضه الله.
ولما بويع أبو بكر قام خالد بن الوليد خطيباً، فقال: إنا رمينا في بدء هذا الأمر بأمر ثقل علينا حمله، وصعب علينا مرتقاه، ثم ما لبثنا أن خفّ علينا محمله، وذل لنا مصعبه، وعجبنا ممن شك فيه، بعد أن عجبنا ممن آمن به، وما سبقنا إليه بالعقول ولكنه التوفيق. ألا وإن الوحي لم ينقطع حتى أكمل، ولم يذهب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أعذر، فلسنا ننتظر بعد النبي نبياً، ولا بعد الوحي وحياً ونحن اليوم أكثر منا أمس، ونحن أمس خير منا اليوم. من دخل هذا الدين كان من ثوابه على حسب عمله، ومن تركه رددناه إليه. إنه والله ما صاحب هذا الأمر بالمسؤول عنه، ولا متخلف فيه، ولا الخفي الشخص ولا المغموز القناة.
وكان خالد يقول: ما ليلة أسر إليّ من ليلة تهدى إليّ فيها عروس إلا ليلة أغدو في صبيحتها إلى قتال عدو.
قام
أبو بكر خطيباً يحض على الجهاد فتثاقل الناس عنه، فقام عمر فقال: " لو كان
عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك " فقام خالد، ويقال: بل كان خالد بن
سعيد، وهو أشبه، فقال: ألنا تضرب أمثال المنافقين يا عمر؟ والله لقد أسلمت
وإن لبني عدي صنماً من تمر إذا جاعوا أكلوه، وإذا شبعوا استأنفوه. وكان
خالد بن سعيد قديم الإسلام والصحبة.
غزا منظور بن زبان، مع خالد بن
الوليد ايام الردة، فقتل منظور رجلاً وقال: بؤ بورد بن حذيفة، فقال له
خالد: اغضب لله يا منظور، فقال: حتى أقضى حزابة في نفسي.
سعد بن أبي وقاص
خطب يوم الشورى، فقال: الحمد لله بديئاً كان وآخراً يعود. أحمده كما أنجاني من الضلالة وبصرني من العماية، فبرحمة الله فاز من نجا، وبهدي الله افلح من وعى، وبمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم استقامت الطرق، واستنارت السبل، فظهر كل حق ومات كل باطل. وإياكم أيها النفر وقول أهل الزور، وأمنية الغرور، فقد سلبت الأماني قبلكم قوماً ورثوا ما ورثتم، ونالوا ما نلتم، فاتخذهم الله أعداء ولعنهم لعناً كثيراً. قال الله عز وجل: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " . وإني نكبت قرني، فأخذت سهمي الفالج، وأخذت لطلحة بن عبيد الله في غيبته ما ارتضيت لنفسي في حضوري، فأنا به زعيم، وبما أعطيت عنه كفيل، والأمر إليك يا ابن عوف بصدق النفس وجهد النصح، وعلى الله قصد السبيل، وإليه المصير.وقال لعمر ابنه حين نطق مع القوم فبذهم، وكانوا كلموه في الرضا عنه قال: هذا الذي أغضبني عليه، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يكون قوم يأكلون الدنيا بألسنتهم كما تلحس البقر الأرض بألسنتها " .
وكان بينه وبين خالد بن الوليد كلام، فذهب رجل ليقع في خالد عند سعد، فقال: مه، إن ما بيننا لم يبلغ ديننا.
وسئل عن المتعة، فقال: فعلناها ومعاوية كافر بالعرش. العرش: موضع بمكة.
وقال له رجل: كيف أسنانكم معشر المهاجرين؟ قال: كنا من أعذار عام واحد.
ونظر يوم القادسية إلى أبي محجن، وكان قد حبسه، فلما اشتد القتال أطلقت عنه امرأة سعد، وأعطته فرسه البلقاء، فخرج يقاتل عليها، ونظر إليه سعد فقال: الضبر ضبر البلقاء، والكر كر أبي محجن.
وكان سعد يسمى المستجاب الدعوة، وبلغه شيء فعله المهلب في العدو، والمهلب يومئذ فتى، فقال سعد: اللهم لا تره ذلاً، فيرون أن الذي ناله المهلب بتلك الدعوة.
وقال سعد: ثلاثة سعادة، وثلاثة شقاوة، فأما الشقاوة فامرأة سيئة الخلق، ودابة سوء، إن أردت أن تلحق بأصحابك أتعبتك، وإن تركتها خلفتك عن أصحابك، ومسكن ضيق قليل المرافق. وأما السعادة فامرأة صالحة موافقة، ودابة تضعك من أصحابك حيث أحببت، ومسكن واسع كثير المرافق.
عتبة بن غزوان السلمي
خطب بعد فتح الأبلّة، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن الدنيا قد تولت بحذافيرها مدبرة، وقد آذنت أهلها بصرم، وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإناء يصبها صاحبها. ألا وإنكم مفارقوها لا محالة، ففارقوها بأحسن ما بحضرتكم. ألا إن من العجب أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الحجر الضخم ليرمى به من شفير جهنم فيهوي في النار سبعين خريفاً، ولجهنم سبعة أبواب ما بين البابين منها مسيرة خمسمائة عام. ولتأتينّ عليه ساعة وهو كظيظ من الزحام. ولقد كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة، ما لنا طعام إلا ورق البشام حتى قرحت أشداقنا، فوجدت أنا وسعد ثمرة فشققتها بيني وبينه نصفين، وما منا اليوم أحد إلا وهو على مصر أمير، وإنه لم تكن نبوة قط إلا تناسختها جبرية، وأنا أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وفي أعين الناس صغيراً، وستجربون الأمر بعدي فتعرفون وتنكرون.الباب الخامس:
كلام عمر بن عبد العزيز
كتب إليه أبو بكر بن حزم - وهو والي المدينة من جهته؛ إن الأمير يقطع لي من الشمع والقراطيس ما كان يقطع لعمال المدينة، فكتب إليه: جاءني كتابك وإن عهدي بك تخرج من بيتك في الليلة الظلماء بغير سراج. وأما القراطيس فأدق القلم، وأوجز الإملاء، واجمع الحوائج في صحيفة.وذكر له سليمان بن عبد
الملك يزيد بن أبي مسلم بالعفة عن الدرهم والدينار، وهم بأن يستكفيه مهماً
من أمره. فقال له عمر: أفلا أدلك على من هو أزهد في الدرهم والدينار منه
وهو شر الخلق؟ قال: بلى. قال: إبليس لعنه الله. وكان يقول: أيها الناس إنما
خلقتم للأبد، وإنما تنقلون من دار إلى دار.
وخطب فقال: أيها الناس،
إنكم لم تخلقوا عبثاً، ولن تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله للحكم
فيكم، والفصل بينكم، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم
الجنة التي عرضها السماوات والأرض. واعلموا أن الأمان غداً لمن خاف، وباع
قليلاً بكثير، وفانياً بباق، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين؟ وسيخلفها من
بعدكم الباقون، حتى تردوا إلى خير الوارثين.
ثم أنتم في كل يوم تشيعون
غادياً ورائحاً إلى الله، قد قضى نحبه، وبلغ أجله، ثم تغيبونه في صدع من
الأرض، ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، ووجه
إلى الحساب، غنياً عما ترك، وفقيراً إلى ما قدم.
وأيم الله إني لأقول
لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثر مما عندي. وأستغفر
الله لي ولكم، وما بلغت حاجة يتسع لها ما عندنا إلا سددناها، ولا أحد منكم
إلا وددت أن يده معي ومع لحمتي الذين يلونني، حتى يستوي عيشنا وعيشكم. وايم
الله لو أردت غير هذا من عيش لكان اللسان مني ناطقاً ذلولاً عالماً
بأسبابه، ولكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنة عادلة، دل فيها على طاعته ونهى
فيها عن معصيته.
وسأله رجل عن الجمل وصفين، فقال عمر: تلك دماء كف الله يدي عنها، فأنا أحب ألا أغمس لساني فيها.
وكان يقول: اللهم إني أسألك رضوانك، وإلا أكن له أهلاً فعفوك.
وقال لأصحابه: إذا كتبتم إليّ فلا تكتبوا الأمير، فليست الإمارة أفضل من أبي.
كتب
إليه عدي بن أرطأة يستأذنه في عذاب العمال، فكتب إليه عمر: العجب لك يا
ابن أم عدي، حين تستأذنني في عذاب العمال كأني لك جنة، وكأن رضاي ينجيك من
سخط الله. من قامت عليه بينة وأقر بما لم يكن مضطهداً فيه فخذه، فإن كان
يقدر على أدائه فاستأده، وإن أبى فاحبسه، وإن لم يقدر على شيء فخل سبيله
بعد أن تخلفه على أنه لا يقدر على شيء، فلأن يلقوا الله بخياناتهم أحب إليّ
من أن ألقاه بدمائهم.
وقال: من أحب الأمور إلى الله عز وجل الاقتصاد في الجدة، والعفو في القدرة، والرفق في الولاية.
خرج
يوم الجمعة إلى الصلاة وقد أبطأ، فقال: أيها الناس؛ إنما بطأني عنكم أن
قميصي هذا كان يرقع - أو كان يغسل - ولا والله ما أملك غيره.
وعرضت عليه جارية وأراد شراءها ولم يحضر تمام الثمن، فقال له الرجل: أنا أؤخرك إلى العطاء؛ فقال: لا أريد لذة عاجلة بذلة آجلة.
وقال
عمر يوماً وقد قام من عنده علي بن الحسين رضي الله عنهما: من أشرف الناس
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: أنتم. فقال: كلا! أشرف الناس
هذا القائم من عندي آنفاً، من أحب الناس أن يكونوا منه، ولم يحب أن يكون من
أحد.
وقال: لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لزدنا عليهم.
قيل: أول من اتخذ المنابر في المساجد للأذان عمر بن عبد العزيز، وإن أول من دعي له على المنابر عبد الملك.
وكان
عمر يقول: إن أقواماً لزموا سلطانهم بغير ما يحق الله عليهم، فأكلوا
بخلاقهم، وعاشوا بألسنتهم، وخلفوا الأمة بالمكر والخديعة والخيانة، وكل ذلك
في النار. ألا فلا يصحبنا من أولئك أحد ولا سيما خالد بن عبد الله.
وعبد
الله بن الأهتم فإنهما رجلان لسنان، وإن بعض البيان يشبه السحر، فمن صحبنا
بخمس خصال، فأبلغنا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ودلنا على ما لا نهتدي
إليه من العدل، وأعاننا على الخير، وسكت عما لا يعنيه، وأدى الأمانة التي
حملها منا ومن عامة المسلمين فحيّهلا، ومن كان على غير ذلك ففي غير حلّ من
صحبتنا والدخول علينا.
وأتي بقوم أخذوا على شراب وفيهم شيخ، فظنه
شاهداً، فقال له: بم تشهد؟ فقال: لست شاهداً ولكني مبتلى، فرق له عمر،
وقال: يا شيخ؛ لو كنتم حين اجتمعتم على شرابكم قلتم: اللهم تولنا ولا تولنا
غيرك لم يعلم بكم أحد.
ودخل على عبد الملك وهو صبي، فقال له: كيف
نفقتك في عيالك؟ فقال عمر: حسنة بين سيئتنين. فقال لمن حوله: أخذه من قول
الله تعالى: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً
" .
وكتب عمر إلى عدي بن أرطأة في شيء بلغه عنه: إنما يعجل بالعقوبة من يخاف الفوت.
وقال: لو كنت في قتلة الحسين وأمرت بدخول الجنة ما فعلت؛ حياء أن تقع عليّ عين محمد صلى الله عليه وسلم.
وشتمه رجل فقال: لولا يوم القيامة لأجبتك.
وأهدي
إليه تفاح لبناني، وكان قد اشتهاه، فرده. فقيل له: قد بلغك أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية، فقال: يا عمرو بن المهاجر: إن الهدية
كانت لرسول الله هدية، ولنا رشوة.
وقال لجارية في صباه بحضرة مؤدبه:
أعضّك الله بكذا؟. فقال له المؤدب: قل أعضّك عبد العزيز. فقال: إن الأمير
أجلّ من ذلك. قال: فليكن الله أجلّ في صدرك. فما عاود بعدها كلمة حياء.
وقال: ما أطاعني الناس فيما أردت من الحق حتى بسطت لهم طرفاً من الدنيا.
ودخل
عليه ميمون بن مهران فقال له - وقد قعد في أخريات الناس - : عظني. فقال
ميمون: إنك لمن خير أهلك إن وقيت ثلاثة. قال: ما هنّ؟ قال: إن وقيت السلطان
وقدرته، والشباب وغرته، والمال وفتنته. قال: أنت أولى بمكاني مني. ارتفع
إليّ، فأجلسه معه على سريره.
قال بعضهم: كنا نعطي الغسال الدراهم الكثيرة، حتى يغسل ثيابنا في إثر ثياب عمر بن عبد العزيز، وهو أمير؛ من كثرة الطيب والمسك فيها.
ولما نزل بعمر الموت قال: يا رجاء، هذا والله السلطان، لا ما كنا فيه.
وقيل له: لم لا تنام؟ قال: إن نمت بالليل ضيعت نفسي، وإن نمت بالنهار ضيعت الرعية.
أمر
عمر بعقوبة رجل قد كان نذر لئن أمكنه الله منه ليفعلن وليفعلن، فقال له
رجاء بن حيوة: قد فعل الله ما تحب من الظفر، فافعل ما يحب الله من العفو.
وعزل عمر بعض قضاته، فقال له: لم عزلتني؟ فقال: بلغني أن كلامك أكثر من كلام الخصمين إذا تحاكما إليك.
وأتي برجل كان واجداً عليه، فقال له: لولا أني غضبان لضربتك.
وأسمعه رجل كلاماً، فقال له: أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني غداً، انصرف رحمك الله.
وكتب أن امنعوا الناس من المزاح، فإنه يذهب المروءة، ويوغر الصدر.
وكتب إلى بعض عماله: لا تجاوزنّ بظالم فوق حده فتكون أظلم الظالمين.
وقال:
لو تخابثت الأمم فجئنا بالحجاج لغلبناهم. ما كان يصلح لدنيا ولا آخرة، لقد
ولي العراق فأخربه حتى لم يؤد إلا أربعون ألف ألف درهم، وقد أدي إليّ في
عامي هذا ثمانون ألف ألف درهم، وإن بقيت إلى قابل رجوت أن يؤدى إليّ ما أدي
إلى عمر بن الخطاب: مائة ألف ألف وعشرون ألف ألف درهم.
وأتي بخصيٍ ليشتريه فرده وقال: أكره أن يكون له بشرائه معونة على الخصاء.
وكان إذا قدم عليه بريد قال: هل رأيت في الناس غرسات؟ يريد الخصب.
وكان يقول: التقى ملجم.
وعزّي عن ابنه عبد الملك، فقال: إن هذا أمر لم نزل نتوقعه، فلما وقع لم ننكر.
وكلم
رجلاً من بني أمية قد ولدته نساء مرة، فعاب عليه جفاء رآه منه، فقال: قبح
الله شبهاً غلب عليك من بني مرة، فبلغ ذلك عقيل بن علّفة المرّي وهو بجنفاء
من المدينة على أميال في ولد بني مرة، فركب حتى قدم على عمر وهو بدير
سمعان، فقال: هيها يا أمير المؤمنين، بلغني أنك غضبت على فتى من بني أبيك،
فقلت: قبح الله شبهاً غلب عليك من بني مره، وإني أقول: قبح الله ألأم
طرفيه، فقال عمر: ويحك! دع هذا وهات حاجتك. فقال: لا والله ما لي حاجة غير
هذا، ثم ولى راجعاً من حيث جاء. فقال عمر: يا سبحان الله، من رأى مثل هذا
الشيخ؟ جاء من جنفاء، ليس إلا ليشتمنا؟ فقال له رجل من بني مرة: إنه والله
يا أمير المؤمنين ما شتمك، وما شتم إلا نفسه. نحن والله ألأم طرفيه.
ولما
استخلف عمر بعث بأهل بيت الحجاج إلى الحارث بن عمرو الطائي، وكان على
البلقاء، وكتب إليه: أما بعد، فإني بعثت إليك بآل أبي عقيل، وبئس والله أهل
البيت في دين الله وأخلاق المسلمين، فأنزلهم بقدر هوانهم على الله وعلى
أمير المؤمنين.
ولما هرب يزيد بن المهلب من سجنه، وكتب إليه: لو علمت
أنك تبقى ما فعلت، ولكنك مسموم، ولم أكن لأضع يدي في يدي ابن عاتكة فقال
عمر: اللهم قد هاضني فهضه.
وقال: كفى بالمرء غيا أن تكون فيه خلة من
ثلاث: أن يعيب شيئاً ثم يأتي مثله، أو يبدو له من الحية ما يخفى عليه من
نفسه، أو يؤذي جليسه فيما لا يعنيه.
وقيل له: أي الجهاد أفضل؟ فقال: جهادك هواك.
وقال: ثلاث من كن فيه كمل: من لم يخرجه غضبه عن طاعة الله، ولم يستنزله رضاه إلى معصية الله، وإذا قدر عفا وكف.
حكى
عن عدي بن الفضيل قال: خرجت إلى عمر أستحفره بئراً بالعذبة، فقال له: وأين
العذبة؟ فقلت: على ليلتين من البصرة، فتأسف ألا يكون بمثل هذا الموضع ماء،
فأحفرني واشترط عليّ أنه أول شارب يأتي السبيل. قال: فحضرته في جمعة وهو
يخطب فسمعته يقول: أيها الناس، إنكم ميتون، ثم إنكم مبعوثون، ثم إنكم
محاسبون، فلعمري: لئن كنتم صادقين لقصرتم، ولئن كنتم كاذبين لقد هلكتم،
أيها الناس، إنه من يقدر له رزق برأس جبل أو بحضيض أرض يأته، فأجملوا في
الطلب.
قال: فأقمت عنده شهراً ما بي إلا استماع كلامه.
قيل: أتي
الوليد بن عبد الملك برجل من الخوارج، فقال له: أما تقولت في الحجاج؟ قال:
ما عسيت أن أقول في الحجاج؟ وهل الحجاج إلا خطيئة من خطاياك؟ وشررة من
نارك؟ فلعنك الله، ولعن الحجاج معك. وأقبل يشتمهما، فالتفت الوليد إلى عمر
بن عبد العزيز، فقال: ما تقول في هذا؟ قال عمر: وما أقول فيه؟ هذا رجل
يشتمكم، فإما أن تشتموه كما شتمكم أو تعفو عنه. فغضب الوليد وقال لعمر: ما
أظنك إلا خارجياً. فغضب عمر وقال: ما أظنك إلا مجنوناً. وقام وخرج مغضباً.
ولحقه خالد بن الريان، فقال له: ما دعاك إلى ما كلمت به أمير المؤمنين؟
والله لقد ضربت بيدي إلى قائم سيفي أنتظره متى يأمرني بضرب عنقك. فقال له
عمر: وكنت فاعلاً لو أمرك! قال: نعم. فلما استخلف عمر جاء خالد بن الريان،
فقام على رأسه كما كان يقوم على رأس من كان قبله من الخلفاء. قال: وكان رجل
من الكتاب يضر وينفع بقلمه، فجاء حتى جلس مجلسه الذي كان يجلس فيه
الخلفاء. قال: فنظر عمر إلى خالد بن الريان، وقال: يا خالد ضع سيفك؛ فإنك
تطيعنا في كل أمر نأمرك به، وضع أنت يا هذا قلمك، فقد كنت تضر به وتنفع. ثم
قال: اللهم إني قد وضعتهما لك فلا ترفعهما. قال: فوالله ما زالا وضيعين
مهينين بشر حتى ماتا.
وقال: ما كلمني رجل من بني أسد إلا تمنيت له أن
يمد له في حجته، حتى يكثر كلامه فأسمعه. ولذلك قال يونس: ليس في أسد إلا
خطيب أو شاعر أو قائف أو راجز أو كاهن أو فارس.
يروى أن عمر بن عبد
العزيز كان يدخل عليه سالم مولى بني مخزوم، وقالوا: بل زياد، وكان عمر أراد
شراءه وعتقه، فأعتقه مواليه، وكان عمر يسميه أخي في الله، فكان إذا دخل
وعمر في صدر بيته تنحى عن القبلة، فيقال له في ذلك، فيقول: إذا دخل عليك من
لا يهولك فلا تأخذ عليه شرف المجلس.
وهمّ السراج ليلة أن يخمد، فوثب
رجاء بن حيوة ليصلحه، فأقسم عليه عمر فجلس، ثم قام عمر فأصلحه، فقال له
رجاء بن حيوة: أتقوم يا أمير المؤمنين! قال: قمت وأنا عمر، وتعللت وأنا
عمر.
وقال: قيدوا النعم بالشكر، وقيدوا العلم بالكتاب.
وقال لمؤديه: كيف كانت طاعتي إياك وأنت تؤدبني؟ فقال: أحسن طاعة.
قال: فأطعني الآن كما كنت أطيعك إذ ذاك، خذ من شاربك حتى تبدو شفتاك ومن ثوبك حتى يبدو عقباك.
ويروى
أن عمر خرج يوماً فقال: الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، وقرة بن شريك
بمصر، وعثمان بن حيان بالحجاز، ومحمد بن يوسف باليمن. امتلأت الأرض والله
جوراً.
وقال عبد الملك ابنه له يوماً: يا أبت إنك تنام نوم القائلة، وذو
الحاجة على بابك غير نائم. فقال: يا بني إن نفسي مطيتي، وإن حملت عليها في
التعب خسرتها.
وذكر عمر زياداً، فقال: قاتل الله زياداً. جمع لهم كما
تجمع الذرة، وحاطهم كما تحوط الأم البرة، واصلح العراق بأهل العراق، وترك
أهل الشام في شامهم، وجبى من العراق مائة ألف ألف، وثمانية عشر ألف ألف
درهم.
وخطب الناس لما مات ابنه عبد الملك، فقال: الحمد لله الذي جعل
الموت حتماً واجباً على عباده، فسوى فيه بين ضعيفهم وقويهم، ورفيعهم
ودينهم، فقال تبارك وتعالى: " كل نفس ذائقة الموت " . فليعلم ذوو النهى
منهم أنهم صائرون إلى قبورهم، مقرون بأعمالهم، واعلموا أن لله مسألة فاحصة،
قال تبارك وتعالى: " فوربك لنسئلنهم أجمعين. عما كانوا يعملون " وقال: إذا
استأثر الله بشيء فاله عنه.
وقال في خطبة له: أيها الناس، إنما
الدنيا أمل مخترم، وأجل منفض، وبلاغ إلى دار غيرها، وسير إلى الموت ليس فيه
تعريج. فرحم الله امرءاً فكر في أمره، ونصح نفسه، وراقب ربه، واستقال
ذنبه. أيها الناس، قد علمتم أن أباكم أخرج من الجنة بذنب واحد، وأن ربكم
وعد على التوبة، فليكن أحدكم من ذنبه على وجل، ومن ربه على أمل.
وقال:
لا يتزوج من الموالي في العرب إلا الأشر البطر، ولا يتزوج من العرب في
الموالي إلا الطمع الطبع. ألأا وقال لابنه عبد الله: يا بني، التمس الرفعة
بالتواضع، والشرف بالدين، والعفو من الله بالعفو عن الناس، ولا تحقرن
أحداً؛ فإنك لا تدري لعل بعض من تزدريه عينك أقرب إلى الله منك وسيلة، ولا
تنس نصيبك من الدنيا، ولا تنس نصيب الناس منك.
وكتب إليه عدي بن أرطأة
لما حفر نهر عدي بالبصرة: إني حفرت لأهل البصرة نهراً، أعذبت به مشربهم،
وجادت عليه أموالهم، فلم أر لهم على ذلك شكراً، فإن أذنت لي قسمت عليهم ما
أنفقته عليه.
فكتب إليه عمر: إني لا أحسب أهل البصرة عند حفرك لهم هذا
النهر خلوا من رجل قال: الحمد لله. وقد رضي الله بها شكراً من جنته، فارض
بها شكراً من نهرك.
وخطب بعرفات فقال: إنكم قد أنضيتم الظهر وأرملتم؛ وليس السابق اليوم من سبق بعيره ولا فرسه، ولكن السابق اليوم من غفر له.
وخطب
فقال: أيها الناس؛ لا تستكثروا شيئاً من الخير أتيتموه، ولا تستقلوا شيئاً
منه أن تفعلوه، ولا تستصغروا الذنوب، والتمسوا تمحيص ما سلف من ذنوبكم
بالتوبة، والعمل الصالح فيما غبر من آجالكم، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
وقد ذكر الله عز وجل قوماً، فقال: " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا
أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا
على ما فعلوا وهم يعلمون " وإياكم والإصرار على الذنوب؛ فإن الله ذكر قوماً
بذنوبهم فقال: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. كلا إنهم عن ربهم
يومئذ لمحجوبون. ثم إنهم لصالوا الجحيم. ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون "
نار لا تطفأ، ونفس لا تموت، فهي كما وصف الله عز وجل: " كلما أرادوا أن
يخرجوا منها أعيدوا فيها " . و " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها
ليذوقوا العذاب " فهل لأحد بهذا طاقة؟ من استطاع منكم ألا يحجبه الله
فليفعل.
وخطب فقال: أما بعد؛ فإنك ناشئ فتنة، وقائد ضلالة قد طال
جثومها، واشتدت غمومها، وتلونت مصايد عدو الله فيها، وما نصب لأهل الغفلة
من الشرك عما في عواقبها، فلن يهد عمودها، ولن ينزع أوتادها إلا الذي بيده
ملك الأشياء، وهو الرحمن الرحيم. ألا وإن لله بقايا من عباده، لم يتحيروا
في ظلمتها، ولم يشايعوا أهلها على شبهها، مصابيح النور في قلوبهم تزهر،
وألسنتهم بحجج الكتاب تنطق، ركبوا نهج السبيل، وقاموا على اللقم الأكبر
الأعظم. وهم خصماء الشيطان الرجيم. وبهم يصلح الله البلاد، ويدفع عن
العباد، فطوبى لهم وللمستصبحين بنورهم، أسأل الله أن يجعلنا منهم.
وخطب
فقال: ما أنعم الله على عبد نعمة، فانتزعها منه فغاضه من ذلك الصبر، إلا
كان ما عاضه الله من ذلك أفضل مما انتزعه منه، ثم قرأ: " إنما يوفى
الصابرون أجرهم بغير حساب " .
ومر برجل يسبح بالحصى، فقال له: ألق الحصى، وأخلص الدعاء.
وكتب
إلى الجراح بن عبد الله الحكمي: إن استطعت أن تدع مما أحل الله لك ما يكون
حاجزاً بينك وبين ما حرم الله عليك فافعل، فإنه من استوعب الحلال كله تاقت
نفسه إلى الحرام.
وسمع وقع الصواعق، ودوي الريح، وصوت المطر، ورأى فزع الناس، فقال: هذه رحمته، فكيف نقمته؟.
وقال له خالد بن عبد الله القسري: من كانت الخلافة زينته فقد زينتها. ومن كانت شرفته فقد شرفتها، فأنت كما قال الشاعر:
وإذا الدر زان حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا
فقال عمر: إن صاحبكم أعطى مقولاً وحرم معقولاً.
وقال:
ما قرن شيء إلى شيء أفضل من حلم إلى علم، ومن عفو إلى قدرة، وقال رهم مولى
عمر بن عبد العزيز: ولاني عمر ثم قال: يا رهم إذا دعتك نفسك إلى ظلم من هو
دونك فاذكر قدرة الله عز وجل عليك، وانتقامه منك، وفناء ما يكون منك إليه
عنه، وبقاء ما يكون منك إليه عليك.
أتى عمر منزله فقال: هل من طعام؟ فأصاب تمراً وشرب ماء، فقال: من أدخله بطنه النار؛ فأبعده الله.
وقال: أحسن الظن بأخيك حتى يغلبك.
وقال: القلوب أوعية السرائر، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل امرئ منكم مفتاح سره.
وقال لابنه: بت على بيان من أمرك، وليكن لك مطوي من سرك.
ودخل
عليه مسلمة بن عبد الملك في مرضه الذي توفي فيه فقال: يا أمير المؤمنين،
أفقرت أفواه ولدك من هذا المال، وتركتهم عالة لا أحد لهم ولا مال لهم، فلو
أنك أوصيت بهم إليّ أو إلى أشباهي من قومك ممن يكفيك مئونتهم. فقال:
أقعدوني، ثم قال: يا مسلم؛ أما ما ذكرت من إيصائي بولدي إليك أو إلى أشباهك
من قومي ليكفوني مئونتهم، فإن وصيي فيهم ووليي الله الذي نزل الكتاب وهو
يتولى الصالحين، وأما ما ذكرت من إفقاري إياهم من هذا المال فوالله ما
ظلمتهم حقاً هو لهم، وما كنت لأعطيهم حق غيرهم. وما ولد عمر إلا أحد رجلين:
رجل اتقى الله فسيرزقه، ورجل غدر أو فجر، فلن يكون عمر أول من قواه بالمال
على المعصية.
ثم قال: عليّ بهم. فأدخلوا عليه وهم يومئذ اثنا عشر، فلما
نظر إليهم اغرورقت عيناه بالدموع وقال: بنفسي فتية تركتهم، ولا أحد لهم.
بلى يا بني، إني قد تركتكم بخير من الله، لا تمرون بمسلم ولا معاهد إلا
ولكم عليه حق. يا بني، إني ميلت بين رأيين: بين أن تفتقروا، أو يدخل أبوكم
النار، فرأيت أن تفتقروا إلى آخر يوم من الأبد أحب إلى أبيكم من أن يدخل
النار.
وكتب إلى الجراح بن عبد الله الحكمي، وهو على خراسان: أما بعد؛
فإن استطعت أن تدع مما أحل الله لك ما يكون حاجزاً بينك وبين ما حرم الله
فافعل؛ فإن من استوعب الحلال كله تاقت نفسه إلى الحرام.
وكتب إلى ابن
حزم: أما بعد؛ فإن الطالبين الذين نجحوا، والتجار الذين ربحوا، الذين
اشتروا الباقي الذي يدوم بالفاني المذموم، فاغتبطوا ببيعهم، وحمدوا عاقبة
أمرهم، فالله الله، وبدنك صحيح، وأنت مريح، قبل أن تنقضي أيامك، وينزل بك
حمامك، فإن اليسير الذي أنت فيه يقلص ظله، ويفارقه أهله، فالسعيد الموفق من
أكل في عاجلته قصداً، وقدم ليوم فقره غدا، وخرج محموداً من الدنيا قد
انقطع عنه علاج أمورها، وصار إلى نعيم الجنة.
وكتب إلى بعض عماله: أما
بعد؛ فلتخفّ يدك عن دماء المسلمين، وبطنك عن أموالهم، ولسانك عن أعراضهم،
فإذا فعلت ذلك فلا سبيل عليك " إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون
في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم " .
وكان من دعائه: اللهم أعطني من الدنيا ما تكفني به عن شهواتها، وتعصمني به من فتنتها، وتغنيني به عن جميع أهلها.
الباب السادس:
مزح الأشراف والأفاضل والعلماء
قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً.وفي حديثه عليه الصلاة والسلام أن ابناً لأم سليم يقال له عمير، وكان له نفر وهو طائر صغير أحمر المنقار، فقالوا: يا رسول الله، مات نفر. فجعل عليه السلام يقول: " يا أبا عمير. ما فعل النفير؟ " . وذكر أنه كان يمازح بلالاً، فرآه يوماً وقد خرج بطنه فقال: أم حبين.
ومما يحفظ من مزحه عليه السلام أنه كان يقول لأحد ابني ابنته، وقد وضع رجليه على رجليه وأخذ بيديه: " ترقّ عبن بقة. وهذا شيء كان النساء يقلنه في ترقيص الصبيان:
حزقةً حزقه ... ترق، عين بقه
ترق: أي ارق من رقيت الدرجة، والحزقة الذي يقارب خطوه، وشبهه في صغره بعين البقة.
وقال عليه السلام لعجوز: إن الجنة لا يدخلها عجوز يريد: أنهن يعدن شواب، ثم يدخلن الجنة.
واستدبر عليه السلام رجلاً من ورائه وأخذ بعينيه، وقال: من يشتري مني العبد؟ يريد أنه كان حراً فهو عبد الله.
وقال لامرأة: " زوجك الذي في عينه بياض " فقالت: لا. أراد البياض الذي حول الحدقة، وظنت المرأة أنه أراد البياض الذي يغشى الحدقة فيذهب البصر. وخرج إلى طعام دعي له فإذا حسين يلعب مع صبوة في السكة، فاستنتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام القوم فبسط يديه، فطفق الغلام يفر، هاهنا وهاهنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه، والأخرى في فأس رأسه، ثم أقنعه فقبله.
استنتل: يريد: تقدم أمام القوم، وأقنعه: رفعه.
وقالت عائشة: كنت ألعب مع الجواري بالبنات فإذا رأين رسول الله صلى الله عليه وسلم انقمعن. قالت: فيسربهن إليّ.
وقالت:
قدم وفد الحبشة فجعلوا يزفنون ويلعبون، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم
ينظر إليهم، فقمت، وأنا مستترة خلفه حتى أعييت، ثم قعدت ثم قمت، فنظرت حتى
أعييت، ثم قعدت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم ينظر. فاقدروا قدر
الجارية الحديثة السن المشتهية للنظر.
وروي أنه عليه السلام مر على
أصحاب الدركلة فقال: خذوا يا بني أرفدة حتى يعلم اليهود والنصارى أن في
ديننا فسحة، قال: فبينما هم كذلك إذ جاءك عمر، فلما رأوه ابذعرّوا.
وروي أنه عليه السلام سابق عائشة في سفر فسبقته، وفي سفر آخر فسبقها. وقال صلى الله عليه وسلم: " هذه بتلك " .
وروي:
أنه لما قتل النضر بن الحارث بن كلدة، وأتته ابنته فأنشدته الأبيات
المعروفة، ترثي أباها. قال عليه الصلاة والسلام: " لولا قتلي أباها
لتزوجتها " . قالوا: يا رسول الله؛ ليست بتلك. قال: فأين الخيلان الثلاثة
بخدها كأنهن رأس الجوزاء؟ " .
ومن مزحه عليه السلام قوله لخوّات بن جبير الأنصاري صاحب ذات النحيين: " ما فعل جملك الشرود؟ " فقال: عقله الإسلام.
وذلك
أن خوّاتاً أتى امرأة كانت تبيع السمن في الجاهلية، فقال لها: هل عندك سمن
طيب تبيعينه؟ قالت: نعم. وحلت زقاً فذاقه، وقال: أريد أطيب من هذا
فأمسكيه، فأمسكيه وحل آخر فذاقه وقال: أمسكيه فقد شرد جملي، فقالت: ويحك،
حتى أوثق هذا! قال: لا. خذيه وإلا تركته. فإن بعيري قد أفلت، فأخذته بيدها
الأخرى، فوثب عليها وهي مشغولة اليدين لا تقدر على الامتناع، فقضى وطره
منها. فلما فرغ قالت: لا هناك.
ومن ذلك ما جاء عنه أنه كان يسير في بعض غزواته فسمع حداءً قدامه، فقال: " حثوا السير نلحق الحادي " . فلحقه وسار معه يسمع حداءه.
وخرج
على بلال وهو نائم، فضرب بيده على فخذه وقال: أنائمة أم عمرو؟ فأنتبه بلال
فضرب بيده على مذاكيره. فقال له: ما لك؟ قال: ظننت أني تحولت امرأة.
وسأل جابر بن عبد الله: ما نكحت؟ فقال ثيباً. قال: فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك.
وقال
لرجل استحمله: نحن حاملوك على ولد النوق. قال: لا تحملني. قال: أو ليس
الإبل من ولد النوق؟ وقال لسائقه، وهو يسوق بأزواجه: رفقاً بالقوارير.
وروى
عن أبي الدرداء، أنه كان لا يحدث إلا وهو يتبسم، فقالت له امرأته أم
الدرداء: إني أخاف أن يرى الناس أنك أحمق. فقال: ما رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم حدث حديثاً إلا وهو يتبسم في حديثه.
وأصبح النبي صلى
الله عليه وسلم يوماً ما متغير الوجه، فقال بعض أصحابه: لأضحكنه. فقال:
بأبي أنت وأمي. بلغني أن الدجال يخرج والناس جياع، فيدعوهم إلى طعام، أفترى
- إن أدركته - أن أضرب في ثريدته، حتى إذا تضلعت آمنت بالله وكفرت به؟. أم
أتنزه عن طعامه؟ فضحك صلى الله عليه وسلم - وكان ضحكه التبسم - وقال: " بل
يغنيك الله يومئذ بما يغني به المؤمنين " .
وقال عليه الصلاة والسلام: " بعثت بالحنيفية السهلة " .
وقال: " ينال العبد بحسن الخلق أجر الصائم القائم " .
وقال علي كرم الله وجهه: لا بأس بالفكاهة يخرج بها الرجل عن حد العبوس.
ولما بلغه قول عمر: إن فيه دعابة. قال: ويحه أما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن المؤمن دعب لعب، والكافر خب ضب " .
وأتاه رجل برجل فقال: إن هذا زعم أنه احتلم على أمي، فقال: أقمه في الشمس واضرب ظله " .
وقال الشعبي: جاءت امرأة من همدان إليه، فقالت: إن ابنتي زوجت وهي خمسة أشبار. فقال: خمسة أشبار تكفي شبراً.
وقال عقبة الجهني: رأيته يرمي جواريه ويرامينه بقشور البطيخ.
ومر بقوم من الأنصار فقالوا: يا أمير المؤمنين، انزل عندنا للغداء. فقال: إما حلفتم وإما انصرفنا.
قال بعضهم: سمعته وهو يرقى المنبر بالكوفة ويقول:
حزقة حزقه ... ترق عين بقه
وحدثت زبراء مولاته قالت: كنت أوضئ أمير المؤمنين، فخرج من المستحم واتكأ علي، وقال: استمسكي يا زبراء، واتقي لا تضرطي.
وقال عبد الرحمن بن عوف: أتيت عمر بن الخطاب فسمعته ينشد بالركبانية:
وكيف ثوائي بالمدينة بعدما ... قضى وطراً منها جميل بن معمر
فلما استأذنت قال: أسمعت ما قلت؟ قلت: نعم. قال: إنا إذا خلونا قلنا ما يقول الناس في بيوتهم.
وقال عمر: كل امرئ في بيته صبي.
وذكر عنده النساء فقال: إذا تم البياض مع كبر العجز في حسن القوام فقد كمل.
وخرج
أبو بكر إلى بصرى، ومعه نعيمان وسويبط، وكلاهما بدري، وكان سويبط على
الزاد، فجاء نعيمان، فقال: أطعمني، فقال: لا، حتى يأتي أبو بكر. وكان
نعيمان رجلاً مضحاكاً، فقال: والله لأغيظنك. فذهب إلى ناس جلبوا ظهراً،
وقال: ابتاعوا مني غلاماً عربياً فارهاً، وهو دعاء له لسان، لعله يقول: أنا
حر. فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوني لا تفسدوا عليّ غلامي. قالوا: بل نبتاعه
منك بعشر قلائص، فأقبل بها يسوقها، وأقبل بالقوم حتى عقلها، ثم قال للقوم:
دونكم هو هذا. فجاء القوم فقالوا: قد اشتريناك. فقال سويبط: هو كاذب. أنا
رجل حر. قالوا: قد أخبرنا خبرك. فوضعوا الحبل في عنقه وذهبوا به، فجاء أبو
بكر فأخبره بذلك، فذهب هو وأصحاب له فردوا القلائص وأخذوه، فأخبر بذلك
النبي صلى الله عليه وسلم فضحك منه حولاً.
وأهدى نعيمان إلى النبي صلى
الله عليه وسلم جرة عسل اشتراها من أعرابي بدينار، وأتى بالأعرابي باب
النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: خذ الثمن من هاهنا. فلما قسمها رسول الله
صلى الله عليه وسلم، نادى الأعرابي: ألا أعطى ثمن عسلي؟ فقال صلى الله عليه
وسلم: إحدى هنات نعيمان. وسأله: لم فعلت هذا؟ فقال: أردت برك، ولم يكن معي
شيء. فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الأعرابي حقه.
ومما روي من مزح علي رضي الله عنه أنه كان يقول:
أفلح من كانت له مزخّة ... يزخها ثم ينام الفخّة
وذكر أبو رافع الصائغ أنه كان يقول: كان عمر رضي الله عنه يمازحني ويقول: أكذب الناس الصياغ، يقولون: اليوم، وغداً.
وروي:
أن أبا قتادة الأنصاري كان في عرس وجارية تضرب بالدف، وهو يقول لها:
ارعفي. أي تقدمي. وقيل: مازح معاوية الأحنف فما رئي مازحان أوقر منهما.
قال: يا أحنف ما الشيء الملفف في البجاد؟ قال: هو السخينة يا أمير
المؤمنين. أراد معاوية قول الشاعر:
إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك أن يعيش فجئ بزاد
بخبز، أو بتمر، أو بسمن ... أو الشيء الملفف في البجاد
يريد:
وطب اللبن، والبجاد: مساء يلفف فيه ذلك، وأراد الأحنف بقوله: السخينة؛ أن
قريشاً يأكلونها ويعيرون بها، وهي أغلظ من الحساء، وأرق من العصيدة. وإنما
تؤكل في كلب الزمان، وشدة الدهر، وقد سموا قريشاً سخينة تعييراً بذلك. قال
خداش بن زهير:
يا شدة ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة لولا الليل والحرم
وقال كعب:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب
مازح
ابن عباس أبا الأسود فقال: لو كنت بعيراً لكنت ثفالاً. فقال أبو السود: لو
كنت راعي ذلك البعير، ما أشبعته من الكلإ، ولا أرويته من الماء، ولا أحسنت
مهنته.
ذكر ابن أبي ليلى: أن رجلاً تزوج امرأة، وأبركها على أربع، فلما
دفع وقعت على وجهها فاندقت ثنيتها، فرفع ذلك إلى علي كرم الله وجهه، فقال:
مطيته يركبها كيف شاء.
وذكر أن رجلاً تزوج امرأة شابة، فوقع عليها، فضمته إلى نفسها فكسرت صلبه، فرفعت إلى علي فقال: إنها لشبقة. ثم جعل الدية على العاقلة.
روي عن عجوز من الأنصار قالت: زوجنا امرأة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. فنحن نتغنى:
وأهدى لنا أكبشنا ... تبحبح في المربد
وزوجك في النادي ... ويعلم ما في غد
فقال عليه السلام: " لا يعلم ما في غد إلا الله عز وجل " .
زوجت عائشة امرأة كانت عندها فهدوها إلى زوجها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أرسلتم معها من يقول:
أتيناكم أتيناكم ... فحيانا، وحياكم
فإن الأنصار قوم فيهم غزل " .
قال
بعضهم: دخلت على ابن مسعود وقرظة وثابت بن زيد، فإن عندهم جوار يغنين،
فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رخص لنا في اللهو.
وروي: أنه صلى الله عليه وسلم أتى يوماً أطم حسان بن ثابت، فكانت سيرين جاريته تضرب بالعود وتغني:
هل علي ويحكما ... إن لهوت من حرج
فقال عليه السلام: " لا إن شاء الله " .
وسيرين هذه أخت مارية أم إبراهيم رضي الله عنه، وكان المقوقس أهداهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوهب سيرين لحسان بن ثابت.
حكى
بعضهم أنه سمع أبا سفيان يمازح رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنته أم
حبيبة، ويقول: والله إن هو إلا أن تركتك فتركتك العرب. فما انتطحت جماء ولا
ذات قرن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: أأنت تقول ذاك يا أبا
حنظلة!.
وروي أن رجلاً عدا على امرأة فقبلها، فأتت النبي عليه السلام
فشكت ذلك إليه، فقال: ما تقول هذه؟ قال: صدقت، فأقصها يا رسول الله، فتبسم
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أو لا تعود؟ قال: أو لا أعود.
وروي
أن جارية كانت عند ميمونة زج النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: اشتكت عيناها. فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: استرقوا لها فإنه أعجبني عييناها.
وقال خوات بن جبير: نزلت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الظهران، فخرجت من خبائي، فإذا نسوة
جوالس يتحدثن، فأعجبنني، فرجعت فاستخرجت حلة لي من عيبة لي. فلبستها، ثم
أتيتهن فجلست إليهن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته. فقال: يا
أبا عبد الله، ما أجلسك إليهن؟ قال: فهبته حين رأيته، وقلت: يا رسول الله،
جمل لي شرود، وأنا ابتغي له قيداً. فمضى عليه السلام وتبعته، ثم ارتحلنا
فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال: أبا عبد الله، ما فعل شراد جملك؟ فتعجلت
إلى المدينة فاجتنبت المسجد ومجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما طال
ذلك عليّ تحينت ساعة خلوة المسجد، فدخلت وجعلت اصلي، وخرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم من بعض حجره، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم جلس، وطولت رجاء أن
يذهب ويدعني، فقال: طول أبا عبد الله ما شئت، فلست قائماً حتى تنصرف، فقلت
في نفسي: لأعتذرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأبرئن صدره، فانصرفت،
فقال: السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟ قال: قلت: يا
رسول الله، والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت. فقال: رحمك الله.
ثم لم يعد لي في شيء مما كان يقول.
وروي: أنه صلى الله عليه وسلم رجع
من بعض غزواته، فاستقبلته جارية، من جواري المدينة، فقالت: يا رسول الله،
إني نذرت إن ردك الله صالحاً أن اضرب بين يديك بالدف. فقال صلى الله عليه
وسلم: إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا. قال: فضربت، ثم جاء أبو بكر وهي تضرب،
وجاء عليّ كرم الله وجهه وهي تضرب، ثم جاء عمر رضي الله عنه فألقته وقعدت
عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليفرق منك يا عمر.
شكا
عيينة بن حصن إلى نعيمان صعوبة الصيام عليه، فقال له: صم بالليل فروي أنه
دخل عيينة على عثمان رضي الله عنه وهو يفطر في شهر رمضان. فقال: العشاء.
فقال: أنا صائم. قال عثمان رضي الله عنه: الصوم بالليل؟! قال: هو أخف عليّ.
فيقال: إن عثمان قال: إحدى هنات نعيمان.
وروى بعضهم: أنه رأى عمرو بن العاص في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم واضعاً إحدى يديه على الأخرى يتغنى بالشعر.
كان
رجل يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم العكة من السمن أو العسل، فإذا جاء
صاحبه يتقاضاه جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: أعط هذا ثمن
متاعه، فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبتسم، ويأمر فيعطى.
دخل
صهيب على النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، وعينه تشتكي، فقال: يا صهيب،
أتأكل التمر على علة عينك؟ فقال: يا رسول الله، إنما آكله على الشق الصحيح،
فضحك عليه السلام حتى بدت نواجذه.
وقيل لسفيان الثوري: المزح هجنة؟ قال: بل سنة.
حكى
عن أسلم مولى عمر أنه قال: كنت أنا وعاصم بن عمر وعبد الله بن عمر في سفر،
فغنينا بين يديه، فقال ابن عمر: كلاكما غير محسن، مثلكما مثل حماري
العبادي حين قيل له: أي حماريك شر؟ قال: هذا، ثم هذا.
كان نعيمان من
الصحابة وممن شهد بدراً، وكان كثير العبث، فمر يوماً بمخرمة بن نوفل الزهري
- وهو ضرير - فقال له: قدني حتى أبول. فأخذ بيده حتى إذا كان في مؤخر
المسجد قال: اجلس. فجلس يبول، وصاح به الناس: يا أبا المسور إنك في المسجد.
فقال: من قادني؟ قالوا: نعيمان. قال: لله عليّ أن أضربه ضربة بعصاي إن
وجدته. فبلغ ذلك نعيمان. فجاء يوماً فقال: يا أبا المسور، هل لك في نعيمان؟
قال: نعم. قال: هو ذا يصلي، وأخذ بيده فجاء به إلى عثمان رضي الله عنه وهو
يصلي، وقال: هذا نعيمان. فعلاه بعصاه. وصاح الناس: ضربت أمير المؤمنين.
فقال: من قادني؟ قالوا: نعيمان. قال: لا جرم. لا عرضت له بشر أبداً.
وكان
نعيمان يصيب الشراب، وكان يؤتى به النبي عليه السلام فيضربه بنعليه، ويأمر
أصحابه فيضربونه بنعالهم، ويحقون عليه التراب، فلما كثر ذلك قال له رجل:
لعنك الله. فقال عليه الصلاة والسلام: لا تفعل؛ فإنه يحب الله ورسوله.
نظر
أبو حازم المديني - وكان من اعبد الناس وأزهدهم - إلى امرأة تطوف بالبيت
مسفرة، أحسن من خلق الله وجهاً، فقال: أيتها المرأة اتق الله، فقد شغلت
الناس عن الطواف. فقالت: أو ما تعرفني؟ قال: من أنت؟ فقالت:
من اللاء لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن البريء المغفلا
فقال:
فإني أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه الحسن بالنار، فبلغ ذلك سعيد بن
المسيب، فقال رحمه الله: أما والله لو كان بعض بغضاء عباد العراق لقال:
أعزبي يا عدوة الله، ولكنه ظرف أهل الحجاز.
حج الأعمش، فلما أحرم لاحاه
الجمال في شيء، فرفع عكازه فشجه به، فقيل له: يا أبا محمد؛ وأنت محرم؟
فقال: إن من تمام الإحرام شج الجمال.
قال بعضهم: شيعت عبد العزيز بن
المطلب المخزومي، وهو قاضي مكة إلى منزله، وبباب المسجد مجنونة تقول: أرّق
عيني ضراط القاضي. فقال أتراها تعني قاضي مكة؟.
خرج الأعمش يوماً وهو
يضحك، فقال لأصحابه: أتدرون مم أضحك؟ قالوا: لا. قال: إني كنت قاعداً في
بيتي، فجعلت ابنتي تنظر في وجهي، فقلت: يا بنية، ما تنظرين في وجهي؟ قالت:
أتعجّب من رضا أمي بك!!.
قال بعضهم: كنا عند الشعبي جلوساً، فمر حمال
على ظهره دن خل، فلما رأى الشعبي وضع الدن، وقال للشعبي: ما كان اسم امرأة
إبليس؟ قال: ذاك نكاح ما شهدناه.
وسأله آخر عن أكل الذبان، فقال: إن اشتهيت فكل.
وسئل عن لحم الشيطان؟ فقال: نحن نرضى عنه بالكفاف.
قال ابن عمر لجاريته وأراد مزاحها: خالقي خالق الكرام، وخالقك خالق اللئام.
وسأل رجل الشعبي عن المسح على اللحية، فقال: خللها بأصابعك. فقال: أخاف ألا تبلها. قال الشعبي: إن خفت فانقعها من أول الليل.
وسأله آخر: هل يجوز للمحرم أن يحك جسده؟ قال: نعم. قال: مقدار كم؟ قال: حتى يبدو العظم.
وروى
في مجلسه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " تسحروا ولو أن يضع أحدكم إصبعه
على التراب ثم يضعه في فيه " فقال رجل: أي الأصابع؟ فتناول الشعبي إبهام
رجله وقال: هذه.
وسأله رجل فقال: هل أسلم على القوم وهم يأكلون؟ فقال: إن أردت أن تأكل معهم فسلم.
جاء
رجل إلى أبي حنيفة فقال له: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر لأغتسل فإلى
القبلة أفضل أن أتوجه أو إلى غير القبلة؟ فقال له: الأفضل أن يكون وجهك إلى
ثيابك التي تنوعها لئلا تسرق.
ودخل رجل على الشعبي وهو في المسجد ومعه امرأة فقال: أيكما الشعبي؟ فقال: هذه. وأشار إلى المرأة.
خرج
الأعمش يوماً إلى جماعة حضروا مجلسه ليحدثهم وهو يضحك، فسألوه عن ضحكه
فقال: طلبت مني ابنتي قطعة، فقلت لها: ليس معي. فقالت لأمها: أنت ما وجدت
أحداً تتزوجين به غير هذا؟.
وجاء إليه رجل فقال: يا أبا محمد اكتريت حماراً بنصف درهم، وجئتك لتحدثني. فقال له: اكتر بالنصف الآخر وارجع، فما أريد أن أحدثك.
سئل ابن سيرين عن إنشاد الشعر: هل ينقض الشعر الوضوء أم لا؟. وكان قائماً يصلي فقال:
ألا أصبحت عرس الفرزدق جامحاً ... ولو رضيت رشح استه لاستقرت
ثم كبر.
قال الشعبي: رأيت ابن عمر واضعاً إحدى رجليه على الأخرى وهو ينشد:
يحب الشرب من مال الندامى ... ويكره أن تفارقه الفلوس
قال
بشر المريسي لعبادة - وقد قال له: كيف أنت يا أبا عبد الرحمن، وكيف أنفك؟
وكان أنف بشر كبيراً - : ويحك يا عبادة، ما تدع ضلالتك. عنايتك موكلة بكل
ناتئ في البدن.
جاء رجل إلى ابن سيرين، فقال: إذا خلوت بأهلي تكلمت بكلام أستحي منه، فقال: أفحشه ألذه.
قال ابن عياش: رأيت على الأعمش فروة مقلوبة، صوفها خارج، فأصابنا مطر، فمررنا بكلب، فتنحى الأعمش وقال: لا يحسبنا شاة.
وكان يلبس قميصه مقلوباً قد جعل دروزه خارجه ويقول: الناس مجانين، يجعلون الخشن إلى داخل، مما يلي جلودهم.
وكان يقول: إذا رأيتم الشيخ لا يحسن شيئاً فاصفعوه.
قال
عيسى بن موسى، وهو يلي الكوفة، لابن أبي ليلى: اجمع الفقهاء واحضروني.
فجاء الأعمش في جبة فرو وقد ربط وسطه بشريط. فابطئوا، فقام الأعمش فقال: إن
أردتم أن تعطونا شيئاً، وإلا فخلوا سبيلنا، فقال عيسى لابن أبي ليلى: قلت
لك تأتيني بالفقهاء فجئتني بهذا! قال: هذا سيدنا الأعمش.
قال عثمان
الصيدلاني: شهدت إبراهيم الحربي، وقد أتاه حائك في يوم عيد، فقال: يا أبا
إسحاق، ما تقول في رجل صلى صلاة العيد، ولم يشتر ناطقاً، ما الذي يجب عليه؟
فتبسم إبراهيم، ثم قال: يتصدق بدرهمين خبزاً. فلما مضى قال: ما علينا أن
يفرح المساكين من مال هذا الأحمق.
قال داود الحائك للأعمش: ما تقول في
الصلاة خلف الحائك؟ قال: لا بأس بها على غير وضوء. قال: فما تقول في شهادة
الحائك؟ قال: تقبل شهادته مع شاهدين عدلين، فالتفت الحائك وقال: هذا ولا
شيء واحد.
قال بعضهم: صرنا إلى باب الأعمش، فرأيناه واقفاً ببابه، فلما
رآنا أسرع الدخول، ثم أسرع الخروج، فقلنا له في ذلك، فقال: رأيتكم
فأبغضتكم، فدخلت إلى من هو ابغض منكم فخرجت إليكم.
كان المتوكل يلعب
بالنرد مع الفتح بن خاقان، فقيل له: يحيى بن أكثم يستأذن. فأمر برفع النرد،
ودخل يحيى، فلما جلس قال له: يا يحيى، إن فتحاً احتشمك وأمر برفع النرد،
فقال: يا أمير المؤمنين، لم يكن به احتشامي، ولكنه خاف أن أعلم عليه.
كان للأعمش ابن يتنسك، فكان أبوه يتوقر بحضرته، وكان فيه دعابة، فقال يوماً: اشهدوا على ابني هذا أنه ابني لا يدعى غداً أنه أبى.
دخل
أبو حنيفة - رحمة الله عليه - على الأعمش يعوده فقال: يا أبا محمد، لولا
أنه يثقل عليك لعدتك في كل يوم. قال: أنت تثقل عليّ وأنت في بيتك، فكيف في
بيتي؟.
كان أبو يوسف يكتب كتاباً، وعن يمينه رجل يلاحظ ما يكتب، وفطن به
أبو يوسف، فلما فرغ من الكتاب التفت إلى الرجل، فقال: هل رأيت سقطاً؟ قال:
لا. قال أبو يوسف: جزيت عن الغباوة خيراً.
قال المنصور يوماً لعبد الله
بن عياش المنتوف: قد بغضت إليّ صورتك عشرتك، وحلفت بالله لئن نتفت شعرة من
لحيتك لأقطعن يدك. فأعفاها حتى اتصلت، فكان عنده يوماً وحدثه بأحاديث
استحسنها، فقال له: سل حاجتك. فقال: نعم يا أمير المؤمنين، تقطعني لحيتي
أعمل بها ما أريد. فضحك المنصور وقال له: قد فعلت.
خطب باقلاني إلى قوم وذكر أن الشعبي يعرفه؛ فسألوه عنه فقال: إنه لعظيم الرماد كثير الغاشية.
حكى
أن أبا عمر القاضي كان يسير مع بعض العدول في صحراء، فسمعا صوت الرباب من
يد حاذق، فقال العدل: ما أحسن هذا الضرب! فقال أبو عمر: الضرب، الضرب، -
كأنه ينكر - هذا هو السحر، فقال العدل: القاضي أعزه الله أحذق مني
بالصناعة.
قيل: إنه لم يعرف لعلي بن عيسى الوزير مزح قط، ولا سقطة في
اللفظ إلا اليسير، فمن ذلك أنه قطع أرزاق الصفاعنة، فاجتمعوا ووقفوا على
طريقه، فلما قرب منهم وضعوا عمائمهم، وصفع بعضهم بعضاً صفعاً عظيماً. فقال:
نطلق لهم أرزاقهم؛ فإن عملهم صعب.
ومن ذلك أن غلاماً من أولاد الحجرية
توفي أبوه، فأسقط رزقه، فاستعان على الوزير بأبي بكر بن مجاهد، وكان قريباً
من قلبه وسأله مسألة الوزير فيه، فكتب له أبو بكر رقعة، فيها أنه من أولاد
الحجرية، وأن من حاله كيت وكيت وأنه يصلح، فلما قرأها علي بن عيسى كتب بعد
" يصلح " : لحمل السلاح، ثم وقع فيها برد أرزاق أبيه عليه.
جاز
الأعمش يوماً بابن له صغير وهو عريان، يلعب في الطين مع الصبيان فلم يثبته،
فقال لبعض من كانوا معه: انظر إلى هذا، ما أقذره من صبي وأطفسه! ويجوز أن
يكون أبوه أقذر منه. فقال له صاحبه: هذا ابنك محمد. ففتح عينيه ومسحهما،
ونظر إليه وتأمله، ثم قال: انظروا إليه بحق الله عليكم، كيف يتقلب في الطين
كأنه شبل؟ عين الله عليه.
قيل للأعمش: ما تصنع عند مظهر أخي يقطين؟ قال: آتيه كما آتي الحش! إذا كانت بي إليه حاجة.
ومرض
فعاده رجل، وأطال الجلوس ثم قال له: يا أبا محمد، ما أشد ما مر بك في علتك
هذه؟ قال: دخولك إليّ. وعاده آخر فقال: كيف تجدك؟ قال: في جهد من رؤيتك،
قال: ألبسك الله العافية. قال: نعم، منك.
حضر يحيى بن أكثم مجلس
المتوكل، وتغدى، ثم حضر الشراب والغناء، فقال له المتوكل: يا يحيى، قد كثر
التخليط، وليس هذا وقتك. فقال يحيى بن أكثم: ما كنتم إلى قاض قط أحوج منكم
إليه إذا كثر التخليط. فضحك وأمر له بمال.
أقر رجل عند شريح بشيء، ثم ذهب لينكر، فقال شريح: قد شهد عليك ابن أخت خالتك. يعني: أنك أقررت على نفسك.
اشترى رجل من رجل شاة فإذا هي تأكل الذبان، فخاصمه إلى شريح فقال: لبن طيب وعلف مجان.
مر
شريح بمجلس لهمدان فسلم، فردوا عليه وقاموا له فرحبوا. فقال: يا معشر
همدان، إني لأعرف أهل بيت منكم لا يحل لهم الكذب. قالوا: من هم يا أبا
أمية؟ قال: ما أنا بالذي أخبركم بهم. قال: فجعلوا يسألونه وتبعوه ميلاً أو
قرابة ميل، ويقولون: يا أبا أمية من هم؟ وهو يقول: لا أخبركم، فانصرفوا عنه
وهم يتلهفون ويقولون: ليته أخبرنا بهم.
قال ابن أبي ليلى: انصرفت مرة
مع الشعبي من مجلس القضاء أنا وجرير بن يزيد - وهو يمشي بيننا - فمررنا
بخادمة سوداء تغسل ثوباً في إجّان على باب دار، وهي تقول:
فتن الشعبي لما ... فتن الشعبي لما
وتكرره، فلما رأته سكتت فقال الشعبي:
رفع الطرف إليها
وقال: أردت أن يخرج اسمي من فمها.
دخل
الشعبي وليمة فقال: ما بالكم كأنكم اجتمعتم على جنازة؟ أين الغناء والدف؟
قال الأعمش لجليس له: تشتهي سمكاً زرق العيون بيض البطون، سود الظهور،
وأرغفة باردة لينة، وخلاً حاذقاً؟ قال: نعم. قال: فانهض بنا. قال الرجل:
فنهضت معه ودخل ودخلت معه.
فقال: جر تلك السلة. قال: فكشفتها فإذا فيها
رغيفان يابسان وسكرجة وكامخ وشبث، فجعل يأكل وقال: تعال وكل. قلت: فأين
السمك؟ قال: ما قلت لك إن عندي سمكاً، إنما قلت لك: أتشتهيه؟.
واشترى جارية فقال له أصحابه: كيف رأيتها؟ قال: فيها من صفة الجنة خصلتان: برد وسعة.
وحدّث سليمان مولى الشعبي، أن الشعبي كان إذا اختضب فغرض لاعب ابنته بالنرد حتى يعلق الخضاب.
قال
حفص بن غياث: أتيت باب الأعمش فسألته عن حديث، فألجأني إلى الحائط، وعصر
حلقي وأفلتني، فعدوت وقلت: والله لأشكونك إلى أبي. فقال: ردوه، لا يقعد لنا
في طريق الخير. وكان غياث أبوه يجرى على الأعمش ذكر أن ميسرة المكي قال:
لما نفى المتوكل يحيى بن أكثم إلى مكة كنا ندخل إليه، فذكرت له فأراد
مداعبتي ليتسقطني فقال: كم سنك؟ قلت: أعزك الله، أنا أذكر موت الرشيد، وأنا
قابض على لحيتي. وقبض على لحيته. قال: فاشتغل يحيى بالحساب، وبقي الناس
ينظرون، ثم فطن فتبسم وقال: نعم أنا أذكر موت آدم وأنا قابض على لحيتي.
قال: ولم يعد إلى شيء من مداعبتي.
وسأل يحيى عن أخبار الناس فقيل له:
ولّي بغا الكبير حرب دمشق، وجعل له أنه أمير كل موضع دخله. فقال يحيى: وإن
دخل من حيث خرج!؟ وذكر عنده البراق يوماً، فقال: قد رووا أنه دون البغل
وفوق الحمار، وأن خطوه منتهى بصره. فإن كان على ذلك فهو شبكور. فكان الناس
يطعنون في دينه لهذا الكلام وأمثاله؟ وقال لرجل من أمنائه يكنى أبا عوف:
نصف كنيتك يطفئ السراج.
وكان يغشاه رجل يدعى الحارث، ويكنى أبا الأسد،
فقال له: أنت الأسد أبو الحارث؟ فقال: أصلحك الله أنا الحارث أبو الأسد.
قال: أنت في الرجال أم أنتها في النساء؟.
وكان إسماعيل بن إسحاق يصحب
يحيى بن أكثم، فركب يحيى يوماً يريد العبور على الجسر على حمار، وإسماعيل
معه على حمار له مع أصحابه، فامتنع حمار يحيى من العبور، فتقدم إسماعيل
وعبر حماره، وتبعه حمار يحيى وحمير من كانوا معه من أصحابه. فقال إسماعيل:
حماري يتقدم حميركم، كذا صاحبه يتقدمكم. فقال يحيى بالحمارية! وروى عن أبي
رشدين قال: رأيت أبا هريرة يلعب بالسدر.
وقال أنس: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وللأنصار يومان يلعبون فيهما، فقال: " قد أبدلكما الله خيراً منهما: الفطر والنحر " .
وأمر عليه السلام علياً في أيام التشريق أن ينادي: إنها أيام أكل وشرب وبعال.
وكان
أبو حازم من المشهورين في الزهد والنسك، وكان يجلس في المسجد الحرام، وكان
النساء يمررن على النوق في الهوادج، فكان إذا مرت الحسناء البارعة قال من
حضر من القرشيين: بارقة! وإذا مرت قبيحة سكتوا، فمرت بهم يوماً قبيحة
وسكتوا، فقال أبو حازم: صاعقة! فتعجبوا من ذلك مع زهده.
ويقال: إنه لم
يمزح عمر بن عبد العزيز بعد الخلافة إلا مرتين: إحداهما أن عديّ بن أرطأة
كتب إليه يستأذنه في أن يتزوج ابنة أسماء بن خارجة، فكتب إليه: أما بعد،
فقد أتاني كتابك تستأذن في هند، فإن يكن بك قوة فأهلك الأولون أحق بك وبها.
وإن يكن بك ضعف فأهلك الأولون أعذر لك، ولكن الفزاريّ، والسلام. يريد بذلك
قول الشاعر:
إن الفزاري لا ينفك مغتلماً ... من النواكه دهداراً بدهدار
وأما الثانية، فإن رجلاً من أهل أمج يقال له: حميد، هجاه ابن عم له فقال:
حميد الذي أمج داره ... أخو الخمر والشيبة الأصلع
فقد
مر حميد بعد ذلك على عمر، ولم يعرفه فقال له: من أنت؟ قال: أنا حميد. فقال
عمر: الذي أمج داره؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين ما شربتها منذ عشرين
سنة. فقال: صدقت، وإنما أردت أن أبسطك. وجعل يعتذر إليه.
كان الشعبي
كاتباً لبشر بن مروان، فدخل عليه يوماً وعنده جارية تغنيه، فاحتشم منه بشر،
فقال الشعبي: إن الرجل لا يستحي من كاتبه وخادمه، فأمرها بشر فغنت، وقال
له: كيف تسمع؟ فقال: الصغير أكيسها. يعني الزير.
الباب السابع:
الجوابات المسكتة الحاضرة
قدم حماد بن جميل من فارس، فنظر إليه يزيد بن المنجاب وعليه جباب وشي، فقال: " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً " . فقال حماد: " كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم " .جاء رجل إلى عمر فقال: أعطني فقال: والله لا أعطيك. قال: والله لتعطيني. قال: ولم لا أبالك؟ قال: لأنه مال الله، وأنا من عيال الله. قال: صدقت.
قال الربيع يوماً بين يدي المهدي لشريك " بلغني أنك خنت أمير المؤمنين. فقال له شريك: مه، لا تقولن ذاك، لو فعلنا لأتاك نصيبك.
خطب رجل إلى عبد الله بن عباس يتيمة كانت في حجره، فقال له: لا أرضاها لك. قال: ولم ذاك؟ قال: لأنها تشرف وتنظر، وهي مع ذلك برية، فقال: إني لا أكره ذلك، فقال ابن عباس: أما الآن فإني لا أرضاك لها.
قال معاوية لعمرو بن سعيد: إلى من أوصى بك أبوك؟ فقال: إن أبي أوصى إليّ ولم يوص بي.
وقال عمرو بن العاص لعبد الله بن عباس: اسمع يا ابن أخي. فقال: كنت ابن أخيك. وأنا اليوم أخوك.
قال رجل من أهل الحجاز لابن شبرمة: من عندنا خرج العلم. قال: ثم لم يعد إليكم.
قال بلال بن أبي بردة للهيثم بن الأسود: أنا ابن أحذ الحكمين. فقال: أما أحدهما ففاسق، وأما الآخر فمائق فابن أيهما أنت؟.
وقال رجل من ولد أبي موسى لشريك: هل كان علي رضي الله عنه يقنت في الفجر؟ فقال: نعم، ويلعن فيه أباك.
دخلت وفود على عمر بن عبد العزيز، فأراد فتى منهم الكلام، فقال عمر: ليتكلم أسنكم. فقال الفتى: يا أمير المؤمنين إن قريشاً لترى فيها من هو أسن منك. فقال: تكلم يا فتى.
لقي محمد بن أسباط عبد الله بن طاهر في جبة خز، فقال: يا أبا جعفر، ما خلفت للشتاء؟ قال: خلع الأمير.
قال ابن الزيات لبعض أولاد البرامكة: من أنت، ومن أبوك؟ قال: أبي الذي تعرفه، ومات وهو لا يعرفك.
كان لشيطان الطاق ابن محمق، فقال أبو حنيفة له: أنت من ابنك هذا في بستان. قال: هذا لو كان إليك.
دخل بعضهم على عبد الملك، فقال: الحمد لله الذي ردك على عقبيك. فقال: ومن رد إليك فقد رد على عقبيه، فسكت.
لما قال مسكين الدارمي:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
قالت امرأته: صدق؛ لأنها نار الجار وقدره.
قال
الرشيد لإسماعيل بن صبيح: وددت أن لي حسن خطك. فقال: يا أمير المؤمنين، لو
كان حسن الحظ مكرمة، لكان أولى الناس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال عمر بن عبد العزيز لرجل: من سيد قومك؟ قال: أنا. قال: لو كنت سيدهم ما قلت.
وقال معاوية لعقيل ليلة الهرير: أنت معنا يا أبا يزيد؟ قال: ويوم بدر كنت معكم.
دخل
شاب من بني هاشم على المنصور، فسأله عن وفاة أبيه، فقال: مرض رضي الله عنه
يوم كذا، ومات رحمه الله يوم كذا، وترك رضي الله عنه من المال كذا؛
فانتهره الربيع وقال: بين يدي أمير المؤمنين توالى الدعاء لأبيك! فقال
الشاب له: لا ألومك؛ لأنك لم تعرف حلاوة الآباء. قال: فما علمنا أن المنصور
ضحك في مجلسه قط ضحكاً افترّ عن نواجذه إلا يومئذ.
قال بعضهم وقد باع
ضيعة من آخر له: أما والله لقد أخذتها ثقيلة المئونة، قليلة المعونة. فقال:
وأنت والله لقد أخذتها بطيئة الاجتماع، سريعة التفرق.
قال رجل لعمرو بن العاص: والله لأتفرّغنّ لك. فقال: هناك والله وقعت في الشغل.
قيل لأبي الأسود الدؤلي: أشهد معاوية بدراً؟ قال: نعم، من الجانب الآخر.
قال
الحجاج لصالح بن عبد الرحمن الكاتب: إني فكرت فيك فوجدت مالك ودمك لي
حراماً. قال: أشد ما في هذا أيها الأمير واحدة. قال: وما هي؟ قال: أن هذا
بعد الفكرة. يريد: أن هذا مبلغ عقلك.
نظر ثابت بن عبد الله بن الزبير
إلى أهل الشام فشتمهم، فقال له سعيد بن خالد بن عثمان بن عفان: إنما
تنتقصهم لأنهم قتلوا أباك. قال: صدقت لقد قتلوا أبي، ولكن المهاجرين
والأنصار قتلوا أباك.
خطب أبو الهندي - وهو خالد بن عبد القدوس بن شيث
بن ربعي - ، إلى رجل من بني تميم؛ فقال له: لو كنت مثل أبيك لزوجتك، فقال:
أبو الهندي: لكن لو كنت مثل أبيك ما خطبت إليك.
ووقف عليه نصر بن سيار وهو سكران، فسبه، وقال له: ضيعت شرفك. فقال: لولا أني ضيعت شرفي لم تكن أنت والي خراسان.
جلس
محمد بن عبد الملك يوماً للمظالم، وحضر في جملة الناس رجل زيه زي الكتاب،
فجلس بإزائه، ومحمد ينفذ الكلام، وهو لا يتكلم. ومحمد يتأمله، فلما خف
مجلسه قال له: ما حاجتك؟ قال: الساعة أذكرها. فلما خلا المجلس تقدم وقال:
جئتك أصلحك الله متظلماً. قال: ممن؟ قال: منك. قال: مني؟ قال: نعم. ضيعة لي
في يد وكيلك يحمل إليك غلتها ويحول بيني وبينها. قال: فما تريد؟ قال: تكتب
بتسليمها إليّ. قال: هذا نحتاج فيه إلى شهود وبينة وأشياء كثيرة. قال
الرجل: الشهود هم البينة و " أشياء كثيرة " عيّ منك. فخجل محمد وهاب الرجل،
وكتب له بما أرضاه.
قال الحجاج ليحيى بن سعيد بن العاص: أخبرني عبد
الله بن هلال صديق إبليس أنك تشبه إبليس. قال: وما ينكر الأمير أن يكون سيد
الإنس يشبه سيد الجن.
لما هرب ابن هبيرة من خالد بن عبد الله القسري قال له: أبقت إباق العبد. فقال له: نعم حين نمت نومة الأمة عن عجينها.
دخل
رجل من ولد قتيبة بن مسلم الحمام، وبشار بن برد في الحمام، فقال: يا أبا
معاذ وددت أنك مفتوح العين. قال: ولم؟ قال: لترى استي فتعرف أنك قد كذت في
شعرك حيث تقول:
على أستاه سادتهم كتاب ... " موالي عامر " وسم بنار
قال: غلطت يا ابن أخي. إنما قلت: على أستاه سادتهم، وليست منهم.
دخل
إياس بن معاوية الشام وهو غلام، فقدم خصماً له - وكان شيخاً كبيراً - إلى
قاضي عبد الملك، فقال له القاضي: أتقدم شيخاً كبيراً؟ قال: الحق أكبر منه.
قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي؟ قال: لا أظنك تقول حقاً حتى تقوم. قال: لا
إله إلا الله. فقام القاضي فدخل على عبد الملك من ساعته فأخبره بالخبر.
فقال: اقض حاجنه الساعة، وأخرجه من الشام، لئلا يفسد علينا الناس.
ودخل
عبيد الله بن زياد بن ظبيان - وكان أفتك الناس وأخطب الناس - على عبد
الملك، فأراد أن يقعد معه على السرير، فقال له عبد الملك: ما بال الناس
يزعمون أنك لا تشبه أباك؟ قال: والله لأنا أشبه بأبي من الليل بالليل،
والغراب بالغراب، والماء بالماء، وإن شئت أنبأتك عمن لا يشبه أباه. قال:
ومن ذلك؟ قال: من لم يولد لتمام، ولم تنضجه الأرحام، ومن لم يشبه الأخوال
والأعمام. قال: ومن ذاك؟ قال: ابن عمي سويد بن منجوف. قال: أو كذلك أنت يا
سويد؟ قال: نعم.
ولما خرجا من عنده أقبل سويد وقال: وريت بك زنادي.
والله ما يسرني أنك كنت نقصته حرفاً وأن لي حمر النعم. قال: والله وأنا ما
يسرني بحلمك اليوم عني سود النعم. وإنما أراد عبيد الله بذلك عبد الملك؟
فإنه كان ولد سبعة أشهر.
وعبيد الله هو الذي أتى باب مالك بن مسمع، ومعه
نار ليحرق عليه داره، وقد كان نابه أمر فلم يرسل إليه قبل الناس، فأشرف
عليه مالك، فقال: مهلاً يا أبا مطر. والله إن في كنانتي سهم أنا أوثق به
مني بك. قال: وإنك لعدّني في كنانتك، فوالله أو لو قمت فيها لطلتها، ولو
قعدت فيها لخرقتها. قال: مهلا، أكثر الله في العشيرة مثلك. قال: لقد سألت
ربك شططاً.
قال رجل لرقبة بن مصقلة: ما أكثرك في كل طريق!. فقال له: لم
تستكثر مني ما تستقله من نفسك؟ هل لقيتني في طريق إلا وأنت فيه؟ ولما دخل
إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة البصرة قال: هممت أن أؤدب من خالف أبا حنيفة
في مسألة. قال له قائل: هل كان أبو حنيفة يؤدب من خالفه؟ قال: لا. قيل له،
فأدّب نفسك فقد خالفته.
حدث بعضهم قال: خرجت في حاجة فلما كنت بالسيالة
وقفت على باب ابن هرمة فصحت: يا أبا إسحاق، فأجابتني ابنته قالت: خرج
آنفاً. قال: فقلت: هل من قرىً، فإني مقو من الزاد. قالت: لا والله. قلت:
فأين قول أبيك:
لا أمتع العود بالفصال، ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل
قالت: فذاك أفناها.
قال
المهدي يوماً لشريك، وعيسى بن موسى عنده: لو شهد عندك عيسى كنت تقبله؟
وأراد أن يغرى بينهما. فقال شريك: من شهد عندي سألت عنه، ولا يسأل عن عيسى
غير أمير المؤمنين، فإن زكيته قبلته. فقبلها عليه.
قيل لسعيد بن المسيب
وقد كف: ألا تقدح عينك. قال: حتى أفتحها على من؟ قال مروان يوم الزاب
لحاجبه وقد ولى منهزماً: كر عليهم بالسيف. فقال: لا طاقة لي بهم. فقال:
والله لئن لم تفعل بهم لأسوءنك. قال: وددت أنك تقدر على ذلك.
ركب الرشيد
وجعفر بن يحيى يسايره، وقد بعث عليّ بن عيسى بهدايا خراسان بعد ولاية
الفضل بن يحيى، فقال الرشيد لجعفر: أين كان هذا في أيام أخيك؟ قال: في
منازل أهله.
قال بحيرا الراهب لأبي طالب: احذر على ابن أخيك، فإنه سيصير إلى كذا وكذا. قال: إن كان الأمر كما وصفت فإنه في حصن من الله.
قال رجل مطعون النسب لأبي عبيدة لما عمل كتاب المثالب: سببت العرب جميعاً. قال: وما يضرك؟ أنت خارج من ذلك.
قيل لإياس بن معاوية: إنك لتعجب برأيك. قال: لو لم أعجب به لم أقض به.
قال رجل لعامر بن الطفيل: استأسر. قال: بيت أمك لا يسعني.
قال
الرشيد ليزيد بن مزيد في لعب الصوالجة: كن مع عيسى بن جعفر. فأبى، فغضب
الرشيد وقال: أتأنف أن تكون معه؟ قال: قد حلفت لأمير المؤمنين ألا أكون
عليه في جد ولا هزل.
دخل الحجاج دار عبد الملك، فقال له خالد بن يزيد:
ما هذا السيف، وإلى متى هذا القتل؟ قال: ما دام بالعراق رجل يشهد أن أباك
كان يشرب الخمر.
قيل لأبي عبيدة: " الأصمعي دعيّ " . قال: ليس في الدنيا أحد يدعي إلى أصمع.
وقع
في بعض الثغور نفير؛ فخرج رجل، ومعه قوس بلا نشاب، فقيل له: أين الشباب؟
قال: يجئ الساعة إلينا جزاءً من عند العدو. قالوا: فإن لم يجئ؟ قال: إن لم
يجئ لم تكن بيننا وبينهم حرب.
قال رجل لهشام بن الحكم أليس اختصم العباس
وعليّ إلى عمر؟ قال: بلى. قال: فأيهما كان الظالم؟ قال: ليس فيهما ظالم.
قال: يا سبحان الله، كيف يتخاصم اثنان وليس فيهما ظالم؟ قال: كما تخاصم
الملكان إلى داود عليه السلام وليس فيهما ظالم.
قال رجل لشريك:
أخبرني عن قول عليّ رضي الله عنه لابنه الحسن: ليت أباك مات قبل هذا اليوم
بعشرين سنة. أقاله وهو شاكّ في أمره؟ قال: له شريك: أخبرني عن قول مريم: "
يا ليتني مت قبل هذا " . أقالته وهي شاكة في عفتها؟ فسكت الرجل.
استأذن أبو سفيان على عثمان رضي الله عنه فحجبه، فقيل له: حجبك أمير المؤمنين. فقال: لا عدمت من قومي من إذا شاء حجبني.
دخل
الوليد بن يزيد على هشام، وعلى الوليد عمامة وشي، فقال هشام: بكم أخذت
عمامتك؟ قال: بألف درهم. فقال هشام: عمامة بألف؟ - يستكثر ذلك - فقال
الوليد: يا أمير المؤمنين إنها لأكرم أطرافي. وقد اشتريت أنت جارية بعشرة
آلاف درهم لأخس أطرافك.
بات المفضل الضبي عند المهدي. فلم يزل يحدثه
وينشده حتى جرى ذكر حماد الراوية، فقال له المهدي: ما فعل عياله؟ ومن أين
يعيشون؟ قال: من ليلة مثل هذه كانت له مع الوليد بن يزيد.
لما قال أبو العتاهية:
فاضرب بطرفك حيث شئ ... ت، فلن ترى إلا بخيلا
قيل له: بخلت الناس كلهم. قال: فأكذبوني بواحد.
دعا
أبو جعفر المنصور أبا حنيفة إلى القضاء. فأبى، فحبسه، ثم دعا به، فقال له:
أترغب عما نحن فيه؟ فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، لا أصلح للقضاء. فقال:
كذبت. فقال أبو حنيفة: قد حكم عليّ أمير المؤمنين أني لا أصلح للقضاء،
لأنه نسبني إلى الكذب، فإن كنت كاذباً فأنا لا أصلح، وإن كنت صادقاً، فإني
قد صدقت عن نفسي أني لا أصلح. فرده إلى الحبس.
قال الحسن بن سهل: ما نكأ
قلبي كقول خاطبني به أعرابي يحج يوماً بالعرب، فقلت له: رأيت منازلكم
وخيامكم تلك الصغار، فقال لي بالعجلة: فهل رأيت فيها من ينكح أمه أو أخته؟
قال رجل لآخر: ألا تستحيي من إعطاء القليل؟ فقال: الحرمان أقل منه.
شكا
يزيد بن أسيد إلى المنصور ما ناله من العباس بن محمد أخيه، فقال المنصور:
اجمع إحساني إليك وإساءة أخي، فإنهما يعتدلان. قال: إذا كان إحسانكم إلينا
لإساءتكم. كانت الطاعة منا تفضلا.
كتب ملك الروم إلى ملك فارس: كل شيء تقوله كذب. فكتب إليه: صدقت. أي أني في تصديقك كاذب.
قال
بعضهم: التقى رجلان في بعض بلاد الهند، فقال أحدهما للآخر - وكان غريباً -
: ما أقدمك بلادنا؟ فقال: قدمت أطلب علم الوهم. قال: فتوهم أنك قد أصبته،
وانصرف. فأفحمه.
قال رجل لسليمان الشاذكوني: أرانيك الله يا أبا أيوب
على قضاء أصبهان. فقال له سليمان: إن كان ولا بد فعلى خراجها، فإن أخذ مال
الأغنياء أسهل من أخذ أموال اليتامى.
قال رجل من ولد عيسى بن موسى لشريك بن عبد الله حين عزل عن القضاء: يا أبا عبد الله، هل رأيت قاضياً عزل؟ قال: نعم، وولى عهد خلع.
قال مصعب بن الزبير لسكينة بنت الحسين: أنت مثل البغلة لا تلدين. قالت: لا والله، ولكن أبي كرمي أن يقبل لؤمك.
قال رجل لآخر: إن قلت كلمة سمعت عشراً. فقال له: لو قلت عشراً. ما سمعت كلمة.
قال
محمد بن مسعر: كنت أنا ويحيى بن أكثم عند سفيان، فبكى سفيان. فقال له
يحيى: ما يبكيك يا أبا محمد؟ فقال له: بعد مجالستي أصحاب أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، بليت بمجالستكم. فقال يحيى - وكان حدثاً - : فمصيبة
أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجالستك إياهم بعد أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أعظم من مصيبتك. فقال: يا غلام، أظن السلطان
سيحتاج إليك.
دعا الحجاج رجلاً ليوجهه إلى محاربة عدو، فقال له: أعندك خير؟ قال: لا، ولكن عندي شر. قال: هذا هو الذي أريدك له، امض لوجهك.
أكل
أعرابي من بني عذرة مع معاوية، فجرف ما بين يدي معاوية، ثم مد يده هاهنا
وهاهنا، ورأى بين يدي معاوية ثريدة كثيرة السمن فجرها، فقال معاوية: "
أخرقتها لتغرق أهلها " . فقال الأعرابي: لا، ولكن " سقناه إلى بلد ميت " .
لما
بنى محمد بن عمران قصراً حيال قصر المأمون، قيل له: يا أمير المؤمنين،
باراك وباهاك. فدعاه وقال: لم بنيت هذا القصر حذائي؟ قال: يا أمير
المؤمنين، أحببت أن ترى أثر نعمتك عليّ، فجعلته نصب عينيك. فاستحسن جوابه،
وأجزل عطيته.
قال رجل لأبي عبيدة: أحب أن تخرج لي أيام عشيرتي - وكان
دعيّا - فقال أبو عبيدة: مثلك مثل رجل قال لآخر: اقرأ لي من: " قل هو الله
أحد " عشرين آية. قال: لا، ولكنك تبغض العرب. قال: وما عليك من ذاك؟.
قال رجل لابنه، وكانت أمه سرية: يا ابن الأمة. قال: هي عندي أحمد منك. قال: ولم؟ قال: لأنها ولدتني من حر، وولدتني من أمة.
قالت عجوز: اللهم لا تمتني حتى تغفر لي. فقال زوجها: إذاً لا تموتين أبدا.
شاتم أعرابي ابنه فنفاه وقال: لست بابني. فقال: والله لأنا أشبه بك منك بأبيك، ولأنت كنت على أمي أغير من أبيك على أمك.
كان
بعضهم يتقلد أعمال السلطان، فجاء أبوه يوماً فسأله في أمر إنسان، فاشتد
ذلك عليه وضجر منه، فقال لأبيه: أحب أن أسألك، إذا جاءك إنسان وقال: كلم
ابنك. تسبني وتقول: ليس ذلك بابني؟ فقال له: أنا أقول هذا منذ ثلاثين سنة
فلا يقبل مني.
بعث معن بن زائدة إلى ابن عياش المنتوف ألف دينار، وكتب
إليه: قد بعثت إليك ألف دينار، واشتريت بها دينك. فكتب إليه: وصل ما أنفذت
وقد بعتك بها ديني ما خلا التوحيد، لعلمي بقلة رغبتك فيه.
لما قدم
معاوية حاجاً في خمس وأربعين تلقته قريش بوادي القرى، وتلقته الأنصار
بأجزاع المدينة، فقال: يا معشر الأنصار، ما منعكم أن تتلقوني حيث تلقتني
قريش؟ قالوا: لم يكن لنا دوابّ. قال: فأين النواضح؟ قالوا: أنضيناها يوم
بدر في طلب أبي سفيان.
قال بعضهم لشيطان الطاق: أتحل المتعة؟ قال: نعم.
قال: فزوجني أمك متعة. قال: يا أحمق إذا زوجتك لم تكن متعة، أما المتعة إذا
زجتك نفسها.
وكان أبو حنيفة وشيطان الطاق يمشيان ذات يوم إذ سمعا رجلاً
يقول: من يدلنا على صبي ذال؟ فقال شيطان الطاق: أما الصبي فلا أدري، ولكن
إن أردت أن أدلك على شيخ ضال فها هو. وأومأ إلى أبي حنيفة.
لما أخذ محمد
بن سليمان صالح بن عبد القدوس ليوجه به إلى المهدي، قال: أطلقني حتى أفكر
لك فيولد لك ذكر. قال: بل اصنع ما هو أنفع لك من أن يولد لي، فكر حتى تفلت
من يدي.
قال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة: أظنك أحمق. فقال: أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل بظنه.
قال بعضهم لأبي تمام: لم لا تقول ما يفهم؟ فقال: لم لا تفهمون ما يقال.
قال
معاوية: لو ولد أبو سفيان الناس كلهم كانوا حلماء. فقال له أبو جهم بن
حذيفة: قد ولدهم من هو خير من أبي سفيان، آدم عليه السلام، فمنهم: الحليم
والسفيه، والعاقل والأحمق، والصالح والطالح.
قال الأشعث بن قيس الكندي
لشريح القاضي: يا أبا أمية، عهدي بك وإن شأنك لشؤين. فقال: يا أبا محمد أنت
تعرف نعمة الله على غيرك وتجهلها في نفسك.
دخل رجل على داود الطائي وهو يأكل خبزاً قد بله بالماء مع ملح جريش. فقال له: كيف تشتهي هذا؟ قال: إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه.
قال الرشيد: ما رأيت أزهد من الفضيل، فقال الفضيل لما بلغه ذلك: هو أزهد مني؛ لأني أزهد في فان، وهو يزهد في باق.
ومر عبد الله بن عامر بعامر بن عبد قيس وهو يأكل بقلاً بملح، فقال له: لقد رضيت بالقليل. فقال: أرضى مني بالقليل من رضي بالدنيا.
نظر
الفرزدق إلى شيخ من اليمن فقال: كأنه عجوز سبأ. فقال له: عجوز سبأ خير من
عجوز مضر، تلك. قالت: " رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين
" . وهذه: " حمالة الحطب. في جيدها حبل من مسد " .
قال ابن ملجم - لعنه
الله - لعلي رضي الله عنه لما ضربه بالسيف: إني اشتريت سيفي هذا بألف
وسممته بألف، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، فقال علي كرم الله وجهه: قد
أجاب الله دعوتك. يا حسن، إذا مت فاقتله بسيفه.
قدم مرزبان من مرازبة
فارس باب السلطان في أيام المهدي يشكو عاملهم، فقال لأبي عبيد الله الوزير:
أصلحك الله. إنك وليت علينا رجلاً، إن كنت وليته وأنت تعرفه، فما خلق الله
رعية أهون عليك منا، وإن كنت لم تعرفه، فما هذا جزاء الملك الذي ولاك
أمره، وأقامك مقامه. فدخل أبو عبيد الله على المهدي وأخبره، وخرج فقال: إن
هذا رجل كان له علينا حق فكافأناه. فقال له: أصلحك الله، إنه كان على باب
كسرى ساجة منقوشة بالذهب مكتوب عليها: العمل للكفاءة، وقضاء الحقوق على
بيوت الأموال، فأمر المهدي بعزل العامل.
وتظلم أهل الكوفة إلى
المأمون من عامل ولاه عليهم، فقال: ما علمت في عمالي أعدل ولا أقوم بأمر
الرعية، وأعود بالرفق عليهم منه. فقام رجل من القوم، فقال: يا أمير
المؤمنين: ما أحد أولى بالعدل والإنصاف منك. فإذا كان عاملنا بهذه الصفة
فينبغي أن يعدل بولايته بين أهل البلدان، ويساوي به بين أهل الأمصار، حتى
يلحق كل بلد وأهله من عدله وإنصافه مثل الذي لحقنا. وإذا فعل ذلك أمير
المؤمنين فلا يصيبنا منه أكثر من ثلاث سنين. فضحك المأمون، وعزل العامل
عنهم.
قال أحمد بن أبي خالد يوماً لثمامة: أنا أعرف لكل واحد ممن في هذه
الدار معنى غيرك، فإني لا أعرف لك معنى، ولا أدري لماذا تصلح. فقال ثمامة:
أنا أصلح أن أشاور في مثلك، هل تصلح لموضعك. فأفحمه.
حمل بعض الصوفية
طعاماً إلى طحان ليطحنه، فقال: أنا مشغول. فقال: اطحنه وإلا دعوت عليك وعلى
حمارك ورحاك. قال: وأنت مجاب الدعوة؟ قال: نعم. قال: فادع الله أن يصير
حنطتك دقيقاً، فهو أنفع لك، واسلم لدينك.
هجا أبو الهول الحميري الفضل
بن يحيى، ثم أتاه راغباً، فقال له الفضل: ويحك، بأي وجه تلقاني؟ قال:
بالوجه الذي ألقى به ربي جل جلاله، وذنوبي إليه أكثر. فضحك ووصله.
قال الحجاج لسعيد بن جبير: اختر لنفسك أي قتلة شئت. قال: بل اختر أنت؛ فإن القصاص أمامك.
جاء
شيخ من بني عقيل إلى عمر بن هبيرة فمتّ بقرابته، وسأله، فلم يعطه شيئاً.
فعاد إليه بعد أيام فقال: أنا العقيلي الذي سألك منذ أيام. قال عمر: وأنا
الفزاري الذي منعك منذ أيام. فقال معذرة إلى الله، إني سألتك وأنا أظنك
يزيد بن هبيرة المحاربي، فقال: ذاك ألأم لك، وأهون بك علي، نشأ في قومك
مثلي ولم تعلم به، ومات مثل يزيد ولا تعلم به. يا حرسي اسفع يده.
قال عمر بن الوليد للوليد بن يزيد: إنك لتعجب بالإماء. قال: وكيف لا أعجب بهن، وهن يأتين بمثلك.
سئل
بعض من كان أبوه متقدماً في العلم عن مسألة، فقال: لا أدري و " لا أدري "
نصف العلم. فقال له بعض من حضر: ولكن أباك بالنصف الآخر تقدم.
وقال رجل لرجل قال: " لا أدري، ولا أدري، نصف العلم " : نعم، ولكنه أخس النصفين.
وقيل لآخر: ما تقول في كذا؟ فقال: " لا أدري، ولا أدري، نصف العلم " . فقيل له: قل ذلك دفعتين وهو العلم كله.
بعث
الأفشين إلى ابن أبي دؤاد: ما أحب أن تجيئني، فلا تأتني. فأجابه: ما أتيتك
متعززاً بك من ذلة، ولا متكثراً بك من قلة، ولكنك رجل رفعتك دولة، فإن
جئتك فلها، وإن قعدت عنها فلك.
أتي معاوية بسارق فأمر بقطعه، فخرجت إليه
أمه وقالت: يا أمير المؤمنين، واحدي وكاسبي. فقال: يا أمة الله، هذا حد من
حدود الله. قالت: اجعله مع صفين ونظائرها. فعفا عنه.
مشت قريش إلى أبي
طالب بعمارة بن الوليد، فقالوا: ادفع إلينا محمداً نقتله، وأمسك عمارة
فاتخذه ولداً مكانه. فقال: ما أنصفتموني يا معشر قريش. أدفع إليكم ابني
تقتلونه، وأمسك ابنكم أغذوه لكم! كان ربيعة الرأي لا يكاد يسكت، وتكلم
يوماً وأكثر وأعجب بالذي كان منه؛ فالتفت إلى أعرابي كان عنده وسأل
الأعرابي: ما تعدون العي فيكم؟ قال: ما كنت فيه منذ اليوم.
دخل عبيد
الله بن زياد بن ظبيان على أبيه وهو يجود بنفسه، فقال له: ألا أوصي بك
الأمير زياداً؟ قال: لا. قال: ولم ذاك؟ قال: إذا لم يكن للحي إلا وصية
الميت فالحي هو الميت.
كتب إبراهيم بن سيابة إلى صديق له، كثير المال،
يستسلف منه نفقة، فكتب إليه: العيال كثير، والدخل قليل، والدين ثقيل،
والمال مكذوب عليه. فكتب إليه إبراهيم: إن كنت كاذباً فجعلك الله صادقاً،
وإن كنت محجوجاً فجعلك الله معذوراً.
أدخل زفر بن الحارث على عبد الملك
بعد الصلح، فقال: ما بقي من حبك للضحاك؟. قال: ما لا ينفعني ولا يضرك. قال:
شد ما أحببتموه معاشر قيس! قال: أحببناه، ولم نواسه، ولو كنا واسيناه لقد
كنا أدركنا ما فاتنا منه. قال: فما منعك من مواساته يوم المرج؟ قال: الذي
منع اباك من مواساة عثمان يوم الدار.
دخل الشعبي الحمام وفيه رجل متكشف، فغمض عينيه، فقال له الرجل: يا شيخ، متى ذهبت عينك؟ فقال: منذ هتك الله سترك.
كتب
عمرو بن عبد العزيز إلى أبي مجاز، فقدم إليه من خراسان، ودخل مع الناس فلم
يعرفه عمر، وخرج فسأل عنه بعد ذلك فقيل له: قد كان دخل عليك، فدعا به وقال
له: لم أعرفك. فقال: يا أمير المؤمنين. إذا لم تعرفني، فهلا أنكرتني.
حلف
رجل بالطلاق أن الحجاج في النار. فقيل له: سل عن يمينك. فأتى أيوب
السختياني فأخبره، فقال: لست أفتي في هذا بشيء، يغفر الله لمن يشاء. فأتى
عمرو بن عبيد فأخبره، فقال: تمسك بأهلك، فإن الحجاج إن لم يكن من أهل النار
فليس يضرك أن تزني.
كان الوليد بن عبد الملك يلعب بالحمام؛ فخلا لذلك يوماً، واستؤذن لنوفل بن مساحق، فأذن له، فلما دخل قال: خصصتك بالإذن دون الناس.
فقال: ما خصصتني ولكن خسستني، وكشفت لي عن عورة من عوراتك.
قال
موسى بن سعيد بن سلم: قال أبو الهذيل لأبي يوماً: إني لا أجد في الغناء ما
يجد الناس من الطرب! فقال له: فما أعرف إذاً في الغناء ذنباً.
أتي ضرار
المتكلم بمجوسي ليكلمه، فقال: أبو من؟ فقال المجوسي: نحن أجل من أن نسب
إلى أبنائنا، إنما ننسب إلى آبائنا، فأطرق ضرار ثم قال: أبناؤنا أفعالنا،
وآباؤنا أفعال غيرنا، ولأن ننسب إلى أفعالنا، أولى من أن ننسب إلى أفعال
غيرنا.
كان يناظر رجل يحيى بن أكثم، وكان يقول له في أثناء كلامه: يا
أبا زكريا. وكان يحيى يكنى بأبي محمد. فقال يحيى: لست بأبي زكريا. فقال
الرجل: كل يحيى كنيته أبو زكريا. فقال: العجب أنك تناظرني في إبطال القياس،
وتكنيني بالقياس.
لما عزل عثمان عمرو بن العاص، وولى عبد الله بن أبي
السرح مكانه، دخل عليه عمرو، فقال: أشعرت أن اللقاح بعدك درت ألبانها بمصر؟
فقال: نعم، ولكنكم أعجفتم أولادها.
عرض على رجل ليشتريه، فقال: ما عندي ثمنه. فقال البائع: أنا أؤخرك. فقال: بل أنا أؤخر نفسي.
سار
الفضل بن الربيع إلى أبي عباد في نكبته يسأله حاجة، فأرتج عليه، فقال له:
يا أبا العباس، بهذا البيان خدمت خليفتين؟! فقال: إنا تعودنا أن نسأل ولا
نسأل.
دخل أشعري على الرشيد وسأله فقال: احتكم. قال: يحكّم بعد أبي موسى؟ فضحك وأعطاه.
دخل
قيس بن عاصم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني وأدت اثنتي عشرة
بنتاً في الجاهلية، فما اصنع؟ قال: اعتق عن كل موءودة نسمة. فقال أبو بكر:
ما الذي حملك على ذلك وأنت أكبر العرب؟ قال: مخافة أن ينكحهن مثلك. فتبسم
النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: " هذا سيد أهل الوبر " .
سئل الشعبي عن
شيء، فقال: لا أدري. فقيل له: أما تستحي أن تقول: لا أدري وأنت فقيه
العراق؟ قال: لكن الملائكة لم تستح إذ قالت: " سبحانك لا علم لنا إلا ما
علمتنا " .
خطب أبو الهندي إلى رجل، فقال له: لو كنت مثل أبيك زوجتك. فقال أبو الهندي: لو كنت مثل أبي ما خطبت إليك.
قال محمد بن عبد الملك لبعض الكتاب: كلمت أمير المؤمنين في عمر بن فرج فعزله من الديوان. فقال له: فرغته لطلب عيوبك.
جاور
إبراهيم بن سيابة قوماً فأزعجوه من جوارهم، فقال: لم تخرجونني من جواركم؟
فقالوا: لأنك مريب. فقال: ويحكم. ومن أذل من مريب، أو أحسن جواراً؟.
قيل لبعض الصوفية: أتبيع جبتك الصوف؟ قال: إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يصطاد؟.
قالوا:
لما ضرب سعيد بن المسيب أقيم للناس، فمرت به أمة لبعض المدينيين، فقالت:
لقد أقمت مقام الخزي يا شيخ. فقال سعيد: من مقام الخزي فررت.
سمعت
الصاحب رحمه الله يقول: إن بعض ولد أبي موسى الأشعري عير بأنه كان حجاماً،
فقال: ما حجم قط غير النبي صلى الله عليه وسلم. فقيل له: كان ذلك الشيخ
أتقى لله من أن يتعلم الحجامة في عنق النبي صلى الله عليه وسلم. قال
الصاحب: وأنا أقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحزم من أن يمكن من
حجامته من لم يحجم قط أحداً.
أخذت الخوارج رجلاً فقالت له: ابرأ من عثمان وعلي. فقال: أنا من علي، ومن عثمان برئ.
قال معاوية لرجل: أنت سيد قومك. قال: الدهر ألجأهم إليّ.
قال
ذو الرياستين لثمامة: ما أدري ما اصنع في كثرة طلاب الحوائج وغاشية
الباب!. فقال: زل عن مكانك وموضعك من السلطان، وعلى ألا يلقاك أحد منهم.
قال: صدقت. وقعد لهم، ونظر في أمورهم.
وقال بعضهم لسعيد بن العاص: عرضت لي إليك حويجة. فقال: اطلب لها رجيلاً.
وبضد ذلك ما قاله ابن عباس، فإنه قال: هاتها؛ فإن الحر لا يكبر عن صغير حاجة أخيه، ولا يصغر عن كبيرها.
دخل
الرقاشي على المعتصم في يوم مطير، فقرب مجلسه ورحب به. وقال له: أقم عندنا
يومك نشرب ونطرب. فقال: يا أمير المؤمنين، إني وجدت في الكتب السالفة: أن
الله جل ذكره لما خلق العقل قال له: أقبل. فأقبل، ثم قال له: أدبر. فأدبر،
ثم قال له: وعزتي، ما خلقت خلقاً أكرم منك عليّ، بك أعطي، وبك أمنع، وبك
آخذ. فلو وجدت عقلاً يباع لاشتريته، واضفته إلى عقلي. فكيف أشرب ما يزيل ما
معي من العقل؟ قال المعتصم: عقلك أوردك هذا المكان.
قيل لسعيد بن سلم: لم لا تشرب النبيذ؟ قال: تركت كثيره لله وقليله للناس.
وقيل للعباس بن مرداس: لم تركت الشرب وهو يزيد في جرأتك وسماحك؟ قال: أكره أن أصبح سيد قوم، وأمسي سفيههم.
خاصم
رجل من ولد أبي لهب آخر من ولد عمرو بن العاص، فعيره وعيره الآخر بسورة:
تبّت. فقال اللهبي: لو علمت ما لولد أبي لهب في هذه السورة لم تعبهم؛ لأن
الله صحح نسبهم بقوله: " وامرأته حمالة الحطب " ؛ فبين أنهم من نكاح لا من
سفاح، ونفى بني العاص بقوله: " زنيم " والزنيم: المنتسب إلى غير أبيه.
قال
يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة: بمن اقتديت في تحليل المتعة؟ فقال: بعمر بن
الخطاب، فإنه قال: إن الله ورسوله أحلا لكم متعتين، وأنا أحرمهما عليكم
وأعاقب. فقبلنا شهادته، ولم نقبل تحريمه.
أتى رجل أعور في زمان عمر،
فشهد أنه رأى الهلال. فقال عمر: بأي عينيك رأيت؟ قال: بشرهما، وهي الباقية؛
لأن الأخرى ذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته. فأجاز
شهادته.
رأى مجوسي في مجلس الصاحب رحمه الله لهيب نار، فقال: ما أشرفه! فقال الصاحب: ما أشرفه وقوداً، وأخسه معبوداً!.
صح
عند بعض القضاة إعدام رجل فأركبه حماراً ونودي عليه: هذا معدم، فلا
يعاملنه أحد إلا بالنقد، فلما كان آخر النهار نزل عن الحمار، فقال له
المكاري: هات أجرتي. فقال: فيم كنا نحن منذ الغداة؟ تقدم سقاء إلى فقيه على
باب سلطان، فسأله عن مسألة، فقال: أهذا موضع المسألة؟ فقال له: وهذا موضع
الفقهاء؟ قال الأصمعي: ضرب أبو المخش الأعرابي غلماناً للمهدي. فاستعدوا
عليه، فأحضره وقال: اجترأت على غلماني فضربتهم. فقال: كلنا يا أمير
المؤمنين غلمانك ضرب بعضنا بعضاً. فخلى عنه.
اعترض رجل المأمون فقال: يا
أمير المؤمنين، أنا رجل من العرب. فقال: ما ذاك بعجب. قال: إني أريد الحج.
قال: الطريق أمامك نهج. قال: وليست لي نفقة. قال: قد سقط الفرض. قال: إني
جئتك مستجدياً لا مستفتياً. فضحك وأمر له بصلة.
قال بعضهم: ما قطعني إلا
غلام قال لي: ما تقول في معاوية؟ قلت: إني أقف فيه. قال: فما تقول في
يزيد؟ قلت: ألعنه لعنه الله. قال: فما تقول فيمن يحبه؟ قلت: ألعنه. قال:
أفترى معاوية لا يحب يزيد ابنه!؟ قال الحجاج لرجل: أنا أطول أم أنت؟ فقال:
الأمير أطول عقلاً، وأنا أبسط قامة.
قدم رجل من اليمامة فقيل له: ما أحسن ما رأيت بها؟ قال: خروجي منها أحسن ما رأيت بها.
مدح رجل هشاماً فقال له: يا هذا، إنه قد نهي عن مدح الرجل في وجهه فقال له: ما مدحتك، وإنما أذكرتك نعمة الله، لتجدد له شكراً.
عاتب
الفضل بن سهل الحسين بن مصعب في أمر ابنه طاهر، والتوائه وتلونه، فقال له
الحسين: أنا أيها الأمير شيخ في أيديكم، لا تذمون إخلاصي وتلونه، فقال له
الحسين: أنا أيها الأمير شيخ في أيديكم، لا تذمون إخلاصي ولا تنكرون
نصيحتي، فأما طاهر فلي في أمره جواب مختصر وفيه بعض الغلط، فإن أذنت ذكرته.
قال: قل. قال: أيها الأمير، أخذت رجلاً من عرض الأولياء فشققت صدره،
وأخرجت قلبه، ثم جعلت فيه قلباً قتل به خليفة، وأعطيته آلة ذلك من الرجال
والأموال والعبيد، ثم تسومه بعد ذلك أن يذل لك، ويكون كما كان. لا يتهيأ
هذا إلا أن ترده إلى ما كان، ولا تقدر على ذلك. فسكت الفضل.
قال عبد الملك لابن الحارث: بلغني أنكم من كندة. فقال: يا أمير المؤمنين، وأي خير فيمن لا يدعى رغبة أو ينفى حسداً.
احتضر ابن أخ لأبي الأسود الدؤلي فقال: يا عم، أموت والناس يحيون! قال: يابن أخي، كما حييت والناس يموتون.
قال
عمرو بن مسعدة لابن سماعة المعيطي: صف لي أصحابك. قال: ولا تغضب؟ قال: لا.
قال: كانوا يغارون على الإخوان، كما تغارون على القيان.
أمر يحيى بن
أكثم برجل إلى الحبس، فقال: إني معسر. فلم يلتفت إليه، فقال: من لعيالي؟
قال: الله لهم. فقال الرجل: أراني الله عيالك وليس لهم أحد غير الله.
قال بعضهم لمجوسي: ما لك لا تسلم؟ قال: حتى يشاء الله. قال: قد شاء، ولكن الشيطان لا يدعك. قال: فأنا مع أقواهما.
ساير
ابن لشبيب بن شيبة عليّ بن هشام، وعليّ على برذون له فاره، فقال له: سر.
فقال: وكيف أسير وأنت على برذون إن ضربته طار وإن تركته سار، وأنا على
برذون إن ضربته قطف، وإن تركته وقف. فدعا له ببرذزن وحمله عليه.
قال
عبيد الله بن زياد لمسلم بن عقيل: لأقتلنك قتلة تتحدث بها العرب. فقال:
أشهد أنك لا تدع سوء القتلة ولؤم المقدرة لأحد أولى بها منك.
قال مالك
بن طوق للعتابي: سألت فلاناً حاجة، فرأيتك قليلاً في كلامك. فقال: كيف لا
اقل في كلامي، ومعي حيرة الطلب وذل المسألة، وخوف الرد.؟ جلس معن بن زائدة
يوماً يقسم سلاحاً في جيشه، فدفع إلى رجل سيفاً رديئاً، فقال: اصلح الله
الأمير، أعطني غيره. قال: خذه فإنه مأمور. فقال: فإنه مما أمر به ألا يقطع
شيئاً أبداً! فضحك معن وأعطاه غيره.
قال بنو تميم لسلامة بن جندل: مجدنا بشعرك. قال: افعلوا حتى أقول.
أتى
هشام برجل رمي بجناية، فأقبل يحتج عن نفسه، فقال هشام: أو تتكلم أيضاً؟
فقال الرجل: إن الله تعالى يقول: " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها "
أفتجادل الله جدالاً ولا نكلمك كلاماً؟ قال: تكلم بما أحببت.
قال المأمون لابن الأكشف - وكان كثير الركوب للبحر - ما أعجب ما رأيت في البحر؟ قال: سلامتي منه.
قيل لسعيد بن المسيب لما نزل الماء في عينيه: اقدحهما حتى تبصر. فقال: إلى من؟.
قال المنصور لرجل: ما مالك؟ قال: ما يكف وجهي، ويعجز عن الصديق. قال له: لطفت في المسألة.
قال
المدائني: ورد على المنصور كتاب من مولى له بالبصرة أن سالماً ضربه
بالسياط، فاستشاط غضباً وقال: أعليّ يجترئ سالم؟ والله لأجعلنه نكالاً يتعظ
به غيره. فأطرق جلساؤه جميعاً، فرفع ابن عياش رأسه، وكان أجرأهم عليه،
فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأينا من غضبك على سالم ما شغل قلوبنا، وإن
سالماً لم يضرب مولاك بقوته ولا قوة أبيه، ولكنك فقلدته سيفك، وأصعدته
منبرك، فأراد مولاك أن يطامن منه ما رفعت، ويفسد ما صنعت، فلم يحتمل له
ذلك. يا أمير المؤمنين، إن غضب العربي في رأسه، فإذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه
بلسان أو يد، وإن غضب النبطي في استه، فإذا خري ذهب عنه غضبه. فضحك
المنصور، وكف عن سالم.
رأى رجل رجلاً من ولد معاوية على بعير له، فقال: هذا ما كنتم فيه من الدنيا. فقال: رحمك الله، ما فقدنا إلا الفضول.
دخل
أبو بكر الهجري على المنصور، فقال: يا أمير المؤمنين، نفض فمي وأنت أهل
بيت بركة، فلو أذنت لي فقبلت رأسك لعل الله يشدد لي منه. فقال أبو جعفر
المنصور: اخترمنها ومن الجائزة. فقال: يا أمير المؤمنين، أهون عليّ من ذهاب
درهم من الجائزة ألا يبقى في فمي حاكة.
قيل للشعبي: أكان الحجاج مؤمناً؟ قال: نعم بالطاغوت.
كتب الحسن بن زيد إلى صاحب الزنج بالبصرة: عرفني نسبك. فأجابه: ليغنك من شأني ما عناني من أمرك.
كتب
صاحب البصرة إلى يعقوب بن الليث الصفار يستدعيه إلى مبايعته، فقال لكاتبه:
أجب عن كتابه. فقال: بماذا؟ قال: اكتب " قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما
تعبدون.. " السورة.
قيل لأبي الهذيل: إن قوماً يلعنونك. قال: أرأيت إن
أنا تبعتهم هل يلعنني قوم آخرون؟ قال: نعم. قال: فأراني لا أتخلص من لعن
طائفة، فدعني مع الحق وأهله.
قال سعيد بن المسيب لعبد الملك - وقد خطب الناس فأبكاهم - يا أمير المؤمنين، لئن أبكاهم قولك لما أرضاهم فعلك.
وقيل للأعمش: أنت تكثر الشك. قال: تلك محاماة عن اليقين.
لما
ولى أبو جعفر المنصور سليمان بن راشد الموصل، ضم إليه ألف رجل من أهل
خراسان وقال: قد ضممت إليك ألف شيطان. فلما دخل الموصل عاثوا، وبلغ الخبر
المنصور فكتب إليه: يا سليمان، كفرت بالنعمة. فكتب في جوابه: " وما كفر
سليمان ولكن الشياطين كفروا " .
قال معاوية لعمرو بن العاص: ما بلغ
من دهائك؟ قال: لم أدخل في أمر قط إلا خرجت منه. قال معاوية: لكنني لم أدخل
قط في أمر أردت الخروج منه.
قال الواثق لابن أبي دؤاد: كان عندي الساعة
الزيات، فذكرك بكل قبيح. فقال: الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب عليّ،
ونزّهني عن قول الحق فيه.
قال المتوكل للفتح بن خاقان، وقد خرج وصيف
الخادم المعروف بالصغير في أحسن زي: أتحبه؟ قال: إني لأحب من تحب، وأحب من
يحبك، لا سيما مثل هذا.
قال المأمون لثمامة: ارتفع. قال: يا أمير المؤمنين، لم يف شكري بموضعي هذا، وأنا أبعد عنك بالإعظام لك، وأقرب منك شحاً عليك.
خلع
الرشيد على يزيد بن مزيد - وكان في مجلسه رجل من أهل اليمن - فقال ليزيد:
اجرر ما لم يعرق فيه جبينك. قال: صدقت. عليكم نسجه، وعلينا سحبه.
قال
سهل بن هارون: أدخل على الفضل بن سهل، ملك التبت وهو أسير، فقال: أما ترى
الله قد أمكن منك بغير عهد ولا عقد، فما شكرك إن صفحت عنك، ووهبت لك نفسك؟
قال: أجعل النفس التي أبقيتها بذلة لك متى أردتها. قال الفضل: شكر والله.
وكلم المأمون فيه فصفح عنه.
لما أخذ عبد الحميد الربعي، وأتي به إلى
المنصور، ومثل بين يديه قال: لا عذر فأعتذر، وقد أحاط بي الذنب، وأنت أولى
بما ترى. قال المنصور: إني لست أقتل أحداً من آل قحطبة، أهب سيئهم لمحسنهم.
قال: يا أمير المؤمنين: إن لم يكن فيّ مصطنع فلا حاجة بي إلى الحياة، ولست
أرضى أن أكون طليق شفيع وعتيق ابن عم.
قال الرشيد للجهجاه: أزنديق أنت؟
قال: وكيف أكون زنديقاً وقد قرأت القرآن، وفرضت الفرائض، وفرقت بين الحجة
والشبهة؟ قال: تالله لأضربنك حتى تقر. قال: هذا خلاف ما أمر به الرسول صلى
الله عليه وسلم، أمرنا أن نضرب الناس حتى يقروا بالإيمان، وأنت تضربني حتى
أقر بالكفر.
قال عمر لعمرو بن معد يكرب: أخبرني عن السلاح. فقال: سل عما
شئت منه. قال: الرمح. قال: أخوك وربما خانك. قال: النبل. قال: منايا تخطئ
وتصيب. قال: الترس. قال: ذاك المجنّ، وعليه تدور الدوائر. قال: الدرع. قال:
مشغلة للراجل متعبة للفارس، وإنها لحصن حصين. قال: السيف. قال: ثم قارعتك
أمك عن الهبل. قال: بل أمك. قال: الحمّى أضرعتني لك.
قال عمر بن عبد
العزيز لعبد الله بن مخزوم: إني أخاف الله فيما تقلدت. قال: لست أخاف عليك
أن تخاف، إنما أخاف ألا تخاف. قيل لرجل من بني هاشم: من سيدكم؟ قال: كلنا
سيد غيرنا، ومكان سيدنا لا يجهل.
شاور المنصور سلم بن قتيبة في أمر أبي
مسلم، فقال: إني مطلعك على أمر لم افض به إلى غيرك، ولا أفضي به، فصحح
رأيك، واجمع لفظك، وأظهر نصحك، واستره حتى أظهره أنا قد عزمت على قتل عبد
الرحمن، فما ترى؟ قال سلم: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " ونهض.
ويروى
عنه الأصمعي أنه قال: هجم عليّ شهر رمضان وأنا بمكة، فخرجت إلى الطائف
لأصوم بها هرباً من حر مكة. فلقيني أعرابي فقلت: أين تريد؟ قال: أريد هذا
البلد المبارك؛ لأصوم فيه هذا الشهر المبارك. قلت: أما تخاف من الحر؟! قال:
من الحر أفر.
وقال رجل للربيع بن خثيم وقد صلى ليلة حتى أصبح: أتعبت نفسك. فقال: راحتها أطلب؛ إن أفره العبيد أكيسهم.
نظر
رجل إلى روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب واقفاً بباب المنصور في الشمس،
فقال: قد طال وقوفك في الشمس. فقال روح: ليطول وقوفي في الظل.
هاجى عبد
الرحمن بن حسان بن ثابت، عبد الرحمن بن الحكم بن العاص، وتقاذفا. فكتب
معاوية إلى مروان أن يؤدبهما، فضرب عبد الرحمن بن حسان ثمانين، وضرب أخاه
عشرين، فقيل لعبد الرحمن قد أمكنك في مروان ما تريد،فأشد بذكره وارفعه إلى
معاوية. فقال: إذاً والله لا أفعل، وقد حدني كما يحد الرجل الحر، وجعل أخاه
كنصف عبد! فأوجعه بهذا القول.
قال رجل لرجل سبه فلم يلتفت إليه: إياك أعني. فقال: وعنك أعرض.
قال عمر لزياد لما عزله: كرهت أن أحمل على العامة فضل عقلك. قال: فاحمل عنها من نفسك، فأنت أعقل.
قال المنصور لإسحاق بن مسلم العقيلي: أفرطت في وفائك لبني أمية. فقال: من وفى لمن لا يرجى، كان لمن يرجى أوفى. قال: صدقت.
مازح
عبيد الله بن زياد حارثة بن بدر، فقال له: أنت شريف لو كانت أمهاتك مثل
آبائك. فقال: إن أحق الناس بألا يذكر الأمهات هو الأمير. فقال عبيد الله:
استرها عليّ، ولك عشرة آلاف درهم.
يقال: إن المكي دخل على المأمون،
وكان مفرط القبح والدمامة، فضحك المعتصم، فقال المكي: مم يضحك هذا؟ فوالله
ما اصطفي يوسف لجماله، وإنما اصطفي لبيانه. وقد نص الله على ذلك بقوله: "
فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين " وبياني أحسن من وجه هذا.
قال
معاوية لرجل من السمن: ما كان أبين حمق قومك حين ملّكوا امرأة. فقال: كان
قومك أشد حماقة إذ قالوا: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا
حجارة من السماء " هلاّ قالوا: فاهدنا له وبه! قال زياد لأبي الأسود: لو
أدركناك وفيك بقية. قال: أيها الأمير، إن كنت تريد رأيي وعزمي فذاك عندي،
وإن كنت تريدني للصراع فلا أصلح لذلك.
قال الأصمعي: دخل درست بن رباط
الفقيمي على بلال بن أبي بردة في الحبس، فعلم بلال أنه شامت، فقال: ما
يسرني بنصيبي من الكره حمر النعم. فقال درست: فقد أكثر الله لك منه.
أدخل
مالك بن أسماء سجن الكوفة، فجلس إلى رجل من بني مرة، فاتكأ على المرّيّ
يحدثه، وأكثر من ذكر نعمه، ثم قال: أتدري كم قتلنا منكم في الجاهلية؟ قال:
أما في الجاهلية فلا، ولكن أعرف من قتلتم منا في الإسلام. قال: من؟ قال:
أنا. قتلتني غمّاً.
دخل يزيد بن أبي مسلم على سليمان بن عبد الملك، فلما
رآه - وكان دميماً - قال: على رجل أجرّك رسنه وسلطك على المسلمين لعنه
الله. قال: يا أمير المؤمنين، رأيتني والأمر عني مدبر، ولو رأيتني والأمر
عليّ مقبل لا استعظمت من أمري ما استصغرت.
قال له سليمان: أترى الحجاج
بلغ قعر جهنم؟ قال: يا أمير المؤمنين، يجئ الحجاج يوم القيامة بين أبيك
وأخيك، قابضاً على يمين أبيك وشمال أخيك، فضعه من النار حيث شئت.
طاف
رجل من بني تغلب بالبيت، وكان وسيماً طويلاً جميلاً، فبصر به رجل من قريش
كان حسوداً، فسأل عنه، فأخبر أنه رجل من بني تغلب، فلما حاذاه، قال القرشي
يسمعه: إنهما لرجلان قلما وطئتا البطحاء، فالتفت إليه التغلبي فقال: يا هذا
البطحاوات ثلاث؛ فبطحاء الجزيرة إلى التغلبي دونك، وبطحاء ذي قار أنا أحق
بها منك، وهذه البطحاء، سواء العاكف فيه والباد. قال: فتحير الرجل، فما
أفاض بكلمة.
حدث أن أبا الجهم العدوي وفد على معاوية، فبينا هو يوماً من
الأيام يأكل معه إذ قال له معاوية: اينا أسن يا أبا الجهم، أنا أو أنت؟
قال: كيف تسألني في هذا، وقد أكلت في عرس لأمك قبل تزويجها بأبيك أبي
سفيان؟ قال: أيهم هو؟ فإنها كانت تستكرم الأزواج. قال: حفص ابن المغيرة.
قال: ذاك سلالة قريش، ولكن احذر السلطان يا أبا الجهم، يغضب غضب الصبي،
ويثب وثوب الأسد. قال: فقال أبو الجهم: إيهاً أراحنا الله منك يا معاوية.
قال: فإلى من! إلى زهرة؟ فوالله ما عندهم فصل ولا فضل، أم إلى بني هاشم؟
فوالله ما يرونكم إلا عبيداً لهم. ثم أمر له بمائة ألف درهم. قال: فأخذها
متسخطاً، وقال: رجل يأتي غير بلاده، ويعمل بغير رأي قومه فماذا يصنع؟ ثم
وفد على يزيد وشكا إليه ديناً كان عليه، فقال له يزيد: تلزمنا، مع قرابتك
قربة، ومع حقك حقوق، فاعذرنا. وأمر له بخمسين ألف درهم. قال: فقال ابن
كليبة فماذا؟ ثم دعاه عبد الله بن الزبير إلى نفسه، فوفد إليه أبو الجهم
وشكا إليه ديناً، ووصف له كثرة مئونته، فأمر له بألف درهم. فقال أبو الجهم:
أحسن الله إمتاع قريش بك، وأحسن عنّي جزاءك. ودعا له دعاء كثيراً.
فقال
له عبد الله: يا أبا الجهم؛ أعطاك معاوية مائة ألف درهم فسببته، وأعطاك
يزيد خمسين ألفاً فشتمته، وأعطيتك ألف درهم فدعوت لي وشكرت. قال: نعم
فديتك، إذا كانت قريش تنقص هذا النقصان فليس يجئ بعدك إلا خنزيراً.
قال
بعضهم: دخلت دار المعتصم فرأيت إبراهيم بن المهدي جالساً في بعض نواحي
الدار، وإلى جانبه العباس بن المأمون. قال: فالتفت العباس إلى إبراهيم وقد
رأى في يده خاتماً فصه ياقوت أحمر عجيب. فقال له: يا عن، خاتمك هذا؟ قال:
نعم، هذا الخاتم الذي رهنته في خلافة أبيك، وافتككته في خلافة أمير
المؤمنين أعزه الله. فقال العباس: أنت إن لم تشكر أبي على حقنه دمك، لم
تشكر عمي على افتكاك خاتمك.
قالت ابنة النعمان بن بشير لزوجها روح بن
زنباع: كيف تسود أنت من جذام، وأنت جبان، وأنت غيور؟ قال: أما جذام فإني
في أرومتها، وحسب الرجل أن يكون في أرومة قومه. وأما الجبن فإنما لي نفس
واحدة وأنا أحوطها، وأما الغيرة فأمر لا أحب أن أشارك فيه، وإن الحر لحقيق
بالغيرة إذا كانت في بيته ورهاء مثلك.
قال الحجاج لرجل من ولد عبد الله
بن مسعود: لم قرأ أبوك " تسع وتسعون نعجة. أنثى " ألا يعلم الناس أن النعجة
أنثى؟ قال: فقد قرأت أنت مثله " ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، تلك
عشرة كاملة " . ألا يعلم الناس أن ثلاثة وسبعة عشرة؟ فما أحار الحجاج
جواباً.
قال عبد الله بن الزبير لعدي بن حاتم: يا عدي، متى ذهبت عينك؟
قال: يوم قتل أبوك وضربت على قفاك مولّياً، وأنا يومئذ على الحق، وأنت على
الباطل.
وجّه معاوية رجلاً إلى ملك الروم ومعه كتاب، تصديره: إلى طاغية
الروم. فقال ملك الروم للرجل: مالذي الفخر بالرسالة، والمتسمى بخلافه
النبوة والسفه ما أظنكم وليتم هذا الأمر إلا بعد إعذار، ولو شئت كتبت: من
ملك الروم إلى غاصب أهل بيت نبيه، والعامل بما يكفره عليه كتابه، ولكني
أتجالل عن ذلك.
قال معاوية يوماً: الأرض لله، وأنا خليفته. ما أخذت فلي
حلال، وما تركت للناس فلي عليهم فيه منة. فقال صعصعة: ما أنت وأقصى الأمة
فيه إلا سواء، ولكن من ملك استأثر، فغضب معاوية وقال: لقد هممت... قال
صعصعة: ما كل من هم فعل. قال: ومن يحول بيني وبين ذلك؟ قال: الذي يحول بين
المرء وقلبه.
طلب الحسن بن سهل رجلاً من أهل الأدب يؤدب ولده. فجاءوه
بمعاوية بن القاسم الأعمى، فقال له: ما اسمك؟ قال: أكنى أبا القاسم،
ولضرورة تكنيت؛ فقيل له : اسمه معاوية؛ فاستظرفه وأمره بلزوم داره.
فرض
عبد الله بن عامر لجماعة من بني وائل في شرف العطاء، وأمر لهم بجوائز، فقام
رجل منهم، فقال: أيها الأمير، أرأيت ما أمرت لنا به، أخصصتنا به أم تعم به
أهل مصرنا؟ قال: لا، بل خصصتكم به. قال: ولم؟ قال: لما بلغني من فضلكم.
قال: إذاً لا نأخذ ثوابه منك.
قال بعضهم: رأيت يحيى بن عبد الله بن
الحسن قد أقبل على عمران بن فروة الجعفري، فقال: يا أبا شهاب، ما تفعلون
بالمولى فيكم؟ قال: ثلاثاً. قال: ما هن؟ قال: لا يمسح لحيته، ولا يكتني
بأبي فلان، ولا يشد حبوته وسط القوم، فقال له نعيم بن عثمان: هذا لجفائكم
وبعدكم من الله. فقال له: لو كنت والله يا أبا معاوية هناك ما ساروا فيك
إلا بسيرتهم في أخيك.
خاصم رجل رجلاً إلى سوار، فجعل أحدهما يدخل في حجة
صاحبه، وينهاه سوّار فلا ينتهي. فقال له: ألا تسكت عن خصمك يا ابن
اللخناء. فقال له الرجل: لا والله، ما لك أن تسبني وتذكر أمي. فقال له: ليس
هذا بشيء. اللخن قد يكون في السقاء. قال الرجل: فإن لم يكن فيه شيء فأشهدك
أن خصمي ابن اللخناء.
أرسل أبو جعفر المنصور إلى أصحابه: لا جزاكم الله
خيراً، أبق غلامي فلم تطلبوه، ولم تعلموني بهربه. ولا أعلمتموني قبل هربه
أنكم تخافون ذلك منه. وأراد أن يستنطقهم، فقال لهم ابن عياش المنتوف:
وكلوني بجوابه. فقالوا له: أنت وذاك. فقال للرسول: أتبلغه كما أبلغتنا؟
قال: نعم. قال: اقرأ على أمير المؤمنين السلام، وقل له: إنك اخترتنا من
عشائرنا وبلداننا، فظننا أنك أردتنا لأن نكون جلساءك، والمجيبين للوفد إذا
قدموا عليك، والخارجين لرتق الفتق إذا انفتق عليك، فأما إذ أردتنا لمن يأبق
من غلمانك فيربع غلامك يريد أن يأبق فاستوثق منه.
حج عبد الملك، ثم شخص
إلى الطائف فدخلها، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يسايره،
فاعترض له رجل من ولد أم الحكم من ثقيف، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لنا
قرابة وحقاً، وجواراً وخلقاً، ونحن من إحدى القريتين اللتين ذكرهما الله في
كتابه، والله لقد جاء الإسلام وإن في ثقيف من قريش تسعين امرأة. قال:
فتكاثر 1لك عبد الملك وقال: أكذلك يا أبا بكر؟ فقال: صدق يا أمير المؤمنين،
ولكن والله لا تجد فيهم امرأة من ولد المغيرة. فقال الثقفي: صدق يا أمير
المؤمنين، إنا والله نعرف قومنا، ونعتام في مناكحنا، ونأتي الأودية من
صدورها ولا نأتيها من أذنابها. والله ما أعطيتنا شيئاً إلا أخذنا مثله، ولا
مشينا حزناً إلا أسهلنا الهويني، فقال عبد الملك: قاتله الله ما أسبه!.
شكا رجل إلى الشبلي كثرة العيال، فقال: ارجع إلى بيتك ومن لم يكن منهم رزقه على الله فأخرجه من دارك.
باب آخر من الجوابات المسكتة
ما يجري مجرى الهزل
تعرّت الحضرمية يوماُ وزوجها ينظر إليها، فقالت: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، فأشار إلى ركبها وقال: أرى هاهنا شيئاً من فطور.ضرط ابن لعبد الملك صغير في حجره فقال له: قم إلى الكنيف. قال له: أنا فيه يا أبانا.
قال معاوية لعقيل: إن فيكم شبقاً يا بني هاشم. قال: هو منا في الرجال ومنكم في النساء.
قال بعضهم لآخر: يا خائن. فقال: تقول لي ذلك وقد ائتمنك الله على مقدار درهم من جسدك فلم تؤد الأمانة فيه.
دخل إبراهيم الحراني الحمام، فرأى رجلاً عظيم الذكر، فقال: يا فتى، متاع البغل! قال: لا، بل نحملك عليه. فلما خرج أرسل إليه بصلة وكسوة وقال لرسوله: قل له اكتم هذا الحديث فإنه كان مزاحاً، فرده وقال: لو قبلت حملاننا لقبلنا صلتك.
قيل لرجل قدم من الحج: كيف خلفت سعر النعال بمكة. تعريضاً له بالهدية، فقال: الفلعة بحمل ونبيجة فاكهة.
شتم عيسى بن فرخانشاه رجلاً نصرانياً، فقال: يا ابن الزانية. فقال له: أنت مسلم ولا اقدر على شتمك، ولكن أخوك يحيى بن فرخانشاه هو ابن الزانية.
قال الفرزدق لزياد الأعجم: يا أقلف. فقال زياد: يا ابن النمامة أمك أخبرتك بهذا.
قال رجل لأبي الأسود: كأن وجهك فقاح مجتمعة. قال: فهل ترى فقحة أمك فيها؟.
قال العطوي: قلت لجارية: اشتهي أن أقبلك. قالت: ولم؟ قلت: لأنك زانية. قالت: وكل زانية تقبلها؟ قلت: نعم. قالت: فابدأ بمن تعول.
قال غلام ثمامة لثمامة: قم صل واسترح. قال: أنا مستريح إن تركتني.
اشترى علي بن الجعد جارية بثلاثمائة دينار، فقال له ابن قادم النحوي: أي شيء تصنع بهذه الجارية؟ فقال: لو كان هذا شيئاً يجرب على الإخوان لجربناه عليك.
أشرف رجل على أبي الأسود وهو مختضب عريان بين رجليه خرقة، فقال: يا أبا السود، ليت أيري في سرتك. قال: أفتدري أين تكون فقحتك؟ فخجل الرجل وانصرف.
قال بعض الرؤساء لبعض الخلفاء: أنا اشتهي أن أرى النساء كيف يتساحقن. قال: ادخل دارك قليلاً قليلاً.
وقال آخر لبعض المجان: ما الدنيا إلا المجوس، يدخل الأب ف...ك، ويدخل الإبن ف...ك، فقال له: اسكت، لا يسمع ذاك أهل دارك فيرتدوا.
سمع بعضهم رجلاً يقول: أبي كان لا يدخل سكة إلا قام الناس له. فقال: نعم، صدقت، لأنه كان يتقدمه حمل شوك.
نظر أبو الشمقمق إلى رجل يمازح غلاماً قد التحى، فقال: ما هذا؟ قال: نأكل التمر لأنه كان رطباً. قال: فكل الخرى لأنه كان جوذاباً.
كان حماد الراوية يتهم بالزندقة وكان يصحب ابن بيض، فدخلا يوماً على والي الكوفة، فقال لابن بيض: قد صالحت حماداً؟ قال: نعم أيها الأمير، على ألا آمره بالصلاة، ولا ينهاني عنها.
وكان من حمقاء قريش سليمان بن يزيد بن عبد الملك، وكان وضيئاً. قال يوماً لعن الله الوليد أخي، فإنه كان فاجراً، والله لقد راودني عن نفسي. فقال له قائل: اسكت. فوالله إن كان همّ لقد فعل.
أنشد حضري أعرابياً شعراً لنفسه، وقال: تراني مطبوعا؟ قال: نعم على قلبك.
قال أبو عثمان: رأيت رجلاً من المنافقين كان أراد أن يكون على جبهته سجادة فوضع عليها ثوماً وشده، فلما نام انقلبت السجادة، وصارت على الجانب الأيمن، فسألته عن ذلك، فقال: ومن الناس من يعبد الله على حرف.
اعترض عمرو بن الليث فارساً من جيشه، فكانت دابته بغاية الهزال. فقال له: يا هذا، تأخذ مالي تنفقه على امرأتك وتسمنها، وتهزل دابتك التي عليها تحارب، وبها تأخذ الرزق، امض لشأنك فليس لك عندي شيء. فقال الجندي: أيها الأمير، لو استعرضت امرأتي لاستسمنت دابتي. فضحك عمرو، وأمر بإعطائه رزقه.
قيل للنتيف الأصبهاني: لم تنتف لحيتك؟ فقال: وأنت فلم لا تنتفها؟ رأى ابن مكرم منجماً عند أبي العيناء، فقال: ما يصنع هذا؟ قال: يعمل مولد ابني. قال فسله أولاً هل هو ابنك أم لا؟.
سأل رجل آخر عن درب الحمير، قال: ادخل أي درب شئت.
قال أبو بكر المقرئ: رأيت امرأة منكشفة بباب المسجد، فقلت لها: أما تستحيين؟ قالت: ممن؟ استعار رجل من آخر حماراً فأخرج إليه إكافاً وقال: اجعله على من شئت.
تزوج رجل بامرأة قد مات عنها خمسة أزواج، فمرض السادس، فقالت: إلى من تكلني؟ فقال: إلى السابع الشقي.
ومات زوج امرأة فراسلها في ذلك اليوم رجل يخطبها، فقالت: لو لم يسبقك غيرك لفعلت. فقال الرجل: قد قلت لك إذا مات الثاني فلا تفوتيني.
كان
ليهودي غلام فبعثه يوماً ليحمل ناراً يطبخ بها قدراً، فأبطأ عليه ثم عاد
بعد مدة وليس معه نار، فقال: أين النار؟ قال: يا سيدي. قد جئتك بأحر من
النار، هذا صاحب الجوالي بالباب يطالب بالجزية.
غنّت قينة عند بعض
الرؤساء فطرب وشق ثوبه، وقال لغلامه: شق ثوبك. فقال: كيف أعمل وليس لي
غيره؟ قال: أنا أكسوك غداً. فقال: وأنا أشقه غداً.
أدخل رجل بغلة إلى
سوق الدواب يبيعها فلقيه رجل فقال: بكم البغلة؟. قال بخمسمائة درهم. قال:
لا بأربعمائة. قال صاحبها: زدني شيئاً آخر. قال: أزيدك أ..ر حمار، فقال:
اقعد أنت على سومك، فإن زادنا غيرك وإلا أنت أحق به.
كان عفان بن مسلم يروي الحديث، فقال بعض من حضره: إن رأيت أن تزيد في صوتك فإن في سمعي ثقلاً. قال: الثقل في كل شيء منك.
قال زيادي لرجل: يا ابن الزانية. قال: أتسبني بشيء شرفت به؟.
قال أبو موسى ابن المتوكل لرجل: لم انقطعت عنا؟. فقال: بيتك حر، ما خرج منه أحد فعاد إليه.
قال
النخعي: ما رأيت أسرع جواباً من نصراني رأيته بالرقة. فإني دخلت عليه في
الحمام، وهو يصب عليه ماء فأطال ومنعني الدنو من الحوض، فقلت وقد دخلني
الغيظ: تنح ويلك فإنك بغيض. فترك ما كان فيه وقال لي: قد فعلت، ولكن لا
تفارقني حتى تقول لي من أين حكمت عليّ بأني بغيض! قال فقلت: لأنك جعلت مع
الله عز وجل شريكاً. فقال لي: أسرع من اللحظ: لا والله ما جعلت معه شريكاً،
فإن كنت فعلت، فخذ كتابي إليه بالانصراف الساعة. فأخجلني.
قيل لبعضهم: زوجت أمك؟ فقال: نعم، حلالاً طيباً. فقال: أما حلال فنعم، وأما طيب فلا.
قالت امرأة لرائض دواب: بئس الكسب كسبك، إنما كسبك باستك. فقال: ليس بين ما أكتسب به وبين ما تكتسبين به إلا إصبعان.
قالت امرأة لزوجها: يا مفلس يا قرنان. قال: إن كنت صادقة فواحدة منك وواحدة من الله.
قيل لبعض الظرفاء من أهل العلم: أتكره السماع؟ قال: نعم، إذا لم يكن معه شرب.
كتب
العباس بن المأمون، في رقعة: أي دواة لم يلقها قلمه؟ وألقاها بين يدي يحيى
بن أكثم، فقرأها ووقع فيها: دواتك ودواة أبيك. فأقرأها العباس أباه
المأمون، فقال: صدق يا بني، ولو قال غير هذا لكانت الفضيحة.
كان ليعضهم
ابن دميم فخطب له إلى قوم، فقال الابن لأبيه يوماً: بلغني أن العروس عوراء،
فقال الأب: يا بني، بودي أنها عمياء حتى لا ترى سماجة وجهك.
سمع رجل به وجع الضرس آخر ينشد:
قضاها لغيري وابتلاني بحبها
فقال: والله لو ابتلاك بوجع الضرس لم تفزع لهذا.
اعتلت
امرأة ابن مضاء الرازي، فجعلت تقول له: ويلك، كيف تعمل أنت إن مت أنا؟
وابن مضاء الرازي يقول: ويلك، أنا إن لم تموتي كيف أعمل؟.
قال عبادة
يوماً لأبي حرملة المزين: خذ ذقني. قال: يا مخنث، أضع يدي على وجهك وأنا
أضعها على وجه أمير المؤمنين! فقال له: يا حجام أنت تضعها على باب أستك كل
يوم خمس مرات لا يجوز أن تضعها على وجهي؟!.
قيل لبعضهم: غلامك ساحر. قال: قولوا له يسحر لنفسه قباء وسراويل.
قال ابن مكرم لأبي العيناء: بلغني أنك مأبون. قال: مكذوب عليّ وعليك.
نظر رئيس إلى أبي هفان وهو يسارّ آخر، فقال: فيم تكذبان؟ قال: في مدحك.
وقيل لبعض ولد أبي لهب: العن معاوية. فقال: ما أشغلني: " تبت " .
كان
لخازم بن خزيمة كاتب ظريف أديب وكان يتنادر عليه، فقام يوماً من بين يديه،
فقال له ابن خزيمة: إلى أين يا هامان؟ فقال: أبني لك صرحاً.
قيل لرجل كانت امرأته تشارّه: أما أحد يصلح بينكما؟ قال: لا، قد مات الذي كان يصلح بيننا. يعني ذكره.
قال بعضهم لصاحب له: متى عهدك بالن..ك؟ قال: سل أمك فقد نسيت.
كان رجل يكثر الحلف بالطلاق، فعوتي في ذلك، فقال: أحضروها فإن كانت تصلح لغير الطلاق فاقتلوني.
قيل لبعضهم وهو مقنع: إن لقمان قال: إن القناع مذلة بالنهار معجزة بالليل. فقال: إن لقمان لم يكن عليه دين.
حمل
إلى معاوية مال من العراق، وعلى رأسه خصيّ يذب عنه، فقال: يا سيدي، من لي
بكف منه؟ فقال: ويحك، وما تصنع به؟ إنك إن مت وتركته كويت به يوم القيامة.
فقال: يا مولاي إن كان هذا حقاً فإن جلدك لا يشترى يوم القيامة بفلس.
وقف
رجل مفرط الطول على بعض العيارين وهو يبيه الرمان، فقال: هذا رمان صغير.
فقال له صاحب الرمان: لو نظرت أنا إليه حيث تنظر إليه أنت ما كان في عيني
إلا عفصاً.
قالت امرأة عقيل له: والله لا يجمع رأسي ورأسك وساد أبداً. فقال عقيل: لكن أستاهنا تجتمع.
قال
بعضهم: كنت نائماً على سطح لي، فسمعت في بعض الليل كلام امرأة من وراء
الحائط تقول لزوجها: أنا عريانة بجنبك، وأنت تجلد عميرة! فقال لها: يا
ويلك، إذا كان عميرة أفره منك كيف أعمل؟ قال الوليد بن يزيد لبديح: خذ بنا
في التمني فوالله لأغلبنك. قال: والله لا تغلبني أبدا! قال: بلى والله ما
تتمنى شيئاً إلا تمنيت ضعفيه. قال بديح: فإني أتمنى كفلين من العذاب، وأن
الله يلعنني لعناً كبيراً، فخذ ضعفي ذلك. قال: غلبتني لعنك الله.
كانت
رقية بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان، وأمها فاطمة بنت الحسين عند هشام،
وكان يحبها وتبغضه، فاعتلت فجلس عند رأسها، فقال: ما تشتكين؟ قالت: بغضك.
فسكت عنها ساعة، ثم قال لها: ما تشتهين؟ قالت: فقدك.
كان بالبصرة رجل
طبيب يقال له: حوصلة، وكان له جار يعشق ابناً له، فوجّه حوصلة بابنه إلى
بغداد في حاجة له، ولم يعلم جاره بذلك، فجاء ليلة يطلبه، فصاح بالباب:
أعطونا ناراً. فقال حوصلة: المقدحة ببغداد.
شكا رجل جاريته إلى إبراهيم
الحراني - وكان قبيحاً دميماً - فقال له إبراهيم: هل رأيت وجهك في المرآة؟
قال: نعم. قال: أفرضيته لنفسك؟ قال: لا. قال: فكيف تلومها على كراهية ما
تكرهه لنفسك.
كان رجل دميم قبيح الخلقة قد رزق ابنين مليحين، فدخل يوماً
إلى بعض الأمراء وهما معه، فقال له: يا أبا فلان والدتهما حرة أم أمة؟
فقال: أيها الأمير أفي الدنيا حرة تمكن نفسها من مثلي؟!.
سمع رجل بعض الحمقى يقول: اللهم لا تأخذنا على غفلة، فقال: إذاً لا يأخذك أبدا.
قال غلام لأبيه: يا أبه. أخبرني مستملي أبي خيثمة: أن أبا خيثمة يستثقلني، فقال: يا بني، فأنت ثقيل بإسناد.
كتب
رجل إلى صديق له: وجه غليّ بدستيجة نبيذ، وغط رأسك من الحر، وسر إلينا،
فقال في الجواب: ولم لا أكشف رأسي في بيتي، واشرب الدستيجة وحدي؟.
قال
بعض البصريين: كنا عند رجل ومعنا رجل من آل أبي معيط، وأبو صفوان حاضر،
فأتيا بفالوذجة حارة، فكاع القوم عنها لحرارتها، وأهوى إليها المعيطي، وجعل
يأكل، فقال أبو صفوان: انظروا إلى صبر آل أبي معيط على النار.
اتخذ ابن
أخ لإبراهيم بن العباس منجماً وطبيباً، فقال له إبراهيم: والله ما أعرف لك
في السماء نجماً ولا في الأرض طبعاً، فما تصنع بالطبيب والمنجم.
دخل
بعض الولاة والمتغلبين إلى بلد واستتر منه الوالي قبله، فطلبه، وأخذ أصحابه
وطالبهم بالدلالة عليه إلى أن أخذ وكيلاً له، فألح عليه إلحاحاً شديداً،
فلما علم ذلك ووقف عليه لم يلبث أن خرج الأول من الاستتار، ووجد أعواناً
فقبض على الآخر وحبسه، وانتقل هو إلى دار الإمارة، فجاء هذا الوكيل إلى
الحبس، ودخل على المحبوس، وقال: كنت قد حلفتني أن أدلك على موضع الأمير إذا
عرفته، وقد عرفت ذلك، وهو في دار الإمارة في الإيوان، فخذه إن أردت أخذه.
مدح رجل رجلاً عند الفضل بن الربيع، فقال له الفضل: يا عدو الله؛ ألم تذكره عندي بكل قبيح؟! قال: ذاك في السر. جعلت فداك.
تزوج أعمى امرأة قبيحة، فقالت: رزقت أحسن الناس وأنت لا تدري! فقال: يا بظراء، فأين كان البصراء عنك؟!.
قال رجل لآخر أصلع: إن صلعتك هذه لمن نتن دماغك، فقال: لو كان كذلك ما كان على حرأمك طاقة شعر.
دخل أبو العيناء إلى ابن مكرم، فقال له: كيف أنت؟ قال أبو العيناء: كما تحب؟ قال: فلم أنت مطلق؟.
أهدى
رجل إلى إسماعيل الأعرج فالوذجة زنخة، وكتب معها: إني اخترت لعملها جيّد
السكر السوسي، والعسل الماذي، والزعفران الأصبهاني، فأجابه: برئت من الله
إن لم تكن عملت هذه الفالوذجة قبل أن تمصر أصبهان، وقبل أن تفتح سوس، وقبل
أن أوحى الله إلى النحل.
قيل للنتيف الأصبهاني: ما بقي معك من آلة الجماع؟ قال: البزاق.
قيل للجاحظ: لم هربت في نكبة ابن الزيات؟ قال: خفت أن أكون ثاني اثنين إذ هما في التنور.
رمى المتوكل عصفوراً بالبندق فلم يصبه، فقال ابن حمدون: أحسنت يا سيدي، فقال: هو ذا تهزأ بي، كيف أحسنت؟ قال: إلى العصفور.
كان
بعض الكتاب يكتب كتاباً وإلى جنبه رجل يتطلع في كتابه، فلما شق عليه ذلك
كتب في كتابه: ولولا ابن زانية أخو قحبة كان يتطلع في كتابي لأطلته وشرحت
فيه جميع ما في نفسي، فقال الرجل: يا سيدي والله ما كنت أتطلع في كتابك،
فقال: يا بغيض، فمن أين قرأت هذا الذي كتبته؟ قيل لأبي عروة الزبيري: أيسرك
أنك قائد؟ فقال: إي والله، ولو قائد عميان.
تجارى قوم في مجلس لهم حديث
الكمال في الرجال، ودخول النقصان عليهم للآفات، فقال بعضهم: من كان أعور
فهو نصف رجل، ومن لن يحسن السباحة فهو نصف رجل، ومن لم يكن متزوجاً فهو نصف
رجل. وكان فيهم أعور، ولم يكن يحسن السباحة ولا متزوجاً، فالتفت إلى ذلك
الإنسان وقال له: إن كان عليّ ما تقول فأنا أحتاج إلى نصف رجل حتى أكون لا
شيء.
قال بعضهم: مررت بمنجم قد صلب، فقلت له: هل رأيت في نجمك وحكمك هذا؟ قال: كنت رأيت رفعة، ولكن لم اعلم أنها فوق خشبة.
قال
بعضهم: نزلت بعض القرى، وخرجت في الليل لحاجة فإذا أنا بأعمى على عاتقه
جرة وفي يده سراج، فلم يزل يمشي حتى أتى النهر، وملأ الجرة وانصرف راجعاً،
فقلت له: يا هذا، أنت أعمى، والليل والنهار عليك سواء، فما معنى هذا
السراج؟ قال: يا فضولي، حملته معي لأعمى القلب مثلك يستضئ به، فلا يعثر بي
في الظلمة فيقع عليّ ويكسر جرتي.
صدم اعور في بعض الأسواق امرأة، فالتفتت إليه وقالت: أعمى الله بصرك، فقال: يا ستي، قد استجاب الله نصف دعائك.
دخل
إلى بعض العور رجل من جيرانه - ومعه حمار - فقال: أيها الأستاذ اشتريت هذا
الحمار فأحببت أن أتبرك بنظرك إليه فكم يساوي عندك؟ فتأمله، ثم قال: يساوي
خمسين درهماً. وكان الرجل قد اشتراه بمائة درهم، فقال: لا إله إلا الله ما
أخطأت بفلس، فإني اشتريته بمائة، وأنت رأيت نصفه.
غنت مغنية بصوت فيه " الله يعلم.. " فكررته مراراً، فقال ابن مكرم: أنك بغيضة.
سئل رجل عن سن امرأته - وكانت قديمة الصحبة له - فقال: خذوا عيار رأسها من لحيتي.
قال أبو حنيفة لشيطان الطاق: مات إمامك - يعني جعفر الصادق عليه السلام - فقال له: لكن إمامك لا يموت إلى يوم الدين. يعني، إبليس.
وناظره
مرة في الطلاق، فقال له أبو حنيفة: أنتم معاشر الشيعة لا تقدرون على أن
تطلقوا نساءكم، فقال شيطان الطاق: نحن نقدر على أن نطلق على جميع من خالفنا
نساءهم. فكيف لا نقدر على ذلك في نسائنا؟ وإن شئت طلقت عليك امرأتك. قال
أبو حنيفة: افعل. قال: قد طلقتها بأمرك، فقد قلت لي: افعل.
قال بعض
العلوية لأبي العيناء: أتبغضني ولا تصح صلاتك إلا بالصلاة عليّ، إذا قلت:
اللهم صل على محمد وآله؟ فقال أبو العيناء: إذا قلت " الطيبين " خرجت منهم.
أتى
قوم بعضهم وقالوا: نحب أن تسلف فلاناً ألف درهم، وتؤخره سنة. فقال: هذه
حاجتان ولكني سأقضي لكم إحداهما، أما الألف فلا يسهل عليّ، ولكني أؤخره ما
شاء الله.
وسأل بعض الخلفاء من لا يستحق الولاية، فقال: ولني يا أمير المؤمنين أرمينية، فقال: يبطئ على أمير المؤمنين خبرك.
كان لبعضهم ابن متحنف، فقال له يوماً: ما أطيب الثكل! فقال الابن: أطيب منه والله يا أبي اليتم.
قال بعض القصاص - وهو يعظ: آه..آه!! فقال بعض المجان: من تحتي؟ فقال القاص: ومعي ثلاثة. يريد: لحمل نعشه.
قال
رجل لحميد الطوسي - وكان عاتياً - رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت،
وكأن الله قد دعا بك، وغفر لك، وأدخلك الجنة. فقال: إن كانت رؤياك حقاً
فالجور ثم أكثر من هاهنا.
مر الفرزدق وهو راكب بغلة فضربها فضرطت، فضحكت
منه امرأة فالتفت إليها وقال: ما يضحكك؟ فوالله ما حملتني أنثى قط إلا
ضرطت، فقالت له المرأة: فقد حملتك أمك تسعة أشهر يا ابن الضراطة.
قيل لمفلس: يا مربي. قال: فأل حسن.
الباب الثامن:
من نوادر المتنبئين
ادّعى
رجل في زمن المهدي النبوة، فأدخل إليه، فقال له المهدي: أنت نبي؟ قال:
نعم. قال: فإلى من بعثت؟ قال: وتركتموني أذهب إلى من بعثت؟ بعثت بالغداة
وحبستموني بالعشي، فضحك المهدي حتى فحص برجله، وأمر له بجائزة وخلى سبيله.
وتنبأ
آخر وادعى أنه موسى بن عمران، فأحضره وقال له: من أنت؟ قال: أنا كليم الله
موسى. قال: وهذه عصاك التي صارت ثعباناً؟ قال: نعم. قال: فألقها من يدك
ومرها أن تصير ثعباناً. قال: قل أنت " أنا ربكم الأعلى " : كما قال فرعون،
حتى أصيرها ثعباناً كما فعل موسى. فضحك منه واستظرفه.
وأحضرت المائدة
فقيل له: هل أكلت شيئاً؟ فقال: ما أحسن العقل! لو كان لي ما آكله، أي شيء
كنت أعمل عندكم؟ فأعجب به الخليفة وأحسن إليه.
وتنبأت امرأة أيام
المأمون؛ فأوصلت إليه. فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا فاطمة النبية. فقال
المأمون: أتؤمنين بما قال محمد رسول الله؟ قالت: هو نبي حقاً، وقوله حق
مقبول. قال: فإن محمداً عليه السلام قال: لا نبي بعدي. قالت: صدق صلوات
الله عليه؛ فهل قال: لا نبية بعدي؟ فقال المأمون لمن حضر: أما أنا فقد
انقطعت، فمن كانت عنده حجته فليأت بها، وضحك حتى غطى وجهه.
وتنبأ آخر في
أيام المأمون فقال: أنا أحمد النبي. فحمل إليه فقال له: أمظلوم أنت فتنصف؟
قال: ظلمت في ضيعتي، فتقدم بإنصافه، ثم قال له: ما تقول في دعواك؟ قال:
أنا أحمد النبي فهل تذمه أنت؟.
ادعى رجل النبوة فقيل له: ما علامتك؟ قال أنبئكم بما في أنفسكم. قالوا: فما في أنفسنا؟ قال: أني كذاب، لست بنبي!!.
تنبأ
حائك بالكوفة فقيل له: ما رأينا نبياً حائكاً، فقال: هل رأيتم نبياً
صيرفياً؟ تنبأ رجل بالبصرة في أيام محمد بن سليمان فأدخل عليه وهو مقيد.
فقال له: أنت نبي مرسل؟ قال: أما الساعة فمقيد. قال: ويلك، من غرك؟ قال:
هكذا يخاطب الأنبياء؟ أما والله لولا أني موثق لأمرت جبريل بأن يدمدمها
عليكم. قال: والموثق لا تجاب دعوته؟ قال: الأنبياء إذا قيدت خاصة لا ترتفع
دعوتهم؛ فضحك محمد وقال: متى قيدت الأنبياء؟ قال: هو ذا بين يديك واحد.
قال: فنحن نطلقك وتأمر جبريل، فإن أطاعك آمنا بك. قال: صدق الله تبارك
وتعالى: " فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " إن شئت فافعل فأمر بإطلاقه
فلما وجد الراحة قال: يت جبريل - ومذ بها صوته - ابعثوا من شئتم، فليس بيني
وبينكم عمل، هذا محمد بن سليمان في عشرين ألف مدجج، وله غلة مائة ألف في
كل يوم وأنا وحدي، ما أملك درهماً واحداً، ما يذهب لكم في حاجة إلا كشخان
فضحك منه وخلاه.
تنبأ رجل في أيام المأمون، فقال له: من أنت؟ قال: نبي.
قال: فما معجزتك؟ قال: ما شئت. قال: فأخرج لي من الأرض بطيخة. قال: أمهلني
ثلاثة أيام. قال المأمون: الساعة أريدها. قال: يا أمير المؤمنين، أنصفني.
أنت تعلم أن الله ينبتها في ثلاثة أشهر، فلا تقبلها مني في ثلاثة أيام؟!
فضحك المأمون وعلم أنه محتال واستتابه ووصله.
وتنبأ آخر في أيامه،
فطالبوه بمعجزته، فقال: أطرح لكم حصاة في الماء فأذيبها حتى تصير مع الماء
شيئاً واحداً. قالوا: قد رضينا، فأخرج حصاة كانت معه وطرحها في الماء
فذابت، فقالوا: هذه حيلة، ولكن أذب حصاة نعطيك نحن. قال لهم: لا تتعصبوا.
فلستم أنتم أجل من فرعون، ولا أنا أعظم من موسى، لم يقل فرعون لموسى: لا
أرضى بما تفعله بعصاك حتى أعطيك من عندي عصاً تجعلها ثعباناً. فضحك المأمون
وأجازه.
وتنبأ آخر في أيام المعتصم، فلما أحضر بين يديه قال له: أنت
نبي؟ قال: نعم. قال: إلى من بعثت؟ قال: إليك. قال: أشهد أنك لسفيه أحمق.
قال: إنما يبعث إلى كل قوم مثلهم. فضحك المعتصم وأمر له بشيء.
وتنبأ آخر فقيل له: ما معجزتك؟ قال: يقول الله تعالى: " ذو مرة فاستوى " ، ورجلي قد تشقق كله من المرار.
وتنبأ آخر فرئي في بيت خمار، فقيل له: ما رأينا نبياً في بيت خمار!! قال: إنما جئت أعرف هذا حتى لا أقصده مرة أخرى.
وتنبأ
رجل في خلاعة المأمون، فقال لعلي بن صالح صاحب المصلى: ناظره. فقال له
علي: ما أنت؟ قال: نبي. قال: فأين آياتك والنذر؟ قال: ألستم تزعمون أن
محمداً كان لا يخبر بشيء إلا كان؟ قالوا: نعم. قال: فأنا لا أخبر بشيء أنه
يكون فيكون.
تنبأ رجل في أيام المأمون، فقال له: ما أنت؟ قال: أنا
نبي. قال: فما معجزتك؟ قال: سل ما شئت. وكان بين يديه قفل، قال: خذ هذا
القفل فافتحه، فقال: أصلحك الله، لم أقل إني حداد، قلت: أنا نبي!! فضحك
المأمون واستتابه وأجازه.
وتنبأ آخر فطلب، فلما أحضر دعا له بالنطع
والسيف، فقال: لم تقتلوني؟ قالوا: لأنك ادعيت النبوة. قال: فلست أدعيها.
قالوا: فأي شيء أنت؟ قال: أنا صدّيق. فدعي له بالسياط، قال: لم تضربوني؟
قالوا: لادعائك أنك صديق. قال: لا أدعي. قالوا: فمن أنت؟ قال: من التابعين
بإحسان. فدعي له بالدّرة. قال: ولم؟ قالوا: نؤدبك لادعائك ما ليس فيك. قال:
ويحكم. الساعة كنت نبياً، أتريدون أن تحطوني في ساعة واحدة من النبوة إلى
مرتبة العوامّ؟ أمهلوني إلى غد حتى أصير لكم إلى ما شئتم.
وأتي المتوكل
بواحد قد تنبأ، فقال له: ما حجتك؟ قال: ما أعطوني حجة وقلت لجبريل: إن
القوم ثقال الأرواح غلاظ الطباع لابد لي معهم من آية. قال لي: اذهب، فإن
أهل بغداد قد اختلفوا في القاضي، وأنه بغّاء أو لوطيّ، فاذهب فعرفهم ذلك
فإنهم إذا عرفتهم آمنوا بك. قال المتوكل: فما الذي قال لك جبريل من أمر
القاضي. قال: قال هو بغّاء. فضحك وأمر له بجائزة.
وتنبأ آخر في زمن
المهدي، فقال له: إلى من بعثت؟ فقال: وتركتموني أذهب إلى من بعثت إليه؟
بعثت بالغداة ووضعتموني في السجن بالعشي، فضحك المهدي حتى ضرب برجليه.
وقال: صدقت يا هذا. عاجلناك، فإن نحن خليناك تذهب إليهم؟ قال: لا والله، قد
بدا لي، أخاف أن يصنعوا بي كما صنعتم. قال: فما تقول لجبريل؟ قال: أقول
له: ابعثوا من شئتم فإني أحتاج أن أقتل الحبال. فضحك المهدي، واستتابه
وخلاه.
وتنبأ آخر في زمن المهدي فأمر بإحضاره، فلما مثل بين يديه قال
له: أنت نبي؟ قال: نعم. قال: ومتى بعثت؟ قال: وما تصنع بالتاريخ؟ قال: ففي
أي موضع جاءتك النبوة؟ قال: وقعنا. والله ليس هذا من مناظرات الأنبياء، إن
كان عزمك أن تصدقني فكل ما قلت لك اعمل به، وإن عزمت أن تكذبني فدعني رأساً
برأس. قال المهدي: هذا لا يجوز فإن فيه فساد الدين. فغضب وقال: واعجباه!
تغضب أنت لفساد دينك ولا أغضب أنا لفساد ديني؟ فوالله ما قويت إلا بمعن بن
زائدة والحسن بن قحطبة ومن أشبههما، فضحك المهدي وقال لشريك القاضي: ما
تقول فيه؟ قال المتنبئ: تشاور ذاك في أمري ولا تشاورني؟ قال: هات ما عندك.
قال: أكافر أنا عندك أم مؤمن؟: قال: كافر. قال: فإن الله يقول: " ولا تطع
الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله " . فلا تطعني ولا تؤذني،
ودعني أذهب إلى الضعفاء والمساكين، فإنهم أتباع الأنبياء، وأترك الملوك
والجبابرة فإنهم حصب جهنم، فضحك وخلاه.
وتنبأ آخر في أيام المتوكل
فأحضره وقال له: ما صناعتك؟ قال: أنا روّاس. قال المتوكل: صناعة قذرة، فقام
المتنبئ ينفض ثيابه ليمضي، فقال: إلى أين؟ قال: أذهب أقول لهم إن القوم
متقززون، يريدون نبياً عطاراً.
وتنبأ آخر في أيام المأمون فأحضر وقال
له: ما آيتك؟ وما الدليل على نبوتك؟ قال: القرآن؛ يقول الله عز وجل: " إذا
جاء نصر الله والفتح " . واسمي الفتح. فقال المأمون: فهذا لك خاصة أو لكل
من اسمه الفتح؟ قال: وحين قال الله في كتابه العزيز: " محمد رسول الله "
كان لمحمد خاصة أو لكل من اسمه محمد؟ فضحك واستتابه وخلاه.
وتنبأ آخر فقيل له: ما معجزتك؟ قال: وما معجزة نبيكم؟ قالوا: حلب الحائل. قال: فأنا أحلب العاقر.
تنبأ
آخر، وسمى نفسه نوحاً، ونهاه صديق له عن ذلك، فلم ينته، فأخذه السلطان
وصلبه، فمر به صديقه الذي كان ينهاه، فقال له: يا نوح؛ ما حصلت من السفينة
إلا على الدقل.
جاء رجل إلى المتوكل، وادعى النبوة، فقال له بعض من حضر:
صف لنا جبيل، فوصفه ولم يذكر جناحه، فقال له: ويحك، لم تعلمنا خبر جناحه،
ولسنا نشك في أن له جناحاً. فقال: أظنه أتاني وهو في القرفصة.
أتي المأمون بآخر قد تنبأ، فقال له: ما تقول؟ قال: قال ربي لا تكلم المأمون بشيء، واذهب إلى الهند. فضحك وخلاه.
الباب التاسع
نوادر المدينيين
قال رجل من أهل الشام لبعض أهل المدينة - وهو الغاضري - : كيف يباع النبيذ عندكم؟ قال: مدّان وثمانية وسبعون سوطاً بدرهم!!.وقيل لمديني: ما أعددت لشدة البرد؟ قال: شدة الرعدة.
وقال آخر منهم لغلامه ونزل به ضيف: افرش لضيفنا. فقال: ما أفرش له، وسراويلك عليك، والجل على الحمار؟.
وقيل لآخر: كيف أنت في دينك؟ قال: أخرقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار.
سرق آخر نافجة مسك، فقيل له: إن كل من غل يأتي بما غل يوم القيامة يحمل على عنقه. فقال: إذاً والله أحملها طيبة الريح خفيفة المحمل.
ومر
آخر بقاص وهو يقول: وإسرافيل ملتقم الصور ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فيه.
فقال المديني - وضرب بيده على جبهته - : إنا لله، إن عطس عطسة افتضحنا.
وقال
آخر: لو قسم البلاء بين الناس لم يصبنا أكثر مما أصابنا. قالوا: ما الذي
أصابك؟. قال: بعثنا بشاتنا إلى التيّاس مع الجارية، فجاءت الشاة حائلاً
والجارية حاملاً.
وصحب مديني بعض ولاة المدينة، فلما رجع إلى المدينة قالوا: هل ولاّك شيئاً؟ قال: نعم، ولاّني قفاه.
قيل
لآخر - وقد ذم عيشه - : أحمد الله الذي رفع السماء بغير عمد، فإنه قادر
على أن يوسع رزقك. قال: وددت أنه وسع عليّ وجعل بين كل ذراعين اسطوانة.
وسمع آخر سائلاً يقول: لا ينقص مال من صدقة. قال: بيني وبينك الميزان يا كشخان.
قيل لآخر: كيف طابت أصوات أهل المدينة؟ قال: لخلاء أجوافهم، كالعود لما خلا جوفه طاب صوته.
لقي
مديني آخر فقال له: ما فعل ابنك فلان؟ قال: باليمن. قال: فابنك فلان؟ قال:
بخراسان. قال: لا أسألك عن الثالث فإني أعلم أنه في السحاب.
وقال مديني لآخر: زوجت أمك؟ قال: نعم، حلالاً طيباً. قال: حلال نعم، فأما الطيب فالزوج أعلم به.
واشترى آخر رطباً، فأخرج صاحبه كيلجة صغيرة ليكيل بها، فقال المديني: والله لو كلت لي بها حسنات ما قبلتها.
وقيل لآخر: حمارك مهزول. فقال: يده مع يدي.
واشترى آخر جارية فسئل عنها، فقال: فيها خلتان من خلال الجنة: برد وسعة.
وقال
مديني لابن أبي مريم: تعشقت فلانة وأريد شراءها. قال: يا ابن الفاعلة،
فبأي شيء تشتريها؟ قال: أبيع قطيعة جدي وأشتريها. قال: امرأته طالق إن كان
ملك جدك قطيعة إلا قطيعة الرحم.
كان مديني يجلس على باب مسجد، فيرى
الناس إذا اذن المؤذن يدخلون أرسالاً. فقال: والله لو قال هذا المؤذن
يوماً: حيّ على الزكاة، ما جاء منكم أحد.
وسرق آخر جرة فأخذوها منه
وأرادوا ضربه، وقالوا: يا عدو الله تسرق جرتنا؟ فقال: ما هذه جرتكم، هذه
والله عندنا مذ هي كوز! فضحكوا منه وتركوها له.
قال مديني لآخر: أيسرك
أن هذه الدار لك؟ قال: نعم. قال: وليس إلا نعم؟ قال: وكيف أقول؟ قال: تقول
نعم، وأحمّ سنة. قال: نعم وأنا أعور.
وقال واحد منهم لآخر: أيسرك أن
تعيش حتى تجئ حليمة من إفريقية مشياً إليك؟ قال: وأنت يسرك ذلك؟ قال: أخاف
والله أن يقول إنسان هي بمخيض فيغشى عليّ. ومخيض على بريد من المدينة.
وقال
آخر لامرأته: لا جزاك الله خيراً فإنك غير مرعية ولا مبقية. قالت: لأنا
والله أرعى وأبقى من التي كانت قبلي. قال: فأنت طالق إن لم أكن آتيها
بجرادة فتطبخ منها أربعة ألوان وتشوى جنبيها. فرفعته إلى القاضي، فجعل
القاضي يطلب له المخرج، فقال للقاضي: أصلحك الله، أشكلت عليك؟ هي طالق
عشرين.
شتم مديني أبا هريرة، فقيل له: أتشتم رجلاً من أصحاب النبي عليه السلام؟ فقال: ظننته أنس بن مالك.
مطر أهل المدينة ست ليال متواليات، حتى كاد أهلها يغرقون، فقال بعضهم: إن مطرنا السابعة أصبح أهل السماء في مفازة لا يجدون حسوة ماء.
نزل على مديني أضياف فتسترت امرأته منهم وتخفرت. فقال لها زوجها: لوددت أن في الدنيا عيناً تشتهيك، وأنك أثقلت في كل يوم بتوأمين.
نظر
مديني إلى قوم يستسقون ومعهم الصبيان، فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: نرجو بهم
الإجابة. قال: لو كان دعاؤهم مجاباً لما بقي في الأرض معلم.
قيل لبعضهم: ما عندك من آلة الحج؟ قال: التلبية.
وقيل لآخر: يمكنك أن تحج. قال: ليت أمكنني المقام!.
وقف آخر على قاص وهو يذكر ضغطة القبر، فقال: يا قوم، كم في الصلب من الفرج العظيم ونحن لا ندري! فقال صاحبه: فإنا نستصلب الله.
أخذ الطائف بعضهم وهو سكران، فقال: احبسوا الخبيث. فقال: أصلحك الله؛ عليّ يمين بالطلاق ألا أبيت بعيداً عن منزلي، فضحك وخلاه.
اجتازت
جارية مدينية برجل منهم يبول، فرأت معه شيئاً وافراً، فقالت له: هذا معك
ولا تجلس في الصيارفة؟ فقال: أخزاك الله، وهل أقامني من الصيارفة غيره؟.
وصف مديني امرأة بالقبح، فقال: كأن وجهها وجه إنسان قد رأى شيئاً يتعجب منه.
قيل لمديني: ما طعامك؟ قال: الخل والزيت. قيل: أفتصبر عليهما؟ قال: ليتهما يصبران عليّ.
خاصمت مدينية زوجها، وكان في خلق لا يواريه، فقالت له: غير الله ما بك من نعمة. قال: استجاب الله دعاءك، لعلي أصبح في ثوبين جديدين.
ومرت امرأة جملية بمديني، فقالت له: يا شيخ؛ أين درب الحلاوة؟ قال: بين رجليك يا ستي.
وصف مديني مغنية بحسن الغناء، فقال: والله لو سمعتها ما أدركت ذكاتك.
عرض
آخر جارية على البيع، فقيل له: هي دقيقة الساقين، فقال: تريدون تبنون على
رأسها غرفة؟ كان أبو خزيمة المديني يقول: اللهم ارزقني، فإن كنت لا ترزقني
لكرامتي عليك، فقد رزقت من هو خير مني، سليمان بن داود، وإن كنت لا ترزقني
لهواني عليك، فقد رزقت من هو شر مني، فرعون ذا الأوتاد.
وشكا مرة نكبات
الدهر، فقال له رجل: هون عليك فإن الله يدخر لك ثوابها للآخرة. فقال له أبو
خزيمة: الآخرة خير أم الدنيا؟ قال: بل الآخرة. قال: فإنه ليس يعطيني من
ابغضهما إليه، أيعطيني من أكرمهما عليه؟ قالت امرأة الغاضري - وقد قطع لها
قميصاً - : ما أحسن هذا القميص! قال: الطلاق أحسن منه.
قال رجل لناجية المديني لما مات أبوه: آجرك الله. فقال: رزقني الله مكافأتك.
قال أبو العيناء: قلت لمديني شكا إليّ سوء الحال: ابشر فإن الله قد رزقك الإسلام والعافية. قال: أجل، ولكن بينهما جوع يقلقل الكبد.
وقف سائل بباب مديني، وقال: أطعمونا من فضل غشائكم. فقال: والله ما لعشائنا أصل حتى يكون له فضل.
ساوم
مديني بدجاجة، فقال صاحبها: لا أنقص من عشرة دراهم. فقال: والله لو كانت
في حسن يوسف، وفي عظم كبش إبراهيم، وكانت تبيض في كل يوم وليّ عهد
للمسلمين، ما ساوت أكثر من درهمين.
قيل لمديني: كيف رأيت البصرة؟ قال:
خير بلاء الله للجائع والمفلس والعزب، أما الجائع فيأكل من خبز الأرز
والمالح بفلس حتى يشبع. وأما العزب فيتزوج بمن شاء بدانقين وأما المفلس
فيخرى ويبيع، فهل رأيتم بلدة مثلها؟.
قيل لمديني: ما عندك من آلة العصيدة؟ قال: الماء.
انقطع
مديني إلى رجل من الأشراف، فغنى له مغن يوماً صوتاً حزيناً، فمزق ثيابه
وقال للمديني: مزق قميصك أيضاً. قال: ليس عندي غيره. قال: أنا أكسوك غداً
قميصاً. قال: وأنا أيضاً أمزقه غداً.
قيل لبعضهم: ما عندك من آلة القريس قال: البرد.
قيل لخوات المديني: كيف تقول: تعشيت أو تعشأت؟ قال: إذا أكلت اللحم فقل تعشأت، وإذا لم تأكل اللحم، فقل: تعشيت.
قال بعضهم: مررت بآخر وهو يشكو الفقر، فقلت له: أبشر، فإنه يأتيك الفرج. قال: أخشى أن يجيئني الفرج فلا يجدني.
قال مديني لآخر: حاصرت الله في سلم من زبد كلما صعدت ذراعاً نزلت باعا، حتى أبلغ بنات نعش فآخذها كوكباً كوكباً.
لو
أن لمولاك مائة بيدر من إبر خوارزمية، ثم جاءه يوسف النبي عليه السلام وقد
قدّ قميصه من دبر، ومع جبريل وميكائيل يشفعان له ما أعطاه منها إبرة يخيط
بها قميصه.
قيل لشيخ منهم: كم مقدار شربك للنبيذ؟ قال: مقدار ما أقوى به على ترك الصلاة.
سرق لآخر دراهم، فقيل له: لا تغتمّ فإنها في ميزانك. فقال: مع الميزان سرقت.
وقال آخر لصاحب منزله: أصلح خشب هذا البيت فإنه يتفرقع. فقال: لا تخف، فإنه يسبح، فقال: إني أخاف أن تدركه الرقة فيسجد.
كانت
بالمدينة امرأة لا تلد إلا البنات، فقال لها زوجها وقد بشر بابنة: يا
فلانة، إني لأظن لو احتلمت بالشام وأنت بالمدينة لحملت ببنت.
خرج أبو
جواليق المديني يشتري حماراً، فلقيه صديق له، فقال: أين تريد؟ قال: أريد
السوق أشتري حماراً. قال: قل إن شاء الله. قال: ليس هذا موضع " إن شاء الله
" الدراهم في كمى والحمار في السوق؛ فبينا هو يطلب الحمار إذ طرّت دراهمه
فرجع حزيناً، فلقيه صاحبه، فقال: ما صنعت؟ قال: سرقت دراهمي إن شاء الله.
وأراد
المهدي أن يتنزه بالمدائن، فخرج أشراف أهل المدائن، فأوقدوا النيران
والشموع، فقال أبو جواليق: قد أذن الله في خراب المدائن. قالوا: لم؟ قال:
أوقدتم النيران. الآن تنفر حراقات المهدي منها فيأمر بخراب المدائن.
دخل بعضهم على المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، الموت بالمدينة فاش إلا أنه سليم.
جاء
رجل إلى مديني فقال: هل تدلني على من يشتري حماري، وكان أجرب أجرد، فقال:
والله ما أعرف من يشتري هذا إلا أن يجئ من يطلب من الحمير نسمة للعتق.
غنت
قينة ومديني حاضر، فقال: يا سيدتي أجدت، وما يحضرني ما أعطيك، ولكن قد
وهبت لك كل حسنة لي، وحملت عنك كل سيئة لك. فقام آخر فقال: يا سيدتي، ما
أعطاك شيئاً، وذلك أنه مالك سيئة يحملها عنك، ولا له حسنة فيعطيكها.
سئل أحدهم عن جارية اشتراها، فقال: مفازة مكة عندها ثقب عفصة. وبلح كركان عندها بينون الداخل.
قالت امرأة مدينية لزوجها: احفظ صحبة ثلاثين سنة. قال: ما دهاك عندي غير ذلك.
كان
بالمدينة واحد يقود قد أفسد أحداثها، فاجتمع المشايخ وشكوا ذلك إلى والي
المدينة، فنفاه إلى قباء، فبعدت المسافة، فكانوا يركبون حمير المكاريين
ويصيرون إلى عنده، وكثر ذلك حتى كان الواحد يركب حماراً، فيسير حتى يقف على
بابه؛ فاجتمع الناس إلى واليهم وقالوا: قد أفسد أحداثنا وأتلف أموالنا،
حتى إن الحمر قد عرفت باب داره، فتقف عنده. فأمر الوالي بإحضاره وأمر
بتجريده، وقال: ليس أريد شاهداً عليك سوى أن الحمير تعرف باب دارك. قال:
فبكى، فقيل له: مم تبكي؟ قال: من شماتة أهل العراق بنا، يقولون: إن أهل
المدينة يقبلون شهادة الحمير، فضحك الوالي ومن حضره، وخلوه.
اجتمع في
بيت مديني رجل مع صديقة له، فأحصى المديني عليهما ثمانية، فلما أصبحوا قالت
وهي تعاتبه: لست عنك راضية، وسمع المديني قولها فقال: يا هذه ليس في
الدنيا أقل حياء منك، تعاتبينه بعد ثمانية؟ امرأته طالق أنه لو أنا.. أمه
ثمانية، لكان قضى حق الله فيها.
التقى قنديل الجصاص، وأبو الحديد
المدينيان، فقال قنديل: من أين وإلى أين؟ فقال: مررت برقطاء رائحة تترنم
برمل ابن سريج في شعر ابن عمارة.
سقى مأزمي فج إلى بئر خالد
فزففت
خلفها زفيف النعام، فما انجلت غشاوتي إلا وأنا بالمشاش حسيراً، فأودعتها
قلبي وخلفته لديها، واقبلت أهوي هويّ الرحمة بغير قلب. فقال له قنديل: ما
رفع من المزدلفة أسعد منك، سمعت شعر ابن عمارة في لحن ابن سريج من رقطاء
الحبطية، لقد أوتيت جزءاً من النبوة.
وكانت رقطاء هذه أضرب الناس، فدخل
رجل من أهل المدينة منزلها فغنته صوتاً، فقال له بعض من حضرها: هل رأيت
وتراً قط أفصح من وترها؟ فطرب المديني وقال: عليه العهد إن لم يكن وترها قد
عمل من معي بشكست النحوى، فكيف لا يكون فصيحاً؟. وكان بشكست هذا نحوياً
فصيحاً، يقال له: عبد العزيز، أخذ أهل المدينة النحو عنه.
نظر واحد منهم وهو المريمي إلى مصلوب بباب الرقة فقال: " هذا ما وعدنا الله ورسوله " .
وقيل له يوماً: كيف مات أبوك؟ فقال: سراً. يعني فجأة.
ورأى جنازة بعضهم فقال: الآن خلا بعمله ومساءلة هاروت وماروت.
وقيل له يوماً: تقدم فصلّ بنا. فقال: أنا والدتي، يريد: أنا أميّ.
وقال بعضهم لمديني: قد حضرني وجه سن، امض إلى صديقنا فلان حتى يجئ فيرى. قال: فمن ينظر عني حتى أرجع؟.
واشترى
مديني عرصة، وأحضر من يبنيها، فذرعها وقال: ابن هاهنا صفّة وهاهنا حترياً،
وهاهنا خزانة. ثم ضرط، وقال بالعجلة: وهاهنا كنيفاً فقد اختاره الثقة
العالم به؛ فضحك هو ومن حضره فزال خجله.
قال بعض الأطباء، حضرت عند
عليل، ووصف لي سبب علته، وكانت العلة حمّى حادة، فدخل رجل من أهل المدينة
والمحموم يقول لي: أكلت أفراخاً وعسلاً، وشربت عليه أقداحاً ونمت في الشمس.
فقال المديني: امرأته طالق لو كانت الحمى من حملة العرش لتركت حمله وأتتك.
قيل لمديني: كيف حالك؟ فقال: وكيف يكون حال من ذهب ماله، وبقيت عادته؟!
بعث
مديني غلامه إلى جاريته لتحمل إليه الكيس، فالتمست منه علامة، فقال
المديني: فل لها العلامة أني خريت البارحة في الفراش. فقالت: ارجع إليه وقل
له: أي علامة هذه؟ وأنت تخرى كل ليلة في الفراش، إنما أردت علامة غير
مشهورة. فرد الغلام وقال: قل لها إنك طبخت البارحة سكباجة ولم أرضها، وحردت
وقمت فخريت في الغضارة، فقالت المرأة، إي والله، وعلى كل رغيف على المائدة
وأعطته الكيس.
خطب خطيب بالمدينة، فقال في خطبته: " وقال الشيطان لما
قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من
سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم
وما أنتم بمصرخيّ " . فقال بعض المدينيين: ما أحسن كلام ابن الزانية.
قيل لمديني: ما عمل بك الشيب؟ قال: ما عملت به أعظم، ما وقرته ولا تركت له محرّماً.
قيل لمديني: بم تتسحر؟ قال: باليأس من فطور القابلة.
تزوج
رجل امرأة بالمدينة ذكروا له أنها شابة طرية - وكانت عجوزاً - ، فلما دخل
بها ورآها نزع نعليه، وهم يظنون أنه يضربها فقلدها إياهما وقال: لبيك اللهم
لبيك. فقالوا له: اسكت، اسكت. فقال: لا تصلح هذه إلا أن تكون بدنة،
فافتدوا منه.
قيل لمديني: كيف ترى الدنيا؟ قال: قحبة، يوماً في دار عطار، ويوماً في دار بيطار.
تمنى
آخر في منزله فقال: ليت أنا لحماً فنطبخ سكباجاً. فما لبث أن جاء جار له
بصحفة، وقال: اغرفوا لنا فيها قليل مرق. فقال: جيراننا يشمون رائحة
الأماني.
دخل الغاضري على الحسن بن علي عليه السلام، فقال: إني عصيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: بئس ما عملت! كيف؟ فقال: إن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: لا يصلح قوم ملكت عليهم امرأة، وقد ملكت عليّ امرأتي،
أمرتني أن أشتري عبداً فاشتريته فأبق. فقال رضي الله عنه: اختر إحدى ثلاث،
إن شئت فثمن عبد، فقال: قف هنا ولا تتجاوز، قد اخترت ذلك، فأعطاه.
قيل لمديني: أيسرك أن يكون أ..ك كبيراً؟ قال: لا. قيل: ولم ذلك؟ قال: يثقلني ويلتذّ غيري.
وقع
واحد منهم فوثئت رجله، فجعل الناس يدخلون عليه فيسألونه: كيف وقع؟،
فأكثروا، فضجر وكتب قصته، فكان إذا دخل عليه عائد وسأله دفع إليه القصة.
كان
سعيد بن مسلم إذا استقبل السنة التي يستأنف فيها عدد سنة أعتق نسمة، وتصدق
بعشرة آلاف درهم، فقيل لمديني: إن سعيد بن مسلم يشتري نفسه من ربه بعشرة
آلاف درهم. فقال المديني: لا يبيعه.
قيل لمديني: إن عثمان بن عفان إذا
كان يوم القيامة يحكم بين القاتل والخاذل. قال: فبكى المديني، فقيل له: ما
يبكيك؟ قال: أخاف والله أن يعفو.
مر مديني على آخر، ومعه عنز وحمل، فقال له: هذا الحمل هو ابن هذه العنزة. قال المديني: لا، ولكنه يتيم في حجرها.
اشترى
مديني برذوناً من رجل، فقال له: بالله هل فيه عيب؟ قال: لا والله، إلا مشش
كأنه سفرجلة، وقليل عرن كأنه قثاءة، وقليل دبر كأنه بطيخة. قال: يا ابن
الفاعلة؛ بعتني برذوناً أو بعتني دار البطيخ.
التقى مدينيان، فقال أحدهما لصاحبه: علمت أن امرأتي حامل. قال: ممن؟ قال: مني. قال: سررتني والله.
عوتب مديني على كثرة الحلف بالطلاق، فقال: لي امرأة لا تصلح إلا للحنث.
كان
بعض المدينيين قد أنزله بعض الأشراف غرفة على مطبخ له، فأخذه بطنه، فسلح
في الغرفة، ووكف على قدور المطبخ فأفسدها، وكان المديني يتعشى عنده، فقال
له: جعلت فداك أين عشاؤك؟ فقد أبطأ علينا. قال: أفسده علينا غداؤك.
رأى
الدارمي المديني الأوقص - قاضي مكة - في المسجد يدعو ويقول: يا رب أعتق
رقبتي من النار. فقال الدارمي: لا والله ما جعل الله لك من عنق ولا رقبة
فكيف يعتقها؟ فقال: ويلك. من أنت؟ قال: أنا الدارمي قتلتني وحبستني، وكان
أتاه في حاجة فأخرها، فقال: لا تقل ذاك وأتني أقض حاجتك.
الباب العاشر:
نوادر الطفيليين والأكلة
قال بنان الطفيلي: الجوذاب صاروج المعدة. اشرب عليه ما شئت.وقيل له: كم كان عدد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر رغيفاً.
وقال: عصعص عنز خير من قدر باقلي.
وقال آخر: من احتمى فهو على يقين من مكروه الجوع، وفي شك من العافية.
وقال بعضهم: ليس شيء أضر على الضيف من أن يكون صاحب البيت شبعان.
قيل
لآخر: ما معنى قول الله تعالى: " واسأل القرية التي كنا فيها " ؟ قال:
أراد أهل القرية، كما تقول: أكلنا سفرة فلان؛ أي ما في سفرة فلان.
قال
الأصمعي: كان في البصرة أعرابي من بني تميم يطفل على الناس، فعاتبته على
ذلك، فقال: والله ما بنيت المنازل إلا لتدخل، ولا وضع الطعام إلا ليؤكل،
وما قدمت هدية فأتوقع رسولاً، وما أكره أن أكون ثقلاً ثقيلاً على من أراه
شحيحاً بخيلاً، أتعمم عليه مستأنساً، وأضحك إن رأيته عابساً، فآكل برغمه،
وأدعه بغمه، وما اخترق اللهوات طعام أطيب من طعام لم تنفق فيه درهماً، ولم
تعنّ إليه خادماً.
قال بعضهم: من جلس على مائدة، وأكثر كلامه غش بطنه.
أولم
طفيلي على ابنته، فأتاه كل طفيلي، فلما رآهم عرفهم، فرحب بهم ثم أدخلهم،
فرقاهم إلى غرفة بسلم، وأخذ السلم حتى فرغ من إطعام الناس، فلما لم يبق أحد
أنزلهم وأخرجهم.
طفّل رجل على بعض الناس، ووقع بينه وبين رجل في المجلس
كلام، فقال الطفيلي للرجل: والله لئن قمت إليك لأدخلنك من حيث خرجت، فقال
صاحب المنزل: لكني والله أخرجك من حيث دخلت.
قيل لبعضهم: لم تأكل بخمس أصابع؟ قال: ولي أكثر منها؟!.
نظر
طفيلي على مائدة إلى ملبّقة بيضاء وملبّقة صفراء، فجعل يأكل البيضاء،
فصفعه شيخ طفيلي كان معه على المائدة وقال: لا أم لك، إذا كنت في صناعة
فتحذّق فيها. أما عرفت أن الفرق بينهما الزعفران؟.
وحكي عن بعضهم أنه
قال: أحفظ من القرآن آية واحدة، ومن الحديث خبراً واحداً، ومن الشعر بيتاً
واحداً. أما الآية فقوله تعالى: " آتنا غداءنا " وأما الحديث فما رواه
الثقات: " إن التمكن على المائدة خير من زيادة لونين " . وأما الشعر فقوله:
نزوركم لا نكافئكم بجفوتكم ... إن المحب إذا لم يستزر زارا
قيل لطفيلي: كم بين منزل فلان وفلان؟ قال: قدر ما يصلي الرجل رغيفين.
أدخل
طفيلي على سالم بن عقال، فجعل يشرب معه، وكان شرابه مطبوخاً يحتاج إلى
مزاج كثير، وكان الطفيلي يسقي ويقل المزاج، فثقل ذلك على سالم. ونبين
الطفيلي ذلك فأراد أن يتقرب إليه فأنشأ يقول:
يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة ما بين العين والأنف سالم
فقال سالم: لو أخذت " الما " من هذا البيت، وجعلته في أقداحنا لصلح شعرك ونبيذنا.
قيل لشيخ: ما أحسن أكلك! قال: عملي منذ ستين سنة.
سأل
عبد الملك أبا الزعيزعة: هل أتخمت قط؟ قال: لا. قال: كيف؟ قال: لأنا إذا
طبخنا أنضجنا، وإذا مضغنا دققنا، ولا نكظ المعدة ولا نخليها.
قعد أعرابي
على مائدة المغيرة، وكان الرجل منهوماً فجعل ينهش ويتعرق، فقال المغيرة:
يا غلام ناوله سكيناً. قال الرجل: كل امرئ سكينه في رأسه.
أكل هلال بن أسعر جملاً، وامرأته أكلت فصيلاً، فلما ضاجعها لم يصل إليها، فقالت: كيف تصل إليّ وبيننا بعيران.
وذكر
أن الواثق اشتهى يوماً بزماورداً، فأمر باتخاذه والاستكثار منه وأن يفرش
في صحن واسع على أنطاع، فلما فرغ منه وقعد لأكله أكل مساحة قفيزين.
كان
سعيد بن أسعد إمام المسجد الجامع بالبصرة طفيلياً، فإذا كانت وليمة سبق
إليها، فربما بسط معهم البسط وخدم، فقيل له في ذلك، فقال: إني أبادر برد
الماء، وصفر القدور، ونشاط الخباز، وخلاء المكان، وغفلة الذباب.
دعا
بعضهم واحداً فأقعده إلى نصف النهار، وهو يتوقع المائدة ويتلظى جوعاً، فأخذ
صاحب المنزل العود وقال: بحياتي أي صوت تشتهي؟ قال: صوت المقلى.
كان
نقش بنان الطفيلي: ما لكم لا تأكلون؟ وكان يقول لأصحابه: إذا دخلتم فلا
تلتفتوا يميناً ولا شمالاً، وانظروا في وجوه أهل المرأة، وأهل الرجل حتى
يقدر هؤلاء أنكم من هؤلاء، وكلموا البواب برفق، فإن الرفق يمن، والخرق شؤم،
وعليكم مع البواب بكلام بين كلامين: الإدلال، والنصيحة.
سمع بعضهم
رجلاً يقول: روي في الأخبار أن الدجال يخرج في سنة قحط مع جرادق أصفهانية،
وملح ذرآني وأنجذانيّ سرخسيّ، فقال الطفيلي: عافاك الله، والله إن رجلاً
يجئ بهذا يستحق أن يسمع له ويطاع.
صحب طفيلي جماعة في سفر، ففرضوا على
أن يخرج كل واحد منهم شيئاً للنفقة، فقال كل واحد منهم: عليّ كذا. فلما
بلغوا إلى الطفيلي قال: أنا عليّ.. وسكت. قالوا له: لم سكت؟ وإيش عليك؟
فقال: لعنة الله. فضحكوا وأعفوه من النفقة.
قيل لطفيلي: لم قطعت فلاناً صديقك؟ قال: لأنه يسبقني إلى بيضة البقيلة، وقفا السمكة، وخاصرة الجدي.
نظر
بعضهم إلى قوم ذاهبين في وجه، فعلم أنهم يذهبون إلى وليمة، فقام وتبعهم
فإذا هم شعراء قد قصدوا باب السلطان بمدائح لهم، فلما أنشد كل واحد منهم
شعره وأخذ جائزته، ولم يبق إلا الطفيلي، وهو جالس لا ينطق، قيل له: أنشد،
فقال: لست بشاعر. قالوا: فمن أنت؟ قال: أنا من الغاوين الذين قال الله جل
ذكره فيهم: " والشعراء يتبعهم الغاوون " فضحك الخليفة وأمر له بمثل جائزة
الشعراء.
قال بعضهم: أفضل البقاع وخيرها ثلاثة. قيل: وما هي؟ قال: دكان
الرواس، ودرجة الخباز، ومطبخ الجواد. وأفضل الخشب وخيره ثلاثة: سفينة نوح،
وعصا موسى، ومائدة يؤكل عليها.
مر طفيلي إلى باب عرس، فمنع من الدخول،
فذهب إلى أصحاب الزجاج ورهن رهناً، وأخذ عشرة أقداح، وجاء وقال للبواب:
افتح حتى أدخل هذه الأقداح التي طلبوها. ففتح له، ودخل وأكل وشرب مع القوم،
ثم حمل الأقداح، وردها إلى صاحبها، وقال: لم يرضوها، وأخذ رهنه.
ودخل آخر إلى قوم فقالوا: ما دعوناك، فما الذي جاء بك؟ قال: إذا لم تدعوني ولم أجئ وقعت وحشى، فضحكوا منه وقربوه.
جاء آخر إلى قوم ودق الباب عليهم، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا الذي رفعت مئونة الإرسال عنكم.
قال
بعضهم: كنت مع بنان في دعوة، ومعنا على المائدة جماعة من الكتاب وغيرهم،
وكان بين يدي رجل منهم دجاجة سمنة، فضرب بنان بيده إليها فتناولها من بين
يديه، فقلت له: يا بنان لم تفعل كذا؟ فقال: إنه - أصلحك الله - مشاع غير
مقسوم.
قيل لبعضهم، وقد أسرف في أكل شيء: إن هذا يستحيل في المعدة مرة صفراء. فقال: لو ظهرت لي المرة الصفراء لأكلتها.
قدم
إلى بعضهم، وهو يأكل مع جماعة، بقيلة، فمد يده إلى البيضة، فقال: يقال إنه
لا يأكلها إلا شره، ولا يتركها إلا عاجز، ولأن أكون شرها أحب إلي من أن
أكون عاجزاً.
قيل لبعضهم، وقد أكل رءوساً وأكثر منها: أما تخاف التخمة؟ قال: لا. إن لي بطناً ما دخله شيء إلا جعل الله حده الأسفل.
قال
بعضهم: أتاني رجل عشياً، فطلب تمراً، وأمرت بإحضار شيء كثير منه جداً.
فابتدأ يأكل ونمت، فلما أصبحت وخرجت فإذا هو يأكل، فقلت: باكرت التمر. قال:
لم أنم بعد - فديتك أنا آكل منذ رأيتني.
وكان بعضهم يباكر الأكل، فقيل له: اصبر حتى تطلع الشمس، فقال: أنا لا أنتظر بغدائي من يقدم من أقصى خراسان.
قيل لبعضهم: أي الطعام آثر في نفسك؟ قال: ما لم أنفق عليه.
قيل لبعضهم: كل من قدامك. فقال: أترى من خلفي هو ذا آكل؟ سمع ابن المغنى مغنياً يغني:
أشارت بمدراها، وقالت لتربها ... أهذا المغيري الذي كان يذكر؟
فقال: سذابة في رأس جدي قد عمل سلافة أحسن من مدراها.
كان بعضهم إذا دعي فقدم الخوان كان أول من يتقدم، ثم يقول: " وعجلت إليك رب لترضى " .
قيل لبعضهم: التمر يسبح في البطن. فقال: إن كان التمر يسبح فاللوز ينج يصلي في البطن تراويح.
قيل لآخر: كيف أكلك؟ قال: كما لا يحبه البخيل.
سمع آخر خشخشة الخلال فأمسك، فقيل له: كل. قال: حتى يسكن هذا الإرجاف.
قيل لواحد: لم أنت حائل اللون؟. فقال: للفترة بين القصعتين، مخافة أن يكون الطعام قد فني.
قال
بعضهم: كنت أمر في بعض أزقة بغداد إذ صيح: الطريق الطريق فالتفتّ فإذا
بإنسان محمول على محفة، فقلت: ما أصابه؟ قيل: أكل الهريسة فأعجزته عن المشي
والحركة، ونحن نحمله إلى منزله.
دخل العبدي على قوم يأكلون، فقالوا له:
هلم. فقال: قد أكلت، ثم جلس يعظم اللقمة ويبادر بالمضغ، فقيل له: ألست قد
أكلت؟. فقال: الكذب يمرئ، ونعم الشيء الحموضة للخمار.
زعموا أن
الطفيليين يقولون: إن الصليّة تبشّر بما بعدها من كثرة الطعام، كما أن
البقيلة تخبر بفنائه، فهم يحمدون تلك ويسمونها المبشرة، ويذمون هذه
ويسمونها الناعية، حتى صار المخنثون إذا شتموا إنساناً قالوا: يا وجه
البقيلة.
قال البعفوري: اشتهي أن آكل من العنب الرازقيّ حتى ينشق بطني. فقيل له: أو تشبع؟ قال: هذا ما لا يكون.
أضاف الأعمش أعرابياً وجاءه برطب وجعل ينتقي أطايبه، فقال الأعرابي: لا تنتق منه شيئاً، فلست أترك منه واحدة.
قال
أبو العيناء: كان بالريّ مجوسي موسر فأسلم، وحضر شهر رمضان فلم يطق الصوم،
فنزل إلى سرداب له وقعد يأكل، فسمع حساً من السرداب، فاطلع فيه وقال: من
هذا؟ فقال الشيخ: أبوك الشقيّ يأكل خبز نفسه ويفزع من الناس.
قال كشاجم:
أخبرت عن قاضيين ظريفين كانا متجاورين، أن أحدهما وجه إلى الآخر في غداة
باردة يدعوه إلى الهريسة، ويقول: إنها قد أحكمت من الليل، فرد الرسول،
وقال: قل له قد عققتني، ولم ترد برّي، لأن حكم الهريسة أن يدعى إليها من
الليل فرجع الرسول فقال: ارجع فقل له: ذهب عنك الصواب ليس كل الهرائس تسلم
وتجئ طيبة، فلم أدعك إلا بعد أن تبينت طيبها وصلاحها، فنهض إليه.
قالوا:
أطول الليالي ليلة العقرب، وليلة المزدلفة، وليلة الهريسة. قالوا: قال
أظرف الناس، الباقلاء بقشوره أطيب من طب الجياع، وليس في الرزق حيلة. وهذا
من حجج الطفيليين.
قدم إلى عبد الرحمن بن محمد بن الشعث دجاجة مسمنة
مشوية، فقال: يا غلام: أنّى لك هذا؟ إعجاباً بسمنها، فقال: بعث بها الحريش
بن هلال القريعيّ وهو معه على المائدة، فقال: يا غلام، أخرج إليّ كتاباً من
ثنى الفراش، فإذا هو كتاب الحجاج إليه يأمر أن يقتل الحريش، ويبعث برأسه
إليه؛ فلما رآه الحريش قطع به وتغير لونه، فقال ابن الأشعث: أقبل على
طعامك. أترانا نأكل دجاجتك ونبعث برأسك إليه؟ والله لا يوصل إليك حتى يوصل
إليّ. فقال الحريش:
وابنفسي دجاجة لم تخني ... وضعت لي نفسي مكان الأنوق
فرّجت كربة المنية عني ... بعد ما كدت أن أغص بريقي
في أبيات يمدح بها الأشعث.
قال
عثمان الدقيق - وكان صوفياً - : رأيت أبا العباس بن مسروق وهو أحد شيوخ
الصوفية في يوم مطير على الجسر مشدود الوسط، فقلت له: يا عمّ إلى أين في
هذا اليوم المطير؟ فقال: إليك عني؛ فقد بلغني أن بالمأمونية رجلاً يقول:
ليس الباذنجان طيباً، أريد أن أمضي إليه وأقول له: كذبت وأرجع.
قال
أعرابي: رأي ورلاً يحارب حية، فغلبته وأكلته، وهو يحاربها بذنبه، ثم جاء
قنفذ، فاجتمع بعد أن أخذ ذنبها بفيه، ثم جعل يأكلها حتى أفناها، فأخذت
القنفذ وشويته وأكلته، فكنت قد أكلت القنفذ والورل والحية.
كان أحمد بن
أبي خالد وزير المأمون شرها، فيقال: إنه حين انصرف دينار بن عبد الله من
الجبل والمأمون واجد عليه، فأقام بالمدائن حتى رحني عنه ووجه إليه أحمد بن
أبي خالد، وقال: قل له فعلت كذا، وأخذت كذا، فمضى أحمد ومعه ياسر رجله،
أرسله معه المأمون، وقال له: إن تغذى عنده عمل ما يريد، وإن لم يتغد بلغ ما
أريد، فلما علم دينار بمجيئه، قال لو كيله: قل له حين يخرج من الحراقة: قد
فرغنا من الطعام فهل تختار شيئاً؟ فقال له ذلك، فقال له: نعم، فراريج
كسكرية بماء الرمان ففعل ذلك وخبز له خبز الماء، ثم أعلمه بفراغه، فقال:
هات طعامك فإني أجوع من كلب، فأتى به فأكل عشرين فروجاً، ووضع يده في كل
شيء، ثم جئ بخمس سمكات بعد أن شبع، فأكل منها أكل من لم يذق شيئاً قبلها
وكان أدى رسالة المأمون قبل أكله، فقال دينار: ما لكم عندي إلا سبعة آلاف
ألف درهم، ما أعرف غيرها، فلما تغدى قال لدينار: احمل ما ضمنت لي. فقال: قد
أعددت الستة آلاف درهم. قال له ياسر رجله: إنها سبعة آلاف ألف، وكذا قلت:
وسمع أبو العباس ذلك وسمعناه، فقال أحمد: ما أحفظ ما كان، ولكن قل الآن
نسمع. قال دينار: ما قلت إلا ستة آلاف ألف.
فانصرف أحمد، سوبقه ياسر
فأخبر المأمون الخبر، فلما دخل أحمد إليه أخبره بأنه أقرّ بخمسة آلاف ألف،
فقال له ياسر: إنها سبعة آلاف ألف، وكذا قال دينار، فضحك المأمون، وقال:
ألف ألف للغداء، فما قصة هذه؟ وأخذ من دينار ستة آلاف ألف، وقال: ما قام
غداء على أحد أغلى مما قام على غذاء أحمد بألف ألف درهم.
وكان قد عرف
المأمون شرهه، فكان إذا وجهه في حاجة أمره بأن يتغدى ويمضي، ويقول له:
اطمئن بالمكان الذي تذهب إليه واسترح واكتب إلى بما تفعل.
ورفع إلى
المأمون في المظالم: إن رأى أمير المؤمنين أن بجرى على ابن أبي خالد نزلاً
فإن فيه كلبية؛ لأن الكلب يحرس المنزل بالكسرة، وابن أبي خالد يقتل المظلوم
ويعين الظالم بأكلة، فأجرى عليه المأمون في كل يوم ألف درهم لمائدته، وكان
مع ذلك يشره إلى طعام الناس.
قالوا: إن معاوية بن أبي سفيان دعا
بالطعام يوماً، وقد أصلح له عجل مشوي، فأكل معه دستاً من الخبز السميذ
وأربع فراني وجديا حاراً، وجدياً بارداً سوى الألوان، ووضع بين يديه مائة
رطل من الباقلي الرطب فأتى عليه.
وذكروا أن أبا القماقم بن بحر السقاء
عشق مدينية، فبعث إليها أن إخوانا لي زاروني، فابعثي إليّ برءوس، حتى نتغدى
ونصطبح على ذكرك. ففعلت، فلما كان في اليوم الثاني بعث إليها: إنا لم
نفترق فابعثي إليّ سنبوسكا حتى نصطبح اليوم على ذكرك، فلما كان في اليوم
الثالث بعث إليها: إن أصحابي مقيمون فابعثي إلى بقلية جزورية شهية، حتى
نأكلها ونصطبح على ذكرك، فقالت لرسوله: إني رأيت الحب يحل في القلب، ويفيض
على الأحشاء والكبد، وإن حب صاحبي هذا ليس يجاوز المعدة.
خرج طفيلي من منزل قوم مشجوجاً، فقيل له: من شجك؟ قال: ضرسي.
قال
المدائني في كتاب الأكلة: كان معاوية يأكل أربع أكلات آخرهن أعضلهن
واشدهن، يتعشى فيأكل ثريدة عظيمة عليها بصل كثير، وكان فاحش الأكل يلطخ
منديلين أو ثلاثة قبل أن يفرغ، وكان يأكل حتى يتسطح، ثم يقول: يا غلام
ارفع، فوالله ماشبعت، ولكن مللت.
قال: وكان عبيد الله بن زياد يأكل في
اليوم خمس أكلات آخرهم جبنة بعسل، ويوضع بين يديه بعد ما يفرغ من الطعام
عناق أو جدى فيأتي عليه وحده.
قال: وقال الحسن: وقدم علينا عبيد الله بن
زياد، فقدم شاباً مترافاً سفاكاً للدماء له في كل يوم خمس أكلات، فإن
فاتته أكلة ظل لها صريعاً وجلا، يتكئ على شماله ويأكل بيمينه، حتى إذا
أخذته الكظة قال: أبغوني حاطوما. ثكلتك أمك إنما تحطم دينك.
وقال: أكل
عمرو بن معد يكرب عنزاً رباعية، وفرقاً من ذرة، والفرق ثلاثة أصوع. وقال
لامرأته أم ثور: عالجي لنا هذا الكبش حتى أرجع. قال: فجعلت توقد، وتأخذ
عضواً عضواً فتأكله، فاطلعت، فإذا ليس في القدر إلا المرق، فقامت إلى كبش
آخر فبطحته، ثم أقبل عمرو فثردت له في الجفنة التي يعجن فيها، ثم كفأت
القدر، فقال: يا أم ثور أدنى للغداء. قالت: قد أكلت، فأكل واضطجع ودعاها
إلى الفراش، فقالت: يا أبا ثور بيني وبينك - والله - كبشان.
حج سليمان
بن عبد الملك، فقال لقيمّه على طعامه: أطعمني من خرفان المدينة بخبز ماء.
ودخل الحمام فأطال المكث فيه. قال: قيّمه، فخرج وقد شويت له أربعة وثمانين
خروفاً، فجلس وقال لي: ما صنعت؟ قلت: قد فرغت. قال: هات. فجعلت أجيئه بواحد
واحد، فيتناول رغيفاً وشحم كلية فأكل أربعة وثمانين خروفاً، كل خروف قد
أخذ نصف بطنه، ثم قال لي: ادع عمر بن عبد العزيز، فدعوته له، ثم أذن للناس،
ودعا بالغداء فأكل معهم كما أكلوا كأنه لم يطعم شيئاً قبل ذلك.
وحكى عن
رجل قال: دخلت مطبخ سليمان، فوجدت مطبخ سليمان، فوجدت فيه اثنين وثمانين
فخارة فيها نواهض، قالوا يأكلها أمير المؤمنين كلها. وخرج يوماً من منزله
يريد منزل يزيد بن المهلب، فتلقاه فدخل منزله فقال له: أتريد الغداء يا
أمير المؤمنين؟ قال: نعم. فأكل أربعين دجاجة كردناك سوى ما أكل من الطعام.
قال
بعضهم: رأيت هلال بن الأسعر المازني أكل ثلاث جفان ثريد، واستسقى، فجاءوا
بقربة مملوءة نبيذاً فوضعوا فمها في شدقة، وصبوا القربة حتى أفرغوها
فشربها. وهلال هذا هو الذي أكل بعيراً وأكلت امرأته وبينك بعيران؟ وكان
بلال بن أبي بردة أكولاً، يحكى عن قصاب أنه: قال جاءني رسول بلال سحراً
فأتيته وبين يديه كانون عليه جمر، وفي داره تيس ضخم، فقال: دونك هذا التيس
فاذبحه، فذبحته وسلخته، فقال: أخرج هذا الكانون إلى الرواق، فأخرجته، فقال:
دونك اللحم فكببه. ودعا بخوان، فجعلت أشرح اللحم وألقيه على الجمر، فإذا
استوى قدمته إليه فيأكل، حتى لم يبق من التيس إلا العظام، ثم دعا بنبيذ
فشرب خمسة أقداح، وقد بقيت قطعة من اللحم على الجمر، فقال: كلها فأكلتها،
وقال: اسقوه. فناولوني قدحاً من النبيذ فشربته. وجاءت جارية ببرمة عليها
قصعة فيها ناهضان، ودجاجتان وأرغفة، فأكل ذلك كله، ثم جاءت جارية أخرى معها
قصعة مغطاة لا أدري ما فيها، فضحك إلى الجارية وقال: ويحك. ليس في بطني
موضع لهذا الذي جئتني به، ولكن ضعي القصعة على رأسي، فضحكت الجارية ورجعت،
فقال لي: الحق بأهلك. فرجعت وقد طلع الفجر، وأنا أجد دبيباً في رأسي من
القدح الذي شربته.
قال سلم بن قتيبة: كنت في دار الحجاج مع ولده وأنا
غلام، فقالوا: قد جاء الأمير، فدخل الحجاج فأمر بتنور فنصب، وقعد في
الدار، وأمر رجلاً يخبز خبز الماء، ودعا بسمك، فجعلوا يأتونه بالسمك،
فيأكله حتى أكل ثمانين جاماً من سمك بثمانين رغيفاً من خبز الماء.
قال
رجل من قحيف: كتب إليّ عبد الله الأحمر يدعوني إلى طعام، فقلت لعنبسة -
وكان أكولاً - : هل لك يازنجة؟ - وكان يلقب بذلك - في أخيك عبد الله نأتيه؟
قال: نعم. فمضينا، فلما رآه عبد الله رحب به وقال للخباز: انظر هذا فضع
بين يديه مثل ما تضع بين يدي أهل المائدة كلهم، فجعل يأتيه بقصعة فيأكلها
ويأتي القوم بقصعة، ثم أتاه بجدي، وأتى القوم بجدي، ثم نهض القوم فأكل ما
بقي على المائدة، وخرجنا فلقيه خلف بن القطامي، فقال له عنبسة: يا خلف أما
تغديني يوماً؟؟ فقلت لخلف: ويحك. لا تجده على مثل هذه الحال، فغده، فقال
له: ما تشتهي؟ فقال: تمراً وسمناً.
فانطلق به إلى منزله وأتاه بخمس جلال
تمر وجرة سمن، فأكل التمر والسمن، ثم خرج فمر برجل يبني داره وفيها مائة
عامل، وقد أتوهم بتمر كثير، فقال: يا عنبسة؛ هل لك؟ فجعل يأكل معهم حتى ضجر
العملة وشكوه إلى صاحب الدار، ثم خرج فمر برجل، بين يديه زنبيل فيه خبز
أرز يابس بسمسم يبيعه، فجعل يساومه ويأكل حتى أتى على الزنبيل، فأعطيت صاحب
الزنبيل ثمن خبزه.
وكان ميسرة التراس يأكل الكبش العظيم ومائة رغيف،
فذكر أكله للمهدي، فقال: ادعوا الفيل، فألقوا له رغيفاً فأكل تسعة وتسعين
رغيفاً، فألقوا له تمام المائة فلم يأكله، وأكل ميسرة بعد المائة.
وممن
قرب عهده من الأكلة أبو الحسن بن العلاف، وهو ابن أبي بكر العلاف الشاعر.
ودخل إلى الوزير المهلبي يوماً ببغداد، فأنفذا الوزير من أخذ حماره الذي
كان يركبه من غلامه، وأدخل المطبخ وذبح وطبخ لحمه بماء وملح، وقدم إليه وهو
يظن أنه لحم بقر فأكله كله، فلما خرج وطلب الحمار قيل له: قد أكلته، وعوضه
الوزير عنه ووصله.
وسمعت من الصاحب - رحمه الله - حكايات عجيبة من أكل
هذا الرجل ونهمه، فإنه ذكر أنه اقترح عليه وهو ببغداد ألواناً من
الجواذابات، قال: فتقدمت باتخاذها والاستكثار منها، وأنفذت إليه بالغداة من
يمنعه من الأكل غلا أن يحضر عندي، فحضر فأكل معي على المائدة مع القوم،
حتى استوفى. ثم تفرد بأكل الجوذاب الذي اتخذ له، فأكل ثمانية ألوان منها،
حتى مسح الأطباق التي كانت عليها، فتعجبنا من ذلك! فقال الرسول الذي كنت
أنفذته إليه: إنه شكا في الطريق الجوع، وامتنع عن المجيء إلى أن صعد إلى
دكان هراس، فاشترى هريسة كثيرة فأكلها.
وحملت امرأة فحلفت: إن ولدت
غلاماً لأشبعن أبا العالية خبيصاً. فولدت غلاماً فأطعمته، فأكل سبع جفان،
فقيل له: إنها حلفت أن تشبعك خبيصاً، فقال: والله لو علمت ما شبعت إلى
الليل.
قال بنان الطفيلي: إذا دعاك صديق لك فاقعد من يمنة البيت، فإنك
ترى كل ما تحب، وتسودهم في كل شيء، وتسبقهم إلى كل خير، وأنت أول من يغسل
يده، والمنديل جاف والماء واسع، والخوان بين يديك يوضع، والنبيذ أول
القنينة، ورأسها تشربه، والبقل منتخب يوضع بين يديك، وتكون أول من يتبخر،
وإذا أردت أن تقوم لحاجة لم تحتج أن تتخطاهم، وأنت في كل سرور إلى أن
تنصرف.
وقال بنان: إذا قعدت على مائدة وكان موضعك ضيقاً، فقل للذي
بجنبك: لعلّي ضيقت عليك، فإنه يتأخر إلى خلف، ويقول: سبحان الله، لا والله
يا أخي موضعي واسع، فيتسع عليك موضع رجل.
وقال له رجل من الطفيليين:
أوصني. فقال: لا تصادفن من الطعام شيئاً فترفع يدك عنه وتقول: لعلي أصادف
ما هو أطيب منه، فإن هذا عجز ووهن. قال: زدني. قال: إذا وجدت خبزاً فيه قلة
فكل الحروف، فإن كان كبيراً فكل الأوساط. قال: زدني. قال: لا تكثرن شرب
الماء وأنت تأكل فإنه يصدك عن الأكل ويمنعك أن تستوفى. قال: زدني. قال: إذا
وجدت الطعام فكل منه أكل من لم يره قط، وتزود منه زاد من لا يراه أبداً.
قال: زدني. قال: إذا وجدت الطعام، فاجعله زادك إلى الله.
وقال بنان: ما
في الدنيا صناعة أخس من صناعتي! قالوا: وكيف ذاك يا أبا الحسن؟ قال: أنا
أطفّل منذ ثلاثين سنة ما اسلموا إلى صبياً يتعلم.
وقال: دخلت يوماً
على بعض بني هاشم، فقعدت عنده حتى تغديت معه، فلما أردت الانصراف قال: هل
لك في شيء من الحلواء؟ قلت: يا سيدي ما أقضي على غائب! فدعا بجام مخروط
محكوك قوائمه منه، فوقه لو زينج من نشا ستج الفالوذج، وبياض البيض، وحشوة
اللوز المقشر مع سكر الطبرزد ملزقاً بألحام العسل الأبيض مندى بالماورد
الجوري، إذا قلعته سمعت له وقعاً كوقع المطرقة على السندان، وإذا أدخلته
الفم سمعت له نشيشاً كنشيش الحديد إذا أخرجته من النار وغمسته في الماء،
فلم يزل يأكل ولا يطعمني، فقلت: يا سيدي: " إن إلهكم لواحد " فأعطاني
واحدة، فقلت: " إذ أرسلنا إليهم اثنين " فأعطاني ثانية، فقلت: " فعززنا
بثالث " فأعطاني ثالثة، فقلت: " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك " ، فأعطاني
رابعة، فقلت: " خمسة سادسهم كلبهم " ، فأعطاني خامسة، فقلت: " خلق
السماوات والأرض في ستة أيام " ، فأعطاني سادسة، فقلت: " سبع سماوات طباقا "
فأعطاني سابعة، فقلت: " ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين "
فأعطاني ثامنة، فقلت: " تسعة رهط يفسدون في الأرض " فأعطاني تاسعة، فقلت: "
تلك عشرة كاملة " ، فأعطاني عاشرة، فقلت: " يا أبت إني رأيت أحد عشر
كوكباً " ، فأعطاني الحادي عشر، فقلت: " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر
شهراً في كتاب الله " فأعطاني الثاني عشر. فقلت: " إن يكن منكم عشرون
صابرون يغلبوا مائتين " فحلق بالجام إليّ وقال: كل يا ابن البغيضة، فقلت:
والله لئن لم تعطنيه لقلت: " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " قال: فضحك
من قولي وأمر لي بثلاثة آلاف درهم.
وقيل لبنان: من دخل إلى طعام لم يدع
إليه دخل لصاً، وخرج معيراً؛ فقال: أما أنا فلا آكله إلا حلالاً. قيل له:
وكيف ذاك؟ قال: أليس صاحب الوليمة يقول للخباز أبداً: زد في كل شيء فإنه
يجيئنا من نريد ومن لا نريد؟ فأنتم ممن يريد وأنا ممن لا يريد.
وقال
بعضهم: قدم أعرابي من البادية عليّ فقدمت إليه دجاجة مشوية، ولي امرأتان
وابنان وابنتان، فقلت للأعرابي: اقسم الدجاجة بيننا نريد بذلك أن نضحك منه،
قال: فأخذ رأس الدجاجة فقطعه، ثم ناولنيه، فقال: الرأس للرئيس، ثم قطع
الجناحين وقال: الجناحان للابنين، ثم قطع الساقين وقال: اسلاقان للابنتين،
ثم قطع الزمكي وقال: العجز للعجوز، ثم ضم الباقي إليه وقال: الزور للزائر،
فأخذ الدجاجة بأسرها، فتحيرنا وسخر بنا.
قال: فلما كان بعد ذلك أحضرت
خمس دجاجات، وقلت: اقسمها بيننا، فقال: كيف تحب القسمة شفعاً أو وتراً؟
فقلت: لا، بل وتراً. فقال: أنت وامرأتك ودجاجة وتر، وابناك ودجاجة وتر،
وابنتاك ودجاجة وتر، وأنا ودجاجتان وتر. فضحكنا، فقال: لعلك لم ترض بها، إن
شئتم قسمتها شفعاً، قلت: افعل، فقال: أنت وابناك ودجاجة شفع، وامرأتك
وابنتاك ودجاجة شفع، وأنا وثلاث دجاجات شفع. قال الجمّاز: الحمية إحدى
العلتين.
وقيل لمتفرس من أصبهان: لا تأكل الكشكشية مع وجع رجلك فقال: سواء عليّ أن توجعني رجلي أو توجعني الكشكية.
قال بعضهم: إذا تقدمت الدعوة من الليل انتعش الإنسان في فراشه.
جاء
طفيلي إلى باب دار فيها عرس، فمنع من الدخول فمضى، ثم عاد وقد حمل إحدى
نعليه في كمه، وعلق الأخرى بيده، وأخذ خلالاً يتخلل به، وجاء فدق الباب،
فقال له البواب: ما لك؟ قال: الساعة خرجت ونسيت نعلي هناك. قال: فادخل.
فدخل وأكل مع القوم ثم خرج.
دخل طفيلي على قوم، وجلس يأكل مع الأضياف،
فاستحيا صاحب المنزل من القوم، وكره أن يتوهموا أنه قد دعاه، وعاشرهم
بمثله، فقال: لا أدري لمن أشكر؟ لكم إذ أجبتم دعوتي، أم لهذا الذي جاء من
غير أن أدعوه؟ فعلم القوم أن الرجل طفيليّ.
قالوا: الطفيلي منسوب إلى
رجل كان بالكوفة يسمى طفيلاً، كان يأتي الولائم من غير أن يدعى، فقيل له:
طفيل العرائس، وقيل: إنه مأخوذ من الطفل وهو الظلمة؛ لأن الفقير من العرب
كان يحضر الطعام الذي لم يدع إليه مستتراً بالظلمة لئلا يعرف. وقيل: سمي
بذلك لإظلام أمره على الناس لا يدرون من دعاه. وقيل: بل هو من الطفل لهجومه
على الناي كهجوم الليل على النهار، ولذلك قيل: أطفل من ليل على نهار.
دخل طفيلي على رجل قد دعا قوماً، فقال له صاحب المنزل: يا هذا متى قلت لك تجئ؟ قال: ومتى قلت لي: لا تجئ؟.
كان بالبصرة طفيلي يقال له: أبو سلمة، وكان إذا سمع بذكر وليمة بادر إليها، يقدمه ابنان له في زي العدول، وبين أيديهم غلام، فإذا أتوا الباب تقدم العبد فقال: افتح هذا أبو سلمة قد جاء، ثم يتلوه أحد ابنيه فيقول: افتح ويلك هذا أبو سلمة، ويتلوه الآخر ويقول: ماذا تنتظر؟ ثكلتك أمك! قد جاء أبو سلمة، ثم يأتي أبو سلمة فيقول: افتح يا بني، فإن كان جاهلاً به فتح، وإن كان قد عرف أمره وحذر منه قال: يا أبا سلمة أنا مأمور، فيجلس وينتظر أن يجئ بعض من دعي، فإذا فتح له شق الباب تقدم ابناه والعبد، وفي كم كل واحد منهم فهر مدور ململم يسمونه كيسان، فيلقونه في دوارة الباب فلا ينصفق الباب، فيدخلون ويأكلون.
ألقاب الأطعمة وغيرها على مذهب الطفيليين
الطشت والإبريق: بشر وبشير. الخوان: أبو جامع. السفرة: أبو رجاء. الخبز: أبو جابر. اللحم: أبو عاصم. الملح: أبو عون. القدر: ميمون الزنجي. الغضارة: أم الفرج. الحواري: نجوم الفكة. البقل: زحام بلا منفعة. الجوز والجبن: معاوية وعمرو بن العاص. الرواصل: يأجوج ومأجوج. البيض: بنات نعش. الثريد: جبير بن مطعم. الجبم: راشد الخناق. الجوز: أبو القعقاع. الزيتون: خنافس الخوان. الصحناءة: أم البلايا. الباذنجان: قباب ياسر. الكامخ: عرق الشيطان. البوارد: برائد الخير. البزماورد: أبو كامل الطيالسي. السنبوسك: جامع سفيان. الماء: أبو غياث. الخردل: أبو كلثوم: الجلاد. الدجاجة: سمانة القوادة. البطة: بهادة السوسية. الحمل: شهيد بن شهيد. الجدي: أبو العريان. الرقاق: أبو الطيالس. التير: وضاح اليمن. الرغيف السميد: أبو بدر. السكباج: أم عاصم. المضيرة: أم الفضل. الكشكية: أم حفص. الهريسة: أم الخير. الرأس: قيم الحمام. ماء البلاقلاء: أبو حاضر. السمك: أبو سابح. الأكارع: أبو الخرق. الخل: أبو العباس. الفتيت: أبو نافج. القنّبيطية: دويرة الرومية. المغمومة: المقنع الكندي. المرئ: أبو مهارش. الزبيبة: أبو الأسود الدؤلي. القشمشية: أم الحمال. الملبقة: أم سهل. الطباهجة: زلزل المغنى. البقيلة: المشئومة. القلية: الناعية. المصلية: أم بشير. الأرز: أبو الأشهب. النرجسية: أم الثريا. الجوذاب: أم الحسن. الفالوذج: أبو مضاء. السكر: أبو الطيب. الطبرزد: أبو شيبة الخوري. اللحم المشوي: الروح الأمين. العسل: أم المؤمنين. الخبيص: أبو نعيم. الحلواء: خاتم النبيين. الكفدوس: موطأ مالك. اللوزينج: بكير الطرائفي. القطائف: قبور الشهداء. الفراريج: بنات المؤذن. السويق: أم حبيب. الخلال: أبو البأس. الأشنان والمخلب: منكر ونكير. النبيذ: أبو غالب. الغرابة: أم رزين. النقل: أبو تمام. النرجس: أبو العيناء. السايكسي: أم فرعون. القدح: أبو قريب. النبيقة: أم الفتيان. الصراحيّة: أم القاسم. القطارمير: أبو مزاحم. المغنى: أبو الأنس. الزامر: حميد الكوسج. المواخر: أبو صابر. القحبة: أم ياسر. المخنث: أبو عطية. الثقيل: أبو ثهلان. القوّاد: أبو مغيث. المسخرة: الضحاك بن قيس. العربدة: ضرار بن مخرق. الطفيلي: أبو الصقر الليثي. الذي يتبع الطفيلي: زائدة بن مزيد. القفل: أبو منيع. المفتاح: أبو الفرج. الدينار: أصفر سليم. الدرهم: أبو واضح.أكثر هذه الألقاب والكنى سمعتها من شيخ من الصوفية يعرف بأبي الخير من ساكني الدينور، كان الصاحب - رحمه الله - يأنس به ويحسن إليه، وكان شيخاً خفيف الروح، كثير النودار، مع ورع وسداد، يرجع إليهما، وكان حافظاً للقرآن، فكان قد جمع كل آية فيها ذكر الأكل، فكان إذا ذكر الطعام وحضر وقته قف بين يدي الصاحب، وقرأ كل آية يتصل بها " كلوا " ويقف عليه، فإذا دخل شهر رمضان وصام الناس وقف على " لا تأكلوا " . فكان يقول إذا أبطأ عنه الطعام، وحضر وقت الغداء: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
" اسكن
أنت وزوجك الجنة وكلا " ، و " وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن
والسلوى كلوا " . " وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا " . " وإذ استسقى
موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل
أناس مشربهم كلوا " . " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم
بخارجين من النار. يا أيها الناس كلوا " . " ومثل الذين كفروا كمثل الذي
ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً صم بكم عمي فهم لا يعقلون. يا ايها
الذين آمنوا كلوا " . " أحل لكم ليلى الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم
وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم
فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا " . " وآتوا النساء صدقاتهن
نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه " . " أحل لكم الطيبات وما علّمتم
من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا " . " يا أيها الذين
آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب
المعتدين. وكلوا " .
" إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم
بالمهتدين. فكلوا " . " وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل
والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه كلوا " . "
وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. ومن الأنعام حمولة
وفرشاً كلوا " . " ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا " . " يا بني آدم
خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا " . " وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم
المن والسلوى كلوا " . " وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا " .
" لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم. فكلوا " .
" وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون. ثم كلي " .
" ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون. فكلوا " .
" وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً. فكلي " .
" وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى. كلوا " .
" قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى. كلوا " .
"
ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من
بهيمة الأنعام فكلوا " . " وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة
ذات قرار ومعين. يا أيها الرسل كلوا " .
" والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا " .
" لقد كان لسبأ في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال فكلوا " .
" إن المتقين في جنات ونعيم. فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم. كلوا " .
" هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا " .
" إن المتقين في ظلال وعيون. وفواكه مما يشتهون. كلوا " .
" إنا كذلك نجزي المحسنين. ويل يومئذ للمكذبين. كلوا " .
" فهو في عيشة راضية. في جنة عالية. قطوفها دانية. كلوا " .
"
إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب. ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك
ما يأكلون " . " فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين
يأكلون " .
" وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون " .
" ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل " .
" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون " .
" ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا " .
" هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين. قالوا: نريد أن نأكل " .
" فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين. وما لكم ألا تأكلوا " .
" يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون " .
" ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. ذرهم يأكلوا " .
" ليس عليكم جناح أن تأكلوا " .
" وما أرسلنا قبلك من المرسلين ألا إنهم ليأكلون " .
" وما جعلناهم إلا جسداً لا يأكلون " .
" وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون " .
" وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون " .
" إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون " .
" وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون " .
" فتولوا عنه مدبرين. فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون " .
" فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين. فقربه إليهم قال ألا تأكلون " .
" هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى. فأكلا " .
وكان يقرأ في شهر رمضان: " تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون. ولا تأكلوا " .
" ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم. يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا " .
" وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا " .
" فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم بأموالهم ولا تأكلوها " .
" يريد الله أن يخفف عنكم، وخلق الإنسان ضعيفاً. يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا " .
" إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون. ولا تأكلوا " .
//بسم
الله الرحمن الرحيم بذكر الله نستأنف البركة ونستجدها ، وبحمد الله نستديم
الموهبة ونستمدها ، وبالتعويل على الله نستقرب النازح ، وبالتفويض إلى
الله نستلين الجامح ، وبشكر الله نرتهن النعمة حتى لا تزول . ونستثبتها حتى
لا تزل ونعتقلها حتى لا تشرد ، ونستدنيها حتى لا تبعد ، ونستديمها حتى لا
تنفد ، ونستمهلها حتى لا تزحل ، ونستوثقها حتى لا ترحل ، ونحسن مجاورتها
حتى تخزن عندنا فلا تجمح ، وتقر لدينا فلا تبرح ، وتشتمل في مواردنا فلا
تنزح . نحمده حمد من عرف قدرته فأذعن لها ، وعلم حكمته فآمن بها ، ونسأله
أن يصلى على محمد وآله ، سؤال طاعة لا سؤال شفاعة ، فإنه صلى الله عليه
وسلم وعلى أهل بيته ، يجل عن أن يشفع له ، وتقل عن أن يشفع فيه ولكنا أمرنا
بالصلاة عليه ، والتسليم إشادة لمعاليه . قال الله تعالى : ( إن الله
وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
اللهم أنت واري الخفية ، وبارىء البرية ، وداحي الأرض ورافع السماء ،
وجاعل كل حي من الماء أنت الواحد الفرد فلا تضاد ، والفاعل لما تشاء فلا
تراد ، والغالب لكل شيء فلا تدافع ، والقاهر فوق عبادك فلا تمانع ، ) تعز
من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير ) . اللهم فأعنا على الاخرة بالطاعة ،
وعلى الدنيا بالقناعة وأغننا بفضلك عن فضول خليقك ، وصنا عن الحسد على ما
فضلت به بعضنا من لدنك ، ووسع حولنا في العيش والمعاش ، وأسبغ علينا سلامة
النفس وحسن الرياش ، وارزقنا كفاء ما يكف الوجه عن المسألة ، ويصون العرض
عن المذلة . ويسد الجوعة فلا نشرى ، ويستر العورة فلا نعري ، ويعين على
المروءة فلا نفتن ، ويلم الشعث فلا تزرينا الأعين ، وينوء بنا إلى صلة
الرحم وبذل الماعون الإيثار على النفس ، والجود بما يفضل عن القوت ، وجبر
الكسر ، وإطعام الفقير ، وإقناع القانع ، وإرضاء المعتر ، وإغاثة المهتضم ،
وإعانة المستضعف . إنك نعم المدعو ، ونعم المؤمل والمرجو ، وأنت كل شيء
قدير .
هذا هو الفصل الثالث من كتاب نثر الدر ، قد افتتحته بكلام
الخلفاء من بني أمية وبني هاشم ، وربما خلطت به نبذا يسيرا من من نوادر
أخبارهم ، ونكث آثارهم ، لا يخرج به الكتاب عن الغرض الذي رميناه ، والقصد
الذي تحريناه ، وذكرت من جملة خلفاء بني العباس إبراهيم بن المهدي ، وعبد
الله بن المعتز ، فقد بويع لهما بالخلافة ، ولهما كلام شريف ، لا يقصر عن
كلام الكافة ، وأتبعت ذلك بأبواب سأذكرها ، وختمته بنوادر وملح وشحت الفضل
بها .
ولعل قائلا يقول : هلا أفرد للهزل كتابا أو أخره ، ليجعل له عند انقضاء الجد بابا .
ولا
يعلم أني جعلت ذلك مصيدة للجاهل تفقه على العلم ، وحيالة للهازل ، توقعه
في الجد . ولعلى لو أفردت له فصلا ، ولم أخلط الكتاب جدا وهزلا ، لعدل أكثر
أبناء زماننا إلى ذلك الباب المفرد ، ولصار الجد عندهم في حيز المستثقل
المستبرد ، بل المهجور المتروك ، وإن كان كالنير المسبوك أو الدر المسلوك .
الفصل الثالث
(232) وأبواب هذا الفصل ثلاثة عشر بابا .الباب الأول : كلام معاوية بن أبي سفيان وولده الباب الثاني : كلام مروان بن الحكم وولده الباب الثالث : كلام خلفاء بني العباس الباب الرابع : كلام جماعة من بني أمية الباب الخامس : نكت من كلام الزبيرين الباب السادس : نوادر أبي العيناء ومخاطباته الباب السابع : نوادر مزبد الباب الثامن : نوادر أبي الحارث جمين الباب التاسع : نوادر الجماز الباب العاشر : نوادر المجانين
المؤلف : الآبي
الباب الحادي عشر : نوادر البخلاء الباب الثاني عشر : كلام الشطار الباب الثالث عشر : العي ، ومخاطبات الحمقى.
الباب الأول
كلام معاوية بن أبي سفيان
قال الهيثم: خرجَ معاويةُ يريد مكة، حتى إذا كان بالأبواء أطلَع في بئرٍ عاديةٍ؛ فأصابتهُ اللقْوة. فأتى مكة، فلما قضى نُسُكه، وصار إلى منزله، دعا بثوبٍ، فلفه على رأسه، وعلى جانب وجههِ الذي أصابه فيه ما أصابه، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، وعنده مروانُ، فقال: إن أكن قد ابتُلِيتُ فقد ابتُلى الصالحون قبلي، وأرجو أن أكونَ منهم وإن عُوقِبتُ فقد عوقب الظالمون قبلي، وما آمَنُ أن أكون منهم، وقد ابتليت في أحسنيِ وما يبدو مني، وما أُحصِى صحيحي. وما كان لي على ربي إلا ما أعطاني والله إن كان عتَبَ بعد خاصَّتكم لقد كنت حدباً على عامتكم، فرحم الله أمرءاً دعا لي بالعافية: قال: فعج الناسُ بالدعاء له، فبكى، فقال مروان: وما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: كبرتْ سِني، و كثر الدمعُ في عيني، وخشيت أن تكون عقوبة من ربي، و لو يزيد، أبصرتُ قصدي. دخل المسْور على معاوية، فقال له:: كيف تركتَ قريشاً؟ قال: أنت سيدها يا أمير المؤمنين، أعلاها كعباً، وأسودها أباً، وأرفعها ذِكراً وأجلها قدراً. قال: كيف تركتَ سعيداً؟ قال: عليلاً. قال: لليدَيْنِ و ِللْفَم:بِهِ لا بِظَبْيٍ بالصَّريمَةِ أعفَراً
قال: و عمرو بن سعيدٍ صبيٌّ يسمع قوله من وَرائِهِ. فقال: إذاً والله لا يسد جُفرتكَ، ولا يزيد في رزقك، ولا يدفع حتفاً عنك، بل يفتُّ في عضدك، ويهيضُ ظهرك، وينشرُ أمركَ، فتدعو فلا تُجاب، و تتوعدُ فلا تُهاب. فقال معاوية: يا أبا أمية، أراك ها هنا، إن أباك جارانا إلى غاية الشرف، فلم تعلق بآثاره، ولم نقم لمحفاره، ولم تلحق بمضماره، ولم ندن من غباره، هذا مع قوة مكانٍ، وعزة سلطان. وإن أثقل قومنا علينا من سبقنا إلى غاية شرفٍ، فأخذ أبوك علينا القصبة، وملك دوننا الغلبة. رُوِيَ: أن عمَرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - قدم الشام، ومعه عبد الرحمن بن عوف و أبو عبيدة، هما على حمارين قريبين من الأرض، فتلقاَّهما معاوية في كوكبة خشناء، فثنى وَرِكَهُ، فنزل، وسلم بالخلافة: فلم يرد عليه، فقال له عبد الرحمن وأبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أحضرت الفتى فلو كلمته. فقال: إنك لصاحبُ الجيشِ الذي أرى؟ قال: نعم. قال: مع شدةِ احتجابِكَ، ووقوف ذوي الحوائج ببابك؟ قال: أجل. قال: لِمَ؟ ويلك قال: لأنا ببلادٍ يكثر بها جواسيس العدو، فإن نحن لم نتخد العدة والعدد للعدو استخف بنا. وهجم على عورتنا. وأنا - بعدُ - عاملُك، فإن وقفتني وقفتُ، وإن استزدتني زِد تُ، وإن استنقصتني نقصتُ. قال: والله لئن كنت كاذباً إنه لرأيٌ أريبٍ، ولئن كنت صادقاً إنه لتدبيرٌ أديب. ما سألتك قطّ عن شيءٍ إلا تركتني فيه أضيقَ من رواجبِ الضرس. لا آمرُك ولا أنهاك. فلما انصرف قال له صاحبه: لقد أحسن الفتى في إصدارِ ما أوردتَ عليه. قال: بحسن إصداره وإيراده جشَّمناه ما جشَّمناه. قال معاوية: معروف زماننا هذا منكر زمانٍ قد مضى، و منكرُ زماننا هذا معروف زمانٍ لم يأتِ. وقال يوماً على المنبر: يا أهل الشام، ما أنتم بخيرٍ من أهل العراقِ ثم ندم فتداركها، فقال: إلا أنكم أعطِيتم بالطاعة، وحُرِموا بالمعصية. ومن كلامه: الفرصةُ خُلسة، والحياء يمنع الرزق، والهيبة خيبة و الحكمة ضالة المؤمن. وقال ذات يومٍ لابنه يزيد: يا بُنيّ، لا تستفسد الحر فساداً لاتُصلحهُ أبداً. قال: بماذا؟ قال: لاتَشْتُمَنَّ له عِرضاً، ولا تضربنَّ له ظهراً، فإن الحُرَّ لا يرى الدنيا عوضاً من هذين، ولكن خذ ما له، و متى شئتَ أن تُصلِحَهُ فمالٌ بمال. و أتى بسارقٍ، فقال: أسرقتَ؟ فقال بعضُ من حضرَ: اصدق أمير المؤمنين. فقال معاوية: الصدقُ في بعض المواطن عجْز. وقال له عمرو بن العاص: قد أعياني أن أعلمَ شجاعٌ أنت أم جبان؟ فقال:
شجاعٌ إذا ما أمكنتني فرصةٌ ... فإن لم تكن لي فرصةٌ فجبانُ
وخطب
فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُخْلَقُ للدنيا ولا
خُلِقَتْ لهُ، وإن أبا بكرٍ لم يُرِدِ الدنيا و لم تُرِدْهُ، وإن عُمَرَ
أرادته الدنيا ولم يُرِدها، وإن عثمانَ أصاب من الدنيا و تركَ، وإن ابن هند
تمرغَ فيها ظهراً لبطن، ولو كانت ْرايةٌ أحقُّ بنصرٍ و أقرب إلى هدى كانت
رايةَ ابن أبي طالبٍ، وقد رأيتم إلام صارت. وقال لعاملٍ له: كل قليلاً
تعملْ طويلاً، إلزمِ العفافَ يلزمك العملُ، وإياَّك والرُّشا يشتدُّ ظهركَ
عند الخصام. ورفع يوماً ثندوتَيه بيديه، ثمَّ قال: لقد علِم الناس أن الخيل
لا تجري بمثلى، فكيف َ قال النجاشي:
ونجَّى ابن حربٍ سابِحٌ ذو علالةٍ ... أجشُّ هزيمٌ والرماحُ دَوان
وقال:
إنِّي لأكرهُ النَّكارة في السيد، وأحِبُّ أن يكونَ غافلاً أوْ
مُتَغافِلاَ. وقال لعمرو حين نظر إلى معسكرِ علي - عليه السلام - من طلب
عظيماً خاطرَ بعظيمتهِ. وقال لأبي الجهمِ العدوي: أنا أكبرأم أنتَ يا أبا
الجهم؟ فقال: لقد أكلتُ من عرسُ أمِّكَ. فقال: عند أيِّ أزواجها؟ قال: في
عُرسِ حفصٍ ابن مغيرة. فقال: يا أبا الجهم، أيَّاك والسلطانَ، فإنه يغضب
غضبَ الصيِّ، ويعاقبُ عقوبة الأسد، فإن قليلهُ يغلبُ كثير الناس. وقال
يوماً: أنا أعرفُ أرخص ما في السوق وأغلاهُ، فقيل: وكيف ذاك؟ فقال: أعلم أن
الجيِّدَ رخيصٌ والردئ غالٍ. ولماَّ مات زياد وفد عليه عبيد الله ابنه:
فقال له: من استخلف أخي على عمله بالكوفة؟ قال: عبد الله بن خالدٍ أُسيد،
قال: فعلى البصرة؟ قال: سمرة بن جندب، فقال له معاوية: لو استعملك أبوك
استعملْتُك. فقال له عبيد الله: أنشدك الله أن يقولها لي أحدٌ بعدك: لو
ولاَّك أبوك، وعمُّكَ ولَّيتُكَ. فولاَّهُ خراسان. وأوصاهُ فقال: اتق الله
ولا تؤثرن على تقواهُ شيئاً، وق عرضك من أن تدنسهُ وإذا أعطيت عهداً ففِ
به، ولا تبيعن كثيراً بقليل، وخذ لنفسك من نفسك، ولا يخرجن منك أمرٌ حتى
تبرِمه، فإذا خرج فلا يُرَدَّنَّ عليك. وإذا لقيتَ عدوك فغلبك على ظهرِ
الأرضِ فلا يغلبنك في بطنها، وإن احتاج أصحابك أن تواسيهم بنفسك فواسهم،
ولا تُطمِعنَّ أحداً في غير حقِّه، ولاتؤيِسَنَّ أحداَ من حقٍّ هو له. وقال
له ابن عباس: هل لك في مناظرتي فيما زعمتَ أنك خصمت فيه أصحابي؟ فقال له
معاوية: ما تصنع بمناظرتي؟ فأشغب بك وتشغب بي، فيبقى في قلبك ما لا ينفعك،
ويبقى في قلبي ما يضرك. وخطب عند مقدمه المدينة فقال: أما بعد، فإنا قدمنا
على صديقٍ مشتبشرٍ، وعدو مستبسر، وناس بين ذلك ينظرون و ينتظرون، فإن
أعْطوا منها رضوا، وإن لم يُعْطَوا منها سخطوا. ولستُ أسع الناس كلهم، فإن
تكن محمدة فلابد من لائمة، فليكن لوماً هوناً إذا ذُكِرَ غفِرَ، وإياكم
والغطمى، التي إن ظهرت أوبقت، ولإن خَفِيَتْ أوتَغَتْ. وقدم معاوية من
ولاية كان عمرُ ولاَّهُ إيَّاها فبدأ بعمر - رضي الله عنه - فلما دخل عليه
قال له: متى قدِمتَ؟ قال: الآن، وبدأت بك. قال: اذهب فابدأ بأبويك فإن حقنا
لم يدخل على حقهما، وابدأ بأمك. قال: فخرجتُ من عنده ودخلت على أمي هند،
فقالت: يا بنى، إنه ما ولدت حرة مثلك، وإنك قد أُنْهِضْتَ فانهض، ولإن الذي
استعملك قادرٌ أن يعزلك، فاعمل بما وافقه وافقك ذلك أو خالفك. قال: فخرجتُ
من عندها فدخلت على أبي، فقال: يا بنىَّ، إن هؤلاء الرهط من المهاجرين
سبقونا فأساءوا سبقنا، فرفعوا وضيعهم، ووضعوا رفيعنا، وصرنا أذناباَ وصاروا
رؤوساً، وقد رأيتهم ولوك جسيماً من غير حاجةٍ بهم إليك ولكنه جد وقع،
فاعمل بما وافقهم، إما لربك وإما لهم. قال معاوية لابن الأشعث بن قيس: ما
كان جدك قيس بن معديكرب أعطى الأعشى؟ فقال: أعطاه مالاً وظهراَ ورقيقاً
وأشياء أُنسيتُها. فقال معاوية: لكن ما أعطاكم الأعشى لا يُنسى.
ذُكِرَ
علي - رضي الله عنه - في مجلس معاوية، وعنده أهله، فقال عنبسة بن أبي
سفيان: والله إني لأعجب من علي وطلبه للخلافة. فقال معاوية - وضحك - : أما
والله إنها سنة كما قال الشاعر:
و ما تركته رغبةً عن جماله ... ولكنها كانت لآخر تُخْطَبُ
ومن كلام معاوية: ثلاثٌ من السؤدد: الصلع، واندِحاء البطن، وترك الإفراط في الغيرة. وقد عيبَ بهذا الكلام، ورُمِيَ بقلَّة الغيرة، وكذلك عابوا قيس بن زهير حين نزل ببعض القبائل، فقال: أنا غيور فخور أنِف، ولكني لا آنف حتى أُضام، ولا أفخَرُ حتى أفعل، ولا أغار حتى أرى. قال أبو عثمان: أظن أنه إنما عني به رؤية السَّبب لا رؤية المواقعة. وقال معاوية لعمرو بن العاص: يا عمرو، إن أهل العراق قد أكرهوا علياَّ على أبي موسى، وأنا - والله
- وأهل الشام راضون بك، وقد ضم إليك رجل طويل اللسان، قصير الرأي، فأجد الحزَّ وطبق المفصل، ولا تلقَهُ برأيكَ كله. وخطب مرة فقال: أيها الناس، إنا قد أصبحنا في دهرٍ عنود، وزمنٍ شديد، يُصبِحُ فيه المحسِن مسيئاً، ويزداد الظالم عتواً، لا ننتفع بما علمنا، ولانسأل عما جهلنا، ولا نتخوف قارعةً حتى تحُلَّ بنا، فالناس على أربعة أصناف: منهم من لا يمنعه من الفساد إلا مهانة نفسه، وكلال حدِّه، ونضيض وقْرِه. ومنهم المصلِتُ لسيفه، المجلِبُ برجله، المعلن بشرِّه، قد أشرط نفسه، وأوبق دينه لحطام ينتهزه، ومقنبٍ يقوده أو منبرٍ يفرعُه، ولبئس المتجر أن تراهما لنفسك ثمناً، وممَّالك عند الله عوضاً. ومنهم من يطلبُ الدنيا بعمل الآخرة، ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا، قد طامن من شخصه، وقارب من خطوهِ، وشمر من ثوبه، وزخرف نفسه للأمانة، واتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية. ومنهم من أقعده عن طلب المال ضئولة نفسه، وانقطاع سببه، فقصر به الحال على حال، فتحلَّى باسم القناعة، وتزيَّن باسم الزهاد، وليس من ذلك في مراح ولا مفدى. وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد نادِّ، وخائف منقمع، وساكت مكعوم، وداعٍ مخلص، وموجَع ثكلانَ، قد أخملتهم التقية، وشملتهم الذلة، فهم في بحرٍ أجاج أفواههم ضامرة، وقلوبهم قرحة، وعظوا حتى ملُّوا، وقُهِروا حتى ذلُّوا، وقُتِلوا حتى قلُّوا، فلتكن الدنيا أقل في أعينكم من حثالة القراظ وقراضة الجلم، واتعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، وارفضوها ذميمة، فإنها قد رفضت من كان أشفف بها منكم. وقال يونس بن سعيد الثَّقفي: اتَّق الله لا أطير بك طيرةً بطيئاً وقوعها. قال: أليس بي وبك المرجِعُ بعدُ إلى الله؟ قال: بلى، فأستغفر الله. طلب زياد رجلاً كان في الأمان الذي أخذه الحسن لأصحابه، فكتب الحسن فيه إلى زياد: أما بعد، فقد علمت ما كنا أخذنا لاصحابنا، وقد ذكر فلانٌ أنك قد عرضتَ له، فأحِبُّ ألا تعرضَ له بخير، فلما أتى زياداً الكتاب، ولم ينسِبه فيه إلى أبي سفيان غضب وكتب: من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن أما بعد فإنه قد أتاني كتابُك في فاسقٍ يؤويه الفساق من شيعةِ أبيك وشيعتك. وأيم الله لأطلبنهم ولو بين جلدك ولحمك، وإن أحب الناس إليَّ لحماً أن آكله لحمٌ أنت منه. فلما قرأه الحسن بعث به إلى معاوية، فلما قرأه غضب و كتب: من معاوية إلى زياد. أما بعد، فإن لك رأيين: رأياً من أبي سفبان ورأياً من سمية. فأما رأيُك من أبي سفيان فحلمٌ وحزم، وأما رأيك من سمية فما يكون من رأي مثلها، وقد كتب إليَّ الحسن بن علي أنك عرضت لصاحبه، فلا تعرض له، فإني لم أجعل لك عليه سبيلاً. وإن الحسن بن علي لا يُرمى به الرَّجوان. والعجبُ من كتابك إليه، لا تنسبه إلى أبيه. فإلى أُمه وكلته؟ وهو ابن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فالآن حين اخترت له. والسلام. وقال لقوم من بني أسد: ما معيشتكم؟ قالوا: التجارة في الرقيق: قال بئس التجارة، ضمان نفس ومئونة ضرس. وقال لجماعة من قريش كانوا عنده: يا معشر قريش، ما بال الناس لأم وأنتم لعلات؟ تباعدون منكم ما قرب الله، وتقطعون ما وصل الله، بل كيف ترجون لغيركم، وقد عجزتم عن أنفسكم؟ أتقولون: كفانا الشرف من كان قبلنا؟ فعندها لزمتكم الحجة، فاكفوه من بعدكم. أولا تعلمون أنكم كنتم رقاعاً في جيوب العربن قد أخرِجتم من حرم ربكم، ومنِعتم ميراث أبيكم. حتى جمعكم الله على رجلٍ فردَّكم إلى بلادكم، وأخذ لكم ما أُخِذَ منكم، فسمَّاكم الله باجتماعكم اسماً دنت لكم به العرب، وردَّ به عنكم كيد العجم، فقال: " فجعلهم كعصفٍ مأكول " ، " لإيلاف قريش " فارغبوا في الألفة التي أكرمكم الله بها، وإياَّكم والفرقة، فقد حذَّرَتكم نفسها، وكفى بالتجربة واعظاً. وقال لعبد الرحمن ابن أم الحكم: بلغني أنك قد لهجتَ بقول الشعر. قال: قد فعلتُ. قال: فإياك و التشبيب بالنساء، فتَغُرَّ الشريفة، وترمي العفيفة، وتقرَّ على نفسك بالفضيحة، وإياك والهجاء، فإنك تحنق عليك كريماً، وتستثير سفيهاً. وإياك والمديح، فإنه طعمة الوقاح، وتفحش السؤال، ولكن افخر بمفاخر قومك وقل من الشعر ما تزيِّن به نفسك، وتؤب به غيرك. وقال لعمرو بن سعيد: ليس بين الملك وبين أن يملك جميع رعيته، أو يملكه جميعهم إلا حزمٌ
أو
توان. وقيل له: أنت أنكر أم زياد؟ قال: إن زياداً لا يدع الأمر يتفرق عليه
وإنه يتفرق عليَّ فأجمعه. وقال عمرو بن العاص له: ما أشد حبك للمال قال:
ولم لا أحبه وأنا أستعبد به مثلك، وأبتاع به مروءتك ودينك؟. قال: السفلة من
ليس له نسبٌ معروف، ولا فِعلٌ موصوف. وقال: ثلاثة ما اجتمعن في حر:
مُباهتة الرجال، والغيبة للناس، والملال لأهل المروءة. وقال لرجل: من سيد
قومك؟ قال: لجأهم الدهرإليَّ. قال: هكذا تكون المخاتلة عن الشرف. وقال
صعصعة: يا امير المؤمنين، مالنا نحب أولادنا اشد من حبهم لنا؟ قال: لأنهم
منا ولسنا منهم، ولدناهم ولم يلدونا. قدم رجل من مصر عليه، فإنه ليحدثه لإذ
حبق، فانتفض وترك الكلام، فقال معاوية: خذ فيما كنتَ فيه، فما سمعتها من
أحد أكثر مما سمعتها من نفسي. ودخل عليه رجل مرتفع العطاء فرأى في عينيه
رمصاً، فحطَّ عطاءه وقال: يعجز أحدكم إذا أصبح أن يتعهد أديم وجهه. وقال
لقريش في خلافته: إني أقع إذا طرتم، وأطيرُ إذا وقعتم، ولو وافق طيراني
طيرانكم لاختلفنا. وقال: العيال أرضة المال. وقيل له ما أبلغ من عقلك؟ قال:
لم أثق بأحد. ونظر إلى يزيد وهو يضرب غلاماً له، فقال له: لا تفسد أدبك
بتأديبه، ولكن وكل به من يؤدبه. روى عن بعضهم أنه قال: قدم معاوية المدينة،
فدنوت من المنبر لأحفظ عنه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإنا
قدمنا على صديقٍ مستبشر، وعلى عدو مستبسر، وناس بين ذلك ينظرون وينتظرون،
فإن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها سخطوا. ولسنا نسع الناس كلهم، فإن
تكن محمدةٌ فلابد من لائمة، ليكن لوماً هوناً، إذا ذكر غفر، وإياكم والعظمى
التي إن ظهرت أوبقت، وإن خفيت أوتغت. وبلغه أن ابنته امتنعت عن ابن عامرٍ
في الافتضاض، فمشى إليها يتوذف في مشيته، وفي يده مخصرة، فجلس، وجعل ينكت
في الارض ويقول:و توان. وقيل له: أنت أنكر أم زياد؟ قال: إن زياداً لا يدع
الأمر يتفرق عليه وإنه يتفرق عليَّ فأجمعه. وقال عمرو بن العاص له: ما أشد
حبك للمال قال: ولم لا أحبه وأنا أستعبد به مثلك، وأبتاع به مروءتك ودينك؟.
قال: السفلة من ليس له نسبٌ معروف، ولا فِعلٌ موصوف. وقال: ثلاثة ما
اجتمعن في حر: مُباهتة الرجال، والغيبة للناس، والملال لأهل المروءة. وقال
لرجل: من سيد قومك؟ قال: لجأهم الدهرإليَّ. قال: هكذا تكون المخاتلة عن
الشرف. وقال صعصعة: يا امير المؤمنين، مالنا نحب أولادنا اشد من حبهم لنا؟
قال: لأنهم منا ولسنا منهم، ولدناهم ولم يلدونا. قدم رجل من مصر عليه، فإنه
ليحدثه لإذ حبق، فانتفض وترك الكلام، فقال معاوية: خذ فيما كنتَ فيه، فما
سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي. ودخل عليه رجل مرتفع العطاء فرأى
في عينيه رمصاً، فحطَّ عطاءه وقال: يعجز أحدكم إذا أصبح أن يتعهد أديم
وجهه. وقال لقريش في خلافته: إني أقع إذا طرتم، وأطيرُ إذا وقعتم، ولو وافق
طيراني طيرانكم لاختلفنا. وقال: العيال أرضة المال. وقيل له ما أبلغ من
عقلك؟ قال: لم أثق بأحد. ونظر إلى يزيد وهو يضرب غلاماً له، فقال له: لا
تفسد أدبك بتأديبه، ولكن وكل به من يؤدبه. روى عن بعضهم أنه قال: قدم
معاوية المدينة، فدنوت من المنبر لأحفظ عنه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أما بعد، فإنا قدمنا على صديقٍ مستبشر، وعلى عدو مستبسر، وناس بين ذلك
ينظرون وينتظرون، فإن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها سخطوا. ولسنا نسع
الناس كلهم، فإن تكن محمدةٌ فلابد من لائمة، ليكن لوماً هوناً، إذا ذكر
غفر، وإياكم والعظمى التي إن ظهرت أوبقت، وإن خفيت أوتغت. وبلغه أن ابنته
امتنعت عن ابن عامرٍ في الافتضاض، فمشى إليها يتوذف في مشيته، وفي يده
مخصرة، فجلس، وجعل ينكت في الارض ويقول:
من الخفرات البيض، أما حرامها ... فصعبٌ، واما حلها فذلول
وخرج
ودخل ابن عامرٍ فلم تمتنع عليه. قال خالد بن الوليد لمعاوية: إن فيك
لخصلتين ما أراهما تجتمعان في رجل: إنك تقدم حتى أقول: يريد أن يقتل،
وتتأخر حتى أقول يريد أن يهرب. فقال: إني والله أتقدم لأقتل، ولا أتأخر
لأهرب، ولكني أتقدم إذا كان التقدم غنماً وأتأخر إذا كان التأخر حزماً، كما
قال أخو كنانة:
شجاعٌ إذا ما أمكنتني فرصة ... وإن لم تكن لي فرصة فجبان
وسُئل:
ما النبل؟. فقال: الحلم عند الغضب، والعفو عند المقدرة. وقال: الدنيا
بحذافيرها الخفض والدعة. وقال له رجلٌ: والله لقد بايعتك وأنا كاره. فقال:
لقد جعل الله في الكره خيراً كثيراً. وكتب إلى أمير المؤمنين علي رضي الله
عنه لما دعاه إلى البيعة: من معاوية بن صخرٍ إلى علي بن أبي طالب: أما بعد،
فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك، وانت برئٌ من دم عثمان، كنتُ كأبي
بكرٍ وعمر وعثمان، ولكنك أغريت بعثمان المهاجرين، وخذلت عنه الأنصار،
فأطاعك الجاهل، وقوي بك الضعيف. وقد أبى اهل الشام إلا قتالك، حتى تدفع
إليهم قتلة عثمان، فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين. ولعمري ما حجتك علىَّ
كحجتك على طلحة والزبير، لأنهما بايعاك ولم أبايعك، وما حجتك على أهل الشام
كحجتك على أهل البصرة، لأن أهل البصرة أطاعوك ولم يطعك أهل الشام. واما
شرفك في الإسلام، وقرابتك من النبي صلي الله عليه وسلم وموضعك من قريش فلست
أدفعه. ثم كتب في آخر الكتاب بشعرٍ لكعب بن جعيل أوله:
أرى الشام تكره ملك العراق ... وملك العراق لهم كارهونا.
فأجابه
أمير المؤمنين رضي الله عنه: أما بعدُ، فإنه أتاني منك كتابٌ إمرئ ليس له
بصرٌ يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوى فأجابه، وقاده فاتَّبعه. زعمت انه
إنما أفسَد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان. ولعمري ما كنتُ إلا رجلاً من
المهاجرين، واوردتُ كما أوردوا، وأصدرتُ كما اصدروا، وما كان الله ليجمعهم
على ضلال، ولا ليضربهم بالعمى. وبعد، فما أنت وعثمان؟ إنما أنت رجل من بني
أمية. وبنوا عثمان أولى بمطالبة دمه، فإن زعمت أنك أقوى على ذلك فادخل فيما
دخل فيه المسلمون ثم حاكم القوم إلىَّ. وأما تمييزك بينك وبين طلحة
والزبير، وبين أهل الشامِ وأهل البصرة، فلعمري ما الأمر فيما هنالك إلاَّ
سواء، لأنها بيعة شاملة، لا يُستَثنى فيها الخيار، ولا يُستأنفُ فيها
النظر، وأما شرفي في الإسلام، وقرابتي من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،
وموضعي من قريش، فلعمري: لو استطعتَ دفعه لدفعته. ثم دعا النجاشي فقال له:
إن ابن جعيل شاعر أهل الشام، وأنت شاعر أهل العراق، فأجِبِ الرجل. فقال:
يا أمير المؤمنين، أسمعني قوله. قال إذأً أُسمِعَكَ شعر شاعر. فقال النجاشي
يجيبه:
دعاً يا معاوي ما لنْ يكونا ... فقد حقق الله ما تحذرونا
في
أبياتٍ كثيرة. يروى أن يزيد بن معاوية قال لمعاويةَ في اليوم الذي بُويِعَ
له بالعهد، فجعل الناس يمدحونه، ويُقَرِّظونه: يا أمير المؤمنين، والله ما
ندري أنخدع الناس أم يخدعونا؟. فقال له معاوية: كل من أردتَ خديعته فتخادع
لك حتى تبلُغَ منه حاجتك فقد خدعته. وكتب إلى قيس بن سعد بن عبادة، وهو
والي مصر لعلي رضي الله عنه: أما بعد فإنك يهودي ابن يهودي، إن غلب أحد
الفريقين إليك عزلك، واستبدل بك، وإن غلب أبغضهما إليك قتلك، ومثَّل بكَ،
وقد كان أبوك فوق سهمه، ورميَ غرضهِ، فأكثر الحزَّ، وأخطأ المفصل، حتى
خذلهُ قومَهُ، وأدركه يومَه، فمات غريباً بحوران. فكتب إليه قيس: أما بعد،
فإنك وثن ابن وثن، لم يقدم إيمانك، ولم يحدث نفاقك، دخلت في الدين كرهاً،
وخرجت منهُ طوعاً، وقد كان أبي فوقَ سهمه، ورمي غرضه، فشغبت عليه أنت وأبوك
ونظراؤك فلم تبشقّوا غباره، ولم تدرِكوا شأوه، ونحن أنصار الدين الذي
خرجتَ منه، وأعداءُ الدين الذي خرجتَ إليه. قال معاوية: الخفض والدعة سعة
المنزل، وكثرة الخُدَّام. وذُكِر أن معاوية استمع على يزيد ذات ليلة، فسمع
من عنده غناءً أعجبه، فلما أصبح قال ليزيد: من كان مُلهيك البارحة؟ قال:
ذاك ابن خاثر. وقال: إذاً فأخثِر له من العطاء. وذُكِرَ أن معاوية قال
لعمرو بن العاص: امضِ بنا إلى هذا الذي تشاغل باللهو، وسعى في هدم مروءته،
حتى ننعى عليه فعله - يريد: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فدخل عليه وعنده
سائب بن خاثر، وهو يُلقيِ على جواري لعبد الله، فأمره عبد الله بتنحيةِ
الجواري لدخول معاوية، ووثب سائب بن خاثر، وتنحّى عبد الله عن سريره
لمعاوية، فأجلسه إلى جانبه. ثم قال لعبد الله: أعِد إلينا ما كنت فيه، فأمر
بالكراسي فأُلقيَتْ، وأخرج الجواري، فتغنَّى سائبٌ بقول قيس بن الخطيم:
ديار التي كادت، ونحن على منى ... تحلُّ بنا لولا نجاءُ الركائبِ
ورددَّه
الجواري. فحرَّ معاوية يديه، وتحرَّك في مجلسه، ثم مدَّ رجليه فجعل يضرِبُ
بهما وجهَ السرير فقال له عمروٌ: اتَّئد فإن الذي جئتهُ لتلحاهُ أحسُّ منك
حالاَ، وأقلُّ حركة. قال معاوية: اسكت، فإن كل كريمٍ طروب. وقال معاوية:
أُعِنْتُ على عليِّ بأربع: كنتُ رجلاً أكتم سريّ، وكان رجلاً ظهره، وكنتُ
في أطوعِ جندٍ وأصلحهُ، وكان في أخبثِ جندٍ وأعصاه، وتركته وأصحابَ الجمل
وقلتُ: إن ظفروا به كانوا أهون عليَّ منه، وإن ظفر بهم اعتددت بها عليه في
دينه، وكنت أحَبَ إلى قريش منه، فيالكَ من جامع إليَّ، ومفرقٍ عنه، وعونٍ
لي وعونٍ عليه.
قدم معاوية إلى المدينة فدخل عليه عبد الله بن الزبير؛
فأقام عنده يومه وليلته فكانا يتحدثان إلى أن نام معاوية، وعبد الله قاعدٌ،
ثم استيقظ، فقال له: خذ بنا في الحديث، فتحادثا ساعة ثم نام معاوية أيضاً،
فكانت تلك حاله إلى الصباح فقال له عبد الله: لقد هممتُ بقتْلك غير مرة،
فكيف طابت نفسُك أن تنام وأنا معك؟ فقال: يا أبا بكر، فلستَ من قتلةِ
الخُلفاء. فقال: تقولُ لي هذا وقد لقيتُ عليَّ بن أبي طالب بالسيف يم
البصرة، فقال معاوية: لا جرم، قتَلَكَ وأباك بشماله، وبقيت يمنيهُ فارغةً
تطلب قِرناً يصلُحُ لها. وقال معاوية لعمرو بن العاص، حين ذكر له ما رواه
عبد الله ابنهُ من قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم - لعماَّرٍ: "
تَقْتُلُكَ الفئة الباغيةُ " لا تزال تأتينا بهَنةٍ تدحضُ بها في بولك.
أنحن قتلناه؟ إنما قتله الذي جاء به.
ورُوي أنه قدم المدينة فذكر ابنه
يزيد، وعقله وسخاءه، وفضله؛ فقال ابن الزبير: أما أنك قد تركت من هو خيرٌ
منهُ. قال معاوية: كأنك أردتَ نفسك يا أبا بكر؟ قال: وإن أردتها فمه؟ قال
معاوية: إن بيته بمكة فوق بيتك. قال ابن الزبير: إن الله اختار أبي، واختار
الناسُ أباهُ، فاللهُ الفاصِلُ بيني وبينه. فقال معاوية: هيهات: مَنّتُكَ
نفسُك ما ليس لك، وتطاولت َ إلى ما لم تنالُه.. إن الله اختارَ عمِّي
لدينِه، واختار الناسُ أبي لدنياهُم. فدعا عمِّي أباك فأجابهُ، ودعا أبي
عمَّك فاتبعَه، فأين تجِدُكَ إلا معي؟ . قال ابن الزبير: ذاك لو كنتَ من
بني هاشم. قال معاوية: دع هاشماً، فإنها تفخر علي بأنفسها، وأفخر عليك بها،
وأنا أحبُّ إليها منكَ، وأحبُّ إليكَ منها، وهي أحبُّ إليَّ منك. قال ابن
الزبير: إن الله رفع بالإسلام بيتاً، وخفض به بيتاً، فكان بيتي مما رفع
الله بالإسلام، قال معاوية: وبيتُ حاطِب بنِ أبي بلتعةَ مما رفع الله. وقيل
لمعاوية: أخبرنا عن نفسك في قريشٍ. قال: أنا ابن بُعثطِها، والله ما
سوبِقْتُ إلا سبقتُ، ولا خضْتُ برجلي قطٌّ غمرة إلا قطعتُها عرضاً. وكتب
إليه الحكم الغفاري: إن المشركين قد جاشوا بأمرٍ عظيمٍ. فكتب: اجعل بكر بن
وائل يَلونهم، فإن نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لن يَظْهَرَ
المشركون على بكرِ بنِ وائلٍ " . وكان يأذنُ للأحنفِ في أوَّلِ من يأْذنُ
له، فأَذنَ له يوماَ، ثم أذن لمحمدِ بن الأشعث، فجاء محمدٌ فجلس بين معاوية
وبين الأحنفِ، فقال له معاوية: لقد أحسستُ في نفْسِك ذلاًّ، إنِّي لم آذن
له قبلك ليكون في المجلس دونك، وإنما كما نملكُ أموركم نملِكُ تأديبكم،
فأريدوا ما يُرادُ بكم، فإنه أبقى لنعمتكم، وأحسنَ لأدبِكُم.
قدِمَ
معاوية المدينة، فدخل دار عثمان، فقالت عائشة بنتُ عثمان: وا أبتاه وبكتْ.
فقال معاوية: يا ابنة أخي، إن الناس أعطونا طاعة وأعطيناهُم أماناً،
وأظهرنا لهم حلماً تحته غضبٌ، وأظهروا لنا طاعةَ تحتها حِقْدٌ، ومع كلُّ
إنسانٍ سيفَه، وهو يرى مكان أنصاره، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا، ولا أدري
أعلينا تكونُ أم لنا؟ ولأن تكوني بنتَ عمِّ أمير المؤمنين خيرٌ من أن تكوني
امرأة من عرض المسلمين. وقال معاوية في النساء: إنهنَّ يغلُبنَ الكرام،
ويغلِبْهنَ اللئام. وفَخَرَ عندهُ سليمُ مولى زيادٍ، فقال معاوية: اسكت،
فوالله ما أدرك صاحِبُكَ شيئاً بسيفهِ إلا وقد أدركتُ أكثر منه
بلساني.؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟
يزيد بن معاوية وولده
كتبَ
إلى أهلِ المدينة: أما بعدُ، ف " إن الله لا يغيرُ ما بقَوْمٍ حتَّى
يغيِّروا ما بأنفسِهِم وإذا أرادَ اللهُ بقومٍ سوءاً فلا مردَّ
لَهُ؟؟؟؟؟؟؟؟، وما لَهُم مِنْ دونِهِ مِن والِ " وإني والله لقد لبِستُكُم
فأخلقْتُكُم، ورفقْتُ بكُم فأخرقتُكُم. ثم لئن وضعتكم تحت قدمي لأطأنَّكُمْ
وطْأَةً أُقِلُّ بها عددكم، وأذلُّ غابركم، وأترككم أحاديثَ تُنْسَخُ فيها
أخباركم مع أخبارِ عادٍ وثمودٍ.
لعلَّ الحلم دلَّ على قومي ... وقد يستجهَلُ الرجل الحليمُ
وقال
له مؤدبهُ وهو صغير، فلحن وقال: إن الجواد قد يعثر، فقال المؤدّبُ: أي
والله، ويضرَب فيستقيم، فقال يزيد: نعم والله ويكسر أنف سائسهُ. تكلَم
يوماً عند معاوية الخطباء فأحسنوا وأكثروا، فقال: والله لأرمينَّهم بالخطيب
الأشدقِ، قم يا يزيد فتكلَّم قال ابن الكلبي: كان يُقال ليزيد بن معاوية:
أبو القرود، وذلك أنه كان معجباً بها، وأدب قِرداً واستعمله على خمسمائة
رجل من أهل الشام، وكان يكنى أبا قيس، فصاد مرة حمار وحش، فحمل أبى قيسٍ
عليه، وخلّى عنه فطار به، وخرج من مسكنه، ولزمه القردُ، فجعل يزيد يصيحُ
به:
تمسَّك أبا قيسٍ بفضلِ عنانها ... فليس عليها إن هلكت ضمانُ.
وقيل ليزيد: ما الجود؟ قال: إعطاءُ المالِ من لا تعرف، فإنه لا يصير إليه حتى يتخطَّى من تعرِف. وخطب بدمشق فقال: أيها الناسُ، سافروا بأبصاركم في كرُّ الجديدين، ثم أرجعوها كليلة عن بلوغِ الأمل. وإنَّ الماضي عظةٌ للباقي، ولا تجعلوا الغرورَ سبيلَ العجزِ عن الجد، فتنقطع حجتُكُم في موقفٍ الله سائلكم فيه، محاسِبُكم على ما أسلفتم. أيُّها الناس، أمس شاهد فاحذروه، واليوم مؤدِّبٌ فاعرِفوه، وغدٌ رسولٌ فأكرِموه، وكونوا على حذر من هجومِ القدر، فإن أعمالكم مطيات آجالكم والصراطُ ميدانٌ يكثر فيه العثارُ، والسالمُ ناج، والعاثِرُ في النار. يروى: أن عبد الله بن يزيد بن معاوية أتى أخاه خالداً فقال: يا أخي، لقد هممتُ اليومَ أن أفتِك بالوليد بن عبد الملك، فقال له خالد: بئسَ والله ما هننتَ به في ابن أمير المؤمنين، وولِيّ عهد المسلمين فقال: إن خيلي مرت به فتعبَّثَ بها، وأصغرني، فقال له خالد: أنا أكفيكَ. فدخل خالد على عبد الملك، والوليد عنده، فقال: يا أمير المؤمنين، لوليدُ ابن أمير المؤمنين، ووليُّ عهد المسلمينَ مرَّت به خيلُ ابن عمه عبد الله بن يزيد، فتعبَّثَ بها وأصغرهُ، وعبدُ الله مطرِقٌ، فرفع رأسهُ فقال: " إن الملوكَ إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعِزَّةَ أهلها أذلَّة وكذلك يفعلون " فقال خالد: " وإذا أردنا أن نهلِكَ قريةً أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القولُ فدمرناها تدميراً " فقال عبد الملك: أفي عبد الله تكلمني؟ والله لقد دخل عليَّ فما أقام لسانَهُ لحناً. فقال خالد: أفَعَلى الوليدِ تعولِّ؟ فقال عبد الملك: إن كان الوليدُ يلحنُ فإن أخاهُ سليمانَ. فقال: وإنْ كان عبدُ الله يلحنُ فإن أخاه خالدٌ. فقال له الوليد: اسكت، فوالله ما تُعَدُّ في العير ولا في النفيرِ. فقال خالد: اسمع يا أمير المؤمنين، ثم أقبل عيه فقال: وَيحَك، فمن صاحِبُ العير غيري، جدِّي أبو سفيان صاحبُ العير، وجديِّ عتبة بن ربيعة صاحبُ النَّفير، ولكن لو قلت: غُنيماتٌ، وحُبيلاتٌ والطائفُ ورحمَ الله عثمانَ. قلنا: صدقْتَ. أما العيرُ فهيَ عيرُ قريش التي أقبل فيها أبو سفيان من الشام، فنهد لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففات بها أبو سفيان، وأما النفيرُ فمِن نفرٍ من قريش لاستنفاذ العير، فكانت وقعةُ بدرٍ، وصار ذلك مثلاً حتى قيل في كل من لا يصلح لخيرٍ ولا شر. وقوله: غنيماتُ و حبيلاتٌ. يعني: أن رسول الله - صلى الله عليهِ وسلم - لما أطردَ الحكم بن أبي العاص لجأ إلى الطائف، فكا يرعى غنيماتٍ له. ويأوي إلى حبيلة، وهيَ الكرمة. وقوله: رحِمَ الله عثمانَ، لأنه ردهُ لمَّا أفضى الأمرَ إليه. وذُكر أن الحجاج لما أكرَهَ عبد الله بن جعفرٍ على أن يزوِّجهُ ابنتهُ استأجله في نقلها سنة، ففكر عبد الله في الانفكاكِ منه، فأُلقي في روعهِ خالد بن يزيد بن معاوية، فكتب إليهِ يُعْلُمهُ ذلك، وكان الحجاج تزوجها بإذنُ عبدِ الملك، فورد على خالد كتابه ليلاً، فاستأذن من ساعتهِ على عبد الملك، فقيل: افي هذا الوقت؟ فقال: إنه أمرٌ لا يؤخَّرُ، فأُعلم عبدُ الملك بذلك. فأذن لهُ، فلما دخل إليه قال له عبد الملك: فيم السُّرى يا أبا هاشم؟ قال: أمرٌ جليل، لم آمنْ أن أُؤَخِّرَه، فتحدُثُ عليَّ حادثة، فلا أكونَ قضيتُ حقَّ بيعتك. قال: ما هو؟ قال: تعلمُ أنهُ كان بين حيَّينِ من العداوةِ والبغضاء، ما كان بينَ آل الزبير وبيننا؟ قال: لا. قال: فإنْ تزوجي إلى آل الزبير حلَّل لهم ما كان في قلبي، فما أهل البيتِ أحبُّ إليَّ منهم. قال: إن ذلك ليكون؟ قال: فكيفَ أذِنْت للحجاج أن يتزوَّجَ من بني هاشم، وأنت تعلمُ ما يقولون ويُقالُ فيهم، والحجاج من سلطانِك بحيثُ علمْتَ. قال: فجزاهُ خيراً. وكتب إلى الحجاج يعزمُ عليه أن يطلِّقها، فطلَّقها. فغدا الناس يعزُّونه عنها. وكان فيمن أتاه عمرو بن عتبةَ بن أبي سفيان، فأوقعَ الحجاج بخالدٍ. فقال: كان الأمرُ لآبائه فعجِزَ عنه حتى انتُزِعَ منه. فقال له عمرو: لا تقُل ذلك أيها الأمير، فإن لخالدٍ قديماً سبق إليه، وحديثاً لنْ يًغْلَبَ عليه فلو طلب الأمر لطلبهِ بجد و جَدٍّ، ولكن علم علماً فسلم العلم إلى أهله. فقال: الحجاجُ: يا آل أبي سفيان، أنتم تحبُّون أن تحلُموا، ولا يكون الحلم إلا عن غضب، فنحنُ نغضبكم في العاجل ابتغاءَ مرضاتكم
في الآجل. ثم قال الحجاج: والله لأتزوَّجنَّ من هو أمسُّ بهِ رحماً، ثم لا يمكنه فيه شيء، فتزوج أم الجلاس بنت عبد الله بن خالد بن أسيد. تهدد عبد الملك خالداً بالحرمان، فقال خالد: أتُهدِّدني، ويَدُ الله فوقك مانعةٌ، وعطاءُ الله دونكَ مبذولٌ؟ قال رجل لخالد بن يزيد بن معاوية: ما أقربُ شيءٍ؟ قال: الأجل. قيل: فما أبعدُ شيءٍ؟ قال: الأمل. قيل: فما آنس شيءٍ؟ قال: الصاحبُ المُواتي. قيل: فما أوحشُ شيءٍ؟ قال: الميِّت. دخل عبد الملك بن مروان على يزيد بن معاوية. فقال: يا أميرَ المؤمنين، إن لك أرضاً بوادي القُرى ليست لها غلَّة، فإن رأيتَ أن تأْمرَ لي بها. فقال له يزيد: إنا لا نُخدع عن الصغير، ولا نبخَلُ بالكبير، وهي لك. فلمَّا ولىَّ قال يزيد: إن أهل الكتب يدَّعون أن هذا يرث ما نحن فيه، فإن كان كما قالوا فقد صانعناه، وإن لم يكن فقد وصلْناه. ولما ولىَّ يزيد مسلمَ بنَ زياد خراسان قال له: إن أباك كفى أخاك عظيماً، وقد استكفيتُك صغيراً، فلا تتَّكِلنَّ على عذرٍ مني، فإني قد اتكلتُ على كفاية منك، وإياك مني قبل أن أقول: إيَّاي منك، فإنَّ الظنَّ إذا أُخلِفَ فيك أخلف منك. وأنت في أدنى حظِّك فاطلُب أقصاه. وقد أتعبك أبوك، فلا تُريحَنَّ نفسك، وكن لنفسِكَ تكُنْ لك، واذكر في يومكَ أحاديثَ غدِكْ. وقال معاويةُ لعمرو بن العاص: إني لأُحِبُّ أنْ تكون في خمسِ خصالٍ. قال: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: أحب أن يكون جهلٌ أعظم من حلمي، ولا ذنبٌ أكبر من عفوي، ولا عورةٌ إلا وأنا أسعها بستري، ولا فاقةٌ إلا سددتها بجودي، ولا زمانٌ أطول من أناتي، فتبسم عمرو. فقال معاوية: ممن تبسَّمت؟ فإني أعلمُ أنك إن قُلتَ خيراً أضمرتَ شراً. قال: نعم، تمنَّيتُ ضفةً لا تكون إلا لله. قال معاوية: فاستُرها عليَّ. كتب معاوية إلى مروان بن الحكم: والله لفلانٌ أهْوَنُ عليَّ من ذرَّة أو كلبٍ من كلابِ الحرَّة، ثم قال للكاتب: امحِ الحرَّة، فإنه سجعٌ، واكتب من الكلاب. قيل لخالد بن يزيد: أني أصبتُ هذا العلم؟ قال: وافقْتُ الرجال على أهوائهم، ودخلتُ معهم في رأيهم، حتى بذلوا لي ما عندهم، وأفضوا إليَّ بذات أنفسهم. بعث زياد إلى معاوية بهدايا مع عبيد الله أخي الأشترِ النخعي، وفي الهدايا سفطٌ فيه جوهرٌ لم ير مثله، فقدِمَ عبد الله بالهدايا، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إن زياداً بعثَ معي بسفطٍ ما أدري ما فيه، وأمرني أن أدفعهُ في خلاءٍ. فقال: أحضره، فلمَّا فتحهُ قال: ما أظُّن رجلاً آثر بهذا على نفسه إلا سيؤْثِرُهُ الله بالجنَّة، ارجع به إليه، فإن من قبله من المسلمين أحق بهذا من معاوية. ثم كتب إلى زياد: إنك رفعتَ إليَّ رايةَ الأشترِ حينَ وضعها الله. بعثتَ مع أخيه بسفطٍ يشهد به علي عند أهل العراق، فاردده عليَّ مع رجلٍ لا يفقهُ عنيِّ، ولا أفقهُ عنه، فردَّهُ إليه زياد مع غلام من غلمانه. قال معاوية ليزيد: إنْ كنْتَ بعدي - وكنْهُ. فابدأ بالخير، فإنه يُعَفِّى، على الشر، وما صنعتَ من شيءٍ فاجعل بينكَ وبين الله ستراً ترجوه له، وتأْملُهُ به. وإيَّاك والقتل فإن الله قاتل القاتلين. وصف معاوية الوليد بن عتبة فقال: إنه لبعيد الغور، سكان الفور، نبتةُ أصلٍ لا يخلف، وسليل فحلٍ لا يقرِف. ودخل خالد بن يزيد دار عبد الملك، وكان يسحبُ ثيابه، فقام إليه عبد الرحمن بن الضحاك، يتلقاه معظِّماَ له، فقال له: بأبي أنت وأمي، لم تطعم الأرض فَضولَ ثيابكَ؟ فقال: إني أكره أن أكونَ كما قال الشاعر: الآجل. ثم قال الحجاج: والله لأتزوَّجنَّ من هو أمسُّ بهِ رحماً، ثم لا يمكنه فيه شيء، فتزوج أم الجلاس بنت عبد الله بن خالد بن أسيد. تهدد عبد الملك خالداً بالحرمان، فقال خالد: أتُهدِّدني، ويَدُ الله فوقك مانعةٌ، وعطاءُ الله دونكَ مبذولٌ؟ قال رجل لخالد بن يزيد بن معاوية: ما أقربُ شيءٍ؟ قال: الأجل. قيل: فما أبعدُ شيءٍ؟ قال: الأمل. قيل: فما آنس شيءٍ؟ قال: الصاحبُ المُواتي. قيل: فما أوحشُ شيءٍ؟ قال: الميِّت. دخل عبد الملك بن مروان على يزيد بن معاوية. فقال: يا أميرَ المؤمنين، إن لك أرضاً بوادي القُرى ليست لها غلَّة، فإن رأيتَ أن تأْمرَ لي بها. فقال له يزيد: إنا لا نُخدع عن الصغير، ولا نبخَلُ بالكبير، وهي لك. فلمَّا ولىَّ قال يزيد: إن أهل الكتب يدَّعون أن هذا يرث ما نحن فيه، فإن كان كما قالوا فقد صانعناه، وإن لم يكن فقد وصلْناه. ولما ولىَّ يزيد مسلمَ بنَ زياد خراسان قال له: إن أباك كفى أخاك عظيماً، وقد استكفيتُك صغيراً، فلا تتَّكِلنَّ على عذرٍ مني، فإني قد اتكلتُ على كفاية منك، وإياك مني قبل أن أقول: إيَّاي منك، فإنَّ الظنَّ إذا أُخلِفَ فيك أخلف منك. وأنت في أدنى حظِّك فاطلُب أقصاه. وقد أتعبك أبوك، فلا تُريحَنَّ نفسك، وكن لنفسِكَ تكُنْ لك، واذكر في يومكَ أحاديثَ غدِكْ. وقال معاويةُ لعمرو بن العاص: إني لأُحِبُّ أنْ تكون في خمسِ خصالٍ. قال: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: أحب أن يكون جهلٌ أعظم من حلمي، ولا ذنبٌ أكبر من عفوي، ولا عورةٌ إلا وأنا أسعها بستري، ولا فاقةٌ إلا سددتها بجودي، ولا زمانٌ أطول من أناتي، فتبسم عمرو. فقال معاوية: ممن تبسَّمت؟ فإني أعلمُ أنك إن قُلتَ خيراً أضمرتَ شراً. قال: نعم، تمنَّيتُ ضفةً لا تكون إلا لله. قال معاوية: فاستُرها عليَّ. كتب معاوية إلى مروان بن الحكم: والله لفلانٌ أهْوَنُ عليَّ من ذرَّة أو كلبٍ من كلابِ الحرَّة، ثم قال للكاتب: امحِ الحرَّة، فإنه سجعٌ، واكتب من الكلاب. قيل لخالد بن يزيد: أني أصبتُ هذا العلم؟ قال: وافقْتُ الرجال على أهوائهم، ودخلتُ معهم في رأيهم، حتى بذلوا لي ما عندهم، وأفضوا إليَّ بذات أنفسهم. بعث زياد إلى معاوية بهدايا مع عبيد الله أخي الأشترِ النخعي، وفي الهدايا سفطٌ فيه جوهرٌ لم ير مثله، فقدِمَ عبد الله بالهدايا، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إن زياداً بعثَ معي بسفطٍ ما أدري ما فيه، وأمرني أن أدفعهُ في خلاءٍ. فقال: أحضره، فلمَّا فتحهُ قال: ما أظُّن رجلاً آثر بهذا على نفسه إلا سيؤْثِرُهُ الله بالجنَّة، ارجع به إليه، فإن من قبله من المسلمين أحق بهذا من معاوية. ثم كتب إلى زياد: إنك رفعتَ إليَّ رايةَ الأشترِ حينَ وضعها الله. بعثتَ مع أخيه بسفطٍ يشهد به علي عند أهل العراق، فاردده عليَّ مع رجلٍ لا يفقهُ عنيِّ، ولا أفقهُ عنه، فردَّهُ إليه زياد مع غلام من غلمانه. قال معاوية ليزيد: إنْ كنْتَ بعدي - وكنْهُ. فابدأ بالخير، فإنه يُعَفِّى، على الشر، وما صنعتَ من شيءٍ فاجعل بينكَ وبين الله ستراً ترجوه له، وتأْملُهُ به. وإيَّاك والقتل فإن الله قاتل القاتلين. وصف معاوية الوليد بن عتبة فقال: إنه لبعيد الغور، سكان الفور، نبتةُ أصلٍ لا يخلف، وسليل فحلٍ لا يقرِف. ودخل خالد بن يزيد دار عبد الملك، وكان يسحبُ ثيابه، فقام إليه عبد الرحمن بن الضحاك، يتلقاه معظِّماَ له، فقال له: بأبي أنت وأمي، لم تطعم الأرض فَضولَ ثيابكَ؟ فقال: إني أكره أن أكونَ كما قال الشاعر:
قصيرُ الثياب فاحشٌ عند بيتهِ ... وشرُ قريشٍ في قريشٍ مُرَكَّبا
وهذا
البيتُ هُجِيَ به الضحاك. قال الجاحظ: لو لم يتكلفْ ما لايعنيه لم يسمع
هذا الجواب. قال بعضهم كنتُ عندَ معاويةَ إذ دخل عبدُ الملك، فتحدَّث ونهض،
فقال معاويةك إنَّ لهذا الغلام همةً، وخليقٌ أن تبلغَ به همتهُ، وإنه مع
ما ذكرت تاركٌ لثلاثٍ أخِذٌ بثلاث، تارِكٌ مساءة الجليس جداًّ وهزلاً،
تاركٌ لما يعتذرُ منه، تارك لما لا يعنيه، آخِذٌ بأحسنِ الحديث إذا حدَّثَ،
وبأحسنِ الاستماع إذا حُدِّث، وبأهونِ الأمرين عليه إذا خولف. وقال معاوية
لابنه يزيد: إذا وليتَ فابسط الخيرَ، فإنه يُعَفِّي على العيب، واتق الله
يقِكَ، وإياكَ والقتلَ، فإنَّ الله قتَّل للقاتلين. وقال لعبيد الله بن
زياد: يابن أخي، إحفظ عني، لا يكونَنَّ في عسكرِكَ أميرٌ غيركَ،
ولاتقولَنَّ على منبَرٍ قولاً يُخالِفُهُ فِعْلُك، ومهما غلبت فلا
تُغْلَبَنَّ على ميتةٍ كريمةٍ. وقال معاوية: آفةُ المروءة الكبر وإخوانُ
السوء، وآفةُ العلم النسيان، وآفةُ الحلمِ الذُّل، وآفةُ الجودِ السرف،
وآفةُ القصد البُخْلِ، وآفةُ المنطق الفُحشِ، وآفة الجلدِ الكسل، وآفةُ
الرزانة الكبر، وآفةُ الصمتِ العيّ، وآفة اللبّ العجب، وآفة الظَّرف الصلف،
وآفة الحياءِ الضَّعف. وقال: لا جَدَّ إلا ما أقعص عنك ما تكره. وقال: لا
تعدنَّ شيئاً، وحسبك جوداً أن تُعْطِيَ إذا سُئِلْتَ. وقال لابنه يزيد: ما
المروءة؟ فقال: إذا ابتليتَ صبرتَ، وإذا أعطيتَ شكرتَ، وإذا وعدتَ أنجزْتَ.
قال: أنتَ منِّي، وأنا منك يا يزيد. وقال معاوية: المروءة مؤاخاةُ
الأكفاء، ومداجاةُ الأعداء. وقال: ما وجدتُ لذةَ شيءٍ ألذَّ عندي غباًّ من
غيظٍ أتجرعُهُ، ومن سفهٍ بالحلمِ أقمعُهُ. وقال له رجل: ما أشبه أستك بأستِ
أمك فقال: ذاك الذي كان يُعْجِبُ أبا سفيان منها. وأغلظ له الرجل فاحتمله،
وأفرط عليه فحلم عنه، فقيل له في ذلك. فقال: لا نَحولُ بين الناسِ
وألسنتِهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكِنا. وقال لابنه: يابني، اتَّخِذ
المعروف عندَ ذوي الأحسابِ تستمِل به قلوبهم، وتعظم به في أعينِهم، وتكفَّ
به عنك عاديتهم. وقال: عليك بصديقك الأولِ، فإنك تلقاهُ على عهْدٍ واحدٍ،
تقدَّم العهد أو شطَّتِ الدار. وإيَّاك وكلَّ مستَحدثٍ، فإنه يستَأْكِلُ
كلَّ قوم، ويسعى مع كل ريح. ودعا يوماً بصبيٍّ له، فقبَّله، وضمّهُ إليهِ،
وقال: من سرَّه الدهر أن يرى كبدهُ تمشي على وجه الأرض فلْيَرَ ولده. رُوي:
أنه فُلَّت سرية لمعاوية، وكاد ينالُها الاصطلام، فوجم واغتمَّ غماَّ
شديداَ. فقيل له في ذلك. فقالك ما اغْتمامي للسرية فقط، ولكن اغتمامي أن
يكون حدث بالحرمين حدثٌ، فكان هذا لذاك، فكتب، ونظر، فإذا مولى لخالد بن
أُسيدٍ قد عدا بسيفٍ في الحرمِ مشهورٍ، فكتبَ، فقطعت يده. كان عمر رضي الله
عنه فرض للمهاجرين في خمسة آلافٍ، وفرض للناس بعدهم على اقدارهم عندة ففرض
لأبي سفيان وضُربائه في ألفين، فلما صار الأمرُ إلى معاوية حطَّ العطاء
إلى عطاء أبيه، فصار شرفُ العطاء في ألفينِ. قال معاويةُ يوماً: ما ولدتْ
قرشيةٌ خيراً لقريشٍ مني، فقال ابن زُرارة: بل ما ولدَتْ شراً لهم منك
فقال: كيف؟ قال: لأنك عوَّدتَهم عادةً يطلبونها من بعدك، فلا يجيبونهم
إليها، فيحملون عليهم كحملهم عليك. فلا يحتمِلون وكأنيِّ بهم كالزِّقاق
المنفوخةِ في طرقاتِ المدينة.
؟؟؟؟؟؟؟؟
الباب الثاني
؟؟كلام مروان بن الحكم وولده في الخلفاء
كتب مروان إلى النعمان بن بشير يخطبُ إليه ابنته أُمَّ أبانٍ لابنه عبد الملك: بسم الله الرحمن الرحيم. من مروان بن الحكم إلى النعمان بن بشير. سلام عليك، فإني أحمدُ إليكَ الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإن الله ذا المنِّ والبرهان، ؟؟؟ العظمة والسلطان، قد خصَّكم - معاشر الأنصار - بنُصرة دينه، وإعزاز نبيه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وقد جعلك منهم في البيْتِ العميمِ، والفرعِ القديم. وقد دعاني إلى إحباب مصاهرتك والإيثار لك على الأكفاءِ من ولدِ أبي. وقد أحبَبْتُ أن تزوِّجَ ابني عبد الملك بن مروان ابنتك أمَّ أبانٍ بنتَ النعمان، وقد جعلت صداقها ما نطق به لِسانكَ وترنَّمتْ به شفتاك، وبلغهُ مُناك. وحكمت به في بيت المالِ قبلكَ.فكتب
إليه النعمان: من النعمان بن بشير إلى مروان بن الحكم. بدأت باسمي سُنة من
رسول الله - صلى الله علية وسلم - وذلك أني سمِعْتُ خليلي - صلى الله عليه
وسلم - يقول: " إذا كتب أحدُكم إلى أحدٍ فلْيبدأ بنفسهِ " . أما بعد، فقد
بلغني كتابُكَ، تذكر من مودَّتِك ما أراك صادقاً، فغُنْماً أصبت، وبحظِّك
أخذْتَ، ونفسَكَ زكَّيْتَ، لأناَّ ناسٌ قد جعل الله حميداً حُبنا إيماناً،
وبُغْضنا نفاقاً. وأما ما أطْنَبْتَ فيه من ذكرُ شرفنا، وقديم سلفنا، ففي
مدحِ الله لنا وذكرِهِ إيانا في كتابهِ المنزل، وقرآنه المفصَّل على نبيه -
صلى الله عليه وسلم - ما أغنى به عن مدح غيره من المخلوقين، فأما ما
ذكرْتَ من إيثارك إياي بابنك عبد الملك على الأكفاء من ولد أبيك، فحظِّي
منك مردودٌ عليهم، موفَّرٌ لهم غير مشاحٍّ فيه، ولا منافَسِ عليه، وأما ما
ذكرتَ من بذْلِك لي من بيت المال قبلي، وبما نطق به لساني، وترنَّمتْ به
شفتاي، وبلغه مناى، فلعمري لقد أصبح حظي فيه - والحمدُ لله - أوفرَ من
حظِّكَ، وسهْمي فيه أجزلَ من سهمِكَ، وأمري فيه أجوزَ من أمركَ، وبعدُ:
فلو أنَّ نفسي طاوعتني لأصبَحتْ ... لها حفَدٌ مما يُعَدَّ كثيرُ
ولكنها نفسٌ عليَّ كريمةٌ ... عَيوفٌ لأصهارِ اللئامِ قذورُ
في
أبياتٍ أُخر قال معاوية لمروان: منْ تَرى لأهل العراق؟ قال: من لا يَفْحجُ
الحلوبَ حتى تدنوَ الدِّرَّة، ولايدني العلبة َ حتى تمسَحَ الضرَّةَ. وقال
مروان لابنه: آثر الحق، وحصِّنْ مملكتَكَ بالعدل، فإنهُ سورها المنيع الذي
لا يُغْرِقُهُ ماءٌ، ولا تحرقُهُ نارٌ، ولا يهدِمُهُ منجنيق. وذكر أبو
هريرة معاوية في مجلس فيه مروان فاغتابه، ثم خاف أن يبلُغَ معاوية ذلك،
فقال: إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " المجالسُ بالأمانة "
وسأل مروان أن يكتم عليه. فقال مروانُ: والله. لما ركبت مني في ظنِّك بي
أنيِّ أنقُلُ حديثكَ أعظَمُ ممَّا ركبتَ من معاوية.
عبد الملك بن مروان
خطب
فقال: أيُّها الناس، اعملوا لله رغبةً أو رهبةً، فإنكم بناتُ نِعمتهِ،
وحصيدُ نقمته، ولا تَغرسُ لكم الآمال إلا ما تجتنيه الآجال. وأقِلُّوا
الرغْبةَ فيما يورِثُ العطبَ، فكلُّ ما تزرَعُهُ العاجلة تقلعه الآجلةُ.
واحذروا الجديدين، فهما يكراَّن عليكم باقتسام النفوسِ، وهدمِ المأسوس.
كفانا الله وإياَّكم سطوة القدر، وأعاننا بطاعته عن الحذر من شرِّ الزمن،
ومعضلات الفتَن. بصق عبد الملك، فقصر، فوقع بصاقه على البساط، فقام رجل
فمسحهُ بثوبه، فقال عبدُ الملك: أربعة لا يُستحيى من خدمتهم: السلطان
والولد، والضَّيف، والدابة وأمر للرجلِ بِصِلة. استأذن رجل عليه، فأذن له،
فوقف بين يديه ووعظه، فقال عبد الملك لرجلٍ: قل للحاجب، إذا جاء هذا فلا
تمنعه، وإنما أراد أن يعرفَهُ الحاجبُ فلا يأذنَ له. وقال: إني لأعرف عزّة
الرجل من ذلته بجلسته. وقال له ابنه الوليد: ما السياسة؟ قال: هيبة الخاصة
مع صدق مودَّتِها، واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها، واحتمال هفوات
الصنائع. ودخل الشعبي عليه، فخطَّأه في مجلس واحد في ثلاث، سَمِع الشعبي
منه حديثاً، فقال: أكتبنيه. فقال: نحن معاشر الخلفاء لا نُكْتِبُ أحداً
شيئاً. وذكر رجلاً فكنَّاه فقال: نحن معاشر الخلفاء لا يكنى الرجال في
مجالسنا، ودخل إليه الأخطل، فدعا له بكرسي. فقال: من هذا يا أمير المؤمنين؟
فقال: الخلفاء لا تُسْأَل، فأخجَلهُ في أول مقام. وقال لأخيه عبد العزيز
حين وجَّههُ إلى مصر: تفَقَّد كاتبك وحاجبك وجليسك، فإن الغائب يخبره عنك
كاتبك، والمتوسِّمُ يعرِفك بحاجبك والخارج من عندك يعرفك بجليسك. وقال:
أفضل الرجال من تواضع عن رفعة، وزهد عن قدرة، وأنصف عن قوة. وخاض جلساؤه
يوماً في مقتل عثمان، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، في أي سنك كنت يومئذٍ؟
قال: كنت دون المحتَلَم. فقال: فما بلغ من حزنك عليه؟ قال: شغلني الغضبُ له
عن الحزن عليه. وقال: الهدية السحر الظاهر. وقال لمعلم ولده: روِّ بي
الشعر يعرفوا به مكارم الأخلاق، ولا تروِّهم شعرَ هذيل فتزَّين لهم الفرار،
ولا شعر أُححية بن الجلاحَ فتحسِّن لهم البخل، وأطعمهم اللحمَ تشتد
قلوبهم، وجُزَّ أشعارهم تغلُظ رقابهم. وقال: الفرقُ بين عمرَ وعثمانَ أنَّ
عمر ساء ظنُّه فأحكم أمره، وعثمانَ حسن ظنه فأهمل أمره.
ودخل عبدُ الملك
على معاوية ومعه بنوه، فلما جلسوا على الكراسي، وأخذوا مجالسهم اغتاظ
معاويةُ، ثم قال: كأنك أردت مكاثرتي ببنيك يا بن مروان. وما مثَلي ومثلُكَ،
إلا كما قال الشاعر:
يُفاخِرُني بِكَثْرَتِها قريظٌ ... وقبْلي والد الحَجَلِ الصقور
الأبيات.
فقال
عبد الملك: يا أمير المؤمنين، إنما هؤلاء ولدك ويَدُكَ وعضُدُك، وقد علمتُ
إنما خفْتُ عليهم العينَ، وليسو عائدين. كتب عبد الملك إلى الحجاج: إنك
قِدْحُ ابن مقبل، يريد قوله:
خروجَ مِنَ الغُمَّى، إذا صُكَّ صَكةً ... بدا والعيونَ المُسْتَكِفَّة تلمحُ
وكتب إليه مرة: أما بعد، فإنك سالمٌ والسلامُ. يريدُ قوله:
يُديرونني عن سالمٍ وأُديرَهم ... وجِلْدَةُ بين العينِ والأنفِ سالمُ
وقال
عبد الملك لعبد الله بن مسعدة الفزاري: أتدري أي النساء أفضل؟ قال:
اللَّواتي يقول أهل الرجل قد سحرتهُ. وقيل له عَجِلَ عليكَ الشيبُ يا أمير
المؤمنين. قال: وكيف لا يعجل عليَّ، وأنا أعرضُ عقلي على الناسِ كل جمعة
مرة أو مرتين. يعني خُطْبةُ الجمعة وبعض ما يعرض من الأمور. وخطب مرةً
فقال: إني والله ما أنا بالخليفة المستضعفِ - يعني:عثمان - ولا أنا
بالخليفة المداهِنِ - يعني: معاوية - و لا أنا بالخليفة المأْبون يعني
يزيد. وقال: لو ألقيتُ الخيزُرانةَ من يدي لذهب شطرُ كلامي. وقال لمعلِّم
ولدِه: علِّمهم العومَ، وخُذْهم بقلَّةِ النوم. وقال عبد الملك: لقد كنت
أمشي في الزرع فأتقي الجندب أن أقتله، وإنَّ الحجاج ليكتب إليّ في قتل
فئامٍ من الناس فما أحفل بذلك.
ومن كلامه: لا تُلْحِفوا إذا سألتم، ولا
تبخَلوا إذا سُئِلْتُم. ونظر إلى عُمَرَ بن عبد العزيز وهو غلام، فقال:
إنِّي لأرى غلاماً أوشكت همَّتَهُ أن ترفعهُ عن الدنيا. وكان عبد الملك
بخيلاً، فقال يوماً لكُثَيِّر: أي الشعر أفضل؟ فقال: كُثير يُعَرِّضُ
ببخْلِهِ: أفضله قول المقنَّع الكنْدي:
إنِّي أُحَرِّضُ أهلَ البخل كلُّهُم ... لو كان ينفعُ أهل البخلِ تحريضي
وهي
أبيات، فقال عبد الملك - وعرف ما أراد - الله أصدقُ من المقنَّع إذ يقول: "
والذينَ إذا أنفقوا لَم يُسرِفوا ولم يَقْتروا وكان بين ذلك قَواما " .
ولما سقطت ثنايا عبد الملك في الطست قال: والله لولا الخطبةُ، والنساء ما
حفلتُ بها. وذُكر عنده عمرُ فقال: قَلِّلوا من ذِكره، فإنه طعنٌ على
الأئمةِ، حسرةٌ على الأمةِ. وقال: اطلبوا معيشةً لا يقدِرُ سلطانٌ جائرٌ
على غصبها. فقيل: وما هو؟ قال: الأدب. وكتب إلى الحجاج:جنِّبني دماء آل أبي
طالب، فإني رأيتُ بني حربٍ لما قتلوا حُسيناً نزع الله الملك منهم. دخل
إليه أعرابي فبرك بين يديه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إن الناقة إذا منعت
الحليب قَوَّمَتْها العصا، فقال عبد الملك: إذاً تكفئ الإناء، ونكسرُ أنف
الحالب. وقال لزُفر بن الحارث: ما ظنُّك بي؟ قال:ظنِّي بك أنك تقتلني،
فقال، قد أكذب الله ظنك، وقد عفوتُ عنك. ونازعه عبد الرحمن بن خالد بن
الوليد، فأربى عليه، فقيل له: لو شكوتَه إلى عمه لانتقم لك منه، فقال: مثلي
لا يشكو، ولا أعدُّ - أنا - انتقام غيري لي انتقاماً، فلما استخلف قيل له
في ذلك، فقال: حِقدُ الُسُّلْطانِ عجز. وقالت له حُبَي المدينية: أقتلتَ
عمراً؟ فقال: قتلته وهو أعزُّ عليَّ من دم ناظري، ولكن لا يجتمع فحلان في
شَوْلٍ.
وكتب إلى الحجاج ولا توَلينَّ الأحكام بين الناسِ جاهلاً
بالأحكام، ولا حديداً طائشاً عند الخصامِ، ولا طمِعاً هلعاً يقرُّبُ أهل
الغنى ويبُشُّ بأهل السعة، فيكسر بذلك أفئدة ذوي الحاجة، ويقطع ألسنتهم عن
الإدلاء بالحجة، والإبلاغ في الصفة، واعلم أن الجاهل لا يعلم، والحديد لا
يفهم، والطائشَ القلقَ لا يعقِل، والطمع الشره لا ينفَعُ عند الحجة، ولا
تغني قِبَلَه البيِّنةُ. والسلام. قالوا: أشرفَ يوماً على أصحابه، وهم
يذكرون سيرةَ عمر - رضي الله عنه - فغاظه ذلك، فقال: إيهاً عن ذِكْرِ عمر،
فإنه إزراءٌ بالوُلاة مفسدة للرعية. وكان إذا أراد أن يولي رجلاً عمل
البريدِ سأل عن صدقه ونزاهته وأناته، ويقول: كذبه شكِّك في صدقه، وشرهه
يدعوه في الحق إلى كتمانه، وعجلته تهجم بمن فوقه على ما يُؤثْمهُ
ويُندِمُه. وقيل له: ما المروءة؟ قال: موالاة الأكفاء، ومداجاةُ الأعداء.
قال
له رجل: إني أريد أن أُسرَّ إليك شيئاً، فقال عبدُ الملك لأصحابه: إذا
شئتم. فنهضوا، فأرادَ الرجل الكلامَ، فقال له عبدُ الملك: قفْ، لا تمدحني،
فإني أعلمُ بنفسي منكَ، ولا تكذبني، فإنه لا رأيَ للكذوب ولا تغتَبْ عندي
أحداً. فقال: أفتأْذَنُ يا أمير المؤمنين في الانصراف؟ قال: إذا شئتَ. وقال
له رجلٌ من أهلِ الكتابةِ كان موصوفاً بقراءة الكتب وهو بالمدينة: إن
بشَّرتُك بشارةً تسرُّك ما تجعلُ لي؟ قال: وما مقدارها في السرور حتى نعلم
مقدارها من الجعل؟ قال: أن تملِكَ الأرض. قال: ما لي من مال، ولكن أرأيتَ
إن تكلَّفتُ لك جُعْلاً أتأتيني بذلك قبل وقته؟ قال: لا، قال: فإن حرمْتُكَ
أتؤخِّرُهُ عن وقته؟ قال: لا. قال: حسبُكَ ما سمعتْ. وكتب إلى الحجاج: إني
قد استعملتُك على العراقَيْن صدمة، فاخرج إليهما كميش الإزار شديد العذار
منطوي الخصيلة قليل الثميلة، غرار النوم، طويل اليوم. فاضغط الكوفة ضغطة
تحبق منها البصرة، وارم بنفسك الغرض الأقصى، فإني قد رميته بك، وأرد ما
أردته منك. والسلام. ولما ولي عبد الملك صعد المنبر، فقال بعد الحمد لله
والثناء عليه والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن الله اختصنا
بالكرامة، وانتجبنا للولاية وآثرنا بالخلافة، وأنا عبد من عبيد الله، وخازن
من خزان الله على مقاليد الأرض، فإذا شاء لعبدٍ برزقٍ أنرني فأعطيته، وإذا
حرم عبداً أجرى ذلك على يدي، فسلوا الله قضاء حوائجكم، ونجاح طلباتكم،
وإليه يكون معادكم، ولا يمنعن رجلاً سألني اليومَ فحرمته أن يسألني غداً،
فإنما الأمورُ إلى الله عزَّ وجلَّ وبيده. ولمَّا أتاه خلعُ ابن الأشعث صعد
المنبر فقال:
فيومٌ علينا، واليومٌ لنا ... ويومٌ نُساءُ، ويومٌ نسَرُّ
إن أهل العراق استعجلوا قدري قبل انقضاء أجلي، اللهم لا تسلِّط علينا من هوَ شرُّ منا، ولا تسلطنا على من هو خيرٌ منا. اللهم صب سيف أهل الشام على أهل العراق حتى يبلغوا رضاك، فلا تجاوزه إلى سخطك. فقام عدي بن أرطأة من ناحية المسجد، فقال: إنا والله لا نقول كما قال قوم موسى: " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " ولكن نقاتل معك، ونجاهد المنافقين، فكان أول يوم عرف فيه عدي. وكان عبد الملك يقول: اللحن هجنة على الشريف، والعجب آفة الرأي. وقال اللحن في المنطق أقبح من آثار الجدري في الوجه. وقال على المنبر:لم تنصفونا يا معشر الرعية. تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر، ولم تسيروا في أنفسكم ولا فينا بسيرة أصحاب أبي بكر وعمر، نسأل الله أن يعين كلاًّ على كلٍّ. قال عمرو بن عبيد: كتب عبد الملك وصية بيده، وأمر الناس بتدبر ما فيها وهي: إن الله جعل لعباده عقولاً عاقبهم بها على معصيته، وأثابهم على طاعته، فالناس بين محسنٍ بنعمة الله عليه، ومسيء بخذلان الله إياه، ولله النعمة على المحسن والحجة على المسيء، فما أولى بمن تمت عليه النعمة في نفسه، ورأى العبرة في غيره، بأن يضع الدنيا حيث وضعها الله، فيعطي ما عليه منها ولا يكترث بما ليس له فيها، فإن الدنيا دار فناءٍ ولا سبيل إلى بقائها. ولابد من لقاء الله، فأحذِّركم الله الذي حذركم نفسه، وأوصيكم بتعجيل ما أخرته العجزة قبل أن تصيروا إلى الدار التي صاروا إليها، فلا تقدرون فيها على توبة. وليست لكم منها أوبة، وأنا استخلف الله عليكم، وأستخلفه منكم. وأذن يوماً لخاصته، فأخذوا مجالسهم، وأقبل رجلٌ منهم على عيب مصعب بعد قتله، فنظر إليه عبد الملك نظر كراهية، لما قال، ثم قال: أمسك. أما علمت أن من صغر مقتولاً فقد أزرى بقاتله. ولما قتل عمرو بن سعيد أذن للناس أذناً عاماً، فدخلوا عليه - وجثة عمرو في ناحية البيت - فلما أخذوا مجالسهم تكلم عبد الملك فقال: إرموا بأبصاركم نحو مصارع أهل المعصية، واجعلوا سلفهم لمن غبر منكم غظة، ولا تكونوا أغفالاً من حسن الاعتبار، فتنزل بكم جائحة السطوة، وتجوس خلالكم بوادر النقمة، وتطأ رقابكم بثقلها المعصية، فتجعلكم همداً، رفاتاً، وتشتمل عليكم بطون الأرض أمواتاً. وإياي من قول قائلٍ، وسفه جاهل، فإن ما بيني وبينكم أن أسمع النعرة، فأصمم تصميم الحسام المطرور، وأصول صيال الحنق الموتور، إنما هي المصافحة والمكافحة بظبات السيوف، وأسنة الرماح، فتاب تائب، أو هلك خائب، والتوب مقبول، والإحسان مبذول لمن أبصر حظه، وعرف رشده. فانظروا لأنفسكم، وأقبلوا على حظوظكم، وليكن أهل الطاعة منكم يداً على ذوي الجهل من سفهائكم، واستديموا النعمة التي ابتدأتكم برغد عيشها، ونفيس زينتها، فإنكم من ذاك بين قضيتين: عاجل الخفض والدعة، وآجل الجزاء والمثوبة. عصمكم الله من الشيطان، وفتنته ونزغه، وأيدكم بحسن معونته وحفظه. انهضوا - رحمكم الله - لقبض أعطياتكم غير مقطوعة عنكم، ولا ممنوعة منكم، ولا مكدرة عليكم إن شاء الله. قال: فخرج القوم بداراً كلهم يخاف أن تكون السطوة به. سمع عبد الملك شعر عمر بن أبي ربيعة، فقال: بئس الجار الغيور أنت، وكان يقول: حقد السلطان عجز، والأخذ بالقدرة لؤم، والعفو أقرب للتقوى، وأتم للنعمة.
الوليد بن عبد الملك
جاء إليه رجل فقال: عن فلاناً نال منك. قال: أتريد أن تقتص أوتارك من الناس بي؟. وهرب من الطاعون، فقال له رجلٌ: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول: " لن ينفعكم الفرار من الموت أو القتل وإذأً لا تمتعون إلا قليل " فقال الوليد: إنما نريد ذلك القليل. وقال له رجل: عن فلاناً شتمك، فأكب، ثم قال: أراه شتمك. وكان الوليد لحاناً فدخل عليه يوماً رجل من العرب، فقال له الوليد: ما شأنك؟ قال: أود في أنفي واعوجاج. فقال له رجل من أصحابه: إن أمير المؤمنين يقول لك: ما شأنك؟ فقال: كذا وكذا: ودخل إليه آخر فتظلم من ختن له. فقال الوليد: من ختنك؟ فقال: معذر في الحي يا أمير المؤمنين. قال عطاء: قلت للوليد: قال عمرو بن الخطاب: وددت أني سلمت من الخلافة كفافاً لا علي ولا لي. قال: كذبت، الخليفة يقول هذا؟ قلت: أو كذبت؟ قال: فأفلت منه بجريعة الذقن. وقال يوماً: والله لأشفعن للحجاج بن يوسف. وذكر يوماً علياً - رضي الله عنه - على المنبر، فقال: لص بن لص. قال بعضهم: ما أدرى أي أمريه أعجب، لحنه فيما لا يلحن فيه، أو نسبته علياً - رضي الله عنه - إلى اللصوصية، ومر الوليد بمعلم صبيان، فرأى جارية، فقال: ويلك ما هذه الجارية؟ قال: أعلمها القرآن. قال: فليكن الذي يعلمها أصغر منها. ولما استعمل يزيد بن أبي مسلم بعد الحجاج قال: أنا كمن سقط منه درهم فأصاب ديناراً. وسمع يقول على المنبر: عن حدثتكم وكذبتكم فلا طاعة لى عليكم، وإن وعدتكم فأخلفتكم فلا طاعة لي عليكم. قال الجاحظ: فيقول: مثل هذا الكلام ثم يقول لأبيه: يا أمير المؤمنين، قتل أبي فديك. وقال مرة: يا غلام، رد الفرسان الصادان عن الميدان. وكان عبد الملك يقول أضر بالوليد حبنا له، ولم نوجهه إلى البادية، وصلى يوماً فقرأ: " ياليتها كانت القاضية " ، فقال عمر بن عبد العزيز:عليك. وروي عن أبي إسحاق بن قبيصة قال: كانت كتب الوليد تأتينا ملحونة وكذلك كتب محمد أخيه. قال: فقلت لمولى لهم: ما بال كتبكم تأتينا ملحونة، وأنتم أهل الخلافة؟ فأخبره بقولي، فإذا كتاب منه، قد ورد علي: أما بعد، فقد أخبرني فلان بالذي قلت، وما أحسبك تشك أن قريشاً أفصح من الأشعريين. والسلام. ودخل على الوليد شيخان، فقال أحدهما: نجدك تملك عشرين سنة، فقال الآخر:كذبت، بل نجده يملك ستين سنة. قال، فقال الوليد: ما الذي قال هذا لاثٍ بصغري ولا الذي قال هذا يغر مثلي، والله لأجمعن المال جمع من يعيش أبداً، ولأفرقنه تفريق من يموت غداً. وخطب فقال: إن أمير المؤمنين عبد الملك كان يقول: الحجاج جلدة ما بين عيني، ألا وإنه جلدة وجهي كله. ولما مات عبد الملك صعد الوليد المنبر، فجمد الله وأثنى عليه، ثم قال: لم أر مثلها مصيبة ولم أر مثله ثواباً: موت أمير المؤمنين، والخلافة، فإنا لله وإنا إليه راجعون على المصيبة، والحمد لله رب العالمين على النعمة انهضوا فبايعوا على بركة الله. مات لعبد الملك ابن، فجاء الوليد فعزاه، فقال: يا بني، مصيبتي فيك أعظم من مصيبتي بأخيك، متى رأيت ابناً عزى أباه؟ قال: يا أمير المؤمنين، أمي أمرتني بذلك. قال: هو من مشورة النساء. وروي أن الوليد قام على المنبر بعد موت عبد الملك، فقال: يالها من مصيبة ما أفجعها وأعظمها، وأشدها وأوجعها وأغمها موت أمير المؤمنين ويالها نعمة ما أعظم المنة من الله تعالى علي فيها، وأوجب للشكر له بها، خلافته التي سربلتها، فكان أول من عزى نفسه وهنأها بالخلافة. فأقبل غيلان بن مسلمة الثقفي، فسلم عليه بالخلافة ثم قال: أصبحت يا أمير المؤمنين ورثت خير الآباء، وسميت خير الأسماء، وأعطيت أفضل الأشياء فعزم الله لك على الرزية بالصبر، وأعطاك في ذلك نوافل الأجر، وأعانك في حسن ثوابه على الشكر، ثم قضى لعبد الملك بخير القضية، وأنزله المنازل الرضية. فأعجبه كلامه وقال: أثقفي أنت؟ قال: نعم وأحد بني معتب. فسأله: كم هو من العطاء؟ فقال: في مائة دينار. فألحقه بشرف العطاء، فكان أمل من ألحق بشرف العطاء. فقال الوليد: لا تذكروا عمر بن الخطاب على أبوابنا ولا عندنا، فإن ذكره طعن علينا.
سليمان بن عبد الملك
تكلم
وفد بين يدي سليمان فأخطئوا، وتكلم بعدهم رجل فأبلغ. فقال سليمان: كأن
كلامكم بعد كلامه سحابة لبدت عجاجه. وقال: عجبت لهذه الأعاجم، ملكت طول
الدهر، فلمم تحتج إلى العرب، وملكت العرب فلم تستغن عنهم. وتغدى سليمان بن
عبد الملك عند يزيد بن المهلب، فقيل له: صف لنا أحسن ما كان في منزله. قال:
رأيت غلمانه يخدمونه بالإشارة دون القول. وقال: قد أكلنا الطيب، ولبسنا
اللين، وركبنا وامتطينا الفاره العذراء، فلم يبق من لذتي إلا صديق أطرح
بيني وبينه مؤونة التحفظ. سمع سليمان رجلاً من الأعراب في سنة جدبة يقول:
رب العباد مالنا ومالكا؟ ... قد كنت تسقينا فما بدا لكا
أنزل علينا الغيث، لا أبا لكا
فقال
سليمان أشهد أن لا أبا له، ولا ولد له ولا صاحب. قال المبرد: فأخرجه أحسن
مخرج. قال سليمان ليزيد بن المهلب: ثلاث أنكرهن منك، خفك أبيض مثل ثوبك،
ولا يكون خف الرجل مثل ثوبه، وطيبك ظاهر، وطيب الرجل يشم ولا يرى أثره،
وتكثر من مس لحيتك. قال: فغير خفه وطيبه. وقال: ما رأيت عاقلاً بهم أمرٍ
إلا كان معوله على لحيته. وخطب فقال: الحمد لله الذي ما شاء صنع، ومن شاء
رفع، ومن شاء وضع، ومن شاء أعطى ومن شاء منع. إن الدنيا دار غرور، ومنزل
باطل وزينة، تقلب بأهلها، تضحك باكياً، وتبكي ضاحكاً، وتخيف آمناً، وتؤمن
خائفاً، تفقر مثريها، وتقرب مقصيها، ميالة لاعبة بأهلها. عباد الله، اتخذوا
كتاب الله إماماً، وارضوا به حكماً، واجعلوه لكم قائداً، فإنه ناسخ لما
كان قبله، ولن ينسخه كتاب بعده. اعلموا عباد الله: أن هذا القرآن يجلو كيد
الشيطان وضغائنه، كما يجلو ضوء الصبح إذا تنفس أدبار الليل إذا عسعس. وكان
سليمان يقول: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث يفخم اللحن كما يفخم نافع بن
جبير الإعراب. وجمع بين الزهري وقتادة، فغلب قتادة الزهري، فقيل لسليمان
في ذلك، فقال: إنه فقيه مليح. وقيل: كان أول كلام بارع سمع من سليمان قوله:
الكلام فيما يعنيك خيرٌ من السكوت عما يضرك، والسكوت عما يغنيك خير من
الكلام عما يضرك. وقال: قد ركبنا الفاره وتبطنا الحسناء، ولبسنا اللين،
وأكلنا، الطيب حتى أجمناه، وما أنا اليوم إلى شيء بأحوج مني إلى جليس يضع
عني مئونة التحفظ. وروي عن قحذمٍ قال: فعل سليمان في غداةٍ ما لم يفعل عمر
بن عبد العزيز، أطلق ثمانين ألف أسير وكتب أن يبتتوا أي: يزودوا، والبتات:
الزاد.
يزيد بن عبد الملك
كتب إليه عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس يستأذنه في غلامٍ يهديه إليه، فكتب إليه يزيد: إن كنت لا بد فاعلاً فليكن جميلاً ظريفاً لبيباً أديباً كاتباً، فقيهاً حلواً، عاقلاً أميناً سرياً، يقول فيحسن، ويحضر فيزين، ويغيب فيؤمن. فكتب إليه: قد التمست صفة أمير المؤمنين، فلم أجدها إلا في القاسم بن محمد، وقد أبى أهله بيعه.هشام بن عبد الملك
ذكر خالد بن صفوان خالد بن عبد الله القسري عند هشام، فقال هشام: إن خالداً أدلَّ فأمل، وأوجف فأعجف، ولم يترك لأوبة مرجعاً، ولا للصلح موضعاً، وإني لكما قال الشاعر:إذا انصرفت نفسي عن الشيئ لم تكد ... إليه بوجه آخر الدهر تقبل
نهض هشام عن مجلسه مرة، فسقط رداؤه عن منكبه، فتناوله بعض جلسائه، ليرده إلى موضعه، فجذبه هشام من يده، وقال: مهلاً إنا لانتخذ جلساؤنا خولاً. عدت لهشام مع دهائه سقطتان إحداهما: أن الحادي حدا به، فقال:
إن عليك أيها البختي ... أكرم من تمشي به المطي
فقال هشام: صدق. والأخرى: أنه ذكر عنده سليمان بن عبد الملك، فقال: والله لأشكونه يوم القيامة إلى أمير المؤمنين عبد الملك. وقال له مسلمة أخوه: كيف تطمع في الخلافة وأنت بخيل. وأنت جبان؟ قالك لأني حليم وأني عفيف. وسمع هشام قول الكميت:
مبدياً صفحتي على الموقف المع ... لم، بالله قوتي واعتصامي
فقال: شري الترابي. افتتح هشام الصلاة فأرتج عليه فلم يفتح عليه أحد، فقال: " أليس منكم رجل رشيد " . خطب هشام، حين ولي، أول ما خطب، فقال: الحمد لله الذي أنقذني من النار بهذا المقام. فأخبر بذلك محمد بن عمرو، فقال: لكن عمر بن عبد العزيز كان إذا خطب بكى، ثم قال: " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به " . وكان سعيد بن هشام زانياً يتعرض للنساء، فأخبر بذلك أبوه، فقال: أيزني القرشي؟ إنما مثلك يأخذ مال هذا، ويعطيه هذا، ويقتل هذا. ولما أراد هشام أن ينزل الرصافة قيل له: لا تخرج، فإن الخلفاء لا يظعنون، ولم نر خليفة ظعن، فقال: أنتم تريدون أن تجربوا بي، ونزل الرصافة وهي برية. وقال: إنا نستعمل الرجل، فنظن به خيراً، فنكشفه عن خير، فما رأينا خيره دون امتحان، ولا تبينا دون تجربة. وذكر أنه وجد لهشام اثنا عشر ألف قميص قد أثر بها كلها. وحج هشام، فلقيته قريش، فنظر إليها الأبرش الكلبي فعجب لجمالها ومنطقها، فقال هشام: إنه والله رب فحل كريم خطر على هجمانها.
الوليد بن يزيد
أتي هشام بعود، فقال للوليد: ما هذا؟ قال: خشب يشقق ثم يرقق، ثم يلصق ثم تعلق عليه أوتار فينطق فتضرب الكرام رؤوسها بالحيطان سروراً به. وما في المجلس أحدق إلا وهو يعلم منه ما أعلمه، وأنت أولهم يا أمير المؤمنين. وقد قيل: إن هذا الكلام هو للوليد بن مسعدة الفزاري مع عبد الله بن مروان. وحكى بعضهم قال: رأيت هشام بن عبد الملك يوم توفي مسلمة بن عبد الملك إذا طلع الوليد وهو نشوان يجر مطرف خز، فوقف على هشام، فقال: يا أمير المؤمنين، إن عقبي من بقي لحوق بمن مضى، وقد أقفر بعد مسلمة الصيد لمن رمى، واختل الثغر فوهى، وعلى إثر من سلف يمضي من خلف، فتزودوا، فإن خير الزاد التقوى. قال: فأعرض هشام ولم يحر جواباً ووجم الناس. وقال: يا بني أمية، إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر. فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء رقية الزناء وإني لأقول ذلك فيه على أنه أحب إلي من كل لذة، وأشهى إلى نفسي من الماء إلى ذي الغلة. ولكن الحق أحق أن يقال. وكان الوليد ماجناً خليعاً منهمكاً في اللذات، مشغوفاً بالخمر، والغناء، مطعوناً في دينه. ولما نعي له هشام قال: والله لأعقبن هذة النعمة بشكرة قبل الظهر. وتكلم بعض جلسائه، ومغنية تغنيه، فكره ذلك وضجر، وقال لبعض الحاضرين: قم فنه، فقام وفاكه والناس حضور والوليد يضحك. وذكرت جارية له أنه واقعها وهو سكران، فلما تنحى عنها أذن المؤذن بالصلاة، فحلف ألا يصلي بالناس غيرها، فخرجت متلثمة فصلت بالناس. وقيل: أنه وثب على ابنة له فافترعها، وإنه كان يلوط بأخٍ له كان مليحاً. وقال الوليد البندار: حججت مع الوليد بن يزيد، وهو ولي عهدٍ وكان هشام أراد خلعه، فأخرجه على الموسم، وعلم أنه لا يترك خلاعته ومجونه، فيفتضح عند أهل الحرمين، فيكون ذلك عذراً إذا أراد خلعه، فقلت له لما أراد أن يخطب: أيها الأمير، إن اليوم يوم يشهده الناس من سائر الآفاق، فأريد أن تشرفني بئ. قال: ما هو؟ قلت: إذا علوت المنبر دعوت بي، فيتحدث الناس بذلك، وبأنك أسررت إلي شيئاً. فقال: أفعل. فلما جلس على المنبر قال: الوليد البندار. فقمت، فقال: أدن مني. فدنوت، فأخذ أذني ثم قال لي: الوليد البندار ولد زنى، والوليد بن يزيد ولد زنى. وكل من ترى حولي أولاد زنى. أفهمت؟ قلت: نعم قال: انزل الآن، فنزلت. وقيل: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ثم يجمع جراميزه ويثب، فكأنما خلق على ظهر فرسه، فكان الوليد بن يزيد يفعل مثل ذلك، وفعله مرة وهو ولي عهده ثم أقبل على مسلمة بن هشام: فقال له: أبوك يحسن مثل هذا؟ فال مسلمة: لأبي مائة عبد يحسنون هذا. فقال الناس: لم ينصفه في الجواب. وقال عمرو بن عتبة بن أبي سفيان للوليد: إنك تستنطقني بالأنس بك، وأكفت من ذلك بالهيبة لك، وأراك تأمن أشياء أخافها عليك، فأسكت مطيعاً أو أقول مشفقاً؟ قال: كل ذلك مقبول منك، ولله فينا علمٌ نحن صائرون إليه، ونعود فنقول: قال: فقتل بعد أيام. قال العلاء بن المغيرة البندار: قلت للوليد: إني أريد العراق أفلك حاجة يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، بربط. من صنعة زربي. قال حماد الراوية: دخلت على الوليد بن يزيد وإذا عنده رجلان، فقالا: قد نظرنا فيما أمر به امير المؤمنين، فوجدناه يعيش مؤيداً منصوراً، يزجي له الخراج، وتخلص له قلوب الرعية ثلاثين سنة. قال: فقلت في نفسي: والله لأخدعنه كما خدعاه. فقلت: يا أمير المؤمنين، نحن أعلم بالرواية والآثار، وقد نظرنا في هذا الأمر من قبلهما، فوجدناك تعيش على ما ذكر أربعين سنة. قال: فنكت في الأرض ثم قال: لا ما قال هذان يغرني، ولا ما قلت يبطرني، والله لأجبين المال من حله جباية من يعيش الأبد، ولأصرفنه في حقه صرف من يموت في غد. وقد روي مثل هذا الكلام عن الوليد بن عبد الملك.
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
لما
قتل الوليد بن يزيد قال يزيد خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها
الناس، والله ما خرجت أشراً ولا بطراً، ولا حرصاً على الدنيا، ولا رغبة في
الملك، وما بي إطراء نفسي، وإني لظلوم لنفسي إن لم يرحمني ربي، ولكني خرجت
غضباً لله ولدينه، وداعياً إلى الله، وإلى سنة نبيه، لما هدمت معالم
الهدى، وأطفئ نور أهل التقوى، وظهر الجبار العنيد، المستحل لكل حرمة،
والراكب لكل بدعة، مع أنه والله ما كان يؤمن بيوم الحساب، وإنه لابن عمي في
النسب، وكفئي في الحسب. فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمري، وسألته ألا
يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهل ولايتي، حتى أراح الله منه
العباد، وطهر منه البلاد بحول الله وقوته، لا بحولي وقوتي. أيها الناس، إن
لكم علي ألا أضع حجراً على حجرٍ، ولا لبنة على لبنة، ولا أكري نهراً، ولا
أكنز كالاً، ولا أعطيه زوجةٌ ولا ولداً، ولا أنقل مالاً من بلدٍ إلى بلدٍ،
حتى أسد فقر ذلك البلد وخصاصة أهله، بما يغنيهم، فإن فضل نقلته إلى البلد
الذي يليه ممن هو أحوج إليه منه، ولا أجمركم في بعوثكم فأفتنكم، وأفتن
أهليكم، ولا أغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم، ولا أحمل على أهل جزيتكم
ما أجليهم به من بلادهم، وأقطع نسلهم، ولكن عندي أعطياتكم في كل سنة،
وأرزاقكم في كل شهر، حتى تستدر المعيشة بين المسلمين، فيكون أقصاهم
كأدناهم.
فإن أنا وفيت لكم فعليكم السمع والطاعة، وحسن المؤازرة
والمكانفة، وإن أنا لم أوف لكم فلكم أن تخلعوني إلا تستتيبوني، فإن تبت
قبلتم مني. وإن عرفتم أحداً يقوم مقامي ممن يعرف بالصلاح، يعطيكم من نفسه
مثل ما أعطيتكم، فأردتم أن تبايعوه، فأنا أول من بايعه، ودخل في طاعته.
أيها
الناس، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي
ولكم. وخطب فقال: الأمر أمر الله، والطاعة طاعة الله، فأطيعوني بطاعة الله
ما أطعت الله يغفر الله لي ولكم.
وكتب إلى مروان حين تربص ببيعته: أما
بعد، فإني أراك تقدم رجلاً وتؤخر الأخرى، فاعتمد أيتهما شئت، والسلام. وكان
يزيد يتأله، ويظهر النسك، فكان أبوه الوليد إذا ذكر بنيه قال: عبد العزيز
سيدنا، والعباس فارسنا، ويزيد ناسكنا، وروحٌ عالمنا، وبشرٌ فتانا، وعمر
فحلنا، وكان له تسعون ابناً.
مسلمة
قال:عجبت لمن أحفى شعره ثم أعفاه، وقصر شاربه ثم أطاله، أو كان صاحب سراري، فاتخذ المهيرات. وقال: لا أزال في فسحة من أمر الرجل حتى أصطنع عنده يداً، فإذا اصطنعتها لم يكن إلا ربها. ولما حضرته الوفاة أوصى بثلث ماله لأهل الأدب، وقال: صناعة مجفوٌّ أهلها. وكان إذا كثر عليه أصحاب الحوائج وخشي الضجر أمر أن يحضر ندماؤه من أهل الأدب، فيتذاكرون مكارم الناس وجميل طرائفهم ومروءاتهم فيطرب، ويهيج، ثم يقول: ائذنوا لأصحاب الحاجة، فلا يدخل أحد إلا قضى حاجته. وقال هشام: يا أبا سعيد، هل دخلك ذعر قط من حرب شهدتها أو لعدو؟ قال: ما سلمت في ذلك من ذعر ينبه علي حيلة، ولم يغشني فيها ذعر يسلبني رأيي. قال هشام: هذه البسالة. ودخل على معر بن عبد العزيز في مرضه الذي مات فيه، فقال: ألا توصي يا أمير المؤمنين؟ قال: بم أوصي؟ فوالله إن لي من مال. فقال: هذه مائة ألف، مر فيها بما أحبت. قال: أو تقبل؟ قال: نعم. قال: تردها على من أخذتها منه ظلماً. فبكى مسلمة ثم قال: يرحمك الله، لقد ألنت منا قلوباً قاسية، وأبقيت لنا في الصالحين ذكراً. واستبطأ عبد الملك ابنه مسلمة في مسيره إلى الروم، فكتب إليه:لمن الظعائن سيرهن تزحف؟ ... سير السفين إذا تقاعس يجدف
فلما قرأ مسلمة الكتاب، كتب في جوابه:
ومستعجبٌ مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم
وسمع مسلمة رجلاً يتمثل بقول الشاعر، وقد دلي بعض بني مروان في قبره:
ما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قومٍ تهدما
فقال مسلمة: لقد تكلمت بكلمة شيطانٍ، هلا قلت:
إذا مقرم منا ذرا حد نابه ... تخمط فينا ناب آخر مقرم
وقال
رجل عند مسلمة: ما استرحنا من حائك كندة حتى أتانا هذا المزوني، قال
مسلمة: تقول لرجل سار إليه قريعاً قريش، يعني نفسه والعباس بن الوليد. إن
يزيد حاول عظيماً ومات كريماً. وكان مسلمة يقول: الروم أعلم، وفارس أعقل.
وقال: ما حمدت نفسي على ظفرٍ ابتدأته بعجزٍ، ولا لمتها على مكروه ابتدأته
بحزم.
وقال: مروءتان ظاهرتان: الرياش والفصاحة.
مروان بن محمد
دخل عبد الرحمن بن عطية التغلبي على مروان بن محمد، فاستأذنه في تقبيل يده فأعرض عنه، ثم قال له: قد عرف أمير المؤمنين موضعك في قومك، وفضلك في نفسك، وتقبيل اليد من المسلم ذلة، ومن الذمي خديعة، ولا خير لك في أن تنزل بين هاتين.قالوا: كان يأخذ مروان بن محمد كل سنة من الخزانة قباءين، فإذا أخلقهما ردهما إلى الخزانة وأخذ جديدين.
وكان يقال: إن مروان بن محمد هو ابن إبراهيم بن الأشتر وإن أمه كانت أمة لإبراهيم فأصابها محمد بن مروان يوم قتل الأشتر فأخذها من نفله وهي حامل بمروان، فولدته على فراشه، ولذلك قال ابن عباس السفاح: الحمد لله الذي أبدلنا بحمار الجزيرة، وابن أمة النخع، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عبد المطلب.
مروان
كتب إلى بعض الخوارج: إني وإياك كالزجاجة والحجر، إن وقع عليها رضها، وإن وقعت عليه فضها.قال الأصمعي: لما ولي مروان الخلافة أرسل إلى ابن رغبان - الذي نسب إليه بعد ذلك مسجد ابن رغبان - ليوليه؛ فرأى له سجادةً مثل ركبة البعير، فقال: يا هذا؛ إن كان ما بك من عبادةٍ فما يحل لنا أن نشغلك. وإن كان من رياءٍ فما يحل لنا أن نستعملك.
قال عبد الحميد: تعلمت البلاغة من مروان، أمرني أن أكتب في حاجة فكتبت على قدر الموسع، فقال لي: اكتب ما أقول لك: بسم الله الرحمن الرحيم أما آن للحرمة أن ترعى، وللدين أن يقضى، وللموافقة أن تتوخى ووقع إلى عاملٍ بالكوفة: حاب علية الناس في كلامك، وسو بينهم وبين السفلة في أحكامك.
قالوا: وإنما لقب بالحمار لأن أصحاب أبي مسلم لما خرجوا كانوا حمارةً، فكان الواحد إذا استعجل حماره يقول: هر مروان. هس، مروان، فلما ظفروا به استمر به اللقب.
ويعرف بالجعدي، لأنه نسب إلى رأي الجعد بن درهم وزيره، وكان زنديقاً، فكان مروان يعير بأنه على رأيه، ثم إن مروان قتله وصلبه، وبالجعد هذا يعير كل زنديق، قال دعبل:
قل لعبد الرقيب قل: ربي الل ... ه فإن قالها فليس بجعدي
قال عمر بن مروان: عرض أبي بظهر الكوفة ثمانين ألف عربي، ثم قال بعد أن وثق في نفسه بكثرة العدد والعدد: إذا انقضت المدة لم تغن العدة ولا العدة.
قال بعض القرشيين: وفد على مروان بن محمد - وقد تولى الخلافة - ونزل حران قال: فتوالت على بابه الوفود، فخرج إلينا آذنه، فقال: أمير المؤمنين يغسل ثيابه، فمن أراد أن يقيم فليقم، ومن أراد أن ينصرف فلينصرف. فجعل الناس يعجبون من ذلك، ولم يبرح أحد. قال: وخرج من عنده رجل برمح فنصبه على سقفه، وجعل يراعي الشمس، فلما مالت أذن، ولما أذن خرج علينا رجل أزرق أشقر، بخده أثر، فلما نظر إليه عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد قال: أهو هذا أعضه الله ببظر أمه؟ قال: وهو والله يسمعه، فأبده النظر ومر إلى الصلاة، فلما قضاها استدبر القبلة بظهره وأقبل علينا بوجهه، فقال لكاتبه: أمعك أسماء هؤلاء؟ قال: نعم، ودفع إليه قرطاساً، فوقع تحت اسم كل رجلٍ بعشرة آلاف درهم، ولا والله ما عاقبه على ما سمع منه. وكان يقال: لو ذهبت دولة بني مروان على يد غير مروان لقال الناس: لو كان مروان ما ذهبت.
كان أهل حمصٍ ينادون مروان في حصارهم: يا بن مصعب، فيقول: شريف كريم، وينادون: يا بن الأشتر، يا بن زربي، فيقول: خلطتم. وذلك أنه قيل في أمه: إنها كانت لمصعب، وقيل: بل كانت لخباز يقال له: زربي.
وناداه رجل من الخوارج، فقال: يا بن طنفسة. يريد: زربي.
الباب الثالث
كلام الخلفاء من بني هاشم
السفاح
رفع بعض السعاة إليه قصة بسعاية على بعض عماله، فوقع فيها: هذه نصيحة لم يرد بها ما عند الله، ونحن فلا نقبل قول من آثرنا على الله.ومن كلامه: إن من أدنياء الناس ووضعائهم من عد البخل حزماً، والحلم ذلاً.
ومنه:
إذا عظمت المقدرة قلت الشهوة، وقل تبرع إلا ومعه حق مضاع. ومنه:إذا كان
الحلم مفسدة كان العفو معجزة، والصبر حسن إلا على ما أوتغ الدين، وأوهن
السلطان. والأناة محمودةٌ إلا عند إمكان الفرصة. قالوا: كلم المنصور أبا
العباس في محمد بن عبد الله بن حسن وأهله، فقال: يا أمير المؤمنين، آنسهم
بالإحسان، فإن استوحشوا فالشر يصلح ما عجز عنه الخير، ولا تدع محمداً يمرح
في أعنة العقوق. فقال: يا أبا جعفر؛ إنا كذلك. ومن شدد نفر، ومن لان تألف،
والتغافل من سجايا الكرام، وأحسن ما قال أعشى وائل:
يغضي عن العوراء، لو ... لا الحلم غيرها انتصاره
وكان
يقول: إن المقدرة تصغر الأمنية، لقد كنا نستكثر أموراً، فأصبحنا نستقلها
لأخس من صحبنا، ثم نسجد شكراً. دخل أبو نخيلة الحماني على أبي العباس،
وعنده إسحاق بن مسلم العقلي، فأنشده أرجوزة يمدحه فيها، ويذكر بني أمية،
ويقول فيها: أين أبو الورد؟ وأين الكوثر؟ وأين مروان؟ وأين الأشقر؟ فقال
إسحاق: في حر أم أبي نخيلة العاهرة؟ فقال أبو العباس: أتقول هذا لشاعرنا؟
قال: قد سمعته يقول لأعدائكم فيكم ما هو أعظم من هذا، فقال زياد بن عبيد
الله الحارثي: يا أمير المؤمنين، خذ للرجل بحقه، فقال له أبو العباس: ما
أغفلك يا خال أترى قيساً تسلم سيدها وشيخها حتى يحد؟ قال: فما يصنعون؟ قال:
يجيئ لألف منهم فيشهدون أن أم أبي نخيلة كانت عاهرة كما قال إسحاق، فتجلب
على الرجل بلاءً عظيماً. وخطب بعد قيامه بأيام بالكوفة، فقال: الحمد لله رب
العالمين، وصلى الله على ملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين. " يا أيها
الذين آمنوا أوفوا بالعقود " . ما أعدكم شيئاً، ولا أوعدكم إلا وفيت بالوعد
والإيعاد. والله لأعملن اللين حتى لا تنفع إلا الشدة، ولأغمدن سيفي إلا في
إقامة الحد، أو بلوغ حق، ولأعطين حتى أرى العطية ضياعاً. إن أهل بيت
اللعنة والشجرة الملعونة في القرآن كانوا لكم عذاباً، لا تدفعون معهم من
حالة إلا إلى أشد منها، ولا يلي عليكم منهم والٍ إلا تمنيتم من كان قبله،
وإن كان لا خير في جميعهم. منعوكم من الصلاة في أوقاتها، وطالبوكم بأدائها
في غير ميقاتها، وأخذوا المدبر بالمقبل، والجار بالجار، وسلطوا شراركم على
خياركم. فقد محق الله جورهم، وأزهق باطلهم، وأصلح بأهل نبيكم ما أفسدوا
منكم. فما نؤخر لكم عطاءاً ولا نضيع لأحدٍ منكم حقاً، ولا نجمركم في بعثٍ،
ولا نخاطر بكم في قتال، ولا نبذلكم دون أنفسنا، والله علي شهيد بالوفاء
والاجتهاد، وعليكم بالسمع والطاعة. ووقع إلى كاتب جنده وقد شغبوا عليه
بالأنبار: بلغ المفترين عني، أبرمتم بأعجاركم، أم عظمت نعمة الله عليكم في
دينكم ودنياكم؟ فلا تكونوا عظة العقلاء، وزرية الجهلاء، فتحبط أعمالكم،
وتخيب آمالكم، والعطاء غير مؤخر عن وقته إن شاء الله. ودخل عليه عبد الله
بن حسن بن حسن، ومعه مصحف، فقال: يا أمير المؤمنين، أعطنا حقنا الذي جعله
الله لنا في هذا المصحف. وكان المجلس غاصاً ببني هاشم وغيرهم، فأشفق الناس
من أن يعجل السفاح إليه، أو يعيا بجوابه، فيكون ذلك عاراً عليه. قال: فأقبل
عليه غير مغضب ولا منزعج، فقال: إن جدك علياً كان خيراً مني وأعدل. ولي
هذا الأمر، فأعطى جديك الحسن الحسن والحسين، وكانا خيراً منك شيئاً، وكان
الواجب أن أعطيك مثله فإن كنت قد فعلت فقد أنصفتك، وإن كنت زدتك فما هذا
جزائي منك، فما رد عبد الله جواباً، وانصرف والناس يتعجبون من جزاب السفاح.
المنصور
ذكر يوماً ملوك بني مروان، فقال: كان عبد الملك جباراً لا يبالي ما صنع، وكان الوليد لحاناً مجنوناً، وكان سليمان همه بطنه وفرجه، وكان عمر أعور بين عميان، وكان هشام رجل القوم. لما اتصل به خروج محمد وإبراهيم - رضي الله عنهما - شن عليه درعه، وتقلد سيفه وصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال:مالي أكفكف عن سعدٍ وتشتمني ... ولو شتمت بني سعد لقد سكنوا
جهلاً علينا، وجبناً عن عدو همو ... لبئست الخلتان: الجهل والجبن
أما والله لقد عجزوا عما قمنا به، فما عضوا المكافي، ولا شكروا المنعم. فماذا حاولوا؟ أأشرب رنقاً على غصص، وأبيت منهم على مضض؟ كلا والله أصل ذا رحم حاول قطيعتها، ولئن لم يرض بالعفو ليطلبن مالاً يوجد عندي، فليق ذو نفسٍ على نفسه، قبل أن تمضي عنه، ثم لا يبكى عليه، ولا تذهب ولا تذهب نفسٌ مسرة لما أتاه. وخطب بعد قتله أبا مسلم، فحمد الله، ثم أثنى عليه، ثم قال: أما بعد، أيها الناس، فإنه من نازعنا عروة هذا القميص أوطأناه خبئ هذا الغمد - وأومأ إلى سيفه - وإن عبد الرحمن بايعنا، وبايع لنا على أنه من نكث بنا فقد حل دمه، ثم نكث بنا، فحكمنا فيه لأنفسنا حكمه على غيره لنا، ولم تمنعنا رعاية الحق له من إقامة الحد عليه. وروي أنه قال: أيها الناس، لا تنفروا أطراف النعمة بقلة الشكر، فتحل بكم النقمة، ولا تسروا غش الأئمة، فإن أحداً لايسر منكم إلاظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه، وطوالع نظره، وإنا لا نجهل حقوقكم ما عرفتم حقنا، ولا ننسى الإحسان إليكم ما ذكرتم فضلنا، ومن نازعنا هذا القميص أوطأنا أم رأسه خبئ هذا الغمد. أهوى هشام بن عروة إلى يده ليقبلها، فقال له: يا أبا المنذر، إنا نكرمك عنها، ونكرمها عن غيرك. قيل: خلا المنصور مع يزيد بن أسيد، فقال: يا يزيد ما ترى في قتل أبي مسلم؟ قال: أرى يا أمير المؤمنين أن تقتله، وتتقرب إلى الله بدمه، فوالله لا يصفو ملكك، ولا تهنأ بعيشٍ ما بقي بك عدوك. قال يزيد: فنفر مني نفرة ظننت أنه سيأتي علي، ثم قال:قطع الله لسانك وأشمت بك عدوك، أتشير علي بقتل أنصح الناس لنا، وأثقلهم على عدونا؟ أما والله لولا حفظي ما سلف منك، وأني أعدها هفوة من رأيك لضربت عنقك، قم لا أقام الله رجليك قال يزيد: فقمت وقد أظلم بصري، وتمنيت أن تسيخ الأرض بي. فلما كان بعد قتله بدهر قال لي: يا يزيد، أتذكر يوم شاورتك في أمر العبد؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، وما رأيتني قط ادنى إلى الموت مني يومئذ قال: فوالله لكان ذلك رأيي وما لا أشك فيه، ولكني خشيت أن يظهر ذلك منك، فتفسد علي مكيدتي. قال الربيع: سمعت المنصور يقول: الخلفاء أربعة، والملوك أربعة، فالخلفاء: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على ما نال من عثمان، وما نيل منه أعظم، ولنعم الرجل كان عمر بن عبد العزيز. والملوك: معاوية، وعبد الملك، وهشام، وأنا، ولنعم رجل الحرب كان حمار الجزيرة من رجل لم يكن عليه طابع الخلافة. وقال: من صنع مثل ما صنع إليه فقد كافأ، ومن أضعف كان شكوراً، ومن شكر كان كريماً، ومن علم أنما صنع لنفسه لم يستبطئ الناس في شكرهم، ولم يستزدهم في مودتهم، فلا تلتمس من غيرك شكر ما أسديته إلى نفسك. استأذن سوار قاضي البصرة على المنصور، فأذن له، فدخل وسلم، فقال المنصور: وعليك السلام. أدن أبا عبد الله، فقال: يا أمير المؤمنين، أأدنوا على ما مضى عليه الناس أم على ما أحدثوا؟ فقال: بل على ما مضى عليه الناس، فدنا فصافحه ثم جلس، فقال المنصور: يا أبا عبد الله، قد عزمت على أن أدعو أهل البصرة بسجلاتهم، وأشريتهم، فقال: يا أمير المؤمنين، نشدتك الله ألا تعرض لأهل البصرة. فقال: يا سوار، أبأهلالبصرة تهددني؟ والله لهممت أن أوجه إليهم من يأخذ بأفواه سككهم وطرقهم، ويضع السيف فيهم فلا يرفعه عنهم حتى يفنيهم، فقال: يا أمير المؤمنين، ذهبت إلى غير ما ذهبت إليه، إنما كرهت لك أن تتعرض لدعاء الأرملة واليتيم، والشيخ الكبير الفاني، والحدث الضعيف. فقال: يا أبا عبد الله، أنا للأرملة بعل، ولليتيم أب، وللشيخ أخ، وللحدث الضعيف عم، وإنما أريد أن أنظر في سجلاتهم وأشريتهم لأستخرج ما في أيدي الأغنياء، مما أخذوه بقوتهم وجاههم من حقوق الضعفاء والفقراء. فقال: وفقك الله للخير، وأرشدك لما يحب ويرضى. وقال للمهدي: أشبع العباس بن محمد، فإنك إن لم تشبعه أكلك. كتب إليه صاحب أرمينية: إن الجند شغبوا علي، وطلبوا أرزاقهم، وكسروا أقفال بيت المال، وانتهبوه، فأمر بعزله، ووقع: لوعدلت لم يشغبوا، ولو قويت لم ينهبوا. ووقع في قصة رجل ذكر: أن أمير المؤمنين أمر بأرزاق له، وأن الفضل أبطأ بها: " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها " قال أبو عبيد الله: سمعت المنصور يقول للمهدي حين عقد له: يا بني، استدم النعمة بالشكر، والقدرة بالعفو، والطاعة بالتلف، والنصر بالتواضع، والرحمة من الله
بالرحمة للناس. أتي المنصور برأس بشير الرحال، وكان خرج مع محمد بن عبد الله - رضي الله عنه - فقال له: رحمك الله، لقد كنت أسمع لصدرك همهمة لا يسكنها إلا برد عدل، أو حر سنان. ولما احتضر قال: يا ربيع، بعنا الآخرة بنومة. قال الربيع: لقب أبو جعفر بأبي الدوانيق، لأنه لما أراد حفر الخندق بالكوفة قسط على كل رجل منهم دانق فضة، وأخذه، وصرفه في ذلك، وقيل غير هذا. وقال للمهدي: ليس العاقل من يتحرز من الأمر الذي يقع فيه، حتى يخرج منه، إنما العاقل من يتحرز من الأمر الذي يخشاه، حتى لا يقع فيه. وقال: عقوبة الحكماء التعريض، وعقوبة السفهاء التصريح. كان لسوار القاضي كاتبان: رزق أحدهما أربعون درهماً، والآخر عشرون درهماً، فكتب إلى المنصور يسأله أن يلحق صاحب العشرين بالأربعين، فأجاب بأن يحط من الأربعين عشرة ويزيدها صاحب العشرين حتى يعتدلا. قال السري بن عبد الله: إني لبمكة مع أبي جعفر المنصور والناس يذكرون معناً، وإراقته الدماء باليمن، فقلت: يا أمير المؤمنين غلامٌ من غلمان بني شيبان، ماله عندك يد تأصرك عليه، ولا رحم يعطفك عليه، قال: فبسر في وهي بسرةً تمنيت أن الأرض انشقت لي فدخلت فيها. قال: فمكثت أياماً ثم أتيته، فسألني عن عن تخلفي، فاعتذرت إليه، فقال لي: أتعرف رجلاً كان يصلي عن يمين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخبرته به، ونسبته إلى عثمان، فقال: ما فعل؟ قلت: قتل بقديد. قال: فآخر كان يصلي قريباً منه؟ قلت: نعم، ذاك ابن أخيه. قال: فما فعل؟ قلت: قتل يوم قديد. قال: فآخر كان يصلي في موضع كذا؟ قلت: نعم. ونسبته إلى الزبير. قال: فما فعل؟ قلت: قتل يوم قديد، فما زال يقترع المجالس يذكر فيها رجلاً قريعاً، ويسألني عنه، فأقول: قتل يوم قديد، فقال لي: لا أكثر الله في عشيرتك مثلك. عجزت عن ثأرك أن تطلب به، حتى إذا قام هذا الغلام الشيباني، فإذا بك تنفس عليه الرفعة. قيل: وكان معنٌ يبسط الأنطاع باليمن، ثم يدعو بأبناء اليمانية الذين حضروا قديداً، فيضرب أعناقهم. وكلما ندر رأسٌ عن رقبته قال: يا لثارات قديد. كان المنصور يقول: الملوك تحمل كل شيء إلا ثلاث خلالٍ: إفشاء السر، والتعرض للحرم، والقدح في الملك. وقال: إذا مد عدوك يده إليك فاقطعها إن أمكنك، وإلا فقبلها. وخطب بمكة وقد أمل الناس عطاءه، فقال: أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده، وخازنه على فيئه، أعمل فيه بمشيئته وأقسمه بإرادته، وقد جعلني الله عز وجل قفلاً عليه، إذا شاء أن يفتحني فتحني، وإذا شاء أن يقفلني أقفلني، فارغبوا إلى الله أيها الناس في هذا اليوم الذي عرفكم من فضله ما أنزله في كتابه، فقال جل اسمه: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " ، أن يوفقني للصواب، ويسددني للرشاد، ويلهمني الرأفة بكم، والإحسان إليكم، ويفتحني لأعطياتكم، وقسم أرزاقكم فيكم، إنه قريب مجيب. فقال ابن عياش المنتوف: أحال أمير المؤمنين بالمنع على ربه. خطب المنصور بالكوفة فقال: الحمد لله أحمده، وأستعينه، وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأراد أن يقول: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أذكرك من تذكر به. فقال المنصور: سمعاً سمعاً لمن فهم عن الله، وأعوذ بالله أن أذكر بالله وأنساه، وأن تأخذني العزة بالإثم: " قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين " . وأنت والله ما الله أردت بذلك، ولكن حاولت أن يقال: قام فقال فعوقب فصبر، وأهون بها وبقائلها ولو صمت لكان خيراً له، فاهتبلها إذا غفرتها، وإياكم وأخواتها، فإن الموعظة علينا نزلت، ومن عندنا انبثت، فردوا الأمر إلى أهله يصدروه كما أوردوه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ورجع إلى خطبته. كان يقول: الخلفاء أربعة: أبوبكر وعمر وعثمان وعلي على ما نال من عثمان، ومانيل منه أعطم، ولقد كان عمر بن عبد العزيز إمرأ صدقٍ، والملوك أربعة: معاوية وكفاه زياد، وعبد الملك وكفاه حجاجه، وهشام وكفاه مواليه، وأنا ولا كافي لي. وكان معاوية للحلم والأناة وعبد الملك للإقدام والإحجام، وهشام لوضع الأمور مواضعها، ولقد شاركت عبد الملك في قول كثير:رحمة للناس. أتي المنصور برأس بشير الرحال، وكان خرج مع محمد بن عبد الله - رضي الله عنه - فقال له: رحمك الله، لقد كنت أسمع لصدرك همهمة لا يسكنها إلا برد عدل، أو حر سنان. ولما احتضر قال: يا ربيع، بعنا الآخرة بنومة. قال الربيع: لقب أبو جعفر بأبي الدوانيق، لأنه لما أراد حفر الخندق بالكوفة قسط على كل رجل منهم دانق فضة، وأخذه، وصرفه في ذلك، وقيل غير هذا. وقال للمهدي: ليس العاقل من يتحرز من الأمر الذي يقع فيه، حتى يخرج منه، إنما العاقل من يتحرز من الأمر الذي يخشاه، حتى لا يقع فيه. وقال: عقوبة الحكماء التعريض، وعقوبة السفهاء التصريح. كان لسوار القاضي كاتبان: رزق أحدهما أربعون درهماً، والآخر عشرون درهماً، فكتب إلى المنصور يسأله أن يلحق صاحب العشرين بالأربعين، فأجاب بأن يحط من الأربعين عشرة ويزيدها صاحب العشرين حتى يعتدلا. قال السري بن عبد الله: إني لبمكة مع أبي جعفر المنصور والناس يذكرون معناً، وإراقته الدماء باليمن، فقلت: يا أمير المؤمنين غلامٌ من غلمان بني شيبان، ماله عندك يد تأصرك عليه، ولا رحم يعطفك عليه، قال: فبسر في وهي بسرةً تمنيت أن الأرض انشقت لي فدخلت فيها. قال: فمكثت أياماً ثم أتيته، فسألني عن عن تخلفي، فاعتذرت إليه، فقال لي: أتعرف رجلاً كان يصلي عن يمين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخبرته به، ونسبته إلى عثمان، فقال: ما فعل؟ قلت: قتل بقديد. قال: فآخر كان يصلي قريباً منه؟ قلت: نعم، ذاك ابن أخيه. قال: فما فعل؟ قلت: قتل يوم قديد. قال: فآخر كان يصلي في موضع كذا؟ قلت: نعم. ونسبته إلى الزبير. قال: فما فعل؟ قلت: قتل يوم قديد، فما زال يقترع المجالس يذكر فيها رجلاً قريعاً، ويسألني عنه، فأقول: قتل يوم قديد، فقال لي: لا أكثر الله في عشيرتك مثلك. عجزت عن ثأرك أن تطلب به، حتى إذا قام هذا الغلام الشيباني، فإذا بك تنفس عليه الرفعة. قيل: وكان معنٌ يبسط الأنطاع باليمن، ثم يدعو بأبناء اليمانية الذين حضروا قديداً، فيضرب أعناقهم. وكلما ندر رأسٌ عن رقبته قال: يا لثارات قديد. كان المنصور يقول: الملوك تحمل كل شيء إلا ثلاث خلالٍ: إفشاء السر، والتعرض للحرم، والقدح في الملك. وقال: إذا مد عدوك يده إليك فاقطعها إن أمكنك، وإلا فقبلها. وخطب بمكة وقد أمل الناس عطاءه، فقال: أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده، وخازنه على فيئه، أعمل فيه بمشيئته وأقسمه بإرادته، وقد جعلني الله عز وجل قفلاً عليه، إذا شاء أن يفتحني فتحني، وإذا شاء أن يقفلني أقفلني، فارغبوا إلى الله أيها الناس في هذا اليوم الذي عرفكم من فضله ما أنزله في كتابه، فقال جل اسمه: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " ، أن يوفقني للصواب، ويسددني للرشاد، ويلهمني الرأفة بكم، والإحسان إليكم، ويفتحني لأعطياتكم، وقسم أرزاقكم فيكم، إنه قريب مجيب. فقال ابن عياش المنتوف: أحال أمير المؤمنين بالمنع على ربه. خطب المنصور بالكوفة فقال: الحمد لله أحمده، وأستعينه، وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأراد أن يقول: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أذكرك من تذكر به. فقال المنصور: سمعاً سمعاً لمن فهم عن الله، وأعوذ بالله أن أذكر بالله وأنساه، وأن تأخذني العزة بالإثم: " قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين " . وأنت والله ما الله أردت بذلك، ولكن حاولت أن يقال: قام فقال فعوقب فصبر، وأهون بها وبقائلها ولو صمت لكان خيراً له، فاهتبلها إذا غفرتها، وإياكم وأخواتها، فإن الموعظة علينا نزلت، ومن عندنا انبثت، فردوا الأمر إلى أهله يصدروه كما أوردوه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ورجع إلى خطبته. كان يقول: الخلفاء أربعة: أبوبكر وعمر وعثمان وعلي على ما نال من عثمان، ومانيل منه أعطم، ولقد كان عمر بن عبد العزيز إمرأ صدقٍ، والملوك أربعة: معاوية وكفاه زياد، وعبد الملك وكفاه حجاجه، وهشام وكفاه مواليه، وأنا ولا كافي لي. وكان معاوية للحلم والأناة وعبد الملك للإقدام والإحجام، وهشام لوضع الأمور مواضعها، ولقد شاركت عبد الملك في قول كثير:
يصد ويفضي وهو ليث عرينة ... وإن أمكنته فرصة لا يقيلها
وقال
للمهدي ابنه: يا أبا عبد الله، لا تبرمن أمراً حتى تفكر فيه، فإن فكرة
العاقل مرآة تريه قبيحه وحسنه. وقال له: يا أبا عبد الله، الخليفة لا يصلحه
إلا التقوى، والسلطان لا يقيمه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل،
وأولى الناس بالعفو أقدرهم علة العقوبة، وأنقص الناس مروءة وعقلاً من ظلم
من هو دونه. وقال له الربيع: إن لفلان حقاً، فإن رأيت أن تقضيه فتوليه
ناحية. فقال: يا ربيع، إن لاتصاله بنا حقاً في أموالنا، لا في أعراض
المسلمين ولا أموالهم. إنا لا نولي للحرمة والرعاية، بل للاستحقاق
والكفاية، ولا نؤثر ذا النسب والقرابة على ذي الدراية والكتابة، فمن كان
منكم كما وصفنا شاركناه في أعمالنا، ومن كان عطلاً لم يكن لنا عذر عند
الناس في توليتنا إياه، وكان العذر في تركنا له وفي خاص أموالنا ما يسعه.
وكان يقول: لو عرف إبليس أن أحداً بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل
من علي بن أبي طالب لأغرى الناس بنقضه وحطه عن منزلته. وخطب يوم الجمعة،
فكان مما حفظ من كلامه: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض
يرثها عبادي الصالحون " أمرٌ مبرم وقضاء فصلٌ، والحمد لله الذي أفلج حجته،
وبعداً للقوم الظالمين، الذين اتخذوا الكعبة غرضاً، والفيء إرثاً وجعلوا
القرآن عضين، لقد حاق بهم ما كانوا به يستهزؤون، وكأين ترى من بئر معطلة
وقصرٍ مشيد. أمهلهم الله حين نبذوا القرآن والسنة، واضطهدوا العترة،
واستكبروا وعندوا، وخاب كل جبار عنيد، ثم أخذهم ف " هل تحس منهم من أحدٍ أو
تسمع لهم ركزا " . وكتب إليه زياد بن عبيد الله يسأله الزيادة في أرزاقه،
ويبالغ في الكتاب. فوقع المنصور في كتابه: إن الغنى والبلاغة إذا اجتمعا في
رجلٍ أبطراه، وأمير المؤمنين مشفق عليك، فاكتف بالبلاغة.
؟؟؟؟
المهدي
حكي أن رجلاً أتى باب المهدي، ومعه نعلان، فقال: هما نعلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرف المهدي، فأدخله ووصله، فلما خرج قال المهدي: والله ما هذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أين صارت إليه؟ أبميراثٍ أم بشرى أم بهبة؟ لكني كرهت أن يقال: أهدي إليه نعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقبلها، واستخف بحقها. ولما استخرج أخرج من في السجون، فقيل له: إنما تزري على أبيك، فقال: لا أزري، ولكن أبي حبس بالذنب، وأنا أعفو عنه. وولى الربيع بن أبي الجهم فارس، فقال له: يا ربيع، آثر الحق، والزم القصد، وارفق بالرعية، واعلم أن أعدل الناس من أنصف الناس من نفسه، وأجورهم من ظلمهم لغيره. جزع المهدي على رخيم جاريته جزعاً شديداً، فكان يأتي المقابر ليلاً فيبكي، فبلغ ذلك المنصور، فكتب إليه: كيف ترجو أن أوليك عهد أمة وأنت تجزع على أمة؟ والسلام. فكتب إليه المهدي: يا أمير المؤمنين، إني لم أجزع على قيمتها، وإنما جزعت على شيمتها. والسلام. قالوا: كان المنصور أراد أن يعقد العهد بعد المهدي لابنه صالح المعروف بالمسكين، فوجه إليه المهدي: يا أمير المؤمنين، لا تحملني على قطيعة الرحم، وإن كان لابد من إدخال أخي في هذا الأمر فوله قبلي، فإن هذا الأمر إذا صار إلي أحببت ألا يخرج عن ولدي. وقال لحاجبه الفضل بن الربيع: إني قد وليتك ستر وجهي وكشفه، فلا تجعل الستر بيني وبين خواصي سبب ضغنهم علي بقبح ردك، وعبوس وجهك. وقدم أبناء الدولة، فإنهم أولى بالتقدمة، وثن بالأولياء، واجعل للعامة وقتاً إذا صلوا فيه أعجلهم ضيقه عن التلبث، وحثك لهم عن التمكث. قال الربيع: لما حبس المهدي موسى بن جعفر - رضي الله عنه - رأى في النوم علياً - رضي الله عنه - وهو يقول له: يا محمد، " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " قال الربيع: فأرسل إلي ليلاً فراعني ذلك، وإذا هو يقرأ هذه الآية - وكان أحسن الناس صوتاً - فعرفني خبر الرؤيا. وقال: علي بموسى بن جعفر. فجئته به، فعانقه وأجلسه إلى جانبه، وقال: يا أبا الحسن، إني رأيت أمير المؤمنين - رضي الله عنه - فقرأ علي كذا. أفتؤمنني أت تخرج علي، أو على أحدٍ من ولدي؟ فقال: والله ما ذاك شأني. فقال: صدقت يا ربيع، أعطه ثلاثة آلاف دينار، ورده إلى أهله بالمدينة. قال الربيع: فأحكمت أثره ليلاً فلما أصبح كان على الطريق خوف العوائق. ودخل العتبي على المهدي فعزاه في أبيه. وهنأه بالخلافة، فاستحسن كلامه وسال عنه، فقيل: هو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فقال: أوبقي من أحجارهم ما أرى؟ قيل: كان المهدي يصلي الصلوات كلها في المسجد الجامع بالبصرة لما قدمها، فأقيمت الصلاة يوماً، فقال أعرابي: يا أمير المؤمنين لست على طهر، وقد رغبت إلى الله في الصلاة خلفك، فأمر هؤلاء أن ينتظروني، فقال: انتظروه رحمكم الله، ودخل المحراب، فوقف إلى أن أقبل، وقيل له: قد جاء الرجل، فعجب الناس من سماحة أخلاقه. هاجت ريح سوداء في أيام المهدي، فرؤي وهو ساجد يقول: اللهم لا تشمت بنا أعداءنا من الأمم، واحفظ فينا دعوة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وإن كنت أخذت العامة بذنبي فهذه ناصيتي بيدك. وكان المهدي يحب الحمام، فأدخل عليه غياث بن إبراهيم، فقيل له: حدث أمير المؤمنين وكان قد بلغه استهتار المهدي بالحمام، فقال: حدثني فلان عن فلان عن أبي هريرة - رفعه - أنه قال: " لا سبق إلا في حافر أو نصل أو جناح " فأمر له بعشرة آلاف درهم فلما قام. قال المهدي، وهو ينظر في قفا غياث: أشهد أن قفاك كذاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما استجلبت ذلك أنا، وأمر بالحمام فذبحت.
الهادي
اعتلت أمه الخيزران، فأراد الركوب إليها، فقال عمر بن بزيع ألا أدلك على ما هو انفع من عيادتها، وأجلب لعافيتها؟ قال: بلى. قال: تجلس للمظالم، فقد احتاج الناس إلى ذلك، فرجع وجلس ووجه إليها: إني أردتك اليوم، فعرض من حق الله ما هو أوجب، فملت إليه، وأنا أجيئك في غدٍ إن شاء الله. قال سعيد بن سلم الباهلي صلى بنا الهادي صلاة الغداة فقرأ: " عم يتساءلون " فلما بلغ قوله تعالى: " ألم نجعل الأرض مهاداً " أرتج عليه، فرددها ولم يجسر أحدٌ أن يفتح عليه لهيبته، وكان أهيب الناس، فعلم ذلك فقرأ: " أليس منكم رجل رشيد " ففتحنا عليه، وكنا نعد من محاسنه. وعزى إبراهيم بن سلم عن ابن له، وقد اشتد جزعه عليه، فقال: سرك وهو بلية وفتنة، ويحزنك وهو ثواب ورحمة. وقال لأمه الخيزران حين ولي الخلافة: إن الأمر والنهي لا يبلغه قدر النساء، فلا تخرجن من خفر الكفاية إلى بذلة التدبير، اختمري بخمرتك، وعليك بسبحتك ولا علمتك تعديت ذلك إلى تكليف يضرك، وتعنيف يلزمك، ولك بعد هذا علي الطاعة التي أوجبها الله لك في غير كفر ولا مأثم ولا عار. وأنفذ إليها يوماً أرزاً مسموماً، وقال: استطبت هذا، فأنفذته إليك، فاسترابت به ولم تأكله، ودخل بعقب ذلك إليها، فقال لها: هل أكلت الأرز؟ فقالت: نعم. فقال: لو أكلته لكان الأمر بخلاف هذا. متى أفلح خليفة له أم؟. وشهدوا عنده على رجل بأنه شتم قريشاً، وتعدى إلى ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجلس مجلساً أحضر فيه فقهاء أهل زمانه، وأحضر الرجل الشهود وشهدوا، فتغير وجه الهادي، ونكس رأسه، ثم رفعه، فقال: إني سمعت أبي يحدث عن أبيه المنصور عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن العباس قال: " من أراد هوان قريش أهانه الله " وأنت يا عدو الله، لم ترض بأن أردت ذلك من قريش حتى تخطيت إلى ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . اضربوا عنقه فقتل.
الرشيد
قال لحاجبه: احجب عني من إذا قعد أطال، وإذا سأل أحال، ولا تستخفن بذي الحرمة، وقدم أبناء الدعوة0 عرض له رجل وهو يطوف بالبيت، فقال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أكلمك بكلام فيه خشونة فاحتمله لي. قال: لا، ولا كرامة، قد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، فقال: " فقولا له قولاً لينا " ولما احتضر قال: وا حيائي من رسول الله. ودعا بعبد الملك بن صالح وعنده ولاة عهده وقواد جنده، فجيئ به وهو يرسف في قيده، فلما مثل بين يدي الرشيد. قال الرشيد:أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
والله لكأني أنظر إلى شؤبوبها وقد همع، وإلى عارضها وقد لمع، وإلى الوعيد قد أورى ناراً، فأقلع عن رؤوس بلا غلاصم، ومعاصم بلا براجم، مهلاً مهلاً بني هاشم، فبي سهل لكم الوعر، وصفا لكم الكدر، فنذار نذار من حلول داهية خبوط باليد، لبوط بالرجل. فقال: يا أمير المؤمنين، أأتكلم فذا أو توأماً؟ فقال: بل فذا، فقال: اتق الله يا أمير المؤمنين فيما دلاك، وراقبه فبما استرعاك، ولا تجعل الشكر بموضع الكفر لقول قائل ينهس اللحم، ويلغ الدم، فوالله لقد حددت القلوب على طاعتك، وذللت الرجال لمحبتك، وكنت كما قال أخو بني كلاب.
ومقام ضيق فرجته ... ببياني، ولساني، وجدل
لو يقوم الفيل أو فياله ... زل عن مثل مقامي وزحل
فأمر
به فرد إلى محبسه. ثم قال: لقد دعوت به، وأنا أرى مكان السيف من صليف
قفاه، ثم هأنا قد رثيت له. كتب الرشيد إلى الفضل بن يحيى: أطال الله يا أخي
مدتك، وأدام نعمتك، والله ما منعني من إتيانك إلا التطير من عيادتك، فاعذر
أخاك، فوالله ما قلاك ولا سلاك، ولا استبدل بك سواك. قال الأصمعي: قال لنا
الرشيد ذات يوم: ما التكش عندكم؟ قلت: الذي يتفتى على كبر السن. فقال:
أخطأت. التكش: الذي يشرب على غير سماع. قالوا: رفع صاحب الخبر في أيام
الرشيد أن صاحب الحبس حبس رجلاً يجمع بين الرجال والنساء في منزله، وأنه
سئل عن ذلك، فأقر، وزعم أنه يجمع بينهم بتزويج لا زنية، وبنكاح لا سفاح،
وشهد له بذلك جماعة، وتشفع في بابه قوم من الكتاب والقواد، فلم يطلق. فلما
قرأ الرشيد ذلك استشاط غضباً حتى انكر جلساؤه ذلك، وظنوا أنه سينكل بالرجل،
إلى أن قال: وما سبيلهم على رجل وسع في منزله لصديقه، وأسبل عليه ستره،
وسعى فيما يحل له من لذته؟ وهو بعد مستراح للأحرار، وذوي الشرف ةالأقدار،
ونحن نعلم أن الشريف والسيد، والأديب والأريب قد تكون عنده العقيلة من بنات
عمه، ونساء قومه، وأكفائه، فتحظر عليه شهوته، وتملك عليه أمره، وهي أقبح
من السحر، وأسمج من القرد، وأهر من الكلب، وأشد تعدياً من الليث العادي،
فيريد شراء جارية أو تزوج حرة، فلا يقدر على ذلك لمكانها، حتى يستريح إلى
مثل هذا من الفتيان ويغشى منزل أمثاله من الأحرار، فيجعله سكنه، وينزل به
مهمه، فيساعده على حاجته، ويسعى له فيما يحب من لذته، ويستره بمنزله.
اكتبوا في اطلاقه والسؤال عن حاله فإن كان كما ذكر عنه من الستر وكان
صادقاً فيما حكى عن نفسه ما الفعل أمين على مروءته باكف وينار وأومن من
روعته وعرف ما امرنا به فيه. فقال الجميع: سدد الله رأي أمير المؤمنين
ووفقه. وعاتبته أم جعفر في تقريظه للمأمون، دون محمد ابنها، فدعا
خادماًبحضرته، وقال له: وجه إلى محمد وعبد الله خادمين حصيفين يقولان لكل
واحد منهما على الخلوة: ما يفعل به إذا أفضت الخلافة إليه؟، فأما محمد فإنه
قال للخادم: أقطعك وأعطيك، وأقدمك. وأما المأمون فإنه رمى الخادم بدواة
كانت بين يديه، وقال: يا بن اللخناء، أتسألني عما أفعل بك يوم يموت أمير
المؤمنين، وخليفة رب العالمين؟ إني لأرجو أن نكون جميعاً فداءاً له. فرجعا
بالخبر، فقال الرشيد لأم جعفر: كبف ترين؟ ما أقدم ابنك إلا متابعة لرأيك،
وتركاً للحزم. وسايره يوماً عبد الملك بن صالح، فقام رجل، فقال: يا أمير
المؤمنين، طأطئ من إشرافه، واشدد شكائمه، وإلا أفسد عليك ملكك، فقال
الرشيد: يا عبد الملك، ما هذا؟ قال: حاسد نعمة، ونافس رتبة أغضبه، رضاك عني
وباعده قربك مني، وساءه إحسانك إلي. فقال الرشيد:انخفض القوم وعلوتهم،
فتوقدت في قلوبهم جمرة التأسف، فقال عبد الملك:أضرمها الله بالتزيد عندك،
فقال: هذا لك وهذا لهم. وأنشده إسحاق الموصلي مدحاً له، فقالك لله در
أبياتٍ تجيئ بها ما أحكم أصولها، وأحسن فصولها، وأقل فضولها فقال إسحاق:
هذا الكلام أحسن من شعري. كان الحسن اللؤلؤي يختلف إلى المأمون، يلقي عليه
الفرائض، فدخل عليه ليلة وقد صلى العشاء الآخرة، فجعل يلقي عليه، ونعس
المأمون فأطبق جفنه، فقال الحسن: أنمت أيها الأمير؟ ففتح عينيه وهو إذ ذاك
صبي فقال: عامي والله لم يغذ بالأدب، خذوا بيده ولا تعيدوه إلي. فبلغ ذلك
الرشيد، فتمثل بقول زهير:
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل
وقال
لحاجبه: احجب عني من إذا قعد أطال، وإذا سأل أحال، ولا تستخفن بذي حرمة،
وقدم أبناء الدعوة. وصعد يوماً المنبر وقد شغب الجند، ثم سكنوا بعد إيقاع
بهم، فقال: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على الملائكة المقربين،
والأنبياء أجمعين. أما بعد، فقد كان لكم ذنب، وكان لنا عتب، وكان منكم
اصطلام، وكان منا انتقام، وعندي بعد هذا التنفيس عن المكروبين، والتفريج عن
المغمومين، والإحسان إلى المحسنين، والتغمد لإساءة المسيئين، وألا يكفر
لكم بلاء، ولا يحبس عنكم عطاء، وعلي بذلك الوفاء إن شاء الله. ثم نزل. قال
سعيد بن سلم: كان فهم الرشيد فهم العلماء. أنشده العماني في صفة الفرس:
كأن أذنيه إذا تشوفا ... قادمة أو قلماً محرفا
فقال الرشيد: دع كأن، وقل: تخال أذنيه حتى يستوي الشعر. أنشد النميري الرشيد شعراً يقول فيه:
ليس كأسياف الحسين ولا بني ... حسن، ولا آل الزبير الكلل
فقال
له الرشيد: وما تولعك بذكر القوم لا ينالهم ذم إلا شاطرتهم إياه. قرر ابني
هذا منك وفيك، فلا تعدله، فإنما نفارقهم في الملك وحده، ثم لا افتراق في
شيء بعده. ماتت أمه الخيزران بعد ثلاث سنين من خلافته، وكان غلتها يوم ماتت
مائتي ألف ألف، وستين ألف درهم كل سنة، فاتسع الرشيد بذلك ومات في اليوم
الذي ماتت فيه محمد بن سليمان بالبصرة، وقبض الرشيد ما خلفه من الصامت،
فكان ثلاثة آلاف ألف دينار، ولم يعرض لغير ذلك من أصناف المال. قال الرشيد
يوماً: بلغني أن العامة يظنون بي بغض علي بن أبي طالب. والله ما أحب أحداً
حبي له، ولكن ولده هؤلاء أشد الناس بغضاً لنا، وطعناً علينا، و سعياً في
إفساد ملكنا، بعد أخذنا بثأرهم، ومساهمتنا إياهم ماحوينا، حتى إنهم لأميل
إلى بني أمية منهم إلينا، فأما علي وولده لصلبه، وأولاد أولاده، فهم سادة
الأهل، والسابقون إلى الفضل، ولقد حدثني أبي المهدي عن أبيه المنصور بن
محمد بن علي عن أبيه عن ابن العباس أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -
يقول في الحسن والحسين: " من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني " .
وسمعته صلى الله عليه وسلم يقول في فاطمة - رضي الله عنها - : " فاطمة
سيدة نساء العالمين ما خلا مريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم " . قال يزيد بن
مزيد: قال لي الرشيد: ما بقي في العرب من يفتك قلت: وما ذاك يا أمير
المؤمنين؟ فقال: رجل يقتل لي يحيى بن خالد. قال: قلت له: فأنا أقتله وآتيك
برأسه. قال: ليس كذا أريد. إنما أريد أن يقتله رجل فأقتله به. قال: فحدثت
به الفضل بن سهل بمرو، فوجم واغتم. قال الأصمعي قال لي الرشيد في أول يوم
عزم فيه على تأنيسي: يا عبد الملك، أنت أحفظ منا، ونحن أقل منك. لا تعلمنا
في ملا، ولا تسرع إلى تذكيرنا في خلاء، واتركنا حتى نبتدئك بالسؤال، فإذا
بلغت من الجواب قدر استحقاقه فلا تزد، وإياك والبداء إلى تصديقنا، أو شدة
العجب بما يكون منا. وعلمنا من العلم ما نحتاج إليه، على عتبات المنابر،
وفي أعطاف الخطب، وفواصل المخاطبات، ودعنا من رواية حوشي الكلام وغرائب
الأشعار، وإياك وإطالة الحديث إلا أن نستدعي ذلك منك. ومتى رأيتنا صادفين
عن الحق فأرجعنا إليه ما استطعت، من غير تقرير بالخطأ، ولا إضجار يطول
الترداد. قال قلت: أنا إلى حفظ هذا الكلام أحوج مني إلى كثير من البر.
الأمين
قيل
لبعض العلماء: كيف كانت بلاغة الأمين؟ قال: والله لقد أتته الخلافة يوم
الجمعة، فما كان إلا ساعة حتى نودي: الصلاة جامعة، فخرج ورقي المنبر، فحمد
الله، وأثنى عليه. ثم قال: أيها الناس، وخصوصاً يا بني عباس، إن المنون
مراصد ذوي الأنفاس حتم من الله لا يدفع حلوله، ولا ينكر نزوله، فارتجعوا
قلوبكم من الحزن على الماضي إلى السرور بالباقي، تجزون ثواب الصابرين،
وتعطون أجور الشاكرين. فتعجب الناس من جرأته، وبلة ريقه، وشدة عارضته. وكان
المأمون يقول: كان يقول لي الرشيد: وددت لو أن لك بلاغة محمد، وأن علي غرم
كذا وكذا. وذكر أن محمد في صباه كان كثير اللعب، وكان المعلم يلقي عليه في
الكتاب، وعلى المأمون، وكان محمد يلعب ويحفظ، والمأمون ينسى وهو مقبل على
العلم يقصد قصده. ذكر أنه دعا يوماً عبد الله بن أبي عفان ليصطبح، فأبطأ
فلما جاء قال: أظنك أكلت. قال: لا والله. قال: والله لتصدقن. قال: نعم يا
أمير المؤمنين، فدعا بحكاك فحك أضراسه السفلى، فلما ذهب ليحك العليا قال:
يا أمير المؤمنين، دعها لغضبة أخرى، فخلاه. قال الفضل بن مروان: سمعته يقول
في خطبته: الناس جميعاً آمنون إلا أصحاب الأهواء. وقال لكاتب بين يديه: دع
الإطناب، والزم الإيجاز، فإن للإيجاز إفهاماً، كما أن مع الإسهاب
استبهاماً. ولما اشتد طاهر على محمد دخلت عليه أمه أم جعفر باكية، فقال
لها: مه، إنه ليس بجزع النساء وهلعهن تشفى الصدور، وتساس الأمور وللخلافة
سياسة تلين مرة وتخشن أخرى، لا يسعها صدر المراضيع، ولا تحفظ بإضاعة، فإليك
إليك. وكتب محمد إلى طاهر بخطه: إعلم يا طاهر أنه ما قام لنا قائم بحق فتم
لأحدنا أمره إلا كان السيف جزاءه منه، فانظر لنفسك أو دع. فقال طاهر -
وكان قومٌ يضعفون محمداً عنده على من يقول - : إن هذا مضعف مأفون لعنه
الله، لقد قدح بقلبي ناراً من الحذر لا يطفئها أمنٌ أبداً. كان الرشيد أخذ
ضيعة من صالح صاحب المصلى. ودفعها إلى أم جعفر فلما ولي الأمين سأله الفضل
بن الربيع ردها على صالح، فقال: أنا أعوضه ولاأظلم أبي، ولا أعق أمي. قال
بعضهم: كنت واقفاً بين يدي الأمين، فقال لكاتب بين يديه:اكتب بسم الله
الرحمن الرحيم من عبد الله محمد الأمين أمير المؤمنين إلى طاهر بن الحسين
سلامٌ عليك. أما بعد، فإن الأمر قد خرج بيني وبين لأخي إلى هتك الستور،
وكشف الحرم، ولست آمن أن يطمع في هذا الأمر السحيق البعيد، لشتات ألفتنا،
واختلاف كلمتنا، وقد رضيت أن تكتب لي أماناً لأخرج إلى أخي به، فإن تفضل
علي فأهل لذلك، وإن قتلني فمروة كسرت مروة، وصمصامة قطعت صمصامة، ولأن
تفترسني السبع أحب إلي من أن ينبحني الكلاب ودفع الكتاب إلى خادم له وقال
لي: امض معه. فغيرنا إلى طاهر فقال الآن حين انخرم عنه مراقه وفماقه وبقى
مخذولاً: مغلولاً يلوذ بالأمان لا والله أو يجعل في عنقه ساجوراً، ويقول:
هأنذا قد نزلت على حكمك. فقلنا: فما الجواب؟ قال: قد سمعتماه فانصرفا إلى
الأمين، وأخبراه بذلك، فقال: كذب عبد السوء العاض لهن أمه، والله ما أبلى
أوقعت على الموت أو وقع الموت علي. كان الأمين أول من دعي له على المنابر
باللقب، وأول من كتب عنه: من عبد الله محمد الأمين. سمع الأمين الفضل بن
ربيع يتمثل بقول البعيث:
لشتان ما بيني وبين ابن خالد ... أمية في الرزق الذي الله يقسم
يقارع أتراك ابن خاقان ليله ... إلى أن يرى الإصباح، ولا يتلعثم
وآخذها صهباء كالمسك ريحها ... لها أرج في دنها حين ترشم
فقال
له: يا عباسي، لقد علمت ما أردت بتمثلك، أردتني وعبد الله أخي، وأنه يجد
بي وأمزح، وما ضر يزيد لعبه، ولا نفع ابن الزبير تيقظه وجده، وما قضي فهو
كائن، وإلى الله تصير الأمور.
المأمون
قال يوماً لبعض رهطه:يا نطف الخمار، ونزائع الظئورة، وأشباه الخثولة. وذكر أن الكسائي قام إليه يوماً - وهو يعلمه وهو صغيرٌ - فضربه، وقد كان ذلك اليوم صلى ذلك اليوم قاعداً: أما تستحيي أيها الشيخ، تصلي لله قاعداً، وتضربني قائماً. قال بعضهم: قرأت كتاب ذي الرياستين إلى المأمون، وتوقيع المأمون فيه، فإذا في الكتاب بعد الصدر والدعاء: إن قارئاً قرأ البارحة: " وقلن نسوة في المدينة " ، فأنكرنا ذلك عليه، فذكر أن الكسائي أجازه، وكتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فرددنا علم كتاب الله إلى خليفته. قال: وإذا توقيع المأمون فيه: " عمرك الله - ذا الرياستين - طويلاً في طاعته، وجعلك قائماً بأمر دينه، ذاباً عن حريم أمته، إن لكل علم دستوراً، ودستور هذا العلم القرآن، فعليك بقراءته على ما أجمع عليه، ولا تلتفت إلى مختار قولاً ليعقد له رياسة، والسلام. كتب المأمون إلى طاهر لما قتل علي بن عيسى في رسالة طويلة: إنما لك من هذا الأمر موقع السهم من الرمية، والتسديد والرأي، والتدبير لأبي العباس الفضل بن سهل. وكان يقول: إذا رفعت المائدة من بين يده: الحمد لله الذي جعل أرزاقنا فضلاً على أقواتنا. وقال: ما انفتق علي فتق قط إلا وجدت سببه جور العمال. وقال: أهل السوق سفل، والصناع أنذال، والتجار بخلاء، والكتاب ملوك على الناس. وقيل له: ليس في السرف شرف، فقال: ليس في الشرف سرف، وقال يوماً لبعضهم: متى قدمت، قال: بعد غدٍ يا أمير المؤمنين. فقال: بيني وبينك بعد مرحلتان. ورأى المأمون يحيى بن أكثم يحد النظر إلى الواثق - وهو أمرد - فقال: يا أبا محمد، حوالينا ولاعلينا. تنازع أحمد بن أبي خالد وإبراهيم السندي بحضرة المأمون، فقال أحمد: أمير المؤمنين أفضل من آبائه قدراً، وأرفع محلاً. وقال إبراهيم: بل أمير المؤمنين أرفع أهل دهره، ودوين آبائه. فقال المأمون: يا أحمد، إن إبراهيم يبنيني، وأنت تهدمني، وهو يبرم فتل مريرتي، وأنت تنقضني. قال بعضهم: حضرت المأمون وقد قطعت له ثياب خز، فقال: بطنوها بألوان طرزها. ولما احتضر قال: يا من لا يزول ملكه إرحم من زال ملكه. ضرب رجل على سكته، فأمر بحبسه مؤبداً، فلبى في الحبس ليخرج فرفع إليه الخبر فوقع المأمون: أظن هذا الرجل الخائن قصد خلاف نيته في الحج، وأظهر ضد عزيمته، وقد أخطأت استه الحفرة فإذا حرم الحج بسوء تدبيره، فلن يعدم فتوى صادقه من فريضة محكمة، هو محصر وعليه الهدي، فليأخذ بتعجيله ولا يرخص له في بتأخيره. وسمع رجلاً يقول: قلب الله الدنيا فقال المأمون: إذاً تستوي. واختصم بحضرته بصري وكوفي، فقال للبصري: إرمه بآيتيك المد والجزر، ومحمد بن عباد. ودخل إليه يحيى بن الحسين الطالبي، فقال: يا أمير المؤمنين، حيرتني عارفتك، حتى ما أدري كيف أشكرك. قال: فلا عليك، فإن الزيادة في الشكر على الصنيعة ملق، وإن النقص عي، وحسبك أن تبلغ حيث بلغ بك. وقال لعبد الله بن طاهر:تثبت، فإن الله قد قطع عذر العجول، بما مكنه من التثبت، وأوجب عليه الحجة على القلق، بما بصره من فضل الأناة. فقال ابن طاهر: أأكتبه: فقال: نعم. قالوا: لما وجد عمر بن فرح كتاباً من أهل الكرخ إلى علي بن محمد بن جعفر بن محمد - رضي الله عنهم - جاء به إلى المأمون، فقال المأمون: نحن أولى من ستر هذا ولم يشعه. ودعا علي بن محمد، فقال له: قد وقفنا على أمرك، وقد وهبنا ذلك لعلي وفاطمة - رضي الله عنهما - فاذهب، وتخير ما شئت من الذنوب، فإنا نتخير لك مثل ذلك من العفو. رفع الواقدي قصة إليه يشكو غلبة الدين، وقلة الصبر، فوقع المأمون عليها: أنت رجل فيك خلتان: السخاء والحياء، فأما السخاء. فهو الذي أطلق ما في يدك، وأما الحياء فبلغ بك ما أنت عليه، وقد أمرنا لك بمائة ألف درهم. فان كنا أصبنا إرادتك فازدد في بسط يدك وإن كنا فإن كنا لم نصب إرادتك فبجنايتك على نفسك. وأنت كنت حدثتني، وأنت على قضاء الرشيد، عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للزبير: " يا زبير، إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش، ينزل الله للعباد على قدر نفقاتهم، فمن كثر كثر له. ومن قلل قلل له. قال للواقدي: وكنت أنسيت هذا الحديث، فكانت مذاكرته إياي به أعجب إلي من صلته. وقال للمأمون: الطعام لون واحد. فإذا استطبته فاشبع منه. والندمان
واحد، فإذا استطبته فاستزده حتى تقضي وطرك منه. وذكر أن إبراهيم بن المهدي دخل على المأمون، وبين يديه صاع رطب، فقال: أدن فكل. فقال: يا أمير المؤمنين على ما بي؟ وكان وجع العين، فقال: ويحك ولا تهب عينك للرطب. ودخل إليه الطبيب فشكا إليه وجع الأسنان، فقال: يا أمير المؤمنين لا تأكل الرطب ولا تشرب الماء بثلج، فقال: لولاهما ما أردتك. قال بعضهم: رأيت المأمون وقد ضرب غسان بن عباد خمس عشرة درة لإعادته حدثياً على النبيذ. وقال المأمون لمحمد بن يزداد: جئني بمن يكتب بين يدي كتاباً إلى عبد الله بن طاهر، فجاء بسليمان بن وهب، فأملى عليه، ثم نظر إلى خطه فاستجاده. فقال: من تكون يا غلام؟ قال: سليمان بن وهب بن سعيد عبد أمير المؤمنين وابن عبده. قال: وهب بن سعيد الغريق في دجلة؟ قلت: نعم يا سيدي. قال: لله در أبيك ما كان يطفئ ذكاءه إلا دجلة. وقع المأمون في قصة متظلم من أبي عيسى بن الرشيد: " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " . وتظلم إليه قوم من قاضي جبل، وذكروا أنه يعض رؤوس الخصوم، فوقع في قصتهم يشنق إن شاء الله. وقال: من أراد أن يطيب عيشه فليدفع الأيام بالأيام. قال أحمد بن أبي خالد: دخلت على المأمون وهو قائم يصفي نبيذاً، فبادرت لأتولى ذلك، فقال: مه أما أحدٌ يكفيني هذا؟، ولكن مجراه على كبدي، فأحببت أن أتولاه بيدي. قال العباس بن المأمون لغلامه: إن رأيت في الرصافة بقلاً حسناً فاشتر لي منه بنصف درهم. فقال مأمون: أما إذا عرفت أن للدرهم نصفاً فوالله لا أفلحت أبداً. قال يحيى بن أكثم: ماشيت المأمون في بستانة، ويده في يدي، فكان في الظل، وأنا في الشمس. فلما بلغنا ما أردنا. ورجعنا صرت أنا في الفيئ وصار هو في الشمس، فدرت إنا إلى الشمس، فقال: ليس هذا بإنصاف، كما كنت أنا في الفيئ ذاهباً فكن أنت في الفيئ راجعاً. قال المأمون:أقمت زماناً أداري الرشيد في أربعة أشياء: منها أنه كان يزعم أن بغداد أطيب بلاد الله، وكنت أستوبئها. وكان يقول:؟ إن وجدت رجلاً يقدم علي بن أبي طالب على من تقدمه ضربته الحد، وكنت ممن يقدمه. وكان يقول: ضعوا الأموال مواضعها، فإنكم إن صرفتموها عن أهلها و وضعتموها في غيرهم كنت كمن بذر في السباخ، وكان المال عندي بمنزلة الحجارة، وأنسيت الرابعة. قالوا: كانت الرابعة حب الرشيد للفضل بن الربيع، وبغض المأمون له. كان يقول: أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف ألا أوجر عليه ولو عرف الناس مقدار محبتي للعفو لتقربوا إلي بالذنوب. وكان يقول: شرب الماء بالبلح أدعى إلى إخلاص الحمد. وقال الجاحظ: سمعته يقولك الإرجاء دين الملوك. وكان يحب الشطرنج واللعب بها، ويقول: هو لهو فكري. ولم يكن حاذقاً بها، فكان يقولك أنا أدبر أمر الدنيا فأتسع لذلك، وأضيق عن تدبير شبرين في شبرين، وله في الشطرنج شعر معروف. كان العباس ابنه مولعاً بشرى الضياع، والمعتصم أخوه بشرى الغلمان، فكان المأمون إذا رآهما تمثل:د، فإذا استطبته فاستزده حتى تقضي وطرك منه. وذكر أن إبراهيم بن المهدي دخل على المأمون، وبين يديه صاع رطب، فقال: أدن فكل. فقال: يا أمير المؤمنين على ما بي؟ وكان وجع العين، فقال: ويحك ولا تهب عينك للرطب. ودخل إليه الطبيب فشكا إليه وجع الأسنان، فقال: يا أمير المؤمنين لا تأكل الرطب ولا تشرب الماء بثلج، فقال: لولاهما ما أردتك. قال بعضهم: رأيت المأمون وقد ضرب غسان بن عباد خمس عشرة درة لإعادته حدثياً على النبيذ. وقال المأمون لمحمد بن يزداد: جئني بمن يكتب بين يدي كتاباً إلى عبد الله بن طاهر، فجاء بسليمان بن وهب، فأملى عليه، ثم نظر إلى خطه فاستجاده. فقال: من تكون يا غلام؟ قال: سليمان بن وهب بن سعيد عبد أمير المؤمنين وابن عبده. قال: وهب بن سعيد الغريق في دجلة؟ قلت: نعم يا سيدي. قال: لله در أبيك ما كان يطفئ ذكاءه إلا دجلة. وقع المأمون في قصة متظلم من أبي عيسى بن الرشيد: " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " . وتظلم إليه قوم من قاضي جبل، وذكروا أنه يعض رؤوس الخصوم، فوقع في قصتهم يشنق إن شاء الله. وقال: من أراد أن يطيب عيشه فليدفع الأيام بالأيام. قال أحمد بن أبي خالد: دخلت على المأمون وهو قائم يصفي نبيذاً، فبادرت لأتولى ذلك، فقال: مه أما أحدٌ يكفيني هذا؟، ولكن مجراه على كبدي، فأحببت أن أتولاه بيدي. قال العباس بن المأمون لغلامه: إن رأيت في الرصافة بقلاً حسناً فاشتر لي منه بنصف درهم. فقال مأمون: أما إذا عرفت أن للدرهم نصفاً فوالله لا أفلحت أبداً. قال يحيى بن أكثم: ماشيت المأمون في بستانة، ويده في يدي، فكان في الظل، وأنا في الشمس. فلما بلغنا ما أردنا. ورجعنا صرت أنا في الفيئ وصار هو في الشمس، فدرت إنا إلى الشمس، فقال: ليس هذا بإنصاف، كما كنت أنا في الفيئ ذاهباً فكن أنت في الفيئ راجعاً. قال المأمون:أقمت زماناً أداري الرشيد في أربعة أشياء: منها أنه كان يزعم أن بغداد أطيب بلاد الله، وكنت أستوبئها. وكان يقول:؟ إن وجدت رجلاً يقدم علي بن أبي طالب على من تقدمه ضربته الحد، وكنت ممن يقدمه. وكان يقول: ضعوا الأموال مواضعها، فإنكم إن صرفتموها عن أهلها و وضعتموها في غيرهم كنت كمن بذر في السباخ، وكان المال عندي بمنزلة الحجارة، وأنسيت الرابعة. قالوا: كانت الرابعة حب الرشيد للفضل بن الربيع، وبغض المأمون له. كان يقول: أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف ألا أوجر عليه ولو عرف الناس مقدار محبتي للعفو لتقربوا إلي بالذنوب. وكان يقول: شرب الماء بالبلح أدعى إلى إخلاص الحمد. وقال الجاحظ: سمعته يقولك الإرجاء دين الملوك. وكان يحب الشطرنج واللعب بها، ويقول: هو لهو فكري. ولم يكن حاذقاً بها، فكان يقولك أنا أدبر أمر الدنيا فأتسع لذلك، وأضيق عن تدبير شبرين في شبرين، وله في الشطرنج شعر معروف. كان العباس ابنه مولعاً بشرى الضياع، والمعتصم أخوه بشرى الغلمان، فكان المأمون إذا رآهما تمثل:
يبني الرجال، وغيره يبني القرى ... شتان بين قرى وبين الرجال
قلق بكثرة ماله وجياده ... حتى يفرقها على الأبطال
وقيل
له: إن دعبلاً قد هجاك، فقال: من يجسر أن يهجو أبا عباد على خرقه وعجلته
يجسر أن يهجوني. وكان يقول: إذا وضحت الحجة ثقل علي استماع المنازعة فيها.
وحدثه يوماً المدائني، فقالك إن معاوية قال: بنو هاشم أسود واحداً ونحن
أكثر سيداً. فقال المأمون: يا على إنه قد أقر وادعى، فهو في ادعائه خصم،
وفي إقراره مخصوم. قال ابن أبي دواد: سمعته يقول لرجل: إنما هو عذر أو
يمين، وقد وهبتهما لك، فلا تزال تسئ وأحسن، وتذنب وأعفو، حتى يكون العفو هو
الذي يصلحك. وقال له الحسن بن سهل في رجل مذنب: هبخ لي. قال: وكيف لا أهبه
لمن به قدرت عليه. وخطب بمرو - وقد ورد عليه كتاب الأمين يعزيه بالرشيد،
ويحثه على أخذ البيعة له - فقال: إن ثمرة الصبر الأجر، وثمرة الجزع الوزر،
والتسلم لأمر الله جل وعز فائدة جليلة، وتجارة مربحة، والموت حوض مورود،
وكأسٌ مشروبٌ. وقد أتي على خليفتكم - رضي الله عنه - ما أتى على نبيكم صلى
الله عليه وسلم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فما كان إلا عبداً دعي فأجاب،
وأمر فأطاع، وقد سد أمير المؤمنين ثلمته وقام مقامه، وفي أعناقكم من العهد
ما قد عرفتم، فأحسنوا العزاء عن إمامكم الماضي، واغتبطوا بالنعماء بالوفاء
لخليفتكم الباقي. يا أهل خراسان: إن الموت نازل، والأجل طالب، وأمس واعظ،
واليوم مغتنم، وغد منتظر. ثم نزل. وكتب إليه يزيد بن عقال يثني على عبد
الله بن طاهر، فوقع المأمون في كتابه: عبد الله كما ذكرت، وعلى أكثر مما
وصفت. قد حمله أمير المؤمنين فاحتمل، وأثقله فاضطلع. كانوا يسمون أرصاد
السلطان المسالح من السلاح، فكره ذلك المأمون فصيره المصالح من المصلحة.
وقال: إذا أصلح الملك مجلسه، واختار من يجالسه صلح ملكه كله. ورفع أهل
الكوفة قصة إليه يشكون عاملاً، فوقع: عيني تراكم، وقلبي يرعاكم، وأنا مول
عليكم ثقتي ورضاكم. وشغب الجند فرفع ذلك إيه، فوقع: لا يعطون على الشغب،
ولا يحوجون إلى الطلب. وناظر يوماً محمد بن القاسم النوشجاني، فجعل يصدقه
ويفضي له، فقال له المأمون: تنقاد لي إلى ما تظن أنه يسرني، قبل وجوب الحجة
عليك ولو شئت أن أقتسر الأمور بفضل بيان، وطول لسان، وأبهة الخلافة، وسطوة
الرياسة لصدقت وإن كنت كاذباً، وصوبت وإن كنت مخطئاً، وعدلت وإن كنت
جائراً، ولكني لا أرضى إلا بإزالة الشبهة، وغلبة الحجة، وإن شر الملوك
عقلاً، وأسخفهم رأياً من رضي بقولهم: صدق الأمير. وقف أحمد بن أحمد بن عروة
بين يديه، وقد صرفه عن الأهواز، فقال له المأمون: أخربت البلاد، وأهلكت
العباد. فقال: يا أمير المؤمنين، ما تحب أن يفعل الله بك إذا وقفت بين
يديه، وقد قرعك بذنوبك؟ فال: العفو والصفح. قال: فافعل بغيرك ما تختار أن
يفعل بك. قال: قد فعلت. إرجع إلى عملك، فوال مستعطف خير من وال مستأنف.
وتأخر سابق الحاج مرة عن وقته، ثم ورد ورفع قصة، فألحق بنقطة الباء نقطة
أخرى، وجعله سائق الحاج. وقال له رجل: يا أمير المؤمنين، وانظر لعرب الشام
كما نظرت لعجم خراسان. فقال: لأيهم أنظر؟ لقيس؟ فو الله ما أزلتها عن ظهور
خيلها حتى لم يبق لي درهم مروانية عند اضطرارها زبيرية باختيارها. ام
لتميم؟ فوالله ما يعرفون إلا الأكل والغدر، وأما اليمن فالعجم أقرب إلينا
منهم، وما أحبونا قط، وقضاعة مذبذبة في نسبها، شادة حزم دوابها، تنتظر خروج
السفياني لتكون زعمت منه، وأما ربيعة فساخطة على الله منذ بعث نبياً من
مضر، وما خرج اثنان قط إلا كانا ربعيين أو أحدهما، فاغرب قبح الله ما أشرت
إليه. ووقع إلى علي بن هشام وقد شكاه غريم له: ليس له من المروءة إن تكون
آنيتك من ذهب وفضة، ويكون غريمك عارياً، وجارك طاوياً. وكان يقول: أسلم أبو
طالب بقوله:
نصرنا الرسول رسول المليك ... بقضب تلألأ كلمع البروق
وقال المأمون: الرتبة نسب يجمع أهلها، فشريف العرب أولى بشريف العجم من شريف العرب بوضيع العرب، وشريف العجم أولى بشريف العرب من شريف العجم بوضيع العجم، فأشراف الناس طبقة كما أن أوضاعهم طبقة. استقبل الطالبيون المأمون في منصرفه من خراسان إلى العراق في بعض الطريق، يعتذرون مما كان من خروجهم عليه، فقال المأمون: أولنا وأولكم ما تعلمون، وآخرنا وآخركم ما تريدون، وتناسوا ما بين هذين. وركب يوماً فصاح إليه الأنصار، فقال: أين كنتم يوم سقيفة بني ساعدة، والعباس وعلي يريدان نصرتكم؟ فلا تريدوا مني ثواباً. قال يحيى بن أكثم: لما أراد المأمون أن يزوج علي بن موسى، قال لي: يا يحيى تكلم، فهبت أن أقول أنكحت، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنت الحاكم الأكبر وأنت أولى بالكلام، فقال: الحمد لله الذي تصاغرت الأمور لمشيئته، ولا إله إلا الله، إقراراً بربوبيته، صلى الله على محمد عند ذكره. وأم بعد، فإن الله تعالى جعل النكاح سنة للأنام، وفصلاً بين الحلال والحرام، وإني قد زوجت ابنتي أم الفضل من علي بن موسى الرضا، وقد مهرتها عنه أربعمائة درهم. وقال المأمون: تمام النعمة أن تستتم بلزوم شكرها، واول منازل الشكر ألا يتوصل إلى معصية منعم بفضل نعمته. قال أحمد بن أبي دواد: قال لي المأمون: لا يتسطيع الناس أن ينصفوا الملوك من وزرائهم، ولا يستطيعون أن ينظروا بالعدل بين ملوكهم وحماتهم وكفاتهم، وبين صنائعهم وبطانتهم، وذلك أنهم يرون ظاهر حرمة وخدمة، واجتهاد ونصيحة، ويرون إيقاع الملوك بهم ظاهراً، حتى لا يزال الرجل قول: ما أوقع به إلا رغبة في ماله، وإلا رغبة فيما لا تجود النفوس به، أو لعل الحسد والملالة، وشهوة الاستبدال اشتركت في ذلك. وهناك جنايات في صلب الملك، أوفى بعض الحرم لا يستطيع الملك أن يكشف للعامة موضع العورة في الملك، وأن يحتج لتلك العقوبة بما يستحق ذلك الذنب، ولا يستطيع ترك عقابه، لما في ذلك من الفساد على علمه بأن عذره غير مبسوط عند العامة، ولا معروف عند أكثر الخاصة. نزل رجل فعدا بين يديه، فأشار بيده أن حسبك، فقال له بعض من كان بقرب من المأمون: إركب. فقال المأمون: لا يقال لمثل هذا: إركب، إنما يقال له: إنصرف. تحدث المأمون يوماً، فضحك إسحاق بن إبراهيم المصعبي، فقال: يا إسحاق، أوهلك لشرطتي، وتفتح فاك من الضحك؟ خذوا سواده وسيفه، ثم قال: أنت بالشراب أشبه، ضعوا منديلاً على عاتقه، فقال إسحاق: أقلني يا أمير المؤمنين. قال: قد أقلتك، فما ضحك بعدها. قال المأمون: لأن أقتدي بسيرة أنو شروان أحب إلي من أن أقتدي بسيرة عمر بن عبد العزيز، لأن أو شروان كان عنده أن الحق له، وكان عند عمر أن الحق ليس له، وأقام عليه. وقال لعلي بن هشام: يا علي، إياك وهذه الخصال، فإن الملوك، تحتمل كل شئ ما خلاهن: القدح في الملك، وإفشاء السر، والتعرض للحرم. وقال: ليس من توكل المرء إضاعته للحزم، ولا من الحزم إضاعته للتوكل.
المعتصم
لم أقطع المعتصم أشناساً ضياع الحسن بن سهل، وجه الحسن بقبالاتها إلى أشناس، وكتب إليه: قد عرفت رأي أمير المؤمنين في إخلاصك بهذه الضياع، وأحببت ألا تعرض على عقبك عقبى، فأنفذت لك قبالاتها معتداً في قبولكها بإسباغ النعمة علي، وادخار الشكر لدي، ومتقرباً به إلى سيدي أمير المؤمنين، فرأيك في الامتنان علي بقبولها موفقاً إن شاء الله. فلما قرأ الكتاب أنفذه إلى المعتصم، فوقع فيه: ضيم فصبر، وسلب فعذر، فليقابل بالشكر على صبره، وبالإحسان على عذره. وترد عليه ضياعه، ويرفع عنه خراجه. ولا أؤامر فيه إن شاء الله. قال كاتب العباس بن المأمون: لما تقلد المعتصم الخلافة عرضت له، فترجلت، فلما بصر بي، قال: هذا المجلس الذي لم تزل أكره الناس بحلولي به. قال: فتحيرت، ولم أدر ما أقول، ثم عن لي أن قلت: يا أمير المؤمنين، انت تعفو عما تتيقنه، فكيف تعاقب عما تتوهمه؟ قال: فقال: لو أردت عقابك لتركت عتابك. وكان سبب خروجه إلى " سر من رأى " أن غلمان الأتراك كثروا ببغداد فتولعوا بحرم الناس وأولادهم، فاجتمع إليه جماعة منهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما أحد أحب إلينا مجاورة منك، لأنك الإمام والمحامي عن الدين، وقد أفرط غلمانك، فإما منعتهم منا، وإما نقلتهم عنا. فقال:نقلهم لا يكون إلا بنقلي، ولكني أفتقدهم، وأزيل ما شكوتهم. فنظر فإذا الأمر قد زاد وعظم، وخاف أن يقع بينهم حرب، وعاودوه بالشكوى، وقالوا:إن قدرت على نصفتنا، وإلا فتحول عنا. فقال: أتحول وكرامة فرحل إلى سر من رأى، واتخذها داراً. وكان يقول: الفضل بن مروان عصى الله - عز وجل - وأطاعني، فسلطني الله عليه. وذكر أنه كان معه غلام في الكتاب يتعلم معه، فمات الغلام، فقال له الرشيد: يا محمد، مات غلامك. قال: نعم يا سيدي، واستراح من الكتاب فقال الرشيد: وإن الكتاب ليبلغ منك هذا المبلغ، دعوه إلى حيث انتهى، ولا تعلموه شيئاً، فكان يكتب كتاباً ضعيفاً، ويقرأ قراءة ضعيفة. حكي عن الفضل بن مروان أنه قال: والله لقد كان المعتصم مؤيداً من عند الله في أموره كلها، لقد رجع يوماً من محاربة الروم، وقد سهر ليلته و بقي إلى العشاء، ولم يطعم ولم يشرب، فدخل إلى المأمون فعرفه خبره، فبينما هو يخاطبه إذ صيح: السلاح السلاح، واستفحل أمر الروم، فقال له المأمون: ارجع يا أبا إسحاق إلى موضعك. فقال: نعم يا أمير المؤمنين. أمضي إلى مضربي وأركب من ثم، فكان المأمون كره هذا منه، ونكس رأسه، واشتد عليه تأخيره لأمره، ففطن المعتصم، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل يقول: " كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى " والله لقد رأيتني ومالي من الدواب إلا أربع، ومن الغلمان إلا أربعة، وإني لأقف على باب الحسن بن سهل سائر يومي، وأتمنى أن يأمرني بأمر أنفذ فيه، ولي من كل هذا اليوم ألوف بتفضل أمير المؤمنين، وهو يأمرني بأمر فيه شرفي فأشترط عليه. أنا أمضي من وجهي هذا على هيئتي هذه. فضحك المأمون وقال: أدن إلي، فدنا فقبل بين عينيه، ودعا له بالظفر، وخرج. قال بعضهم: سمعت المعتصم يقول: إذا نصر الهوى بطل الرأي. وقال لأحمد بن أبي دواد لما كان من لتياث العباس بن المأمون ما كان: يا أبا عبد الله، أكره أن أحبسه فأهتكه، واكره أن أدعه فأهمله. فقال: الحبس أصلح الله أمير المؤمنين، فإن الاعتذار خير من الاغترار. وقيل ما رئي أشد تيقظاً في حرب من المعتصم، كانت الأخبار ترد عليه من أرض بابل إلى " سر من رأى " في ثلاثة أيام على عتاق مضمرة، قد أقام على كل فرسخ فرسخين.
واحتاج الناس في حصار عمورية إلى ماء فمد لهم
حياضاً من أدم عشرة أميال وغير ذلك، مما سنذكر ذلك بعون الله. وقال الفضل
بن مروان: كان المعتصم يختلف إلى علي بن عاصم المحدث، وكنت أمضي معه إليه،
فقال يوماً: حدثنا عمرو بن عبيد وكان قدرياً فقال له المعتصم: يا أبا
الحسن، أما تروي: " أن القدرية مجوس هذه الأمة " ؟ قال: بلى. قال: فلم تروي
عنه؟ قال: لأنه ثقة في الحديث صدوق. قال: فإن المجوسي ثقة في الحديث
صدوقاً فيما يقوله أتروي عنه؟ فقال له علي: أنت شغاب يا أبا إسحاق. وقال:
كتبنا إلى المأمون عن المعتصم بفتح مدينة، فلما قرأنا الكتاب عليه قال: قل
في أوله: وكتابي كتاب منه لخبر، لا معتد بأثر، فزدنا فيه. وقالوا: كان
المعتصم من أشد الناس، وكان يسمى ما بين أصبعيه: السبابة، والوسطى:
المقطرة. واعتمد بها مرة على ساعد إنسان فدقه. وكتب إليه ملك الروم كتاباً
يتهدده فيه، فأمر أن يكتب جوابه، لما قرئ عليه لم يرضه، وقال للكاتب: أكتب.
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فقد قرأت كتابك، والجواب ما ترى لا ما
تسمع. " وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار " . ولما دخل إليه المازيار - وكان
شديد الغيظ عليه - قيل له: لا تعجل عليه، فإن عنده أموالاً جمة، فأنشد بيت
أبي تمام:
إن الأسود أسود الغاب همتهايوم الكريهة في المسلوب لا السلب
ولما
قبض على عجيف، وقتله بعد قتل العباس بن المأمون بمديدة، وقد كان المأمون
قال لعجيف: قد خفت على نفسي فاكتم علي. فوشى به إلى المعتصم فلما حبسه قال
له: اصطنعك المأمون فأفشى إليك كلمة، فلم تحفظها عليه، حتى نممتها إلي. قال
ابن أبي دواد: كان المعتصم يقول لي: يا أبا عبد الله، عض ساعدي بأكثر
قوتك. فأقول: والله يا أمير المؤمنين، ما تطيب نفسي بذلك، فيقول: إنه لا
يضرني فأروم ذلك، فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة، فكيف الأسنان. ويقال: أنه
طعنه بعض الخوارج، وعليه جوشن، فأقام المعتصم ظهره فقصف الرمح. قال إسحاق
الموصلي: سمعته يقول: من طلب الحق بما هو له وعليه أدركه.
الواثق
قيل: إنه لما مات إبراهيم بن المهدي ركب المعتصم حتى صلى عليه، ثم قال الواثق: أقم يا بني حتى تجنه. وقيل: بل لم يصل عليه تحرجاً، وأمر الواثق بالصلاة عليه، فسأل عن وصيته، فوجده قد أمر بمال عظيم أن يفرق على أولاد الصحابة كلهم اولاد علي رضي الله عنه، فقال الواثق: والله لولا طاعة أمير المؤمنين لما وقفت عليه، ولا انتظرت دفنه. ثم انصرف وهو يقول: ينحرف عن شرفه وخير أهله والله لقد دليته في قبره كافراُ، وأمر ففرق في ولد علي - رضي الله عنه - مالاً فاضلاً، فأصاب كل رجل منهم ضعف ما أصاب غيرهم من وصيته. نظر الواثق إلى أحمد بن الخصيب يمشي فتمثل:من الناس إنسانان ديني عليهما ... مليان لو شاءا لقد قضياني
خليلي، أما أم عمرو فمنهما ... وأما عن الأخرى فلا تسلاني
قال فبلغ ذلك سليمان بن وهب، فقال: إنا لله، أحمد بن الخصيب أم عمرو، وأنا الأخرى، فنكبهما بعد أيام. غنى مخارق في مجلس الواثق:
أظلم، إن مصابكم رجل ... أهدى السلم بحبكم؟ ظلم
فغناه رجل فتابعه بعض، وخالفه آخرون، فسأل الواثق عمن بقي من رؤساء النحويين بالبصرة، فذكر له أبو عثمان المازني، قال: فأمر بحملي، وإزاحة علتي فلما وصلت إليه وسلمت قال: ممن الرجل؟ قلت: من بيني مازن. قال: أمن مازن قيس، أم مازن تميم، أم مازن ربيعة، أم مازن اليمن؟ فقلت: من مازن ربيعة. فقال لي: ما اسمك؟ يريد: ما اسمك؟ قال: وهي لغة كثيرة في قومنا، فقلت على القياس: مكر، أي بكر، يا أمير المؤمنين، فضحك وقال: اجلس واطبئن. فجلست، فسألني عن البيت، فأنشدته:
؟؟أظليم، إن مصابكم رجلاً.
فقال: أين خبر إن؟ قلت: ظلم. أما ترى يا أمير المؤمنين أن البيت كله متعلق به، لا معنى له حتى يتم بهذا الحرف، إذا قال:
" أظليم إن مصابكم رجلاً ... أهدى السلام إليكم " .
فكأنه ما قال شيئاً، حتى يقول: ظلم. قال: صدقت. ألك ولد؟ قلت: بنية. قال: فما قالت حين ودعتها؟ قلت: أنشدت شعر الأعشى:
تقول ابنتي حين جد الرحيل ... أرانا سواءً ومن قد يتم
أبانا، فلا رمت من عندنا ... فإنا بخيرٍ إذا لم ترم
قال: فما قلت لها؟ قال: قول جرير:
ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنجاح
فقال:
ثق بالنجاح إن شاء الله. ثم أمر له بألف دينار وكسوة و طيب. وكان الواثق
عالماً بكل شيء، وله صنعة حسنة في الغناء، وكان يسمى المأمون الصغير، لأدبه
وفضله، وكان المأمون يجلسه، وأبوه المعتصم واقف. وكان يقول: يا أبا إسحاق
لا تؤدب هارون، فأنى أرضى أدبه، ولا تعترض عليه في شئ يفعله. قال حمدون: ما
كان في الخلفاء أحلم من الواثق، ولا أصبر على أذى وخلاف. كان يعجبه غناء
أبي حشيشة الطنبوري، فوجد المسدود من ذلك، فكان يبلغه عنه ما يكره،
فيتجاوزه. وكان المسدود قد هجاه ببيتين كانا معه في رقعة، وفي رقعة أخرى
حاجة له يريد أن يرفعها إليه، فناوله رقعة الشعر، وهو يرى أنها رقعة
الحاجة، فقرأها الواثق، فإذا فيها:
من المسدود في الأنف ... إلى المسدود في العين
أنا طبلٌ له شق ... فيا طبلاً بشقين
فلما
قرأ الرقعة علم أنها فيه، فقال للمسدود: قد غلطت بين الرقعتين فاحذر أن
يقع مثل هذا عليك. ما زاده على هذا القول شيئاً، ولا تغير له عما كان عليه.
دخل هارون بن زياد مؤدبه عليه، فأكرمه وأظهر من بره ما شهره به، فقيل له:
يا أمير المؤمنين: من هذا الذي فعلت به ما فعلت؟ قال: هذا أول من فتق لساني
بذكر الله، وأدناني من رحمته. قال يحيى بن أكثم: لم يحسن أحد من خلفاء بني
العباس إلى آل أبي طالب إحسان الواثق، ما مات وفيهم فقير. وقال بعضهم: كنا
في دار الواثق، فرفع إليه أن رجلاً ممن يعطي الجند أرزاقهم سأل بعض الجند
أن يقدمه، وألح عليه فأبى وقال: إني أستشفع عليك. فقال: شفع لك النبي محمد -
صلى الله عليه وسلم - ما شفعته. قال: فرأيت الواثق يرتعد غيظاً، وأمر
بإحضار الرجل فأدخل. فقال للذي قرفه: قل ما قلت في وجهه، فأعاد، فتلوى
الرجل ساعة وأنكر، فقال الواثق: لولا أن في خطأ لفظك إشارة إلى صواب معناك
في الإقرار بالنبوة، واستعظامك، ووضعك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
غاية التمثيل، لمثلت بك، ولكن أبطحوه، فضربه إيتاخ بيده ثمانين سوطاً،
فقال له وهو يضربه: يا أمير المؤمنين، أتضربني بشهادة واحد؟ فقال: والله لو
شهد عليك اثنان لقتلتك، والله لا عملت لي عملاً أبداً. قال الواثق لابن
أبي دواد، وقد رجع من صلاة العيد: هل حفظت من خطبتي شيئاً؟ قال: نعم، قولك
يا أمير المؤمنين: " ومن اتبع عن هواه شرد عن الحق منهاجه، والناصح من نصح
نفسه، وذكر ما سلف من تفريطه، فطهر من نيته، وثاب من غفلته، فورد أجله، وقد
فرغ من زاده لمعاده، فكان من الفائزين " .
المتوكل
قال يزيد المهلبي: أنس بي أمير المؤمنين في سبعة أيامٍ فوق أنس محمدٍ كان بي في سبع سنين. فقال: إنما أنست بك في سبعة أيام لأنس محمد كان بك في سبع سنين.قيل للمتوكل: لم تقلد الحسن بن وهب ديوان الرسائل. قال: أخاف أن يحيض في الديوان. قال علي بن يحيى: تغديت مع المتوكل، فقدم لون كان اشتهاه، فوجد فيه ذبابة، فألقاها وأكل، ثم وجد أخرى وأخرى، فلما رفع من بين يديه قال: أعيدوا علينا هذا اللون غداً، وليكن أقل ذباباً مما هوا اليوم. وكان ولد له تسعة بنين قد سماهم بأسماء الصحابة، فولد له مولود آخر، فقالوا: ما تسميه؟ قال: سموه عبد الرحمن بن عوف. وذكر عنده أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ؛ فقال: لا والله ما ينزل في حلقي. فقال له بعض ندمائه: ولم ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: يقال - والله أعلم - : إنه كان رافضياً. حكى عنه أحمد بن يزيد المهلبي، قال: قال يوماً: يا مهلبي، إن الخلفاء كانت تتصعب على الرعية لتطيعها، وأنا ألين لهم ليحبوني ويطيعوني. قيل: أقبل المتوكل يوماً، فقام الناس من بعيد، ولم يقم المنتصر حتى قرب منه، ففكر المتوكل وتمثل:
هم سمنوا كلباً ليأكل بعضهم ... ولو أخذوا بالحزم لم يسمن الكلب
وقال أحمد بن يزيد: حضرت المتوكل يوماً وعبيد الله بن يحيى يقول له: قد قدمت رسل الطاغية بكتابه، وهو يعظم أمير المؤمنين، ويسميه - إذا ذكره - السيد، وسأل وضع الحرب أربع سنين، وأهدى بقيمة خمسمائة ألف درهم، فبأي شئ تجيبه؟ قال: أجبه بأن رسولهم نهاهم عن الحرب، وأن رسولنا أمرنا بالحرب، ولا سبيل إلى وضعها إلا بإعطاء الجزية، فإن أحب أن أخففها عنهم فعلت. وأعلمه بأني أرق عليه، لأنه بلغني أنه في سن محمد - يعني المنتصر - وأضعف له الهدية، وأكثر له مما يستطرف في بلاده. كان يقول: إني لأكون غضباناً على إنسان، فيبلغني أن الفتح راضٍ عنه فأرضى، وكذلك إن كنت راضياً فبلغني أنه غضبان غضبت. وقال أحمد بن يزيد، قال لي المتوكل يوماً: يا أحمد، ثيابك في رزمة لا في تخت، قلت: كذاك هي. قال: لا تفعل، فإنها في التخت أبقى وأنقى، بان ذلك لي في تكسيرها. قال إبراهيم بن المدبر، قال المتوكل: إذا خرج توقيعي إليك بما فيه مصلحة للناس، ورفق بالرعية فأنقذه، ولا تراجعني فيه، وإذا خرج بما فيه حيف على الرعية فراجعني، فإن قلبي بيد الله عز وجل. بلغ المتوكل أن أحمد بن حمدون النديم يحمل رقاع الفتح إلى خادمه فائز، فأعد له حجاماً، وأوصاه بما يريد، فلما جلس أحمد مع الجلساء قال: يا أحمد، ما جزاء من أفسد غلام فتى؟ قال: تقطع أذنه، فدعا بالحجام، فقطع من أذنه قطعة، وإنما قال له هذا لأنه كان يحدثه كثيراً بحديث الفتيان والعيارين ويتنادر بذلك بين يديه، ثم نفاه إلى بغداد إلى أن كلمه الفتح فيه، فرضي عنه.
المنتصر
قال: لذة العفو أطيب من لذة التشفي؛ وذلك لأن لذة العفو يلحقها حمد العاقبة، ولذة التشفي يلحقها ذم الندم. ولما تمت له البيعة كان أول شئ عمله أن عزل صالح بن علي عن المدينة، وولاها علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد، وقال له: إنما وليتك لتخلفني في بر آل أبي طالب، وضاء حوائجهم، ورفعها إلي، فقد نالتهم جفوة، وخذ هذا المال ففرقه على أقدارهم. فقال له علي بن الحسين: سأبلغ بعون الله رضا أمير المؤمنين، فقال: إذاً تسعد بذلك عند الله وعندي. قال بعضهم: سمعته يوماً وهو يناظر قوماً: والله لا عز وفر باطل، ولو طلع من جبينه القمر، ولا ذل ذو حق، ولو كان العالم عليه. قال بعضهم: سمعت بغا الكبير يقول: ما مشيت بين يدي خليفة أهيب من المنتصر، وقد كان مشيي بين يدي المأمون، والمعتصم، والواثق، والواثق والمتوكل. قال أحمد بن الخطيب: سمعت المنتصر لما عفا عن الشاري يقول: أحسن أفعال القادر العفو، وأقبحها الانتقام.المستعين
قيل: لما جئ بكتاب الخلع إليه، وقيل له: وقع بخطك فيه، أخذ الكتاب فابتدأ ابن أبي الشوارب يملي عليه، فقال له المستعين: أمسك عافاك الله، ثم كتب: أقر أحمد بن محمد ابن أمير المؤمنين المعتصم بالله: " أنه قد بايع أبا عبد الله المعتز بالله، هذه البيعة المنسوخة في هذا الكتاب، موجباً على نفسه كل الشرائط المثبتة فيه، والعهود المؤكدة. وأشهد الله وملائكته على جميع ذلك، وأشهد من حضر، وكفى بالله شهيداً " . قال: فعجب الناس من فهمه وبلاغته. وقال الحسن بن أبي الشوارب: يا أمير المؤمنين، أشهد عليك بما في هذا الكتاب؟ قال: نعم خار الله لك يا أبا العباس.المعتز
قال الزبير: لما وفدت على المتوكل قال لي: أدخل إلى أبي العباس يعني المعتز، فدخلت إليه وهو صبي فحدثته وأنشدته فسألني عن الحجاز وأهله، ثم نهضت لأنصرف فعثرت فسقطت، فقال لي المعتز: يا زبير:كم عثرة لي باللسان عثرتها ... تفرق من بعد اجتماع من لاشمل
يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل
قال أحمد بن وزير البصري: ما رأيت أحسن وجهاً من المعتز ولا أبلغ خطاباً، قال لي لما ولاني القضاء، يا أحمد قد وليتك القضاء وإنما هي الدماء والفروج والأموال ينفذ فيها حكمك ولا يرد أمرك، فاتق الله، وانظر ما أنت صانع. لما جئ إليه بأمان وصيف و بغا من بغداد على دمائهم وأموالهم وأجاز ذلك، وقع بخطه بين الأسطر: خلا ما فيها من حق لمسلم أو معاهد.
المهتدي
كان
يقول: لو لم يكن الزهد في الدنيا، والإيثار للحق، مما لطف الله تعالى لي
فيهما، ووققني لهما، وإني لأرجو بذلك الفوز يوم القيامة، لتصنعت بما أفعله
للناس، لئلا يكون مثل عمر بن عبد العزيز في خلفاء بني أمية، ولا يكون في
خلفاء بني هاشم بعدهم مثله، وهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرب.
قال بعضهم: سمعته يوماً يقول لعيسى بن فرخانشاه: عاون على الخير تسلم، ولا
تجزه فتندم. فقيل له: إن هذا بيت شعرٍ. قال: ما تعمدت ذلك، ولكني رويت قول
الشاعر:
تعاون على الخيرات تظفر، ولا تكن ... على الإثم والعدوان ممن يعاون
وجلس
يوماً للمظالم، فرفع إليه في الكسور، فسأل الكتاب عنها، فأخبر بها، فقال:
معاذ الله أن ألزم الناس ظلماً تقدم العمل به أو تأخر. أسقطوا هذا الظلم،
وهذه الكسور على الناس، فقام الحسن بم مخلد. فقال: إن أسقط أمير المؤمنين
هذا ذهب من مال السلطان في السنة اثنا عشر ألف ألف درهم - ومد بها صوته -
فقال له المهتدي: قد عرفت مذهبك في هذا، وتحريضك الموالي بما ينقص من
أمالهم، وما أمتنع من أن أقيم حقاً لله، وأزيل مظلمة قد تقدمت بها الأيام،
ولو كان في ذلك كل حيف على بيوت الأموال، ولو نظر الموالي أمرك، وأمر
نظرائك لأخذوا منك ما خوفتهم أن يذهب مقداره من أموالهم. فارتعد الحسم
وأبلس، ثم كلم المهتدي بعد ذلك فيه فترجع إليه. وتظلم إليه رجل من بعض
أسبابه، فأحضره، وحكم عليه بما صح عنده، فقام الرجل وشكر، وقال: أنت والله
يا أمير المؤمنين كما قال الأعشى:
حكمتموه، فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الباهر
لا يقبل الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر
فقال
المهتدي: أما أنت فأحسن الله جزاءك، وأما شعر الأعشى فما رويته، ولكني
قرأت اليوم قبل خروجي إلى المجلس قول الله عز وجل: " ونضع الموازين القسط
يوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها،
وكفى بنا حاسبين " فما بقي أحدٌ في المجلس إلا بكى.
المعتمد
قال محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان: بعثني أبي ألى المعتمد في شئ، فقال لي: اجلس. فاستعظمت ذلك، فأعاد، فاعتذرت بأن ذلك لا يجوز، فقال لي: يا محمد، إن أدبك في القبول مني خيرٌ من أدبك في خلافي. وقال يوماً لبعض ندمائه: إذا عدم أهل التفضل، هلك أهل التجمل. قال بعض جلسائه: كنا بين يديه ليلة فحمل عليه النبيذ، فجعل يخفق نعاساً. وقال: لا تبرحوا أنتم، ثم نام مقدار نصف ساعة، وانتبه كأنه ما شرب شيئاً، فقال: أحضروني من الحبس رجلاً يعرف بمنصور الجمال. فأحضر، فقال: مذ كم أنت محبوس؟ فقال: مذ ثلاث سنين. قال: فاصدقني عن خبرك. قال: أنا رجل من أهل الموصل، كان لي جمل أحمل عليه، وأعود بأجرته على عيلتي، فضاق المكسب بالموصل علي، فقلت: أخرج إلى سرمن رأى، فإن العمل ثم أكثر، فخرجت، فلما قربت منها إذا جماعة من الجند قد ظفروا بقوم يقطعون الطريق قد كتب صاحب البريد بخبرهم، وكانوا عشرة، فأعطاهم واحد من العشرة مالاً على أن يطلقوه، فأطلقوه، وأخذوني مكانه، وأخذوا جملي، فسألتهم بالله، وعرفتهم خبري، فأبوا، وحبسوني معهم، فمات بعضهم وأطلق بعضهم، وبقيت وحدي. فقال المعتمد: أحضروني خمسمائة دينار، فجاءوا بها، فقال: ادفعوها إليه. فأخذها، وأجرى له ثلاثين ديناراً في كل شهر، وقال: اجعلوا إليه أمر جمالنا. ثم أقبل علينا، فقال: رأيت الساعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم، فقال: يا أحمد وجه الساعة إلى الحبس، فأخرج منصوراً الجمال فإنه مظلوم، وأحسن إليه، ففعلت ما رأيتم، ونام.المعتضد
حدث
العلاء بن صاعد قال: لما حمل رأس صاحب البصرة ركب المعتضد في جيش لم ير
مثله، فاشتق أسواق بغداد، والرأس بين يديه، فلما صرنا بباب الطاق صاح قوم
من درب من تلك الدروب: رحم الله معاوية، وزاد حتى علت أصواتهم، فتغير وجهه
وقال: أما تسمع يا أبا عيسى؟ ما أعجب هذا ما ذكر معاوية في هذا الأمر؟
والله لقد بلغ أبي الموت، وما أفلت أنا منه إلا بعد مشارفته، ولقينا كل جهد
وبلاء، حتى أرحناهم من عدوهم، وحصنا حرمهم وأموالهم. تركوا أن يترحموا على
العباس، أو عبد الله بن العباس، أو من ولد من الخلفاء، وتركوا الترحم على
أمير المؤمنين علي، وحمزة وجعفر والحسن والحسين، والله لا برحت أو أؤثر في
تأديب هؤلاء أثراً لا يعاودون بعده مثله. ثم أمر بجمع النفاطين لتحريق
الناحية، فقلت: أيها الأمير، هذا من أشرف أيام الإسلام فلا تفسده بجهل غلمة
لا أخلاق لهم، ولم أزل أداريه وأرفق به حتى سار. لما ولى المعتضد حسنت
آثاره، وأمر بالزيادة في المسجد الجامع بالمدينة، وأمر بتسهيل عقبة حلوان.
وأنفق عليها نيفاً وعشرين ألف دينار، وأمر برد المواريث على ذوي الأرحام،
وأخر النيروز، واستبد الخراج إلى وقت إدراك الغلات، وعمر الدنيا، وضبط
الأطراف، وأحسن السياسة. وقيل: إنه أفضت إليه الخلافة وليس في الخزانة إلا
سبعة عشر درهماً زائفة ومات وخلف ما يزيد على عشرين ألف ألف دينار. لما مات
عبيد الله بن سليمان وزيره استعان ابنه القاسم ببدر، ليوليه مكان أبيه
فسأل المعتضد في بابه وألح، فقال: يا أبا النجم، هذه عشرة آلاف ألف دينار
من تركته، خذ نصفها، فقال: يا مولاي، إذا فعلت ما أريد فقد أعطيتني كلها.
فقال: قد أجبتك، فاغد به غداً، فوالله لا يقتلك غيره، فلست أعرف بالقوم
مني، فكان الأمر على ما ظنه وقاله. وقال مرة: يتحدث الناس بأني بخيل، وقد
نصبت لهم بدراً يفرق عليهم ما أجمع، وقد وهبت له منذ أيام عشرة ألاف ألف
درهم، لو أردتها ما تأخر عني منها درهم واحد، ولكني والله لا أحب أن أهب
قليلاً، ولا يحتمل الحال الذي دفعت إليه الكثير. قال: كان الحسن بن زيد
يوجه من طبرستان في كل سنة بمالٍ يفرق على الطالبين سراً، واحتذى ذلك بعده
محمد بن زيد أخوه، فبلغ ذلك المعتضد، فوجه إلى علي بن محمد القطان الذي كان
المال يصل إليه، وقال: لم يبعث هذا سراً؟ الصواب أن يشهر ليرغب الناس في
فعل مثله، ويكثر الدعاء لفاعله. لما قصد المعتضد الأعراب فصار في وسط
بيوتهم، وهوفي عدد يسير حتى لحقه بدر قيل له: لو عرفك الأعراب فأقدموا عليك
كيف كانت تكون حالك، وحال الناس؟ فقال: لو عرفوني لتفرقوا، أما علمتم أن
الرصافية وحدها عشرون ألفاً. قال بعضهم أنشد المعتضد:
وما الأدب الموروث لا در دره ... إذا لم تؤيده بآخر مكتسب
فكان
بعد ذلك إذا رأى هاشمياً لا أدب له ينشد البيت، ويقول: الآداب خير من
الأنساب، والأعمال خيرٌ من الأموال. ولما خرج راعياً إلى الثغر قال: أنا
أرغب الناس في خدمتك على بابك. فقال: أنا فيك ضد اسمك. وقال مرة: عجائب
الدنيا ثلاث، اثنان لايريان، وواحدة ترى، فأما اللتان لا تريان فعنقاء
مغربٍ، والكبريت الأحمر، وأما التي ترى فابن الجصاص. حدث بعض الكتاب قال:
حضرت يوماً دار الموفق فرأيته، وبين يديه أبو العباس ابنه المعتضد بالله،
وهو يقول: قد فرقت الرجال من المستأمنة وغيرهم على راشد، ووصيف، وراغب،
ويأنس، وتركتني لم تضمم إلي منهم أحداً. فقال له الموفق: إن من معك من
الرجال فيه كفاية لك، ولست تحتاج إلى أكثر منهم. فقال له: كأنك استكثرت لي
من معي. والله ما ولد العباس بن عبد المطلب مثلي، ولا يولد له أيضاً. فقال
له أبوه: صدقت. إنك كذلك، ولهذه العلة لم أزدك على ما معك من الرجال.
المكتفي
نظر إلى رأس صاحب الزنج، وقد أخرج إليه من الخزانة، فقال: لعنه الله، فإنه عدا على الأنساب، كما عدا على الأسلاب.المقتدر
حكي أن علي بن عيسى الوزير كتب عنه كتاباً إلى ملك الروم، فلما عرض عليه. قال: فيه موضع يحتاج إلى إصلاح، فسألوه عن ذلك - وكان قد كتب في الكتاب: " إن قربت من أمير المؤمنين قرب منك، وإن بعدت بعد عنك " - فقال: ما حاجتي إلى أن أقرب منه؟ كتبوا: " إن قربت من أمير المؤمنين قربك، وإن بعدت بعدك " . ولم يعرف للمقتدر مثل هذا الكلام، ولا مثل هذه الفطنة، وقد ذكرناه على ما حكي، وهو بكلام غيره من الخلفاء أشبه.
الراضي
لما استوزر ابن البريدي، وهو غائب عن حضرته، وأجابه إلى مقترحاته، قال الراضي كالآنف من طرحه الوزارة على من يشترط فيها: إن الوزارة قطعة من الخلافة، ووهنها وهن الخلافة. واستكتبت الفضل بن جعفر وكان كاتباً من بيت كتابة وكان نائباً عني فحسن أثره، وما نالته مهنة من أصحاب بجكم تضع من الوزارة، فلما توفي نظرت إلى من بالحضرة، فإذا هم من قد عرفت، وإن علقت هذا الاسم بواحد منهم لم يمض عليه أسبوع حتى يسأل ما لا يقدر عليه، ويمتهن كل الإمتهان. فنظرت إلى أن أرفع من اعلمه في الزمان، ممن يسلم من هذا، ويبعد عنه، فلم أجد غير ابن البريدي، فاستكتبته لهذه العلة، وليبقى اسم الوزارة على حال صيانة ورفعة.إبراهيم بن المهدي
كتب إلى أحمد بن يوسف الكاتب: لعن الله زماناً أخرك عمن لا يساوي كله بعضك. وقال محمد بن راشد: سألني إبراهيم بن المهدي عن رجل، فقلت: يساوي فلسين. فقال: زدت في قيمته درهمين. وكتب إلى صديق له: لو عرفت فضل الحسن لتجنبت القبيح وأنا وإياك كما قال زهير:رذي خطلٍ في القول يحسب أنه ... مصيب، فما يلمم به فهو قائله
عبأت له حلمي، وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه، وهو باد مقاتله
ومن إحسان الله إلينا، وإساءتك إلى نفسك أنا صفحنا عما أمكننا، وتناولت ما أعجزك.
فصلٌ له.
لم يبق لنا بعد هذا الحبس شئ نمد أعينننا إليه إلا الله، الذي هو الرجاء قبله ومعه وبعده.
فصل آخر له
أما الصبر فمصير كل ذي مصيبة، غير أن الحازم يقد ذلك عند اللوعة، طلباً للمثوبة، والعاجز يؤخر ذلك إلى السلوة، فيكون مغبوناً نصيب الصابرين ولو أن الثواب الذي جعل الله لنا على الصبر كان لنا على الجزع لكان ذلك أثقل علينا، لأن جزع الإنسان قليل، وصبره طويل، والصبر في أوان الجزع أيسر مئونة من الجزع بعد السلوة، ومع هذا فإن سبيلنا في أنفسنا على ما ملكنا الله منها ألا نقول ولا نفعل ما كان مسخطاً لله، فأما ما يملكه الله من حسن عزاء النفس، فلا نملكه من أنفسنا. وكتب إلى طاهر: زادك الله للحق قضاءاً، وللشكر أداء. بلغني رسول عنك ما لم أزل أعرفه منك، والله يمتعني بك، ويحسن في ذلك عني جزاءك ومع ذلك فإني أظن أني علمتك الشوق، لأني ذكرته لك، فهيجته منك. والسلام.فصل آخر
وما الحق إلا حق الله، فمن أداه فلنفسه، ومن قصر عنه فعليها. نسأل الله أن يعمرنا بالحق، ويصلحنا بالتوفيق ويخصنا بالتقوى.فصل آخر له
وصلني كتابك السار المؤنس؛ فكان أسر طالع إلي، وأحسنه موقعاً مني، إذ كنت أستعلي بعلوك، وأرى نعمتك تنحط إلي، ويتصل بي منها ما يتصل بالأدنين من لحمتك، وحملة شكرك ومظان معروفك، والمقيمين على تأميلك، فلا أعد مني الله ما منحني منك، ولا أزال عني ظلك، ولا أفقدني شخصك. وكتب إلى المأمون: لولا أن يدي أشجع عليه من لساني لشافهته بحاجتي. ولما أدخل على المأمون عند الظفر به سلم عليه، وقال: يا أمير المؤمنين، ولي الثأر محكم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، ومن مد له في الأناة حسن عنده الذنب، وقد جعلك الله فوق كل ذى ذنب كما جعل كل ذي ذنب دونك، فإن عاقبت فبحقك، وإن عفوت فبفضلك. فقال المأمون: يا إبراهيم، إني شاورت العباس ابني، وأبا إسحاق أخي في أمرك، فأشارا علي بقتلك إلا أني وجدت قدرك فوق ذنبك، فكرهت القتل للازم حرمتك. فقال: يا أمير المؤمنين، قد نصح المشير لما جرت به العادة في السياسة، وحياطة الخلافة إلا أنك أبيت أن تطلب النصر إلا من حيث عودته من العفو، فإن عاقبت فلك نظير، وإن عفوت فلا نظير لك، فإن جرمي أعظم من أن أنطق فيه بعذر، وعفو أمير المؤمنين أجل من أن يفي به شكر. فقال المأمون: مات الحقد عند هذا العذر. فاستعبر إبراهيم، فقال المأمون: ما شأنك؟ قال: الندم، إذ كان ذنبي إلى من هذه صفته في الإنعام علي، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إنه وإن بلغ جرمي استحلال دمي فحلم أمير المؤمنين وفضله يبلغاني عفوه، وإن لي لشفعة الإقرار بالذنب وحق العمومة بعد الأب فلا يسقط عن كرمك عمك، ولا يقع دون عفوك عندك. فقال له المأمون: لو لم يكن في حق نسبك حق الصفح عنك لبلغك ما أملت حسن تنصلك، ولطف توصلك. ثم أمره بالجلوس، وقال له: ما البلاغة يا إبراهيم؟ قال: أن يكون معناك يجلي عن مغزاك. فقال المأمون: هذا كلام يشذر بالذهب، لقد أذهب به وغراً كان في صدري عليه.
عبد الله بن المعتز
كتب إلى بعض إخوانه: لو كنت أعلم انك تحب معرفة خبري لم أبخل به عليك، ولو طمعت في جوابك لسألت عن خبرك، ولو رجوت العتبى منك لأكثرت عتابك، ولو ملكت الخواطر لم آذن لنفسي في ذكرك. ولولا أن يضيع وصف الشوق لأطلت به كتابي، ولولا أن عز السلطان يشغلك عني لشغلت به سروري، والسلام. وكتب يذم رجلاً: ذكرت حاجة أبي فلان المكنى ليعرف، لا ليكرم، فلا وصلها الله بالنجاح، ولا يسر بابها للانفتاح، وذكرت عذراً نضح به عن نفسه، فوالله ما نضح عنها لكنه نضح عليها، وأنا والله أصونك عنه، وأنصح لك فيه، فغنه خبيث النية، متلقف للمعايب مقلب للسانه بالملق، شائن بالتخلق وجه الخلق، موجود عند النعمة، مفقود عند الشدة، قد أنس بالمسالة، وضري بالرد، فلا تعق عقلك باختياره، ولا توحش النعمة بإذلالها له. وقال ابن المعتز: الخضاب من شهود الزور. ولعبد الله بن المعتز آداب مجموعة، وحكم تمر أكثرها في كلام المتقدمين، وفيها نوادر من كلام أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه وغيره، وقد اخترت بعضها، وأوردته هذا المكان، فمنها: إعادة الاعتذار تذكير بالذنب في العواقب شاف أو مريح. العقل غريزة تربيها التجارب. النصح بين الملإ تقريع. أقم الرغبة إليك مقام الحرمة بك، وعظم نفسك عن التعظم، وتطول ولا تتطاول.الأمل رفيقٌ مؤنسٌ؛ إن لم يبلغك فقد استمتعت به. لا يقوم عز الغضب بذل الاعتذار. الشفيع جناح الطالب. إن بقيت لم يبق الهم. لا تنكح خاطب سرك. من زاد أدبه على عقله كان كالراعي الضعيف مع غنم كثيرة. الدار الضيقة العمى الأصفر.
إذا هرب الزاهد من الناس فاطلبه، وإذا طلبهم فاهرب منه. النمام جسر الشر. لا تشن وجه العفو بالتقريع. إذا زال المحسود عليه علمت أن الحاسد كان يحسد على غير شيءٍ.
العجر نائمٌ، والحزم يقظان. من تجرأ لك تجرأ عليك. ما عفا عن الذنب من قرع به. أمر المكاره ما لم يحتسب. عبد الشهوة أذل من عبد الرق. لا ينبغي للعاقل أن يطلب طاعة غيره، وطاعة نفسه عليه ممتنعة. الناس نفسان: واجدٌ لا يكتفي، وطالب لا يجد. ذل العزل يضحك من تيه الولاية. كلما كثر خزان الأسرار ازدادت ضياعاً. بشر مال البخيل بحادثٍ أو وارثٍ. الحاسد مغتاظٌ على من لا ذنب له، بخيل بما لم لا يملكه. من أكثر المشورة لم يعدم عند الصواب مادحاً، وعند الخطأ عاذراً. من كثر حقده قل عتابه، وما أكثر من يعاتب ليطلب علة للعفو.
الحازم من لم يشغله البطر بالنعمة عن العمل
للعقبة، والمهم بالحادثة عن الحيلة لدفعها. كلما حسنت نعمة الجاهل ازداد
قبحاً فيها. بالمكاره تظهر حيل العقول.
من قبل عطاءك فقد أعانك على
الكرم، ولولا من يقبل الجود لك يكن من يجود. العالم يعرف الجاهل، لأنه قد
كان جاهلاً، والجاهل لا يعرف العالم، لأنه لم يكن عالماً.
حسبك من عدوك
ذله في قدرتك. إخوان السوء كشجرة النار يحرق بعضها بعضاً. كفى بالظفر
شفيعاً للمذنب إلى الحليم. زلة العالم كانكسار السفينة تغرق ويغرق معها خلق
كثير. أوهن الأعداء كيداً أظهرهم لعداوته. من مدحك بما ليس فيك فحقيق أن
يذمك بما ليس فيك. أبق لرضاك من غضبك، وإذا طرت فقع قريباً. لا تلتبس
بالسلطان في وقت اضطراب الأمور عليه، فإن البحر لا يكاد يسلم صاحبه في حال
سكونه، فكيف لا يهلك مع اختلاف رياحه، واضطراب أمواجه؟ النفس المتفردة بطلب
الرغائب وحدها تهلك. فساد الرعية بلا ملك كفساد الجسم بلا روحٍ. إذا خلي
عنان العقل، ولم يحبس على هوى نفسٍ أو عادة دينٍ أو عصبيةٍ لسلف، ورد
بصاحبه على النجاة.
لا تسرع إلى أرفع موضع في المجلس، فالموضع الذي ترفع
إليه خير من الموضع الذي تحط عنه. إذا زادك الملك تأنيساً فزده إجلالاً.
الغضب يصدئ العقل حتى لا يرى صاحبه فيه صورة حسنٍ فيفعله ولا قبيحٍ
فيجتنبه.
من تكلف مالا يعنيه فاته ما يعنيه. الحاسد يظهر وده في اللقاء،
وبغضه في المغيب، واسمه صديق، ومعناه عدو. السامع للغيبة أحد المغتابين.
لا راحة لحاسد، ولا حياء لحريص. المسئول حر حتى يعد، ومسترق بالوعد حتى
ينجز.
لو تميزت الأشياء كان الكذب مع الجبن، والصدق مع الشجاعة، والراحة من اليأس، والتعب مع الطمع، والحرمان مع الحرص، والذل مع الدين.
المعروف إليك غلٌ لا يفكه عنك إلا شكرٌ أو مكافأة. لم يكتسب مالاً من لا يصلحه كثرة مال. الميت يعزي ورثته عنه.
من
كرمت عليه نفسه هان عليه ماله. من كثر مزاحه لم يسلم من استخفاف به، أو
حقد عليه. كثرة الدين تضطر الصادق إلى الكذب، والمنجز إلى الإخلاف. لن
يستطيع أحد أن يشكر الله تعالى على نعمة بمثل الإنعام بها. عار النصيحة
يكدر لذتها. رب صديق يؤتى من جهله لا من نيته.
أول الغضب جنون، وآخره
ندم. انفرد بسرك، ولا تودعه حازماً فيزل، ولا جاهلاً فيخون. علم الإنسان
ولده المخلد. المعروف رقٌ، والمكافأة عتقٌ؛ ليكن الأنس أغلى أعلاق مودتك،
وأبطأها عرضاً على صديقك.
لا تقطع أخاك إلا بعد عجز الحيلة عن استصلاحه،
ولا تتبعه بعد القطيعة وقيعة فيه، فتسد طريقه عن الرجوع إليك، ولعل
التجارب أن ترده إليك، وتصلحه لك.
من أحس بضعف حيلته عن الاكتساب بخل. الأمانة رأس مال الجاهل. الجاهل صغيرٌ إن وكان شيخاً، والعالم كبير وإن كان حدثاً.
الميت يقل الحسد له، ويكثر الكذب عليه. الحرص ينقص من قدر الإنسان، ولا يزيد في حظه. إذا نزلت بك النعمة فاجعل قراها الشكر.
الفرصة
سريعة الفوت بطيئة العود. أبخل الناس بماله أجودهم بعرضه. لا تعاجل الذنب
بالعقوبة، واجعل بينهما للاعتذار طريقاً. أحرس منزلتك من الفساد عند سلطانك
بمثل ما اكتسبتها به من الجد والمناصحة، واحذر أن يحطك التهاون عما رقاك
إليه التحفظ.
اذكر عند الظلم عدل الله فيك، وعند القدرة قدرة الله عليك.
لا يحملنك الحنق على اقتراف إثم، فتشفي غيظك، وتسقم دينك. الملك بالدين
يبقى، والدين بالملك يقوى. اقبل نصح الشيب وإن عجل. أهل الدنيا كركب يسار
بهم، وهم نيام. غضب الجاهل في قوله، وغضب العاقل في فعله. كأن الحاسد إنما
خلق ليغتاظ. أغن من وليته عن السرقة، فليس تكفيك من لم تكف. عقل الكاتب في
قلمه. يشفيك من الحاسد أنه يغتم في وقت سرورك. اقتص من شهوة خالفت عقلك
بالخلاف عليها.
التواضع سلم الشرف. السخاء حارس العرض من الذم. لا تستقل
شيئاً من زيادة الله لك، فتنفر بقيتها عنك، وقليل يترقي منه إلى كثير خير
من كثير ينحط عنه إلى قليل. لا ترى الجاهل إلا مفرطاً أو مفرطاً.
الكتاب
والج الأبواب، جرئ على الحجاب، مفهم لا يفهم، وناطق لا يتكلم. ما كل من
يحسن وعده يحسن إنجازه. وربما أورد الطمع ولم يصدر، وضمن ولم يف. وربما شرق
شارب الماء قبل ريه. ومن تجاوز الكفاف لم يغنه إكثار. وكلما عظم قدر
المنافس فيه عظمت الفجيعة به. ومن ارتحله الحرص أنضاه الطلب. والأماني تعمي
أعين البصائر. والحظ يأتي من لا يأتيه. وأشقى الناس بالسلطان صاحبه، كما
أن أقرب الأشياء إلى النار أسرعها احتراقاً. ولا يدرك الغني بالسلطان إلا
نفسٌ خائفة، وجسمٌ تعبٌ، ودين منثلم - وإن كان البحر كثير الماء فإنه بعيد
المهوى، ومن شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة، وما أحلى تلقي
النعمة، وأمر عاقبة الفراق. ومن لم يتأمل الأمر بعين عقله لم يقع سيف حيلته
إلا على مقاتله. والتثبت يسهل طريق الرأي إلى الإصابة، والعجلة تضمن
العثرة.
كل مكروهٍ ختم بمحبوبٍ، وانتهى إلى السلامة، فالهم به زائل،
والأجر عليه حاصل. والحوادث الممضة مكسبة لحظوظ جزيلة، منها: ثواب المدخر،
وتطهير من ذنب، وتنبيه من غفلة، وتعريف بقدر المنعم وموزن على مقارعة
الدهر، وفي الشكر درك المزيد وقضاء حق المنعم، ومواقع أقدار الله لك خير من
مواقع آمالك.
بعد العسر يسرٌ، والصبر إلى تفريجٍ. ربما أعقبت السابقة
وأدرك المنضى ومن ولج في النائبة صابراً خرج منها مثقفاً. إياك والتقصير،
وتمني كل التيسير، ولا تدع الظلم يستمر بك إذا أظلك، وأعلم أن الظالم سريع
الوثبة قريب العثرة. ومن لم يعدل عدل الله فيه، ومن حكم لنفسه حكم الله
عليه.
لما عرف أهل النقص حالهم عند أهل الكمال استعانوا بالكبر ليعظم
صغيراً، ويرفع حقيراً وليس بفاعل. إن الله يمتحن بالإنعام عليك، فأفد من
فائدته، واستمد فضلك من فضله.
بكرم الله نبلغ الكرم، ومن نعمه حمد
المنعم، وهو المتغمد للذنوب في عفوه، والناشر على الخطائين جناح ستره،
الكاشف الضر بيده التي بالعدل عاقبت، والمجيب للدعاء برحمته التي بالتوفيق
أنطقت، والجواد بما كان في قدرته، والمنعم قبل الاستحقاق لنعمته، كم سيئة
قد أخفاها حلمه حتى دخلت في عفوه، وحسنة ضاعفها فضله حتى عظمت عليها
مجازاته.
إنما يعرف اليقين بالله من التقوى.
الناس وفد البلى، وسكان
الثري، ورهن المنايا. أنفاس الحي خطاه إلى أجله، وأمله خادع له عن عمله،
والدنيا أكذب واعديه، والنفس أقرب أعاديه، والموت ناظرٌ إليه وينتظر فيه
أمراً لا يعييه.
على قدر إخلاصك الشكر تزيد عندك النعم، ويسرع إليك المرجو.
إن
أمر الله ونهيه ما وقعا إلا على خير في الدنيا قبل الآخرة ندب إليه، أو شر
في الدنيا قبل الآخرة حذر منه، ثم وعد بالثواب على طاعتهم له، فيما فيه
صلاح أحوالهم تفضلاً منه وامتناناً، ولو كان الله تبارك وتعالى لم ينزل
كتاباً ولم يرسل رسولاً، ثم أجمع أهل الأرض على اختيار الأمور تصلحهم، وتشد
نظامهم، وتنفي مكروه العواقب عنهم، وتجمع الكلمة، وتديم الألفة، ليكون آية
لأفعالهم لا يخالفونها، ولا يستبدلون بها، لم يكنك إلا أمر الله ورسله،
ولو أجمعوا على الاجتناب لأمور تدعو إلى الفرقة، وترشح أطفال الضغائن، وتدب
عقارب الشر، وتسفك الدماء، وتشظي العصا، وتنقض الحبل، وتشتت الشمل، لم يكن
إلا نهي الله عنه ورسله.
لا يزال الإخوان يسافرون في المودة حتى يبلغوا
الثقة، فتطمئن الدار، وتقبل وفود التناصح، وتؤمن خبايا الضمائر، وتلقى
ملابس التخلق، وتخل عقد التحفظ. لولا الخطايا أشرق نور الفؤاد.
هي الدنيا تعير وتستعير، ومن لم يصبر اختياراً صبر اضطراراً. العاقل لا يستقبل النعمة ببطر، ولا يودعها بجزع.
الدنيا
تطرق بطرقة نقمة، وتنبه برائع نجعه، وتجرع ثكلها كأساً مرة، تقتل معترضة،
وتعترض متنكرة، وتقفي بالرضاع، وتنشئ العظام، وتلدح الأعمار، وتنشر الآمال،
وتفيد لتكيد، وتسر لتغر، وبهذا الخلق عرفت، وعلى هذا الشرط صوحبت.
الأمور
وإن كانت مقدرة فمن تقدير الله في أكثر ما جربنا أن يكون المحتال أقرب إلى
المأمول، وأبعد من المحذور، من المفرط في الأمور، المستسلم للخطوب، المؤخر
لاستعمال الحزم.
إن الله يبتدئ بمواهب الدنيا، فإذا استرجعها كانت
مواهب الآخرة. من عظمت النعمة عليه كثرت الرغبة إليه، فاستجلب بالإنعام منك
إنعام الله عليك، واستزد بما تهب ما يهب لك، وعجل إن نويت جوداً، وتأن إن
أردت تمنعاً، ولا تكن ممن ولايته مواعيد، وصرفه اعتذار.
العقل كشجرة
أصلها غزيرة، وفرعها تجربة، وثمرتها حمد العاقبة، وما أبين وجوه الخير
والشر في مرآة العقل إن لم يصدئها الهوى. ما ذل قوم حتى ضعفوا، وما ضعفوا
حتى تفرقوا، وما تفرقوا حتى اختلفوا، وما اختلفوا حتى تباغضوا، وما تباغضوا
حتى تحاسدوا، وما تحاسدوا حتى استأثر بعضهم على بعض.
تناول الفرصة
الممكنة، ولا تنتظر غداً، ومن لغد من حادث بكفيل؟ ما أقل من يحمده المطالب،
ويستقل به العاثر، ويرضي عنه السائل وما زالت أم الكرم نزوراً، وأم اللؤم
ولوداً. وأكثر الواجدين من لا يجود، وأكثر الأجاود من لا يجد. وما كل من
يورق بوعد يثمر بإنجاز.
ولا بد لمن افتقرت حياته إلى المادة، وعهد بقاؤه
إلى المطعم والمشرب من يضطر إلى السعي، ويحفز إلى الطلب، فينجح مرة، ويكدي
أخرى، وقد قرن الرزق بسببه، والعيش بالتماس مصلحته وبذل الافتقار.
ما كل هفوةٍ تعد ذنباً، ولا كل إنكار يستحق أن يسمى عتباً.
إخوان
السوء ينصرفون عند النكبة، ويقبلون مع النعمة، ومن شأنهم التوسل بالإخلاص
والمحبة، إلى أن يظفروا بالأنس والثقة، ثم يوكلون الأعين بالأفعال،
والأسماع بالأقوال؛ فإن رأوا خيراً ونالوه لم يذكروه ولم يشكروه، وعملوا
على أنهم خدعوا صاحبهم وقمروه؛ وإن رأوا شراً أو ظنوه أذاعوه ونشروه؛ فإذا
أدمت مواصلتهم فهو الداء المماطل، المخوف على المقاتل؛ وإن استرحت إلى
مصارمتهم ادعوا الخبرة بك لطول العشرة؛ فكان كذب حديثهم مصدقاً، وباطله
محققاً.
إنما يقتل الكبار الأعداء الصغار، الذين لا يخافون فيتقون. ولا يؤبه لهم وهم يكيدون.
ما
ينفع ولد الملك من تأديب المؤدبين إياه؟ وهو يغدو ويروح فيراه على خلاف ما
يأمره به المؤدبون، ولم يزل الباطل على نفوس الرجال أخف محملاً، وأحلى
طعماً؛ فكيف الصبيان؟ . المؤدب يأمر الغلام بألا يشتم أحداً، ويتجنب
المحارم، ويحسن خلائقه، ويعلمه من الفقه الأبواب التي لا غنى بمسلم عن
معرفتها، ومن الشعر الشاهد والمثل، ومن الإعراب ما يصلح له لفظه، ومن الغزل
أعفه. وهو يرى أباه في كل ساعةٍ بخلاف ما يؤمر به، وتاركاً لما حض عليه؛
حتى إنه ليستثقل اللفظة تجري في مجلسه بإعراب ويصد عن منشدٍ لبين شعر، ولا
يخاطب غلامه ولا يمازح جليسه إلا بالشتم واللعنة، ولا يحتشم من ورود محرمٍ،
ولا يتقي كبيرةً؛ ثم يراه مع ذلك وقد بلغ غاية آماله من الدنيا؛ فيوشك أن
يحدث نفسه بأن أباه لا يخلو من أن يكون علم ما يسام فاطرحه، ورأى أنه لا
خير فيه، أو لم يعلم شيئاً من ذلك فلم يضره جهله إياه، ولا صرف عنه حظاً من
دنياه، وكلا المعنيين مزهدٌ له في قبول الأدب، ومزينٌ له ترك عنائه، وربح
تعبه فيه.
لا تكاد تصح لكذابٍ رؤيا؛ لأنه يخبر عن نفسه في اليقظة بما لم ير فتريه في النوم ما لا يكون.
لا
يفسدك الظن على صديق قد أصلحك اليقين له. من المحدثين من يحسن أن يسمع
ويستمع، وينفي الإملال ببعض الإقلال، ويزيد إذا استملى من العيون
الاستزادة، ويعرف كيف يفصل ويصل، ويحكي ويشير، فذاك يزين الأدب كما يتزين
بالأدب.
رب ذنبٍ مقدار العقوبة عليه إعلام المذنب له، ولا يجاوز به حد الارتياع إلى الإيقاع.
إن للأزمان المذمومة والمحمودة أعماراً وآجالاً كأعمار الناس وآجالهم؛ فاصبروا لزمان السوء حتى يفنى عمره، ويأتي أجله.
أسباب
فتن النساء ثلاثةٌ: عينٌ ناظرةٌ، وصورةٌ موافقة، وشهوة قادرةٌ؛ فالحكيم من
لم يردد النظرة حتى يعرف حقائق الصورة، ولو أن رجلاً رأى امرأةً فوافقته
ثم طالبها فتأبت عليه، هل كان إلا تاركها؟ فإن تأبى عليه عقله في مطالبتها
كتأبيها عليه في مساعفتها، وقدع نفسه عن لذته، قدع الغيور إياه عن حرمته
سليم.
ينبغي للعاقل أن يغني أولاده في حياته ليؤدبهم في حال الغنى،
ويعلمهم سياسة النعمة، وإلا ظفروا بالغنى بعده وهم جهالٌ به، فلم يكتسبوا
حمده، وأسرعوا للتعري، وحصلوا على ذم الصاحب، وندم العواقب.
اجهل ممن
لا يكتسب الإخوان من ينفقهم. مشاورة الحازم المشفق ظفر، ومشاورة المشفق
غير الحازم خطر. لا يكن فقرك كفراً، وغناك طغياناً. المشورة راحةٌ لك،
وتعبٌ على غيرك.
ما تكاد الظنون تزدحم على أمرٍ مستورٍ إلا كشفته. ينبغي للعاقل أن يكتسب ببعض ماله المحمدة، ويصون ببعضه نفسه عن المسألة.
من
أكثر مذاكرة العلماء لم ينس ما علم، واستفاد ما لم يعلم، خير المعروف ما
لم يتقدمه المطل، ولم يتبعه المن. المعروف كنزٌ فانظر من تودعه. من ترك
العقوبة أغرى بالذنب.
الباب الرابع
كلام جماعة من بني أمية
قال سعيد بن العاص: لا تمازح الشريف؛ فيحقد عليك، ولا الدنيء فيجترئ عليك.ودخل عمرو بن سعيد إلى معاوية فقال له: إلى من أوصى بك أبوك؟ قال: إن أبي أوصى إلي، ولم يوص بي. قال: فبأي شيءٍ أوصاك؟ قال: أوصاني ألا يفقد إخوانه منه إلا وجهه. فقال معاوية لأصحابه: إن ابن سعيدٍ هذا لأشدق.
قال عنبة بن أبي سفيان لمعلم ولده: ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاح نفسك؛ فإن عيونهم معقودةٌ بعينك؛ فالحسن عندهم ما استحسنته، والقبيح ما استقبحته؛ علمهم كتاب الله، وروهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه، ولا تكرههم على علمٍ فيملوه، ولا تدعهم فيهجروه، ولا تخرجهم من علمٍ إلى علمٍ حتى يتقنوه فإن ازدحام العلم في السمع مضلة للفهم؛ وعلمهم سير الحكماء، وهددهم بي، وأدبهم دوني ولا تتكل على عذرٍ مني؛ فإني اتكلت على كفايةٍ منك.
أطعم أبو سفيان الناس في حجة الوداع، فقصر طعامه، فاستعان برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعانه بألف شاة؛ فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي؛ لقد حاربناك فما أجبناك، وسألناك فما أبخلناك.
قال سعيد بن العاص؛ موطنان لا أعذر من العي فيهما: إذا سألت حاجةً لنفسي، وإذا أكلمت جاهلاً.
وكان سعيد بن العاص والياً على المدينة من قبل معاوية، وكان معاوية يعاقب بينه وبين مروان في ولايتها، وكان يغرى بينهما؛ فكتب إلى سعيد: أن اهدم دار مروان، فلم يهدمها، وأعاد إليه الكتاب بهدمها، فلم يفعل، فعزله، وولى مروان، وكتب إليه: أن اهدم دار سعيد؛ فأرسل الفعلة، وركب ليهدمها؛ فقال له سعيدٌ: يا أبا عبد الملك؛ أتهدم داري؟ قال: نعم، كتب إلي أمير المؤمنين، ولو كتب إليك في هدم داري لفعلت. فقال: ما كنت لأفعل. قال: بلى، والله لو كتب إليك لهدمتها، قال: كلا يا أبا عبد الملك؛ وقال لغلامه: انطلق فجئني بكتاب معاوية؛ فجاء به، فقال مروان: كتب إليك يا أبا عثمان في هدم داري، فلم تهدمها ولم تعلمني؟ قال: ما كنت لأهدم دارك، ولا أمن عليك، وإنما أراد معاوية أن يحرض بيننا؛ فقال مروان: فداك أبي وأمي، أنت والله أكثر مني ريشاً وعقباً، ورجع فلم يهدم دار سعيد.
وقدم سعيد على معاوية، فقال له: يا أبا عثمان؛ كيف تركت أبا عبد الملك؟ قال: تركته ضابطاً لعملك، منفذاً لأمرك. قال: إنه كصاحب الخبزة كفي نضجها فأكلها. قال: كلا والله يا أمير المؤمنين، إنه لمع قومٍ يحمل بهم السوط، ولا يحل لهم السيف، يتهادون كوقع النبل، سهماً لك وسهماً عليك. قال: ما باعد بينك وبينه؟ قال: خافني على شرفه، وخفته على شرفي. قال: فما ذاله عندك؟ قال: أسره غائباً، وأسوءه شاهداً؟ . قال: تركتنا يا أبا عثمان في هذه الهنات. قال: نعم يا أمير المؤمنين، فتحملت الثقل وكفيت الحزم، وكنت قريباً لو دعوت أجبت، ولو وهيت رفعت.
خطب عتبة بن أبي سفيان بمصر؛ فقال: يا حاملي ألأم آنافٍ ركبت بين أعينٍ، إني إنما قلمت أظفاري عنكم؛ ليلين مسي إياكم، وسألتكم صلاح أمركم إذ كان فساده راجعاً عليكم؛ فإذا أبيتم إلا الطعن على الولاة، والتعرض للسلف؛ فو الله لأقطعن على ظهوركم بطون السياط، فإن حسمت داءكم؛ وإلا فالسيف من ورائكم. فكم من موعظةٍ منا لكم مجتها قلوبكم، وزجرة صمت عنها آذانكم، ولست أبخل عليكم بالعقوبة إذا جدتم لنا بالمعصية، ولا أويسكم من مراجعة الحق، إن صرتم إلى التي هي أبر وأتقى.
كتب زيادٌ إلى سعيد بن العاص يخطب إليه أم عثمان ابنته، وبعث إليه بمالٍ وهدايا كثيرة، فلما قرأ كتابه أمر حاجبه بقبض المال والهدايا وقسمها بين جلسائه؛ فقال الحاجب: إنها أكثر من ذلك، فقال: أنا أكثر منها. ففعل؛ ثم كتب إلى زيادٍ: بسم الله الرحمن الرحيم.
" إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى " .
كان
أبو سفيان إذا نزل به جارٌ قال له: يا هذا؛ إنك قد اخترتني جاراً واخترت
داري داراً؛ فجناية يدك علي دونك، وإن جنت عليك يدٌ فاحتكم حكم الصبي على
أهله.
ولى أبو بكر - رضي الله عنه - يزيد بن أبي سفيان ربعاً من أرباع
الشام، فرقى المنبر فتكلم، فأرتج عليه، فاستأنف، فأرتج عليه؛ فقطع الخطبة
ثم أقبل على الناس؛ فقال: " سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً، وبعد عيٍّ بياناً،
وأنتم إلى أميرٍ فعال أحوج منكم إلى أميرٍ قوالٍ. " فبلغ كلامه عمرو بن
العاص؛ فقال: هن مخرجاتي من الشام. استحساناً لكلامه.
ذكر العتبي: أن
معاوية بن أبي سفيان أسر إلى عمرو بن عنبسة بن أبي سفيان حديثاً، قال عمرو:
فجئت إلى أبي، فقلت: إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثاً، أفأحدثك به؟ قال:
لا؛ لأنه من كتم حديثه كان الخيار إليه، ومن أظهره كان الخيار عليه، فلا
تجعل نفسك مملوكاً، بعد أن كنت مالكاً. فقلت: أو يدخل هذا بين الرجل وابنه؟
قال: لا، ولكن أكره أن تذلل لسانك بإفشاء السر. قال: فرجعت إلى معاوية،
فذكرت ذلك له. فقال: أعتقك أخي من رق الخطأ.
خطب عتبة بن أبي سفيان
الناس بالموسم في سنة إحدى وأربعين، وعهد الناس حديثٌ بالفتنة، فاستفتح، ثم
قال: أيها الناس؛ إنا قد ولينا هذا الموضع الذي يضاعف الله عز وجل
للمحسنين فيه الأجر، وعلى المسيء الوزر، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا،
فإنها تنقطع دوننا، ورب متمنٍ حتفه في أمنيته. اقبلوا العافية ما قبلناها
منكم وفيكم، وإياكم و لو، فقد أتعبت من كان قبلكم، ولن تريح من بعدكم. اسأل
الله أن يعين كلاً على كلٍّ.
فنعق أعرابي من مؤخرٍ المسجد، فقال: أيها
الخليفة؛ فقال: لست به ولم تبعد. قال: فيا أخاه. قال: قد أسمعت فقل. قال:
والله لئن تحسنوا وقد أسأنا خيرٌ لكم من أن تسيئوا وقد أحسنا؛ فإن كان
الإحسان لكم، فما أحقكم باستتمامه وإن كان لنا فما أحقكم بمكافأتنا رجلٌ من
بني عامرٍ يمت إليكم بالعمومة، ويختص إليكم بالخؤولة، وقد وطئه كيد زمانٍ،
وكثرة عيال، وفيه أجرٌ، وعنده شكرٌ. فقال عتبة: أستعيذ بالله منك،
وأستعينه عليك، قد أمرت لك بغناك، فليت إسراعنا إليك يقوم بإبطائنا عنك.
قال
داود بن علي لإسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص، بعد قتله من قتل من بني
أمية: أساءك ما فعلت بأصحابك؟ قال: كانوا يداً فقطعتها، وعضداً ففتتها،
ومرةً فنقضتها، وجناحاً فنتفته. قال: إني لخليقٌ أن ألحقك بهم. قال: إني
إذاً لسعيدٌ.
قيل لأبي سفيان: بم سدت قومك؟ قال: لم أخاصم أحداً إلا تركت للصلح موضعاً.
خطب
عثمان بن عنبسةً بن أبي سفيان إلى عتبة بن أبي سفيان ابنته، فأقعده على
فخذه، وكان حدثاً؛ فقال: أقرب قريبٍ خطب أحب حبيب، لا أستطيع له رداً، ولا
أجد من تشفيعه بداً قد زوجتك، وأنت أعز علي منها، وهي ألوط. بقلبي منك،
فأكرمها يعذب على لساني ذكرك، ولا تهنها فيصغر عندي قدرك، وقد قربتك مع
قرابتك، فلا تباعدن قلبي منك.
رأى أبو سفيان رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - فقال للعباس: يا أبا الفضل؛ ما رأيت كاليوم طاعة قومٍ، ولا فارس
الأكارم، ولا الروم ذات القرون.
وقال أبو سفيان: إن محمداً لم يناكر أحداً قط. إلا كان معه الأهوال.
يناكر: يحارب، وقيل: يخادع، وقوله: الأهوال مثل قول النبي عليه السلام: " نصرت بالرعب " .
وقال
أبو سفيان في غزوة السويق: أما أخذت سيفاً ولا نبلاً إلا تعسر علي، ولقد
قمت إلى بكرة قحدةٍ، أريد أن أعرقبها، فما استطبعت سيفي لعرقوبها، فتناولت
القوس والنبل؛ لأرمي ظبية عصماء نرد بها قرمنا، فانثنت على سيتاها وانمرط
قذذ السهم وانتصل فعرفت أن القوم ليست فيهم حيلةٌ.
وفد ابن عامر على
عثمان فدخل عليه - وعنده أبو سفيان - فقال له أبو سفيان: من استخلفت على
أهل البصرة؟ قال: زياداً. قال: جد ثديا أمك. استخلفت عليهم رجلاً من الفرس.
وخطب
عمرو بن سعيدٍ في فتنة ابن الزبير، فقال: يا أهل المدينة؛ أبنا تضربون
سيوفكم؟ . أما إنكم فعلتم فعلتكم الأولى فأقالكم، ولو انتقم بالأول لم
تعودوا إلى الثانية، ولكنكم صادفتم مسناً رحيماً، قد فني غضبه، وبقي حلمه؛
فقد وليناكم بالشاب المقتبل الطويل الأمل، البعيد الأجل، حين خرج من الصغر،
ودخل في الكبر؛ رفيقٌ عنيف، رقيقٌ كثيف، إن عض نهس، وإن سطا فرس، لا يقعقع
له بالشنان، ولا يقرع له بالعصا، يرى ما غاب عنه كما يرى ما حضر.
ورأى
عمرو بن عتبة بن أبي سفيان رجلاً يشتم رجلاً، وآخر يستمع له؛ فقال للمستمع:
نزه استماع عن الخناكما تنزه لسانك عن الكلام به؛ فإن السامع شريك القائل،
وإنما نظر إلى شر ما في وعائه فأفرغه في وعائك، ولو ردت كلمة جاهلٍ في فيه
لسعد رادها، كما شقي قائلها.
قال أبو سفيان عند ما بلغه تزويج النبي
عليه السلام أم حبيبة ابنته. وقيل لأبي سفيان: مثلك تنكح نساؤه بغير إذنه؛
فقال: ذاك الفحل لا يقدع أنفه.
قال أبو سفيان لرسول الله - صلى الله
عليه وسلم - : استعملني، فاستعمله على سوق عكاظ، فأتاه رجلان يتنازعان،
فقال أحدهما: إن هذا سرق مني مائة دينار، وقال الآخر: ليس كما قال، ولكني
استسلفته مائة دينار؛ فأبى أن يسلفنيها، فلما خرج من البيت، جئت برجلين،
فأشهدتهما أني آخذٌ من عيبته مائة دينار، وأنها علي له؛ فقال أبو سفيان:
أول ما أقضي به أنك لئيمٌ، وأن هذا لا قطع عليه. قال: فأبى المدعي حتى
ارتفعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: قد قضيت بقضاء أبي
سفيان " .
استعمل عبد الملك نافع بن علقمة بن صفوان على مكة؛ فخطب ذات
يومٍ وأبان بن عثمان تحت المنبر، فشتم طلحة والزبير؛ فلما نزل قال لأبان:
أرضيتك في المدهنين في أمير المؤمنين؟ قال: لا والله، ولكن سؤتني، حسبي أن
يكونا شركاء في أمره. قال أبو عثمان الجاحظ: فما أدري أيهما أحسن: كلام
أبان بن عثمان هذا أم كلام إسحاق بن عيسى، فإنه قال: أعيذ علياً بالله أن
يكون قتل عثمان، وأعيذ عثمان بالله أن يقتله علي. قال: وذهب إلى معنى
الحديث في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أشد أهل النار عذاباً من قتل
نبياً أو قتله نبيٌ " .
قالوا: لما استتب الأمر لمعاوية قدم عبد الله بن
عباس، وهي أول قدمةٍ قدمها عليه، فدخل وكأنه قرحةٌ يتبجس، فجعل عتبة بن
أبي سفيان يطيل النظر إلى ابن عباسٍ، ويقل الكلام معه. فقال ابن عباس: يا
عتبة؛ إنك لتطيل النظر إلي، وتقل الكلام معي. ألموجدةٍ فدامت، أو لمعتبةٍ
فلا زالت؟ قال له عتبة: ماذا أبقيت لما لا رأيت؟ أما طول نظري إليك فسروراً
بك، وأما قلة كلامي معك فقلته مع غيرك، ولو سلطت الحق على نفسك لعلمت أنه
لا ينظر إليك عين مبغضٍ.
فقال ابن عباس: أمهيت يا أبا الوليد، أمهيت لو تحقق عندنا أكثر مما ظنناه لمحاه أقل مما قلت.
فذهب بعض من حضر أن يتكلم، فقال معاوية: اسكت. وجعل معاوية يصفق بيديه ويقول:
جندلتان اصطكتا اصطكاكا ... دعوت عركاً إذ دعوا عراكا
إن الداخل بين قريش لحائنٌ نفسه.
كتب
عمرو بن سعيدٍ إلى عبد الملك: استدراج النعم إياك أفادك البغي، ورائحة
القدرة أورثتك الغفلة، فزجزت عما واقعت مثله، وندبت إلى ما تركت سبله، ولو
كان ضعف الأسباب يوئس الطالب ما انتقل سلطانٌ ولا ذل عزيزٌ؛ وعن قريبٍ
يتبين من صريع بغى، وأسير غفلةٍ، والرحم تعطف على الإبقاء عليك، مع أخذك ما
غيرك أقوم به منك.
وقال سعيد بن العاص: قبح الله المعروف إذا لم يكن
ابتداءً من غير مسألةٍ، فأما إذا أتاك ترى دمه في وجهه، مخاطراً لا يدري
أتعطيه أم لا، وقد بات ليلته يتململ على فراشه، يعاقب بين شقيه؛ مرةً هكذا،
ومرةً هكذا؛ من لحاجته، فخطرت بباله أنا وغيري، فميل أرجاهم في نفسه،
وأقربهم من حاجته، ثم عزم علي وترك غيري، فلو خرجت له مما أملك لم أكافه،
وهو علي أمن مني عليه.
قالوا: لما ولى عبد العزيز بن الوليد بن عبد
الملك دمشق، ولم يكن في بني أمية ألب منه في حداثة سنه، قال أهل دمشق: هذا
غلام شابٌ،ولا علم له بالأمور، وسيسمع منا؛ فقام إليه رجلٌ فقال: أصلح الله
الأمير، عندي نصيحةٌ. قال له: ليت شعري ما هذه النصيحة التي ابتدأتني بها،
من غير يدٍ سبقت مني إليك؟ قال: جارٌ لي عاص متخلفٌ عن ثغر. فقال له: ما
اتقيت الله، ولا أكرمت أميرك؛ ولا حفظت جوارك. إن شئت نظرنا فيما تقول، فإن
كنت صادقاً لم ينفعك ذلك عندنا، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت أقلناك.
قال: أقلني. قال: اذهب حيث شئت لا صحبك الله. إني أراك شر جيلٍ رجلاً.
ثم
قال: يا أهل دمشق؛ أما أعظمتم ما جاء به الفاسق؟ إن السعاية أحسب منه
سجية، ولولا أنه لا ينبغي للوالي أن يعاقب قبل أن يعاتب كان لي في ذلك
رأيٌ، فلا يأتيني أحدٌ منكم بسعايةٍ على أحدٍ بشيء، فإن الصادق فيها فاسقٌ،
والكاذب فيها بهاتٌ.
قال: وقع ميراثٌ بين ناسٍ من آل أبي سفيان،
فتشاحوا فيه، وتضايقوا فلما قاموا أقبل عمرو بن عتبة على ولده، فقال: إن
لقريشٍ درجا تزل عنها أقدام الرجال، وتخشع لها رقاب الأموال، وألسناً تكل
عنها الشفار المشحوذة، وغاياتٍ تقصر عنها الجياد المنسوبة فلو كانت الدنيا
لهم لضاقت عن سعة أخلاقهم، ولو احتفلت الدنيا ما تزينت إلا بهم.
ثم إن
أناساً منهم تخلقوا بأخلاق العوام، فصار لهم رفقٌ باللؤم، وخرق في الحرص،
فلو أمكنهم قاسموا الطير أرزاقها، إن خافوا مكروهاً تعجلوا له الغم، وإن
عجلت لهم نعمة أخروا عليها الشكر، أولئك أنضاء فكر العجز، وعجزة حمل الشكر.
قال:
وقطع عبد الملك أشياء كان يجريها عليهم لتباعدٍ كان بينه وبين خالد بن
يزيد بن معاوية؛ فدخل عليه عمرو بن عتبة؛ فقال: يا أمير المؤمنين؛ أداء حقك
متعب، ونقصيه فادح، ولنا مع حقك حقٌ عليك؛ لقرابتنا منك، وإكرام سلفنا لك،
فانظر لنا بالعين التي نظروا بها إليك، وضعنا بحيث وضعتنا الرحم منك،
وزدنا بقدر ما زادك الله.
فقال عبد الملك: أفعل. وإنما يستحق عطيتي من استعطاها، فأما من ظن أنه يستغني بنفسه فسنكله إلى ذلك.
فبلغ
ذلك خالد بن يزيد، فقال: أبالحرمان يتهددني؟ ويد الله فوقه مانعةٌ، وعطاؤه
دونه مبذول. فأما عمرو بن عتبة فقد أعطى من نفسه أكثر مما أخذ.
وكان عبد الملك قد أقطع عمرا نهراً بالبصرة يقال له: هوادر.
خطب
سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي - عليه السلام - وبعث مائة ألف درهم،
فشاورت الحسن في ذلك، فقال: أنا أزوجك. واتعدوا، ولم يحضر الحسين. فقال
سعيد: أين أبو عبد الله؟ فقال الحسن: لم يحضر، وأنا أكفيك. فقال: ولعله كره
شيئاً مما نحن فيه. قالوا: نعم. فقال سعيد: لم أكن لأدخل في شيء كرهه أبو
عبد الله؛ فتفرقوا عن غير تزويج، وردت المال، فلم يقبله سعيد.
كان أبو
سفيان يبني بيتاً، فمر به عمر، فقال: يا أبا سفيان؛ احذر أن تأخذ من الطريق
شيئاً، فلما ولى عمر قال أبو سفيان: في است أم دينٍ أذلني لك.
قال سعيد بن العاص لابنه عمرو: إن الولاية تظهر المحاسن والمساوى.
وسئل أبو سفيان: بم سدت قومك؟ قال: لم يقع بيني وبين رجلٍ منازعةٌ إلا تركت للصلح بيني وبينه موضعاً.
وقال
سعيد بن العاص: ماشا نمت رجلاً مذ كنت رجلاً؛ لأني لا أشاتم إلا أحد
رجلين: إما كريم؛ فأنا أحق من احتمله، وإما لئيمٌ؛ فأنا أولى من رفع نفسه
عنه.
قال عبد العزيز بن مروان: ما تأملني رجلٌ قط. إلا سألته عن حاجته، ثم كنت من ورائها.
؟؟
الباب الخامس
نكت لآل الزبير
قدم فضالة بن شريك، على عبد الله بن الزبير؛ فقال: إني سرت إليك الهواجر يا أمير المؤمنين. قال: ولم؟ أما كان لك في البردين ما تسيرهما؟ كأنك تبادر نهباً، لا أبالك، فقال: إن ناقتي قد نقب خفها فاحملني. قال: ارقعها بجلد، واخصفها بهلب، وأنج بها، وسر بها البردين. قال: إنما أتيتك مستحملاً، ولم آتك مستوصفاً. لعن الله ناقةً حملتني إليك. قال: إن وراكبها، فانصرف وهجاه بالأبيات التي يقول فيها:أرى الحاجات عند أبي خبيبٍ ... نكدن ولا أمية في البلاد
كان مصعب يقول: المرأة فراشٌ فاستوثروا.
نازع
ابن الزبير مروان في مجلس معاوية، فرأى أن ضلع معاوية بن مروان، فقال: يا
أمير المؤمنين؛ إن لك حقاً وطاعةً علينا، وإن لنا سطةً وحرمة، فأطع الله
يطعك؛ فإنه لا طاعة لك علينا إلا في حق الله، ولا تطرق إطراق الأفعوان في
أصول السخبر.
وقال له مرةً: يا معاوية؛ لا تدع مروان يرمي جماهير قريش
بمشاقصه ويضرب صفاتهم بمعوله، لولا مكانك لكان أخف على رقابنا من فراشة،
وأقل في أنفسنا من خشاشة. وايم الله لئن ملك أعنة خيل تنقاد له ليركبن منك
طبقاً تخافه.
فقال معاوية: إن يطلب هذا الأمر فقد طمع فيه من هو دونه
وإن يتركه لمن فوقه؛ وما أراكم بمنتهين حتى يبعث الله عليكم من لا يعطف
عليكم بقرابةٍ، ولا يذكركم عند ملمةٍ، ويسومكم خسفاً، ويوردكم تلفاً.
قال ابن الزبير: إذاً والله نطلق عقال الحرب، بكتائب تمور كرجل الجراد، تتبع غطريفاً من قريش لم تكن أمه براعية ثلة.
قال معاوية: أنا ابن هند، أطلقت عقال الحرب فأكلت ذروة السنام، وشربت عنفوان المكرع، وليس للآكل إلا الفلذة، ولا للشارب إلا الرنق.
ليم مصعب بن الزبير على طول خطبته عشية عرفة؛ فقال: أنا قائم وهم جلوسٌ وأتكلم وهم سكوتٌ ويضجرون.
وكان عبد الله بن الزبير يقول: لا عاش بخيرٍ من لم ير برأيه ما لم ير بعينه.
لما
تواقف عبد الملك بن مروان، ومصعب بن الزبير، أرسل عبد الملك إلى مصعب أن
انصرف، ولك ولاية العراق ما عشت؛ فأرسل إليه: إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا
الموقف إلا ظالماً أو مظلوماً.
قال عروة بن الزبير: التواضع أحد مصايد الشرف.
لما قال عبد الله بن الزبير: أكلتم تمري، وعصيتم أمري. قال فيه الشاعر:
رأيت أبا بكرٍ وربك غالبٌعلى أمره يبغي الخلافة بالتمر
قال
عمر بن شبة: وقف ابن الزبير على باب مية مولاة كانت لمعاوية تدفع حوائج
الناس إليها فقيل له: يا أبا بكر تقف على باب مية. قال: نعم. إذ أعيتك
الأمور من رءوسها فأتها من أذنابها.
كان عبد الله بن الزبير يسب ثقيفاً
إذا فرغ من خطبته بقدر أذان المؤذن، وكان فيما يقول: قصار الخدود، لئام
الجدود، سود الجلود، بقية قوم ثمود.
قال عروة: لعهدي بالناس، والرجل منهم إذا أراد أن يسوء جاره سأل غيره حاجته، فيشكوه جاره، ويقول: تجاوزني بحاجته، أراد بذلك شيني.
لما
أتى عبد الله بن الزبير قتل مصعب خطب الناس؛ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
إنه أتانا خبر مقتل المصعب فسررنا واكتأبنا؛ فأما السرور فلما قدر له من
الشهادة، وخير له من الثواب، وأما الكآبة فلوعةٌ يجدها الحميم لفراق حميمه.
وإنا والله لا نموت حبجاً كميتة آل أبي العاص. إنما نموت قتلاً بالرماح،
وقعصاً تحت ظلال السيوف، فإن يهلك المصعب فإن في آل الزبير خلفاً.
وقال
لما أتاه قتله: أشهده المهلب؟ قالوا: لا. كان المهلب في وجوه الخوارج. قال:
أفشهده عباد بن الحصين الحبطي؟ قالوا: لا. قال: أفشهده عبد الله بن خازم
السلمي؟ قالوا: لا، فتمثل عبد الله بن الزبير:
فقلت لا عيشي جعار، وجرري ... بلحم امرئٍ لم يشهد اليوم ناصره
كان عروة بن الزبير إذا ذكر مقتل عثمان يقول: كان علي أتقى لله من أن يقتل عثمان، وكان عثمان أتقى لله من أن يقتله علي.
قالوا: أقحمت السنة النابغة الجعدي، فلم يشعر به عبد الله بن الزبير حين صلى الفجر، حتى مثل بين يديه يقول:
حكيت لنا الصديق حين وليتنا ... وعثمان والفاروق، فارتاح معدم
فقال له ابن الزبير: هون عليك أبا ليلى، فأيسر وسائلك عندنا الشعر.
أما
صفوة ما لنا فلبنى أسدٍ، وأما عفوتها فلآل الصديق، ولك في بيت المال حقان:
حق لصحبتك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحق لحقك في فيء المسلمين. ثم
أمر له بسبع قلائص وراحلةٍ وخيلٍ، ثم أمر أن توقر له حباً وتمراً؛ فجعل
أبو ليلى يأخذ التمر، فيستجمع به الحب فيأكله، فقال له ابن الزبير: لشد ما
بلغ منك الجهد يا أبا ليلى فقال النابغة: أما على ذلك لسمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " ما استرحمت قريشٌ فرحمت، وسئلت فأعطت، وحدثت فصدقت،
ووعدت فأنجزت فأنا والنبيون على الحوض فراطٌ القادمين " .
قال عروة بن الزبير: ليمنك لئن كنت ابتليت لقد عافيت، ولئن كنت أخذت لقد أبقيت.
وكان
عروة يقول لبنيه: يا بني؛ إن أزهد الناس في عالمٍ أهله، هلموا إلي
فتعلموا، فإنه يوشك أن تكونوا كبار قوم، إني كنت صغيراً لا ينظر إلي، فلما
أدركت من السن ما أدركت جعل الناس يسألونني. فما أشد على امرئ أن يسأل عن
شيء من أمر دينه فيجهله.
ونادى أهل الشام عبد الله: يا بن ذات النطاقين. فقال: إيه والإله، أو: إيهاً والإله.
وتلك شكاةٌ ظاهرٌ عنك عارها
وخطب
يوماً، فحض على الزهد، وذكر أن ما يكفي الإنسان قليل، فنزغه إنسان من أهل
المسجد بنزيغة، ثم خبأ رأسه، فقال: أين هذا؟ فلم يتكلم أحد، فقال: قاتله
الله ضبح ضبحة الثعلب، وقبع قبعة القنفذ.
وقال: لما قتل عثمان قلت: لا أستقيلها أبداً، فلما مات أبي انقطع بي، ثم استمرت مريرتي.
ودخل
الحجاج إلى عبد الملك، فرأى عنده عروة، فقال: يا أمير المؤمنين أتقعد ابن
العمشاء معك على سريرك؟ لا أم له؛ فقال عروة: أنا لا أم لي؟ وأنا ابن عجائز
الجنة، ولكن إن شئت أخبرتك من لا أم له يا بن المتمنية؛ فقال عبد الملك:
أقسمت عليك ألا تفعل، فكف عروة - أراد بقوله: يا بن المتمنية، قول أم
الحجاج، وهي الفارعة بنت همام.
ألا سبيل إلى خمرٍ فأشربها ... أم لا سبيل إلى نصر بن حجاج؟
لما
أخرج ابن الزبير ابن العباس من مكة إلى الطائف، مر بنعمان. فنزل فصلى
ركعتين، ثم رفع يديه يدعو، فقال: اللهم إنك تعلم أنه لم يك بلدٌ أحب إلي أن
أعبدك فيه من البلد الحرام، ولا أحب إلي أن يقبض فيه روحي منه، وإن ابن
الزبير أخرجني عنه؛ ليكون أقوى له في سلطانه، اللهم فأوهن كيده، واجعل
دائرة السوء عليه.
فلما دنا من الطائف تلقاه أهلها فقالوا: يا بن عم
رسول الله، أنت والله أحب إلينا وأكرم علينا ممن أخرجك، هذه منازلنا، تخير
فانزل منها حيث أحببت، فنزل منزلاً، فكان يجلس لأهل الطائف في مسجدهم بعد
الفجر وبعد العصر، فيتكلم فيحمد الله، ويذكر النبي صلى الله عليه وسلم،
ويذكر الخلفاء فيقول: ذهبوا فلم يدعوا أمثالهم، ولا أشباههم، ولا مدانيهم؛
ولكنه بقي أقوامٌ يريغون الدنيا بعمل الآخرة، يلبسون جلود الضأن لتحسبوهم
من الزاهدين في الدنيا، يراءونكم بأعمالهم، ويسخطون الله بسرائرهم، فادعوا
الله أن يقضي لهذه الأمة بالإحسان، فيولي أمرها خيارها وأبرارها، ويهلك
شرارها فجارها. ارفعوا أيديكم إلى ربكم، وسلوه ذلكم فيفعلون.
فبلغ الخبر
ابن الزبير فكتب إليه: أما بعد؛ فقد بلغني أنك تجلس لأهل الطائف العصرين،
تفتيهم بالجهل وتعيب أهل الحلم والفضل، وإن حلمي عنك، واستدامتي فيك جرءاك
علي، فاكفف - لا أبا لغيرك - من غربك. واربع على ظلعك، واعقل إن كان لك
مقعولٌ، على نفسك، فإنك إن تهنها تجد بها على الناس هواناً، ألم تسمع قول
الشاعر:
ونفسك فاكرمها فإنك إن تهن ... عليك فلن تلقى لها الدهر مكرما
وإني
لأقسم له لئن لم تنته عما يبلغني عنك لتجدن جانبي خشناً، ولتجدني إلى ما
يردعك عجلاً؛ فر رأيك ممكناً لك، فإن أشفى بك على الردى فلا تلم إلا نفسك
والسلام.
فكتب إليه ابن عباس: أما بعد، فقد بلغني كتابك، تذكر أني أفتى
الناس بالجهل، وإنما يفتي بالجهل من لم يؤت شيئاً من العلم، وقد - والحمد
لله - آتاني الله من العلم ما لم يؤته أباك ولم يؤته إياك.
وذكرت أن حلمك عني هو جرأتي عليك، وتقول: اكفف من غربك واربع على ظلعك، وتضرب لي الأمثال أحاديث الضبع استها.
فمتى
رأيتني لعرامك هائباً، وعن حدك ناكلاً؟ وتقول: إن لم أكفف عما يبلغك عني
وجدت جانبك خشناً، ووجدتك إلي عجلاً، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت، ولا
أرعى إن أرعيت. فوالله لا أنتهي عن قولٍ بالحق، وصنعة أهل العدل والفضل،
وذم الأخسرين أعمالاً. " الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم
يحسنون صنعاً " والسلام.
خرج عروة بن الزبير إلى الوليد، فوطئ عظماً،
فلم يبلغ دمشق حتى ذهب به كل مذهب؛ فجمع الوليد الأطباء، فأجمع رأيهم على
قطعها، فقالوا له: اشرب مرقدا؛ فقال: ما أحب أن أغفل عن ذكر الله، فأحمي له
منشار، وكان قطعاً وحسما، فما توجع، وقال: ضعوها بين يدي؛ لئن كنت ابتليت
في عضو لقد عوفيت في أعضاء.
فبينا هو على ذلك أتاه نعي ابنه محمد،
وكان قد اطلع من سطح على دواب للوليد، فسقط بينها فخبطته؛ فقال عروة: الحمد
لله؛ لئن أخذت واحداً لقد أبقيت جماعة؛ ولئن ابتليت في عضو لقد أبقيت
أعضاءً.
ثم استأذن الوليد في الرحيل. فلما قرب من المدينة مال إلى ضيعة
بالفرع؛ فقيل له: تدع المدينة فقال: ما بقي بها إلا حاسدٌ لنعمة، أو شامت
بمصيبة. ويقال: قال: يا أهل المدينة، مجالسكم لاغية، ونفوسكم لاهية،
وتقواكم واهية، والبعد منكم عافية.
وأتاه المعزون وفيهم عيسى بن طلحة
فقال: يا أبا عبد الله، ما كنا نعدك للسباق، وما فقدنا منك إلا أيسر ما
فيك، إذ أبقى الله لنا سمعك وبصرك وعقلك.
فقال عروة: " لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا " .
ويقال: إنه لم يظهر منه مع ما أصابه جزعٌ غير هذا اليسير.
وتنقص
بعض آل الزبير علياً رضي الله عنه؛ فقال له أبوه: والله ما بنى الناس
شيئاً قط إلا هدمه الدين، ولا بنى الدين شيئاً قط. فاستطاعت الدنيا هدمه،
ألم تر إلى عليٍّ، كيف تظهر بنو مروان عيبه وذمه، فلكأنما يأخذون بناصيته
رفعاً إلى السماء؟ وترى ما يندبون به موتاهم من المديح، فو الله لكأنما
يكشفون عن الجيف.
ذكر معاوية لابن الزبير بيعة يزيد، فقال ابن الزبير:
أنا، أناديك ولا أناجيك؛ إن أخاك من صدقك، فانظر قبل أن تقدم، وتفكر قبل أن
تندم، فإن النظر قبل التقدم، والتفكر قبل التندم؛ فضحك معاوية وقال:
تعلمت، أبا بكر الشجاعة عند الكبر.
مر عبد الله بن حسن بن حسنٍ - رضي
الله عنهم - بعامر بن خبيب بن عبد الله بن الزبير وهو بمر، فقال له: نزلت
مراً فمرر عليك عيشك فقال: بل نزلت مراً في مالٍ طاب لي أكله؛ إذ أنت
متلوثٌ في أدناس بني مروان. فقال عبد الله: أما والله لولا عمتي - يعني:
صفية بنت عبد المطلب - كنت كبعض بني حميد - يعني حميد بن أسد بن عبد العزى -
في شعاب مكة. فقال له عامر: فمنة عمتي عليك أعظم، لولا عمتي كنت كبعض بني
عقيل بالأبطح - يعني: بعمته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
قال عبد
الله بن عروة: انطلقت مع عبد الله بن الزبير حتى قعدت بين يدي الحسن بن
عليٍّ رضي الله عنهما؛ فحمد الله، وأثنى عليه، وخطب إليه ابنته، قال: فجعل
يغمز يدي غمزاً شديداً؛ فلما قمنا قلت له: لقد تصعدك اليوم الكلام تصعداً
ما رأيت مثله. قال: إنه الحسن بن فاطمة. لا والله ما قامت النساء عن مثله.
ولما
قتل مصعبٌ قال عبد الله: إن مصعباً أنفذناه إلى العراق؛ فأغمد سيفه، وسل
أيره؛ فبلغ ذلك عبد الملك، فقال: لكن أبا خبيب أغمد سيفه وخيره وأيره.
قال
قدامة: لما جاءنا قتل الوليد بن يزيد أتيت عبد الله بن عروة، فأخبرته بقتل
الوليد وقيام يزيد بن الوليد؛ فقال عبد الله: أوقد فعلوها؟ أنا أبو بكرٍ.
والذي نفسي بيده لخروجها من أيديهم أسرع من سير ذكوان.
قيل: وكان ذكوان مولى لقريش، سار من مكة إلى المدينة في ليلةٍ فقال:
إن الذي كلفتها سير ليلةٍ ... من أهل منى نصاً إلى أهل يثرب
لما قتل عبد الملك عمرو بن سعيد قال ابن الزبير: قتلت بنو أمية حيتها؛ فقال عبد الله بن صفوان: الحية والله القاتل.
قالوا:
لما هم عبد الله بن الزبير بما هم به من أمر بني هاشمٍ وإحراقهم وأنه كان
ذلك من ولايته على رأس خمس سنين، لم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيهن بحرفٍ في خطبة، فعوتب على ذلك؛ فقال: والله ما تركته علانيةً إلا أن
أكون أقوله سراً، وأكثر منه، ولكن رأيتني إذا ذكرته طالت رقاب بني هاشمٍ،
واشرأبت ألوانهم، ولم أكن لأذكر لهم سروراً وأنا أقدر عليه.
ثم صعد
المنبر؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني حاظر لهم حظيرة،
فمضرمها عليهم ناراً، فإني لا أقتل إلا آثماً كفاراً أفاكاً سحاراً، والله
ما رضي بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خفراً. ولا ترك فيهم خيراً
ولا رضيهم لولايةٍ، أهل كذبٍ استفرغ رسول الله - صلى الله عليه - صدقهم.
فقام
إليه محمد بن سعد بن أبي وقاص فقال: وفقك الله يا أمير المؤمنين، فأنا أول
من أعانك عليهم. وقام عبد الله بن صفوان فقال: يا بن الزبير، أيم الله ما
قلت صواباً، ولا هممت برشد، أرهط. رسول الله صلى الله عليه وسلم تعيب،
وإياهم تقتل؟ والعرب حولك، والله لئن لم ينصرهم الناس لينصرهم الله منك.
قال.
فقال ابن الزبير: اجلس يا أبا صفوان؛ فإنك لست بناموسٍ وبلغ الخبر عبد
الله بن العباس؛ فخرج يتوكأ على يد ابنه حتى دخل المسجد، فقصد قصد المنبر،
فقال: أيها الناس، إن ابن الزبير يقول: أن لا أول ولا آخر لرسول الله صلى
الله عليه وسلم، فو الله إن أول من ألف الإلف، وأجاز عيرات قريش لهاشم، وما
شدت بعيراً لسفرٍ، ولا أناخت بعيراً لحضرٍ إلا بهاشمٍ، وإن أول من سقى
بمكة عذباً، وجعل باب الكعبة ذهباً لعبد المطلب، ثم لقد نشأت ناشيتنا مع
ناشيتهم، فإن كنا لقالتهم إذا قالوا، وخطباؤهم إذا نطقوا، وما عددت مجداً
كمجد أولنا، ولا كان فيها مجدٌ لغيرنا، إلا في كفر ماحقٍ، ودينٍ فاسقٍ،
وضلةٍ ضالة في عشواء عمياء، حتى اختار لها الله نوراً، وبعث لها سراجاً،
فأخذه طيباً من طيب، لا يسب بمسبةٍ، ولا تغوله غائلةٌ. فكان أحدنا وولدنا
وعمنا وابن عمنا، ثم إن السابقين إليه لمنا اللسان، ثم إنا لخير الناس بعده
صلى الله عليه وسلم أظهرهم أدباً، وأكرمهم حسباً، والعجب عجباً، أن ابن
الزبير يعيب أولاً وآخراً من كان له لسانٌ نطق. كذب أو صدق. متى كان عوامٌ
بن عوامٍ يطمع في صفية، لقد جلست الفرس بغلاً، أما والذي لا إله غيره إنه
لمصلوب قريشٍ، وإنه لأم عفي تغزل من استها، ليس لها سوى بيتها. من أبوك يا
بغل؟ قال: أمي الفرس.
قالوا: صلى عبد الله بن الزبير بالناس، ثم التفت
إليهم فقال: لا يبعدن ابن هند؛ إنه كانت فيه مخارج لا نجدها في أحدٍ بعده،
والله إن كنا لنفرقه فيتفارق لنا، وما الليث الحرب على براثنه بأجرأ منه.
وإن كنا لنخدعه، وما ابن ليلةٍ من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا.
والله لوددت أنا متعنا به ما دام من هذا الجبل حجر - وأشار إلى أبي قبيسٍ - لا يتخون له عقلٌ، ولا بنفض له مرةٌ.
قال عروة: ما بر والديه من أحد النظر إليهما.
قال
مصعب بن عبد الله، قال لي أبي: يا بني من استغنى عن الناس احتاجوا إليه؛
فأصلح مالك، وأقل من مجالسة الناس، فإني قد رأيت رجالاً يقتبس منهم، ولا
جاه يدفعون به عنهم، ولا جود يفضلون به عليهم. استغنوا بأموالهم، وجلسوا؛
فأتاهم الناس.
بلغ عروة أن ابنه عبد الله يقول الشعر، فدعا به يوماً.
فقال: أنشدني، فأنشده؛ فقال: إن العرب تسمى الناقص. الناقص: الذي يمشي على
ثلاث قوائم الهزروف، فشعرك هذا هو الهزروف.
لما قطعت رجل عروة، ومات
ابنه حمد الله. ونظر إلى رجله، ثم قال: أما والله إني لأرجو ألا أكون مشيت
بها معصية لله قط. أيمنك لئن كنت أخذت لقد أعطيت، كان لي أربع جوارح فأخذت
واحداً وتركت ثلاثاً؛ وكان لي أربعة بنين، فأخذت واحداً وتركت ثلاثة.
قالوا: كان عبد الله بن الزبير يسجد ليلةً، ويركع ليلة، ويقول ليلة.
روى
الزبير بن بكار عن عمه مصعب، قال: لما صار عليٌّ - رضي الله عنه - بالقرب
من البصرة بعث ابن عباس، فقال: إيت الزبير فاقرأ عليه السلام، وقل له: يا
أبا عبد الله؛ كيف عرفتنا بالمدينة وأنكرتنا بالبصرة؟ .
فقال ابن عباس: أفلا آتي طلحة؟ قال: إذاً تجده كالثور عاقصاً قرنه في الحزن يقول هذا سهل.
قال:
فأتيت الزبير، فوجدته في بيتٍ حارٍّ يتروح، وعبد الله بن الزبير في
الحجرة. فقال: مرحباً بك يا بن لبابة، أجئت زائراً أم سفيراً؟ قلت: كلا.
أحببت إحداث العهد بك، وابن خالك يقرأ عليك السلام ويقول لك: عرفتنا
بالمدينة، وأنكرتنا بالبصرة، فقال:
علقتهم، إني خلقت عصبة ... قتادةً تعلقت بنشبه
فلن أدعهم حتى ألف بينهم.
فأردت
منه جواباً غير ذلك، فقال: غدا نرفع المصاحف، ونحاكمك إليها، فخرجت، فقال
عبد الله: قل بيننا وبينك دم خليفة، ووصية خليفة، واجتماع اثنين وانفراد
واحد، وأم مبرورةٌ فعلمت أنه ليسر مع هذا الكلام لينٌ.
قال الزبير بن
بكار: فقدمت العراق فرأيت عمي مصعباً ترك هذا الحديث، فقلت له: لم تركته؟
قال: إني رأيت الزبير في المنام يتعذر من أمر الجمل؛ فقلت له: كيف يتعذر من
أمر الجمل وأنت القائل:
علقتهم، إني خلقت عصبة ... قتادةً تعلقت بنشبه
فلن أدعهم حتى ألف بينهم؟ فقال: لم أقله.
حدث وهب مولى آل الزبير أنه قال: كنت مع عبد الله بن الزبير بمكة في ولايته؛ فكتب إليه رجل كتاباً يعظه فيه:
أما
بعد؛ فإن التقوى في أهلها علاماتٍ يعرفون بها، ويعرفونها من أنفسهم؛ من
صبر على البلاء ورضي بالقضاء، وشكر للنعمة، وذل لحكم القرآن، وإنما الإمام
كالسوق، يحمل إليها ما زكا فيها، فمن كان من أهل الحق أتاه أهل الحق بحقهم،
ومن كان من أهل الباطل أتاه أهل الباطل بباطلهم؛ فانظر أي الإمامين أنت.
والسلام.
قال: فكان عبد الله يعجب من بلاغة هذه الرسالة وإيجازها، ويضعها تحت فراشه، ويتعاهد قراءتها.
كان
لعبد الله بن عروة مولاةٌ يقال لها: شهدة، ففزعت ليلاً؛ فسمعها نقول:
اللهم إن أحسنت فأحسن إلي، وإن أسأت فأسئ إلي. فقال: أي شهاد، عتق ما يملك
إن لم يكن هذا أقل مالك عند ربك.
قال عبد الله بن عروة بن الزبير: إلى الله أشكو عيبي ما لا أدع، ونعتي ما لا آتي، وإنما يبكي للدنيا بالدين.
نازع
عبد الله بن الزبير أخاه عمراً، والأمير بالمدينة سعيد ابن العاص، فاستعلى
عبد الله في القول؛ فأقبل سعيدٌ على عمرو، فقال: إيهاً يا بن أبي؛ فأقبل
عليه عبد الله، فقال: هيها يا بن أبي أحيحة، فو الله لأنا خيرٌ منك، ولأبي
خيرٌ من أبيك: ولأمي خيرٌ من أمك، ولخالي خيرٌ من خالك، ولجدي خيرٌ من جدك.
ثم، الله رفع بالإسلام بيوتاً ووضع به بيوتاً، فكان بيتي من البيوت التي
رفع، وكان بيتك من البيوت التي وضع، وإن خنس أنفك، وانتفخت لغاديدك.
اختصم
رجلان في حدٍّ بينهما بالأعوص، فتهاترا وتخاصما، فأتيا الزبير بن هشام بن
عروة، وجعلاه حكماً بينهما. قال: فقال لهما: كان رجلان من بني إسرائيل
اختصما في أرضٍ، فأذن الله للأرض، فكلمتهما فقالت: لقد ملكني سبعون أعور،
وليس منهم الآن أحدٌ على ظهر الأرض. قال: فتفرقا. وقال كل منهما: لا حاجة
لي بها، وتراداها.
قيل لعروة الزبيري حين حمل إلى الرشيد مقيداً: اختصب.
فقال: حتى أعلم أرأسي لي أم لكم؟ فأدخل عليه في سلسلةٍ، فقال: كنت أشتهي
أن أراك فيها، اخلعوا عليه. يا أمير المؤمنين؛ خلعة شتاءٍ لا خلعة صيف.
الباب السادس
نوادر أبي العيناء ومخاطباته
حمله بعض الوزراء على دابةٍ، فانتظر علفها، فلما أبطأ عليه قال: أيها الوزير هذه الدابة حملتني عليه أو حملته علي.قال له المتوكل يوماً: إلى كم تمدح الناس وتذمهم؟ فقال: ما أحسنوا وأساءوا؛ فقد رضي الله عن عبدٍ فمدحه؛ فقال: " نعم العبد إنه أوابٌ " وغضب على آخر فزناه. قال: ويلك أيزني الله أحداً؟ قال: نعم. قال الله تعالى: " عتلٍّ بعد ذلك زنيم " ، والزنيم: الدخيل في القوم وليس منهم.
وقال أبو العيناء: قال لي المتوكل يوماً: هل رأيت طالبياً قط. حسن الوجه؟ قلت: نعم، رأيت ببغداد منذ ثلاثين سنةً واحداً، قال: تجده كان يؤاجر وكنت أنت تقود عليه. فقلت: يا أمير المؤمنين، قد بلغ هذا من فراغي، أدع الموالي مع كثرتهم وأقود على الغرباء. فقال المتوكل للفتح: أرت أن أشتفي منهم فاشتفى لهم مني.
قال: وقال لي يوماً: لا تكثر الوقيعة في الناس. فقلت: إن لي في بصري شغلاً عن ذلك. فقال: ذاك أشد لحقدك على أهل العافية.
وقال له يوماً المتوكل: إن سعيد بن عبد الملك يضحك منك، فقال: " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون " .
وقال يوماً بحضرته لخراشة: ابن كم أنت؟ قال: ابن نيفٍ وخمسين. قال أبو العيناء: زانيةً.
ودخل يوماً إلى ابن ثوابة؛ فقال: بلغني ما خاطبت به أمس أبا الصقر، وما منعه من استقصاء الجواب إلا أنه لم يجد عرضاً فيضعه، ولا مجداً فيهدمه، وبعد فإنه عاف لحمك أن يأكله، وسهك دمك أن يسفكه. فقال: ما أنت والكلام يا مكدي؟ فقال أبو العيناء: لا تنكر على ابن ثمانين، وقد ذهب بصره، وجفاه سلطانه، أن يعول على إخوانه، فيأخذ من أموالهم، ولكن أشد من هذا من يستنزل ماء أصلاب الرجال، يستفرغه في جوفه؛ فيقطع أرزاقهم، ويعظم إجرامهم.
فقال ابن ثوابة: ما تشاجر اثنان إلا غلب ألأمهما. فقال له: بها غلبت أبا الصقر.
وقال ثوابة يوماً: كتبت أنفاس الرجال. قال: حيث كانوا وراء ظهرك.
وقال له يوماً نجاح بن سلمة: ما ظهورك وقد خرج توقيع أمير المؤمنين في الزنادقة؟ فقال: نستدفع الله عنك وعن أصهارك.
ودخل على عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وهو يلعب بالشطرنج، فقال: في أي الحيزين أنت؟ فقال: في حيز الأمير أيده الله.
وغلب
عبيد الله فقال: يا أبا العيناء؛ قد غلبنا، وقد أصابك الندب خمسون رطلاً
ثلجاً. فكن أنت في حيلتها. قال: فقام ومضى إلى ابن ثوابة، وقال: إن الأمير
يدعوك؛ فلما دخلا قال: أيد الله الأمير، قد جئتك بجبل همذان وما سيذان، فخذ
منه ما شئت.
وقال يوماً لولد حجاج بن هارون: في أي باب أنت من النحو؟ قال: في باب الفاعل والمفعول. فقال: أنت في باب أبويك إذاً.
ومر على دار عدو له؛ فقال: ما خبر أبي محمد؟ فقالوا: كما تحب. قال: فما بالي لا أسمع الرنة والصراخ؟ .
ووعده ابن المدبر بدابةٍ، فلما طالبه قال: أخاف أن أحملك عليه فتقطعني ولا أراك. فقال: عدني أن تضم إليه حماراً لأواظب مقتضياً.
ووعده
أن يحمله على بغل، فلقيه في الطريق؛ فقال: كيف أصبحت يا أبا العيناء؟ قال:
أصبحت بلا بغلٍ؛ فضحك من قوله، وبعثه إليه. وحمله بعضهم على دابةٍ،
فاشتراها ابن الرجل منه بثمنٍ أخره، ولقيه بعد أيامٍ، فقال: كيف أنت يا أبا
العيناء؟ قال: بخيرٍ يا من أبوه يحمل وهو يرجل.
وقالت له قينة: هب لي خاتمك أذكرك به. فقال: اذكريني بالمنع.
وقالت له قينة: أنت أيضاً يا أعمى فقال لها: ما أستعين على وجهك بشيءٍ أصلح من العمى.
وقال
لصاعدٍ: أنت خيرٌ من رسول الله؛ فقال: ويلك كيف؟ قال: إن الله تعالى قال
له: " ولو كنت فظاً غليظ القلي لانفضوا من حولك " ؛ وأنت فظ ولسنا ننفض.
وقال
ابن السكيت يوماً: تراك أحطت بما لم أحط به. قال: ما أنكرت؛ فو الله لقد
قال الهدهد، وهو أخس طائرٍ لسليمان: " أحطت بما لم تحط به " .
وقال: -
وقدم إلى مائدةٍ - عليها أبو هفان وأبو العيناء - فالوذج، فقال أبو هفان:
لهذه أحر من مكانك في جهنم. فقال أبو العيناء: إن كانت هذه حارةً فبردها
بشعرك.
وقال له صاعدٌ يوماً: ما الذي أخرك عنا؟ قال: بنيتي. قال: وكيف؟
قال: قالت: يا أبه؛ قد كنت تغدو من عندنا فتأتي بالخلعة السرية والجائزة
السنية، ثم أنت الآن تغدو مسدفاً، وترجع معتماً، فإلى من؟ قلت: إلى أبي
العلاء ذي الوزارتين. قالت: أيعطيك؟ قلت: لا. قالت: أيشفعك؟ قلت: لا. قالت:
أفيرفع مجلسك؟ قلت: لا. فقالت: يا أبه، " لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا
يغني عنك شيئاً " .
وقال له عبد الله بن سليمان: إن الأخبار المذكورة
في السخاء وكثرة العطاء أكثرها تصنيف الوراقين، وأكاذيبهم قال: ولم لا
يكذبون على الوزير أيده الله.
وقال له محمد بن مكرم: لهممت أن آمر غلامي بدوس بطنك. فقال: الذي تخلفه على عيالك إذا ركبت، أو الذي تحمله على ظهرك إذا نزلت؟ .
وقال يوماً لقينةٍ: كم تعدين؟ قالت: ثلاثين سنة. قال: أنت ابنة ثلاثين سنة منذ ثلاثين سنة.
وقيل له: إلى من تختلف اليوم؟ قال: إلى من يختلف عليه.
وأكل عنده سائلٌ فأكثر؛ فقال: يا هذا أطعمناك رحمةً فصيرتنا رحمةً.
وقال له بعض من ناظره: أبلعني ريقي؛ فقال: قد أبلعتك دجلة والفرات.
وقيل
له: ما تقول في ابني وهب؟ قال: " وما يستوي البحران هذا عذبٌ فراتٌ سائغٌ
شرابه وهذا ملحٌ أجاجٌ " سليمان أفضل. قيل: وكيف؟ قال: " أفمن يمشي مكباً
على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراطٍ مستقيمٍ " .
وقيل له: ما تقول في محمد بن مكرم والعباس بن رستم؟ قال: هما الخمر والميسر وإثمهما أكبر من نفعهما.
وقال
يوماً لرجل دخل من النصرانية في الإسلام: أتشرب الخمر؟ قال: بلى. قال: لقد
أصبت عين الرأي، إذ دخلت في عزة هذه الدعوة، وثبت على شرائط تلك النحلة.
ولما
استوزر صاعد بعقب دخوله من النصرانية في الإسلام صار أبو العيناء إلى
بابه، فقيل: يصلي. فعاد فقيل: يصلي. فقال: معذورٌ لكل جديدٍ لذة.
وقال يوماً لرجل سلم عليه: من أنت؟ . قال: رجلٌ من ولد آدم. قال: ادن مني عانقني، فما ظننت أنه بقي من هذا النسل أحد.
وقال
له أحمد بن سعيدٍ الباهلي: إني أصبت لباهلة فضيلةً لا توجد في سائر العرب.
قال: وما هي؟ قال: لا يصاب فيهم دعي، فقال: لأنه ليس فوقهم من يقبلهم، ولا
دونهم أحدٌ فينزلون إليه.
وحضره يوماً ابن مكرم فأخذ يؤذيه؛ فقال له ابن مكرم: الساعة والله أنصرف. فقال: ما رأيت من يتهدد بالعافية غيرك.
وقال له يوماً ما يعرض به: كم عدد المكدين بالبصرة؟ قال: مثل عدد البغائين ببغداد.
وقدم ابن مكرم من سفر، فقال له أبو العيناء: ما أهديت لي؟ . قال: قدمت في خف. قال: لو قدمت في خف لخلفت نفسك.
وقال له ابن مكرم: مذهبي الجمع بين الصلاتين. قال: صدقت، ولكن تجمع بينهما بالترك.
وقال له ابن بدرٍ يوماً وهو على بابه: أهذا المنزل؟ قال: نعم، فإن أردت أن ترى سوء أثرك فانزل.
قال له أبو الجماز: كيف ترى غنائي؟ قال: كما قال الله عز وجل: " إن أنكر الأصوات لصوت الحمير " .
ولقى أبا الجماز يوماً على حمار صغير؛ فقال: لقد ساءني حين اضطرك الدهر إلى ركوب أصغر أولادك.
وقال له يوماً: هل تذكر سالف معاشرتنا؟ قال: إذ تغنينا ونحن نستعفيك.
وقال
لعلي بن الجهم: إنما تبغض علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لأنه كان يقتل
الفاعل والمفعول، وأنت أحدهما. قال له: يا مخنث. فقال: " وضرب لنا مثلاً
ونسي خلقه " .
وقيل له: إن ابن نوحٍ النصراني عاتبٌ عليك؛ فقال: " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " .
وقال له بعضهم: إني لا أرتضي نيتك. فقال: أجل؛ لأني أعتقد الإسلام.
وقال له عبيد الله بن يحيى بن سليمان: اعذرني، فإني مشغولٌ. فقال: إذا فرغت لم أحتج إليك.
وسلم
نجاح بن سلمة إلى موسى بن عبد الملك ليستأديه مالاً، فتلف في المطالبة؛
فلقي بعض الرؤساء أبا العيناء، وقال له: ما عندك من خبر نجاح؟ قال: " فوكزه
موسى فقضى عليه " ؛ فبلغت كلمته موسى ابن عبد الملك؛ فلقيه فقال: أبي
تولع؟ والله لأقومنك. فقال: " أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس " .
وقال
يوماً لابن مكرم: ألست عفيفاً؟ قال: بلى، ولكنك عفيف الفرج زاني الحرم.
فقال: إنما ذاك منذ تزوجت بأمك. وغداه ابن مكرم؛ فقدم إليه عراقاً، فلما
جسه قال: قدركم هذه طبخت بالشطرنج.
وقدم إليه يوماً قدراً فوجدها كثيرة العظام؛ فقال: هذه قدرٌ أم قبر؟ .
وأخبر أن ابنه أعتق عبده؛ فقال: إن جاز له هذا فليطلق على أمه الزانية.
وقال
له رجلٌ من بني هاشم: بلغني أنك بغاء. قال: ولم أنكرت ذاك مع قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " مولى القوم منهم " ؟ . قال: إنك دعي فينا. قال:
بغائي صحح نسبي فيكم.
وسأل الجاحظ كتاباً إلى محمد بن عبد الملك في
شفاعة لصاحبٍ له؛ فكتب الكتاب، وناوله الرجل، فعاد به إلى أبي العيناء،
وقال: قد أسعف. قال: فهل قرأته؟ قال: لا؛ لأنه مختوم. قال: ويحك، فض طينةٍ
أولى من حمل ظنةٍ، لا يكون صحيفة المتلمس؛ ففض الكتاب؛ فإذا فيه: موصل
كتابي سألني فيه أبو العيناء، وفد عرفت سفهه وبذاء لسانه، وما أراه لمعروفك
أهلاً، فإن أحسنت إليه فلا تحسبه علي يداً، وإن لم تحسن لم أعتده عليك
ذنباً والسلام.
فركب أبو العيناء إلى الجاحظ. وقال له: قد قرأت الكتاب
يا أبا عثمان، فخجل الجاحظ، وقال: يا أبا العيناء، هذه علامتي فيمن أعتني
به. قال: فإذا بلغك أن صاحبي قد شتمك فاعلم أنه علامته فيمن شكر معروفه.
وأكل عند ابن مكرم، فسقي على المائدة ثلاث شرباتٍ باردة، ثم استسقى فسقى شربةً حارة؛ فقال: لعل مزملتكم تعتريها حمى الربع.
وممن
انتصف من أبي العيناء محمد بن مكرم، فإنه صادفه ساجداً وهو يقول: يا رب
سائلك ببابك. فقال: تمتن على الله بأنك سائله وأنت سائل كل باب.
وسمع محمد بن مكرم رجلاً يقول: من ذهب بصره قلت حيلته. فقال له: ما أغفلك عن أبي العيناء.
وولد لأبي العيناء ابنٌ؛ فأهدى إليه حجراً. يريد قول النبي صلى الله عليه وسلم: " وللعاهر الحجر " .
ومنهم
العباس بن رستم؛ فإنه قال يوماً لأبي العيناء: أنا أكفر منك. فقال: ولم؟
قال: لأنك تكفر ومعك خفيرٌ مثل عبيد الله بن يحيى وابن أبي دواد، وأنا أكفر
بلا خفارة.
صحب رجلٌ مفلسٌ جماعةً فقسموا له قسمة، فاشترى دابةً
وكسوةً، فكان إذا حلف يقول: وإلا فدابتي حبيسٌ وثيابي صدقة. ثم قسموا له
قسمة أخرى؛ فاشترى داراً وخادماً، فكان إذا حلف يقول: وإلا فدابتي حبيسٌ
وثيابي صدقةٌ وغلامي حرٌّ، وداري مقبرةٌ. فقال أبو العيناء: طالت أيمانه
ابن الزانية.
كان لمحمد بن مكرم غلامٌ يتعشقه، وكان يرمي به؛ فدخل
أبو العيناء يوماً إليه، ؟ فقال له: يا أبا العيناء، أما ترى غلامي سديفاً
مع إكرامي له، وفعلي به ومحبتي له، وكثرة ما أصله به من الأمول، وينتفع
بجاهي، ولا يشكر لي ذلك، ولا تظهر عليه النعمة، ولا يرى عنده دينارٌ ولا
درهم. قال أبو العيناء: نعم يا سيدي كسب الكناسين لا يكون له بركة.
وقال
له أبو علي البصير يوماً: ويلك إن لم تغضب لي بالصناعة فاغضب لي وتعصب
بالعمى؛ فقال أبو العيناء: كذبت يا عاض بظر أمه. أنا من عميان الحمير، وأنت
من عميان العصا.
وقال الكافي له: كيف أكتب اللؤم، بلام أو لامين؟ فقال صور نفسك.
ودخل
إلى المتوكل، فقدم إليه طعام؛ فغمس أبو العيناء لقمته في خل كان حامضاً،
فأكلها وتأذى بالحموضة، وفطن المتوكل فجعل يضحك فقال: لا تلمني يا أمير
المؤمنين، فقد محت الإيمان في قلبي.
وقال له السدري: أشتهي أن أرى الشيطان. فقال: انظر في المرآة.
قال
أبو العيناء: رأيت محمد بن مكرم يصلي صلواته كلها ركعتين ركعتين؛ فقلت: يا
محمد، ما هذا الذي أراك تفعله؟ قال: عزمت وحياتك على الخروج إلى قم إلى
عند أبي.
قيل لأبي العيناء: لم اتخذت خادمين أسودين؟ فقال: أما أسودان فلئلا أتهم بهما، وأما خادمان فلئلا يتهما بي.
ونظر إلى رجل قبيح الوجه؛ فقال: كأنما خلق هذا الرجل ليعلم الناس نعمة الله عليهم.
وقدم
صديقٌ له من بعض الأعمال السلطانية؛ فدعاه إلى منزله وأطعمه وجعل الرجل
يكثر الكذب، فالتفت أبو العيناء إلى من كان معه فقال: نحن كما قال الله
تعالى: " سماعون للكذب أكالون للسحت " .
وقيل: ابن كم أنت؟ فقال: قبضة، يعني: ثلاثاً وتسعين.
وقيل له: كيف حمدك لفلان؟ ؛ فقال: أحمده للؤم الزمان، فأما عن حسن اختيار فلا.
وقال أبو العيناء: قلت لغلام ابن مكرم - ومعه دراهم - : من أين لك هذه الدراهم؟ فقال: ألي تقول هذا ودار الضرب في سراويلي؟ .
قال ابن مكرم لأبي العيناء: أحسبك لا تصوم شهر رمضان. فقال: ويحك. وتدعني امرأتك أن أصوم.
قال
أبو العيناء: مررت يوماً في دربٍ بسر من رأى. فقال لي غلامٌ: يا مولاي؛ في
الدرب حملٌ سمين، والدرب خالٍ، فأمرته أن يأخذه، وغطيته بطيلساني، وصرت به
إلى منزلي؛ فلما كان الغد جاءتني رقعةٌ من بعض رؤساء ذلك الدرب مكتوب
فيها: جعلت فداك، ضاع لنا بالأمس في الدرب حمل؛ فأخبرني صبيان دربنا أنت
سرقته؛ فتأمر برده متفضلاً.
قال أبو العيناء: فكتبت إليه: يا سبحان الله
ما أعجب هذا الأمر مشايخ دربنا يزعمون أنك بغاءٌ وأكذبهم أنا، ولا أصدقهم،
وتصدق أنت صبيان دربكم أني أنا سرقت الحمل.
قال: فسكت وما عاودني بشيء.
قال أبو العيناء: أنا أؤاكل الناس منذ ثلاثين سنة، ما آثرني إنسانٌ على نفسه بباذنجانةٍ مضيرة قط.
وأكل مرة ديكبراكة، وغسل يده عدة مرات فلم تنق؛ فقال: كادت هذه القدر أن تكون نسباً وصهراً.
قال يوماً لابن ثوابة: إذا شهدت على الناس ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون شهد عليك أنتن عضو فيك.
قال بعض الهاشميين لأبي العيناء: بلغني أنك تخبأ العصا. قال: وهو ذا تدعونها تظهر حتى أخبأها أنا.
ودق عليه إنسانٌ الباب فقال: من هذا؟ . قال: أنا. قال: هذا والدق سواء.
وقال
أبو العيناء: أدخل على المتوكل رجلٌ قد تنبأ؛ فقال له: ما علامة نبوتك؟
قال: أن يدفع إلي أحدكم امرأته؛ فإني أحبلها في الحال. فقال يا أبا
العيناء: هل لك أن تعطيه بعض الأهل؟ فقلت: إنما يعطيه من كفر به؛ فضحك
وخلاه.
ولقيه رجلٌ من إخوانه فقال له: أطال الله بقاءك، وأدام عزك وتأييدك وسعادتك، فقال أبو العيناء: هذا العنوان، فكتاب من أنت؟ .
وقال
له يوماً عبيد الله بن يحيى الوزير - في أمر شهد عليه فيه بشهادةٍ؛ فقال
أبو العيناء: لو كان هذا في غير دولتك لتمنيت له دولتك. فقال: إن الشهود
عليك كثيرٌ. قال: أكثر منهم الذين شهدوا عليك بإغلاء السعر والزيادة فيه؛
فإن صدقتهم علي فصدقهم عليك.
وقال له يوماً: أعز الله الوزير نحن في عطلتك مرحومون، وفي وزارتك محرومون. ويوم القيامة كل نفسٍ بما كسبت رهينةٌ.
ولما تقطر بعبيد الله فرسه قال أبو العيناء: قتل الجواد الجواد.
واستجفى بعض الرؤساء أبا العيناء؛ فقال له: أنا والله على بابك أوجد من الكذب على أبواب بني خاقان.
وصار
يوماً إلى باب عبيد الله؛ فقال له سعدٌ حاجبه: هو مشغول يا أبا عبد الله.
فقال: ففي شغله أريد لقاءه. قال: ليس إلى ذلك سبيل. فقال له: رزقكم الله
العود إلى البيت الحرام وانصرف. فقال سعد: دعا علينا لعنه الله، والله إن
كنا بمكة إلا حيث نفينا.
قال أبو العيناء، هنأت عبيد الله بن يحيى يوماً
بالعيد، ودعوت له دعاءً طويلاً؛ فقال لي الحسن بن مخلد: حسبك يا أبا عبد
الله؛ فقلت: يا أبا الحسن، أعزك الله. إن أبا محمد يستثقل الدعاء لأنه لا
يثق بالمدعو.
وقال له عبيد الله: ما دعاك إلى الوقيعة في موسى بن عبد
الملك بحضرة أمير المؤمنين؟ فقال: إني والله ما استعذبت الوقيعة فيه حتى
ذممت لك سريرته.
ودخل عليه يوماً وعنده نجاح بن سلمة، وأحمد بن إسرائيل
وهما يسارانه؛ فقال: يا أبا الحسن: " تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى " ؛ فقال
نجاح: كذبت يا عدو الله؛ فقال: " لكل نبإٍ مستقرٌ وسوف تعلمون " .
ودخل إلى نجاح بن سلمة؛ فقال: لا تدنس حصير صلاتي قبحك الله. فقال أبو العيناء له: لا. ولكن متمرغ فسقك.
وسقط
نجاحٌ عن دابته؛ فوثب إليه إبراهيم بن عتابٍ، فأخذه من الأرض؛ فقال أبو
العيناء: يا أبا الفضل، لميتةٌ مجهزة أصلح من عافيةٍ على يد ابن عتاب.
وقيل له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والله من المملقين الذين لا يطمع فيهم نجاح بن سلمة.
وقال يوماً لابن ثوابة: يحتاج عقلك إلى صمتٍ يستره، ونطقك إلى عقلٍ يسدده.
وقال له ابن مكرم: كان ابن الكلبي صاحب البريد يحب أن يشم الخراء فقال: لو رآك لترشفك.
وقال
ابن مكرم يوماً: ما في الدنيا أعقل من القحبة؛ لأنها تطعم أطايب الطعام،
وتسقي ألذ الشراب وتأخذ دراهم وتتلذذ. فقال له أبو العيناء: فكيف عقل
والدتك؟ قال: أحمق من دغة يا عاض كذا.
وعرضت له حاجةٌ إلى بغا، فلقيه،
فقال: ألق الفتح بن خاقان فلقيه فوعده، ثم لقيه فوعده؛ فلما كان في المرة
الثالثة ألقاه على سبيل ضجرٍ فقال: أما علمت أن من طالب السلطان احتاج إلى
ثلاث خلال؟ فقال: وما هن؟ أعز الله الأمير. قال: عقلٌ وصبرٌ ومالٌ. فقال
أبو العيناء: ولو كان لي عقلٌ لعقلت عن الله أمره ونهيه، ولو كان لي صبرٌ
لصبرت منتظراً لرزقي أن يأتيني، ولو كان لي مالٌ لاستغنيت به عن تأميل
الأمير، والوقوف ببابه.
وسأل أحمد بن صالح حاجةً فوعده، ثم اقتضاه إياها فقال: حال دونها هذا المطر والوحل؛ فقال أبو العيناء: فحاجتي إذاً صيفية.
ودخل على عبد الرحمن بن خاقان - وكان شاتياً - فقال له عبد الرحمن: كيف ترى هذا البرد يا أبا عبد الله؟ فقال: تأبى نعماك أن أجده.
وكان بحضرة عبيد الله بن سليمان؛ فأقبل الطائي فعرف مجيئه، فقال: هذا رجلٌ إذا رضي عشنا في نوافل فضله، وإذا غضب تقوتنا بقايا بره.
وسأل
إبراهيم بن ميمون حاجةً فدفعه عنها، واعتذر إليه وأعلمه أنه قد صدقه؛ فقال
له: قد والله سرني صدقك؛ لعوز الصدق عنك، فمن صدقه حرمانٌ فكيف يكون كذبه؟
.
وقال لبعضهم: أعطيتني برك تفاريق، وعقوقك جملة.
وقال: رأيت حمالاً قد حمل على رأسه شيئاً بنصف درهم؛ فلما أراد الرجوع اكترى إلى ذلك الموضع حماراً بأربعة دوانيق.
وقال له رجلٌ: كان أبوك أكمل منك؛ فقال: إن أبي كنت أنا به، ولم يك بي، فهو أولى بالكمال مني.
وقال في رجلين فسد ما بينهما: تنازعا ثوب العقوق، متى صدعاه صدع الزجاجة ما لها من جابر.
قال:
قال لي المتوكل: امض إلى موسى بن عبد الملك. واعتذر، ولا تعرفه أني وجهتك.
فقلت له: تستكتمني بحضرة ألفٍ؟ قال: إنما عليك أن تنفذ كما تؤمر به. قلت:
وعلي أن أحترس مما أخاف منه.
وقال له المتوكل: أكان أبوك مثلك في البيان؟ قال: والله يا أمير المؤمنين لو رأيته لرأيت عبداً لك لا ترضاني عبداً له.
ووعده
أبو الصقر شيئاً وقال له: غداً؛ فقال أبو العيناء: إن الدهر كله غد، فهل
عندك موعد مخلىً من المعاريض؟ . قال له رجلٌ قد حضر: قد استعمل المعاريض
قومٌ صالحون: حدثنا فلانٌ عن فلانٍ . .، فقال أبو العيناء: من هذا المتحدث
في حرماننا بالأسانيد؟ .
وداس رجلٌ نبتاً له وقال: باسم الله. فقال: لم ترض بذبحها حتى تذكيتها.
وداس آخر يده، وقال: باسم الله. فقال: البقرة تذبح ويقول ذابحها: باسم الله.
وشكا إليه رجلٌ ابنه؛ فقال أبو العيناء: لقد دخل في العدد وخرج من العدد.
ولقيه
بعض الكتاب في السحر؛ فقال له متعجباً منه ومن بكوره: يا أبا عبد الله،
أتبكر في مثل هذا الوقت؟ فقال: أتشاركني في الفعل، وتفردني في المتعجب؟ .
ودخل
على محمد بن عبد الملك، فجعل لا يكلمه إلا بأطرافه؛ فقال: إن من حق نعمه
أن تجعل البسطة لأهل الحاجة إليك، فإن من أوحش انقبض عن المسألة، وبكثرة
المسألة مع النجح يدوم السرور. فقال له محمد: أما إني أعرفك فضولياً كثير
الكلام وأمر به إلى الحبس؛ فكتب إليه: قد علمت أن الحبس لم يكن من جرمٍ
تقدم إليك، ولكن أحببت أن تريني مقدار قدرتك علي؛ لأن كل جديدٍ يستلذ، ولا
بأس أن ترينا من عفوك حسب ما أريتنا من قدرتك.
فأمر بإطلاقه، ثم لقيه
بعد أيامٍ، فقال: يا أبا العيناء، ما تزورنا حسب نيتنا فيك؟ . فقال: أما
نيتك فمتأكدة، ولكن أرى أن الذي جدد الاستبطاء فراغ حبسك، فأحببت أن تشغله
بي.
واعترضه يوماً أحمد بن سعيد، فسلم عليه؛ فقال أبو العيناء: من أنت؟
قال: أحمد بن سعيد؛ فقال: إني بك لعارف، ولكن عهدي بصوتك يرتفع إلي من
أسفل، فماله ينحدر علي من علو؟ قال: لأني راكب. قال: لا إله إلا الله.
لعهدي بك وأنت في طمرين لو أقسمت على الله في رغيفٍ لأعضك بما تكره.
وقال يوماً لعبيد الله بن سليمان: إلى كم يرفعني الوزير، ولا يرفع بي رأساً؟ .
وقال له يوماً: كيف حالك؟ فقال: أنت الحال، فإذا صلحت صلحت. وقربه يوماً؛ فقال: تقريب الولي وحرومان العدو.
وقيل له: أتشرب النبيذ؟ فقال: " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه " .
وقال يوماً لعبيد الله بن يحيى: أيها الوزير، قد برح بي حجابك؛ فقال له: ارفق. فقال: لو رفق بي فعلك رفق بك قولي.
وقال يوماً لعيسى بن فرخانشاه، وقد بالغ أحمد بن المدبر: أتبالغه، وشطر اسمك عني، وما بقي فثلثا مسي؟ .
وقيل: لا تعجل، فإن العجلة من الشيطان؛ فقال: لو كان كذلك لما قال موسى عليه السلام: " وعجلت إليك رب لترضى " .
قال
ابن وثاب لأبي العيناء يوماً: أنا والله أحبك بكليتي. فقال أبو العيناء:
إلا عضوٌ واحدٌ منك أيدك الله؛ فبلغ ذلك ابن أبي دواد، فقال: قد وفق في
التحديد عليه.
وقال: أنا أول من أظهر العقوق بالبصرة. قال لي أبي: يا
بني؛ إن الله قرن طاعته بطاعتي؛ فقال: " اشكر لي ولوالديك " . فقلت: يا أبت
إن الله ائتمنني عليك، ولم يأتمنك علي؛ فقال: " ولا تقتلوا أولادكم خشية
إملاق " .
وقبل يد سليمان بن وهب؛ فقال: أنا أرفعك عن هذا. فقال أبو العيناء: أترفعني عما يرتفع الناس إليه؟ .
وقيل له: ما تقول في مالك بن طوق؟ فقال: لو كان في زمان بني إسرائيل، ثم نزلت آية البقرة ما ذبحوا غيره.
وقال لبعض الكتاب: والله ما هو إلا أن يزيلك القدر عن القدرة حتى تحصل على المذمة والحسرة.
وقال: فلج بعض المجان، فرأيته وهو يأكل سمكاً ولبناً، فعاتبته على ذلك؛ فقال: آمن ما يكون الطريق إذا قطع.
وقال: ما لقى إبليس من المبلغين كلما نسوا لعنوه.
ودخل
على المتوكل وهو يبني الجعفري؛ فقال له: يا أبا العيناء؛ كيف ترى دارنا؟
فقال: يا أمير المؤمنين، الناس يبنون الدور في الدنيا، وأنت تبني الدنيا في
دارك.
وسأله المتوكل عن ميمون بن إبراهيم صاحب البريد، فقال: يد تسرق،
واستٌ تضرط، مثله مثل يهوديٍّ سرق نصف جزيته، فله إقدامٌ بما أدى، وإحجامٌ
بما أبقى، إساءته عمدٌ، وإحسانه تكلف.
وتكلم ابن ثوابة يوماً فتقعر ثم لحن؛ فقال له أبو العيناء: تقعرت حتى خفتك، ثم تكشفت حتى عفتك.
وقال له أبو الصقر: ما أخرك عنا؟ قال: سرق حماري، وكرهت منه العواري، وذلة المكاري.
قال يوماً لجارية مغنية: أنا أشتهي أن أييكك. قالت: ذاك يوم عماك. قال: يا ستي؛ فالساعة بالنقد فقد سبق الشرط - يعني: العمى.
قال: قلت لغلامي وقد رأيت في السوق مشجباً: اشتر لنا هذا المشجب. فقال: يا سيدي فما تلبس إذا ألقيت ثيابك على المشجب؟ .
بات
أبو العيناء عند ابن مكرم، فجعل ابن مكرم يفسو عليه، فقام أبو العيناء
وصعد السرير، فارتفع إليه فساؤه، فصعد السطح فبلغته رائحته، فقال: يا بن
الفاعلة، ما فساؤك إلا دعوة مظلوم.
وذكر أبو العيناء للعباس بن رستم،
فقال: ليس تهضمه معدتي، وتأدى ذلك إلى أبي العيناء؛ فقال: قل له: إن كان من
تحب يجب أن تهضمه معدتك فيجب أن تكون قد سحت أباك وأمك منذ ثلاثين سنةً.
وكان أبو العيناء في مجلس، وإلى جنبه مغنٍّ باردٌ، فأقبل على أبي العيناء وقال: يا سيدي كم بيننا وبين الشتاء؟ قال: هذه المسورة.
دعا أبو العيناء بعض أصدقائه، فقال: أتوضأ وأجيئك. فقال: أخشى ألا ترجع إن ذهبت تتوضأ. قال: ولم؟ قال: لأنك كما أنت وضوء.
وقال له يوماً ابن مكرم: يا أبا العيناء، كل شيء لك من الناس حتى أولادك.
وقال أبو العيناء في ابن مكرم: هو إذا غزا فمطية جنده، وإذا قفل فظعينة عبده.
أهدى
أبو علي البصير إلى أبي العيناء كيرينجات، وكتب عليها: " ادخلوها بسلامٍ
آمنين " فردها وكتب عليها: " فرددناه إلى أمه كي تقر عينها " .
وقال لرجل: ما بال الأحمق يرزق والأديب يحرم؟ فقال: إن هذه الدنيا لدار اختبارٍ، فأحب الرازق أن يعلمهم أن الأمور ليست إليهم.
وقال أبو العيناء: غلات السواد كلها تباع بكف المودح فهلا اكتفى من ذلك بنقر يسير.
قيل له: كيف تركت فلاناً مع قومه؟ قال: " يعدهم ويمنيهم، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً " .
وقال له أبو علي البصير: في أي وقت ولدت؟ قال: قبل طلوع الشمس، قال: لذلك خرجت سائلاً؛ لأنه وقت انتشار السؤال.
وقال أبو العيناء لرئيسٍ كان عنده وهو يخفض كلامه: كأنك قد طفل بك في منزلك.
وقدم إليه ابن مكرم جنب شواءٍ. قال: ليس هذا جنباً، هذا شريحة قصب.
وذكر ولد عيسى بن موسى، فقال: كأن آنفهم قبورٌ نصبت على غير القبلة.
ودخل
على إسماعيل القاضي، وجعل يرد عليه إذا غلط أعزه الله؟ ، كأنك أحطت بما لم
يحط به، فقال: نعم، لم لا أرد على القاضي؟ ، وقد رد الهدهد على سليمان؛
فقال: " أحطت بما لم تحط به " وأنا أعلم من الهدهد، وسليمان أعلم من
القاضي.
وقال رجل: ما أنتن إبطك قال: نلقاك - أعزك الله - بما يشبهك.
وقال له رجلٌ من ولد سعيد بن مسلم: إن أبي يبغضك. فقال: يا بني؛ إن لي أسوةً بآل محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال لرجل: والله ما فيك من العقل شيءٌ إلا مقدار ما تجب به الحجة عليك، والنار لك.
قال أبو العيناء: وصفت الحمامات بحضرة ابن عتابٍ، فقال: دعوني من هذا. ما قامت النساء عن حمامٍ أطيب من حمام أصحاب الخنا.
قال
المتوكل: لولا ذهاب بصر أبي العيناء لأردت منادمته، وبلغه ذلك، فقال:
قولوا له: إني إن أعفيت من قراءة نقوش الخواتم، ورؤية الأهلة صلحت لغير
ذلك. وأنهى ذلك إلى المتوكل فضحك وأمر بمنادمته.
قال أبو العيناء: سمعت
جاراً لي أحمقٌ وهو يقول لجارٍ له: والله لهممت أن أوكل بك من يصفع رقبتك،
ويخرج هذه الجفون من أقصى حجرٍ بخراسان.
ودخل إلى ابن مكرمٍ؛ فقال له: كيف أنت؟ قال: كما تحب؛ فقال: فلم أنت مطلق؟ .
من رسائل أبي العيناء وكلامه المستحسن
كتب إلى أبي الوليد بن أبي دواد: جعلت فداك، مسنا وأهلنا الضر، وبضاعتنا المودة والشكر؛ فإن تعطنا أكن كما قال الشاعر:أنا الشهاب الذي يحمي دياركم ... لا يخمد الدهر إلا ضوءه يقد.
وإن لم تفعل فلسنا ممن يلمزك في الصدقات؛ " فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون " .
قال ابن مكرم: من زعم أن عبد الحميد أكتب من أبي العيناء إذا أحس بكرمٍ أو شرع في طمعٍ فقد وهم.
كتب إلى عبيد الله بن سليمان وقد نكبه وأباه المعتمد، وهما مطالبان بمالٍ، يبيعان له ما يملكان من عقار وأثاثٍ، وعبدٍ وأمةٍ. وأعطى بخادمٍ أسود لعبيد الله خمسون ديناراً؛ فكتب إليه أبو العيناء: قد علمت - أطال الله بقاءك - أن الكريم المنكوب أجدى على الأحرار من اللئيم الموفور لأن اللئيم يزيد مع النعمة لؤماً، ولا تزيد محنة الكريم إلا كرماً، هذا متكلٌ على رازقه، وهذا يسيء الظن بخالقه. وعبدك إلى ملك كافورٍ فقيرٌ، وثمنه على ما اتصل به يسير؛ فإن سمحت فتلك منك عادتي، وإن أمرت بأخذ ثمنه فمالك منه مادتي. أدام الله لنا دولتك، واستقبل بالنعمة نكبتك، وأدام عزك وكرامتك.
فوهب الخادم إليه.
قال أبو العيناء: قال ملكٌ لبنيه: صفوا لي شهواتكم من النساء. فقال الأكبر: تعجبني القدود والخدود والنهود. وقال الأوسط: تعجبني الأطراف والأعطاف والأرداف. وقال الأصغر: تعجبني الشعور والثغور والنحور.
كان بين أبي
العيناء وبين إبراهيم بن رباح خلة ومودة وصداقةٌ قديمة؛ فلما نكب مع الكتاب
في أول خلافة الواثق أنشأ أبو العيناء كلاماً حكاه عن بعض الأعراب؛ فلما
وصل إلى الواثق وقرئ عليه. قال: واضع هذا الكلام ما أراد به غير إبراهيم بن
رباح، وكان أحد أسباب الرضا عنه. ونسخة الكلام: قال: لقيت أعرابياً من أهل
البادية، فقلت: ما عندك من خبر البلاد؟ قال: قتل أرضاً عالمها. قلت: فما
عندك من خبر الخليفة؟ قال: تبحبح في عزةٍ فضرب بجرانه، وأخذ الدرهم من
مصره، وأرعف كل قلم خيانته.
قلت: فما عندك من خبر ابن أبي دواد؟ قال:
عضلةٌ لا تطاق، وجندلةٌ لا ترام، ينتحى بالمدى لنحره فتحور، وتنصب له
الحبائل حتى يقول: الآن، ثم يضبر ضبرة الذئب، ويتملس تملس الضب، والخليفة
يحنو عليه، والعراق يأخذ بضبعيه.
قلت: فما عندك من خبر عمر بن فرج؟
فقال: ضخامٌ حضجر وغضوبٌ هزبرٌ، قد أهدفه القوم لبغيهم، وانتضوا له عن
قسيهم، وأحر له بمثل مصرع من يصرع منهم.
قلت: فما عندك من خبر ابن
الزيات؟ قال: ذاك رجلٌ وسع الورى بشره، وبطن بالأمور خبره، فله في كل يومٍ
صريعٌ لا تظهر فيه آثار مخلبٍ ولا نابٍ، إلا بتسديد الرأي.
قلت: فما
عندك من خبر إبراهيم بن رباح؟ قال: ذاك رجلٌ أوبقه كرمه، وإن يفز للكرام
قدحٌ فأحر بمنجاته، ومعه دعاءٌ لا يخذله، وفوقه خليفةٌ لا يظلمه.
قلت:
فما عندك من خبر نجاح بن سلمة؟ قال: لا دره من خافض أوتادٍ، يقد كأنه لهب
نارٍ، له في الفينة بعد الفينة جلسة عند الخليفة كحسوة طائر، أو كخلسة
سارق، يقوم عنها، وقد أفاد نعماً، وأوقع نقما.
قلت: فما عندك من خبر الفضل بن مروان؟ قال: ذاك رجلٌ حشر بعد ما قبر، فله نشرة الأحياء، وفيه خفوت الموتى.
قلت: فما عندك من خبر أبي الوزير فقال: إخاله كبش الزنادقة. ألا ترى أن الخليفة إذا أهمله خضم فرتع، حتى إذا أمر بنقضه أمطر فأمرع؟ .
قلت: فما عندك من خبر أحمد بن الخصيب؟ فقال: أحمد أكل أكلة نهم؛ فأخلف خلفة بشم.
قلت: فما عندك من خبر المعلى بن أيوب؟ قال: ذاك رجلٌ قد من صخرة، فصبره صبرها، ومسه مسها.
قلت: فما عندك من خبر أحمد بن إسرائيل؟ قال: كتومٌ غرورٌ، وجلدٌ صبورٌ، له جلد نمر، كلما قدوا له إهاباً أنشأ الله له إهاباً.
قلت: فما عندك من خبر عبد الله بن يعقوب؟ قال: " أمواتٌ غير أحياءٍ وما يشعرون أيان يبعثون " .
قلت: فما عندك من خبر سليمان بن وهب؟ فقال: ذاك رجلٌ اتخذه السلطان أخاً، فاتخذ نفسه للسلطان عبداً.
قلت:
فما عندك من خبر أخيه الحسن؟ : فقال: شد ما استنوقت مسألتك ذاك حرمةٌ حبست
بجريرة المجرم، ليس في القوم في خلٍّ ولا خمرٍ، هيهات:
كتب الحبس والخراج عليهم ... وعلى المحصنات جر الذيول
قال: قلت: أين منزلك فأؤمك؟ قال: ما لي منزلٌ. إنما أستتر في الليل إذا التبس، وأظهر في النهار إذا تنفس.
وهذا
كلامٌ لأبي العيناء، نسبه إلى جماعةٍ من كتاب الحضرة وغيرهم في ذم أحمد بن
الخصيب وزير المستعين، قال: ذكر عند أبي العباس محمد بن عبد الله بن طاهر
أحمد بن الخصيب؛ فقال: ما زال يخرق ولا يرقع، وما زلت منذ ارتفع، أتذكر
الذي فيه وقع. وذكر بغا؛ فقال: أبطرته النعمة، فعاجلته النقمة.
وذكر جعفر بن عبد الواحد فقال: أحسن حسناته سيئةٌ، وأصغر سيئاته كبيرة.
وذكر هارون بن عيسى فقال: كانت دولته دولة المجانين خرجت من الدنيا والدين.
وذكر عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بأترجة، فقال: بعد من الشرف فتحامل عليه، وقرب من ضلٍّ فمال إليه.
وذكر إسحاق بن إبراهيم المصعبي؛ فقال: ما كان أتم شرته، إن دنوت منه غرك، وإن بعدت منه ضرك.
وذكره
وصيف فقال ترك العقلاء على يأسٍ من مرتبته، والجهال على رجاءٍ لدرجته،
وذكره موسى بن بغا؛ فقال: لولا أن القدر يغشي البصر ما نهى بيننا ولا أمر.
وذكره صالح بن وصيف؛ فقال: تجبر وتكبر وتذمر ودبر فدمر.
وذكره سليمان بن يحيى فقال: لم تتم له نعمة؛ لأنه لم تكن في الخير همة.
وذكره الفضل بن عباس فقال: إن لم يكن تاريخ البلاء فما أعظم البلوى.
وذكره الفضل بن مروان قال: فما أجهل من يستجهله أولم يخبر بأمر يجهله؟ .
وذكر عيسى بن فرخانشاه؛ فقال: أعقل منه مجنون، وأحسن منه معدوم.
وذكره إسحاق بن منصورٍ؛ فقال: لو طلب العافية لوجدها، ما أدبرت عنه حتى أدبر عنها.
وذكره الحسن بن مخلد، فقال: لئن كان دخل مدخلا لا يشبهه لقد خرج مخرجاً يشبهه.
وذكره أحمد بن إسرائيل؛ فقال: كنا إذا عصيناه عرضنا بأنفسنا، وإذا أطعناه فسد تدبيرنا.
وذكره داود بن محمد الطوسي. فقال: ما أحسن قط إلا غلطاً، ولا أساء إلا تعمداً.
وذكره المعلى، فقال: ما أعجب ما نكب ونعمته أعجب من نكبته.
وذكره ميمون بن إبراهيم، فقال: لو تأمل رجل أفعاله فاجتنبها، لاستغنى عن الآداب أن يطلبها.
وذكره ابن أبي الشوارب، فقال: كان يحمد المحسنين، ويجتنب أفعالهم، ويذم المسيئين، ويعمل أعمالهم.
وذكره خالد بن صبيح، فقال: هو كما قال فلانٌ: ملأ يساره سلحا، وبسط يمينه سطحا، وقال: انظروا في سطحي، وإلا لطختكم بسلحي.
وذكره شجاع بن القاسم، فقال: الحزم ما فعلنا، ولو لم نعاجله لعاجلنا.
وذكره داود بن الجراح، فقال: كان لا يرضى أحداً ولا يرضاه أحد، فضروه إذ لم يرضوه، ولم يضرهم إذ لم يرضهم.
وذكره أحمد بن صالحٍ، فقال: كان لا يغتم إلا لما فاته من الشر ولا يسر إلا بما فاته من الخير.
وذكره محمد بن نحاح، فقال: لئن كانت النعمة عظمت على قومٍ خرجت عنهم، لقد عظمت المصيبة على قومٍ نزلت فيهم.
وذكره علي بن يحيى، فقال: لم يكن له أولٌ يرجع إليه، ولا آخرٌ يعول عليه، ولا عقلٌ فيذكر عاقلٌ لديه.
وذكره علي بن الحسن الإسكاف، فقال: كان الجاهل يغبطنا بتكرمته، والعاقل يرحمنا من سوء عشرته.
وذكره ابن محمد بن فيروزٍ، فقال: حظٌّ في السحاب، وعقلٌ في التراب.
وذكره
محمد بن موسى بن شاكر المنجم، فقال: قبحه الله إن ذكرت له ذا فضلٍ تنقصه
لما فيه من ضده، أو ذكرت ذا نقص تولاه لما فيه من شكله.
وذكره يزيد المهلبي، فقال: كانت يده تمنع، ونفسه لا تشبع، ويرتع ولا يرتع.
وذكره ابن طالوتٍ، فقال: كان العقل مأسوراً في سلطانه، فلما سيره أطلق من لسانه.
وذكره محمد بن علي بن عصمة، فقال: ما كان أقرب وليه مما يكره، وعدوه مما يحب.
وذكره ابن جبل؛ فقال: ما زال ينقص ولا يزيد، ويتوعد حتى حل به الوعيد.
وذكره عبد الله بن محمدٍ، فقال: لو أقام لسرنا؛ فأما إذ سار فقد أقمنا.
وذكره ابن حمدون؛ فقال: لئن فضحته القدرة لقد جملته النكبة.
وذكره ابن أبي الأصبع، فقال: ما علمت خدمة الشياطين، إلا أيسر من خدمة المجانين؛ كان غضبه علينا إذا أطعناه أشد من غضبه إذا خالفناه.
وذكره إبراهيم بن رباح؛ فقال: كان لا يفهم ولا يفهم، وينقض ما يبرم.
وذكره سعيد بن حميدٍ فقال: كان إذا أصاب أحجم، وإذا أخطأ صمم.
وذكره سعيد بن عبد الملك، فقال: كان يخافه الناصح، ولا يأمنه الغاش، ولا يبالي أن يراه الله مسيئاً.
وقال
المتوكل يوماً لأبي العيناء: كيف شربك النبيذ؟ قال: أعجز عن قليله، وأفتضح
عند كثيره. فقال: دع هذا عنك ونادمنا. فقال: يا أمير المؤمنين إن أجهل
الناس من جهل نفسه، ومهما جهلت من الأمر فلن أجهل نفسي، أنا امرؤ محجوب،
والمحجوب مخطوفٌ؟ إشارته، ملحودٌ بصره، وينظر إلى من لا ينظر إليه؛ وكل من
في مجلسك يخدمك، وأنا أحتاج أن أخدم، وأخرى، فلست آمن أن تنظر إلي بعين
غضبان وقلبك راضٍ، أو بعينٍ راضٍ وقلبك غضبان، ومتى لم أميز بين هاتين
هلكت.
ولم أقل هذا جهلاً بمالي في المجلس من الفائدة؛ فأختار العافية على التعرض للبلية.
قال
أبو العيناء، قال لي المتوكل يوماً: بلغني أنك رافضي. فقلت: ألدينٍ أم
لدنيا؟ فإن أك للدين ترفضت فأبوك مستنزل الغيث، وإن أك للدنيا ففي يديك
خزائن الأرض. وكيف أكون رافضياً، وأنا مولاك، ومولدي البصرة، وأستاذي
الأصمعي، وجيراني باهلة؟ فقال: إن ابن سعدان زعم ذلك. قلت: ومن ابن سعدان؟
والله ما يفرق بين الإمام والمأموم، والتابع والمتبوع؛ إنما ذاك حامل درة،
ومعلم صبية، وآخذٌ على كتاب الله أجرة. قال: لا تقل؛ فإنه مؤدب المؤيد.
قال: قلت: يا أمير المؤمنين: لم يؤدبه حسبةً، إنما أدبه بأجرة، فإذا أعطيته
حقه فقد قضيت ذمامه.
عزى أبو العيناء ابن الرضا رضي الله عنهما عن
ابنه؛ فقال له: أنت تجل عن وصيتنا، ونحن نقل عن عظتك. وفي علم الله ما
كفاك، وفي ثواب الله ما عزاك.
وكتب إلى عبيد الله بن سليمان: أنا
وولدي وعيالي زرعٌ من زرعك؛ إن سقيته راع وزكا، وإن جفوته ذبل وذوى. وقد
مسني منك جفاءٌ بعد بر، وإغفالٌ بعد تعهد، حتى شمت عدوٌّ، وتكلم حاسد،
ولعبت بي ظنون رجال
وشديدٌ عادةٌ منتزعة
وعزاه عن أبيه، فقال: عقم والله البيان، وخرست الأقلام، ووهى النظام.
وكتب
إلى عيسى بن فرخانشاه: أنا أحمد الله على ما تأتت إليه أحوالك، ولئن كانت
أخطأت فيك النعمة، لقد أصابت فيك النقمة، ولئن أبدت الأيام مقابحها
بالإقبال عليك، لقد أظهرت محاسنها بالانصراف عنك.
وكتب إلى صديق له تولى
ناحية: أما بعد؛ فإني لا أعظك بموعظة الله؛ لأنك غنيٌّ عنها، ولا أرغبك في
الآخرة؛ لمعرفتي بزهدك فيها. ولكني أقول كما قال الشاعر:
أحاربن عمرٍ قد وليت ولايةً ... فكن جرذاً فيها تخون وتسرق
وكاثر تميماً بالغنى، إن للغنى ... لساناً به المرء الهيوبة ينطق
واعلم
أن الخيانة فطنة، والأمانة خرق، والجمع كيسٌ، والمنع صرامة، وليست كل يوم
ولايةٌ، فاذكر أيام العطلة، ولا تحقرن صغيراً، فمن الذود إلى الذود إبل،
والولاية رقدةٌ، فتنبه، قبل أن تنبه وأخو السلطان أعمى، عن قليل سوف يبصر.
وما هذه الوصية التي أوصى بها يعقوب بنيه، ولكني رأيت الحزم أخذ العاجل،
وترك الآجل.
وكتب إلى عيسى بن فرخانشاه: أصبحت منك بين أمرين عجيبين؛ إن
غبت عنا - ولا يغيبنك الله - لزمنا الخوف، واستخف بنا الناس، ولاحظونا
بالوعيد، وسدوا علينا أبواب المنافع؛ فإذا ظهرت ففقرٌ حاضر، وأمل كاذبٌ،
وحرمانٌ شامل، كنت أسألك كذا فاستكثرته، وما ظننتك تستكثر. هذا الولي مؤمل
بي إليك، فكيف لولدك الذي غذى بعمتك وتخرج في دواوينك، فوالله ما كان أملٌ
سواك، ولا خطر من مكاره الدنيا شيءٌ فأخطرتك بقلبي إلا هان وخف عندي.
وكتب
إلى بعضهم: نحن أعز الله الأمير إذا سألنا الناس كف الأذى سألناك بذل
الندى، وإذا سألناهم العدل، سألناك الفضل، وإذا سررناهم بسط العذر سررناك
باستدعاءٍ البر.
وكتب في فصل: قد آمن الله خائفك من ظلمك، وسائلك من
بخلك، والعائذ بك من مالك، والمستزيد لك من علمك، وإن الله لم يزل يعطيك
إذا أعطيت، ويزيدك إذا زدت.
أخبرنا الصاحب - رحمه الله تعالى - أخبرنا
القاضي أبو بكر أحمد بن كامل قال: أخبرنا أبو العيناء، وقال مرة أخرى أحمد
بن خلف قال أبو العيناء: أتيت عبد الله بن داود الخريبي؛ فقال: ما جاء بك؟
فقلت: طلب الحديث، قال: اذهب فتحفظ القرآن، قلت: قد حفظت القرآن. قال:
فاقرأ: " واتل عليهم نبأ نوحٍ إذ قال لقومه " . قال: فقرأت العشر، قال:
فاذهب الآن وتعلم الفرائض. قال: قلت: قد تعلمت الجد والصلب والكبد، قال:
فأيما أقرب إليك: ابن أخيك أو ابن عمك؟ قال: قلت: ابن أخي، قال: ولم؟ قلت:
لأن أخي من أبي، وعمي من جدي. قال: اذهب الآن وتعلم العربية. قلت: علمت ذاك
قبل هذين. قال: فلم؟ قال عمر بن الخطاب: يا لله، يا للمسلمين. قال: قلت:
فتح تلك للاستغاثة، وكسر هذه للاستنصار. قال: لو حدثت أحداً حدثتك.
سب رجلٌ من العلوية أبا العيناء، فقال له أبو العيناء: ما أحوج شرفك إلى من تصونه حتى تكون فوق من أنت دونه.
وكتب
إلى بعضهم: ثقتي بك تمنعني من استبطائك، وعلمي بشغلك يدعوني إلى إذكارك.
ولست آمن مع استحكام ثقتي بطولك، والمعرفة بعلو همتك اخترام الأجل؛ فإن
الآجال آفات الآمال، فسح الله في أجلك، وبلغك منتهى أملك.
؟؟
الباب السابع
نوادر مزبد
صب مزبدٌ يوماً الماء على نفسه، فسألته امرأته عن ذلك؛ فقال: جلدت عميرة، ثم رآها بعد أيام تصب الماء على نفسها فسألها فقالت: جلدت عميرة فجلدتني.أخذه بعض الولاة وقد اتهمه بالشرب، فاستنكهه، فلم يجد منه رائحةً، فقال: قيؤه. قال: يضمن عشائي أصلحك الله؟ .
قيل له مرة - وقد أفحش في كلامه - : أمل على كاتبيك خيراً. قال: أكره أن أخلط عليهما.
وادعى رجل عليه شيئاً، وقدمه إلى القاضي، فأنكره، وسأله إقامة البينة؛ فقال: ليس لي بينةٌ. قال: فأستحلفه لك؟ قال: وما يمين مزبد أصلحك الله؟ فقال مزبد: ابعث، أصلحك الله، إلى ابن أبي ذئب فاستحلفه له.
وتناول رجلٌ من لحيته
شيئاً، فسكت عنه، وكان الرجل قبيح الوجه، فقال: ويحك لم لا تدعو لي؟ فقال:
كرهت أن أقول صرف الله عنك السوء فتبقى بلا وجه. وقيل له: أيسرك أن هذه
الجبة لك؟ قال: نعم، وأضرب عشرين سوطاً. قيل: ولم تقول دلك؟ قال: لأنه لا
يكون شيءٌ إلا بشيءٍ.
وأتاه أصحابٌ له يوماً؛ فقالوا له: يا أبا إسحاق؛
هل لك في الخروج بنا إلى العقيق، وإلى قباء، وإلى أحد ناحية قبور الشهداء؛
فإن يومنا كما ترى يوم طيب. قال: اليوم يوم الأربعاء ولست أبرح من منزلي.
قالوا: وما تكره؟ . يوم الأربعاء فيه ولد يونس بن متي عليه السلام. قال:
بأبي وأمي أنتم فقد التقمه الحوت. قالوا: فهو اليوم الذي نصر فيه النبي
عليه السلام يوم الأحزاب. قال: أجل، ولكن بعد إذ زاغت الأبصار، وبلغت
القلوب الحناجر، وظنوا بالله الظنون.
أردف مزبد رجلاً على بغلةٍ، فلما
استوى الرجل قال: اللهم أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين فقال
مزبد: اللهم قنعه حربةً، يسأل ربه منزلاً مباركاً وهو بين استي واست
البغلة.
استأذن مزبد على بعض البخلاء وقد أهدى له تين في أول أوانه،
فلما أحس بدخوله تناول الطبق، فوضعه تحت السرير، وبقيت يده معلقة، ثم قال
لمزبد: ما جاء بك في هذا الوقت؟ قال: يا سيدي؛ مررت الساعة بباب فلان،
فسمعت جاريته تقرأ لحناً ما سمعت قط أحسن منه، فلما علمت من شدة محبتك
للقرآن، وسماعك للألحان، حفظته، وجئته لأقرأه عليك. قال: فهاته، فقال: بسم
الله الرحمن الرحيم.
" والزيتون وطورسنين. " .
فقال: ويلك أين التين؟ قال: تحت السرير.
هبت ريحٌ شديدة، فصاح الناس: القيامة، القيامة. فقال مزبد: هذه قيامةٌ على الريق بلا دابة الأرض والدجال ولا القائم.
ونظر
يوماً إلى مغربيٍ أسود وهو ينيك غلاماً رومياً، فقال: كأن أيره في استه
كراع عنز في صحن أرز. مرض مرة، فعاده رجل وقال له: احتم. فقال: يا هذا؛ أنا
ما أقدر على شيءٍ إلا على الأماني أن أحتمي منها.
ورأى مزبداً رجلٌ
بالرها، وعليه جبة خز، وكان قد خرج إليها فحسنت حاله، وقال: يا مزبد؛ هب لي
هذه الجبة. فقال: ما أملك غيرها، فقال الرجل: فإن الله تعالى يقول: "
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصةٌ " فقال: والله أرحم بعباده أن ينزل
هذه الآية بالرها، في كانون وكانون، وإنما نزلت بالحجاز في حزيران وتموز.
قيل
له - وقد اشترى حماراً - : ما في هذا الحمار عيبٌ إلا أنه ناقص النفس
بليدٌ يحتاج إلى عصاً. قال: إنما كنت أغتم لو كان يحتاج إلى بزماورد. فأما
العصا فإنها سهل.
احتاج مزبدٌ أن يبيع جبته لسوء حاله، فنادى عليها المنادي، فلم يطلب بشيءٍ؛ فقال: مزبد: ما كنت أعلم أني كنت عرياناً إلى الساعة.
وقع
بينه وبين رجل كلامٌ فقال له الرجل: تكلمني وقد ن. . . ت أمك فرجع مزبد
إلى أمه، فقال لها: يا أمه، تعرفين بلبل؟ قالت: أبو علية؟ قال: نا..ك يشهد
الله . . أنا أسألك عن اسمه، فتجيبنني عن كنيته.
قيل لمزبد: لم لا تكون كفلانٍ؟ - يعني رجلاً موسراً - فقال: بأبي أنتم، كيف أتشبه بمن يضرط ويشمت، وأعطس فألطم.
ونظر إلى رجل كثير شعر الوجه؛ فقال له: يا هذا؛ خندق على وجهك لا يتحول رأساً.
وقال له رجلٌ: من شجك ها هنا؟ - وأشار إلى استه - قال: الذي شج أمك في موضعين.
ودخل
بيته، وبين رجلي امرأته رجل ين . . ها وباب الدار مفتوح؛ فقال: سبحان الله
أنت على هذه الحال والباب مفتوحٌ؟ أليس لو دخل غيري كانت الفضيحة.
ونظر
يوماً إلى امرأته تصعد في درجة؛ فقال: أنت الطلاق إن صعدت، وأنت الطلاق إن
وقفت، وأنت الطلاق إن نزلت. فرمت بنفسها من حيث بلغت. فقال لها: فداك أبي
وأمي إن مات مالكٌ احتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم.
وسكر يوماً؛ فقالت امرأته: أسأل الله أن يبغض النبيذ إليك. فقال: والفتيت إليك.
ورثى مع امرأةٍ يكلمها؛ فقيل: ما تريد منها؟ قال: أناظرها في مسألة من النكاح.
وقيل: ما تقول في القبلة؟ قال: السباب قبل اللطام.
ونظروا إليه وبين يديه نبيذ أسود؛ فقالوا له: ما نبيذك هذا؟ قال: أما ترون ظلمة الحلال فيه؟ .
واشترى مرةً جاريةً فسئل عنها، فقال: فيها خلتان من خلال الجنة: بردٌ وسعة.
===============ج55555555555555555------------------
كتاب : نثر الدر
المؤلف : الآبي
وقال مرة: إن أخي يلقى الله منذ ثلاثين سنة بصحيفته
مملوءةً خمراً، وهو لم يشرب منها جرعة؛ فقيل له: كيف ذلك؟ قال: هو منذ
ثلاثين سنة يبكر كل يوم في طلب الخمر، فلا يجد إليها سبيلاً لفاقته، وعزمه
صحيح على شربها لو وجدها.
قيل له: ما بال حمارك يتبلد إذا توجه نحو المنزل، وحمر الناس إلى منازلها أسرع؟ قال: لأنه يعرف سوء المنقلب.
دخل يوماً على قينة وهي تغني:
عادا قلبي من الطويلة عادا
وإنما هو عيد. فقال مزبد: وثمود، فإن الله لم يفرق بينهما.
وقيل له: أيولد لابن ثمانين؟ قال: نعم. إذا كان له جارٌ ابن ثلاثين.
واتهمه رجل بشيءٍ فاعتذر إليه، وقال: إن كنت فعلت هذا فمسخني الله كلباً أنهس عراقيب الملائكة في الموقف.
وقالت
امرأة مزبد - وكانت حبلى، ونظرت إلى قبح وجهه - : الويل لي إن كان الذي في
بطني يشبهك؛ فقال لها: الويل لي إن كان الذي في بطنك لا يشبهني.
لقي مزبد رجلاً، فقال له: من أنت؟ قال: قرشي والحمد لله؛ فقال مزبد: الحمد لله في هذا الموضع ريبة.
سمع مزبدٌ رجلاً يقول عن ابن عباسٍ: " من نوى حجةً وعاقه عائق كتبت له " . فقال مزبد: ما خرج العام كله كراءٌ أرخص من هذا.
وقيل له: ما ورثت أختك عن زوجها؟ فقال: أربعة أشهرٍ وعشرا.
أسلم نصراني، وفعل في الإسلام فعلاً قبيحاً؛ فقال مزبد: انظروا إلى هذا الذي أسخط المسيح، ولم يرض محمداً.
دفع
مرةً إلى والي مكة، وقد أفطر في شهر رمضان؛ فقال له الوالي: يا عدو الله؛
تفطر في شهر رمضان قال: أنت أمرتني بذلك. قال: هذا شرٌّ، كيف أمرتك؟ ويلك.
قال: حدثت عن ابن عباسٍ: أنه من صام يوم عرفة عدل صومه سنة، وقد صمته. فضحك
الوالي وخلاه.
واعتل علةً، وأشرف منها إلى الهلاك، وأراد أن يوصي، فدعا
بعض أوليائه، وأوصى إليه، وكتب كتاب وصيته، وأمر للوصي بشيءٍ؛ فلما فرغ من
الكتابة رآه مزبدٌ وهو يترب الكتاب؛ فقال وهو على تلك الحال: نعم يا سيدي،
فهو أقضى للحاجة.
ونظر إلى قومٍ مكتفين يذهب بهم إلى السجن؛ فقال: ما قصة هؤلاء؟ قالوا: خيرٌ. قال: إن كان خيراً فاكتفوني معهم.
وطلب من داره بعض جيرانه ملعقةً، فقال: ليت لنا ما نأكله بالأصابع.
وجلس
يوماً يأكل السمك والجبن وقال: ومن أين يعلم السمك وهو ميتٌ أني أكلت
الجبن؟ وخاصم مرة امرأته، وأراد أن يطلقها؛ فقالت له: اذكر طول الصحبة.
قال: والله ما لك عندي ذنبٌ غيره.
وقال يوماً لامرأته: اتخذي لي قريصاً فقد اشتهيته. قالت: فأين حوائجه؟ قال: فلا حصر البرد لفقده حتى ننظر في باقي الحوائج.
وحضر
مع محبوبٍ مجلساً فعربدوا عليهما، فقام محبوبٌ يقاتلهم، ويفتري عليهم؛
فقال مزبد: اسكت يا أخي، فإن القوم سكارى، يذهب شتمنا ضياعاً.
ومرت به امرأةٌ قبيحة؛ فقال: لعنها الله، كأن وجهها وجه إنسانٍ رأى شيئاً فزع منه.
وهبت
بالمدينة ريحٌ صرصر، أنكرها الناس وفزعوا؛ فجعل مزبدٌ يدق أبواب جيرانه
ويقول: لا تعجلوا بالتوبة؛ فإنما هي - وحياتكم - زوبعة، وسوف تنكشف الساعة.
ونام مرةً بالمسجد، فدخل رجلٌ فصلى، فلما فرغ قال: يا رب؛ أنا أصلي وهذا نائم.
فقال مزبد: يا ابن أم؛ سل ربك حاجتك. ولا تحرشه علينا.
وقالت
له امرأته مرةً: قد تمزق خفي، ولا يتهيأ لي أن أخرج. قال لها: أيما أحب
إليك؟ أن تشتري خفاً أو أني. . ك الليلة أربعة. قالت: هذا الخلق يتهيأ أن
يدافع به الوقت.
وكانت ليلة الفطر مرةً، فعلا مزبد منارة مسجد رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - ثم نادى: ألا سمع سامعٌ، إنا قد شردنا رمضان، فمن
آواه فقد برئت منه الذمة. فسمعه الوالي؛ فضربه مائة سوطٍ؛ فقال: ما أبالي
ما كنت لأدع لذتها.
وكانت بالمدينة جاريةٌ، يقال لها: بصبص، مغنية،
يجتمع الأشراف عند مولاها لسماع غنائها، فاجتمع عندها يوماً محمد بن عيسى
الجعفري، وعبد الله بن مصعب الزبيري، في جماعة من أشراف المدينة، فتذاكروا
أمر مزبد وبخله، فقالت بصبص: أنا آخذ لكم منه ردهماً. فقال لها مولاها: أنت
حرةٌ إن لم أشتر لك مخنقةً بمائة دينار إن فعلت هذا، وأشتري له مع ذلك ثوب
وشيٍ بمائة دينار، وأجعل لك مجلساً بالعقيق أنحر فيه بدنة لم تركب، ولم
تقتب. فقالت: جيء به، وأرفع الغيرة عني. قال: أنت حرةٌ إن منعتك منه ولو
رأيته قد رفع رجليك، ولا عاديته على ذلك ن حصلت منه الدرهم؛ فقال عبد الله
بن مصعب: أنا لكم به زعيم.
قال عبد الله: فصليت الغداة في مسجد المدينة،
فإذا أنا به قد أقبل؛ فقلت: أبا إسحاق؛ أما تحب أن ترى بصبص؟ فقال: بلى
والله. امرأته طالق إن لم يكن الله ساخطاً على في أمرها فقد جفتني، وإلا
فأنا أسأله منذ سنةٍ أن ألقاها فلا تجيبني.
فقلت: إذا صليت العصر فأتني هاهنا. فقال: امرأته طالق إن برح يومه من هاهنا إلى العصر.
قال:
فتصرفت في حوائجي حتى فاتت العصر، فدخلت المسجد فوجدته؛ فأخذت بيده
فأتيتهم به، وأكل القوم، وشربوا حتى صليت العتمة، ثم تساكروا وتناوموا.
فأقبلت بصبص على مزبد؛ فقالت له: يا أبا إسحاق؛ كأني - والله - في نفسك تشتهي أن أغنيك الساعة:
لقد رحلوا الجمال ليه ... ربوا منا فلم يئلوا.
قال
لها: امرأته طالق إن لم تكوني تعلمين ما في اللوح المحفوظ. فغنته إياه
فقالت له: أي أبا إسحاق كأني بك تشتهي أن أقوم من مجلسي فأجلس إلى جنبك،
فتدخل يدك في جلبابي، فتقرص عكني قرصاتٍ وأغنيك:
قالت وأبثثتها وجدي فبحت به
فقال
لها: امرأته طالق إن لم تكوني تعلمين ما في الأرحام. وما تكسبه الأنفس
غداً، وبأي أرضٍ تموت. قالت: نعم؛ فقام فجلس إلى جنبها وأدخل يده في
جلبابها، وقرصها وغنت له.
ثم قالت: برح الخفاء. أنا أعلم أنك تشتهي أن تقبلني شوق التين، وأغنيك هزجاً:
أنا أبصرت بالليل ... غلاماً حسن الدل
كغصن البان قد أصب ... ح مسقياً من الطل
فقال: امرأته طالقٌ إن لك تكوني نبيةً مرسلةً فقبلها، وغنته.
ثم
قالت: يا أبا إسحاق رأيت قط أنذل من هؤلاء؟ يدعونك، ويخرجوني إليك، ولا
يشترون لنا ريحانا بدرهم، هلم درهماً نشتري به ريحاناً. فوثب وصاح: واحرباه
أي زانية أخطأت استك الحفرة، انقطع والله عنك الوحي الذي كان يوحي إليك،
ووثب من عندها وجلس ناحية. فعطعط بها القوم، وعلموا أن حيلتها لم تنفذ
عليه، وعادوا لمجلسهم، وخرج مزبد من عندهم فلم يعد إليهم.
وقيل لمزبد: أيسرك أن يكون عندك قنينة شراب؟ فقال: يا بن أم؛ ومن يسره دخول النار بالمجان.
وضعت
امرأته المنخل على فراشه، فجاء، فلما رآه تعلق بوتد كان في داره، فقالت
امرأته: ما هذا؟ قال: وجدت المنخل في موضعي، فصرت في موضعه.
قالت امرأة
مزبدٍ لجارةٍ لها: يا أختي؛ كيف صار الرجل يتزوج بأربعةٍ، ويملك من الإماء
ما يشاء، والمرأة لا تتزوج إلا واحداً ولا تستبد بمملوكٍ؟ . قالت لها: يا
حبيبتي؛ قومٌ الأنبياء منهم، والخلفاء منهم، والقضاة منهم، والشرط منهم،
تحكموا فينا كما شاءوا، وحكموا لأنفسهم بما أرادوا.
قال مزبد: جاءني
صديقٌ لي فقال: ألا تسأل فلاناً التاجر أن يقرضني مائة درهم؟ على رهن وثيق،
فإني بضيق، منقطع بي، فقلت: إنه يفعل، فما الرهن؟ قال: اكتب له على نفسي
بالقذف، وأشهد العدول، فإن وفيته حقه وقت المحل، وإلا استعدى علي، وأقام
البينة بأني قذفته، حتى أحد حد القاذف. فقلت له: يا أخي؛ هذا رهنٌ تقل رغبة
التجار فيه.
كان لمزبد غلام، وكان إذا بعثه في حاجةٍ جعل بينه وبينه
علامة، أن يكون إذا رجع سأله فقال: حنطة أو شعير، فإذا كان عاد بالنحج قال:
حنطة، وإن لم يقض الحاجة قال: شعير. فبعثه يوماً في حاجةٍ، فلما انصرف
قال: حنطةٌ أم شعير؟ قال: خرا. قال: ويلك وكيف ذلك؟ قال: لأنهم لم يقضوا
الحاجة، وضربوني وشتموك.
صلى مزبد ذات يوم في منزله، وجعل يدعو في دبر
صلاته، وسمعته امرأته. فقال: اللهم أصليني. فقالت: أما هذا يا رب فلا
تشركني فيه. فقال: يا فاعلة، " تلك إذاً قسمةٌ ضيزى " .
وسمع رجلاً يقول لآخر: إذا استقبلك الكلب في الليل فاقرأ:
"
يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض
فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطانٍ " فقال مزبد: الوجه عندي أن يكون معك عصاً
أو حجر، فليس كل كلبٍ يحفظ القرآن.
ووقع بينه وبين امرأته خصومةٌ، فحلف:
لا يجتمع رأسي ورأسك على مخدة سنةً؛ فلما طال ذلك عليه قال: نقتنع باجتماع
الأرجل إلى وقت حلول الأجل.
وغضب عليه بعض الولاة وأمر بحلق لحيته؛
فقال له الحجام: انفخ فمك حتى أحلق. قال: يا بن الفاعلة؛ أمرك أن تحلق
لحيتي أو تعلمني الزمر؟ .
واشتهت امرأته فالو ذجاً، فقال: ما أيسر ما
طلبت عندنا من آلته أربعة أشياء، وبقي شيئان تحتالين فيهما أنت. قال: وما
الذي عندنا؟ قال: الطنجير والإسطام والنار والماء. وبقي: الدهن والعسل؛
وهما عليك.
وسئل يوماً عن عدد أولاده، فقال: عهد الله في رقبته إن لم تكن امرأته تلد أكثر مما يني..ها.
قال يوماً: قد عزمت في هذه السنة على الحج، وأصلحت أكثر ما أحتاج إليه، قالوا: وما الذي أصلحت؟ قال: تحفظت التلبية.
وقيل له: كيف حبك لأبي بكر وعمر؟ قال: ما ترك الطعام في قلبي حباً لأحد.
ودخل
على بعض العلوية؛ فجعل يعبث به ويؤذيه، فتنفس مزبد الصعداء وقال: صلوات
الله على المسيح، أصحابه منه في راحة. لم يخلف عليهم ولداً يؤذيهم.
وجاء
غريمٌ له يوماً يطالبه بحقٍ له؛ فقال له: ليس لك اليوم عندي شيء، وحشره
الله كلباً عقوراً ينهش عراقيب الناس في الموقف، ولو علقنه من الشريا بزغبة
قثاءةٍ ما أعطيتك اليوم شيئاً.
باع جاريةً على أنها طباخةٌ، ولم تحس
شيئاً فردت، فلم يقبلها، وقدم إلى القاضي، وطولب بأن يحلف أنه ملكها وكانت
تطبخ وتحسن فاندفع وحلف بيمينٍ غليظةٍ أنه دفع إليها جرادةً فطبخت منها
خمسة ألوانٍ وفصلت منها شريحتين بالقديد سوى الجنب، فإنها شوته. فضحك من
حضر، وأيس خصومه من الوصول منه إلى شيءٍ فخلوه.
وقالت له امرأته في خصومة بينهما: يا مفلس، يا قرنان. قال: إن صدقت فواحدةٌ من الله والأخرى منك.
وقيل له: كم كانت سنك أيام قتل عثمان؟ فقال: كنت أول ما قاذفت.
جمع
مزبد بين رجل وعشيقته في منزله، فعابثها ساعة، ثم أراد أن يمد يده إليها،
فقالت: ليس هذا موضعه، وسمع مزبدٌ قولها فقال: يا زانية، فأين موضعه؟ بين
الركن والمقام؟ أم بين القبر والمنبر؟ والله ما بنيت هذه الدار إلا للقحاب
والقوادات، ولأدفع ثمن خشبها إلا من القمار، فأي موضع للزنى أحق منها؟ .
وشكا إليه رجل سوء خلق امرأته؛ فقال له مزبد: بخرها بمثلثة. يريد: الطلاق.
وقيل له: صوم يوم عرفة يعدل صوم سنة. فصام إلى الظهر ثم أفطر فقال: يكفيني صوم نصف سنةٍ فيه شهر رمضان.
قيل لمزبد وقد عضه كلب: إن أردت أن يسكن فأطعم الكلب الشريد، فقال: إذاً لا يبقى في الدنيا كلبٌ إلا جاءني وعضني.
وقيل
له: إن النبي عليه السلام قال: " إذا رأيت شخصاً بالليل فكن بالإقدام عليه
أولى منه عليك " قال: أخاف أن يكون قد سمع هذا الحديث فأقع فيما أكره.
كان
مزبدٌ الغاضري في حبس محمد بن عبد الله - رضي الله عنه - حين ظهر
بالمدينة؛ فلما أمسى في الليلة التي قتل محمدٌ في صبيحتها وجعل يقول: معنا
علم الغيب. قيل: وكيف ذاك؟ قال: ما في الدنيا قومٌ يعرفون آجالهم غيرنا،
إذا أصبحنا جاءت.
وقيل له: قد بيض الناس جميعاً في سائر الآفاق. فقال:
وما ينفعنا من ذلك؟ وهذا عيسى بن موسى بعقوبنا، اعملوا على أن الدنيا كلها
زبدة. قال: فبهذا سمي مزبداً.
كان لامرأة مزبد صديقٌ فضربها وشجها، ودخل
مزبد فرآها على تلك الحال؛ فقال لها: مالك ويلك؟ قالت: سقطت من الدرجة،
فقال لها مزبد: أنت طالقٌ، إنك لو سقطت من بنات نعش ما أصابك هذا كله.
زفت إلى مزبد امرأةٌ قبيحة، فجاءت إليه الماشطة، فقالت: بأي شيءٍ تصبحها؟ قال: بالطلاق.
دفع مزبد إلى والي المدينة ومعه زق، فأمر بضربه، فقال: لم تضربني؟ قال: لأن معك آلة الخمر. قال: وأنت - أعزك الله - معك آلة الزنى.
وجلس مرة على الطريق يبول وهو سكران، وعليه طيلسان خلق، فمر به رجلٌ فأخذ طيلسانه؛ فالتفت إليه مزبد وقال: يا بني، صرف عنك السوء.
قال مزبد لرجل: كم تعلف حمارك؟ قال: نخرةً بالغداة، ونخرة بالعشى؛ فقال: اتق الله لا تحمر عليك.
دفع
مزبد في ذنبٍ إلى الوالي؛ فضربه خمسةً وسبعين سوطاً، ثم ظهر له براءة
ساحته، فأحضره واستحله، فقال مزبد: لا، ولكن تقاصني بها كلما أذنبت ذنباً،
فكان يسحب له كل مرة إذا أذنب بعشرةٍ ومثلها إلى أن نفدت وفضل عليه شيء.
وقال
مزبدٌ يوماً: مجالسة العضاة الحمر التي لا ورق لها خيرٌ من مجالسة الناس
اليوم. لم يبق إلا ظروفٌ قد عصرت أرواحهم فأخرجت، وليس في أجسادهم أرواح،
أطوف نهاري أجمع ما أرى إلا ظرفا. فقال له إنسان: قد بقيت في الناس بقيةٌ.
فقال مزبد: تلك البقية مثلث البلح ثلاثة في ثفروقٍ.
الباب الثامن
نوادر أبي الحارث جمين
قيل له: ما تقول في فالوذجة؟ قال: والله لو أن موسى لقي فرعون بفالوذجةٍ لآمن، ولكنه لقيه بعصا.وقيل له يوماً: ما تشتهي؟ فقال: نشيش مقلاةٍ بين غليان قدرٍ على رائحة شواءٍ.
وكان لا يأكل الباذنجان، فكايده محمد بن يحيى واتخذ ألوانه كلها باذنجان، فجعل كلما قدم لون فرابه الباذنجان فيه توقاه، وأقبل على الخبز والملح؛ فلما عطش قال: يا غلام، اسقني ماءً ليس فيه باذنجان.
وكتب يوماً إلى صديق له: أوصيك بتقوى الله، إلا أن ترى غير ذلك خيراً منه.
وقيل له: سبقت ببرذونك هذا قط؟ قال: بلى، مرة، دخلنا زقاقاً لا منفذ له وكنت آخر القوم؛ فلما رجعنا كنت أول الموكب.
ودخل جماعة من إخوانه، فاشتهوا عليه لوناً يطبخه لهم، فدنا أحدهم من القدر ليذوقها، وأخرج قطعة لحم وأكلها، وفعل كل واحد منهم كذلك؛ فقال أحدهم: هي طيبةٌ لكنها تحتاج إلى شيءٍ لا أدري ما هو؟ فقال أبو الحارث: أنا أعلم، هو ذا تحتاج إلى اللحم.
وحكى دعبلٌ قال: بلغني أن أبا الحارث قد فلج، فاغتممت لظرفه وملاحته، فصرت إليه فوجدته في عافية؛ فحمدت الله وسألته عن خبره؟ فقال: دخلت الحمام وأكلت السمك، ودعوت المزين فأخذ شعرى، فظن الفالج لما رأى المزين عندي أني احتجمت؛ فلما علم أنه أخذ من شعري تركني وانصرف.
ونظر يوماً إلى برذون يستقى عليه، فقال:
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه
لو أن هذا هملج ما كان هذا.
وأكل يوماً مع الرؤساء بيضاً مسلوقاً، فجعل يأكل الصفرة، وينحى البياض إلى بين يدي أبي الحارث عبثاً به؛ فقال لما طال ذلك عليه - وتنفس الصعداء - : سقى الله روح العجة فما أعدلها.
ودخل إلى بعض أصدقائه يوماً، فقال له: ما تشتهي؟ قال: أما اليوم فماء حصرم، وأما غداً فهريسة.
قال بعضهم: دخلت على جمين أعوده من مرضٍ به، فقلت له: ما تشتهي؟ فقال: أعين الرقباء، وألسن الوشاة، وأكباد الحساد.
مر رجلٌ به فسلم عليه بسوطه، فلم يرد عليه؛ فقيل له في ذلك؛ فقال: سلم علي بالإيماء، فرددت عليه بالضمير.
وسأله يحيى بن خالد عن مائدة ابنه؛ فقال: أما مائدته فمن نصف كسرة، وأما صحافه فمنقورةٌ من قشور حب الخشخاش، وما بين الرغيف والرغيف مد البصر، وما بين اللون واللون فترة ما بين نبي ونبي. قال: فمن يحضرها: قال: خلقٌ كثيرٌ من الكرام الكاتبين. قال: فيأكل معه أحد؟ قال: نعم، الذبان. قال: سوءة له هذا، فشوبك مخرق وأنت بفنائه يطور، فلو رقعت قميصك. قال: ما أقدر على إبرة، قال: هو يعطيك، قال: والله لو ملك بيتاً من بغداد إلى النوبة مملوءاً إبراً في كل إبرةٍ خيطٌ، ثم جاء جبريل وميكائيل ومعهما يعقوب النبي عليه السلام يسألونه إبرة يخيط بها يوسف قميصه الذي قد من دبرٍ ما أعطاهم.
وجاء إليه رجل يسأله شيئاً، وقال: قد قطع علي الطريق. قال: فعلي إذا قطع الطريق.
ولقيه
رجلٌ - وقد تعلق به غلام - فقال: يا أبا الحارث؛ من هذا؟ قال: هذا غلام
الفضل بن يحيى، كنت عند مولى هذا أمس، فقدم إلينا مائدةً عليها رغيفان عملا
من نصف خشخاشة سوى ما ذهب عند النحت، وثريدة في سكرجةٍ، وخبيصة في مسعط،
فتنفست الصعداء فدخل الخوان وما عليه في أنفي، فمولاه يطالبني بالقيمة. قال
الرجل: استغفر الله مما تقول، فأومأ إلى غلامٍ معه وقال: غلامي هذا حرٌ إن
لم يكن لو أن عصفوراً وقع على بعض قشور ذلك الخشخاش الذي عمل منه ذلك، لما
رضي مولى هذا حتى يؤتى بذلك العصفور مشوياً بين رغيفين، والرغيفان من عند
العصفور. ثم قال: وعلي المشي إلى بيت الله الحرام، إذا عطشت بالقرعاء رجعت
إلى دجلت العوراء حتى أشرب منها ماءً، لو أن مولى هذا كلف في يوم قائظٍ
شديد الحر أن يصعد على سلم من زبد، حتى يلتقط كواكب بنات نعشٍ كوكباً
كوكباً؛ لكان ذلك أسهل عليه من أن يشم شام تلك الثريدة، أو يذوق ذائقٌ تلك
الخبيصة.
فقال الرجل: عليك لعنة الله، وعلي إن سمعت منك شيئاً بعد هذا.
وقيل له وهو على نبيذ: كل من هذا الطين السيراني فإنه نظيف؛ فقال: ومتى بلغك أن في بطني وكفاً.
وقيل
له: ما تغديت عند فلان؟ قال: لا، ولكني مررت ببابه وهو يتغدى. قيل: وكيف
علمت ذلك؟ قال: رأيت غلمانه ببابه، بأيديهم قسي البنادق يرمون الطير في
الهواء.
وقال له الرشيد: لم لا تدخل إلى محمد بن يحيى؟ فقال: أدخل والله
يا أمير المؤمنين، وأما أكسى من الكعبة، وأخرج وأنا أعرى من الحجر الأسود.
قيل لأبي الحارث: ما تقول في جواذب بطٍ في يوم صائف؟ . قال: نعم، في يوم
من أيام تموز في حمام حار بمنى.
قيل لجمين - وقد رأى سوداء قبيحة - :
ابتلاك الله بحبها قال: يا بغيض لو ابتلاني بحبها كانت عندي من الحور
العين، ولكن ابتلاك الله بأن تكون في بيتك وأنت تبغضها.
وقال له الرشيد:
اللوزينج أم الفالوذج؟ قال: أحضرهما يا أمير المؤمنين، فأحضرا، فجعل يأكل
من هذا وهذا، ثم قال: يا أمير المؤمنين، كلما أردت أن أشهد لأحدهما غمزني
الآخر بحاجبه.
قال بصري لجمين: يأتينا المد والجزر في كل يوم مرتين. قال: يستأذن الله في هلاككم مرتين، وكأن قد.
ورأوا عليه جبةً قد تخرقت، فقيل له: ما هذا؟ قال: غنت بقول الشاعر:
لقا فؤادي، لقد بلى جزعاً ... قطعه البين والهوى قطعا
ثم قيل له بعد ذلك: كيف تغني جبتك؟ فقال: قد كانت تغنى، وقد صارت تلطم في مأتم.
ودعته
امرأةٌ كان يحبها، فجعلت تحادثه ولا تذكر الطعام، فلما طال ذلك به قال:
جعلني الله فداءك، لا أسمع للغداء ذكراً. قالت له: أما تستحي أما في وجهي
ما يشغلك عن هذا؟ قال: جعلني الله فداءك، لو أن جميلاً وبثينة قعدا ساعةً
لا يأكلان شيئاً لبزق كل منهما في وجه صاحبه.
الباب التاسع
نوادر الجماز
قال الجماز لأبي شراعة: كيف تجدك؟ قال: أجدني وقيذاً من دماميل قد ظهرت في أقبح المواضع. قال: ما أرى في وجهك منها شيئاً.قال بعض إخوان الجماز - وقد دخل إليه وهو يطبخ قدراً - : لا إله إلا الله ما أعجب الرزق فقال الجماز: أعجب منه الحرمان. امرأته طالق إن ذقتها.
وقال له السهري: ولد لي البارحة ابنٌ كأنه الدينار المنقوش. فقال الجماز: لا عن أمه.
صلى رجلٌ صلاةً خفيفة؛ فقال له الجماز: لو رآك العجاج لسر بك. قال: ولم؟ قال: لأن صلاتك رجز.
وتغدى عند إنسان هاشمي ومر الغلام بصحفةٍ؛ فقطر منها شيءٌ على ثوب الجماز، فقال الهاشمي: يا غلام؛ اغسل ثوبه. فقال الجماز: دعه، فمرقتكم لا تدسم الثوب.
وسمع محبوساً يقول: اللهم احفظني؛ فقال: قل اللهم ضيعني حتى تنفلت.
وقالت له امرأته في يوم غائمٍ: ما يطيب في هذا اليوم؟ فقال: الطلاق.
أدخل يوماً غلاقاً إلى منزله، فلما دخل ادعى أنه هو فعل بالجماز، فبلغه ذلك؛ فقال: قد حرم اللواط إلا بولي وشاهدين.
ودخل مع صاحبٍ له إلى قثمٍ بن جعفر؛ فتغديا عنده وتحدثا، وأراد قثم أن يقيل، فدعا غلاماً رومياً وضيئاً فقال: قف هاهنا، فقال الجماز لصاحبه: قم بنا نعرج. قال: إلى أين؟ قال: إلى السماء، فقد نزلت ملائكة الليل.
رأى رجلٌ
من ولد عبيد الله بن زياد كأن النبي وعلياً وفاطمة - عليهم السلام - في
داره، فصام وتصدق تبركاً برؤياه، وقصها والجماز حاضر؛ فقال: أتدري لم
جاءوك؟ قال: لا. قال: جاءوك ليشكروك على فعل أبيك بابنهم، فانخذل الرجل وود
أنه لم يذكر من ذلك شيئاً.
وذكر يوماً رجلاً قام من عنده؛ فقال: كأن قيامه من عندنا سقوط جمرةٍ من الشتاء.
وقيل له: ما بقى من شهوتك للنساء؟ فقال: القيادة عليهن.
قال الجماز: رأيت عجوزاً تسأل وتقول: من تصدق علينا بكسرةٍ أطعمه الله من طيبات باب الطاق.
وقال: قلت لرجلٍ: قد زاد سعر الدقيق؛ فقال: أنا لا أبالي لأني أشتري الخبز.
قال: قلت لرجلٍ رمد العين: بأي شيءٍ تداوي عينيك؟ فقال: بالقرآن ودعاء الوالدة. قلت: اجعل معهما شيئاً يقال له: العنزروت.
قال: رأيت بالكوفة رجلاً وقف على بقال فأخرج إليه رغيفاً صحيحاً؛ فقال: أعطني كسراً، وبصرفه جزرا.
وقال:
حرم النبيذ على ثلاثة عشر نفساً: على من غنى الخطأ، واتكأ على اليمنى،
وأكثر أكل النقل، وكسر الزجاج، وسرق الريحان، وبل ما بين يديه، وطلب
العشاء، وقطع البم، وحبس أول قدح، وأكثر الحديث، وامتخط في منديل الشراب،
وبات في موضع لا يحتمل المبيت.
طالب الجماز امرأته بالجماع، فقالت: أنا حائض، وتحركت فضرطت؛ فقال لها: قد حرمتنا خير حرك، فاكفينا شر استك.
قال
ابن عمار: تذاكرنا ضيق المنازل، فقال الجماز: كنا على نبيذٍ لنا، فكان
أحدنا إذا دخل الكنيف، وجاء القدح، مديده إلى الساقي فناوله إياه. .
قال
الجماز: مررت بنجادٍ - في قنطرة البردان طويل اللحية - وامرأته تطالبه
بشيء لها عنده وهو يقول: رحمك الله. متاعك جافٌ ويحتاج إلى حشوٍ كثير، وأنت
من العجلة تمشين على أربع.
أملى خالد بن الحارث أحاديث حميد عن أنس،
فكانت نسخته فيها سقط. وكان الجماز يستملي عليه، فقال خالد: حدثنا حميدٌ عن
أنس، قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم. هكذا في نسختي، وهو رسول الله
إن شاء الله. فقال الجماز: حدثكم حميد بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم. وشك أبو عثمان في الله، فقال خالد: كذبت يا عدو الله، ما شككت
في الله، وتضاحك أهل المجلس، وأصلحت النسخة.
وكان يأكل عند سعيد بن سلم
على مائدةٍ دون مائدته، فإذا رفع من مائدة سعيدٍ شيء وضع على المائدة التي
عليها الجماز؛ فالتفت الجماز؛ فقال: يا أبا عمرو، وهذه عصبةٌ لتلك، كما
يقال: وما بقى فللعصبة.
وقال له المتوكل: أي شيء أهديت لي يوم العيد؟ قال: حلقة رأسي.
وأدخل يوماً غلاماً، فلما بطحه فسا فسوةً منكرة، فقال الجماز: ويلك هوذا، تذري من قبل أن ندرس.
ودخل عليه ثقيلٌ يعوده من مرضه؛ فلما نهض قال للجماز: تأمر بشيءٍ. قال: نعم بترك العودة.
وقال لرجل: ما أخرك عنا؟ ؛ فقال: أصابتني خلفة؛ فقال الجماز: ما أبين الخلفة في وجهك.
شهى جعفر بن سليمان أصحابه؛ فتشهى كل إنسان منهم جنساً من الطعام؛ فقال للجماز: فأنت ما تشتهي؟ قال: أن يصح ما اشتهوا.
وسأل
يوماً غلاماً، وأدخله مسجداً؛ فلما فرغ منه أقبل المؤذن، فقام الجماز،
وخرى في المحراب؛ فقال المؤذن: يا عدو الله، أعلم على أنك فجرت بالغلام في
المسجد؛ لأنه ليس لك بيت. ما حجتك في أن قذرت بالمحراب؟ قال: علمت أنه يشهد
علي يوم القيامة، فأحببت أن أجعله خصمي لئلا تقبل شهادته علي.
ودفع إلى
القصار قميصاً ليغسله، فضيقه، ورد عليه قميصاً صغيراً؛ فقال: ليس هذا
قميصي، قال: بلى هو قميصك ولكنه توزى وفي كل غسلةٍ يتقلص ويقصر؛ فقال
الجماز: فأحب أن تعرفني في كم غسلةٍ يصير القميص زراً؟ .
وقيل له: لم تقصر شعرك؟ قال: أليس قليل ما أجئ به كثيراً في جنب ما يعطونني.
وحضر
دعوة بعض الناس فجعل رب البيت يدخل ويخرج ويقول: عندنا سكباجةٌ تطير
طيراناً، عندنا قليةٌ تطير في السماء، فلما طال ذلك على الجماز وجاع قال:
يا سيدي، أحب أن تخرج لي رغيفاً مقصوص الجناح إلى أن تقع ألوانك الطيارات.
ونظر إلى غلام؛ فقال: هذا كان من المطففين. قيل: وكيف ذاك؟ . قال: كان إذا ناكه الواحد، وكان وقت الفراغ، فرج بين فخذيه.
ووجد مع غلام في موضع خالٍ، وقد حلا سراويلهما، فقيل له: ما تصنع؟ ، قال: نتخاير بالتكك.
قال
الجماز: اجتزت ببابٍ وصاحب الدار يقاتل امرأته ويقول: لأحملن عليك اليوم
مائة رجل، فجلس شيخ كان خلفي على الباب ينتظر؛ فلما طال دق الباب وقال:
تريد أن تحمل على هذه القحبة أو انصرف.
رأى رجلٌ الهلال فاستحسنه؛ فقال
له الجماز: وما تستحسن منه؟ فو الله إن فيه لخصالاً لو كانت إحداهن في
الحمار لرد بها؛ قال: وما هي؟ قال: إنه يدخل الروازن، ويمنع من الدبيب،
ويدل على اللصوص، ويسخن من الماء، ويخرق الكتان، ويورث الزكام، ويحل الدين،
ويزهم اللحم.
كان المتوكل يحدث عن الجماز؛ فكتب في حمله، فلما دخل عليه
لم يقع الموقع الذي ظنه؛ فقال المتوكل: تكلم فإني أريد أن أستبرئك. فقال
الجماز: بحيضةٍ أو بحيضتين؛ فضحكت الجماعة.
وقال له الفتح: قد كلت أمير
المؤمنين فيك حتى ولاك جزيرة القرود، فقال له الجماز: أفلست في السمع
والطاعة أصلحك الله؟ ، فحصر الفتح وسكت.
فقال له بعض من حضر: إن أمير
المؤمنين يريد أن يهب لك جاريةً. فقال: ليس مثلي من غرم نفسه، ولا كذب عند
أمير المؤمنين. إن أرادتني أن أقود عليها، وإلا فمالها عندي شيء؛ فأمر له
المتوكل بعشرة آلاف درهم، وأخذها وانحدر؛ فمات فرحاً.
و قال له بعض ولد المتوكل في هذا المجلس: يا شيخ، ألا تستحي مما تقول؟. قال: لا. قال ولم؟ . قال: حتى أرى من يستحيا منه.
رئي الجماز ين..ك غلاماً خلف الدرب من قيامٍ؛ فقيل له: إيش تعمل؟ . قال: هو ذا أبصر أنا أطول أم هو.
الباب العاشر
نوادر المجانين
قال مجنونٌ - ولقى الناس منصرفين من الجمعة - : أيها الناس: " إني رسول الله إليكم جميعاً " . فقال له مجنونٌ آخر: " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه " .وكان بهلول من مجانين الكوفة، وكان يتشيع؛ فقال له إسحاق ابن الصباح: أكثر الله في الشيعة مثلك. قال: بل أكثر الله في المرجئة مثلي، وأكثر في الشيعة مثلك.
ومر موسى بن أبي الروقاء، فناداه صباحٌ الموسوس: يا بن أبي الروقاء أسمنت برذونك، وهزلت دينك، أما والله إن أمامك لعقبةً لا يجوزها إلا المخف فحبس موسى برذونه؛ فقيل له: هذا صباحٌ الموسوس.قال: ما هو بموسوس؟ .
قال ثمامة: قال لي مجنون مرةً: يا ثمامة، تزعم أنت أن الاستطاعة إليك؟ قلت: نعم. قال: فإن كنت صادقاً فاخر ولا تبل.
وقف رجلٌ على بهلول؛ فقال له: تعرفني؟ ؛ فقال بهلول: إي والله، وأنسبك نسبة الكمأة، لا أصلٌ ثابتٌ، ولا فرعٌ نابت.
ودعا الرشيد بهلولاً ليضحك منه؛ فلما دخل دعا له بمائدةٍ فقدم عليها خبزٌ وحده، فولى بهلولٌ هارباً؛فقال له: إلى أين؟ .قال: أجيئكم يوم الأضحى، فعسى أن يكون عندكم لحمٌ.
أخرج بلال بن أبي بردة من حبسه مجنوناً يمازحه، فقال له: أتدري لم أخرجتك؟ قال: لا. قال: لأسخر منك. قال: إن المسلمين حكموا حكمين فسخر أحدهما على بالآخر.
قال المبرد: دخلت يوماً دير هزقل، فرأيت في صحن الدار مجنوناً، فدلعت لساني في وجهه، فنظر إلى السماء، وقال: الحمد والشكر من حلوا ومن ربطوا.
قال بعضهم: رأيت بحمصٍ مجنوناً يقول: يا قوم، من يتعلم: لا أدري؟ يا هذا، تعلم: لا أدري؛ فإنك إذا قلت: لا أدري علموك حتى تدري وإذا قلت: أدري سألوك حتى لا تدري.
رمى بهلولٌ رجلاً فشجه؛ فقدم إلى الوالي، فقال له: لم رميت هذا؟ . قال: ما رميته ولكنه دخل تحت رميتي.
وقال بهلولٌ يوماً: أنا والله أشتهي من فالوذج ومن سرقين، فقالوا: والله لنبصرته كيف يأكل، فاشتروا له الفالوذج، وأحضروا السرقين؛ فأقبل على الفالوذج واكتسحه، وترك السرقين، فقالوا له: لم تركت هذا؟ . قال: أقول لكم، أما - والله - يقع لي أنه مسمومٌ، من شاء منكم يأكل ربع رطلٍ حتى آكل أنا الباقي.
وجاء مجنونٌ فوقف عند شجرة ملساء، فقال: من يعطيني نصف درهم حتى أصعد؟ فعجب الناس وأعطوه، فأحرزه، ثم قال: هاتوا سلما. قالوا: ما كان السلم في الشرط. قال: وكان بلا سلم في الشرط؟ .
ووقف بهلول على رجل، وقال: خبرني عن قول الشاعر:
وإذا نبا بك منزلٌ فتحول
كيف هو عندك؟ . قال: جيدٌ. قال: فإن كنت في الحبس فكيف تتحول؟ . قال: فانقطع الرجل، فقال بهلول: الصواب قول غيره:
إذا كنت في دارٍ يسوءك أهلها ... ولم تك مكبولا بها فتحول
أصيب
إسحاق بن محمد بن الصباح الكندي بابنٍ له، فجزع؛ فدخل أهل الكوفة يعزونه،
ودخل فيهم بهلول؛ فقال: أيسرك أنه بقى وأنه مثلي؟ . قال: لا والله، وإنها
لتعزية.
قال بعضهم: جاءنا جعيفران في سوق أصحاب اللؤلؤ، فوهب له إنسانٌ
حبةً من الحب الصغار؛ فقال له رجل: أتبيعها بطسوج؟ ، فقال: إن كان بطسوج
بادرونا فنعم.
هرب مجنون من الصبيان، ودخل دهليزا، وأغلق الباب في
وجوههم وجلس؛ فخرج إليه صاحب الدار، فقال: لم دخلت داري؟ . قال: من أيدي
هؤلاء أولاد الزنى. فدخل صاحب الدار، وأخرج طبقاً عليه رطب كثير، فجلس
المجنون يأكل، والصبيان يصيحون على الباب؛ فأخرج المجنون رأسه إلى صاحب
الدار، فقال: بابٌ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب.
قيل لمجنون كان بالبصرة: عدلنا مجانين البصرة. قال: كلفتموني شططا، أنا على عد عقلائهم أقدر.
كان ببغداد مجنونٌ يلبس فروةً مقلوبة، فإذا قيل له في ذلك قال: لو علم الله أن الصوف إلى داخلٍ أجود عمل الصوف إلى داخل.
قال الفزاري: رأيت مجنوناً يسوى رأس سكران، ويقول له: يؤيؤ، والله لا أفلحت أبداً.
قيل لمجنون: أين المولد؟ . قال: المولد البصرة، والمنشأدير هزقل.
شد مجنونٌ على رجل بالبصرة، فأخذه الرجل فضربه. فقال الناس: إنه مجنون، وجعل المجنون من تحته: ويحكم أفهموه.
قيل لمجنون: أيسرك أن تصلب في صلاح هذه الأمة؟ . قال: لا، ولكن يسرني أن تصلب الأمة في صلاحي.
قال
داود المصاب لصديق له: رأيت البارحة رؤيا نصفها حق، ونصفها باطل، رأيت
كأني قد حملت على عاتقي بدرة، فمن ثقلها خريت فانتبهت فرأيت الخرا، ولم أر
البدرة.
سمع مجنونٌ رجلاً يقول: اللهم لا تأخذنا على غفلة. فقال: إذاً لا يأخذك أبداً.
قال
بعضهم: كان بالشام مجنونٌ يستطرف حديثه، قال: رأيته يوماً وقد رفع رأسه
إلى السماء وهو يقول: الناس كذا يعملون، وهذيانٌ كثير. قيل له: ما تقول؟
ويحك. قال: أعاتب ربي. قيل: فكذا يخاطب الله. قال: قلت له: بدل ما خلقت
مائةً وجوعتهم لو كنت تخلق عشرةً وتشبعهم لكان خيراً.
جاء مجنونٌ إلى
يزيد بن هارون، فقال له: يا أبا خالد؛ أليس النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
لولا أن الكلاب أمةٌ من الأمم لأمرت بقتلها، ولكن اقتلوا منها كل أسود
بهيم " . قال يزيد: نعم. فقال المجنون: أليس قد قال الله تعالى: " وإن من
أمةٍ إلا خلا فيها نذيرٌ " . فمن نذير الكلاب؟ قال: فتحير يزيد في جوابه.
فقال له المجنون: تحب يا أبا خالد أن أعرفك نذير الكلاب؟ قال: نعم، فأخذ
حجراً فرمى به كلباً بالقرب منه؛ فعدا الكلب يعوي وينبح؛ فقال: يا أبا
خالد؛ الحجر نذير الكلاب.
سأل بعض الولاة عن أبي نصر الهروي ليعبر له
رؤيا رآها، فقيل له: هو بمرو يأوي الصحراء؛ فبعث إليه، فأتي به؛ فقال: إني
رأيت كأن في كمي عصافير؛ فجعلت تفلت واحدةً واحدة، وتطير؛ فلما كان آخر
عصفورةٍ كادت تفلت، فحبستها.
قال المجنون: أكلت عدسية، فبت تضرط ليلتك؛
فلما كان آخرها أردت أن تسلح فحبسته. فقال الوالي: اسكت قبحك الله. قال: هو
والله ما قلت. فلما خرج قال الرجل: والله ما أخطأ شيئاً.
رثي بهلول
مغموماً يبكي؛ فقيل: ما يبكيك؟ . قال: كيف لا أبكي؟ وقد جاء الشتاء وليس لي
جبة. فقيل: لا تبك؛ فإن الله لا يدعك بلا جبة. قال: بلى والله. عام أولٍ
تركني بلا جبة ولا سراويل، وأخاف أن يدعني العام بلا جبة ولا سراويل ولا
قلنسوة.
قال بعضهم: مررت يوماً ببهلول، وهو يأكل فرنية حواري مع دجاجة،
فقلت له: يا بهلول؛ أطعمني مما تأكل، فقال: ليس هذا لي - وحياتك - هذا
دفعته إلي أم جعفرٍ آكله لها.
نظر رجلٌ إلى جماعةٍ من المجان حول مجنون، فقال له: ادخل إلى بعض المواضع حتى يتفرقوا عنك. قال: إذا جاعوا انصرفوا.
قيل لبهلول: تأخذ درهماً وتشتم فاطمة؟ . قال: لا، ولكن هاتوا نصف درهمٍ حتى أشتم عائشة، وأزيدكم أباها.
كان
الجهجاه مجنوناً، وكان يدعي الخلافة، فأدخل على الرشيد، وعنده أبو يوسف
القاضي، فقال: جعفر بن يحيى كالهازئ به: هذا أمير الضراطين. يزعم أنه أمير
المؤمنين. قال: لو كنت كذلك أوسع إمرةً من صاحبك؛ لأن الضراط عامٌ،
والإيمان خاصٌ.
قال له الرشيد: لأضربنك بالسياط حتى تقر بالزندقة.
قال: فإذا أقررت ترى قتلي؟ .قال: نعم، قال: فالتفت إلى أبي يوسف، وقال: يا
يعقوب؛ ليس لصاحبنا فقهٌ.
قيل لبهلول: أيكفي اثنين رأسٌ واحد؟ . قال: إذا كان أحدهما نائماً.
وحضر
مجلساً فيه قوم يتذاكرون الحديث، فرووا عن عائشة أنها قالت: لو أدركت ليلة
القدر ما سألت ربي إلا العفو العافية. فقال بهلول: والظفر بعليٍّ يوم
الجمل.
وحكى أن صاحب المارستان أتاه بقدح فيه دواء، وقال له: اشرب يا بن الزانية؛ فقال: هات حتى أشربه والله أعلم أنك أحق به مني.
ولما
حمل إلى المارستان سأل الناس أن يأذنوا له في أن يلم ببيته، ويوصي أهله
بشيءٍ، فمنعوه، فقرأ: " فلا يستطيعون توصيةً ولا إلى أهلهم يرجعون " .
وقيل
له: ما تشتهي من الفاكهة الرطبة؟ . قال: لحمٌ. قيل: فمن اليابسة؟ قال:
قديدٌ، قيل: فمن الشراب؟ .قال: مرقة. قيل: فمن السماع؟ . قال: نشيش
المقالي.
قال قوم لمجنون بالبصرة أديب: عظنا، وهم يهزءون به؛ فقال: هذه قصورهم، وهذه قبورهم. فأبكاهم.
قال
أبو العيناء: حضرت أبا دينارٍ وأبا لقمان الممرورين يتناظران عند ابن أبي
دواد؛ فقال أبو لقمان لأبي دينار:من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ ، قال ابن دواد: أبو بكر الصديق. فقال أبو لقمان: أم الكاذب
زانية. قال ابن أبي دواد: هذا كلام قد انتهى إلى آخره.
كان بهلولٌ يجمع
ما يوهب عند مولاة له من كندة، وكانت له كالأم، وربما أخفي عنها شيئاً
ودفنه، فجاء يوماً بعشرة دراهم كانت معه إلى خربة فدفنها فيها، ولمحه رجلٌ،
فلما خرج بهلولٌ ذهب الرجل فأخذ الدراهم، وعاد بهلول فلم يجدها. وقد كان
رأى الرجل يوم دفنها فعلم أنه صاحبه، فجاء إليه فقال: اعلم يا أخي أن لي
دراهم مدفونة في مواضع كثيرةٍ متفرقة، وأريد أن أجمعها في موضعٍ دفنت فيه
هذه الأيام عشرة دراهم؛ فإنه أحرز من كل موضع، فاحسب بالله كم تبلغ جملتها.
قال: هات. قال: خذ عشرين درهما في موضع كذا، وخمسين في موضع كذا، حتى طرح
عليه مقدار ثلثمائة درهم. ثم قام بين يديه ومر؛ فقال الرجل في نفسه: الصواب
أن أرد العشرة إلى موضعها، حتى يجمع إليها هذه الجملة ثم آخذها، فردها.
وجاء بهلول فدخل الخربة، وأخذ العشرة، وخرى مكانها، وغطاه بالتراب ومر،
وكان الرجل مترصداً لبهلول وقت دخوله وخروجه؛ فلما خرج مر بالعجلة، فكشف عن
الموضع، وتلوثت يده بالخرا، ولم يجد شيئاً، وفطن لحيلة بهلول عليه. ثم إن
بهلولاً عاد إليه بعد يومين فقال: احسب يا سيدي؛ عشرين درهماً، وخمسة عشر
درهماً، وعشرة دراهم، وشم يدك. فوثب الرجل ليضربه، وعدا بهلول.
وولى بعض بني هاشم الكوفة، فلما صعد المنبر قال: الحمد لله، وارتج عليه، فجعل يكرر ذلك؛ فقال بهلول: الذي ابتلانا بك.
وجاز
بهلول بسوق البزازين، فرأى قوماً مستجمعين على باب دكان ينظرون إلى نقبٍ
قد نقب على بعضهم، فاطلع في النقب، ثم قال: وكلكم لا تعلمون ذا من عمل من؟
قالوا: لا. قال: فإني أعلم. فقال الناس: هذا مجنونٌ يراهم بالليل ولا
يتحاشونه، فأنعموا له القول لعله يخبر بذلك. فسألوه أن يخبرهم. فقال: إني
جائع، فهاتوا أربعة أرطال رقاقٍ ورأسين، فأحضروا ذلك وأكل، فلما استوفى
قال: هوذا أشتهي شيئاً حلواً، فأحضروا له رطلين فالوذج فأكله، وفرغ منه
وقام وتأمل النقب، ثم قال: كأنكم الساعة لستم تعلمون هذا من عمل من؟ .
قالوا: لا. قال: هذا من عمل اللصوص لا شك. وعدا.
ولع الصبيان بعيناوة،
وصاحوا عليه، ورموه، فهرب منهم فاستقبلته امرأةٌ معها صبيٌ صغير، فدنا منها
ولطم الطفل لطمةً كادت تأتي عليه، فقالت المرأة: قطعت يدك إيش أذنب هذا
إليك. قال: يا قحبة؛ هذا يكون غداً شراً من هؤلاء الكشاخنة.
ركب
الهادي يوماً، فنظر إلى مجنون يلقب بكسرة؛ ويرمى من يقول هذا اللقب، ويعمل
العجائب؛ فأمر بحمله إلى الدار، فقال له: لم تشتم الناس إذا قالوا لك:
كسرة؟ . قال: ولم تضرب الأعناق إذا قيل لك: موسى اطبق؟ . قال: أنا لا أغضب
من هذا. قال: فصح أنت بي ثلاث مراتٍ، وأصيح مرتين فننظر من يحرد. قال: قد
رضيت. فقال الهادي: يا كسرة؛ يا كسرة. ثلاث مرات، وطولها، فلم يلتفت
المجنون، ولم يتحرك ولم يحرد، ثم صاح: يا موسى اطبق. فلم يتحرك الهادي،
فقال المجنون: ما يتغافل إلا من أمه قحبة. فحرد الهادي، ودعا بالنطع
والسيف، فقال المجنون: كيف رأيت؟ كان المجنون واحداً، صرنا اثنين. وأنا
أيضاً هكذا؛ لو قالوا: يا كسرة؛ يا رغيف. ألف سنة ما باليت، ولكن كذا
يقولون لي إذا تغافلت. فضحك الهادي وأمر له بجائزة.
قال بعضهم: رأيت
مجنونين قد رفعا إلى بعض أصحاب الشرط، وقد تواثبا وتخاصما؛ فقال لأحدهما:
لم فعلت هذا؟ . قال: لأنه وثب علي وشجني؛ فقال: لم بدأته بالرفس، ومددت
خصيته، قال: يا ولد النجس من بين الأمراء؛ بهذا اللباس الذي عليه لا تكفيه
فرد خصية؟ .
ونظروا إلى ماني الموسوس يأكل تمراً، ويبتلع نواه، فقيل: لم لا ترمي بالنوى؟ . قال: هكذا وزنوه علي.
قيل لبهلول: يقع في الطفشيل قتٌ؟ . قال: نعم إذا كان للبقل.
وكتب مجنون إلى آخر: بسم الله الرحمن الرحيم.
وأمتع
بك؛ كتبت إليك ودجلة تطفح، وسفن الموصل تنحدر، وما يزداد الصبيان إلا
لعنة، والحجر إلا قلةً؛ فلا تنم إلا وعند رأسك حجران، وكن كما قال الأول: "
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ " . وإياك والموت فإنه طعام سوءٍ. وكتبت
لأربع عشر يوماً بقيت إلى عاشوراء الأول سنة افتصد عجيف.
كان بمكة رجلٌ
يرمى بأنه لقيطٌ، ولا يعرف له أب، وكان موسراً، وكان بها مجنونٌ يقصده
كثيراً فيبره ويحسن إليه، فجاء المجنون يوماً، فرآه قاعداً محزوناً
منقبضاً؛ فقال: جعلت فداك ما لك كذا؟ . قال: لا شيء. قال المجنون: بلى، قد
عرفت، ترى ليس بمكة ولد زنىً غيرك. هم أكثر ذاك فلا تغتم.
قيل لمجنون:
لم صار الدينار خيراً من الدرهم، والدرهم خيراً من الفلس؟ . قال: لأن الفلس
ثلاثة أحرف، والدرهم أربعة أحرف، والدينار خمسة أحرف.
ولى العلاء بن
عمرو بلاد سارية، وكان جائراً فأصاب الناس القحط، وأمسكت السماء قطرها؛
فخرجوا يستسقون، وصعد العلاء المنبر؛ فقال في دعائه: اللهم ارفع عنا البلاء
والغلاء. فوثب معتوهٌ كان بها فقال: والعلاء؛ فإنه شرٌّ من الغلاء، وأغلظ
من البلاء. فضحك الناس، وخجل العلاء وانصرف.
ودخل داود المصاب بستاناً، فتعلقت بشوبه شوكةٌ، فالتفت وقال: والله لولا أنك بهيمةٌ لكسرت أنفك.
قال
بعضهم: مررت بعليان المجنون، وهو جالسٌ في محلة بني ضبة، فقلت له: يا أبا
الحسن؛ من أفضل عندك؟ أبو بكرٍ أم علي؟ فقال: أما في بني ضبة فأبو بكر.
حج
موسى بن عيسى ببهلول معه، فأقبل موسى يدعو عند البيت ويتضرع، وبهلول يقول:
لا لبيك ولا سعديك. فقال له ابنه العباس: ويلك تقول هذا القول للأمير في
مثل هذا الموقف. قال: أقول له ما أعلم أن الله يقول له.
قيل لبهلول: عدلنا مجانين البصرة. قال: هذا يكثر ويبعد جداً، ولكن إن أردتم عددت لكم عقلاءهم.
سأل
بعضهم أبا لقمان الممرور عن الجزء الذي لا يتجزأ ما هو؟ ، فقال: الجزء
الذي لا يتجزأ هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فقال له: وليس في الأرض لا
يتجزأ غيره. قال: بلى، حمزة جزءٌ لا يتجزأ، وجعفرٌ جزءٌ لا يتجزأ. قال:
فما تقول في أبي بكر وعمر؟ . قال: أبو بكر يتجزأ، وعمر يتجزأ، وعثمان يتجزأ
مرتين، وطلحة يتجزأ مرتين. قال: فما تقول في معاوية؟ . قال: معاوية جزء لا
يتجزأ ولا يتجزأ.
قيل لأبي زيد المجنون: ما العشق؟ قال: نيكٌ كله.
قيل لمجنون: ما فعلت حتى ضربك الصبيان؟ قال:
وإن امرأً يمسي ويصبح سالماً ... من الناس إلا ما جنى لسعيد
لما
مات والد بهلول خلف ستمائة درهم، فحظر عليه القاضي، فجاءه يوماً، وقال:
أيها القاضي؛ ادفع إلي مائة درهم، حتى أقعد في الحلقات فإن أحسنت أن
أتجربها دفعت إلي الباقي. فدفع إليه ذلك، فذهب وأتلفه وعاد إلى مجلس
القاضي. وقال: إني قد أتلفت المائة، فتفضل بردها فقد أسأت إذ دفعت إلي ذلك،
ولم يثبت عندي رشدي. فقال القاضي: صدقت، والتزم المائة في ماله.
كان مجنونٌ يؤذيه الصبيان، فقال له رجلٌ: تريد أن أطردهم عنك؟ . فقال: نعم، وتنطرد أيضاً معهم.
قال مجنونٌ: ليس في الدنيا أجل مني، لا أحاسب في الدنيا ولا في الآخرة.
قال الرشيد لبهلول: من أحب الناس إليك؟ فقال: من أشبع بطني. فقال: أنا أشبعك، فهل تحبني؟ . قال: الحب بالنسيئة لا يكون.
كان
مجنونٌ يختلف إلى المآتم، ويدعو، ورسمه أن يعطى درهمين، فاتفق أن آل
الزبرقان لم يمت منهم أحدٌ سنين كثيرة، ثم مات منهم واحد فحضر المجنون،
وأعطي درهم واحداً. فقال: من كثرة ما تموتون حتى نقصتم رسمي.
وكان
مجنونٌ آخر يحضر المآتم، ورسمه أن يعطى ثلاثة أرغفة فحضر يوماً بعض المواضع
وأعطي ستة أرغفة؛ فلما أراد أن يخرج قال لأصحاب التعزية: اذكروا أنه قد
بقى لكم علي ميتٌ آخر.
قال: لما ضمت المدينة إلى الحجاج مع مكة خرج
إليها؛ فبينا هو يسير إذ قال لأصحابه: تأخروا حتى أحدث نفسي؛ فتاخروا. ومضى
على حماره حتى انتهى إلى مبقلة، فإذا رجلٌ جالسٌ على شفير بئرٍ، فوقف عليه
فقال: ما يقول الناس في أميرهم؟ . فقال: يقولون: ظالمٌ متعدٍ ملعونٌ. قال
الحجاج: أتعرفني؟ . قال: لا. قال: أنا الحجاج. قال الرجل: أتعرفني أنت؟ .
قال: لا. قال: أنا مولى بني ثور، أصرع في كل شهرٍ ثلاثة أيام، اليوم أولها
وأشدها؛ فضحك الحجاج ولم يتمالك، ومضى، ولحقه الناس.
قيل لبهلول: أتأكل
في السوق وأنت تجالس جعفر بن محمد رضي الله عنه؟ . قال: حدثني مالكٌ عن
نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مطل الغني ظلمٌ لقيني
الجوع، والخبز في كمي؛ فكرهت أن أمطله.
ورثى في مقبرة؛ فقيل له: هلا
خالطت الناس؟ . فقال: إني بين قوم إن حضرت لم يؤذوني، وإن غبت لم يغتابوني.
قيل له: فادع الله، فإن الناس في ضر وشدة من الغلاء. فقال: وما علي من
ذلك، ولو بلغت الحبة ديناراً، وإنما علي أن أعبد الله كما أمرني، وعليه أن
يرزقني كما وعدني.
قيل لبهلولٍ: وزن أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بالأمة فرجحا. فقال: كان بالميزان غبن.
وجاء
بهلولٌ فوقف بحذاء حفص بن غياث القاضي، فقال: هوذا، أجد البرد في قدمي
ورأسي. فأمر له بقلنسوةٍ وخفين. فلما كان اليوم الثاني وقف بهلول بحذائه؛
فقال له: مالك؟ . قال: جزى الله القاضي عن الأطراف خيراً؛ فأمر له بقميصٍ
وسراويلٍ.
جاءت امرأة دندان المجنون إلى القاضي؛ فقالت: أصلحك الله، إنه
يجيعني ويضربني. قال القاضي: ما تقول؟ . قال دندان: أما الضرب فنعم، وأما
الجوع فهي طالقٌ ثلاثاً إن لم تجئ معي إلى منزلي مع أصحابك أيها القاضي،
فقال لأصحابه: قوموا بنا لا يحنث. فقام القاضي، وذهب معه، فلما دخل جاء به
إلى مزبلة فيها رجيعٌ عظيم، فقال: أصلحك الله. هذا يخرج من بطن جائعٍ؟ .
قال: أخزاك الله، فإنك أحمق. قال: أحمق مني من أطاع المجانين.
كان بهلول
يوماً جالساً والصبيان يؤذونه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. يعيده
مراراً، فلما طال أذاهم له أخذ عصاه وقال: حمي الوطيس، وطابت الحرب، وأنا
على بينةٍ من ربي. ثم حمل عليهم وهو يقول:
أشد على الكتيبة لا أبالي ... أفيها كان حتفي أم سواها
فتساقط
الصبيان بعضهم على بعض، وتهاربوا، فقال: هزم القوم وولوا الدبر. أمر أمير
المؤمنين - رضي الله عنه - ألا نتبع مولياً، ولا ندفف على جريح، ثم رجع
وجلس وطرح عصاه، وقال:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر
وقفده
رجلٌ كانت قد أرضعته امرأةٌ يقال لها مجيبة، وكانت رعناء، فقال بهلول: كيف
لا تكون أرعن، وقد أرضعتك مجيبة؟ فوالله لقد كانت تزق لي الفرخ فأرى
الرعونة في طيرانه.
وقف رجلٌ علي بهلول، فقال له: قد وقفت أنت هاهنا، والأمير يعطي المجانين كل واحد درهمين، فقال بهلول: فاعرض علي درهميك.
قال الفضل بن يحيى لجعيفران المجنون: لم لا تصير إلي؟ فقال: لأنت بحرٌ ولا أحسن أن أسبح، فوصله بمالٍ.
قيل لبهلول: ما تقول في رجل مات وخلف أماً وزوجة وبنتاً؟ فقال: للأم الثكل، وللابنة اليتم، وللزوجة الحرب، وما بقي فللعصبة.
وقال له الرشيد: أبو بكر وعمر خير من عليٍّ، فقال: واحدٌ: لا يجوز بإزاء اثنين، ولكن علي والعباس خيرٌ من أبي بكر وعمر.
قال
بعضهم: رأيت شيخاً قد سكر وسقط وسط الطريق، وهو ينخر، ومجنون واقفٌ على
رأسه يقول: يا مخذول، تسكر وتنخر؟ . ما تركت للصلح موضعاً.
الباب الحادي عشر
نوادر البخلاء
قال بعضهم لبخيل: لم لا تدعوني يوماً؟ . قال: لأنك جيد المضغ، سريع البلع، إذا أكلت لقمة هيأت أخرى. قال: فتريد مني إذا أكلت لقمة أن أصلي ركعتين، ثم أعود إلى الثانية؟ .دخل واحدٌ إلى بعضهم وهو يأكل، ومعه آخر؛ فقال الداخل: تعال كل. قد تغديت. فقال: هذا أيضاً زعم أنه تغدى.
ودخل آخر على بعضهم وبين يديه طبق عليه تين؛ فلما أحس بالداخل غطى الطبق بذيله، وأدخل رأسه في جيبه، وقال للداخل: كن أنت في الحجرة الأخرى حتى أفرغ من بخوري.
أكل ابن المدبر يوماً عند ابن الفياض، فقدمت جوذابة في نهاية الجودة، وأمعن ابن المدبر فيها؛ فلم يصبر ابن الفياض حتى قال له: أليس زعمت أنك لست صاحب جوذاب؟ .
قال بعضهم: حضرت مائدة بعضهم فضرب رب البيت يده إلى رغيف. ثم قال: يقولون خبري صغار. أي: أخو قحبة. يتم من هذا رغيفاً؟ .
وقال بعض المبخلين لرجلٍ على مائدته: اكسر ذلك الرغيف. فقال: دعه يبتلى به غيري.
دعا بخيلٌ قوماً، واتخذ لهم طعاماً، فلما جلسوا يأكلون وهو قائم يخدمهم، وأمعنوا في الأكل جعل صاحب البيت يتلو فيما بينه وبين نفسه: " وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً " .
وكان جعفر بن سليمان بخيلاً على الطعام، فرقعت المائدة من بين يديه وعليها دجاجة، فوثب عليها بعض بنيه وأكل منها، وأعيدت عليه من غد؛ فلما رآها وقد أكل منها شيء. قال: من هذا الذي تعاطى فعقر؟ قالوا: ابنك فلان. فقطع أرزاق بنيه كلهم، فلما طال عليهم قال بعض بنيه: أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا، فأمر برد نصف أرزاقهم.
وقف واحدٌ على الحطيئة ليستقريه فمنعه، فقال: إن الرمضاء قد أحرقت قدمي. قال: بل عليهما تبردا. قال: وما عندك غير هذا؟ . قال: بلى، هراوةٌ من أرزن معجزة. قال: إني ضيف. قال: للضيفان أعددتها.
قال أبو الأسود الدؤلي - وكان بخيلاً - : لو أطعنا المساكين في أموالنا كنا أسوأ حالاً منهم.
قال الجاحظ: حدثني بعض أصحابنا قال: كنا منطلقين إلى رجلٍ من كبار أهل العسكر، وقد كان لبثنا عنده يطول؛ فقال له بعضنا: إن رأيت أن تجعل لنا أمارة إذا ظهرت خففنا، ولم نتعبك بالقعود، فقد قال أصحاب معاوية مثل الذي قلنا لك؛ فقال: أمارة ذلك إذا قلت: إذا شئتم. وقال أصحاب يزيد مثل ذلك، فقال: إذا قلت: على بركة الله. وقيل لعبد الملك؛ فقال: إذا ألقيت الخيزرانة من يدي، فأي شيء تجعل لنا أصلحك الله؟ فقال: إذا قلت: يا غلام، الفداء.
نظر الكندي إلى رجل يكسر درهماً صحيحاً؛ فقال: ويحك لا تفرق بين الله ورسول.
قال جحظة: دخلت وأنا في بقايا علةٍ على كاتب، فقدم إلينا مضيرة، فأمعنت فيها، فقال: جعلت فداك، أنت عليل، وبدنك نحيل، واللبن يسحيل، فقلت: والعظيم الجليل لا تركت منها كثير ولا قليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال رجلٌ من أهل المدينة: أتيت صاحب بر، وكان بخيلاً؛ فقلت له: هب لي فلساً. قال: ليس معي. قلت: فهب لي من هذا البر ما أشرب به ماء. قال: فأعطاني خمس حبات؛ فقلت له: لا يسقيني الشارب بها ماءً؛ فقال: احمل عليه كما حملت علي.
كان يعمل لمعاوية لونٌ من المخ، لا يشاركه فيه أحد، فأتي به فضرب عبد الله بن جعفر بيده فيه، وقال: إنما أردت به أنسك يا أمير المؤمنين. قال: ما آنستني، ثم استحيا؛ فأرسل إليه عشرة آلاف؛ فقال عبد الله: كم في هذه من لون مخ؟ .
وقال لرجلٍ واكله: ارفق بيدك؛ فقال له: وأنت فاغضض بصرك.
قيل لبعضهم: كيف سخاء فلانٍ؟ . قال: عينه دولاب اللقم في أيدي الأضياف.
تغدى أعرابيٌّ عند معاوية؛ فنظر معاوية إلى شعرةٍ في لقمته؛ فقال: يا أعرابي خذ الشعرة من لقمتك؛ فقال: وإنك لتراعيني حتى تبصر الشعرة في لقمتي، والله لا أكلت معك أبداً.
كان خالد بن صفوان بخيلاً، فحدث ذارع من أهل البصرة
قال: دعاني خالدٌ فقسمت له مالاً، وأقمت حسابه، فلما كان عند الظهر دعا
بالغداء فجاءوه بدجاجةٍ، وجاءوني بزيتونٍ وبصل؛ فقال: تشتهي أن تأكل من هذه
الدجاجة؟ فقلت: وما عليك لو أكلت منها؟ . قال: إذا كنت أنا وأنت في مالي
سواء فما ينفعني مالي؟ .
وقال آخر: كنت عند رجلٍ من جلة الناس، فقدمت لو
زينجة رطبة، فأكل واحدةً وأكلت واحدة، ثم أكل أخرى وأكلت أخرى؛ فالتفت
إلي؛ فقال: إذا أكلت كما آكل فأين فضل المالك؟ .
أكل عند بخيل، وأمعنوا في الأكل، وأراد أن يقطعهم؛ فقال: ليس هذا أكل من يريد أن يتعشى.
حقن
عمر بن يزيد الأسدي بحقنةٍ فيها دهن؛ فلما حركه بطنه كره أن يذهب الدهن
ضياعاً، فدعا بطستٍ وجلس عليه، ثم قال: صفوا هذا الدهن فإنه يصلح للسراج.
وأوصى بعضهم ابنه؛ كن مع الناس كلاعب الشطرنج يحفظ شيئه.
كان
بالكوفة رجلٌ من المصلحين - وهذا لقب المقدمين منهم في اللؤم - فبلغه أن
بالبصرة رجلاً من المصلحين مقدماً في شأنه، فقام الكوفي، وصار إلى البصرة
ليلقى صاحبه، فلما قدم عليه قال له: من أنت؟ . قال: أنا مصلحٌ من أهل
الكوفة، وقد بلغني خبرك، فرحب به، وأدخله البيت وأجلسه، وأخذ قطعة ومر
ليشتري له شيئاً يأكله، فلما خرج إلى السوق دنا من البقال؛ فقال: عندك خبز؟
فقال: عندي خبزٌ كأنه السمن؛ فقال المصلح في نفسه: لم لا أشتري ما نعته
به؟ فذهب إلى آخر، وقال: أعندك سمن؟ فقال: عندي سمنٌ كأنه الزيت؛ فقال في
نفسه: أذهب فآخذ ما نعته به، فذهب إلى بقالٍ آخر؛ فقال: عندك زيت؟ قال:
عندي زيت كأنه الماء، فقال في نفسه: عندي والله راوية ماء. فرجع إلى البيت،
وأخذ الماء في غضارة وقدمه إلى الكوفي وقال: كل هذا، فإنه نعت النعت، فقال
الكوفي: أنا أشهد أنكم أحذق بالإصلاح منا بألف درجة.
قال مزبدٌ: أهل الكوفة إذا عتق عندهم التنور دقوه وجعلوه في الفتيت.
قال
بعضهم: بت عند رجلٍ من أهل الكوفة. وهو من الموسرين المعروفين بحسن الحال،
وله صبيان نيامٌ بحيث أراهم، فرأيته في الليل يقوم فيقلبهم من جنب إلى
جنب؛ فلما أصبحنا قلت له: رأيتك يا أبا جعفر البارحة تفعل كيت وكيت. قال:
نعم، هؤلاء الصبيان يأكلون وينامون على اليسار، فيمريهم الطعام فيصبحون
جياعاً، فأنا أقلبهم من اليسار إلى اليمين؛ لئلا ينهضهم ما أكلوه سريعاً.
قال
بعضهم: دخلت الكوفة فسمعت امرأةً تقول: يا أبا جعفر الدقاق، حسيبك الله -
وقد اجتمع الناس عليهما - فقال الدقاق: مالك؟ قالت: أعطيتني كيلجة دقيق ما
جاء منها إلا ثمانون رغيفاً. قال: يا مسرفة، إذا كنت تخبزين رغفاناً مثل
الأرحبة فأي ذنب لي؟ .
وقال بعضهم: رأيت بالكوفة سائلاً يتصدق، ومعه
منهزة، فقلت له: ما هذه؟ . قال: أصيد بها الكسر. قال: وإذا هو كلما رموا
إليه بكسرةٍ من تلك الروازين طارت بها الريح، فتلقاها بالمنهزة.
قال
آخر: رأيت بالكوفة صبياً ومعه قرصة، وهو يكسر لقمةً لقمةً، ويرمي بها إلى
شقٍّ في بعض الحيطان يخرج منه دخانٌ، ويأكلها. قال: فبقيت أتعجب منه، إذ
وقف عليه أبوه يسأله عن خبره؛ فقال الصبي: هؤلاء قد طبخوا سكباجة حامضةً
كثيرة التوابل؛ فأنا أتأدم برائحتها. قال: فصفعه أبوه صفعةً صلبة كاد يقطع
بها رأسه وقال: تريد تعود نفسك من اليوم ألا تأكل خبزاً إلا بأدم.
انتقل
قصابٌ من بغداد إلى الكوفة، وفتح بها دكاناً، وذبح شاةً سمينة، وقعد من
غدوة إلى العصر لم يبع شيئاً، ولم يقف عليه أحدٌ؛ فلما كان العصر إذا هو
بعجوزٍ معها زبيل نخالة؛ فقالت له: يا ابني، أعطني بهذه النخالة لحماً،
وقطعه بحياتك تقطيعاً حسناً. قال: فحرد البغدادي، وقال: لعن الله بلداً
يباع فيه اللحم بالنخالة. فولت العجوز متعجبةً منه وهي تقول: ويلٌ لي. هذا
بغداديٌّ صلف، لا يبيع إلا بالنوى.
قال: ورأيت صبيةٌ قد وقفت على بقال بالكوفة، وأخرجت إليه رغيف شعير، وقالت له: قالت أختي: أبدل هذا الرغيف بالكسر وأعطها بصرفه جزرا.
قال بعضهم: احتجت بالكوفة إلى دقيق الحواري، فسألت عنه وعن موضعه. فقالوا: لا تصيبه إلا عند الصيادلة، يبيعونه للدماميل.
وقال
آخر: كنت عند صديقٍ لي بالكوفة، فإذا بجاريةٍ أمه قد جاءت ومعها كوزٌ
فارغ؛ فقالت: تقول أمك إن يومنا يومٌ شديد الحر. فاملأ لي هذا الكوز من
مزملتكم؛ فقال لها: كذبت، فإن أمي أعقل من أن تبعث كوزاً فارغاً. اذهبي
واملئي الكوز من ماء حبكم، حتى نصبه في حبنا، ثم نملأه من المزملة، حتى
يكون شيءٌ بشيءٍ.
قال ورأيت واحداً بالكوفة قد دنا من بقالٍ وأعطاه مقدار حبة. وقال: أعطني بهذا جبناً؛ فقال له البقال: شمه وانصرف، ويبقى عليك طسوج.
نزل
بكوفيٍّ ضيفٌ، فقال لجاريته: يا جارية، أصلحي لضيفنا فالوذجاً. قالت:
الجارية: ليس عندنا شيء. قال: ويلك فهاتي قطيفة إبريسم حتى ينام.
قال الضيف: يا سيدي، فليس بين الفالوذج والقطيفة رغيفٌ وقليل جبنٍ؟.
وقال
آخر: رأيت كوفياً يخاصم جاراً له ويقاتله، فقلت: ما قصتكما؟ ؛ فقال
أحدهما: زارني زائرٌ، فتشهى على رءوساً، فأطعمته، وأخذت العظام؛ فرميت بها
على باب داري أتجمل بها، وأكبت العدو، فجاء هذا، وأخذها من داري، وجعلها
على باب داره.
وكان بعض المياسير منهم له والدةٌ عجوز: فقيل لها: كم
يجري عليك ابنك؟. قالت: درهماً في كل أضحى. قيل: يا سبحان الله درهم في كل
أضحى. قالت: نعم، وربما أدخل الأضحى في الأضحى.
وكان بعضهم يأكل ومعه
على المائدة ابنه وزوجته؛ فقال: لعن الله الزحمة؛ فقال له ابنه: يا أبه،
تعنيني؟ فليس ها هنا غيري وغير أمي. اقل فترى أعني نفسي؟ .
خرج نفرٌ من
أهل مرو في سفر، وصبروا على ترك السراج للارتفاق بما يرجع عليهم منه حتى
أبلغ ذلك إليهم، فاتفقوا على أن يخرج كل واحد منهم شيئاً للسراج، وامتنع
واحدٌ منهم من أن يعطي شيئاً؛ فكانوا إذا أسرجوا شدوا عينيه بمنديل إلى وقت
النوم ورفع السراج.
حكي عن بعض البخلاء أنه قال: إذا رأيت الجبن على مائدةٍ رحمت صاحبها لكثرة ما يؤكل من خبزه.
ودعا آخر منهم على صاحبه؛ فقال له: إن كنت كاذباً فعشيت السكارى بجبن، فرأى أنه قد بالغ في ملاعنته والدعاء عليه.
عمل سهل بن هارون كتاباً مدح فيه البخل، وأهداه إلى الحسن ابن سهلٍ، فوقع على ظهره: قد جعلنا ثوابك عليه ما أمرت به فيه.
قال رجلٌ لغلام: بكم تعمل معي؟ . قال: بطعامي. قال له: أحسن قليلاً. قال: فأصوم الاثنين والخميس.
قال
أبو نواس: قلت لرجلٍ من البخلاء: لم تأكل وحدك؟ فقال: ليس هذا سؤالاً،
وإنما السؤال على من أكل مع الجماعة؛ لأن ذلك تكلفٌ وهذا هو الأصل.
قيل لرجل: من يحضر مائدة فلان؟ . قال: الملائكة. قال: لم أرد هذا. من يأكل معه؟ . قال: الذبان.
ومدح رجلٌ البخل؛ فقال: كفاك من كرم الملائكة أنه لم يبلهم بالنفقة، وقول العيال: هات، هات.
قال دينارٌ الحجام: حجمت أبا جعفر المنصور في خلافته؛ فأعطاني أربعة دوانق فضة، وأخذت شعر سعيد بن أبي عروبة؛ فأمر لي بقوصرة فارغة.
قال بعض البخلاء: فرحة السكر قلة الاحتشام، وفرحة الخمار قلة الإنفاق.
وقال آخر: من كثرت نفقته كثر ندمه، ومن كثر ندمه قلت دعواته.
قيل على مائدة بعض البخلاء: ما أحسن الأيدي على المائدة؛ فقال صاحب المائدة: مقطعة.
قال الكندي: من ذل البذل أنك تقول: نعم. مطأطئاً رأسك، ومن عز المنع أنك تقول: لا. رافعاً رأسك.
اشترى كوفيٌّ مزادة ماءٍ برغيف؛ فقال لصاحبه: كيف ترى استرخاصي هذه المزادة؟ . قال: فيها غلاء غصة.
استسلف بعض الصيارفة من بقال كان على بابه درهمين وقيراطا؛ فقضاه بعد ستة أشهرٍ درهمين وثلاث حبات.
فقال
البقال: سبحان الله ألا تستحيي؟ أنت رب مائة ألف درهم، رأنا بقالٌ لا أملك
مائة فلس، تنقضني بعد هذه المدة الطويلة؛ فقال: ما توهمت منك ما ظهر لي من
قلة معرفتك بالحساب. أسلفتني - أبقاك الله - في الصيف درهمين وأربع
شعيرات؛ فقضيتك في الشتاء درهمين وثلاث شعيرات شتوية نديةٍ أرزن من أربع
شعيرات يابسةٍ صيفية، وما أشك أن معك فضلاً.
دخل هشام بن عبد الملك
حائطاً له فيه أشجار فاكهة، ومعه أصحابه، فجعلوا يأكلون منه، ويدعون له
بالبركة؛ فقال هشام: كيف يبارك فيه وأنتم تأكلون؟ ، ثم قال: يا غلام. اقلع
هذا واغرس مكانه الزيتون.
قال المنصور للوضين بن عطاء: ما عيالك؟ .
قال: ثلاث بناتٍ والمرأة. قال؛ فقال: أربعٌ في بيتك. قال: فردد ذلك حتى
ظننت أنه سيصلني. قال: ثم رفع رأسه؛ فقال أنت أيسر العرب، أربعة مغازل تدور
في بيتك.
أرسل مروان بن أبي حفصة غلامه بفلس وسكرجة يشتري له زيتاً؛
فلما جاء بالزيت استقله، وقال للغلام: خنتني يا خبيث. قال الغلام: كيف
أخونك من فلس؟ . قال: أخذت الفلس لنفسك، واستوهبت الزيت.
وكان مروان من
أبخل الخلق: اجتاز مرةً بامرأةٍ من العرب، فأضافته؛ فقال لها: علي إن وهب
لي أمير المؤمنين مائة ألف درهمٍ أن أهب لك درهماً، فأعطاه سبعين ألفاً،
فأعطاها أربعة دوانيق.
وسقى إنسانٌ بخيلٌ ضيفاً له نبيذاً عتيقاً على الريق، فتأوه الرجل؛ فقيل له: لم لا تتلكم؟ فقال: إن سكت مت، وإن تكلمت مات رب البيت.
وكان بعض البخلاء يأكل نصف الليل، فقيل له في ذلك، فقال: يبرد الماء وينقمع الذباب، وآمن فجأة الداخل، وصرخة السائل، وصياح الصبيان.
دخل
أبو الأسود الدؤلي السوق يشتري شيئاً، فقال الرجل: ادن أقاربك؛ فقال: إن
لم تقاربني أنت باعدتك أنا. قال: بكم؟ . قال: طلب بكذا. قال: أراك تحدث
بخيرٍ قد فات.
شكا بعض البخلاء بخله إلى بعض الحكماء؛ فقال له: ما أنت
ببخيل؛ لأن البخيل هو الذي لا يعطي من ماله شيئاً، ولست أيضاً بمتوسط
الجود؛ لأن المتوسط هو الذي يعطي بعض ماله، ويمنع بعضه، ولكنك في غاية
الجود؛ لأنك تريد أن تعطي مالك كله. يعني: أنه يدعه كله لوارثه.
قال
صعصعة: أكلت عند معاوية لقمة؛ فقام بها خطيباً. قيل له: وكيف ذاك؟ . قال:
كنت آكل معه، فهيأ لقمةً ليتناولها، وأغفلها، فأخذتها فسمعته بعد ذلك يقول
في خطبته: أيها الناس، أجملوا في الطلب فرب رافع لقمةٍ إلى فيه تناولها
غيره.
استأذن جحظة على صديقٍ له مبخلٍ؛ فقال غلمانه: هو محمومٌ؛ فقال لهم: كلوا بين يديه حتى يعرق.
وقال جحظة: أكلت مع بخيلٍ مرة؛ فقال لي: يا هذا، ما رأيت أذل من الرغيف في يدك.
أصاب
أعرابيٌّ درهماً في كناسة الكوفة؛ فقال: أبشر أيها الدرهم، وقر قرارك
فطالما خيض فيك الغمار، وقطعت فيك الأسفار، وتعرض فيك للنار.
أهل مروٍ
موصوفون بالبخل، ومن عادتهم إذا ترافقوا في سفرٍ أن يشتري كل واحدٍ منهم
قطعة لحم، ويشدها في خيط، ويجمعون اللحم كله في قدرٍ، ويصبون عليه الماء
ويطبخونه، ويمسك كل واحدٍ منهم طرف الخيط الذي قد شده في لحمه، فإذا نضجت
القدر جر كل واحد خيطه، وتفرد بأكل ما فيه، وتسعدوا على المرقة.
ويحكى أن واحداً منهم لم يخرج ثمن البرر للسراج؛ فشدوا عينه لئلا يرى السراج.
قال:
ومن طرائف أمورهم أنهم يستعملون الخادم في ستة أعمالٍ في وقتٍ واحدٍ: تحمل
الصبي، وتشديد اليريند في صدرها، فتدور وتطحن وفي ظهرها سقاء تمخضه
باختلافها وحركتها، وتدوس طعاماً قد ألقي تحت رجليها، وتلقى الحنطة في
الرحا، وتطرد العصافير عن طعام قد وكلت به.
كان بعض البخلاء، إذا صار في
يده خاطبه وناجاه، وفداه واستبطاه، وقال: بأبي أنت وأمي. كم من أرضٍ قطعت،
وكيسٍ خرقت، وكم من خاملٍ رفعت، وكم من رفيع أخملت لك عندي ألا تعرى ولا
تضحى، ثم يلقيه في كيسه ويقول: اسكن على اسم الله في مكانٍ لا تزول عنه،
ولا تزعج منه.
ذكر ثمامة محمد بن الجهم، فقال: لم يطمع أحداً في ماله
إلا ليشغله بالطمع فيه عن غيره، ولا شفع لصديقٍ، ولا تكلم في حاجةٍ إلا
ليلقن المسئول حجة منع، وليفتح على السائل باب حرمان.
تناول رجلٌ من بين يدي بعض الأمراء البخلاء بيضةً؛ فقال: خذها؛ فإنها بيضة العقر، وحجبه بعد ذلك.
قال
الواقدي: خرجت أنا وابن أبي الزناد إلى بعض المواضع بالمدينة، ورجعنا نصف
النهار في يوم صائفٍ؛ فقال: ما أحوجنا إلى شربة ماءٍ باردٍ فإذا نحن بسعيدٍ
مولى ابن أبي الزناد؛ فقلت له: ابعث لنا شربة ماء؛ فقال: نعم وكرامة -
اجلس - وبادر مستعجلاً، فدخل الدار ومكث طويلاً، ثم خرج إلينا؛ فقال:
تعودون العشية إن شاء الله.
قال العتبي: لو بذلت الجنة للأصمعي بدرهمٍ لا ستنقص شيئاً.
سأل متكففٌ الأصمعي؛ فقال: لا أرتضي لك ما يحضرني؛ فقال السائل: أنا أرضى به؛ فقال الأصمعي: هو، بورك فيك.
أعطى
المنصور بعضهم شيئاً ثم ندم؛ فقال له: لا تنفق هذا المال واحتفظ به؛ وجعل
يكرر عليه ذلك؛ فقال: يا أمير المؤمنين، إن رأيت فاختمه حتى ألقاك به يوم
القيامة؛ فضحك وخلاه.
كان رجلٌ على طعام بعض البخلاء؛ فأخذ عراقاً فلم يجد عليه لحماً، فوضعه ليأخذ غيره؛ فقال صاحب البيت: العب بمسك.
قال بعضهم: فلان عينه دولاب لقم أضيافه.
قال بعضهم لغلامه: هات الطعام وأغلق الباب؛ فقال الغلام: هذا خطأ. أغلق الباب، ثم أقدم الطعام؛ فقال: أحسنت أنت حر.
قال أبو العيناء: أكلت مع بعض أمراء البصرة؛ فقدم إلينا جدي سمينٌ، فضرب القوم بأيديهم إليه؛ فقال: ارفقوا به فإنه بهيمة.
أكل
أعرابي مع أبي الأسود رطباً وأكثر، ومد يده أبو الأسود إلى رطبةٍ يأخذها؛
فسبقه الأعرابي إليها وأخذها فسقطت في التراب؛ فأخذها وجعل يمسحها ويقول:
لا أدعها للشيطان؛ فقال أبو الأسود: ولجبريل وميكائيل لو نزلا.
قال بعض
الكوفيين: علامة نجابة الصبي في ثلاثٍ: عرامته، وجبنه وبخله؛ فإنه لا يكون
شديد العرامة إلا من جودة نفسه، ولا يبخل إلا من معرفته، ولا يجبن إلا من
عقله.
كان زيد بن محمد بن زيد الداعي مبخلاً؛ فلما أسر بعد مقتل أبيه
بجرجان، وحمل إلى بخارى وحبس مدةً، ثم أفرج عنه سعى به بعض أعدائه إلى
السلطان؛ فقال: إن زيداً قد حدث نفسه بالخروج عليك والدعاء إلى نفسه،
وإثارة الفتنة؛ فقال أبو عبد الله الجيهاني - وكان وزيراً - : إن زيداً ما
دام يبنى الحمام من اللبن والطين ببخارى لا يسمو بنفسه إلى ذلك. وكان قد
فعل ذلك مع عفونة أرض بخارى، وقلة ثبات الأبنية بها. فصدقوه وأمنوا جانبه
ولم يتعرضوا له.
سأل رجل أبا الأسود شيئاً فمنعه؛ فقال له: يا أبا الأسود، ما أصبحت حاتمياً؛ فقال: بل أصبحت حاتمياً. أما سمعت حاتماً يقول:
أماوي، إما مانعٌ فمبين ... وإما عطاءٌ لا ينهنهه الزجر
كان
أحيحة بن الجلاح بخيلاً، فكان إذا هبت الصبا طلع من أطمه؛ فنظر إلى ناحية
هبوبها، ثم يقول: هبي هبوبك. قد أعددت لك ثلثمائة وستين صاعاً من عجوة،
أدفع إلى الوليد منها خمس تمرات فيرد علي ثلاثاً لصلابتها.
كان خالد بن صفوان قد أجرى لولده في الشهر ثلاثين درهماً؛ فكان يقول: إن الثلاثين لأعبث في المال من السوس في الصوف في الصيف.
عذل
بعض البخلاء على بخله؛ فقال: يا قوم؛ هب الناس يلوموننا على التقصير فيما
بيننا وبينهم، ما بالهم يلوموننا على التقصير فيما بيننا وبين أنفسنا؟ .
سمع
أبو الأسود رجلاً يقول: من يعشي الجائع؟ . فعشاه، ثم ذهب السائل ليخرج،
فقال: هيهات. على أن تؤذي المسلمين الليلة؛ فوضع رجله في الأدهم، وقال: لا
تروع مسلماً سائراً الليلة.
ووقف على بابه سائلٌ وهو يأكل؛ فقال: السلام
عليكم. قال: كلمةٌ مقولة. قال: أدخل؟ . قال: وراءك أوسع. قال: إن الرمضاء
قد أحرقت رجلي. قال: بل عليها. وأغلق دونه الباب.
وكان يمر به فتىً،
وأبو الأسود على باب داره، فيدعوه إلى الغداء فيتورك على دابته ويأكل وأبو
الأسود على دكانٍ له صغير؛ فلما كثر ذلك دس إليه إنساناً معه دبة فيها حصى؛
فلما تورك الفتى ليأكل حرك الدبة فنفرت الدابة وسقط الفتى، فاندقت عنقه.
أرسلت
امرأةٌ من قوم أبي الأسود ابنها إليه أنه يعيرها القدر، ويعلمه أن أمه
نذرت أن تجعل للحي طعاماً؛ فقال أبو الأسود: سلوها؛ فإن كانت قدرنا دخلت في
نذرها، وإلا فلتطلب غيرها.
وقف أعرابي على أبي الأسود وهو يتغدى، فسلم
عليه، فرد عليه، ثم أقبل على الأكل، ولم يعرض عليه؛ فقال له الأعرابي: أما
إني قد مررت بأهلك. قال: ذاك كان طريقك. قال: هم صالحون. قال: كذاك
فارقتهم. قال: وامرأتك حبلى. قال: كذاك عهدتها. قال: ولدت. قال: ما كان لها
بد من أن تلد. قال: ولدت غلامين. قال: كذاك كانت أمها. قال: مات أحدهما.
قال: ما كانت تقوى على إرضاع اثنين. قال: ثم مات الآخر. قال: ما كان ليبقى
بعد أخيه. قال: وماتت الأم. قال: حزناً على ولدها. قال: ما أطيب طعامك.
قال: ذلك حداني على أكله. قال: أف لك ما ألأمك. قال: من شاء سب صاحبه.
سأل رجلٌ يحيى بن أكثم شيئاً؛ فقال: كيف أعطيك وفي أربع خلال: أنا تميمي، ومولدي البصرة، ومنشئي بمرو، وأنا قاضٍ.
وذكر بعضهم أنه أكل معه، فأتوا بثريدة عظيمة؛ فلما أمعن فيه وجد في وسطها قصعةً مكبوبة، والثريد فوقها.
وذكر
بعض من كان ينادم بعض كبراء هذا الوقت. قال: أكلت معه من قصعة واحدةٍ؛
فكان الذي يليه من الثريد خبز حواري، والذي يليني خبز خشكار.
قل أبو سهل
الرازي القاضي: دخلت على يحيى بن أكثم يوماً، والمائدة بين يديه، والغلام
واقف؛ فقال لي: يا محمد، هذا غلامي، يأتي علي وقتٌ لا أدري ما اسمه؛ وهذا
حدا سلم الحادي بالمنصور في طريقه إلى الحج؛ فحدا يوماً بقول الشاعر:
أغر بين حاجبيه نوره ... يزينه حياؤه وخيره
ومسكه يشوبه كافوره.
فطرب
المنصور حتى ضرب برجله المحمل، ثم قال: يا ربيع؛ أعطه نصف درهم؛ فقال سلم:
نصف درهمٍ يا أمير المؤمنين؟ والله لقد حدوت لهشامٍ فأمر لي بثلاثين ألف
درهم؛ فقال له المنصور: ما كان له أن يعطيك ثلاثين ألف درهمٍ من بيت مال
المسلمين. يا ربيع، وكل به من يستخرج منه هذا المال. قال الربيع: فما زلت
أسفر بينهما حتى شرط عليه ألا يلزمه مئونةً في خروجه وقفوله، ويحدو له.
تزوج
عمرو بن حريث ابنة أسماء بن خارجة؛ فقالت له يوماً: ما أحسبك وأبي تقرآن
من كتاب الله إلا حرفين. قال: وما هما؟ . قالت: كان أبي يقرأ: " وما أنفقتم
من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين " وأنت تقرأ: " إن المبذرين كانوا
إخوان الشياطين " .
قال أبو العيناء: دعاني جارٌ إلى وليمةٍ، وكان
بخيلاً، فرأيته يدور على المائدة ويتنفس الصعداء، ويقول: " وجزاهم بما
صبروا جنةً وحريراً " .
قال محمد بن أبي المعافى: كان أبي متنحياً عن
المدينة، وكانت إلى جنبه مزرعةٌ فيها قثاء، وكنت صبياً قد ترعرعت؛ فجاءني
من جيراننا أقرانٌ لي، وكلمت أبي ليهب لي درهماً أشتري لهم به قثاء، فقال
لي: أتعرف حال الدرهم؟ كان في حجرٍ في جبلٍ، فضرب بالمعاول حتى استخرج، ثم
طحن، ثم أدخل القدور، وصب عليه الماء، وجمع بالزئبق، ثم أدخل النار فسبك،
ثم أخرج فضرب، وكتب في أحد شقيه: لا إله إلا الله. وفي الآخر: محمدٌ رسول
الله. ثم صير إلى أمير المؤمنين فأمر بإدخاله بيت ماله، ووكل به عوج
القلانس، صهب السبال، ثم وهبه لجاريةٍ حسناء جميلة. وأنت والله أقبح من
قرد، أو رزقه رجلاً شجاعاً، وأنت والله أجبن من صفرر، فهل ينبغي لك أن تمس
الدرهم إلا بثوبٍ؟ .
حكى بعضهم أنه أكل على مائدة بعضهم، قال: فطافت
علينا هرةٌ وصاحت: فألقيت إليها لقمةً من حواري؛ فقال صاحب الدار: إن كان
ولا بد فمن الخشكار.
وذكر غيره أنه كان في دعوة بعض التجار المياسير،
فألقى للسنور لقمة خبزٍ، ثم أراد أن يثنيها؛ فقال التاجر: دع، فليست الهرة
لنا، إنما هي للجيران.
كان زياد بن عبيد الله الحارثي على المدينة، وكان
فيه جفاءٌ وبخلٌ، فأهدى إليه كاتبٌ له سلاسلاً فيها أطعمة، قد تنوق فيها،
فوافقه وقد تغدى، فقال: ما هذا؟ . قالوا: غذاءٌ بعث به الكاتب، فغضب وقال:
يبعث أحدهم ابن اللخناء بالشيء في غير وقته. يا خيثم بن مالك - يعني: صاحب
الشرط - ادع أهل الصفة يأكلون هذا. فبعث خيثم الحرس يدعون أهل الصفة. فقال
الرسول الذب جاء بالسلال: أصلح الله الأمير. لو أمرت بهذه السلال تفتح
وينظر إلى ما فيها. قال: اكشفوها، فكشفت؛ فإذا طعامٌ حسنٌ من سمكٍ ودجاج
وفراخٍ وجداء، وأخبصة وحلوى؛ فقال: ارفعوا هذه السلال. قال: وجاء أهل
الصفة؛ فقال: ما هذا؟ . قالوا: أهل الصفة، أمر الأمير بإحضارهم؛ فقال: يا
خيثم، اضربهم عشرة أسواط. فإنه بلغني أنهم يفسون في مسجد رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
الباب الثاني عشر
كلام الشطار
ومن يجري مجراهم، ونوادرهم
حكى بعضهم أن شاطراً افتخر. قال: فحفظت من كلامه:أنا
الموج الكدر، أنا القفل العسر، هذا وجهي إلى الآخرة، تأمر بشيء؟ لك حاجة
إلى مالكٍ خازن النار؟ . أنا النار، أنا العار، أنا الرحا إذا دار، أنا
مشيت مشيت سبوعين بلا رأس، لولا أني عليلٌ لنخرت نخرة نصفها صاعقة ونصفها
زلزلة. أضعك في جيبي، وأنساك حتى تعفن الساعة، أقطف رأسك وأجعله زر قميصي،
أو أستنشقك فلا أعطسك إلا في الجيم، أو أشربك فلا أبولك إلا على الصراط إذا
صاح آدم: وامفقوداه. والك لو كلمني الفيل لم يخرس، أبو البحر لم ييبس، أو
عضني الأسد لم يضرس، أو رآني نمروذٌ لم يتقدس. أصدقائي أكثر من خوص البصرة،
وخردل مصر، وعدس الشام، وحصى الجزيرة، وشوك القاطول، وحنطة الموصل وقصب
البطائح، ونبق الأهواز، وزيتون فلسطين. والك أنا أشرب الرمل أخرى صخرا،
أبلع النوى أخرى نخلا.
قال: وسمعت واعظأً منهم يقول: يا بني، لوطوا؛ فإن
الناس يلوطون، وازنوا؛ فإن الناس يزنون، وإياكم أن تنا..وا؛ فو الله ما
يسرني أن رجلاً أومأ إلى استي بأيرٍ من خراسان، وأنه بويع لي بالخلافة.
سمعت فقيهاً لهم يقول: سألت سابلويه الباقلاني: لم لا يجوز الن..ك بين الفخذين؟ فقال: لأنه يكره الجمع بين الأختين.
قال سعيد بن حميد: رأيت حارساً يشكو إلى آخر واحداً منهم خبب غلامه؛ فأطال الشكاية، ثم تنفس الصعداء وأنشأ يقول:
كلما قلت قد رضى ... وتعشى وكل شي
جاء عمرو فخببه ... وبقينا بغير شي
قال
بعضهم: مررت بباب الطاق، وحارسان يأكلان، فمر بهما حارسٌ آخر وخلفه كلب؛
فقال أحدهما لصاحبه: رأيت مثل هذا الكلب؟ أجرش أبرش حسن الشية، أعزل الذنب.
فقال الآخر: لا ونور الله إن كان الكلب كلبه، وإنما استعاره يتجمل به.
قال بعضهم: نزلت في معسكرٍ بإزاء قومٍ من الجند، ومعهم مغنٍّ يتغنى بالعجائب، سمعته يغني:
من لقلبٍ ما يفيق من ألمٍ ... هائماً يهذي بخراز الأدم
قال: فطرب أحدهم وقال ويلاه سنةً. وحاتك، ألمن الشعر؟ سيدي. قال: للخنساء. قال: ومن الخنساء؟ . قال: فتى من الأنباء.
قال
بعضهم: رأيت يوماً مكارياً - وهو عريان - وعليه سراويل خلقٌ متمزقٌ وفية
تكة تساوي ديناراً؛ فقلت: لو بعت هذه التكة فقال: لا تفعل يا شاطر مروة
الرجل تكته.
قال: ورأيت واحداً منهم وقد قام في جماعةٍ من أصحابه؛ فقال:
يا فتيان هوذا، أشرب وأسقكيم؛ فقال له واحد منهم: اشرب فديتك كلنا، واسق
أي بعضنا شئت.
قال: ورأيت شاطراً وقد وقف على قبر شاطر؛ فقال: رحمك الله
أبا لاش. كنت والله - ما علمت - حاد السكين، فاره الصديق، إن نقبت فجرذٌ،
وإن تسلقت فسنور، وإن استلبت فحدة، وإن ضربت فأرضٌ، وإن شربت فحب، ولكنك
اليوم وقعت في زاوية سوء.
قيل لبعض الشطار: كلما شهد شاهد قبلت شهادته؟ . قال: لا حتى أعلم أنه ابتلى فصبر، وأنه لا يخبب على الأصدقاء، ولا يسرق الجيران.
وقال
بعضهم: إن الله تبارك وتعالى كان أرحم بالفتيان أن يجعل الناس كلهم
فتياناً؛ فإنه لا يجوز لفتىً أن يسرق متاع فتى، ولا يخبب صديق فتى، ولا
يطلب أثر فتى إلا أن يكون الغلام هو الذي يريده، ونحن لا بد لنا من مالٍ
ننفقه، وصديق نتخذه، فلو كان الناس كلهم فتياناً هلكنا.
ضرب حارسٌ أمه، فعوتب على ذلك؛ فقال: قد قلت لها عشرين مرة، وهذه الثالثة: إذا كنت سكران فلا تكلميني، فإن الشيطان نارٌ يرتعد.
وذكر
بعضهم أنه حضر مجلساً فيه غلام وضيء الوجه أديب، وهناك شاب مخنجر اللحية
يتشطر، فأخذ الغلام تفاحة، فعبث بها ساعةً، ثم حيا بها الفتى الشاطر، فلم
ينهنه أن أكلها والغلام ينظر إليه؛ فقال الغلام: سوءةً لك ولوماً، أتأكل
التحيات؟ فقال: إي والله، والصلوات الطيبات.
قال بعضهم: كنت في بيت قمري
الخبني، وداخل عليه صاحبٌ له، فبلغه عن آخر من أصحابه أنه زناه؛ فاغتاظ،
وجعل يلعنه؛ فقلنا له: زنه كما زناك أو اسكت. قال: أنا لا أزنيه، ولا أكون
سفيهاً، ولكني أرجو أن يزينه الله من فوق سبع سموات.
قال: سمعت حارساً
يقول: أنا أني...ك أم من زعم أن النار في النوم ليس هي سلطان عزلت، فرأيت
في النوم كأن النار أحرقت كوخي، وشرائح عملي حتى لا تترك لي قصبةً؛ ففزعت
فلم أصبح حسناً، حتى سمعت دق الباب فإذا نوفيل المصلحي قد وضع في يدي
المزراق، ومقود قلادة قرطاس، وخاتم طين بتسلم العمل، فإن الملك عقيم.
قال
بعضهم: كان لي صديقٌ يقامر، وكنت أوبخه وألومه أبداً على ذلك؛ فأتاني
يوماً وقال: يا أبا فلان. تقول لي: لا تقامر. قد رهنت والله منديلي الذي
اشتريته بثلاثة عشر درهماً على عشرين درهماً، وهذا يا أبا فلان ربح عظيم.
قال
بعضهم: سمعت بباب الطاق شيخنا من سفلة الناس يقول لآخر أسفل منه: ويحك يا
محمد، لا تتعجب من ابني عفويه، أخوين أحدهم: مرعوشي والآخر فضلي. قال له:
وإيش في هذا - هوذا - القرآن فيه جيدٌ وفيه رديءٌ. قال: ويحك: كيف يكون
الردئ في القرآن؟ قال: نعم: " قل هو الله أحدٌ " بألف دينار، وبجنبها " تبت
" تساوي حبتين أستغفر الله.
قال بعضهم: قلت لشاطرٍ: فلانٌ ليس يعدك
شيئاً؛ فقال: والله لو كنت ليس أنا أنا، وأنا ابن من أنا منه لكنت أنا أنا
وأنا ابن من أنا منه. فكيف؟ وأنا أنا وأنا ابن من أنا منه.
اختصم اثنان
من الشطار إلى قاضٍ لهم، يقول كل واحد: أنا أفتى منك؛ فقال القاضي لأحدهما:
الخبيص أحب إليك أم الفالوذج؟ فقال: الخبيص. وقال الآخر: الفالوذج. فحكم
للذي فضل الفالوذج، فسئل عن الحجة؛ فقال: لأن الخبيص يعمل من السكر، والسكر
من القند، والقند من القصب، والقصب يمصه الصبيان في الكتاتيب، والصبيان
ليس لهم فتوة؛ والفالوذج يعمل من العسل، والعسل من الشهد، والشهد من النحل،
والنحل يأوي الجبل، والجبل يكون فيه الصعاليك والصعاليك فتيان.
قال
الجماز: رأيت شاطراً وقف على جماعة وقد جرد سكينه وقال: من كلم منكم حمدان
الغلام؟ ؛ فقال أحدهم: أنا. قال: فلا حسنٌ ولا جميل. قال: فاجهد جهدك؛
فقال: خذلني الله لو كان غيرك. قال: أنا غيري. قال: والله لو كان غير هذا
الموضع. قال: فنحن بفرغانة. فرد صاحبه السكين في قرابه وقال: ويحك، أنت
طالب شرٍّ فتيان باب الشام كلهم سعاتر. مالك كذا روش؟ أي: جدبة.
اجتمع
أربعة نفرٍ من الشطار يقال لأحدهم: صحناة، ولآخر حرملة، وللثالث: غزون،
وللرابع طفشيةٌ، ومعه غلام أمرد يريد أن ينقطع إلى واحد منهم. وكل واحدٍ
يطلبه لنفسه؛ فتحاكموا إلى شيخ منهم؛ فقال الشيخ: ليذكر كل واحدٍ ما فعله،
وما يقدر عليه حتى أخير الغلام؛ فيصير إلى من أحب؛ فقام صحناة؛ فقال: وال
أمك، لو تراني، ضبعوني في عينك، يا بن العلامة. أنا هامان أنا فرعون، أنا
عاد، أنا الشيطان الأقلف، أنا الدب الأكشف، أنا البغل الحرون، أنا الحرب
الزبون، أنا الجمل الهائج، أنا الكركدن المعالج، أنا الفيل المغتلم، أنا
الدهر المصطلم، أنا العير الشارد، أنا، السبع الوارد، أنا سرداب التضريب،
أنا بوق الحرب، أنا طبل الشغب، محبوسٌ شرقي غربي، مضربٌ قائم نائم مبطوط
الإليتين، معطل الدفتين. أبلغ أسنةً أخرى جواشن، لو ضرب ربك عنقي ما مت بعد
سنة. وهذا حمدان فروجٌ في حجري بالأمس، حتى جنى جنايةً رزق الطلب، وحملان -
وبيته - ضرب ألفاً فما عبس عسى ينطق أحد.
فقال حرملة: يا بن الصفعان،
أنا حبست في أجمةٍ، أكلت ما فيها من السباع، وجعلت الحشيش نقلى، أنا طوف
الله الجائح في بحر قلزم. لو كلمني رجلٌ يعثر بسباله لعقدت شعر أنفه إلى
شعر استه، وأديره حتى يشم فساه، يابه القنفذ؛ لو كلمني رجل لم الكمه لكمة
فأبدد عظامه قلا تجتمع في شهر لو كلمني رجلٌ لم أخرج أنفه وأحرزه في قربةٍ،
وأصفعه صفعة، فأبلع رأسه مع رطلين خرا. يابه الجرادة املأ عينك مني والك
وأنت زريق الجنى: طعامي الصبر، وريحاني الدم، ونقلي أدمغة الأفاعي. أنا
أسست الشطارة، أنا بويت العيارة. يا بن الزارعة الفارشة الهارشة القلاشة
النفاشة. من يتكلم؟ . قولوا.
فقام غزون وقال: إيش تقول لي يا بن
الطبزدانة؟ ، أنا القدر والجذر والممزوج بالضجر، أنا أبو إيوان كسرى، حولت
المحابس والمطابق، وقطعت أكباد الخلائق، أنا أخرق الصفين، وأضرب العسكرين،
رفيقي صياح الكلم، وجعفر ابن الكلب، وموسى سلحة، وعيسى ركبة، وكردويه
الباقلاني.
وفروج السماط، ودكرويه المكاري. انفوني - ونور الله - إلى
الشاش وفرغانة، وردوني إلى: طنجة، وإفرنجة، وأندلس، وإفريقية. ابعثوا بي
إلى قاف، وخلف الروم وإلى السد، وإلى يأجوج ومأجوج إلى موضع لم يبلغ ذو
القرنين، ولم يعرفه الخضر، أنا شهدت الغول عند نفاسها، وحملت جنازة الشيطان
غير جبان، أنا فرعون ذو الأوتاد. إن لم أقبض روحك مشيت سبعةً بلا رأس، قطع
ذنبي في كل كرم، قطعت عروقي بكل خنجر، رضت عظامي بكل منجل، لو نخرت نخرةً
لخرت صوامع النصارى، وتحطمت قصور بني إسرائيل. لو عضني - ونور الله - الأسد
لضرس، ولو كلمني إبليس لخرس، ولو رآني العفريت لخنس.
قال طفشية: أنا
قتلت ألف، وجرحت ألف، وأنا في طلب ألف، يا بن الخادمة، يتهيأ لفرعون أخي
القحبة أن يقطب في وجهي، أو يقوم بقربي، أو يناظرني كلمةً وكلمة، رأسي
مدورة ولحيتي خنجرية، وسبالي مفصلي، واستي خرساء، وأنا مشهور في الآفاق
بضرب الأعناق، لا يجوز علي المخراق؛ أنا الربيع إذا قحط الناس، أنا العنى
إذا كثر الإفلاس، أنا أشهر من العيد، سل عني الحديد، وفي المطبق الجديد.
البيضة مني تسوي ألف، لو حضنت خرج منها ألف شيطان، أنا شققت شدق النمر،
وصيرت على الأسد الإكاف، يا كلب انبح، أنا الشجر، أنا الأبحر، أنا تنور
يسجر، صديق صديقي، وزورٌ من عنتر، من الجلندا، من كركر، من الأسد، من طاهر
الأعور. إبليس إذ آنى قطر. ولو كلمني رجلٌ رأسه من نحاس، ورجليه من رصاص،
أصفعه صفعةً فأصير أنفه في قفاه، أنا السهل الهاطل، أنا المقت الشاطر، أنا
بلاع القناطر، إن لم ألعب بك في الطبطاب، وأفسيك فسو الصعو في الرطاب باسم
شيطاني مستلاب، أنا أقسى من الحجر، وأهدى من القطاة، وأزهى من الغراب،
وأحذر من العقعق، وأولع من الذباب، وألج من الخنفساء، وأحد من النورة وأغلى
من الترياق، وأعز من السم، وأمر من العلقم، وأشهر من الزرافة.
أنا
الموج الكدر، أنا القفل العسر، رأسي سندان، نابي سكين جزار، يدي مطرقة
حداد: إيش تقول؟ صادقني وسل عني، أنا صعصعة الحي. أنا خيرٌ لك من غيري.
هوذا وجهي إلى الآخرة، لك حاجةٌ إلى ربك؟ هوذا أجد ريح الدم. إيش ترون؟ من
ينطق؟ .
فسكت القوم، وبادر الغلام وأخذ بيده وصادقه.
كان بمرو رجلٌ
يتفتى ويتشطر، ولم يكن له يومٌ من أيام الفتيان قط ولا فتكةٌ من فتكانهم،
إلى أن وقع بينه وبين رجل قصارٍ ضعيفٍ شر، فضربه ضرباً وجيعاً وأذله فكان
يفتخر بذلك ويتطاول عند الفتيان به، فتأذى جيرانه بواحد قصابٍ جلد؛ فجاءوه
وقالوا: فلان قد تأذينا به، فتكشف عنا شره وتذله. وتكفيناه. فقال: لا أدري
من فلان؟ ، ولكن إذا شئتم ضربت لكم القصار وأنزلت كل مكروه به.
وقع بين
شاطرٍ وشبه له كلامٌ؛ فقال أحدهما للآخر: لولا أنك أكبر سناً مني لجرحتك،
ثم مضى غير بعيد، فوقع بينه وبين آخر. فقال: والله لولا أنك أصغر مني
لقاتلتك، فقال له رفيقه: يا بن الزانية، متى يتفق لك توأمٌ تقاتله؟ .
قال بعضهم: مررت بواحدٍ وهو يقول: يا من أمه زورق تسع ألف كرٍّ بالمعدل خردل.
قال
بعضهم: رأيت شاطراً يضرب بالقلس، وهو ينظر إلى الأرض؛ فلما بلغ الضرب
مائةً قال له الوالي: ارفع رأسك. فقال: يا سيدي، بقي رأسها. قال: وما معنى:
بقي رأسها؟ . قال الجلاد: كنت أضربه وهو يصور برجله في الأرض بطةً وقد بقي
رأسها.
قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: دخلت على فتيانٍ من أهل المدينة
يشربون، وإذا هم متكئون على كلابٍ كردية؛ فقال بعضهم: هاتوا وسادة لأبه
محمد؛ فجاءوا بكلب؛ فلما اتكأت عليه قالوا: هاتوا له أيضاً مخدةً؛ فجاءوا
بجرو؛ فلكا تناولوا الأقداح جاء غلامٌ وفي يده قداحة يقدح في لحية من يحبس
القدح.
عزل حارس ناحيةٍ؛ فجاء قومٌ إلى المعزول يتوجعون له؛ فقال بعضهم:
لو كان غريباً عذرناه، وإنما العجب أنه أخوك؛ فقال: اعذروه فإن الملك
عقيقٌ، يريد عقيم.
كان عثمان الخياط من كبار الفتيان والشطار؛ فقال:
ما سرقت جاراً قط ولو كان عدواً، ولا سرقت كريماً رأنا أعرفه، ولا خنت من
خانني. ولا كافأت غدراً بغدر، ولقد قتلت بيدي أكثر من مائة خناق ومبنج؛
لأنهما لا يقتلان ولا يسلبان إلا عند وجوب الحرمة، وعند الاسترسال والثقة.
وكان يسمى الخياط لأنه نقب نقباً فأخرج كل شيءٍ كان في البيت، حتى دثار
الدار صاحب الدار وشعاره، ثم خرج وسد النقب، وسواه تسويةً كأنه خاطه أو
رفاه، فلقب بالخياط.
وكان سليمان بن طرادٍ منهم، وكان لا يقعد في
دهليزه، ولا يشرب من جناحه، بل يصير في قصرٍ من قصور الأبلة، ولا يطلع في
كوةٍ، ويأمر بذلك أصدقاءه وأصحابه، ويقول: إن تعودتم النظر إلى الماء
والخروج إلى المتنزهات جزعتم من الحبس لم تدفعوا ضيماً، ولم تكسبوا مالاً.
وكان يقول: لا يعجبني الفتى يكون لحاظاً. وكان صاحب إطراقٍ.
وكان يقول: إياكم وفضول النظر، يدعو إلى فضول القول والعمل.
ومنهم بابويه؛ وكان شيخاً كبيراً ذا رأي ونجدة، وصدق وأمانة، وهمةٍ بعيدة، وأنفةٍ شديدة.
وكان
محبوساً بعدة دماء فلما نقب حمير بن مالك السجن، وقام على باب النقب يشرب
الناس ويحميهم؛ ليستتم الكرامة، وجاء رسوله إلى بابويه، فقال: أبو نعامة
ينتظرك، وليس له هم سواك، وما بردت مسمارً، ولا فككت حلقة، وأنت قاعد غير
مكترثٍ ولا محتفلٍ وقد خرج الناس حتى الضعفاء؛ فقال بابويه: ليس مثلي يخرج
في الغمار، وتدفع عنه الرجال. لم أشاور ولم أؤامر. ثم يقال لي الآن: كن
كالظعينة، والأمة، والشيخ الفاني. والله لا أكون في الجنة تابعاً ذليلاً.
فلم
يبرح، وخرج سائر الناس - وإجرامه وحده كإجرام الجميع - فلما جاء الأمير
ودخل السجن فلم ير فيه غيره قال للحرس: ما بال هذا؟ . فقصوا عليه القصة؛
فضحك وقال له: خذ أي طريق شئت؛ فقال بابويه: هذا عاقبة الصبر.
الباب الثالث عشر
العي ومكاتبات الحمقى
كتب بعض الرؤساء إلى وكيلٍ له في ضيعةٍ: وقد وصلت النعاج، وهي: تسع نعاج. وتسع نعاجٍ أربعٌ ونصفٌ نعاج.وكتب فلان ابن فلان في الوقت المؤرخ فيه.
قال بعضهم: ما من شرٍّ من دين؛ فقيل له: ولم ذاك؟ . قال: من جراء يتعلقون.
قال قاسم التمار في كلام له: بينهما كما بين السماء إلى قريبٍ من الأرض.
وقال أيضاً: لو رأيت إيوان كسرى كأنما رفعت عنه الأيدي أول من أمس.
وقال الجاحظ: قال لي ابن بركة: يا أبا عثمان، لا تثقن بقحبةٍ ولو كانت أمك. قال: فلم أر تأديباً قط أبعد من جميع الرشد من هذا.
قرأت لبعض كتاب الزمان في كتاب سلطان أنشأن: ما سمع قرعي هذا. يريد: ما قرع سمعي.
وبعض كتاب الأمراء يوقع في الصكاك والمناشير: اللهم ألبسنا العافية.
وكان بعض أكابر كتاب عضد الدولة يوقع في الصكاك: الحمد لله فتاح المغاليق؛ فكتب بعض البغداديين تحت توقيعه: شربي وشربك مذ جئنا على الريق.
تظلم أهل قم إلى عبد الله القمي وزير ركن الدولة من أخيه - وكان واليهم - ورفعوا إليه رقعة؛ فوقع في قصتهم: من دفع في أخي درهماً دفعت فيه ديناراً؛ فإن ودى ودى، وإن لا ودى خرج من دقه وجلده حتى ودى؛ والسلام.
قال بعضهم: جئت إلى كاتبٍ وسألته كتاب شفاعةٍ إلى بعض أصدقائه؛ فكتب: يجب أن تصونه وتحوطه، وترد عليه خطوطه. قال: فقلت: الرجل لم يعرفني قط وليس معه شيءٌ من خطوطي؛ فقال: إن أردت أن تأخذ الكتاب فخذه، وإلا فإني لا أضيع سجعي.
قال بعضهم: كتب إلى جامع الصيدلاني كتاباً؛ فكتب جوابه. وجعل عنوانه مني إلى ذاك الذي كتب إلي.
كتب ابن المتوكل إلى محمد بن عبيد الله يطلب فهداً؛ فكتب إليه: نحرت عند مقام لا إله إلا الله؛ صلى الله على سيدي فديته، إن كان عندي مما طلبته وزن دنقٍ فلا تظن يا سيدي أني أبخل عليك بالقليل دون الكثير فضلاً عن الكثير، والسلام.
وكتب معاوية بن مراون - وكان محمقاً - إلى الوليد بن عبد الملك: قد بعثت إليك بقطيفةٍ حمراء حمراء حمراء؛ فكتب في جوابه: قد وصلت، وأنت أحمق أحمق أحمق.
قال أبو العيناء: كتب بعضهم إلى صديقٍ له: بسم الله الرحمن الرحيم.
وأمتع بك، حفظك الله واتقي لك من للنار سوء الحساب. كتبت إليك والدجلة تطفح، وسفن الموصل هاهنا، والخبز رطلين؛ فعليك بتقوى الله، وإياك والموت؛ فإنه طعام سوءٍ، والسلام.
وكتب بعض الهاشميين إلى السندي بن شاهك.
باسم
الله وأمتع بك: إن أخا خادمي أخذ رجلاً من الشرط بسبب كلب يقال له موسى،
وموسى ليس عندنا يداعى؛ فإن رأيت أن تأمر بسبيل تخليته فعلت إن شاء الله.
وكتب
بعض ولد المتوكل إلى أبي أحمد الموفق: أطال الله بقاءك يا عمي، وأدام عزك
وأبقاك: أنا " - وحق النبي صلى الله عليه وسلم - أحبك أشد من المتوكل وأشد
من والدي، ولا أحتشمك أيضاً. وقد جابوا لك مطبوخ من عكبرا، فأحب أن تبعث
إلي منه خمس دنان وإلا ثلاث خماسيات، ولا تردني فأحرد بحياتي.
وكتب بعض الهاشميين إلى علي بن يحيى بن المنجم: بسم الله الرحمن الرحيم.
أستوهب
الله المكاره كلها فيك يا سيدي برحمته، وأحب يا سيدي أنت أن تسقيني زبيب
نبيذٍ وعسلٍ، فإني عندي رجلٌ يشرب المطبوخ إن شاء الله.
وكتب إلى صديقٍ له: فدتك نفسي. أنا وحدي، والجواري عندي، وأنا وأبو إسحاق وأبي العباس في البستان، موفقاً إن شاء الله.
وكتب إلى آخر يستعير منه دابة: أردت الركوب في حاجةٍ إن شاء الله؛ فكتب إليه الرجل: في حفظ الله.
قال
أبو العيناء: شكا بعض جيران محمد بن عبيد الله بن المهدي إليه أذى غلمانه
للجيران؛ وسأله أن ينهاهم. فكتب إليه محمد قبل كل شيء؛ فصحبك الله، أمالي
بخيرٍ حين تشكو الغلمان بسبب الجيران لم هم مملوكين. وكم ثمن دارك؟ . لو
كانت مثل قصر الخليفة حتى، لم أكن أمتنع من هبتها لغلامك ولو خرجت عن دخول
بغداد. إني والله لو كنت حارس الكلب إذا كنت غائباً عنها. وأعوذ بالله لو
كلمتك عشر سنين؛ فانظر الآن أنت إلي، علي المشي إلى بيت الله - أعني به
الطلاق - وثلاثين حجةً أحرار لوجه الله، وسبيلي حبسٌ في دواب الله. فعلت
موفقاً إن شاء الله.
قال: وكتب زنقاح - وهو محمد بن أحمد بن علي بن
المهدي - إلى طبيبه: ويلك يا بو حنا، وأتم نعمته عليك. قد شربت الدواء
خمسين مقعداً، المغص والتقطيع يقتلان بطني، والرأس فلا تسل له مصدعاً
بعصابةٍ مذ بعد أمس، فلا تؤخر احتباسك عني. فسوف أعلم أني سأموت، وتبقى أنت
بلا أنا. فعلت موفقاً إن شاء الله.
وكتب إلى صديقٍ له يطلب منه بخوراً.
شممت منك اليوم - وحق الله عزك الله - رائحةً طيبةً وذلك وحياتك بإطراح الحشمة موفقاً، إن شاء الله.
قال:
وكتب آخر إلى أبيه من البصرة: كتابي هذا ولم يحدث علينا إلا خير والحمد
لله، إلا أن حائطنا وقع، فقتل أمي وأختي وجاريتنا، ونجوت أنا والسنور
والحمار. فعلت إن شاء الله.
قال أبو العيناء: شكا بعض الكتاب في نكبته وكان قد وزر فقال: أخذوا مالي، وقلعوا أسناني إلا أن داري لم تبرح مكاني.
قال
أبو هفان: سمعت بعض الحمقى يخاصم امرأته، وفي جيرتهم أحمق آخر، فاطلع
عليهم؛ فقال: ما هذا، اعمل مع هذه كما قال الله تعالى: " إما إمساكٌ بإيش
اسمه، وإما تسريحٌ بإيش يقال له " فضحكت من حسن بيانه.
وكتب آخرٌ إلى
صديقٍ له يعزيه عن دابته: بسم الله الرحمن الرحيم. جعلني الله فداك، بلغني
منيتك بدابتك، ولولا علةٌ نسيتها إليك حتى أعزيك في نفسي.
جاء رجلٌ إلى الرشيد؛ فقال:يا أمير المؤمنين، إني قد هجوت الرافضة. فقال: هات. فأنشد:
رغيفاً وسمناً وزيتوناً ومظلمة ... من أن ينالوا من الشيخين طغيانا
فقال: ويلك فسره لي. قال: يا أمير المؤمنين، معك مائة ألف رجل من الجند لا تعرفه، كيف أعرفه أنا وحدي؟ .
قال
أبو عثمان: حدثني مسعدة بن طارق قال: والله إنا لوقوفٌ على حدود دار فلان
للقسمة - ونحن في خصومةٍ - إذا أقبل سيد بني تميم وموسرهم، والذي يصلي على
جنائزهم؛ فلما رأيناه مقبلاً أمسكنا عن الكلام؛ فأقبل علينا؛ فقال: حدثوني
عن هذه الدار هل ضم منها بعضٌ إلى بعضٍ أحداً؟ . قال مسعدة: فأنا منذ ستين
سنة أفكر في كلامه، ما أدري ما عنى به.
كانت علامة أبي الحمار لما تقلد
ديوان الخراج في سنة الفتنة، التي كان يوقعها في الصكاك: لا إله إلا الله.
ما أعجب ما نحن فيه. فكان بعض الكتاب بعد ذلك يقول: لا والله، ما نحن إلا
في علامة أبي الحمار.
حكى عن حمزة بن نصير - مع جلالته عند سلطانه،
وموضعه من ولائه - : أنه دخل على امرأته، وعندها ثوب وشى؛ فقالت له: كيف
هذا الثوب؟ . قال: بكم اشتريته؟ . قالت: بألف درهم. قال: قد - والله -
وضعوا في استك مثل ذا، وأشار بكفه مقبوضة مع ساعده؛ فقالت: لم أزن الثمن
بعد. قال: فخاصهم بعد في يدك. قالت: فأختك قد اشترت شراً منه بألفين. قال:
إن أختي تضرط من استٍ واسعة. قالت: ولكن أمك عرض عليها فلم ترده. قال: لأن
تلك في استها شعرة.
قال أحمد بن الطيب: هذا كلام الخرس أحسن منه.
قال
أبو هفان: رأيت شيخاً بالكوفة قاعداً على باب دار، وله زي وهيئة وفي الدار
صراخ. فقلت: يا شيخ، ما هذا الصراخ؟ ، فقال: هذا رجلٌ افتصد فبلغ المبضع
شادروانه فمات. يريد: بلغ المبضع شريانه.
وصف بعضهم امرأةً؛ فقال: عينها الأخرى أكبر من عينها الأخرى.
كتب
بعض من وزر بالري آنفاً كتاباً في معنى أبيه إلى صديق له ببغداد - وكان قد
حج أبوه - : هذا الكتاب يوصله فلانٌ ابن فلان، وهو والدي، وقديم الصحبة
لي، واجب الحق علي، ولي بأمره عناية.
ودخل أبو طالب صاحب الطعام على
هاشمية جارية حمدونة بنت الرشيد، على أن يشتري طعاماً من طعامهم في بعض
البيادر؛ فقال لها: إني قد رأيت متاعك. فقال هاشمية: قل طعامك. قال: وقد
أدخلت فيه يدي فإذا متاعك قد خم وحمى. وقد صار مثل الجيفة. قالت: يا أبا
طالب، أليس قد قلبت الشعير، فأعطنا ما شئت، وإن وجدته فاسداً.
ودخل أبو
طالب هذا على المأمون؛ فقال: كان أبوك يا با خيراً لنا منك، وأنت يا با ليس
تعدنا، وليس تبعث إلينا، ونحن يا با تجارك وجيرانك. والمأمون في كل ذلك
يتبسم.
قال الجاحظ: كتب رجلٌ إلى صديقٍ له: بلغني أن في بستانك آساً بهمنياً فهب أي أمراً من أمر الله العظيم.
قال: وهو الذي قال: كان عياشٌ وثمامة حتى يعظمني تعظيماً ليس في الدنيا مثله.
فلما مات ثمامة صار ليس يعظمني تعظيماً ليس في الدنيا مثله.
وكان ابنٌ لسعيدٍ الجوهري يقول: صلى الله تبارك وتعالى على محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
وكان
بالري وراقٌ حسن الخط، وكان إذا كتب اسم الله تعالى أو اسم النبي في
القرآن أو الشعر بعدهما ما يكتبه الانسان في سائر المواضع فكان يكتب في
القرآن: " إن الله - عز وجل - يأمر بالعدل والإحسان " . " وما محمدٌ - صلى
الله عليه وسلم - إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل " .
وكان يكتب في الشعر:
إن تقوى ربنا عز وجل خير نفلوبإذن الله تبارك وتعالى ريثي وعجل
ويكتب:
هجوت محمداً صلى الله عليه وسلم فأجبت عنه: وعند الله تعالى في ذاك الجزاء
وقال الجاحظ قلت لنفيس غلامي: بعثتك إلى السوق في حاجةٍ فلم تقضها؛ فقال: يا مولاي، أنا ناقةٌ من مرضي، وليس في ركبتي دماغ.
وقال
الجاحظ: قال الحجاج لأبي الجهير الخراساني النخاس: أتبيع الدواب المعيبة
من جند السلطان؟ ؛ فقال: شريكاتنا في هوازها وشريكاتنا في مدائنها، وكما
يجيء يكون. قال الحجاج: ما تقول؟ . قال بعض من كان قد اعتاد الخطأ وكلام
العلوج بالعربية: يقول: شركاؤنا بالأهواز وبالمدائن يبعثون إلينا هذه
الدواب؛ فنحن نبيعها على وجوهها.
قال ابن أبي فنن: طلبت من عبد الله بن
أحمد بن الخصيب بخوراً؛ فكتب إليه: فدتك نفسي من السوء برحمته، كتابي إليك
وأنا وحدي، والجواري عندي؛ فأما البخور فإن أبا العباس في الحمام إن شاء
الله.
وكتب بعض الشيوخ الفضلاء إلى شيخ من العدول بالري نفقت بغلته: نبئت أن الشيخ قد مات بغلته، هيهات هيهات.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله الطاهرين وسلم تسليماً.
/الفصل الرابع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا إلى الجنة بتوفيقه وتوقيفه، وعدل بنا عن النار بتحذيره وتخويفه، وأرسل رسله مبشرين برحمته الواسعة، ومنذرين بنعمته النازعة، وخص محمدا صلى الله عليه وعلى آله من بينهم في الآخرة بالحوض والشفاعة، والشرف والكرامة.وبالدرجات العلا، وبسدرة المنتهى وفي الدنيا بالبرهان الباهر،
والسلطان القاهر، والمعجز الساطع، والسيف القاطع، والصراط المستقيم، والسبع
المثاني والقرآن العظيم،وجعل أمته أكثر الأمم عددا، وأوسطهم سددا، وأطولهم
أمدا، وأهداهم قصدا، وأبينها رشدا، ونسخ بملته الملل، وبنحلته النحل، ووصل
شريعته باليوم الآخر، وجعلها خاتمة الشرائع والأوامر.
وأيده بسيفه
المهند، وسهمه المسدد، وشباته المرهفة، وقناته المثقفة، خاصف النعل، وآكل
الطير، وقسيم الجنة والنار، فقتل غطارفة قريش، وجبابرة هوازن وثقيف،
وطواغيت قريظة والنضير، حتى أذعن المعاند، وأقر الجاحد، وذل الباذل وتطامن
الشماخ، وظهر دين الله، وتب أعداء الله، " وقيل بعداً للقوم الظالمين " .
اللهم
إنا نشكرك على نعمتك التي نرى توفيقك لشكرها نعمة أخرى، هي بالحمد لها
أولى، وبالثناء عليها أحرى، أنعمت علينا بحسب قدرتك المطيفة بالخلق،
وكلفتنا من الشكر بقدر قوتنا الضعيفة على أداء الحق، ورضيت منا بالميسور من
الحمد، وبالعفو من الشكر دون الجهد، فأنت المحمود على نعمتك، والمعبود
لعزتك، والمدعو وحدك لا شريك لك، أحاط علمك بالخفية، وانبسطت يدك بالعطية،
وأذل عزك الجبابرة، وقهر ملكك الملوك القاهرة، مالك الخلق .الأمر، ومنشئ
السحاب ومنزل القطر.
نعوذ بك من الخضوع والقنوع ، والقلة والذلة ،
والمهانة والاستكانة ، والطبع والطمع ، ومن الحسد المضنى ، ومن الحرص
المعنى ، ومن الغضاضة في النفس ، والخصاصة في الحال ، ومن سوء المآب وشر
المال ، ومن كل ما تطأطأ له الرءوس وتطامن له النفوس .
كما نعوذ بك من
البصر والأشر ، والبذخ والنخوى ، وسوء احتمال الغنى والثروى ، والاستئثار
بالخير والنعمة ، وقساوة القلب وقلة الرحمة ، ومن استضعاف العائل ، وانتهار
السائل ، ومن سوء الملكة عند الاقتدار ، ومن التعدي عند الانتصاف ،
والاعتداء عند الانتصار ، ومن الاستهانة بذي القربى الضعيف ، والجار المهين
، والاستطالة على ما ملكتنا رقابة من ملك اليمين .
اللهم أنت أعلم
بمصالح أحوالنا وعواقب أعمالنا ، فسددنا لما فيه خير الدنيا وخير الاخرة ،
وصل على محمد النبي وعترته الطاهرة هذا هو الفصل الرابع من كتاب نشر الدر ،
وهو أحد عشر بابا : الباب الاول : كلام شرائف النساء الباب الثاني : نكت
من كلام سائر نساء العرب وجواباتهن المستحسنة الباب الثالث : الحيل
والخدائع الباب الرابع : نكت من كلام الحكماء الباب الخامس : جنس آخر من
الحكم والآداب ، وهو ما جاء على لفظ الأمر والنهى الباب السادس : جنس آخر
من الحكم والأمثال الباب السابع : نكت في سياسة السلطان وأدب الرعية الباب
الثامن : نوادر الجوارى والنساء المواجن الباب التاسع : نوادر القصاص الباب
العاشر : نوادر القضاء ومن يتقدم إليهم الباب الحادي عشر : نوادر لأصحاب
النساء والزناة والزواني.
الباب الأول
كلام للنساء الشرائف
فاطمة ابنة رسول الله
عليها السلام
قالوا: لما بلغ فاطمة عليها السلام إجماع أبي بكر منعها فدكا لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء، وارتج المجلس ثم أمهلت هنيهة، حتى إذا سكن نشيج القوم، وهدأت فورتهم افتتحت كلامها بحمد الله والثناء عليه 347 والصلاة على رسوله صلى الله عليه، ثم قالت:" لقد جاءكم رسول من أنفسكم
عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " . فإن تعرفوه تجدوه
أبي دون آبائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، فبلغ الرسالة صادعاً بالنذارة،
بالغاً بالرسالة، مائلاً عن سنن المشركين، ضارباً لشبحهم، يدعو إلى سبيل
ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، آخذاً بأكظام المشركين، يهشم الأصنام ويفلق
الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحق
عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشيطان، وتمت كلمة الإخلاص، "
وكنتم على شفا حفرة من النار " ، ثهزة الطامع، ومذقة الشارب، وقبسة
العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القد، أذلة خاسئين، يخطفكم
الناس من حولكم، حتى أنقذكم الله برسوله صلى الله عليه بعد اللتيا واللتي،
وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب " كلما أوقدوا
ناراً للحرب أطفأها الله " . أو نجم قرن للشيطان، أو فغرت فاغرة للمشركين،
قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويطفئ عادية لهبها
بسيفه - ويخمد لهيبها بحده مكدوداً في ذات الله. وأنتم في رفاهة فكهون
آمنون وادعون.
حتى إذا اختار الله لنبيه صلى الله عليه دار أنبيائه ظهرت
حسكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين،
وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه صارخاً بكم،
فدعاكم فألقاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة ملاحظين؛ ثم استنهضكم فوجدكم
خفافاً وأحمشكم فألفاكم غضاباً؛ فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم، هذا
والعهد قريب والكلم رحيب، والجرح لما يندمل. أبماذا زعمتم: خوف الفتنة؟ "
ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين " ، فهيهات فيكم، وأنى بكم،
وأنى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، زواجره بينة، وشواهده لائحة، وأوامره
واضحة، أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ " بئس للظالمين بدلا " " ومن
يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " ثم لم
تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها تشربون حسوا في ارتغاء، ونصير منكم على مثل
حز المدى وأنتم الآن تزعمون لا إرث لنا " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من
الله حكماً لقوم يوقنون " إيها معشر المسلمة المهاجرة؛ أأبتز إرث أبيه؟
أبى الله في الكتاب يا بن قحافة، أن ترث أباك ولا أرث أبيه. لقد جئت شيئاً
فرياً، فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم لله، والزعيم
محمد صلى الله عليه، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون " ولكل
نبأ مستقر وسوف تعلمون " ثم انكفأت على قبر أبيها صلى الله عليه فقالت:
قد كان بعدك أنباء وهنبشة ... لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها ... واختل أهلك فاحضرهم ولا تغب
وذكر
أنها لما فرغت من كلام أبي بكر والمهاجرين عدلت إلى مجلس الأنصار فقالت:
يا معشر الفئة، وأعضاد 348 الملة، وحضنة الإسلام، ما هذه الفترة في حقي؟
والسنة في ظلامتي؟ أما كان لرسول الله صلى الله عليه أن يحفظ في ولده؟ لسرع
ما أحدثتم! وعجلان ذا إهانة أتقولون: مات محمد صلى الله عليه؟ فخطب جليل
استوسع وهيه، واستنهر فتقه وفقد راتقه، وأظلمت الأرض لغيبته، واكتأبت خيرة
الله لمصيبته، وخشعت الحبال، وأكدت الآمال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة
عند مماته صلى الله عليه، وتلك نازلة علن بها كتاب الله في أفنيتكم في
ممساكم ومصبحكم، تهتف في أسماعكم ولقبله ما حلت بأنبياء الله ورسله صلى
الله عليهم. " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل
انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله
الشاكرين " .
إيها بني قيلة؛ أأهتضم تراث أبيه وأنتم بمرأى مني
ومسمع؟ تلبسكم الدعوة، وتشملكم الحيرة، وفيكم العدد والعدة، ولكم الدار،
وعندكم الجنن، وأنتم الألى نخبة الله التي انتخب لدينه، وأنصار رسوله صلى
الله عليه، وأهل الإسلام والخيرة التي اختار الله لنا أهل البيت فنابذتم
العرب، وناهضتم الأمم، وكافحتم البهم، لا نبرح نأمركم فتأتمرون، حتى دارت
لكم بنا رحا الإسلام، ودر حلب الأيام وخضعت نعرة الشرك، وباخت نيران الحرب،
وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنى حرتم بعد البيان، ونكصتم بعد
الإقدام، وأسررتم بعد التبيان، لقوم نكثوا " أيمانهم اتخشونهم فالله أحق أن
تخشوه إن كنتم مؤمنين " .
ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وركنتم
إلى الدعة، فعجتم عن الدين، ومججتم الذي وعيتم، ولفظتم الذي سوغتم " إن
تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد " ألا وقد قلت الذي
قلته عن معرفة مني بالخذلان الذي خامر صدوركم، واستشعرته قلوبكم. ولكن قلته
فيضة النفس، ونفثة الغيظ. وبثة الصدر، ومعذرة الحجة فدونكموها فاحتقبوها
مدبرة الظهر، ناقبة الخف، باقية العار مرسومة بشنار الأبد، موصولة بنار
الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة. فبعين الله ما تفعلون " وسيعلم الذين
ظلموا أي منقلب ينقلبون " ، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد،
فاعلموا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون.
قالوا: لما مرضت فاطمة عليها
السلام دخل النساء عليها وقلن: كيف أصبحت من علتك يا بنة رسول الله؟ قالت:
أصبحت والله عائفة لدنياكم، قاليةً لرجالكم؛ لفظتهم بعد أن عجمتهم وشنئتهم
بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحد، وخطل الرأي " ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم
أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون " لا جرم لقد قلدتهم ربقتها، وشنت
عليهم غارتها فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين.
ويحهم. أين زحزحوها
عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين، والطبن بأمر الدنيا
والدين " ألا ذلك هو الخسران المبين " ما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا
والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته وتنمرة في ذات الله، وتالله لو
تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه لاعتقله، ولسار بهم
سجحاً لا يكلم خشاشه ولا يتعتع 349 راكبه، ولأوردهم منهلاً روياً فضفاضاً،
تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطاناً، وقد تحيز بهم الرأي، غير مستحل منه بطائل،
إلا بغمر الناهل، أو دعة سورة الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء،
وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.
ألا هلم فاستمع. وما عشت أراك الدهر
عجباً وإن تعجب فعجب لحادث إلى ملجأ لجئوا واستندوا، وبأي عروة تمسكوا، "
لبئس المولى ولبئس العشير " .
واستبدلوا والله الذنابى بالقوادم، والعجز
بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " ألا إنهم هم
المفسدون ولكن لا يشعرون " ويحهم " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا
يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " .
أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة
ريث ما تنتج، ثم احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا، وذعافاً ممقراً، فهنالك
يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم
أنفساً، وطامنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وبهرج شامل، واستبداد من
الظالمين، يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً فيا حسرة بكم، وقد عميت عليكم "
أنلزمكموها وأنتم لها كارهون " .
عائشة أم المؤمنين
رضي الله عنها
روى أنه لما كان يوم الجمل قامت عائشة فتكلمت فقالت: أيها الناس، إن لي عليكم حق الأمومة وحق الموعظة، لا يتهمني إلا من عصى ربه. قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري، وأنا إحدى نسائه في الجنة، له ادخرني ربي، وخصني من كل بضع وبي ميز مؤمنكم من منافقكم، وفي رخص لكم في صعيد الأبواء وأبي رابع أربعة من المسلمين، وأول مسمى صديقاً.قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض فوقذ النفاق، وأغاض نبع الردة، وأطفأ ما حشت يهود، وأنتم حينئذ جحظ تنتظرون العدوة، وتستمعون الصيحة، فراب الثأي، وأوذم العطلة، وامتاح من المهوات، واجتهر دفن الرواء؛ فقبضه الله واطئاً على هامة النفاق، مذكياً نار حرب المشركين، يقظان في نصرة الإسلام، صفوحاً عن الجاهلين.
وروي أنها قالت:
تبرأت إلى الله من خطب جمع شمل الفتنة،
وفرق أعضاء ما جمع القرآن أنا نصب المسألة عن مسيري؟ هذا، ألا وإني لم أجرد
وإثماً أدرعه، ولم أدلس فتنة أوطئكموها. أقول قولي هذا صدقاً وعذراً
واعتذاراً وتعذيراً، وأسأل الله أن يصلي على محمد عبده ورسوله، وأن يخلفه
في أمته أفضل خلافة المرسلين.
قال: فانطلق رجل بمقالتها هذه إلى الأحنف، فقال الأحنف أبياتاً كثيرة يقول فيها:
فلو كانت الأكنان دونك لم يحد ... عليك مقالاً ذو أذاةٍ يقولها
فبلغ عائشة مقالته فقالت: لقد استفرغ حلم الأحنف هجاؤه إياي إلي كان يستجم مثابة سفهه؟ إلى الله أشكو عقوق أبنائي.
قال
بعضهم: شهدت عائشة يوم الجمل وقد ثاب إليها الناس فقالوا: يا أم المؤمنين،
أخبرينا عن عثمان، فقالت: إنا نقمنا على عثمان 350 ثلاثاً: إمرة الفتى،
وضرب السوط، وموقع الغمامة المتحاماة، حتى إذا أعتبنا منهن مصتموه موص
الثوب بالصابون، ثم عدوتم به الفواقر، أو الفقر الثلاث: حرمة الإسلام،
وحرمة الخلافة، وحرمة الشهر الحرام. والله لعثمان كان أتقاهم للرب، وأوصلهم
للرحم، وأعفهم للفرج، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وروي أنه
بلغها أن ناساً يتناولون أبا بكر، فأرسلت إلى أزفلة من الناس، فلما حضروا
أسدلت أستارها، وأعلت وسادها، ثم دنت فحمدت الله، وأثنت عليه، وصلت على
نبيه صلى الله عليه وسلم، وعذلت وقرعت وقالت: أبي وما أبيه! أبي والله لا
تعطوه الأيدي، طود منيف، وظل مديد، هيهات هيهات!! كذبت الظنون. أنجح والله
إذ أكديتم، وسبق إذ ونيتم
سبق الجواد إذا استولى على الأمد
فتى قريش
ناشئاً، وكهفها كهلاً، يريش مملقها، ويفك عانيها ويلم شعثها ويرأب صدعها
حتى حلته قلوبها، ثم استشرى في دينه فما برحت شكيمته في ذات الله، حتى اتخذ
بفنائه مسجداً يحيى فيه ما أمات المبطلون.
وكان رحمة الله عليه غزير
الدمعة، وقيذ الجوانح شجي النشيج، فانفضت إليه نسوان مكة وولدانها، يسخرون
منه، ويستهزئون به. " الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون " وأكبرت
ذلك رجالات قريش، فحنت إليه قسيها، وفوقت له سهامها وامتثلوه غرضاً فما حلو
له صفاة، ولا قصفوا له قناة، ومر على سيسائه حتى إذا ضرب الدين بجرانه،
وألقى بركه، ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجاً، ومن كل شرعة أشتاتاً
وأرسالاً اختار الله جل اسمه لنبيه صلوات الله عليه وسلامه وتحياته ما
عنده، فلما قبض الله رسوله ضرب الشيطان برواقه، ومد طنبه، ونصب حبائله،
وأجلب بخيله ورجله، واضطرب حبل الإسلام، ومرج عهده، وماج أهله وبغى
الغوائل، وظنت رجال أن قد أكثبت نهزها، ولات حين التي يرجون، وأنى والصديق
بين أظهرهم؟ فقام حاسراً مشمراً قد جمع حاشيتيه، ورفع قطريه، فرد نشز الدين
على غره، ولم شعثه بطبه، وأقام أوده بثقافه، فامذقر النفاق بوطئه، وانتاش
الدين فنعشه.
فلما أراح الحق على أهله، وأقر الرءوس على كواهلها، وحقن
الدماء في أهبها حضرته منيته، نضر الله وجهه، فسد ثلمته بنظيره في الرحمة
ومقتفيه في السيرة والمعدلة؛ ذلك ابن الخطاب، لله أم حملت به، ودرت عليه.
لقد أوحدت، ففنخ الكفرة ودنخها، وشرد الشرك شذر مذر وبعج الأرض ونجعها،
فقأت أكلها، ولفظت خبأها؛ ترأمه ويصدف عنها، وتصدى له ويأباها، ثم وزع
فيئها فيها، وودعها كما صحبها. فأروني ماذا ترتأون. وأي يومي أبي تنقمون؟
أيوم إقامته إذ عدل فيكم أو يوم ظعنه إذ نظر لكم. أقول قولي هذا وأستغفر
الله لي ولكم.
وقالت: لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها، قبض
رسول الله صلى الله عليه، فاشرأب النفاق، وارتدت العرب قاطبة. وعاد أصحاب
محمد كأنهم معزى مطيرة في خفش، فما اختلفوا فيه من أمر إلا طار أبي بغلائه
وغنائه.
ومن رأى ابن الخطاب علم أنه كان عوناً للإسلام، كان والله أحوذياً نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها.
ولما هلك أبو بكر الصديق رحمه الله قامت على قبره فقالت:
نضر
الله وجهك، وشكر لك صالح سعيك؛ فقد كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عنها، وكنت
للآخرة معزاً بإقبالك عليها. ولئن كان أعظم المصائب بعد رسول الله صلى الله
عليه رزؤك، وأكبر الأحداث بعد فقدك، إن كتاب الله ليعد بحسن العزاء عنك
حسن العوض منك، فنحن نتنجز من الله موعوده بالصبر عليك، ونستعيضه منك
بالاستغفار لك؛ أما لئن كانوا قاموا بأمر الدنيا لقد قمت بأمر الدين حين
وهى شعبه وتفاقم صدعه، ورجفت جوانبه، فعليك سلام الله سلام توديع غير
قاليةٍ لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك.
روي عن ابن عباس قال: بعثني
علي عليه السلام بعد دخوله البصرة إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى بلادها،
فأتيتها فدخلت عليها، فلم يوضع لي شيء أجلس عليه، فتناولت وسادة كانت في
رحلها فقعدت عليها، فقالت: يا بن عباس: أخطأت السنة؛ قعدت على وسادتنا في
بيتنا بغير إذننا. فقلت: ما هذا بيتك الذي أمرك الله أن تقري فيه، ولو كان
بيتك ما قعدت على وسادتك إلا بإذنك. ثم قلت: إن أمير المؤمنين أرسلني إليك
يأمرك بالرحيل إلى بلادك. قالت: وأين أمير المؤمنين؟ ذاك عمر. فقلت: ذاك
عمر وعلي. قالت: أبيت أبيت. قلت: أما والله ما كان إباؤك إلا قصير المدة،
عظيم التبعة، قليل المنفعة، ظاهر الشؤم: بين النكد. وما عسى أن يكون إباؤك؟
وما كان أمرك إلا كحلب شاة، حتى صرت لا تأمرين ولا تنهين، ولا تأخذين ولا
تعطين، وما كان مثلك إلا كقول أخي بني أسد:
مازال إهداء الضغائن بيننا ... نثو الحديث وكثرة الألقاب
حتى تركت كأن صوتك فيهم ... في كل نائبة طنين ذباب
قال:
فبكت حتى سمعت نحيبها من وراء الحجاب ثم قالت: إني معجلة الرحيل إلى بلادي
إن شاء الله؛ والله ما من بلد أبغض إلي من بلد أنتم به. قال: قلت: ولم
ذاك؟ فوالله لقد جعلناك للمؤمنين أماً، وجعلنا أباك صديقاً. قالت: تكلمني
يا بن عباس أتمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: ما لي لا أمن
عليك بمن لو كان منك لمننت به علي. قال: فأتيت علياً فأخبرته بقولي وقولها.
فقبل بين عيني ثم قال: " ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " .
وروي
أن عائشة قالت: مكارم الأخلاق عشر: صدق الحديث، وصدق البأس، وأداء الأمانة،
وصلة الرحم، والمكافأة بالصنيع، وبذل المعروف، والتذمم للجار، والتذمم
للصاحب، وقرى الضيف، ورأسهن الحياء.
روي عن هوذة بن نافع قال: سألت عائشة ما الذي حملك على قتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. قالت: لأنت أجرأ من خاصي الأسد.
وكتبت
إليها أم سلمة لما همت بالخروج إلى البصرة: يا عائشة؛ إنك جنة بين رسول
الله صلى الله عليه وبين أمته، وحجابك مضروب على حرمته، قد جمع القرآن ذيلك
فلا تملخيه، وسكني عقيراك فلا تصحريها لو ذكرتك قولةً من رسول الله صلى
الله عليه لتهششت تهشش الرقشاء المطرقة. ما كنت قائلة لرسول الله صلى الله
عليه لو لقيك ناصةً قعوداً من منهل إلى منهل؟ قد برحت عهيداه، وهتكت ستره.
إن عمود الدين لا يرأب بالنساء، ولا يقام بهن إذا انصدع. حماداهن خفض
الأعراض، وقصر 352 الوهازة. اجعلي قاعدة البيت قبرك حتى تلقيه وأنت على
ذلك.
فقالت عائشة: يا أم سلمة، ما أعرفني بنصحك! وأقبلني لوعظك وليس
الأمر حيث تذهبين، ما أنا بمغترة بعد قعود، فإن أقم ففي غير حرج، وإن أخرج
ففي إصلاح بين فئتين من المسلمين متشاحنتين.
وقيل لعائشة إن قوماً يشتمون أصحاب محمد صلى الله عليه فقالت: قطع الله عنهم العمل ما أحب أن يقطع عنهم الأجر.
ورأت رجلاً متماوتاً فقالت: قطع الله عنهم العمل ما أحب أن يقطع عنهم الأجرولأت رجلاً متماوتاً.
ما هذا؟ فقالوا: زاهد. فقالت: قد كان عمر رضي الله عنه زاهداً، فكان إذا قال أسمع وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب في ذات الله أوجع.
وذكر
أنها لما احتضرت جزعت. فقيل لها: أتجزعين يا أم المؤمنين وأنت زوجة رسول
الله صلى الله عليه وأم المؤمنين وابنة أبي بكر الصديق؟ فقالت: إن يوم
الجمل معترض في حلقي. ليتني مت قبله أو كنت نسياً منسياً.
وروي عن أبي
الأسود قال: أنفذني عثمان بن حنيف مع عمران بن حصين إلى عائشة فقلنا: يا أم
المؤمنين، أخبرينا عن مسيرك هذا أعهد عهده رسول الله صلى الله عليه أم رأي
رأيته؟ قالت:
بل رأي رأيته حين قتل عثمان إنا نقمنا عليه ضربة
السوط. وموقع السحابة المحمية، وإمرة سعيد والوليد فعدوتم عليه فاستحللتم
منه الحرم الثلاث،حرمة البلد، وحرمة الخلافة، وحرمة الشهر الحرام، بعد أن
مصناه كما يماص الإناء فاستتبناه، فركبتم منه هذه ظالمين. أغضبنا لكم من
سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيفكم؟ قلت: ما أنت وسيفنا وسوط عثمان؟ وأنت
حبيس رسول الله صلى الله عليه. أمرك أن تقري في بيتك، فجئت تضربين الناس
بعضاً ببعض. قالت: وهل أحد يقاتلني أو يقول غير هذا؟ قلت: نعم. قالت: ومن
يفعل ذلك؟ أزنيم بن عامر؟ هل أنت مبلغ عني يا عمران؟ قال: لا لست مبلغاً
عنك خيراً ولا شراً، قلت: لكني مبلغ عنك. هات ما شئت. قالت: اللهم اقتل
مذمماً قصاصاً بعثمان، وارم الأشتر بسهم من سهامك لا يشوى، وأدرك عماراً
بحفرته في عثمان.
وروي أنها كانت تقول: لا تطلبوا ما عند الله من عند غير الله بما يسخط الله.
وكانت تقول: لله در التقوى، ما تركت لذي غيظ شفاء.
وقالت
يوم الحكمين: رحمك الله يا أبت، فلئن أقاموا الدنيا فلقد أقمت الدين وهى
شعبه، وتفاقم صدعه، ورجفت جوانبه، وانقبضت عما إليه أصغوا، وشمرت فيما عنه
ونوا، واستصغرت من دنياك ما أعظموا، ورغبت بدينك عما أغفلوا؛ أطالوا عنان
الأمن واقتعدت مطي الحذر، فلم تهضم دينك، ولم تنس غدك، ففاز عند المساهمة
قدحك، وخف مما استوزروا ظهرك.
وروي أنه لما قتل عثمان قالت: أقتل أمير
المؤمنين؟ قالوا: نعم، قالت: فرحمه الله وغفر له. أما والله لقد كنتم إلى
تسديد الحق وتأييده، وإعزاز الإسلام وتأكيده، أحوج منكم إلى ما نهضتم إليه،
من طاعة من خالف عليه، ولكن كلما زادكم الله نعمةً في دينكم ازددتم
تثاقلاً في نصرته طمعاً في دنياكم. أما والله لهدم النعمة أيسر من بنائها،
وما الزيادة إليكم بالشكر بأسرع من زوال النعمة عنكم بالكفر، وأيم الله لئن
كان فني أكله، واخترم أجله، لقد كان عند رسول الله صلى الله عليه كذراع
353 البكر الأزهر، ولئن كانت الإبل أكلت أوبارها إنه لصهر رسول الله صلى
الله عليه، ولئن كان برك عليه الدهر بزوره وأناخ عليه بكلكله، إنها النوائب
تترى تلعب بأهلها وهي جادة وتجذبهم وهي لاعبة، أما والله لقد حاط الإسلام
وأكده، وعضد الدين وأيده، ولقد هدم الله به صياصي الكفر، وقطع به دابر
المشركين، ووقم به أركان الضلالة، فلله المصيبة به ما أفجعها والفجيعة به
ما أوجعها! صدع الله بمقتله صفاة الدين، وثلمت مصيبته ذروة الإسلام.
وقالت: من أرضى الله بإسخاط الناس كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن أرضى الناس بإسخاط الله عز وجل ذكره وكله الله إلى الناس.
وقالت: إنما النكاح رق فلينظر امرء من يرق كريمته.
وقالت: خرجت أقفو آثار الناس يوم الخندق، فسمعت وئيد الأرض خلفي، فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ.
وقالت
لها امرأة: أأقيد جملي؟ قالت: نعم، قالت: أقيد جملي؟ فلما علمت ما تريد
قالت: وجهي من وجهك حرام؛ تعني بالجمل زوجها أي أوحده عن النساء.
وقالت:
لا تؤدي المرأة حق زوجها حتى لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لم تمنعه
وقالت: كان النبي صلى الله عليه يقبل ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم
لإربه وسمعت يوم الجمل تكبيراً عالياً فقالت: اسكتوا؛ فإن التكبير في هذا
الموضع فشل.
وروي عن زينب بنت أبي سلمة قالت: كنت يوماً عند عائشة، إذ
دخل رجل معتم عليه أثر السفر. فقال: قتل علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت
عائشة:
إن تك ناعياً فلقد نعاه ... نعي ليس في فمه التراب
ثم قالت:
من قتله؟ قال: رجل من مراد. قالت: رب قتيل لله بيدي رجل مراد. قالت زينب:
فقلت: سبحان الله! أتقولين مثل هذا لعلي مع سابقته وفضله. فضحكت وقالت: بسم
الله، إذا نسيت فذكريني.
زينب بنت علي
عليها السلام
قيل: لما قتل الحسين عليه السلام، ووجه ابن زياد لعنه الله رأسه والنسوة إلى يزيد لعنه الله، أمر برأس الحسين عليه السلام فأبرز في طست، وجعل ينكت ثناياه بقضيب وينشد:ليت أشياخي ببدر شهدوا ... الأبيات المعروفة.
فقالت زينب بنت علي عليها السلام:
صدق
الله ورسوله يا يزيد " ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات
الله وكانوا بها يستهزءون " أظننت يا يزيد أنه حين أخذ علينا بأطراف الأرض
وأكناف السماء، فأصبحنا نساق كما يساق الأسارى، أن بنا هواناً على الله،
وبك كرامة؟ وأن هذا لعظيم خطرك؟ فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان فرحاً
حين رأيت الدنيا مستوسقة لك، والأمور متسقة عليك، وقد مثلت ونفست. وهو قول
الله تبارك وتعالى " ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما
نملى لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين " .
أمن العدل يا بن الطلقاء
تخديرك نساءك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله صلى الله عليه؟ قد هتكت ستورهن
354، وضحكت بحوجهن مكتئبات تخدى بهن الأباعر، ويحدو بهن الأعادي، من بلد
إلى بلد لا يراقبن ولا يؤوين، يتشوفهن القريب والبعيد، ليس معهن ولي من
رجالهن، وكيف يستبطأ في بغضتنا من نظر إلينا بالشنف والشنان، والإحن
والأضغان؟ أتقول:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
غير متأثم ولا مستعظم، وأنت
تنكت ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك؟ ولم لا تكون كذلك وقد نكأت القرحة
واستأصلت الشأفة، بإهراقك دماء ذرية محمد صلى الله عله ونجوم الأرض من آل
عبد المطلب، ولتردن على الله وشيكاً موردهم، ولتؤدن أنك عميت وبكمت، وإنك
لم تقل:
فاستهلوا وأهلوا فرحاً
اللهم، خذ بحقنا، وانتقم لنا ممن
ظلمنا! والله ما فريت إلا في جلدك ولا خرزت إلا في لحمك، وسترد على رسول
الله برغمك، وعترته ولحمته في حظيرة القدس، يوم يجمع الله شملهم ملمومين من
الشعث، وهو قول الله تبارك وتعالى: " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله
أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين " وسيعلم من بوأك ومكنك من رقاب
المؤمنين، إذا كان الحكم الله والخصيم محمد، وجوارحك شاهدة عليك. فبئس
للظالمين بدلاً، وأيكم شر مكاناً وأضعف جنداً، مع أني - والله - يا عدو
الله وابن عدوه أستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، غير أن العيون عبرى، والصدور
حرى وما يجري ذلك أو يغني عنا، وقد قتل الحسين عليه السلام، وحزب الشيطان
يقربنا إلى حزب السفهاء، ليعطوهم أموال الله على انتهاك محارم الله، فهذه
الأيدي تنطف من دمائنا، وهذه والأفواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الزواكي
يعتامها عسلان الفلوات. فلئن اتخذتنا مغنماً لتجدننا مغرماً، حين لا تجد
إلا ما قدمت يداك، تستصرخ يا بن مرجانة ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعك عند
الميزان، وقد وجدت أفضل زاد زودك معاوية قتلك ذرية محمد صلى الله عليه؛
فوالله ما اتقيت غير الله، ولا شكواي إلا إلى الله، فكد كيدك، واسع سعيك،
وناصب جهدك، فوالله لا يرحض عنك عار ما أتيت إلينا أبداً، والحمد لله الذي
ختم بالسعادة والمغفرة لسادات شبان الجنان، فأوجب لهم الجنة.
أسأل الله أن يرفع لهم الدراجات، وأن يوجب لهم المزيد من فضله فإنه ولي قدير.
أم كلثوم بنت علي
روي عن بعضهم قال: رأيت أم كلثوم بنت علي بالكوفة، ولم أر خفرة والله أنطق منها، كأنما تنطق وتقرع عن لسان أمير المؤمنين رضي الله عنه، وقد أومأت إلى الناس وهم يبكون على الحسين - رضي الله عنه - أن اسكتوا فلما سكنت فورتهم، وهدأت الأجراس. قالت: أبدأ بحمد الله والصلاة على أبيه. أما بعد، يا أهل الكوفة يا أهل الختر والخدل؛ ألا فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي " نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم " ألا وهل فيكم إلا الصلف والشنف، ملق الإماء وغمر الأعداء وهل أنتم إلا كمرعى على دمنة، وكفضة على ملحودة. ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.أتبكون؟ إي والله، فابكوا؛ فإنكم والله أحرياء بالبكاء، فابكوا كثيراً 355 واضحكوا قليلاً، فلقد فزتم بعارها، وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيد شباب الجنة، ومنار محجتكم، ومدرة حجتكم، ومفزع نازلتكم؟ فتعساً ونكساً! لقد خاب السعي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة. " لقد جئتم شيئاً إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا " .
ما تدرون أي كبد لرسول الله
صلى الله عليه فريتم، وأي كريم له أبرزتم، وأي دم له سفكتم. لقد جئتم بها
شوهاء خرقاء طلاع الأرض والسماء، أفعجبتم أن قطرت السماء دماً، " ولعذاب
الآخرة أخزى وهم لا ينصرون " فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا تحفزه المبادرة،
ولا يخاف عليه فوت الثأر كلا إن ربك لنا ولهم لبالمرصاد.
ثم ولت عنهم.
قال: فرأيت الناس حيارى وقد ردوا أيديهم إلى أفواههم ورأيت شيخاً كبيراً من
بني جعفي وقد اخضلت لحيته من دموع عينيه، وهو يقول:
كهولهم خير الكهول ونسلهم ... إذا نسل ل يبور ولا يخزي
حفصة أم المؤمنين
خطبت حفصة بنت عمر فقالت: الحمد لله الذي لا نظير له والفرد الذي لا شريك له.وأما بعد، فكل العجب من قوم زين الشيطان أفعالهم، وارعوى إلى صنيعهم، ودب في الفتنة لهم، ونصب حبائله لختلهم، حتى هم عدو الله بإحياء البدعة، ونبش الفتنة، وتجديد الجور بعد دروسه، وإظهاره بعد دثوره، وإراقة الدماء، وإباحة الحمى، وانتهاك محارم الله عز وجل بعد تحصينها، فتضرم وهاج وتوغر وثار غضباً لله نصرة لدين الله، فأخسأ الشيطان ووقم كيده، وكفف إرادته، وقدع محبته، وصعر خده السبقة إلى مشايعة أولى الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه، الماضي على سنته، المقتدي بدينه، المقتص لأثره؛ فلم يزل سراجه زاهراً؛ وضوؤه لامعاً ونوره ساطعاً.
له من الأفعال الغرر، ومن الآراء المصاص، ومن التقدم في طاعة الله عز وجل اللباب، إلى أن قبضه الله إليه، قالياً لما خرج منه، شانئاً لما نزل من أمره، شنفاً لما كنا فيه، صباً إلى ما صار إليه، وائلاً إلى ما دعي إليه، عاشقاً لما هو فيه.
فلما صار إلى التي وصفت، وعاين ما ذكرت أومأ بها إلى أخيه في المعدلة ونظيرة في السيرة، وشقيقه في الديانة، ولو كان غير الله أراد لأمالها إلى ابنه، ولصيرها في عقبه، ولم يخرجها من ذريته، فأخذها بحقها، وقام فيها بقسطها، لم يؤده ثقلها، ولم يبهظه حفظها، مشرداً للكفر عن موطنه ونافراً له عن وكره، ومثيراً له من مجثمه، حتى فتح الله عز وجل على يديه أقطار البلاد، ونصر الله يقدمه، وملائكته تكنفه، وهو بالله معتصم، وعليه متوكل، حتى تأكدت عرا الحق عليكم عقداً، واضمحلت عرا الباطل عنكم حلاً، نوره في الدجنات ساطع، وضوؤه في الظلمات لامع، قالياً للدنيا إذ عرفها، لافظاً لها إذ عجمها، وشانئاً لها إذ سبرها؛ تخطبه ويقلاها، وتريده ويأباها، لا تطلب سواه بعلاً، ولا نبغي سواه نحلاً356 أخبرها أن التي يخطب أرغد منها عيشاً، وأنضر منها حبوراً، وأدوم منها سروراً، وأبقى منها خلوداً، وأطول منها أياماً، وأغذق منها أرضاً، وأنعث منها جمالاً، وأتم منها بلهنية، وأعذب منها رفنية فبشعت نفسه بذلك لعادتها، واقشعرت منها لمخالفتها، فعركها بالعزم الشديد حتى أجابت وبالرأي الجليد حتى انقادت، فأقام فيها دعائم الإسلام، وقواعد السنة الجارية، ورواسي الآثار الماضية وأعلام أخبار النبوة الظاهرة، وظل خميصاً من بهجتها، قالياً لأثاثها، لا يرغب في زبرجها ولا تطمح نفسه إلى جدتها حتى دعي فأجاب، ونودي فأطاع على تلك الحال؛ فاحتذى في الناس بأخيه فأخرجها من نسله، وصيرها شوري بين إخوته، فبأي أفعاله يتعلقون؟ وبأي مذاهبه يتمسكون؟ أبطرائقه القويمة في حياته، أم بعدله فيكم عند وفاته، ألهمنا الله وإياكم طاعته، وإذا شئتم ففي حفظ الله وكلاءته.
عائشة بنت عثمان
قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام في ماله بينبع فلما قتل عثمان بن عفان خرج إليه عنق من الناس يتساعون، تشتد بهم دوابهم فاستطاروا فرحاً، واستفزهم الجذل، حتى قدموا به فبايعوه، فلما بلغ ذلك عائشة ابنة عثمان صاحت بأعلى صوتها: يا ثارات عثمان! إنا لله وإنا إليه راجعون! أفنيت نفسه، وطل دمه في حرم رسول الله صلى الله عليه، ومنع من دفنه؟ اللهم لو يشاء لامتنع، ووجد من الله عز وجل حاكماً، ومن المسلمين ناصرأ، ومن المهاجرين شاهداً، حتى يفئ إلى الحق من شذ عنه، أو تطيح هامات وتفرى غلاصم وتخاض دماء، ولكن استوحش مما أنستم به، واستوخم ما استمرأتموه.يا من استحل حرم الله ورسوله، واستباح حماه، لقد كره عثمان ما أقدمتم عليه، ولقد نقمتم عليه أقل مما أتيتم إليه، فراجع فلم تراجعوه، واستقال فلم تقيلوه.
رحمة الله عليك يا
أبتاه. أحتسبت نفسك وصبرت لأمر ربك، حتى لحقت به. وهؤلاء الآن قد ظهر منهم
تراوض الباطل، وإذ كاء الشنآن، وكوامن الأحقاد، وإدراك الإحن والأوتار.
وبذلك وشيكاً كان كيدهم وتبغيهم وسعي بعضهم ببعض، فلما أقالوا عاثراً، ولا
استعتبوا مذنباً، حتى اتخذوا ذلك سبيلاً إلى سفك الدماء، وإباحة الحمى،
وجعلوا سبيلاً إلى البأساء والعنت.
فهلا علنت كلمتكم، وظهرت حسدتكم، إذ
ابن الخطاب قائم على رءوسكم، ماثل في عرصاتكم؛ يرعد ويبرق بإرغائكم، يقمعكم
غير حذر من تراجعكم إلا في بينكم؛ وهلا نقمتم عليه عوداً وبدءاً إذ ملك،
وتملك عليكم من ليس منكم بالخلق اللين، والخصم العضل يسعى عليكم، وينصب
لكم، لا تنكرون ذلك منه خوفاً من سطوته، وحذراً من شدته، أن يهتف بكم
متقسوراً، أو يصرخ بكم متعذوراً. إن قال صدقتم قالته وإن سأل بذلتم سألته،
يحكم في رقابكم وأموالكم كأنكم عجائز صلع، وإماء قصع، فبدأ مفلتاً ابن أبي
قحافة بإرث نبيكم على بعد رحمه وضيق بلده، وقلة عدده فرقأ الله شرها، زعم
الله دره ما أعرفه لما صنع؛ أو لم يخصم الأنصار بقيس؟ ثم حكم بالطاعة لمولى
أبي حذيفة؟ يتمايل بكم يميناً وشمالاً، قد خطب عقولكم، واستمهر وجلكم، 357
ممتحنا لكم، ومعترفاً أخطاركم، وهل تسمو هممكم إلى منازعته ولولا تيك لكان
قسمه خسيساً وسعيه تعيساً؛ لكن بدر بالرأي، وثنى بالقضاء وثلث بالشوري ثم
غدا سامراً مسلطاً درته على عاتقه فتطأطأتم له تطأطؤ الحقة، ووليتموه
أدباركم حتى علا أكتافكم ينعق بكم في كل مرتع، ويشد منكم على كل مخنق، لا
يبتعث لكم هتاف ولا يأتلق لكم شهاب يهجم عليكم بالسراء، ويتورط بالحوباء
عرفتم أو أنكرتم، لا تألمون ولا تستنطقون، حتى إذا عاد الأمر فيكم ولكم، في
مونقة من العيش، عرقها وشيج، وفرعها عميم، وظلها ظليل تتناولون من كثب
ثمارها أنى شئتم رغداً، وحلبت عليكم عشار الأرض درراً، واستمرأتم أكلكم من
فوقكم ومن تحت أرجلكم، في خصب غدق، وأوق شرق، تنامون في الخفض وتستلينون
الدعة، ومقتم زبرجة الدنيا وحرجتها، واستحليتم غضارتها ونضرتها وظننتم أن
ذلك سيأتيكم من كثب عفواً، ويتحلب عليكم رسلاً، قانتضبتم سيوفكم، وكسرتم
جفونكم، وقد أبى الله أن تشام سيوف جردت بغياً وظلماً، ونسيتم قول الله عز
وجل " إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً. "
فلا يهنينكم الظفر. ولا يستوطنن بكم الحضر، فإن الله بالمرصاد، وإليه
المعاد، والله ما يقوم الظليم إلا على رجلين، ولا ترن القوس إلا على سيتين
فأثبتوا في الغرز أرجلكم، فقد هداكم في المتيهة الخرقاء كما أضل أدحيته
الحسل. وسيعلم كيف يكون إذا كان الناس عباديد، وقد نازعتكم الرجال واعترضت
عليكم الأمور، وساورتكم الحروب بالليوث، وقارعتكم الأيام بالجيوش، وحمي
عليكم الوطيس، فيوماً تدعون من لا يجيب، ويوماً تجيبون من لا يدعو. وقد بسط
باسطكم كلتا يديه يرى أنهما في سبيل الله؛ فيد مقبوضة وأخرى مقصورة،
والرؤوس تندر عن الطلى، والكواهل كما ينقف التنوم. فما أبعد نصر الله من
الظالمين وأستغفر الله مع المستغفرين.
أروى بنت الحارث
قيل: دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية بن أبي سفيان بالموسم وهي عجوز كبيرة، فلما رآها قال: مرحباً بك يا عمة. قالت: كيف أنت يا بن أخي، لقد كفرت بعدي النعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك، بغير بلاء كان منك ولا من آبائك في الإسلام؛ ولقد كفرتم بما جاء به محمد صلى الله عليه. فأتعس الله الجدود، وصغر منكم الخدود، حتى رد الله الحق إلى أهله، وكانت كلمة الله هي العليا، ونبينا محمد صلى الله عليه هو المنصور على من ناوأه ولو كره المشركون.فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظاً ونصيباً وقدراً، حتى قبض الله نبيه صلى الله عليه مغفوراً ذنبه، مرفوعة درجته، شريفاً عند الله مرضياً، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى في آل فرعون، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم؛ وصار سيد المسلمين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى، حيث يقول: " ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " ولم يجمع بعد رسول الله صلى الله عليه لنا شمل، ولم يسهل لنا وعر، وغايتنا الجنة، وغايتكم النار.
فقال عمرو بن العاص:
أيتها العجوز الضالة أقصري من قولك، وغضي من طرفك.
قالت:
ومن أنت 358 لا أم لك؟ قال: عمرو بن العاص. قالت: يا بن اللخناء النابغة،
أتكلمني؟ اربع على ظلعك، واعن بشأن نفسك، فوالله ما أنت من قريش في اللباب
من حسبها، ولا كريم منصبها. ولقد ادعاك ستة من قريش كلهم يزعم أنه أبوك،
ولقد رأيت أمك أيام منى بمكة مع كل عبد عاهر، فأنت فأتم بهم، فإنك بهم
أشبه.
فقال مروان: أيتها العجوز الضالة؛ ساخ بصرك مع ذهاب عقلك إذ لا
تجوز شهادتك. قالت: يا بني؛ أتتكلم؟ فوالله لأنت بسفيان بن الحارث بن كلدة
أشبه منك بالحكم، وإنك لشبهه في زرقة عينيك، وحمرة شعرك، مع قصر قامته،
وظاهر دمامته. ولقد رأيت الحكم ماد القامة ظاهر الهامة سبط الشعر. وما
بينكما قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب فاسأل أمك عما ذكرت
لك فإنها تخبرك بشأن أبيك إن صدقت.
رؤيا رقيقة
قال مخرمة بن نوفل: حدثتني أمي رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف، قالت: تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع وأرقت اللحم، وأدقت العظم فبينا أنا نائمة، لاهم أو مهمومة إذا أنا بهاتف يهتف بصوت صحل اقشعر له جلدي: معاشر قريش إن النبي الأمي المبعوث منكم قد أظلتكم أيامه، وهذا أوان نجومه ألا فحي هلا بالخصب والحيا؛ ألا فانظروا منكم رجلاً وسيطاً عظاماً جساماً أبيض بضاً أوطف الأهداب، أشم العرنين سهل الخدين، له نجر يكظم عليه وسنة تهدى. إليه ألا فليدلف هو وولده، وليدلف معه من كل بطن رجل، فليشنوا من الماء، وليمسوا من الطيب ثم ليستلموا الركن، وليرقوا أبا قبيس، وليدع، وليؤمن القوم على دعائه، فغثتم ما شئتم.قالت: فأصبحت - علم الله - مذعورة قد وله قلبي، واقشعر جلدي لما رأيت في منامي فقصصت رؤياي، ونمت في شعاب مكة، فوالحرمة والحرم، ما بقي أبطحي إلا قال: هذا شيبة الحمد، هذا عبد المطلب. فتنامت إليه رجالات قريش، وهبط إليه من كل بطن رجل، فشنوا ومسوا واستلموا، ثم ارتقوا أبا قبيس، وطفقوا يزفون حواليه؛ ما إن يبلغ سعيهم مهله، حتى إذا استووا بذروة الجبل قام عبد المطلب، ومعه رسول الله صلى الله عليه، غلام قد أيفع أو كرب، فرفع يده إلى السماء وقال: اللهم كاشف الكربة، وساد الخلة، أنت عالم غير معلم، مسئول غير مبخل هذه عبداك وإماؤك بعذرات حرمك، يشكون إليك سنتهم التي أذهبت الظلف والخف، فاسمعن اللهم لنا، وأمطرن غيثاً مغدقاً مريعاً. فما راموا الكعبة حتى تفجرت السماء بمائها، وكظ الوادي بشجيجه فلسمعت شيخان قريش وجلتها؛ عبد الله بن جدعان، وحرب بن أمية، وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب: هنيئاً لك أبا البطحاء هنيئاً لك.
هند بنت عتبة
قالت هند بنت عتبة لأبيها: إني امرأة قد ملكت أمري، فلا تزوجني رجلاً حتى تعرضه علي فقال: لك ذاك. وقال لها ذات يوم: إنه قد خطبك رجلان من قومك، ولست مسمياً لك واحداً منهما، حتى أصفه لك؛ أما الأول ففي الشرف الصميم، والحسب الكريم، تخالين به هوجاً من غفلته، وذلك إسجاح من شيمته، حسن 359 الصحابة، سريع الإجابة، إن تابعته تابعك، وإن ملت كان معك، تقضين عليه في ماله، وتكتفين برأيك عن مشورته.وأما الآخر ففي الحسب الحسيب، والرأي الأريب، بدر أرومته، وعز عشيرته، يؤدب أهله ولا يؤدبونه؛ إن اتبعوه أسهل بهم، وإن جانبوه توعر عنهم، شديد الغيرة، سريع الطيرة، صعب حجاب القبة إن حاج فغير منزور، وإن نوزع فغير مقسور، قد بنيت لك كليهما.
قالت: أما الأول فسيد مضياع لكريمته، موات لها؛ فما عسى إن لم تعتص أن تلين بعد إبائها، وتضيع تحت خبائها إن جاءته بولد أحمقت وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت. أطو ذكر هذا عنى لا تسمه لي.
وأما الآخر فبعل الحرة الكريمة، إني لأخلاق هذا لوامقة، وإني له لموافقة، وإني لآخذه بأدب البعل، مع لزومي قبتي وقلة تلفتي، وإن السليل بيني وبينه لحري أن يكون المدافع عن حريم عشيرته، الذائد عن كتيبتها المحامي عن حقيقتها، المثبت لأرومتها، غير متواكل ولا زميل عند صعصعة الحروب.
قال: ذلك أبو سفيان بن حرب. قالت: فزوجه ولا تلقني إليه إلقاء الشكس ولا تسمه سوم الضرس، ثم استخر الله عز وجل في السماء يخرلك في القضاء. فزوجها أبا سفيان. وكان الآخر سهيل بن عمرو.
قيل:
إنه لما نخس هبار بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه بلغ هنداً، فقامت مسندة ظهرها إلى الكعبة وقالت: أبابنة محمد يفعلون هذا!
أفي السلم أعياراً جفاء وغلظة ... وفي الحرب أمثال النساء العوارك
روي
عن أبي هريرة، أنه قال: لما كان الفتح قال لي خالد بن الوليد: يا أبا
هريرة، اذهب بنا إلى هند بنت عتبة، لعلك تقرأ عليها بعض القرآن لينفعها
الله. قلت: انطلق. فدخلنا عليها كأنها والله فرس عربي، وكأن وراء عجيزتها
رجلآً جالساً. فقال لها خالد بن الوليد: يا أم معاوية؛ هذا أبو هريرة صاحب
رسول الله صلى الله عليه، جئتك به ليتلو عليك القرآن ويذكرك أمر الإسلام.
قالت: هات. قال أبو هريرة: فقلت: " بسم الله الرحمن الرحيم " : " تبارك
الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير " . حتى انتهيت إلى قوله جل وعز: "
ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير " . فقالت: لأوسدن الكعبة. ما سمعنا
بشاعر قط ينتحل خلق السموات والأرض إلا شاعرهم هذا. قال: فقال خالد: قم يا
أبا هريرة، فوالله لا تسلم هذه أبداً. فقمنا فخرجنا من عندها.
وكانت هند تقول: النساء أغلال فليختر الرجل غلاً ليده.
وكانوا يشبهون عائشة أم المؤمنين بهند في عقلها.
رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب
كانت عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه، ساكنة بمكة مع أخيها العباس بن عبد المطلب، فرأت رؤيا قبل يوم بدر، وقبل قدوم ضمضم عليهم، ففزعت منها، فأرسلت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب من ليلتها، فجاءها فقالت: رأيت الليلة رؤيا قد أشفقت منها، وخشيت على قومك الهلكة. قال: وماذا رأيت ؟ قالت: لن أحدثك حتى تعاهدني ألا تذكرها لقومك؛ فإنهم إن سمعوها آذونا وأسمعونا مالا نحب. فعاهدها العباس فقالت: رأيت راكباً أقبل على راحلة من أعلى مكة يصيح بأعلى صوته: يا آل غدر، اخرجوا في ليلتين أو ثلاث، ثم أقبل يصيح حتى دخل المسجد على راحلته، فصاح ثلاث صيحات، ومال عليه الرجال والنساء والصبيان، وفزع الناس له أشد الفزع. قالت: ثم أراه مثل ظهر الكعبة على راحلته فصاح ثلاث صيحات فقال: يا آل غدر، يا آل فجر اخرجوا في ليلتين أو ثلاث. ثم أراه مثل علي أبي قبيس كذلك يقول: يا آل غدر ويا آل فجر حتى أسمع من بين الأخشبين من أهل مكة، ثم عمد لصخرة عظيمة فنزعها من أصلها ثم أرسلها على أهل مكة، فأقبلت الصخرة لها حس شديد، حتى إذا كانت عند أصل الجبل ارفضت، فلا أعلم بمكة بيتاً ولا داراً إلا وقد دخلتها فلقة من تلك الصخرة. فقد خشيت على قومك.ففزع من رؤياها العباس ثم خرج من عندها، فلقي الوليد بن عقبة بن أبي ربيعة من آخر تلك الليلة، وكان خليلاً للعباس، فقص عليه رؤيا عاتكة وأمره ألا يذكرها لأحد، فذكرها لأبيه عتبة، وذكرها عتبة لأخيه شيبة، فارتفع الحديث حتى بلغ أبا جهل واستفاض في أهل مكة.
فلما أصبحوا غدا العباس يطوف، فوجد في المسجد أبا جهل، وأبا البخترى في نفر من قريش يتحدثون، فلما نظروا إلى العباس ناداه أبو جهل: يا أبا الفضل؛ إذا قضيت طوافك فهلم إلينا. فلما قضى طوافه جاءهم فجلس إليهم، فقال له أبو جهل: ما رؤيا عاتكة؟ قال: ما رأت من شيء قال أبو جهل: أما رضيتم يا بني هاشم بكذب الرجال حتى جئتمونا بكذب النساء. إنا كنا وأنتم كفرسي الرهان، فاستبقنا المجد منذ حينٍ. فلما تحاكت الركب قلتم: منا نبي. فما بقي إلا أن تقولوا: منا نبية. لا أعلم في قريش أهل بيت أكذب رجلاً ولا امرأة منكم. فآذوه أشد الأذى وقال أبو جهل: زعمت عاتكة أن الراكب قال: اخرجوا في ليلتين أو ثلاث، فلو قد مضت هذه الثلاث تبينت قريش كذبكم، وكتبنا سجلاً أنكم أكذب بيت في العرب رجلاً وامرأة. أما رضيتم يا بني قصي أن ذهبتم بالحجابة والندوة والسقاية واللواء والرفادة حتى جئتمونا بنبي منكم. فقال له العباس: هل أنت منته، فإن الكذب فيك وفي أهل البيت. فقال من حضرهما: ما كنت يا أبا الفضل جهولاً ولا خرقاً.
ولقى العباس من عاتكة فيما أفشى عليها من رؤياها أذى شديداً. فلما كان مساء الليلة الثالثة من الليالي التي رأت فيها عاتكة الرؤيا جاءهم الراكب الذي بعث به أبو سفيان وهو ضمضم بن عمرو الغفاري فصرخ:
يا آل غالب ابن فهر؛ انفروا فقد خرج محمد صلى الله عليه وأهل يثرب لأبي سفيان فاحذروا عيركم. ففزعت قريش أشد الفزع وأشفقوا من رؤيا عاتكة. وقال العباس: هذا زعمتم كذبي وكذب عاتكة. فنفروا على كل صعب وذلول، فأظفر الله رسوله صلى الله عليه ببدر.
فاطمة بنت عبد الملك بن مروان
روى عن عطاء قال: قلت لفاطمة بنت عبد الملك: أخبريني عن عمر بن عبد العزيز. قالت: أفعل، ولو كان حياً ما فعلت. إن عمر رحمه الله كان قد فزع للمسلمين نفسه، ولأمورهم ذهنه 361، فكان إذا أمسى مساء لم يفرغ فيه من حوائج الناس في يومه دعا بسراجه الذي كان يسرج له من ماله ثم صلى ركعتين، ثم أقعى واضعاً رأسه على يديه، تسيل دموعه على خديه يشهق الشهقة تكاد ينصدع لها قلبه، أو تخرج لها نفسه، حتى يرى الصبح.وأصبح صائماً فدنوت منه فقلت: يا أمير المؤمنين؛ ألشيء كان منك ما كان؟ قال: أجل، فعليك بشأنك، وخليني وشأني. فقلت: إني أرجو أن أتعظ. قال: إذاً أخبرك، إني نظرت قد وجدتني وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، ثم ذكرت الفقير الجائع، والغريب الضائع، والأسير المقهور، وذا المال القليل والعيال الكثير، وأشياء من ذلك في أقاصي البلاد، وأطراف الأرض، فعلمت أن الله عز وجل سائلي عنهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيجي، لا يقبل الله مني فيهم معذرة، ولا يقوم لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة، فرحمت والله يا فاطمة نفسي رحمةً دمعت لها عيني، ووجع لها قلبي، فأنا كلما ازددت ذكراً ازددت خوفاً فأيقظي أودعي.
أم سلمة أم المؤمنين
في حديث أم سلمة أنها أتت عائشة لما أرادت الخروج إلى البصرة فقالت لها: إنك سدة بين رسول الله صلى الله عليه وأمته، وحجابك مضروب على حرمته، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه وسكن عقيراك فلا تصحريها. الله من وراء هذه الأمة، لو أراد رسول الله صلى الله عليه أن يعهد إليك عهداً. علت علت بل قد نهاك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرطة في البلاد؛ إن عمود الإسلام لا يثاب بالنساء إن مال، ولا يرأب بهن أن صدع، حماديات النساء غض الأطراف وخفر الأعراض، وقصر الوهازة.ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه عارضك بعض الفلوات ناصة قلوصاً من منهل إلى آخر أن يعين الله مهواك، وعلى رسوله تردين قد وجهت سدافته. - ويروى سجافته - وتركت عهيداه. لو سرت مسيرك هذا ثم قيل: ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمداً، هاتكة حجاباً قد ضربه علي.
اجعلي حصنك بيتك، ووقاعة الستر قبرك، حتى تلقيه وأنت على تلك أطوع ما تكونين لله ما لزمته، وأنصر ما تكونين للدين ما جلست عنه، لو ذكرتك قولاً تعرفينه نهسته نهش الرقشاء المطرقة.
فقالت عائشة: ما أقبلني لوعظك! وليس الأمر كما تظنين، ولنعم المسير مسير فزعت فيه إلي فئتان متناجزتان - أو متناحرتان - إن أقعد ففي غير حرج، وإن أخرج فإلى ما لا بد من الازدياد منه.
قولها: قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه أي لا توسعيه بالحركة والخروج يقال: ندحت الشيء: إذا وسعته. ومنه يقال: أنا في مندوحة عن كذا. أي في سعة. ومن رواه فلا تبدحيه فإنه من البداح وهو المتسع من الأرض وعقيراك: من عقر الدار.
وعلت من العول، وهو الميل. ومن رواه: علت بالكسر فهو من عال في البلاد يعيل.
والفرطة: من الفرط. وهو السبق والتقدم.
لا يثاب: لا يرد يقال ثبت إلى كذا أي عدت إليه.
حماديات: جمع حمادي مثل قولك قصاراك.
الوهازة: قيل هو الخطو.
السدافة: الحجاب والستر، من أسداف الليل: إذا ستر بظلمته.
ملتقطات من كلامهن
قالت هند بنت عتبة وقد عزيت عن يزيد بن أبي سفيان لما مات فقيل لها: إنا لنرجو أن يكون في معاوية خلفاً منه. قالت: أومثل معاوية يكون خلفاً من أحد؟ والله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمي به فيها لخرج من أيها شاء.قالت خالدة بنت هاشم بن عبد مناف لأخ لها - وقد سمعته تجهم صديقاً له: أي أخي، لا تطلع من الكلام إلا ما قد روأت فيه قبل ذلك، ومزجته بالحلم، وداويته بالرفق؛ فإن ذلك أشبه بك. فسمعها أبوها هاشم فقام إليها فاعتنقها وقبلها وقال: واهاً لك يا قبة الديباج. فلقبت بذلك.
قالت عائشة للنبي عليه السلام وقد دخل عليها: أين كنت يا رسول الله؟ قال: كنت عند أم سلمة. قالت:
أما
تشبع. فتبسم. وقالت: يا رسول الله؛ لو مررت بعدوتين إحداهما عافية لم
يرعها أحد، وأخرى قد رعاها الناس، أيهما كنت تنزل؟ قال: بالعافية التي لم
يرعها الناس. قالت: فلست كأحد من نسائك.
روي أن عمر نهى أبا سفيان عن رش
باب منزله لئلا يمر به الحاج فيزلقون فيه، فلم ينته. ومر عمر فزلق ببابه
فعلاه بالدرة وقال: ألم آمرك ألا تفعل هذا. فوضع أبو سفيان سبابته على فيه.
فقال عمر: الحمد لله الذي أراني أبا سفيان ببطحاء مكة أضربه فلا ينتصر،
وآمره فيأتمر. فسمعته هند بنت عتبة فقالت: احمده يا عمر فإنك إن تحمده فقد
أراك عظيماً.
كانت زينب بنت سليمان بن علي تقول: من أراد أن يكون الخلق
شفعاءه إلى الله فليحمده. ألم تسمع إلى قولهم: سمع الله لمن حمده. فخف الله
لقدرته عليك واستحي منه لقربه منك.
وقالت زينب: لو أدرك المنصور ما ساس به المأمون بني أبي طالب لخرج له عما يملك.
لما
تزوجت خديجة رضوان الله عليها برسول الله صلى الله عليه وسلم كست أباها
حلة وخلقته ونحرت جزوراً، فلما أفاق الشيخ قال: ما هذا الحبير وهذا العبير
وهذا العقير؟ فقالت خديجة: زوجتني محمداً وهو كساك هذا.
قيل: ما رئيت
ابنة عبد الله بن جعفر ضاحكة بعد أن تزوجها الحجاج فقيل لها: لو تسليت،
فإنه أمر قد وقع. فقالت: كيف وبم؟ فوالله لقد ألبست قومي عاراً لا يغسل
درنه بغسل.
ولما مات أبوها لم تبك عليه. فقيل لها: ألا تبكين على أبيك؟ قالت: والله إن الحزن ليبعثني وإن الغيظ ليصمتني.
مات
ابن لزينب بنت سليمان بن علي فوجه المأمون بصالح بن الرشيد للصلاة عليه،
فقال لها صالح: إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك: قد كنت على
الركوب، فعرضت لي علة، وقد وجهت صالحاً ليقوم مقامي، عظم الله أجرك، فإنما
فقدت شخصه، وثوابه مذخور لك. قال: فظهر غضبها، ورفعت ابناً لابنها الميت
فقالت: صل على أبيك وقالت:
سبكناه ونحسبه لجيناً ... فأبدى الكير عن خبث الحديد
أما إنه لو كان يحيى بن الحسين بن زيد لوضعت ذيلك في فيك، وعدوت خلف جنازته.
لما
دخل المأمون بغداد دخلت عليه أم جعفر فقالت: يا أمير المؤمنين 363 أهنئك
بخلافة قد هنأت بها نفسي عنك قبل أن أراك. ولئن فقدت ابناً خليفةً لقد عوضت
ابناً خليفة لم ألده. وما خسر من اعتاض مثلك، ولا ثكلت أم ملأت يدها منك،
فأسأل الله أجراً على ما أخذ، ومتاعاً بما وهب.
دخلت فاطمة بنت الحسين
على هشام بن عبد الملك، فقال لبعض جلسائه: حركها بشيء تغضب منه. فقال يا
أمير المؤمنين: إنها لا تعرف الشر. فقالت له: أيهاً عنك. علمي به جنبنيه.
روى
عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان قال: جمعتنا أمنا فاطمة بنت الحسين
عليه السلام فقالت: يا بني؛ إنه والله ما نال أحد من أهل السفه بسفههم
شيئاً ولا أدركوه من لذاتهم إلا وقد ناله أهل المروءات، فاستتروا بستر
الله.
وذكر أن فاطمة أعطت ولدها من حسن بن حسن ما ورثته منه، وأعطت
ولدها من عبد الله بن عمرو بن عثمان مورثها منه، فوجد ولد حسن بن حسن في
أنفسهم لأن ما ورثت من عبد الله بن عمرو كان أكثر فقالت لهم: يا بني، إني
كرهت أن يرى أحدكم شيئاً من مال أبيه بيد أخيه، فيجد من ذلك في نفسه فلذلك
فعلت ما فعلت.
ودخلت مع أختها سكينة على هشام بن عبد الملك، فقال هشام
لفاطمة: صفي لنا يا بنة حسين ولدك من ابن عمك، وصفي لنا ولدك من ابن عمنا
قال: فبدأت بولد الحسن قالت: أما عبد الله فسيدنا وشريفنا والمطاع فينا،
وأما الحسن فلساننا ومدرهنا وأشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم
شمائل وتقلعاً ولوناً - وكان رسول الله عليه السلام إذا مشى تقلع فلا تكاد
عقباه تقعان بالأرض - وأما الذان من ابن عمكم فإن محمداً جمالنا الذي نباهي
به، والقاسم عارضتنا التي نمتنع بها، وأشبه الناس بأبي العاص بن أمية
عارضة ونفساً. فقال: والله لقد أحسنت صفاتهم يا بنة حسين. ثم وثب فجبذت
سكينة بردائه فقالت: والله يا أحول لقد أصبحت تهكم بنا. أما والله ما
أبرزنا لك إلا يوم الطف، قال: أنت امرأة كثيرة الشر.
الباب الثاني
نكت من كلام النساء
ومستحسن جواباتهن وألفاظهن
مرت
امرأة جميلة على مسجد بني نمير بالبصرة وعليه جماعة منهم فقال بعضهم: ما
أكبر عجيزتها، وقال آخر: إنها ملفوفة. وقال آخر: أنا أجيئكم بخبرها. فتبعها
وضرب يده على عجيزتها. قال: فالتفتت إليه وقالت: " الحق من ربك فلا تكونن
من الممترين " ثم انصرفت إلى بني نمير فقالت: يا بني نمير؛ والله ما حفظتم
في قول الله جل وعز، ولا قول الشاعر؛ قال الله تبارك وتعالى: " قل للمؤمنين
يغضوا من أبصارهم " وقال الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلاباً
364 - قالت امرأة من نمير وحضرتها الوفاة، وأهلها مجتمعون: من الذي يقول:
لعمرك ما رماح بني نمير ... بطائشة الصدور ولا قصار
قالوا: زياد الأعجم. قالت: فإني أشهدكم أن له الثلث من مالي. وكان الثلث كثيراً.
وقالت امرأة لزوجها: إن أكلك لاقتفاف، وإن شربك لاشتفاف، وإن ضجعك لالتفاف. تنام ليلة تخاف، وتشبع ليلة تضاف.
طلق
أعرابي امرأته فقالت له: جزاك الله خيراً؛ لقد كنت كثير المرق، طيب العرق،
قليل الأرق، قال: وأنت فجزاك الله خيراً؛ لقد كنت لذيذة المعتنق عند الكرى
والأرق، ولكن ما قضى الله قد سبق.
تزوج أعرابي امرأة أشرف منه حسباً ونسباً فقال: يا هذه: إنك مهزولة. فقالت: هزالي أولجني بيتك.
لما
قتل حاجب بن زرارة قراد بن حنيفة قالت قبائل بني دارم لحاجب: إما أن تقيد
من نفسك، وإما أن تدفع إلينا رجلاً من رهطك. فأمر فتىً من بني زرارة بن عدس
أن يذهب إليهم حتى يقاد. فمروا بالفتى على أمه وحسبوها تجزع فيدفع حاجب
إليهم غيره. فقالت: إن حيضة وقت حاجباً الموت لعظيمة البركة.
قالت أعرابية وقد دفع إليها علك لتمضغه: ما فيه إلا تعب الأضراس وخيبة الحنجرة.
قيل
لرملة بنت الزبير: ما لك أهزل ما تكونين إذا كان زوجك شاهداً؟ قالت: إن
الحرة لا تضاجع بعلها بملء بطنها. كأنها لم تأمن قرقرة البطن وغير ذلك.
نظر
رجل إلى امرأتين يتلاعبان فقال: مرا لعنكما الله فإنكن صواحبات يوسف.
فقالت إحداهما: يا عمي فمن رمى به في الجب: نحن أم أنتم؟ ومرت جارية بقوم
ومعها طبق مغطى فقال بعضهم: أي شيء معك على الطبق؟ قالت: فلم غطيناه؟ قال
الجاحظ: من الأسجاع الحسنة قول الأعرابية حين خاصمت ابنها إلى عامل الماء:
أما كان بطني لك وعاء؟ أما كان حجري لك فناء؟ أما كان ثديي لك سقاء.
وقالت امرأة: أصبحنا ما يرقد لنا فرس، ولا ينام لنا حرس.
مر
رجل بامرأة من غاضرة، وإذا ابن لها مسجى بين يديها، وهي تقول: يرحمك الله
يا بني. فوالله ما كان مالك لبطنك، ولا أمرك لعرسك، ولا كنت إلا لين
العطفة، يرضيك أقل مما يسخطك. قال: فقال لها: يا أمه، ألك منه خلف؟ قالت:
بلى ما هو خير منه: ثواب الله والصبر على المصيبة.
ولما قتل الفضل بن
سهل دخل المأمون إلى أمه يعزيها فيه، وقال: يا أمه؛ لا تحزني على الفضل؛
فإني خلف لك منه. فقالت له: وكيف لا أحزن على ولد عوضني خلفاً مثلك، فتعجب
المأمون من جوابها. وكان يقول: ما سمعت جواباً قط كان أحسن منه ولا أخلب
للقلب.
حكي أن عجوزاً من الأعراب جلست في طريق مكة إلى فتيان من قريش
يشربون نبيذاً لهم، فسقوها قدحاً فطابت نفسها وتبسمت ثم سقوها قدحاً آخر،
فاحمر وجهها وضحكت فسقوها قدحاً ثالثاً، فقالت: أخبروني عن نسائكم بالعراق،
أيشربن من هذا الشراب؟ قالوا: نعم. قالت: زنين ورب الكعبة.
365 - سئلت
أعرابية فقيل لها: أتعرفين النجوم؟ قالت: سبحان الله أما أعرف أشياخاً
وقوفاً علي كل ليلة؟ قيل لامرأة أصيبت بولدها: كيف أنت والجزع؟. قالت: لو
رأيت فيه دركاً ما اخترت عليه، ولو دام لي لدمت له.
مر أعرابي بجارية
جابة تمدر حوضاً لها، فقال: من دل على بعير بعنقه علاط. وبأنفه خزام، تتبعه
بكرتان سمراوان؟ فقال القوم: حفظ الله علينا وأمسك عليك. والله ما أحسسنا
لها خبراً.. فقالت الجارية: لا حفظ الله عليك يا عدو الله. فقيل لها: ما
ذاك؟ قالت: إنه ينشد سوءته.
قال بعضهم: شهدت امرأة بالبادية، وبين يديها ابن لها يجود بنفسه فوثبت عليه فأغمضته وعصبته وترحمت عليه، ثم تنحت. فقالت:
ما
حق من ألبس النعمة، وأطيلت له العافية، وأديمت به النظرة ألا يعجز عن
التوثق لنفسه، من قبل حل عقوده، والحلول بعقوته، والحيالة بينه وبين نفسه.
قالت أعرابية في الزوج: لا أريده ظريفاً ولا ظريفاً ولا رجل أهله ولا السمين الألحم، ولكني أريده الضحوك ولاجاً، الكسوب خراجاً.
خطب
رجل ابنة عم له فأخبرها أبوها بذلك فقالت: يا أبه، سله ما لي عنده؟ فسأله
فقال: ألطف برها، وأحمل ذكرها، وأعصي أمرها. فقالت: زوجنيه.
لما أهديت
ابنة عبد الله بن جعفر إلى الحجاج نظر إليها في تلك الليلة وعبرتها تجول في
خدها، فقال: مم بأبي أنت؟. قالت: من شرف اتضع، ومن ضعة شرفت.
ولما كتب
عبد الملك إلى الحجاج بطلاقها قال لها: إن أمير المؤمنين أمرني بطلاقك
قالت: هو أبر بي ممن زوجنيك حكم بلال بن أبي بردة بالتفريق بين رجل
وامرأته، فقالت له المرأة: يا بن أبي موسى إنما بعثتم بالتفريق بين
المسلمين.
نزل رجل بامرأة من العرب فقال لها: هل من لبن أو طعام يباع؟ فقالت: إنك للئيم أو حديث عهد باللئام. فاستحسن ذلك منها وخطبها فتزوجها.
حدث
بعضهم قال: خرجت إلى ناحية الطفاوة فإذا أنا بامرأة لم أر أجمل منها.
فقلت: أيتها المرأة؛ إن كان لك زوج فبارك الله له فيك، وإلا فأعلميني. قال:
فقالت: وما تصنع بي وفي شيء لا أراك ترتضيه. قلت: وما هو؟ قالت: شيب في
رأسي. قال: فثنيت عنان دابتي راجعاً. فصاحت بي: على رسلك أخبرك بشيء. فوقفت
وقلت: ما هو يرحمك الله؟ فقالت: والله ما بلغت العشرين بعد، وهذا رأسي -
فكشفت عن عناقيد كالحمم - وما رأيت في رأسي بياضاً قط، ولكن أحببت أن تعلم
أنا نكره مثل ما يكره منا. وأنشدت:
أرى شيب الرجال من الغواني ... بموضع شيبهن من الرجال
قال: فرجعت خجلاً كاسف البال.
وصفت امرأة نساء فقالت: كن صدوعاً في صفاً ليس لعاجز فيهن حظ.
قيل
لابنة الخس: من تريدين أن تتزوجي؟ فقالت: لا أريده أخا فلان ولا ابن عم
فلان، ولا الظريف، ولا المتظرف، ولا السمين الألحم ولكني أريده كسوباً إذا
غدا، ضحوكاً إذا أتى، أخال ولا تيمنه وقيل لها: من أعظم الناس في عينيك؟
قالت: من 366 كانت لي إليه حاجة.
قيل لأعرابية قد حملت شاة تبيعها: بكم؟
قالت: بكذا. قيل لها: أحسني. فتركت الشاة ومرت لتنصرف. فقيل لها: ما هذا؟
قالت: لم تقولوا أنقصي، وإنما قلتم: أحسني. والإحسان ترك الكل.
قالت قريبة الأعرابية: إذا كنت في غير قومك فلا تنس نصيبك من الذل قيل لأعرابية: ما أطيب الروائح؟ قالت: بدن تحبه، وولد تربه.
سأل
رجل الخيزران حاجة، وأهدى إليها هدية فردتها وكتبت إليه: إن كان الذي
وجهته ثمناً لرأي فيك فقد بخستني في القيمة، وإن كان استزادة فقد استغششتني
في النصيحة.
قتل قتيبة أبا امرأة وأخاها وزوجها ثم قال لها: أتعرفين أعدى لك مني؟ قالت: نعم: نفس طالبتني بالغداء بعد من قتلت لي.
تقدمت
امرأة إلى قاضٍ فقال لها القاضي: جامعك شهودك كلهم؟ فسكتت فقال كاتبه: إن
القاضي يقول: جاء شهودك معك؟ قالت: نعم. ثم قالت للقاضي: ألا قلت كما قال
كاتبك. كبر سنك، وذهب عقلك. وعظمت لحيتك فغطت على عقلك؛ وما رأيت ميتاً
يحكم بين الأحياء غيرك.
قالت أعرابية لزوجها، ورأته مهموماً: إن كان همك بالدنيا فقد فرغ الله منها، وإن كان للآخرة فزادك الله هماً بها.
قال
الأصمعي: سمعت أعرابية تقول: إلهي؛ ما أضيق على من لم تكن دليله، وأوحشه
على من لم تكن أنيسه! وافتخرت جاريتان من العرب بقوسي أبويهما. فقالت
إحداهما: قوس أبي طروح مروح، تعجل الظبي أن يروح. وقالت الأخرى: قوس أبي
كرة، تعجل الظبي النفرة.
قال عتبة بن ربيعة لابنته هند: قد خطبك إلي
رجلان؛ خطبك السم ناقعاً، وخطبك الأسد عادياً. فأيهما أحب إليك أن أزوجك؟
قالت: الذي يأكل أحب إلي من الذي يؤكل. فزوجها أبا سفيان، وهو الأسد العادي
وكان الآخر سهيل بن عمرو.
سمعت امرأة بدوية وهي ترقص ابناً لها وتقول: رزقك الله جدا يخدمك عليه ذوو العقول، ولا رزقك عقلاً تخدم به ذوي الجدود.
قال ابن أبي طاهر: حدثني علي بن عبيدة قال:
تزاورت
أختان من أهل القصر، فأرهقتهما الصلاة، فبادرت إحداهما فصلت صلاةً خفيفة،
فقال لها بعض النساء: كنت حرية أن تطولي الصلاة في هذا اليوم شكراً لله حين
التقينا. قالت: لا، ولكن أخفف صلاتي اليوم وأتمتع بالنظر إليها، وأشكر
الله في صلاتي غداً.
قالت الخنساء: النساء يحببن من الرجال المنظراني الغليظ. القصرة، العظيم الكمرة، الذي إذا طعن حفر، وإذا أخطأ قشر، وإذا أخرج عقر.
قيل لأعرابية في البادية: من أين معاشكم؟ فقالت: لو لم نعش إلا من حيث نعلم لم نعش.
قيل
لامرأة من كلب: ما أحب الأشياء من الرجال إلى النساء: قالت: ما يكثر
الأعداد، ويزيد في الأولاد؛ حربة في غلاف بحقوى رجل جاف، إذا عافى أوهن،
وإذا جامع أثخن.
قالت عائشة للخنساء، إلى كم تبكين على صخر، وإنما هو جمرة في النار؟ قالت: ذاك أشد لجزعي عليه.
جاءت
امرأة إلى عدي بن أرطاة تستعديه على زوجها، وتشكو أنه عنين لا يأتيها،
فقال عدي: إني لأستحي للمرأة أن تستعدي على زوجها من 367 مثل هذا. فقالت:
ولم لا أرغب فيما رغبت فيه أمك فلعل الله أن يرزقني ابناً مثلك.
وقالت
أعرابية لرجل: ما لك تعطي ولا تعد؟ فقال لها: مالك وللوعد؟ قالت: ينفسخ به
الصبر، وينتشر فيه الأمل، ويطيب بذكره النفس، ويرجى به العيش، وتربح أنت به
المرح بالوفاء.
قيل لامرأة: صفي لنا الناقة النجيبة، قالت: كالعقرب إذا همت، وكالحية إذا التوت، تطوي الفلاة وما انطوت.
صرخت أعرابية ذات يوم، فقال لها أبوها: مالك؟ قالت: لسعتني عقرب، قال: أين؟ قالت: حيث لا يضع الراقي أنفه.
خطب
أعرابي امرأة وكان قصيراً فاحش القصر، عظيم الأنف جداً فكرهته فقال: يا
هذه، قد عرفت شرفي وأنا مع ذلك كريم المعاشرة، محتمل المكروه. فقالت: صدقت
مع حملك هذا الأنف أربعين سنة.
كانت أم أبان بنت عتبة بن ربيعة عند يزيد
بن أبي سفيان فمات عنها فخطبها علي عليه السلام فردته فقيل لها: أتردين
علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه، وزوج فاطمة وأبا الحسن
والحسين، وحاله في الإسلام حاله؟ قالت: نعم. لا أوثر هواه على هواي. ليس
لامرأته منه إلا جلوسه بين شعبها الأربع، وهو صاحب صر من النساء.
ثم
خطبها عمر فردته. فقيل أتردين أمير المؤمنين الفاروق، وحاله في الإسلام
حاله؟ قالت: نعم لا أوثر هواه على هواي، يدخل عابساً ويخرج عابساً، ويغلق
علي بابه وأنا امرأة برزة.
ثم خطبها الزبير فردته. فقيل لها: أتردين
الزبير حواري رسول الله وابن عمته وحاله في الإسلام حاله؟ قالت: نعم. لا
أوثر هواه على هواي. يد فيها قروني، ويد فيها السوط.
ثم خطبها طلحة فقالت: زوجي حقاً. يدخل علي بساماً ويخرج بساماً، إن سألت بذل، وإن أعطى أجزل، وإن أذنبت غفر، وإن أحسنت شكر. فتزوجته.
فأولم
ثم دعا هؤلاء النفر وهي في خدرها وكذلك كانوا يفعلون. فقال علي عليه
السلام: يا أبا محمد إيذن لي أكلم هذه فأذن له. فقال: يا أم أبان تستري.
فتسترت ثم رفع سجف الحجلة فقال: يا عدية نفسها خطبتك وليس بقرشية عني رغبة
بعد فاطمة بنت رسول الله، فرددتني، وخطبك الزبير حواري رسول الله وابن عمته
فرددته واخترت علينا ابن الصعبة قالت: فلو وجدت نفقاً لدخلت فيه. قالت:
فأحلت على الزاملة التي تحمل كل شيء فقلت: أمر قضي، وما كان ذاك بيدي فقال:
صدقت رحمك الله. أما على ذلك فقد نكحت أصبحنا وجهاً، وأسخانا كفاً،
وأكرمنا للنساء صحبة. ثم قال: يا أبا محمد، سلها عما قلت لها فإني لم أقل
إلا الذي تحب. قال: لا أسألها عنه أبداً.
نظرت عجوز أعرابية إلى امرأة حولها عشرة من بنيها كأنهم الصقور فقالت: ولدت أمكم حزناً طويلاً.
خرج
معاوية ذات يوم يمشي، ومعه خصي له حتى دخل على ميسون بنت بحدل، وهي أم
يزيد فاستترت منه. قال: أتستترين منه وإنما هو مثل المرأة؟ قالت: أترى أن
المثلة به تحل ما حرم الله.
خطب عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافصة بن
الأحوص الكلبي وكان نصرانياً فقال لابنه ضب: تحنف وزوجها أمير المؤمنين.
ففعل وحملها إلى المدينة. فلما أدخلت إليه قال لها: أتقومين إلي أم أقوم
إليك؟ قالت: ما قطعت إليك عرض 368 السماوة وأنا أريد أن أكلفك طول البيت.
فلما جلست بين يديه قال:
لا يروعنك هذا الشيب قالت: أما إني من نسوة أحب أزواجهن إليهن الكهل السيد قال: حلي إزارك. قالت: ذاك بك أحسن.
فلما قتل أصابتها ضربة على يدها وخطبها معاوية فردته وقالت: ما يحب الرجال مني؟ قالوا: ثناياك. فكسرت ثناياها وبعثت بها إلى معاوية.
وقال: ذلك مما رغب قريشاً في نكاح نساء كلب. تزوج الزبير أم مصعب، وتزوج الحسين عليه السلام أم سكينة، وتزوج مروان أم عبد العزيز.
استعمل
المنصور رجلاً على خراسان فأتته امرأة في حاجة فلم تر عنده غناء. فقالت:
أتدري لم ولاك أمير المؤمنين؟ قال: لا. قالت: لينظر هل يستقيم أمر خراسان
بلا وال.
قال بعضهم: خطبت امرأة فأجابت فقلت: إني سيء الخلق. فقالت: أسوأ خلقاً منك من يلجئك إلى سوء الخلق.
قيل:
إن الحسن رضي الله عنه طلق امرأتين قرشية وجعفية وبعث إلى كل واحدة منهما
عشرين ألفاً. وقال للرسول: احفظ ما تقول كل واحدة منهما فقالت القرشية:
جزاه الله خيراً. وقالت الجعفية: متاع قليل من حبيب مفارق. فراجعها وطلق
الأخرى.
وكانت عند الحسن بن الحسين امرأة فضجر يوماً وقال: أمرك في يدك
فقالت: أما والله لقد كان في يدك عشرين سنة فحفظته، أفأضيعه في ساعة صار في
يدي. قد رددت إليك حقك. فأعجبه قولها وأحسن صحبتها.
قالت الخيزران: قبح الله الخدم ليس لهم حزم الرجال ولا رقة النساء.
كتب
المأمون إلى شكلة أم إبراهيم بن المهدي يتوعدها فأجابته: أنا يا أمير
المؤمنين أم من أمهاتك، فإن كان ابني عصى الله فيك فلا تعصه في، والسلام.
قال
أبو هريرة رضي الله عنه: رأيت هنداً بمكة جالسة، كأن وجهها فلقة قمر
وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس، ومعها صبي يلعب، فمر رجل فنظر إليه
فقال: إني لأرى غلاماً إن عاش ليسودن قومه. فقالت هند: إن لم يسد إلا قومه
فلا جبره الله.
قيل لأم الرشيد: أتخافين الموت؟ قالت: كيف لا أخافه؟ ولو
كنت عصيت مخلوقاً ما أحببت لقاءه. فكيف ألقى الله وقد عصيته؟ كانت الفارعة
بنت مسعود الثقفية أم الحجاج عند المغيرة بن شعبة، فدخل عليها ذات يوم حين
أقبل من صلاة الغداة وهي تتخلل. فقال: يا فارعة؛ لئن كان هذا التخلل من
أكل اليوم إنك لجشعة، وإن كان من أكل البارحة إنك لبشعة. اعتدى فأنت طالق.
فقالت: سخنت عينك من مطلاق. ما هو من ذا ولا ذاك. ولكني استكت فتخللت من
شظية من سواكي. فاسترجع ثم خرج فلقي يوسف بن الحكم بن أبي عقيل. فقال: إني
قد نزلت اليوم عن سيدة نساء ثقيف، فتزوجتها فإنها ستنجب. فتزوجها فولدت له
الحجاج.
دخلت ليلى الأخيلية على الحجاج. فقال لأصحابه: ألا أخجلها لكم؟
قالوا: بلى. قال: يا ليلى، أكنت تحبين توبة؟ قالت: نعم أيها الأمير. وأنت
لو رأيته أحببته.
قال ابن عياش: تزوج الوليد بن عبد الملك ثلاثاً وستين
امرأة، وكان أكثر 369 ما يقيم على المرأة ستة أشهر، وكان فيمن تزوج ابنة
عبد الله بن مطيع العدوي، وكانت جميلة ظريفة، فلما أهديت إليه قال لسماره
الذين كانوا يسمرون عنده: لا تبرحوا - وإن أبطأت - حتى أخرج إليكم. ودخل
بها وانتظروه حتى خرج إليهم في السحر وهو يضحك. فقالوا: سرك الله يا أمير
المؤمنين. فقال: ما رأيت مثل ابنة المنافق. يعني عبد الله بن مطيع - وكان
ممن قتل مع ابن الزبير، وكان بنو مروان يسمون شيعة ابن الزبير: المنافقين -
لما أردت القيام أخذت بذيلي وقالت: يا هذا؛ إنا قد اشترطنا على الجمالين
الرجعة. فما رأيك؟ فأعجب بها وأقام عليها ستة أشهر ثم بعث إليها بطلاقها.
قال
بعضهم: قالت لي جارية لي: ظهر يا مولاي الشيب في رأسك. فقلت: هو ما لا
تحبونه. فقالت: إنما يثقل علينا الشيب على البديهة، فأما شيب نشأ معنا فنحن
ننظر إليه بالعين الأولى.
افتخر على شاهفريد أم يزيد بن الوليد نساء
الوليد العربيات فقالت: ليست منكن امرأة إلا وفي عشيرتها من يفخر عليها،
ولا يقر لها بالشرف والفضل. وليس في الدنيا أعجمية تفخر علي. وكانت من
أولاد يزدجرد. ولذلك يقول يزيد بن الوليد: أنا ابن كسرى وأبي مروان، وقيصر
جدي، وجدي خاقان.
عرضت عنان جارية الناطفي على الرشيد وهو يتبختر، فقال لها: أتحبين أن أشتريك؟ فقالت: ولم لا يا أحسن الناس خلقاً وخلقاً؟ فقال:
أما الخلق فقد رأيته، فالخلق أنى عرفته؟ قالت: رأيت شرارة طاحت من اليجمرة فلمعت في خدك فما قطبت لها ولا عاتبت أحداً.
لما بنى المأمون ببوران مد يده إليها فحاضت، فقالت: أتى أمر الله فلا تستعجلوه. ففطن المأمون ووثب عنها.
كان
معاوية يمشي مع أمه فعثر، فقالت له: قم لا رفعك الله - وأعرابي ينظر إليه -
فقال: لم تقولين له هذا؟ فوالله إني لأظنه سيسود قومه. فقالت: لا رفعه
الله إن لم يسد إلا قومه.
قال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان:
جمعتنا أمنا فاطمة بنت الحسين عليه السلام فقالت: يا بني إنه والله ما نال
أحد من أهل السفه بسفههم شيئاً، ولا أدركوه من لذاتهم إلا وقد ناله أهل
المروءات بمروءاتهم. فاستتروا بستر الله.
لما قصد المعتضد بني شيبان
اصطفى منهم عجوزاً سريعة الجواب فصيحةً، فكان يغري بينها وبين الجلساء،
فجاءت يوماً فقعدت بلا إذن فقال لها خفيف السمرقندي الحاجب: أتجلسين بين
يدي أمير المؤمنين، ولم يأذن لك؟ فقالت: أنت جار ذلك وحاجبه، كان يجب أن
تعرفني ما أعمل قبل دخولي إذ لم تكن لي عادة بمثله. ثم قامت. فتغافل
المعتضد عنها فقالت: يا سيداه؛ أقيام إلى الأبد، فمتى ينقضي الأمد؟ فضحك
وأمرها بالجلوس.
قالوا: طاف علي بن عبد الله بن العباس بالبيت، وهناك
عجوز قديمة وعلي قد فرع الناس كأنه راكب والناس مشاة. فقالت: من هذا الذي
قد فرع الناس؟ فقيل: علي بن عبد الله بن العباس، فقالت: لا إله إلا الله إن
الناس ليرذلون. عهدي بالعباس يطوف بهذا البيت كأنه فسطاط أبيض ويقال: إنه
كان علي إلى منكب أبيه عبد الله 370. وكان عبد الله إلى منكب أبيه العباس
وكان العباس إلى منكب أبيه عبد المطلب.
قالت هند بنت عتبة لأبي سفيان بن
حرب لما رجع مسلماً من عند رسول الله صلى الله عليه إلى مكة في ليلة الفتح
فصاح: يا معشر قريش، ألا إني قد أسلمت، فأسلموا، فإن محمداً قد أتاكم بما
لا قبل لكم به. فأخذت هند رأسه وقالت: بئس طليعة القوم. والله ما خدشت
خدشاً. يا أهل مكة. عليكم الحميت الدسم فاقتلوه.
وقالت هند: إنما النساء أغلال، فليختر الرجل غلا ليده.
وذكرت هند بنت المهلب النساء فقالت: ما زين بشيء كأدب بارع تحته لب ظاهر.
وقالت أيضاً: إذا رأيتم النعم مستدرة فبادروا بالشكر قبل حلول الزوال.
قدمت
ليلى الأخيلية على الحجاج ومدحته. فقال: يا غلام؛ أعطها خمسمائة، فقالت:
أيها الأمير، اجعلها أدماً. فقال قائل: إنما أمر لك بشاء. قالت: الأمير
أكرم من ذاك. فجعلها إبلاً إناثاً استحياء. وإنما كان أمر لها بشاء أولاً.
كانت
آمنة بنت سعيد بن العاص عند الوليد بن عبد الملك، فلما مات عبد الملك سعت
بها إحدى ضراتها إلى الوليد. وقالت: لم تبك على عبد الملك كما بكت نظائرها.
فقال لها الوليد في ذلك فقالت: صدق القائل لك أكنت قائلة: يا ليته بقي حتى
يقتل أخاً لي آخر كعمرو بن سعيد.
كانت ابنة هاني بن قبيصة عند لقيط بن
زرارة، فقتل عنها وتزوجها رجل من أهلها، فكان لا يزال يراها تذكر لقيطاً.
فقال لها ذات مرة: ما استحسنت من لقيط؟ فقالت: كل أموره كانت حسنة. وكني
أحدثك إن خرج مرة إلى الصيد وقد انتشى، فرجع إلي وبقميصه نضح من دم صيده
والمسك يضوع من أعطافه، ورائحة الشراب من فيه. فضمني ضمة وشمني شمة، فليتني
كنت مت ثمة. قال: ففعل زوجها مثل ذلك ثم ضمها إليه وقال: أين أنا من لقيط؟
فقالت: ماء ولا كصداء، ومرعى ولا كالسعدان قالوا: كان ذو الإصبع العدواني
غيوراً، وكان له بنات أربع لا يزوجهن غيرة؛ فاستمع عليهن مرة وقد خلون
يتحدثن، فذكرن الأزواج حتى قالت، الصغرى منهن: زوج من عود خير من قعود.
فخطبهم فزوجهن.
ثم أمهلهن حولاً، ثم زار الكبرى فقال لها: كيف رأيت
زوجك؟ قالت: خير زوج يكرم أهله، وينسى فضله. قال: حظيت ورضيت. فما مالكم؟
قالت: خير مال. قال: وما هو؟ قالت: الإبل، نأكل لحمانها مزعاً، ونشرب
ألبانها جرعاً وتحملنا وضعفتنا معاً. فقال: زوج كريم ومال عميم.
ثم زار
الثانية فقال: كيف رأيت زوجك؟ قالت: يكرم الحليلة ويقرب الوسيلة قال: فما
مالكم؟ قالت: البقر. قال: وما هي؟ قالت: تألف الفناء، وتملأ الإناء، وتودك
السقاء، ونساء مع نساء. قال: رضيت وحظيت.
ثم زار الثالثة فقال: كيف
رأيت زوجك؟ فقالت: لا سمح بذر، ولا بخيل حكر. قال: فما مالكم؟ قالت:
المعزى. قال: وما هي؟ قالت: لو كنا نولدها فطماً، ونسلخها أدماً، لم نبغ
بها نعماً. فقال: جذوة مغنية.
ثم زار الرابعة فقال: كيف رأيت زوجك؟
فقالت: شر زوج؛ يكرم نفسه ويهين عرسه. قال: فما مالكم؟ قالت: شر مال؛
الضأن. قال: وما هي؟ قالت: جوف يشبعن، وهيم لا ينقعن، وصم 371، لا يسمعن،
وأمر مغويتهن يتبعن. فقال: أشبه امأ بعض بزه، فأرسلها مثلاً.
وقفت امرأة
من تميم على قبر الأحنف. فقالت: لله درك من مجن في جنن، ومدرج في كفن.
نسأل الله الذي فجعنا بوجهك، وابتلانا بفقدك، أن يجعل سبيل الخير سبيلك
ودليل الخير دليلك، وأن يوسع لك في قبرك، ويغفر لك يوم حشرك. فوالله لقد
كنت في المحافل شريفاً، وعلى الأرامل عطوفاً، ولقد كنت في الجود مسوداً،
وإلى الخليفة موفداً، ولقد كانوا لقولك مستمعين، ولرأيك متبعين.
قال
ثمامة: لما دخل المأمون بغداد دخلت عليه زبيدة أم الأمين، فجلست بين يديه
فقالت: الحمد لله، أهنيك بالخلافة، فقد هنأت بها نفسي قبل أن أراك؛ ولئن
كنت قد فقدت ابنا خليفة، لقد اعتضت ابناً خليفة، وما خسر من اعتاض مثلك،
ولا ثكلت أم ملأت عينها منك، وأنا أسأل الله أجراً على ما أخذ، وإمتاعاً
بما وهب. فقال المأمون: ما تلد النساء مثل هذه. ماذا تراها بقت في هذا
الكلام لبلغاء الرجال.
تزوج عبد الملك لبابة بنت عبد الله بن جعفر فقالت
له يوماً: لو استكت فقال: أما منك فأستاك. وطلقها فتزوجها علي بن عبد الله
بن العباس وكان أقرع لا يفارقه قلنسوته. فبعث إليه عبد الملك جارية وهو
جالس مع لبابة، فكشفت رأسه على غفلة لترى ما به. فقالت للجارية: قولي له:
هاشمي أصلع أحب إلينا من أموي أبخر.
اجتمعت إحدى عشرة امرأة فتعاهدن ألا
يكتمن أخبار أزواجهن شيئاً فقالت الأولى: زوجي لحم جمل غث، على جبل وعر،
لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى، ويروى فينتقل.
وقالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، وإني أخاف ألا أذره إن أذكره أذكر عجره وبجره.
قالت الثالثة: زوجي العشنق إن انطلق أطلق، وإن أسكت أعلق.
قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة.
قالت الخامسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث.
قالت السادسة: زوجي عياياء طباقاء كل داء له داء شجك أو فلك، أو جمع كلاً لك.
قالت السابعة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد.
قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب.
قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من النادي.
قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك! مالك خير من ذلك، له إبل قليلات المسارح كثيرات المبارك، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك.
قالت
الحادية عشرة: زوجي أبو زرع وما أبو زرع! أناس من حلي أذني، وملأ من شحم
عضدي، وبجحني فبجحت إلى نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل
وأطيط، ودائس ومنق، وعنده أقول فلا أقبح، وأشرب فأتقنح، وأرقد فأتصبح.
أم أبي زرع وما أم أبي زرع! عكومها رداح، وبيتها فياح.
ابن أبي زرع وما ابن أبي زرع! كمسل شطبة، وتشبعه ذراع الجفرة.
بنت أبي زرع وما بنت أبي زرع! طوع أبيها وطوع أمها وملء كسائها، وغيظ جارتها.
جارية أبي زرع وما جارية أبي زرع! لا تبث حديثنا تبثيثاً ولا تنقث 372 ميرتنا تنقيثاً، ولا تملا بيتنا تعشيشاً.
خرج
أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت
خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلاً سرياً، ركب شرياً، وأخذ
خطياً، وأراح على نعما ثرياً. وقال: كلي أم زرع وميري أهلك، فلو جمعت كل
شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.
قالت عائشة: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع.
وفي حديث قيلة حين خرجت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان عم بناتها أراد أن يأخذ بناتها منها.
قالت:
فلما خرجت بكت هنيهة منهن وهي أصغرهن، حديباء كانت قد أخذتها الفرصة،
عليها سبيج لها من صوف فرحمتها فحملتها معها فبينا هما يرتكان، إذ تنفجت
الأرنب. فقالت الحديباء والقصية:
والله لا يزال كعبك عالياً. قالت:
وأدركني عمهن بالسيف، فأصابت ظبته طائفة من قرون رأسيه. وقال: ألقي إلي
ابنة أخي يا دفار فألقيتها إليه، ثم انطلقت إلى أخت لي ناكح في بني شيبان
أبتغي الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبينما أنا عندها
ليلةً، تحسب عيني نائمة، إذ دخل زوجها من السامر، فقال: وأبيك لقد أصبت
لقيلة صاحب صدق، حريث بن حسان الشيباني فقالت أختي: الويل لي، لا تخبرها
فتتبع أخا بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها، ليس معها رجل من قومها.
قالت:
فصحبت صاحب صدق، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصليت معها
الغداة حتى إذا طلعت الشمس دنوت، فكنت إذا رأيت رجلاً ذا رواء أو ذا قشر
طمح بصري إليه، فجاء رجل فقال: السلام عليك يا رسول الله. فقال: وعليك
السلام. وهو قاعد القرفصاء، وعليه أسمال مليتين، ومعه عسيب نخلة مقشور غير
خوصتين من أعلاه قال: فتقدم صاحبي يبايعه على الإسلام. ثم قال: يا رسول
الله، اكتب لي بالدهناء لا يجاوزها من تميم إلينا إلا مسافر أو مجاور.
فقال: يا غلام؛ اكتب له قالت: فشخص بي وكانت وطني وداري فقلت: يا رسول
الله، الدهناء مقيد الجمل، ومرعى الغنم، وهذه نساء بني تميم وراء ذلك.
فقال: " صدقت المسكينة، المسلم أخو المسلم، يسعهما الماء والشجر ويتعاونان
على الفتان " . قالت: ثم أمر عليه السلام فكتب لي في قطعة أدم أحمر: لقيلة
والنسوة وبنات قيلة لا يظلمن حقاً ولا يكرهن على منكح، وكل مؤمن مسلم لهن
نصير، أحسن ولا تسئن. " وقال صلى الله عليه: أيلام ابن هذه أن يفصل الخطة،
وينتصر من وراء الحجرة.
قالت: فلما رأى حريث أنه قد حيل دون كتابه صفق
إحدى يديه على الأخرى ثم قال: كنت أنا وأنت كما قال الأول: حتفها حملت ضأن
بأظلافها. قالت: فقلت: أما والله لقد كنت دليلاً في الليلة الظلماء، جواداً
لذي الرحل، عفيفاً عن الرفيقة، صاحب صدق حتى قدمنا على رسول الله صلى الله
عليه. على أني أسأل حظي إذا سألت حظك. قال: وما حظك من الدهناء؟ لا أبا
لك!! قالت: مقيد جملي تسأله لجمل امرأتك. قال: أما إني أشهد رسول الله صلى
الله عليه أني لك أخ ما حييت إذ أثنيت هذا علي عنده. قالت: إذ بدأتها فإني
لا أضيعها.
وقف المهدي 373 وقد حج على امرأة من طيء فقال: ممن العجوز؟
قالت: من طيء قال: ما منع طيئاً أن يكون فيها آخر مثل حاتم؟ قالت: الذي منع
العرب أن يكون فيها آخر مثلك.
قالوا: سارت بنو سعد إلى بكر بن وائل،
وكانت فيهم جارية عاشق فاكتلأت تنظر، فرأت رجلاً معتجراً بشقة برد متنكباً
قوسه فلاحت لها صفحة القوس، فأنبهت أباها وقالت: يا أبه: إني رأيت متن سيف
أو صفحة قوس على موضع السلاح في الشمال، من رجل أجلى الجبين براق الثنايا،
كأن عمامته ملوية بشجرة. فقال: يا بنيه، إني لأبغض الفتاة الكلوء العين.
قالت: والله ما كذبتك. فصاح في قومه فأنذرهم. فقالوا: ما نية ابنتك في هذه
الساعة. إنها عاشقة، فاستحيا الشيخ فانصرف. فقالت ابنته: ارتحل؛ فإن الجيش
مصبحك. ووقعت بنو سعد ببكر بن وائل فقتلوا وملأوا أيديهم من السبي والغارة.
قال الأصمعي: قيل لامرأة: علام تمنعين زوجك القضة؟ فإنه يعتل بك. فقالت: كذب والله، إني لأطأطئ الوساد وأرخي اللباد.
قال
بعضهم: سمعت أعرابية بالحجاز ترقي رجلاً من العين فقالت: أعيذك بكلمات
الله التامة، التي لا تجوز عليها هامة، من شر الجن وشر الإنس عامة، وشر
النظرة اللامة، أعيذك بمطلع الشمس، من شر ذي مشي همس، وشر ذي نظر خلس، وشر
ذي قول دس، من شر الحاسدين والحاسدات، والنافسين والنافسات، والكائدين
والكائدات.
نشرت عنك بنشرة نشار، عن رأسك ذي الأشعار، وعن عينيك ذواتي
الأشفار، وعن فيك ذي المحار، وظهرك ذي الفقار، وبطنك ذي الأسرار، وفرجك ذي
الأستار، ويديك ذواتي الأظفار، ورجليك ذواتي الآثار، وذيلك ذي الغبار، وعنك
فضلاً وذا إزار، وعن بيتك فرجاً وذا أستار. رششت بماء بارد ناراً، وعينين
أشفاراً، وكان الله لك جاراً.
وفدت سودة بنت عمارة الهمدانية على معاوية فقال لها: ما حاجتك؟ قالت:
إنك
أصبحت للناس سيداً، ولأمرهم متقلداً، والله مسائلك عن أمرنا، وما افترض
عليك من حقنا، ولا يزال يقدم علينا من ينوء بعزك، ويبطش بسلطانك، فيحصدنا
حصد السنبل، ويدوسنا دوس البقر، ويسومنا الخسيسة، ويسألنا الجليلة. هذا بسر
بن أرطاة قدم علينا من قبلك، فقتل رجالي، وأخذ مالي، يقول لي: قوهي بما
أستعصم الله منه، وألجأ إليه فيه، ولولا الطاعة لكان فينا عزة ومنعة؛ فإما
عزلته عنا فشكرناك، وإما لا فعرفناك.
قال معاوية: أتهددينني بقومك؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس، فأردك إليه، ينفذ فيك حكمه. فأطرقت تبكي ثم أنشأت تقول:
صلى الإله على جسم تضمنه ... قبر فأصبح فيه العدل مدفونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا ... فصار بالحق والإيمان مقرونا
قال
لها: ومن ذاك؟ قالت: علي بن أبي طالب عليه السلام. قال: وما صنع بك حتى
صار عندك كذا؟ قالت: قدمت عليه في متصدق قدم علينا قبله، والله ما كان بيني
وبينه إلا ما بين 374 الغث والسمين، فأتيت علياً عليه السلام لأشكو إليه
ما صنع، فوجدته قائماً يصلي. فلما نظر إلي انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة
وتعطف: ألك حاجة؟ فأخبرته الخبر. فبكى ثم قال: اللهم إنك أنت الشاهد علي
وعليهم، إني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك. ثم أخرج من جيبه قطعة جلد
كهيئة طرف الجراب، فكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم " قد جاءتكم بينة من
ربكم فأوفوا الكيل والميزان " " ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في
الأرض مفسدين بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ " إذا
قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك
والسلام. فأخذته منه والله ما ختمه بطين ولا خزمه بخزام فقرأته.
فقال
لها معاوية: لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان فبطيئاً ما تفطمون.
ثم قال: اكتبوا لها برد مالها والعدل عليها. قالت: إلي خاصة أم لقومي
عامة. قال: ما أنت وقومك. قالت: هي والله إذاً الفحشاء واللؤم. إن كان
عدلاً شاملاً، وإلا فأنا كسائر قومي. قال: اكتبوا لها ولقومها.
وأوفد
معاوية الزرقاء بنت عدي بن غالب فقال لها: ألست راكبة الجمل الأحمر يوم
صفين بين صفين، توقدين الحرب، وتحضين على القتال؟ فما حملك على ذلك؟ قالت:
يا أمير المؤمنين؛ إنه قد مات الرأس، وبقي الذنب، والدهر ذو غير، ومن تفكر
أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر قال لها: صدقت. فهل تحفظين كلامك يوم صفين؟
قالت: ما أحفظه قال: ولكني والله أحفظه. لله أبوك! لقد سمعتك تقولين: أيها
الناس؛ إنكم في فتنة، غشتكم جلابيب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا
لها من فتنة عمياء صماء لا يسمع لقائلها، ولا ينقاد لسائقها.
أيها
الناس؛ إن المصباح لا يضيء في الشمس، وإن الكواكب لا تقد في القمر، وإن
البغل لا يسبق الفرس، وإن الزف لا يوازن الحجر، ولا يقطع الحديد إلا الحديد
ألا من استرشدنا أرشدناه، ومن استخبر أخبرناه، إن الحق كان يطلب ضالته،
فصبراً يا معشر المهاجرين والأنصار، فكأن قد اندمل شعب الشتات، والتأمت
كلمة العدل، وغلب الحق باطله، فلا يعجلن أحد فيقول: كيف وأنى. ليقضي الله
أمراً كان مفعولا.
ألا إن خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، والصبر خير في الأمور عواقباً إلى الحرب قدماً غير ناكصين، فهذا يوم له ما بعده.
ثم
قال معاوية: والله يا زرقاء لقد شركت علياً في كل دم سفكه، فقالت: أحسن
الله بشارتك يا أمير المؤمنين، وأدام سلامتك. مثلك من بشر بخير وسر جليسه.
قال لها: وقد سرك ذلك؟ قالت: نعم والله، لقد سرني قولك فأنى بتصديق الفعل؟
فقال معاوية: والله لوفاؤكم له بعد موته أحب إلي من حبكم له في حياته.
وأوفد
أم الخير بنت الحريش البارقية فقال لها: كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن
ياسر؟ قالت: لم أكن والله رويته من قبل 375 ولا دونته بعد. وإنما كانت
كلمات نفثهن لساني حين الصدمة. فإن شئت أن أحدث لك مقالاً غير ذلك فعلت.
قال: لا أشاء ذلك. ثم التفت إلى أصحابه فقال: أيكم حفظ كلام أم الخير؟ قال
رجل من القوم: أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد. قال: هاته.
قال:
نعم كأني بها يا أمير المؤمنين في ذلك اليوم وعليها برد زبيدي
كثيف الحاشية، وهي على جمل أرمك وقد أحيط حولها وبيدها سوط منتشر الضفيرة،
وهي كالفحل يهدر في شقشقته، تقول: " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة
الساعة شيء عظيم " . إن الله قد أوضح الحق، وأبان الدليل، ونور السبيل،
ورفع العلم؛ فلم يدعكم في عمياء مبهمة، ولا سوداء مدلهمة، فإلى أين تريدون
رحمكم الله؟ أفراراً عن أمير المؤمنين، أم فراراً من الزحف، أم رغبة عن
الإسلام، أم ارتداداً عن الحق؟ أسمعتم الله عز وجل يقول: " ولنبلونكم حتى
نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم. " ثم رفعت رأسها إلى السماء
وهي تقول: اللهم قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشرت الرعية، وبيدك يا رب
أزمة القلوب، فاجمع إليه كلمة التقوى، وألف القلوب على الهدى، واردد الحق
إلى أهله هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل، والوصي الوفي، والصديق
الأكبر، إنها إحن بدرية، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية وثب بها معاوية حين
الغفلة، ليدرك بها ثارات بني عبد شمس.
ثم قالت: " فقاتلوا أئمة الكفر
إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون " صبراً معشر المهاجرين والأنصار، قاتلوا
على بصيرة من ربكم، وثبات من دينكم؛ فكأني بكم غداً قد لقيتم أهل الشام
كحمر مستنفرة فرت من قسورة، لا تدري أين يسلك بها في فجاج الأرض باعوا
الآخرة بالدنيا، واشتروا الضلالة بالهدى، وباعوا البصيرة بالعمى. " وعما
قليل ليصبحن نادمين " تحل بهم الندامة فيطلبون الإقالة. إنه والله من ضل عن
الحق وقع في الباطل، ومن لم يسكن الجنة نزل النار.
أيها الناس، إن
الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها، واستبطئوا الآخرة فسعوا لها. والله
أيها الناس لولا أن تبطل الحقوق، وتعطل الحدود، ويظهر الظالمون. وتقوى كلمة
الشيطان، لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه. فإلى أين تريدون
رحمكم الله؟ عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه، وزوج ابنته، وأبي ابنيه،
خلق من طينته، وتفرع من نبعته، وخصه بسره، وجعله باب مدينته، وعلم المسلمين
وأبان ببغضه المنافقين. فلم يزل كذلك يؤيده الله عز وجل بمعونته، وبمضي
على سنن استقامته، لا يعرج لراحة الدار.
ها هو مفلق الهام، ومكسر
الأصنام، إذ صلى والناس مشركون، وأطاع والناس مرتابون، فلم يزل كذلك حتى
قتل مبارزي بدر، وأفنى أهل أحد، وفرق جمع هوازن. فيا لها من وقائع زرعت في
قلوب قوم نفاقاً، وردة وشقاقاً. قد اجتهدت في القول، وبالغت في النصيحة
وبالله التوفيق 376 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقال معاوية:
والله يا أم الخير ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي. ووالله لو قتلتك ما حرجت
في ذلك. قالت: والله ما يسوءني يا بن هند أن يجري الله ذلك على يدي من
يسعدني بشقائه. قال: هيهات يا كثيرة الفضول: ما تقولين في عثمان بن عفان؟
قالت: وما عسيت أن أقول فيه؟ استخلفه الناس وهم كارهون، وقتلوه وهم راضون.
فقال
معاوية: إيهاً يا أم الخير. هذا والله أوصلك الذي تبنين عليه. قالت: " لكن
الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا "
ما أردت لعثمان نقصاً. ولقد كان سباقاً إلى الخيرات وإنه لرفيع الدرجة.
قال: فما تقولين في طلحة بن عبيد الله؟ قالت: وما عسى أن أقول في طلحة؟
اغتيل من مأمنه، وأتي من حيث لم يحذر. وقد وعده رسول الله صلى الله عليه
وسلم الجنة.
قال: فما تقولين في الزبير؟ قالت: يا هذا لا تدعني كرجيع
الضبع يعرك في المركن قال: حقاً لتقولين ذلك. وقد عزمت عليك. قالت: وما
عسيت أن أقول في الزبير ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه؟ وقد
شهد له رسول الله صلى الله عليه بالجنة. ولقد كان سباقاً إلى كل مكرمة من
الإسلام. وإنى أسألك بحق الله يا معاوية؛ فأن قريشاً تحدث أنك من أحلمها،
فأنا أسألك بأن تسعني بفضلك، وأن تعفيني من هذه المسائل. وامض لما شئت من
غيرها. قال: نعم وكرامة قد أعفيتك، وردها مكرمة إلى بلدها.
ذكر أن
الجمانة بنت المهاجربن خالد بن الوليد نظرت إلى عبد الله بن الزبير وهو
يرقى المنبر، يخطب بالناس في يوم جمعة فقالت حين رأته رقى المنبر: أيا نقار
انقر. أما والله لو كان فوقه نجيب من بني أمية، أو صقر من بني مخزوم لقال
المنبر: طيق طيق. قال:
فأنمي كلامها إلى عبد الله بن الزبير، فبعث
إليها فأتي بها فقال لها: ما الذي بلغني عنك بالكاع؟ قالت: الحق أبلغت يا
أمير المؤمنين، قال: فما حملك على ذلك؟ قالت: لا تعدم الحسناء ذاماً.
والساخط ليس براض. ومع ذلك فما عدوت فيما قلت لك أن نسبتك إلى التواضع
والدين، وعدوك إلى الخيلاء والطمع. ولئن ذاقوا وبال أمرهم لتحمدن عاقبة
شأنك، وليس من قال فكذب كمن حدث وصدق. وأنت بالتجاوز جدير، ونحن للعفو أهل
فاستر على الحرمة، تستتم النعمة، فوالله ما يرفعك القول ولا يضعك. وإن
قريشاً لتعلم أنك عابدها وشجاعها، وسنانها ولسانها، حاط الله لك دنياك،
وعصم أخراك، وألهمك شكر ما أولاك.
ذكر الأصمعي عن أبان بن تغلب قال:
خرجت في طلب الكلأ، فانتهيت إلى ماء من مياه كلب، وإذا أعرابي على ذلك
الماء ومعه كتاب منشور يقرؤه عليهم، وجعل يتوعدهم. فقالت له أمه وهي في
خبائها. وكانت مقعدة كبراً: ويلك! دعني من أساطيرك. لا تحمل عقوبتك على من
لم يحمل عليك، ولا تتطاول على من لا يتطاول عليك. فإنك لا تدري ما يقربك
إليه حوادث الدهور، ولعل من صيرك إلى هذا اليوم أن يصير غيرك إلى مثله
غداً، فينتقم منك أكثر مما انتقمت 377 منه، فاكفف عما أسمع منك ألم تسمع
إلى قول الأول:
لا تحقرن الفقير علك أن ... تركع يوماً والدهر قد رفعه
قال
المهدي بن أبان: قلت لولادة العبدية - وكانت من أعقل النساء - إني أريد
الحج فأوصيني. قالت: أوجز فأبلغ، أم أطيل فأحكم. فقلت: ما شئت. قالت: جد
تسد، واصبر تفز. قلت: أيضاً. قالت: لا يتعد غضبك حلمك، ولا هواك علمك، وفي
دينك بدنياك، وفر عرضك بعرضك، وتفضل تخدم، واحلم تقدم.
قلت: فمن أستعين؟ قالت: الله. قلت: من الناس؟ قالت: الجلد النشيط، والناصح الأمين.
قلت:
فمن أستشير؟ قالت: المجرب الكيس، أو الأديب الصغير. قلت: فمن أستصحب؟
قالت: الصديق المسلم، أو المداجي المتكرم. ثم قالت: يا أبتاه؛ إنك تفد إلى
ملك الملوك، فانظر كيف يكون مقامك بين يديه.
روي أن رسول الله صلى الله عليه خرج ليلة هاجر من مكة إلى المدينة لا عابس ولا مفند. صلى الله عليه وسلم.
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره بمكة ما ذكر. ولو كنت وافقته لالتمست صحبته، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً.
قال
أبان بن تغلب: سمعت امرأة توصي ابناً لها وأراد سفراً فقالت: أي بني،
أوصيك بتقوى الله، فإن قليله أجدى عليك من كثير عقلك، وإياك والنمائم.
فإنها تورث الضغائن، وتفرق بين المحبين؛ ومثل لنفسك مثال ما تستحسن لغيرك
ثم اتخذه إماماً، وما تستقبح من غيرك فاجتنبه، وإياك والتعرض للعيوب فتصير
نفسك غرضاً، وخليق ألا يلبث الغرض على كثرة السهام، وإياك والبخل بمالك،
والجود بدينك. فقالت أعرابية معها: أسألك إلا زدته يا فلانة في وصيتك قالت:
أي والله؛ والغدر أقبح ما يعامل به الإخوان، وكفى بالوفاء جامعاً لما تشتت
من الإخاء ومن جمع العلم والسخاء فقد استجاد الحلة، والفجور أقبح خلة
وأبقى عاراً.
قامت امرأة عروة بن الورد العبسي بعد أن طلقها في النادي
فقالت: أما إنك والله الضحوك مقبلاً، السكوت مدبراً، خفيف على ظهر الفرس،
ثقيل على متن العدو، رفيع العماد، كثير الرماد، ترضي الأهل والجانب. قال:
فتزوجها رجل بعده فقال: أثني علي كما أثنيت عليه. قالت: لا تحوجني إلى ذلك
فإني إن قلت قلت حقاً فأبى، فقالت: إن أكلك لاقتفاف وإن شربك لاشتفاف، وإنك
لتنام ليلة تخاف، وتشبع ليلة تضاف.
بعث النعمان بن امرئ القيس بن عمرو
بن عدي بن نصر إلى نسوة من العرب منهن فاطمة بنت الخرشب وهي من بني أنمار
بن بغيض، وهي أم الربيع بن زياد وإخوته، وإلى قيلة بنت الحسحاس الأسدية وهي
أم خالد بن صخر بن الشريد، وإلى تماضر بنت الشريد، وهي أم قيس بن زهير
وإخوته كلهم، وإلى الرواع النمرية، وهي أم يزيد بن الصعق فلما اجتمعن عنده.
قال: إني قد أخبرت بكن، وأردت أن أنكح إليكن فأخبرنني عن بناتكن. فقالت:
فاطمة عندي الفتخاء العجزاء، أصفى من الماء، وأرق من الهواء، وأحسن من
السماء.
وقالت تماضر: عندي منتهى الوصاف، دفيئة اللحاف، قليلة الخلاف.
وقالت الرواع: عندي الحلوة الجهمة، لم تلدها أمة.
وقالت قيلة:
عندي ما يجمع صفاتهن وفي ابنتي ما ليس في بناتهن.
فتزوج
إليهن جميعاً فلما أهدين إليه دخل على ابنة الأنمارية فقال: ما أوصتك به
أمك؟ قالت: قالت لي: عطري جلدك، وأطيعي زوجك، واجعلي الماء آخرطيبك.
ثم دخل على ابنة السلمية فقال: ما أوصتك به أمك؟ قالت: قالت لي: لا تجلسي بالفناء، ولا تكثري من المراء، واعلمي أن أطيب الطيب الماء.
ثم
دخل على ابنة النمرية فقال: ما أوصتك به أمك؟ قالت: قالت لي: لا تطاوعي
زوجك فتمليه، ولا تعاصيه فتشكعيه، واصدقيه الصغار، واجعلي آخر طيبك الماء.
ثم دخل على ابنة الأسدية فقال: ما أوصتك به أمك؟ قالت: قالت لي: أدنى سترك، وأكرمي زوجك، واجتنبي الإباء، واستنظفي بالماء.
وكانت
امرأة من العرب عند رجل فولدت له أولاداً أربعة رجالاً ثم هلك عنها زوجها
فتزوجت بعده، فنأى بها زوجها عن بنيها وتزوجوا بعدها ثم إنها لقيتهم فقالت:
يا بني، إني سألتكم عن نسائكم فأخبروني عنهن. قالوا: نفعل. فقالت: لأحدهم
أخبرني عن امرأتك. فقال: غل في وثاق، وخلق لا يطاق، حرمت وفاقها، ومنعت
طلاقها.
وقالت للثاني: كيف وجدت امرأتك؟ قال حسن رائع، وبيت ضائع، وضيف جائع.
وقالت للثالث: كيف وجدت امرأتك؟ قال: دل لا يقلى، ولذة لا تقضى وعجب لا يفنى، وفرح مضل أصاب ضالته وريح روضة أصابت ربابها.
قالت: فهلا أصف لكم كيف وجدت زوجي. قالوا: بلى، قالت: حيل ظغينة، وليث عرينة، وظل صخر وجوار بحر.
كانت
حميدة بنت النعمان بن بشير بن سعد تحت روح بن زنباع فنظر إليها يوماً تنظر
إلى قومه جذام وقد اجتمعوا عنده فلامها. فقالت: وهل أرى إلى جذاماً؟
فوالله ما أحب الحلال منهم فكيف الحرام.
قالت الجمانة بنت قيس بن زهير
العبسي لأبيها لما شرق ما بينه وبين الربيع بن زياد في الدرع: دعني أناظر
جدي، فإن صلح الأمر بينكما، وإلا كنت من وراء رأيك. فأذن لها: فأتت الربيع
فقالت: إن كان قيس أبي فإنك يا ربيع جدي، وما يجب له من حق الأبوة علي إلا
كالذي يجب عليك من حق النبوة لي. والرأي الصحيح تبعثه العناية، وتجلي عن
محضه النصيحة. إنك قد ظلمت قيساً بأخذ درعه، ولأجد مكافأته إياك سوء غرمه،
والمعارض منتصر، والبادي أظلم، وليس قيس ممن يخوف بالوعيد ولا يردعه
التهديد، فلا تركنن إلى منابذته، فالحزم في متاركته، والحرب متلفة للعباد،
ذهابة بالطارف والتلاد، والسلم أرخى للبال، وأبقى لأنفس الرجال. وبحق أقول.
لقد صدعت بحكم، وما يدفع قولي إلا غير ذي فهم.
وقال المدائني: لما
أهديت بنت عقيل بن علفة إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان بعث مولاة له
لتأتيه بخبرها قبل أن يدخل بها، فأتتها فلم تأذن لها، أو كلمتها فأحفظتها
فهشمت أنفها، فرجعت إليها فأخبرته، فغضب من ذلك، فلما دخل عليها قال: ما
أردت إلى عجوزنا هذه؟ قالت: أردت والله إن كان خيراً أن تكون أول من لقي
بهجته، وإن كان شراً أن تكون أحق من ستره.
لما انهزم الناس عن المختار
مر أبو محجن الثقفي بأمة واسمها دومة فقال: يا دومة ارتد في حلفي. قالت:
والله لئن يأخذني هؤلاء أحب إلي من أن أرى خلفك.
كانت رقاش بنت عمرو عند
كعب بن مالك فقال لها يوماً: اخلعي درعك قالت: خلع الدرع بيد الزوج. قال:
اخلعيه لأنظر إليك قالت: التجرد لغير نكاح مثلة.
كان تميم الداري يبيع
العطر في الجاهلية وكان من لخم، فخطب أسماء بنت أبي بكر في جاهليته فماكسهم
في المهر فلم يزوجوه. فلما جاء الإسلام جاء بعطر يبيعه فساومته أسماء
فماكسها فقالت له: طالما ضرك مكاسك، فلما عرفها استحيا وسامحها في بيعه.
أرسل
مسلمة بن عبد الملك إلى هند بنت المهلب وخطبها على نفسه، فقالت لرسوله:
والله لو أحيا من قتل من أهل بيتي وموالي ما طابت نفسي بتزويجه بل كيف
يأمنني على نفسه، وأنا أذكر ما كان منه وثأري عنده. لقد كان صاحبك يوصف
بغير هذا في رأيه.
وخطب عبد الملك بن مروان رملة بنت الزبير بن العوام
فردته وقالت لرسوله: إني لا آمن نفسي على من قتل أخي. وكانت أخت مصعب لأمه.
كانت أمهما الكلبية.
دخل عبد الله بن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكر في اليوم الذي قتل فيه، فقال:
يا
أمة؛ خذلني الناس حتى أهلي وولدي ولم يبق معي إلا اليسير ومن لا دفع عنده
أكثر من صبر ساعة من النهار. وقد أعطاني القوم ما أردت من الدنيا فما رأيك؟
قالت: إن كنت على حق تدعو إليه فامض عليه، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن
من رقبتك غلمان بني أمية فيتلعبوا بك. وإن قلت: إني كنت على حق فلما وهن
أصحابي ضعفت نيتي فليس هذا فعل الأحرار، ولا فعل من فيه خير، كم خلودك في
الدنيا؟ القتل أحسن ما تقع به يا بن الزبير. والله لضربة بالسيف في عز أحب
إلي من ضربة بسوط في ذل.
قال لها: هذا والله رأيي، والذي قمت به داعياً
إلى الله. والله ما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله عز وجل أن تهتك محارمه.
ولكني أحببت أن أطلع رأيك فيزيدني قوة وبصيرة مع قوتي وبصيرتي. والله ما
تعمدت إتيان منكر ولا عملاً بفاحشة، ولم أجر في حكم، ولم أغدر في أمان، ولم
يبلغني عن عمالي فرضيت به. بل أنكرت ذلك ولم يكن شيء عندي آثر من رضا ربي.
اللهم
إني لا أقول ذلك تزكية لنفسي، ولكن أقوله تعزية لأمي لتسلو عني. قالت له:
والله إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسناً بعد أن تقدمتني أو تقدمتك، فإن في
نفسي منك حرجاً حتى أنظر إلى ما يصير أمرك.
ثم قالت: اللهم ارحم طول
ذاك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة وبره بأمه. اللهم إني قد سلمت فيه
لأمرك، ورضيت فيه بقضائك، فاثبني في عبد الله ثواب الشاكرين. فودعها وقال:
يا أمه لا تدعي الدعاء لي قبل قتلي ولا بعده. قالت: لن أدعه لك. فمن قتل
على باطل فقد قتلت على حق. فخرج وهو يقول:
فلست بمبتاع الحياة بسبة ... ولا مرتق من خشية الموت سلما
وقال لأصحابه: احملوا على بركة الله. وحارب حتى قتل.
وروي
أنه دخل على أمه أسماء وهي عليلة، فقال: يا أمه. إن في الموت لراحة.
فقالت: يا بني؛ لعلك تتمنى موتي. فوالله ما أحب أن أموت حتى تأتي على أحد
طرفيك؛ فإما أن تظفر بعدوك فتقر عيني وإما أن تقتل فأحتسبك. قال: فالتفت
إلى أخيه عروة وضحك.
فلما كان في الليلة التي قتل في صبيحتها دخل في
السحر 381 عليها فشاورها، فقالت: يا بني لا تجيبن إلا خطة تخاف على نفسك
القتل. قال: إنما أخاف أن يمثلوا بي. قالت: يا بني؛ إن الشاة لا تألم السلخ
بعد الذبح.
خطب عمران بن موسى بن طلحة هند بنت أسماء بن خارجة الفزاري
فردته، وأرسلت إليه: إني والله ما بي عنك رغبة، ولكن ليس زوجي إلا من لا
يؤدي قتلاه ولا يرد قضاؤه، وليس ذلك عندك.
حجت أم حبيب بنت عبد الله بن
الأهتم فبعث إليها الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام فخطبها، فقالت:
إني لم آت هذا البلد للتزويج، وإنما جئت لزيارة هذا البيت فإذا قدمت بلدي
وكانت لك حاجة فشأنك. قال: فازداد فيها رغبة، فلما صارت إلى البصرة أرسل
إليها فخطبها، فقال إخوتها: إنها امرأة لا يفتات على مثلها برأي، وأتوها
فأخبروها الخبر، فقالت: إن تزوجني على حكمي أجبته. فأدوا ذلك إليه فقال:
امرأة من تميم، أتزوجها على حكمها. ثم قال: وما عسى أن يبلغ حكمها لها؟
قال: فأعطاها ذلك. فقالت: قد حكمت بصداق أزواج النبي صلى الله عليه وبناته،
اثني عشر أوقية من الفضة. فتزوجها على ذلك، وأهدى لها مائة ألف درهم.
فجاءت إليه فبنى بها في ليلة قائظة على سطح لا حظار عليه، فلما غلبته عينه
أخذت خمارها فشدته في رجله، وشدت الطرف الآخر في رجلها.
فلما انتبه من
نومه رأى الخمار في رجله. فقال: ما هذا؟ قالت: أنا على سطح ليس عليه حظار،
ومعي في الدار ضرائر، ولم آمن عليك وسن النوم، ففعلت هذا حتى إذا تحركت
تحركت معك. قال: فازداد فيها رغبة، وبها عجباً. ثم لم يلبث أن مات عنها
فكلموها في الصلح عن ميراثه. فقالت: ما كنت لآخذ له ميراثاً أبداً، وخرجت
إلى البصرة، فبعث إليها نفر يخطبونها منهم يزيد بن معاوية - لعنه الله -
وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الله بن عامر فأتاها إخوتها
فقالوا لها: هذا ابن أمير المؤمنين، وهذا ابن عمة رسول الله صلى الله عليه،
وهذا ابن حواريه، وهذا ابن عامر أمير البصرة. اختاري من شئت منهم. قال:
فردتهم جميعاً. وقالت: ما كنت لأتخذ حماً بعد ابن رسول الله صلى الله عليه.
وقال المدائني:
أتى
عبيد الله بن زياد بامرأة من الخوارج، فقطع رجلها وقال لها: كيف ترين؟
فقالت: إن في الفكر في هول المطلع لشغلاً عن حديدتكم هذه. ثم قطع رجلها
الأخرى وجذبها، فوضعت يدها على فرجها. فقال: إنك لتسترينه. فقالت: لكن سمية
أمك لم تكن تستره قال المهدي للخيزران أم موسى وهارون ابنيه: إن موسى ابنك
يتيه أن يسألني حوائجه. قالت: يا أمير المؤمنين، ألم تك أنت في حياة
المنصور لا تبتدئه بحوائجك، وتحب أن يبتدئك هو؟ فموسى ابنك كذلك يحب منك.
قال: لا، ولكن التيه يمنعه. قالت: يا أمير المؤمنين؛ فمن أين أتاه التيه؟
أمن قبلي أم قبلك؟ روي عن بعضهم أنه قال: بينا أنا ذات يوم بالبادية، فخرجت
في بعض الليالي في الظلم، فإذا أنا بجارية كأنها علم، فأردتها على نفسها
فقالت: ويحك! أما لا زاجر من عقل إذ لم يكن لك ناه من دين؟ قلت لها: والله
ما يرانا شيء إلا الكواكب. قالت: ويحك. وأين مكوكبها؟! 382 قال الجاحظ: لما
مات رقبة بن مصقلة أوصى إلى رجل ودفع إليه شيئاً. فقال: ادفعه إلى أختي.
فسأل الرجل عنها فخرجت إليه فقال لها: أحضريني شاهدين يشهدان أنك أخته.
فأرسلت جاريتها إلى الإمام والمؤذن ليشهدا لها. واستندت إلى الحائط فقالت:
الحمد لله الذي أبرز وجهي، وأنطق عني، وشهر بالفاقة اسمي. فقال الرجل: شهدت
أنك أخته حقاً. ودفع الدنانير إليها، ولم يحتج إلى شهادة من يشهد لها.
خطب
سعيد بن العاص عائشة بنت عثمان. فقالت: لا أتزوج به والله أبداً، فقيل
لها: ولم ذلك؟ قالت: لأنه أحمق، له برذونان أشبهان، فهو يتحمل مؤونة اثنين
واللون واحد.
ذكر رجل من قريش سوء خلق امرأته بين يدي جارية له كان يتحظاها فقالت له: إنما حظوظ الإماء لسوء خلائق الحرائر.
اختلف
الحجاج وهند بنت أسماء بن خارجة في بنات قين، فبعث إلى مالك بن أسماء
فأخرجه من الحبس، وسأله عن الحديث فحدثه ثم أقبل على هند. فقال لها: قومي
إلى أخيك. فقالت: لا أقوم إليه وأنت ساخط عليه. فأقبل الحجاج على مالك
فقال: إنك والله - ما علمت - للخائن لأمانته، اللئيم حسبه، الزاني فرجه.
فقالت هند: إن أذن الأمير تكلمت. فقال: تكلمي. فقالت: أما قول الأمير:
الزاني فرجه، فوالله لهو أحقر عند الله وأصغر في عين الأمير من أن يجب لله
عليه حد فلا يقيمه.
وأما قول الأمير: اللئيم حسبه فوالله لو علم مكان رجل أشرف منه لصاهر إليه.
وأما
قوله: الخائن أمانته. فوالله لقد ولاه الأمير فوفر، فأخذه بما أخذ به فباع
من وراء ظهره. ولو ملك الدنيا بأسرها لافتدى بها من هذا الكلام.
أتى
البرد على زرع عجوز بالبادية، فأخرجت رأسها من الخباء ونظرت إلى الزرع قد
احترق فقالت - ورفعت رأسها إلى السماء - : اصنع ما شئت فإن رزقي عليك.
قيل لرابعة: إن التزوج فرض الله عز وجل فلم لا تتزوجين؟ فقالت: فرض الله قطعني عن فرضه.
كانت
عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل عند عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله
عنه فقتل عنها، فخلف عليها عمر بن الخطاب فقتل عنها، فخلف عليها الزبير،
فقتل، فخلف عليها محمد بن أبي بكر فقتل. فقال عبد الله بن عمر: من سره
الشهادة فليتزوج عاتكة. فبلغها ذلك فقالت: من سره أن يكون بيضة البلد، حبلى
لا تطير ولا تلد فليكن كعبد الله. فبلغ ذلك عبد الله بن جعفر الطيار فضحك
وقال: ما هو كما قالت إنه لمصباح بلد، وابن كهف الإسلام.
وقد روي عن أمير المؤمنين كرم الله وجهه أنه قال: من اشتاق إلى الشهادة فليتزوج عاتكة.
وقد روي أنه رضي الله عنه خطبها فقالت: يا أمير المؤمنين أنا أرب بك عن القتل.
كان
عمرو أحد بني كاهل يغزو فهما فيصيب منهم فوضعوا له رصداً على الماء فأخذوه
فقتلوه. ثم مروا بأخته جنوب فقالوا: إنا طلبنا عمراً أخاك. قالت: لئن
طلبتموه لتجدنه منيعاً، ولئن ضفتموه لتجدنه مريعاً، ولئن دعوتموه لتجدنه
سريعاً. قالوا: قد أخذناه وقتلناه وهذا سلبه. قالت: لئن سلبتموه لتجدون
ثنته 383 وافية، لا حجزته جافية ولا ضالته كافئة. ولرب ثدي منكم قد افترشه
ونهب قد اقترشه، وضب قد احترشه.
زوج رجل من بني أسد بنتاً له تدعى أم
مالك من ابن أخ له يدعى مرة بن الجعد، كان شرطاً من الرجال دميماً،
فجامحته وانسلت بالليل، فوافقت المدينة تستعدي حسن بن زيد العلوي على
أبيها. فلما وقفت بين يديه نادت: إنا بالله وبك يا بن رسول الله، قد جاوزت
إليك مخاوف، وقطعت نتائف. أنتعل الحفى، وأحتمل الوجى عائذة بالله وبك من
والد مغبون، وقرين مأفون، شراني بأوكس الأثمان، وعكسني بدار مذلة وهوان، من
زوج كأنه كلب مصرور، على جيفة ممطور، في يوم صر مقرور، قد شرد بغضه نوم
الجفون واستجلب قلاه ماء الشئون. فالنوم موثق، والدمع مطلق، إذا استجم
الدمع أفاضته أحزانها، وإذا فاض وكف بأسجانها. نؤمل من عدلك ما نشر الله به
حسن الظن بك، فآنسها في الوحشة وأطمعها في الإنجاح، ثم أنشدته شعراً لها
فقام الحسن بأمرها حتى بلغت مرادها.
لما قال النابغة للخنساء: ما رأيت
ذا مثانة أشعر منك. قالت له: ولا ذا خصيتين. وقال لها عمر: يا خنساء ما
أقرح مآقي عينيك؟ قالت: بكائي على السادات من مضر. قال: يا خنساء؛ إنهم في
النار. قالت: ذاك أطول لعويلي عليهم. وكانت تقول:
كنت أبكي لصخر على الحياة ... وأنا أبكي له الآن من النار
قالت
عمرة بنت مرداس بن أبي عامر، وهي عروس أمها الخنساء في شيء كرهته. فقالت
الخنساء: يا حمقاء؛ والله لكأنها بظير أمة ورهاء. أنا والله كنت أكرم منك
بعلاً، وأرقى منك نعلاً، وأحسن منك عرساً، وأتم منك أنساً؛ إذ كنت فتاة
أعجب الفتيان، وأشرب اللبن غضاً قارصاً، ومحضاً خالصاً، لا أنهش اللحم، ولا
أذيب الشحم، ولا أرعى البهم، كالمهرة الصنيع، لا مضاعة ولا عند مضيع،
عقيلة الحسان الحور، أضيء في طخية الديجور، وذلك في شبيبتي قبل شيبي. وقامت
مغضبة.
قال بعضهم: مررت على هند بنت المهلب، فرأيت بيدها مغزلاً تغزل
به، فقلت لها: تغزلين؟ قالت: نعم سمعت أبي يذكره عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " أعظمكن أجراً أطولكن طاقة، وهو يطرد الشيطان ويذهب بحديث
النفس " .
وروي عن عائشة أنها قالت: المغزل في يد المرأة مثل الرمح في يد الغازي.
قيل للخنساء: لم يكن صخر كما وصفت. قالت: وكيف ذاك؟ فوالله لقد كان ندي الكفين، يابس الجنبين؛ يأكل ما وجده، ولا يسأل عما عهده.
قيل
لحبي المدينية: ما السقم الذي لا يبرأ، والجرح الذي لا يندمل؟ قالت: حاجة
الكريم إلى اللئيم لا يجدي عليه. قيل: فما الشرف؟ قالت: اعتقاد المنن في
أعناق الكرام، يبقى للأعقاب على الأحقاب.
ذكر نسوة أزواجهن فقالت إحداهن: زوجي عوني في الشدائد، والعائد دون كل عائد، إن غضبت عطف، وإن مرضت لطف.
وقالت الأخرى: زوجي لما عناني كاف، ولما أسقمني شاف، عناقه كالخلد، ولا يمل طول العهد.
وقالت الأخرى: زوجي الشعار حين أجرد، والأنس حين أفرد، والسكن حين أرقد.
384
- قالت امرأة من أهل البادية: لا يعجبني الشاب يمعج معج المهر طلقاً أو
طلقين ثم يضطجع بناحية الميدان، ولكن أين أنت من شيخ يضع قب استه بالأرض ثم
سحباً وجراً؟! قال بعضهم: رأيت بالمدينة امرأة بين عينيها سجادة، وعليها
ثياب معصفرة، فقلت لها: ما أبعد زيك من سمتك! فقالت:
ولله مني جانب لا أضيعه ... وللهو مني جانب ونصيب
قال
الزبير بن بكار: قالت بنت أختي لزوجتي: خالي خير رجل لأهله، لا يتخذ ضرة
ولا يشتري جارية. فقالت المرأة: والله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر.
حجت
فاطمة بنت الخرشب الأنمارية أم الكملة؛ الربيع وعمارة وقيس وأنس، وكانت
حجتها هذه في الجاهلية، فقال لها رجل من أهل مكة: من أشرف ولدك؟ قالت:
الربيع. لا بل عمارة. لا بل قيس. لا بل أنس. ثكلتهم إن كنت أدري أيهم أسود.
وكان
يقال للربيع الكامل، ولأنس الطويل؛ ولقيس الوقاعة، ولعمارة دالق وإنما قيل
له ذلك أنه كان يدلق الخيل في كل وجه. وفيهم يقول الشاعر:
بنو جنية ولدت سيوفاً ... صوارم كلها ذكر صنيع
قيل لرملة بنت الزبير: ما بالك أهزل ما تكونين إذا حضر زوجك. فقالت: ما أقبح المرأة الشريفة أن تضاجع زوجها بملء بطنها.
خرج
الحارث ين عوف المري خاطباً إلى أوس بن حارثة بن لأم الطائي. فقال لابنته
الكبرى: يا بنية؛ هذا سيد قومه قد أتاني خاطباً لك. فقالت:
لا حاجة لي فيه. إن في خلقي ضيقاً يصبر عليه القرباء، ولا يصبر عليه البعداء.
فقال
للتي تليها: قد سمعت ما قالت أختك قالت: زوجنيه، فإني إن لم أصلح للبعداء
لم أصلح للقرباء. فزوجه وضرب عليه قبة، ونحر له الجزور. فمد يده إليها
فقالت ابنة أوس: تمد إليها اليد بحضرته؟ قال: فتحمل بها فلما كان بالطريق
مد يده إليها. فقالت ابنة أوس: أردت أن تمتع بها في سفرك كما تمتع بسفرتك،
فكف عنها. فلما حل في أهله - وقد وقعت الحرب بين عبس وذبيان - فمد يده
إليها فقالت: لقد أخطأ الذي سماك سيداً. أتمد يدك إلى النساء وقومك
يتناحرون.
قال: فما وضع يده عليها حتى أصلح بين قومه وتحمل دياتهم، ثم دخل بها فحظيت عنده.
خرج
محمد بن واسع في يوم عيد ومعه رابعة، فقال لها: كيف ترين هذه الهيئة؟
فقالت: ما أقول لكم؟ خرجتم لإحياء سنة وإماتة بدعة، فأراكم قد تباهيتم
بالنعمة، وأدخلتم على الفقير مضرة.
قالت امرأة من بني تغلب للجحاف بن حكيم في وقعة البشر التي يقول فيها الأخطل:
لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة ... إلى الله فيها المشتكى والمعول
ففض
الله عمادك، وأكبى زنادك، وأطال سهادك، وأقل زادك، فوالله إن قتلت إلا
نساء أسافلهن دمى وأعاليهن ثدى - وكان قد قتل النساء والذرية. فقال لمن
حوله: لولا أن تلد مثلها لاستبقيتها وأمر بقتلها. فبلغ ذلك الحسن البصري
فقال: إنما الجحاف جذوة من نار جهنم.
قالت أم عمير الليثية 385 للعوفي
في مجلس الحكم: عظم رأسك فبعد فهمك، وطالت لحيتك فغمرت قلبك. وإذا طالت
اللحية انشمر العقل. وما رأيت ميتاً يقضي بين الأحياء قبلك.
قال ابن الأحنف بن قيس لزبراء جارية أبيه: يا زانية. فقالت: والله لو كنت زانية لأتيت أباك بابن مثلك.
طلق
أعرابي امرأته فذمها فقالت: وأنت والله - ما علمت - تغتنم الأكلة في غير
جوع، ملح بخيل، إذا نطق الأقوام أقعصت، وإذا ذكر الجود أفحمت؛ لما تعلم من
قصر باعك، ولؤم آبائك، وتستضعف من تأمن، ويغلبك من تخاف، ضيفك جائع، وجارك
ضائع، أكرم الناس عليك من أهانك، وأهونهم عليك من أكرمك. القليل عندك كثير،
والكبير عندك حقير. سود الله وجهك، وبيض جسمك، وقصر باعك، وطول ما بين
رجليك؛ حتى إن دخل انثنى، وإن رجع التوى.
قال بعضهم: كنت عند فاطمة بنت
المهلب أعرض عليها طيباً فقمت وتركت المتاع بين يديها، فلما جئت قالت: بئس
ما صنعت، لا تأمنن امرأة قط على رجل ولا على طيب.
قال أبو عمرو بن
العلاء: خرجت ذات ليلة أطوف، فإذا أنا بامرأة قد فضح وجهها ضوء القمر
متعلقة وهي تقول: إلهي؛ أما وجدت شيئاً تعذب به إلا النار. ثم ذهبت، فنمت
ثم عدت فوجدتها وديدنها أن تقول ذلك. قلت: لو عذب بما سوى النار، فكان
ماذا؟ قالت: يا عماه؛ أما والله لو عذب بغير النار لقضينا أوطاراً.
جعل
ابن السماك يوماً يتكلم وجارية له حيث تسمع كلامه، فلما انصرف إليها قال
لها: كيف سمعت كلامي؟ قالت: ما أحسنه لولا أنك تكثر ترداده. قال: أردده حتى
يفهمه من لم يفهم. قالت: إلى أن يفهم ما لا يفهمه قد مله من فهمه.
الباب الثالث
الحيل والخدائع
قدم بعضهم رجلاً إلى القاضي وادعى عليه مالاً فقال: صدقوا أسألهم أن يؤخروني حتى أبيع مالي أو عقاري أو رقيقي أو إبلي. فقالوا: كذب أيها القاضي. ما له قليل ولا كثير. ولكنه يريد مدافعتنا فقال: أصلحك الله. فقد شهدوا بالعدم. فخلى سبيله.قال بعضهم: خرجت ليلة فإذا أنا بالطائف قد أقبل: فلما رأيته من بعيد صحت: المستغاث بالله وبالطائف. فقال لي الطائف: مالك؟ قلت: قوم سكارى في بيتي قد عربدوا، وسلوا السكاكين، وجئت في طلبك لتخلصني منهم. فقال: ايش بين يدي. فمشيت ودخلت البيت، وأغلقت الباب، وصعدت السطح وتطلعت عليه وقلت: انصرف مأجوراً فقد تصالحوا.
سئل بعضهم عن رجل أرادوا أن يزوجوه فقال: إن له شرفاً وبيتاً وقدماً فنظروا فإذا هو ساقط سفلة. فقيل له في ذلك، فقال: ما كذبت شرفه أذناه، وقدمه التي يمشي عليها، ولا بد من أن يكون له بيت يأوي إليه.
قال معاوية لأبي هوذة الباهلي: لقد هممت أن أحمل جمعاً من باهلة في سفينة ثم 386 أغرقهم. قال أبو هوذة: إذا لا ترضى باهلة بعدتهم من بني أمية. قال:
اسكت أيها الغراب الأبقع - وكان به برص. قال
أبو هوذة: إن الغراب ربما درج إلى الرخمة حتى ينقر دماغها، ويقتلع عينيها.
فقال يزيد: ألا تقتله يا أمير المؤمنين. قال: مه. ونهض معاوية ثم وجهه في
سرية فقتل. فقال معاوية ليزيد: هذه أخفى وأصوب.
لما بايع الرشيد ولده
تخلف رجل مذكور من الفقهاء، فأحضره وقال له: لم تخلفت عن البيعة؟ قال:
عاقني يا أمير المؤمنين عائق فأمر بقراءة كتاب البيعة عليه. فلما قرئ قال:
يا أمير المؤمنين هذه البيعة في عنقي إلى قيامي الساعة فلم يفهم الرشيد ما
أراد، وقدر أنه يريد إلى قيام الساعة وذهب ما كان في نفسه عليه.
قيل لبعض الفقهاء: لم استجزتم استعمال الحيل في الفقه؟ فقال: الله تعالى علمنا ذلك فإنه قال: وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث " .
لما
حبس المقفع، وألح عليه صاحب الاستخراج في العذاب خشي على نفسه فقال لصاحب
الاستخراج: عندك مال وأنا أربحك ربحاً ترضاه؟ وقد عرفت وفائي وسخائي
وكتماني، فعيني مقدار هذا النجم. فلما صار عليه مال ترفق به مخافة أن يموت
تحت العذاب فيتوى ماله.
جحد رجل مال رجل فاحتكم إلى إياس بن معاوية فقال
للطالب: أين دفعت إليه هذا المال؟ قال: عند شجرة في مكان كذا. قال: فانطلق
إلى ذلك الموضع لعلك تتذكر كيف كان أمر هذا المال، ولعل الله يوضح لك
سبباً. فمضى الرجل وجلس خصمه فقال إياس بعد ساعة: أترى خصمك بلغ موضع
الشجرة. قال: لا بعد. قال: يا عدو الله أنت خائن. قال: أقلني أقالك الله.
فاحتفظ به حتى أقر ورد المال.
قال معاوية لعمرو: أنت أدهى أم أنا؟ قال
عمرو: أنا للبديهة وأنت للأناة. قال: كلا. قال عمرو: أدن مني رأسك أسارك،
فأدنى رأسه فقال عمرو: هذا من ذاك. هل ها هنا أحد غيرك.
قال المغيرة بن
شعبة: ما خدعني غير غلام من بني الحارث بن كعب. فإني ذكرت امرأة منهم فقال:
أيها الأمير لا خير لك فيها. قلت: ولم؟ قال: رأيت رجلاً يقبلها. فأضربت
عنها فتزوجها الفتى. فأرسلت إليه: ألم تعلمني كذا وكذا من أمرها. قال: بلى
رأيت أباها يقبلها.
كان لعبد الله بن مطيع غلام مولد قد أدبه وخرجه
وصيره قهرمانه، وكان أتاهم قوم من العدو في ناحية البحر. فرآه يوما يبكي
فقال: مالك؟ قال: تمنيت أن أكون حراً، فأخرج مع المسلمين قال: وتحب ذاك؟
قال: نعم. قال: فأنت حر لوجه الله فاخرج. قال: فإنه قد بدا لي ألا أخرج.
قال: خدعتني والله.
كان عمر بن هبيرة أمياً لا يقرأ ولا يكتب. وكان إذا
أتاه كتاب فتحه ونظر فيه كأنه يقرؤه فإذا نهض من مجلسه حملت الكتب معه.
فيدعو جارية كاتبة ويدفع إليها الكتب فتقرأها عليه ويأمرها فتوقع بما يريد،
ويخرج الكتاب. فاستراب به بعض كتابه فكتب كتاباً على لسان بعض العمال
وطواه منكساً أعلاه إلى أسفله، فلما أخذه ونظر فيه ولم ينكره تحقق أنه أمي.
387 قال بعض القضاة لرجل: كيف أقبل شهادتك وقد سمعتك تقول لمغنية: أحسنت؟
قال: أليس إنما قلت ذلك بعد سكوتها. فأجاز شهادته.
أتى معن بن زائدة
بثلاثمائة أسير من حضرموت فأمر بضرب أعناقهم، فقام منهم غلام حين سال عذاره
فقال: أنشدك الله أن تقتلنا ونحن عطاش فقال: اسقوهم ماء. فلما شربوا قال:
اضربوا أعناقهم. فقال الغلام: أنشدك الله أن تقتل ضيفانك. قال: أحسنت. وأمر
بإطلاقهم.
كان بالأهواز رجل له زوجة، وكانت له أرض بالبصرة، فكان يكثر
الإنحدار إليها فارتابت زوجته وتتبعت أثره، فوقفت على أنه قد تزوج بالبصرة
فاحتالت حتى صار إليها خط عم البصرية، وبعث به إلى رجل يحكي كل خط رآه،
وأجازته، حتى كتب كتاباً عن لسان عم البصرية إلى زوجها يذكر أن المرأة قد
ماتت، ويسأله التعجيل إليه لأخذ ما تركت وسمى مالها وجاريتها. ودست الكتاب
مع ملاح قدم من البصرة، فلما وصل إليه الكتاب قرأه فلم يشك فيه، ودخل وقال
لامرأته: اعملي لي سفرة. قالت: ولم؟ قال: أريد البصرة. قالت: كم هذه
البصرة؟! قد رابني أمرك. لعل لك بها امرأة، فأنكر، فقالت: احلف. فحلف أن كل
امرأة له غيرها طالق، سكوناً إلى أن تلك قد ماتت، وما يضره ذلك. فلما حلف
قالت: دع السفرة. قد أغناك الله عن البصرة. قال: وما ذاك؟ قال: قد طلقت
الفاسقة. وحدثته بالقصة فندم.
مر شبيب بن يزيد الخارجي على غلام قد
استنقع في الفرات. فقال: يا غلام. اخرج إلي أسائلك. فنظر الغلام فعرف
شبيباً. فقال: إني أخاف. فهل أنا آمن إلى أن أخرج وألبس ثيابي؟ قال: نعم.
قال: فوالله لا ألبسها اليوم ولا أخرج. فقال شبيب: أوه، خدعني الغلام. وأمر
رجلاً بحفظه لئلا يصيبه أحد بمعرة ومضى، وسلم الغلام.
قال الأعمش:
أخبرني تميم بن سلمة أن رجلاً شهد عند شريح وعليه جبة ضيقة الكمين. فقال
شريح: أنتوضأ وعليك جبتك هذه؟ قال: احسر عن ذراعك. فحسر، فلم يبلغ كم جبته
إلى نصف الساعد. فرد شهادته.
قدمت امرأة زوجها إلى أبي عمر القاضي،
وادعت عليه مالاً، فاعترف به فقالت: أيها القاضي خذ بحقي ولو بحبسه. فتلطف
لها لئلا تحبسه، فأبت إلا ذلك، فأمر به، فلما مشى خطوات صاح أبو عمر بالرجل
وقال له: ألست ممن لا يصبر على النساء؟ ففطن الرجل فقال: بلى أصلح الله
القاضي. فقال: خذها معك إلى الحبس. فلما عرفت الحقيقة ندمت على لجاجها
وقالت: ما هذا أيها القاضي؟ قال: لك عليه حق، وله عليك حق. ومالك عليه لا
يبطل ما له عليك. فعادت إلى السلاسة والرضا.
أخذ عبد الملك رجلاً كان يرى رأي الخوارج فقال له: ألست القائل:
ومنا سويد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب
فقال إنما قلت: ومنا أمير المؤمنين. وناديتك، فخلى سبيله.
كان
يختلف إلى أبي حنيفة رجل يتحمل بالستر الظاهر، والسمت البين فقدم رجل غريب
وأودعه مالاً خطيراً، وخرج حاجاً، فلما عاد طالبه بالوديعة فجحده، فألح
الرجل عليه فتمادى، فكاد صاحب المال يهيم 388، ثم استشار ثقة له فقال له:
كف عنه، وصر إلى أبي حنيفة، فدواؤك عنده.
فانطلق إليه وخلا به وأعلمه
شأنه، وشرح له قصته فقال له أبو حنيفة: لا تعلم بهذا أحداً، وامض راشداً،
وعد إلي غداً. فلما أمسى أبو حنيفة جلس كعادته للناس، وجعل كلما سئل عن شيء
تنفس الصعداء. فقيل له في ذلك فقال: إن هؤلاء - يعني السلطان - قد احتاجوا
إلى رجل يبعثونه قاضياً إلى مكان. وقالوا لي: اختر من أحببت. ثم أسبل كمه
وخلا بصاحب الوديعة، وقال له: أترغب حتى أسميك. فذهب يتمنع تحلية. فقال له
أبو حنيفة: اسكت فإني أبلغ لك ما تحب. فانصرف الرجل مسروراً يظن الظنون
بالجاه العريض، والحال الحسنة.
وصار رب المال إلى أبي حنيفة فقال: امض
إلى صاحبك ولا تخبره بما بيننا، ولوح بذكري وكفاك، فمضى الرجل واقتضاه وقال
له: اردد على مالي وإلا شكوتك إلى أبي حنيفة. فلما سمع ذلك وفاه المال.
وصار الرجل إلى أبي حنيفة وأعلمه رجوع المال إليه فقال له: استره عليه.
ولما غدا الرجل إلى أبي حنيفة طامعاً في القضاء نظر إليه أبو حنيفة وقال له: نظرت في أمرك فرفعت قدرك عن القضاء.
قال
أبو يوسف: بقيت على باب الرشيد حولاً لا أصل إليه، حتى حدثت مسألة. وذلك
أن بعض أهله كانت له جارية، فحلف أنه لا يبيعها إياه ولا يهبها له. وأراد
الرشيد شراءها فلم يجد أحداً يفتيه في ذلك.
فقلت لابن الربيع: أعلم أمير
المؤمنين أن بالباب رجلاً من الفقهاء عنده الشفاء من هذه الحادثة. فدخل
فأخبره، فأذن لي، فلما وصلت مثلت، فقال: ما تقول؟ قلت: يا أمير المؤمنين،
أقوله لك وحدك أبو بحضرة الفقهاء؟ قال: بل بحضرة الفقهاء، ليك الشك أبعد،
وأمر فحضر الفقهاء، وأعيد عليهم السؤال. فكل قال: لا حيلة عندنا فيه، فأقبل
أبو يوسف فقال: المخرج منها أن يهب لك نصفها، ويبيعك نصفها، فإنه لا يقع
الحنث. فقال القوم: صدق. فعظم أمري عند الرشيد، وعلم أن أتيت بما عجزوا
عنه.
كان المغيرة من كبار المدمنين للشراب، فقال لصاحب له يوم خيبر: قد
قرمت إلى الشراب. ومعي درهمان زائفان فأعطني زكرتين فأعطاه. فصب في إحداهما
ماء، وأتى بعغض الخمارين فقال: كل بدرهمين. فكال في زكرته فأعطاه الدرهمين
فردهما، وقال: هما زائفان. فقال: ارتجع ما أعطيتني فكاله وأخذه، وبقيت في
الزكرة بقية فصبها في الفارغة، ثم فعل ذلك بكل خمار حتى ملا زكرته ورجع
ومعه درهماه.
قال الأصمعي: حمل يزيد بن مره شيئاً على رأس حمال فعاسره في الكراء فقال له: أثبت أن الذي على رأسي لك. فأرضاه.
وقف
أحمد بن أبي خالد بين يدي المأمون وخرج يحيى بن أكثم وجلس على طرفه فقال
أحمد: يا أمير المؤمنين؛ إن يحيى صديقي وأخي، ومن أثق به في أمري كله ويثق
بي، وقد تغير عما كنت أعهده عليه، فإن رأيت أن تأمره بالعود إلى ما كان
عليه. فإني له على مثله. فقال المأمون:389 يا يحيى؛ إن فساد أمر الملوك
بفساد الحال بين خاصتهم. وما يعد لكما عندي أحد. فما هذا النزاع بينكما؟
فقال له يحيى: والله يا أمير المؤمنين إنه ليعلم أني له على أكثر مما وصف،
وأني أثق بمثل ذلك منه. ولكنه رأى منزلتي هذه منك فخاف أن أتغير له يوماً،
فأقدح فيه عندك، فتقبل قولي فيه فأحب أن يقول هذا لتأمرني بأمر لو بلغ
نهاية مساءتي ما قدرت أن أذكره بسوء عندك. فقال المأمون: أكذاك هو يا أحمد؟
قال: نعم. قال: أستعين الله عليكما. ما رأيت أتم دهاء ولا أقرب فطنة
منكما.
استأذن أخو صفية بنت حيي بن أخطب على سليمان بن عبد الملك وهو
خليفة فقال للآذن: خال أمير المؤمنين. فدخل فقال: بالباب رجل يدعي أنه خال
أمير المؤمنين. فقال: أدخله. فلما رآه عرفه فقال: أنت لعمري خالي. أي إني
مؤمن.
أرسل فتى من العرب إلى ابنة عم له ولم يكن له مال، ومانت كثيرة
المال وخطبها ناس كثير، فقال: يابنة عم؛ هل لك في فتىً كاسٍ من الحسب، عار
من النشب، يتقلقل في دارك، ويقبض غلة غلمانك، ويقلبك عن يمينك لشمالك،
ويدخل الحمام في كل يوم مرتين؟ فتزوجته. دخل سلم بن زياد على الحجاج في
أموال قبضها عنه فقال له: من أنت؟ قال: سلم. قال: ابن من؟ قال: ابن زياد.
قال: ابن من؟ قال: ابن من شاء الأمير. فرد عليه أرضه.
أتى وكيع بن أبي
سود إياس بن معاوية وهو قاض ليشهد عنده بشهادة، فقال: مرحباً بك يا أبا
مطرف، ما جاء بك؟ قال: جئت لأشهد قال: مالك وللشهادة. إنما يشهد الموالي
والتجار والسقاط. قال: صدقت وانصرف. فقيل له: خدعك ولم يقبل شهادتك فردك.
فقال: لو علمت لعلوته بالقضيب.
كان أبو بردة ولي القضاء بعد الشعبي بالكوفة، فكان يحكم بأن رجلاً لو قال لملوك لا يملكه: أنت حر. أنه يعتق ويؤخذ المعتق بثمنه.
قال:
فعشق رجل من بني عبس جارية لجار له فجن بها وجنت به، فكان يشكو ذاك فلقيها
يوم فقال لها: إلى الله أشكو قالت: بلى والله إن لك حيلة، ولكنك عاجز. هذا
أبو بردة يقضي في العتق بما قد علمت فقال لها: أشهد إنك لصادقة.
ثم
قدمها إلى مجلس يتجمع فيه قوم يعدلون فقال: هذه جارية آل فلان أشهدكم إنها
حرة فألقت ملحفتها على رأسها. وبلغ ذلك مواليها فجاءوا فقدمتهم إلى أبي
برده وقدموا الرجل فأنفذ عتقها، وألزم الرجل ثمنها، فلما أمر به إلى السجن
خاف إذا ملكت أمرها أن تصير إلى أول من يطلبها، وأن تخيب فيما صنع في
أمرها. فقال: أصلح الله القاضي، لا بد من حبسي قال: نعم أو تعطيهم ثمنها.
قال: فليس مثلي يحبس في شيء يسير. أشهدكم أني قد أعتقت كل مملوك لأبي بردة،
وكل مملوك لآل أبي موسى، وكل مملوك لمذحج. فخلى سبيله، ورجع عن ذلك القضاء
فلم يحكم به.
لما خرج الأحنف مع مصعب أرسل إليه بمائة ألف درهم ولم
يرسل إلى زبراء جاريته بشيء، فجاءت حتى قعدت بين يدي الأحنف ثم أرسلت
عينيها. فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: مالي 390 لا أبكي عليك، إذ لم تبك على
نفسك. أبعد نهاوند ومرو الروذ صرت إلى أن تجمع بين غارين من المسلمين؟
فقال: نصحتني والله في ديني، إذ لم أنتبه لذلك. ثم أمر بفساطيطه فقوضت.
قال:
فبلغ ذلك مصعباً، فقال: من دهاني في الأحنف؟ فقيل: زبراء. فبعث إليها
بثلاثين ألف درهم. فجاءت حتى أرخت عينيهل بين يديه فقال: ما لك يا زبراء؟
قالت: جئت بإخوانك من أهل البصرة تزفهم كما تزف العروس، حتى إذا صيرتهم في
نحور أعدائهم أردت أن تفت في أعضادهم. قال: صدقت والله. يا غلام؛ دعها.
قال: فاضطرب العسكر بمجيء زبراء مرتين فذهبت مثلاً.
بلغ قتيبة بن مسلم
أن سليمان بن عبد الملك يريد عزله واستعمال يزيد ابن المهلب فكتب إليه ثلاث
صحائف وقال للرسول: إن دفع كتابي الأول إلى يزيد بن المهلب فادفع إليه
الثاني، فإن شتمني عند الثاني فادفع إليه الثالث، فدفع إليه الكتاب الأول،
فإذا فيه: إن بلائي في طاعة أبيك وأخيك كذا، وأنت تقرأ كتبي يزيد.
قال:
فرمى بالكتاب إلى يزيد، فأعطاه الثاني فإذا فيه: كيف تأمن يزيد على أسرارك وكان أبوه لا يأمنه على أمهات أولاده.
قال: فشتمه، فدفع إليه الثالث فإذا فيه: من قتيبة بن مسلم إلى سليمان بن عبد الملك سلام على من اتبع الهدى.
أما
بعد فلأوثقن لك أخية لا ينزعها المهر الأرن. قال: فقال سليمان: ما أرانا
إلا قد عجلنا على قتيبة. يا غلام؛ جدد له عهده على خراسان خطب سلمان إلى
عمر بن الخطاب ابنته فلم يستجز رده، فأنعم له وشق ذلك عليه وعلى ابنه عبد
الله بن عمر. فشكى عبد الله ذلك إلى عمرو بن العاص فقال له: أفتحب أن أصرف
سلمان عنكم؟ فقال له: هو سلمان، وحاله في المسلمين حاله. قال: أحتال له حتى
يكون هو التارك لهذا الأمر، والكاره له. قال: وددنا ذلك. فمر عمرو بسلمان
في طريق فضرب بيده على منكبه وقال له: هنيئاً لك أبا عبد الله. قال: وما
ذاك؟ قال: هذا عمر يريد أن يتواضع بك فيزوجك. قال: وإنما يزوجني ليتواضع
بي؟! قال: نعم. قال: لا جرم والله لا خطبت إليه أبداً.
كتب معاوية إلى
عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة أن يقدما عليه، فقدم عمرو من مصر والمغيرة
من الكوفة فقال عمرو للمغيرة: ما جمعنا إلا ليعزلنا، فإذا دخلت عليه فاشك
الضعف واستأذنه أن تأتي الطائف أو المدينة. فإني إذا دخلت عليه سألته ذلك
فإنه يظن أنا نريد أن نفسد عليه.
فدخل المغيرة فسأله أن يعفيه ويأذن له.
ودخل عليه عمرو وسأله مثل ذلك فقال له معاوية: قد تواطأتما على أمر،
وإنكما لتريدان شراً. ارجعا إلى عمليكما.
كان الإسكندر لا يدخل مدينة
إلا هدمها وقتل أهلها حتى مر بمدينة كان فيها مؤدبه. فخرج إليه وألطفه
الإسكندر وأعظمه فقال له مؤدبه: إن أحق من زين رأيك وسدده وأتى كل ما هويت
لأنا. وإن أهل هذه المدينة قد طمعوا فيك لمكاني منك فأنا أحب ألا تشفعني
فيهم، وأن تحلف يميناً أعتذر بها عند القوم فاحلف 391 لي عندهم أنك لا
تشفعني في شيء أسألك، وأن تخالفني في كل ما سألتك. فأعطاه من ذلك مالاً
يقدر على الرجوع عنه في دينه، فلما توثق منه قال: فإن حاجتي أن تدخلها
وتخربها وتقتل من فيها. قال: ما إلى ذلك سبيل ولا بد من مخالفتك وقد كنت
مؤدبي وأنا إليك اليوم أحوج. فلم يدخلها وضمه إليه.
أصابت المسلمين جولة
بخراسان، فمر فيهم شعبة بن ظهير على بغلة له فرآه بعض الرجالة فتقدر له
على جذم حائط، فلما حاذ به حال في عجز بغلته. فقال له : اتق الله فإنها لا
تحملني وإياك. قال: امض فإني والله ما أقدر أن أمشي. قال: إنك تقتلني وتقتل
نفسك. قال: امض فهو ما أقول لك. قال: فصرف شعبة وجه البغلة قبل العدو فقال
له: أين تريد؟ قال: أنا أعلم أني مقتول، فلأن أقتل مقبلاً خير من أن أقتل
مدبراً.
فنزل الرجل عن بغلته وقال: اذهب في حرق الله.
اشترى شريك بن
عبد الله جارية من رجل فأصاب بها عيباً، فقال للذي اشتراها منه: قد ظهر بها
عيب. قال: ما عليك. هي رخيصة، وإن أحببت بعتها لك بربح. قال: فافعل. فدفع
الجارية إليه وأقام أياماً ثم أتاه فقال له: لم أصب منها ثمناً أرضاه. فقال
له شريك: فخذها واردد علي الثمن. فقال له الرجل: أبعد ما وكلتني لأبيعها
ورضيت تردها علي؟ فقال: صدقت والله خدعتني.
رأى عمر بن الخطاب رضي الله
عنه ابنه عبد الله جالساً مع رجل فقال له: يا بني؛ احذر هذا، لا تشترين منه
شيئاً، فإنه يتبرأ إلى الرجل من العيب. والرجل لا يفطن لذلك.
قال: فمر
عبد الله بن عمر بذاك الرجل يوماً ومعه غلام وضيء، فقال له: تبيعه؟ قال:
نعم. قال: بكم؟ قال: بكذا. قال له: هل به عيب. قال : ما علمت أن به عيباً
إلا أنا ربما أرسلناه في الحاجة فيبطئ فلا يأتينا حتى نبعث في طلبه. فقال
عبد الله: وما هذا؟ فاشتراه منه.
فلما صار إليه أرسله في حاجة فهرب،
فطلبه أياماً حتى وجده، فأتى صاحبه ليرده عليه بالإباق، فقال له: ألم أخبرك
أنا ربما أرسلناه في الحاجة فلا يرجع حتى نرسل في طلبه؟ فعلم أنه قد خدعه.
كان
مع يوسف بن عمر رجل يقال له عبدان يأنس به ولا يحجبه في دار نسائه. فقال
له يوماً: أنا أطول أم أنت؟ وكان عبدان طويلاً. قال: فقلت في نفسي: وقعت
والله في شر. إن قلت: أنا. خفت أن يقول: يصغرني. وإن قلت أنت قال:
تهزأ بي. فقلت: أصلحك الله؛ أنت أطول مني ظهراً وأنا أطول رجلين منك. فقال: أحسنت.
كان
شعبة بن المخش مع زياد، وكان أكولاً دميماً، فقال له زياد: يا شعبة مالك
من الولد؟ قال: تسع بنات. قال: أين جمالهن من جمالك؟ قال: أنا أجمل منهن
وهن آكل مني. قال: ما أحسن ما سألت لهن، وألحق بناته في العيال.
قال
الأصمعي: ذكروا أن محمد بن الحنيفية أراد أن يقدم الكوفة أيام المختار.
فقال المختار حين بلغه ذلك: إن في المهدي علامة، يضربه في السوق رجل ضربة
بالسيف فلا يضره، فلما بلغه ذلك أقام.
سأل عبد الله بن الزبير معاوية
شيئاً فمنعه فقال: والله ما أجهل أن ألزم 392 هذه البنية فلا أشتم لك عرضاً
ولا أقضب لك حسبا. ولكن أسدل عمامتي من بين يدي ذراعاً ومن خلفي ذراعاً
أقعد في طريق أهل الشام، وأذكر سيرة أبي بكر وعمر فيقول الناس: هذا ابن
حواري رسول الله صلى الله عليه وابن الصديق. فقال معاوية: حسبك بهذا شراً،
وقضى حاجته.
قال أعرابي لمعاوية: قال أعرابي لمعاوية: استعملني على
البصرة. فقال: ما أريد عزل عاملها. قال: فأقطعني البحرين. قال: ما إلى ذلك
سبيل. قال: فمر لي بألف درهم. فأمر له بها. فقيل للأعرابي في ذلك فقال:
لولا طلبي الكثير ما أعطاني القليل.
أتى رجل الأحنف فلطمه. فقال له: لم
لطمتني؟ قال: جعل لي جعل على أن ألطم سيد بني تميم. قال: ما صنعت شيئاً.
عليك بجارية بن قدامة فإنه سيدهم. فانطلق فلطم جارية، فأخذه وقطع يده.
وإنما أراد الأحنف ذلك به.
قال قوم من قريش: ما نظن أن معاوية أغضبه شيء
قط. فقال بعضهم: إن ذكرت أمه غضب. فقال نالك بن أسماء المنى القرشي - وهي
أمه - وإنما قيل لها أسماء المنى لجمالها: والله لأغضبنه إن جعلتم لي
جعلاً. فجعلوا له جعلاً وأتاه وقد حضر الموسم فقال: يا أمير المؤمنين ما
أشبه عينيك بعيني أمك. قال: تلك عينان طالما أعجبتا أبي سفيان. يا بن أخي؛
خذ جعلك ولا تتخذنا متجراً.
ثم دعا معاوية مولاه سعداً فقال له: أعدد
لأسماء المنى دية ابنها فإني قد قتلته وهو لا يدري. ورجع الغلام فأخذ جعله.
فقال له رجل منهم: إن أتيت عمرو بن الزبير فشبهته بأمه فلك ضعفا جعلك.
فأتاه فقال له: يا بن الزبير؛ ما أشبه وجهك بوجه أمك. فأمر به فضرب حتى
مات. فبعث معاوية إلى أمه بديته وقال:
ألا قل لأسماء المنى أم مالك ... فإني لعمر الله أقتل مالكا
قيل
لأعرابي: أنشرب قدحاً من لبن حازر ولا تتنحنح؟ قال: نعم فأخذه في حلقه مثل
الزجاج فقال: كبش أملح. فقيل له: إنك تنحنحت فقال: من تنحنح فلا أفلح. ومد
صوته فقضى وطره.
قال عبيد الله بن زياد بن ظبيان: إياكم والطمع فإنه
يردي. والله لقد هممت أن أفتك بالحجاج، فإني لواقف على بابه بدير الجماجم،
إذا بالحجاج قد خرج على دابة، ليس معه غير غلام، فأجمعت على قتله فكأنه عرف
ما في نفسي قال: فقال: ألقيت ابن أبي مسلم؟ قلت: لا. قال: فالقه فإن عهدك
معه على الري. قال: فطمعت وكففت فأتيت يزيد بن أبي مسلم فسألته فقال: ما
أمرني بشيء.
وقال عمرو بن يزيد الأسيدي: خفنا أيام الحجاج، وجعلنا نودع
متاعنا، وعلم جار لنا، فخشيت أن يظهر أمرنا، فعمدت إلى سفط فجعلت فيه لبناً
ودفعته إليه، فمكث عنده حتى أمنا. فطلبت منه، فقال لي: أما وجدت أحداً
تودعه لبناً غيري.
لقي الحجاج أعرابياً خالياً بفلاة فسأله عن نفسه
فأخبره بكل ما يكره وهو لا يعرفه. فقال: إن لم أقتلك فقتلني الله. قال
الأعرابي: فأين حق الاسترسال؟ فقال الحجاج: أولى. وأعرض عنه.
توجه عمرو
بن العاص حيث فتح قيسارية إلى مصر وبعث إلى علجها فأرسل إليه: أن أرسل إلي
رجلاً من أصحابك 393 أكلمه. فنظروا فقال عمرو: ما أرى لهذا أحداً غيري.
فخرج ودخل على العلج، فكلمه فسمع كلاماً لم يسمع مثله قط، فقال: حدثني. هل
في أصحابك مثلك؟ قال: لا تسل عن هواني عليهم؛ إلا أنهم بعثوني إليك وعرضوني
لا يدرون ما تصنع بي.
فأمر له بجائزة وكسوة وبعث إلى البواب: إذا مر بك فاضرب عنقه، وخذ ما معه.
فخرج
من عنده، فمر برجل من نصارى العرب من غسان فعرفه فقال: يا عمرو، إنك قد
أحسنت الدخول فأحسن الخروج. فرجع فقال له الملك: ما ردك؟ قال:
نظرت
فيما أعطيتني فلم أجده يسع بني عمي، فأردت أن أجيئك بعشرة منهم تعطيهم هذه
العطية، وتكسوهم هذه الكسوة، فيكون معروفك عند عشرة خيراً من أن يكون عند
واحد. قال: صدقت. فاعجل بهم. وبعث إلى البواب أن خل سبيله، فخرج عمرو وهو
يلتفت حتى إذا أمن قال: لا أعود لمثلها أبداً. فما فارقها عمرو حتى صالحه،
فلما أتي بالعلج قال: أنت هو؟ قال عمرو: نعم على ما كان من غدرك.
كانت
لأيمن بن خزيم الأسدي منزلة عند معاوية، وكان معاوية قد ضعف عن النساء،
فكان يكره أن يذكر عنده رجل يوصف بالجماع فجلس ذات يوم وفاختة قريبة منه
حيث تسمع الكلام فقال: يا أيمن؛ ما بقي من طعامك وشرابك وجماعك وقوتك؟
فقال: أنا والله يا أمير المؤمنين آكل الجفنة الكثيرة الدرمك والقدر، وأشرب
الرفد العظيم ولا أنقع بالغمر، وأركض بالمهر الأرن ما أحضر، وأجامع من أول
الليل إلى السحر.
قال: فغم ذلك معاوية، وكلامه هذا بأذني فاختة، فجفاه
معاوية. فشكا أيمن ذلك إلى امرأته فقالت: أذنبت ذنباً. فوالله ما معاوية
بعابث ولا متجن قال: لا والله إلا كذا وكذا. قالت: هذا والله الذي أغضبه
عليك قال: فأصلحي ما أفسدت. قالت: كفيتك.
فأتت معاوية فوجدته جالساً
للناس، فدخلت على فاختة فقالت: مالك؟ قالت: جئت أستعدي على أيمن. قالت:
وماله؟ قالت: ما أدري أرجل هو أم امرأة. وما كشف لي ثوباً منذ تزوجني.
قالت: فأين قوله لأمير المؤمنين؟ وحكت لها ما قال. فقالت: ذاك والله
الباطل.
وأقبل معاوية فقال: من هذه عندك يا فاختة. قالت: هذه امرأة أيمن
جاءت تشكوه. قال: ومالها؟ قالت: زعمت أنها لا تدري أرجل هو أم امرأة، وأنه
لم يكشف لها ثوباً منذ تزوجها. قال: كذاك هو؟ قالت: نعم ففرق بيني وبينه
فرق الله بينه وبين روحه! قال معاوية: أو خيراً من ذلك، هو ابن عمك، وقد
صبرت عليه دهراً. فأبت فلم يزل بها يطلب إليها حتى سمحت له بذلك فأعطاها
وأحسن إليها وعادت منزلة أيمن عند معاوية كما كانت.
كتب المغيرة بن شعبة
إلى معاوية حين كبر وخاف العزل: أما بعد؛ فإنه قد كبرت سني، ورق عظمي
واقترب أجلي، وسفهني سفهاء قريش، فرأى أمير المؤمنين في عمله موفق.
وكتب
إليه معاوية: أما ما ذكرت من كبر سنك فإنك أكلت سنك عمرك، وأما ما ذكرت من
اقتراب أجلك فإني لو كنت أستطيع أن أدفع المنية لدفعتها عن آل أبي سفيان،
وأما ما ذكرت من سفهاء قريش فإن حلماء قريش أنزلوك هذا المنزل، وأما ما
ذكرت من العمل فضح رويداً يدرك الهيجا حمل. فاستأذن معاوية 394 في القدوم
فأذن له. قال الربيع بن هذيم: فخرج المغيرة وخرجنا إلى معاوية فقال له: يا
مغيرة كبرت سنك، واقترب أجلك، ولم يبق منك شيء، ولا أظنني إلا مستبدلاً بك،
قال: فانصرف إلينا ونحن نعرف الكآبة فيه. فقلنا: ما تريد أن تصنع؟ قال:
ستعلمون ذلك. فأتى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين؛ إن الأنفس يغدى عليها
ويراح، ولست في زمن أبي بكر ولا عمر، وقد اجترح الناس، فلو نصبت لنا علماً
من بعدك نصير إليه، مع أني كنت قد دعوت أهل العراق إلى يزيد فركبوا إليه،
حتى جاءني كتابك. قال: يا أبا محمد؛ انصرف إلى عملك فأحكم هذا الأمر لابن
أخيك. قال: فأقبلنا على البريد نركض، فقال: يا ربيع؛ وضعت والله رجله في
ركاب طويل ألغى على أمة محمد. قال: فذاك الذي دعا معاوية إلى البيعة ليزيد.
مر
حاجب بن حميضة بقاص يقص في النجدية باليمامة، فذكر عثمان بن عفان فنال
منه. فقال حاجب: لعن الله شركما. فأخذوه وقالوا: يا عدو الله تلعن مسلماً
وتولي كافراً؟ فقال: لا تعجلوا. فأتوا نجدة فأخبروه فقال: يا أمير
المؤمنين، عثمان شرهما. قال: خلوا أخاكم.
حلف رجل من الأعراب باليمامة
ألا يكشف لامرأته ثوباً، فسأل القاضي فأمره باعتزالها. فقالت مريم بنت
الحريش: لتكشف هي ثوبها صاغرة قميئة. فأمرها القاضي بذلك.
اختلف إبراهيم
بن هشام وقرشي في حرف، فحكما أبا عبيدة بن محمد بن عمار، فقال: أما أفرس
الكلامين فما يقول الأمير، وأما ما يقول النحويون الخبثاء فما يقول هذا.
حدث
المدائني أن مخارق بن غفار ومعن بن زائدة في فوارس لقيا رجلاً ببلاد الشرك
ومعه جارية لم ير مثلها شباباً وجمالاً، فصاحوا به أن خل عنها ومعه قوس له
فرمى بعضهم وجرحه، فهابوا الإقدام عليه، ثم عاد ليرمي فانقطع وتره فأسلم
الجارية واستند في جبل كان قريباً منه، فابتدروا الجارية وفي أذنها قرط فيه
درة فانتزعه بعضهم من أذنها فقالت: وما قدر هذه؟ فكيف لو رأيتم درتين
قلنسوته؟ فاتبعوه فقال: مالكم؟ ألم أدع لكم بغيتكم؟ قالوا: ألق ما في
قلنسوتك. فرفع قلنسوته عن رأسه، فإذا فيها وتر للقوس قد كان أعده فأنسيه من
الدهش. فلما رآه عقده في قوسه فولى القوم ليست لهم همة إلا أن ينجوا
بأنفسهم وخلوا عن الجارية.
قدم هدبة بن الخشرم ليقاد بابن عمه زيادة،
وأخذ ابن زيادة السيف وقد ضوعفت له الدية حتى بلغت مائة ألف درهم، فخافت أم
الغلام أن يقبل ابنها الدية ولا يقتله فقالت: أعطى الله عهدا لئن لم تقتله
لأتزوجنه فيكون قد قتل أباك ونكح أمك. فقتله.
وحدث المدائني أن قوماً
من المسلمين أسروا قوماً من الروم وكان فيهم فتيان أخوة فضربوا أعناقهم،
وأخذوا أمهم وهم لا يعرفونها، فأحبت أن تقتل ولا تبقى بعد ولها، فقالت للذي
صارت إليه: إن علمتك شيئاً تتخذه فلا يحيك فيك السلاح، تخلى سبيلي؟ قال:
نعم. فأخذت أشياء سترتها عنه فطلت بها رقبتها وقالت: دونك أضرب وشد، فإن
السيف لا يعمل 395 في فضرب رقبتها فحز رأسها فعلم أنها خدعته.
لما بلغ
يزيد ومروان ابنا عبد الملك لعاتكة بنت زيد ين معاوية قال لها عبد الملك:
قد صار ابناك رجلين، فلو جعلت لهما من مالك ما يكون لهما به فضيلة على
أخوتهما. قالت: اجمع لي أهل معدلة من موالي ومواليك فجمعهم وبعث معهم روح
بن زنباع الجذامي - وكان يدخل على نسائهم - فدخل كهولتهم وجلتهم وقال له:
أخبرها برضائي عنها، وحسن لها ما صنعت. فلما دخلوا عليها أخذ روح في ذلك
فقالت: يا روح، أتراني أخشى على ابني عيلة وهما ابنا أمير المؤمنين، أشهدكم
أني قد تصدقت بمالي وضياعي على فقراء آل أبي سفيان. فقام روح ومن معه.
فلما نظر إليه عبد الملك مقبلاً قال: أشهد بالله لقد أقبلت بغير الوجه الذي
أدبرت به. قال: أجل. تركت معاوية في الإيوان آنفاً. وخبره بما كان. فغضب
فقال: مه يا أمير المؤمنين، هذا العقل منها في ابنيك خير لهما مما أردت.
قال
المدائني: أتى عليه السلام برجل ذي مروءة قد وجب عليه حد. فقال لخصمائه:
ألكم شهود؟ قالوا: نعم. قال: فأتوني بهم إذا أمسيتم ولا تأتوني بهم إلا
معتمين. فلما أمسوا اجتمعوا فأتوه، فقال لهم علي عليه السلام: نشدت الله
رجلاً لله عنده مثل هذا الحد إلا انصرف قال: فما بقى أحد فدرأ الحد.
قال
المدائني: كان الحجاج حسوداً لا ينشىء صنيعة إلا أفسدها فلما وجه عمارة بن
تميم اللخمي إلى ابن الأشعث وعاد بالفتح حسده، فعرف ذلك عمارة، وكره
منافرته، وكان عاقلاً رفيقاً فظل يقول: أصلح الله الأمير أنت أشرف العرب،
من شرفته شرف، ومن صغرته صغر، وما ابن الأشعث وخلعه حتى استوفد عبد الملك
الحجاج وسار عمارة معه يلاطفه ولا يكاشفه، وقدموا على عبد الملك، وقامت
الخطباء بين يديه في أمر الفتح، فقام عمارة فقال: يا أمير المؤمنين؛ سل
الحجاج عن طاعتي وبلائي. فقال الحجاج: يا أمير المؤمنين، لقد أخلص الطاعة،
وأبلى الجميل. وأظهر البأس، من أيمن الناس نقيبة، أعفهم سيرة. فلما بلغ آخر
التقريظ قال عمارة: أرضيت يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم فرضى الله عنك. قال
عمارة: فلا رضي الله عن الحجاج يا أمير المؤمنين، ولا حفظه ولا عافاه، وهو
الأخرق السيء التدبير، الذي قد أفسد عليك العراق، وألب عليك الناس، وما
أتيت إلا من خرقه وقلة عقله، وفيالة رأيه، وجهله بالسياسة، ولك يا أمير
المؤمنين منه أمثالها إن لم تعزله. فقال الحجاج: مه يا عمارة، فقال: لامه
ولا كرامه يا أمير المؤمنين كل امرأة لي طالق وكل مملوك لي حر إن سرت تحت
راية الحجاج أبداً. فقال عبد الملك: ما عندنا أوسع لك.
خطب رجل امرأة فقالت له: إن في تقززا، وأخاف أن أرى منك بعض ما أتقزز منه فتنصرف نفسي عنك . قال الرجل:
أرجو
ألا ترى ذلك. فتزوجها فمكثت أياماً ثم قعد معها يتغدى فلما رفع الخوان
تناول ما سقط من الطعام تحت الخوان فأكله، فنظرت إليه وقالت: أما كان يقنعك
ما على الخوان حتى تلتقط ما تحته 396 قال: إنه بلغني أنه يزيد في القوة
على الني..، فكانت بعد ذلك تفعله، وتفت الخبز كما تفت للفروج.
قال
الكندي: كان فيما مضى رجل زاهد وقع عليه من السلطان طلب، فبقي مدلها لا
يدري ما يصنع وذاك أنه أذكيت عليه العيون، وأخذت له المراصد، فجاء إلى
طنبور فأخذه ولبس ثياب البطالين، وتعرض للخروج من باب البلد، فجاء إلى
الباب وهو يتهادى في مشيته كالسكران، فقالت العيون له عند الباب: من أنت؟
قال: من أنا؟ ومن ترى أكون؟ أنا فلان الزاهد. وقاله متهزئاً. فقال القوم
ضاحكين: ما أحمقه! وخلوا سبيله. فخرج ونجا وإنما فعل ذلك لئلا يكذب.
عرض
شريح ناقة للبيع، فقال له المشتري: كيف غزارتها؟ قال: احلب في أي إناء
شئت. قال: فكيف وثاقها: قال: احمل على الحائط ما شئت. قال: فكيف وطاؤها؟
قال: افرش ونم. قال: كيف نجاؤها. قال: هل رأيت البرق قط؟ قال بعضهم: ركض
رجل دابة وهو يقول: الطريق، الطريق. فصدم رجلاً لم ينح، فاستعدى عليه،
فتخارس الرجل فقال العامل: هذا أخرس. قال: أصلحك الله. يتخارس عمداً، والله
ما زال يقول: الطريق. الطريق. فقال الرجل: فما تريد وقد قلت لك الطريق؟
قال العامل: صدق.
قال: كانت ابنة عبد الله بن معروف عند أبي حرثان فمات،
ولم يصل إليها لقوتها، فتزوجها أبو دلف، فكانت تمانعه سنة لا يصل إليها،
فقال له معقل أخوه: ما أنت برجل. وقد عجزت عن امرأة. فقال: أحب أن تبعث
جاريتك فلانة تكلمها. فبعث بها وأمر أبو دلف امرأته أن تلوي العمود في عنق
الجارية إذا أتتها وتتركه. ففعلت فرجعت إلى معقل فقال: أشهد أن أخي معذور،
فما قدر عليها أبو دلف حتى احتال عليها، بأن قال لها يوماً: ما أظنك ببكر.
فأمكنت من نفسها.
كان بالكوفة لعبد الملك بن رامين مولى بشر بن مروان
جارية يقال لها: سلامة الزرقاء. وكان روح بن حاتم المهلبي يهواها ولا
تهواه، ويكثر غشيان منزل مولاها، وكان محمد بن جميل يهواها وتهواه، فقال
لها: إن روح بن حاتم قد ثقل علينا. فقالت: فما أصنع؟ قد غمر مولاي ببره.
قال: احتالي.
فبات عندهم روح ليلة م الليالي فأخذت سراويله. فغسلته،
فلما أصبح سأل عن سراويله. فقالت: غسلناه. فظن أنه قد أحدث فيه فاحتيج إلى
غسله، واستحيا من ذلك، وانقطع عنها، وخلا وجهها لابن جميل.
لما استخلف
سليمان بن عبد الملك دفع عمال أخيه الوليد إلى يزيد بن المهلب وأمره ببسط
العذاب عليهم، واستخراج المال منهم، وكان فيهم رجل من بني مرة فقال ليزيد:
أما أنا فلست بذي مال، ولا تنتفع بتعذيبي ولكن عشيرتي تفكني بأموالهم، فأذن
لي في أن أجول فيهم. فأذن له فقال لهم: إن أمير المؤمنين قد أخذني بمال،
والمال عندي، ولكن أكره أن أقر بالخيانة، فاضمنوا له هذا المال عني
وأطلقوني من حبسه، ولا غرم عليكم فإني مضطلع بأداء هذا المال.
فنهض وجوه
عشيرته في أمره، وضمنوا المال عنه وأطلقوه، فلما أخذوا بالمال قالوا
للرجل: أد المال كما زعمت. فقال: يا نوكى أتظنون 397 أنني اختنت مالاً
تعرضت فيه للمأثم وسخط الخليفة وعقوبته، وأؤديه اليوم طائعاً، وقد صيرت ما
أطالب به في أعناقكم، لبئس ما ظننتم اغرموه من أعطياتكم وأنا فيه كأحدكم.
ففعلوا ذلك وهو كأحدهم.
مر شبيب الخارجي على غلام في الفرات مستنقع في
الماء فقال له شبيب: اخرج إلي أسائلك. فقال: فأنا آمن حتى ألبس ثيابي؟ قال:
نعم. قال: فوالله لا ألبسها.
خرج المغيرة بن شعبة مع النبي صلى الله
عليه وسلم في بعض غزواته، وكانت له عنزة يتوكأ عليها فربما أثقلته، فيرمي
بها على قارعة الطريق فيمر بها المار فيأخذها. فإذا صاروا إلى المنزل عرفها
فأخذها المغيرة. ففطن له علي عليه السلام فقال: لأخبرن النبي صلى الله
عليه وسلم. فقال: لئن أخبرته لا ترد ضالة بعدها. فأمسك.
كان عبد الله بن
عمرو بن غيلان على البصرة من قبل معاوية، فخطب يوماً على منبرها، فحصبه
رجل من بني ضبة، فأمر به فقطعت يده فأتته بنو ضبة فقالوا:
إن صاحبنا
جنى على نفسه ما جنى، وقد بلغ الأمير في عقوبته، ونحن لا نأمن أن يبلغ خبره
أمير المؤمنين فتأتي من قبله عقوبة تعم أو تخص. فإن رأى الأمير أن يكتب
كتاباً يخرج به أحدنا إلى أمير المؤمنين أنه قطعه على شبهة وأمر لم يصح.
فكتب لهم بذلك إلى معاوية فأمسكوا الكتاب حتى توجه إلى معاوية ووافاه
الضبيون، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنه قطع صاحبنا ظلماً، وهذا كتابه
إليك. فقرأ الكتاب وقال: أما القود من عمالي فلا سبيل إليه. ولكن إن شئتم
وديت صاحبكم . فوداه من بيت المال وعزل عبد الله عن البصرة.
قدم ابن عم
لكاتب الحجاج عليه وسأله أن يشغله، فكره الكاتب ذلك لسطوة الحجاج، فلما فرغ
من بناء مسجد واسط أمر الكاتب أن يكتب إلى صاحب الموصل في حمل حصى رضراضٍ
لفرشه، فكتب الكتاب، وأنفذ ابن عمه فتسلم الحصى، فلما حصل في الزوارق قال
للعامل: ليس من الحصى الذي أراده الأمير. قال: وكيف هو؟ قال: أمرت ألا أقبل
حصاة أكبر من الأخرى، ولا ما فيه عوج. فكبر ذلك عليه، وكره سطوة الحجاج
فعرض عليه عشرة آلاف درهم رشوة، فأبى، فلم يزل يزيده إلى أن أعطاه مائة ألف
درهم، فقبلها وانحدر. فلما وافى أخبر ابن عمه بذلك، فقال: حبذا الإمارة
ولو على الحجارة. وبلغ الخبر الحجاج فضحك وأعجبه فعله، وأمر له بخمسين ألف
درهم وولاه عملاً جليلاً.
قتل رجل نصرانياً، فعرض على أخيه الدية فلم
يقبلها، وكان الرجل صديقاً لبشر المريسي، فقال بشر للنصراني: إن لم تقم
شاهدين عدلين يشهدان أن أخاك لم يزل يؤدي الجزية إلى أن مات لم تجب لك
الدية. فانقطع وطل دمه.
ومن نوادر الأعمش أن أبا جعفر المنصور وجه
ببدرة، وأمر بأن تدفع إلى أفقه أهل الكوفة، فأتى بها أبو حنيفة وابن أبي
ليلى فلم يعرضا لها وأتى الأعمش فقال للرسول: هاتها. فقال: حجتك. قال: تسأل
أبا حنيفة وابن أبي ليلى عن أفقه 398 أهل الكوفة بعدهما فإنهما يدلانك
علي، فتجيز شهادتهما لي وتبطلها لأنفسهما فأتى الرجل المنصور فأخبره فقال:
صدق.
حكى عن الزهري أنه قال: قدم معاوية المدينة، فدخل المسجد وسعد بن
أبي وقاص جالس إلى ركن المنبر فصعد معاوية المنبر فجلس في مجلس النبي عليه
السلام فقال له سعد: يا معاوية؛ أجهلت فنعلمك، أم جننت فنداويك؟ فقال: يا
أبا إسحاق؛ إني قدمت على قوم على غير تأهب لهم، وأنا باعث إليهم بأعطياتهم
إن شاء الله. فسمع الناس كلام معاوية ولم يسمعوا كلام سعد وانصرف الناس وهم
يقولون: كلمه سعد في العطاء فأجابه إليه.
قيل: جاء مازيار لعبد الله بن
طاهر فأعلمه أن بازياً له انحط على عقاب فقتلها. فقال: إنه هو قتل العقاب.
قال: اقتله فإني لا أحب لشيء أن يجترئ على ما فوقه. أراد أن يبلغ ذلك
المأمون فيحظى عنده ويسكن إلى جانبه.
لما عزل أحمد بن عثمان عن قضاء
أصبهان تعرض له رجل وقت خروجه فقال: الحمد لله الذي أراحنا من بغضك. فأمر
بحبسه وقال لشهود كانوا معه: اشهدوا أن هذا في حبسي بحق وجب عليه. فكان
كلما ورد قاض وفتش عن المحبسين لم يعرف ذلك الحق الذي حبس به فبقي على ذلك
زماناً حتى توصل إلى تنجز كتاب منه بعد حين فأطلقه.
شهد رجل عند سوار
على آخر فقال سوار: أظن الحكم قد توجه عليك فقال: أتجيز شهادة رجل ممدود؟
فقال سوار: أتارس أم رامح؟ فقال: تارس، فقال: ذلك شر. سأعيد المسألة عنه
ونما أراد أنه مأبون. فتعجب من حضر من حيلة الرجل وفطنة سوار.
هم
الأزارقة بقتل رجل فنزع ثوبه واتزر ولبى وأظهر الإحرام فخلوا سبيله لقول
الله جل وعز: " لا تحلوا شعائر الله " غضب المأمون على رجل وقال: لأقتلنك
ولآخذن مالك. اقتلوه. فقال أحمد بن دؤاد: إذا قتلته فمن أين تأخذ المال؟
قال: من ورثته. فقال: إذاً تأخذ مال الورثة، المال للورثة، وأمير المؤمنين
يأبى ذلك. فقال: يؤخر حتى يستصفى ماله. فانقرض المجلس وسكن غضبه وتوصل إلى
خلاصه.
لما حبس المأمون إبراهيم بن المهدي عند أحمد بن أبي خالد أخذ في
العبادة والصلاة، فدخل إليه أحمد وقال: أمجنون أنت؟ أتريد أن يقول المأمون:
هو يتصنع للناس. فيقتلك. قال: فما الرأي؟ قال: أن تشرب وتطرب وتستحضر
القيان. فأخذ في ذلك ودخل أحمد على المأمون فقال له: ما خبر الغادر؟ فقال:
أصون سمع أمير المؤمنين عما هو فيه من الخسارة والشرب. فقال: والله لقد شوقتني إليه. وصار ذلك أحد أسباب الرضا عنه.
قيل:
إن المعذل مر بقوم وسلم فلم يجيبوه. فقال: لعلكم تظنون ما يقال من الرفض.
اعلموا أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً من تنقص واحداً منهم فهو كافر
وامرأته طالق. فسر القوم ودعوا له. فقال بعض أصحابه: ويحك ما هذه اليمين؟
فقال: إني أردت بقولي واحداً منهم علي بن أبي طالب وحده.
لما أراد
شيرويه قتل أبيه وجه إليه من يقتله فلما دخل عليه قال له كسرى: إني أدلك
على شيء لوجوب حقك علي يكون فيه غناك.. قال: ما هو؟ قال: الصندوق الفلاني.
فذهب الرجل إلى شيرويه فأخبره الخبر فأخرج الصندوق 399 فإذا فيه ربعة وفي
الربعة حق وعلى الحق مكتوب: فيه حب من أخذ منه واحدة افتض عشرة أبكار، وكان
أمره في الباه كذا وكذا. فأخذ شيرويه منه حبة كان هلاكه منها. فكان أول
ميت أخذ ثأره من قاتله.
ومرض مولى لسعيد بن العاص. ولم يكن له من يخدمه
ويقوم بأمره، ولا يجد أيضاً ما يحتاج إليه. فبعث إلى سعيد، فلما أتاه قال
له: إنه ليس لي وارث غيرك، وها هنا ثلاثون ألف درهم مدفونة، فإذا مت فخذها
بارك الله لك فيها. فقال سعيد حين خرج من عنده: ما أرانا إلا وقد أسأنا إلى
مولانا وقصرنا في تعاهده وهو من شيوخ موالينا. فبعث إليه وتعاهده ووكل به
من يخدمه. فلما مات كفنه وشهد جنازته فلما رجع إلى البيت أمر بأن يحفر
الموضع فلم يجد شيئاً. وجاء صاحب الكفن فطالب بالثمن فقال: والله لقد هممت
أن أنبش عن ابن الفاعلة.
بعث يزيد بن معاوية عبيد الله بن عضاه الأشعري
إلى ابن الزبير فقال له: إن أول أمرك كان حسناً فلا تفسده بآخره. فقال ابن
الزبير: إنه ليست ليزيد في عنقي بيعة. قال له: ولو كانت أكنت تفي بها؟ قال:
نعم. قال: يا معشر المسلمين قد سمعتم ما قال، وقد بايعتم ليزيد، وهو
يأمركم بالرجوع عن بيعته.
وقال ابن الزبير لامرأة في كلام جرى: أخرجي
المال من تحت استك. فقالت لمن حضر: أسألكم بالله هذا من كلام الخلفاء؟ فقال
بعضهم: لا. فقالت لابن الزبير: كيف رأيت هذا الخلع الخفي.
جاءت امرأة
إلى أبي حنيفة فقالت: إن زوجي حلف بطلاقي إن أطبخ قدراً أطرح فيه مكوكاً من
الملح فلا يتبين طعم الملح فيما يؤكل منها. فقال لها: خذي قدراً واجعلي
فيها الماء واطرحي فيها مكوك ملح، واطرحي فيها بيضاً واسلقيه، فإنه لا يوجد
طعم الملح في البيض.
افتعل رجل كتاباً عن المأمون إلى محمد بن الجهم في
دفع مال إليه، فارتاب به محمد، وأدخله على المأمون. فقال المأمون: ما أذكر
هذا. فقال الرجل: أكل معروفك تذكر يا أمير المؤمنين؟ قال: فلعل هذا مما
نسيت وقد فعلت. قال: ادفع إليه يا محمد ما في الكتاب.
كان حوثة الضمري
صديقاً لعبد الملك وخرج مع ابن الزبير فلما قتل ابن الزبير استاء من الناس
وأحضر حوثة فقال له عبد الملك: كنت مني بحيث علمت فأعنت ابن الزبير. قال:
يا أمير المؤمنين؛ هل رأيتني قط في حرب أو سباق أو نضال إلا والفئة مغلوبة
بحرقي، وإنما خرجت مع ابن الزبير لتغلبه بي على رسمي. فضحك عبد الملك وقال:
قد والله كذبت ولكني عفوت عنك.
قالت خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة
المهلب للمهلب: إذا انصرفت من الجمعة فأحب أن تمر بأهلي. فقال: إن أخاك
أحمق. قالت: فأحب أن تمر بنا. فجاء وأخوها جالس فلم يتوسع له فجلس المهلب
ناحية ثم أقبل عليه فقال: ما فعل ابن عمك فلان؟ قال: حاضر. قال: أرسل إليه.
ففعل فلما نظر إلى المهلب غير مرفوع المجلس قال: يا بن اللخناء؛ المهلب
جالس ناحية، وأنت في صدر المجلس وواثبه. فتركه المهلب وانصرف فقالت له
خيرة: أمررت بأهلي؟ قال: نعم وتركت أخاك الأحمق يضرب.
قالوا: إن الحجاج
بن يوسف قال ذات يوم لمحمد بن عمير بن عطارد: اطلب 401 لي امرأة حسيبة
أتزوجها: قال: طلبتها إن زوجتها. قال: ومن هذا الذي يمتنع من تزويجي؟ قال:
أسماء بن خارجة. يدعي لا أنه كفء لبناته إلا الخليفة.
قال: فأضمرها
الحجاج إلى أن دخل إليه أسماء فقال: ما هذا الفخر والتطاول؟ قال: أيها
الأمير؛ إن تحت هذا سبباً. قال: بلغني أنك تزعم أن لا كفء بناتك إلا
الخليفة. فقال:
والله ما الخليفة بأحب أكفائهن إلي، ولنظرائي من
العشيرة أحب إلي منه، لأن من خالطني منهم حفظني في حرمتي، وإن لم يحفظني
قدرت على أن أنتصف منه. والخليفة لا نصف منه إلا بمثيئته، وحرمته مضيمة
مطرحة يقدم عليها من ليس مثلها، ولسان ناصرها أقطع. قال: فما تقول في
الأمير؟ فإن الأمير خاطب هندا. قال: قد زوجته إياها بصداق نسائها. وحولها
إليه.
فلما أتى على الحديث حولان دخل إلى الحجاج فقال: هل أتى الأمير
ولد، نسر ونحمد الله على هبته. قال: أما من هند فلا. قال: ولد الأمير من
هند وغير هند عندي بمنزلة. قال: والله إني لأحب ذلك من هند. قال: فما يمنع
الأمير من الضر، فإن الأرحام تتغاير. قال: أو تقول هذا القول وعندي هند؟
قال: أحب أن يفشو نسل الأمير. قال: فممن؟ قال: على الأمير بهذا الحي من
تميم، فنساؤهم مناجيب. قال: فأيهن؟ قال: ابنة محمد بن عمير. قال: إنه يزعم
أن لا فارغة له. قال: فما فعلت فلانة ابنته؟ فلما دخل إليه محمد بن عمير
قال: ألا تزوج الأمير؟ قال: لا فارغة لي: قال: فأين فلانة؟ قال: زوجتها من
ابن أخي البارحة. قال: أحضر ابن أخيك؛ فإن أقر بها ضربت عنقه. فجيء بابن
أخيه، وقد أبلغ ما قال الحجاج. فلما مثل بين يديه قال: بارك الله لك يا
فتى. قال: في ماذا؟ قال: في مصاهرتك لعمك البارحة. قال: ما صاهرته البارحة
ولا قبلها. قال: فانصرف راشداً. ولم ينصرف محمد حتى زوجه ابنته.
وحضر
بعد ذلك من الأيام جماعة من الأشراف باب الحجاج فحجب الجميع غير أسماء
ومحمد. فلما دخلا قال: مرحباً بصهري الأمير سلاني ما تريدان أسعفكما فلم
يبقيا عانياً إلا أطلقاه، ولا مجمراً إلا أقفلاه.
فلما خرجا أتبعهما الحجاج بمن يحفظ كلامهما. فلما فارقا الدار ضرب أسماء يده على كتف محمد وأنشأ يقول:
جزيتك ما أسديته بابن حاجب ... وفاء كعرف الديك أوقذة النسر
في أبيات كثيرة. فعاد الرجل فأخبر الحجاج فقال: لله در ابن خارجة! إذا وزن بالرجال رجح.
حكي
عن عبد الله بن جعفر أنه قال: كان علي عليه السلام لا يحضر الخصومات
ويقول: إن لها قحماً وإن الشيطان يحضرها. فكان قد جعل خصومته إلى أخيه عقيل
فلما كبر ورق حولها إلي، فكان إذا دخلت عليه خصومة أو نوزع في شيء قال:
عليكم بابن جعفر فما قضي عليه فعلي، وما قضى له فلي. قال: فوثب طلحة بن
عبيد الله على ضفيرة كان علي ضفرها، وكان له إحدى عدوتي الوادي وكانت
الأخرى لطلحة. فقال طلحة: حمل علي السيل وأضر بي. قال: قاختصمنا فيها إلى
عثمان فلما كثر الكلام فيها منا قال: إني أركب معكم في موكب من المسلمين
غدا، فإن رأيت ضرراً أخرته.
قال: فركب وركبنا ومعه ومعاوية في قدمة عليه
من الشام فو الله لكأني أنظر 401 إليه على بغلة له بيضاء يعنق أمام الموكب
ونحن نتداول الخصومة وإذ رمي معاوية بكلمة عرفت أنه ردفني بها قال: يا
هذان؛ إنكما قد أكثرتما. أرأيتما هذه الضفيرة أكانت في زمن عمر الخطاب؟
قال: فلقننيها. فقلت: نعم، والله إن كانت في زمن عمر. قال: فقال الموكب
جميعا: فلا والله لو كان ضرراً ما أقره عمر. فالله يعلم ما انتهينا إليها
حتى يرد عليه القضاء إن قيل: إن كانت لفي زمن عمر. فلما انتهى إليها عثمان
قال: والله ما أرى ضرراً. وقد كانت في زمن عمر ولو كان ظلماً ما أقره.
خرج
رجل من بني سليم على المنصور فظفر به فأمر أن يضرب بالسياط. فلما أقيم بين
العاقبين. قال: يا أمير المؤمنين إن عقوبتي تجل عن السياط، وعفوك يجل عن
التثريب. فإما عاقبتني عقوبة مثلى وإما عفوت عفو مثلك. قال: قد عفوت.
وخلاه.
أتى زياد برجل فأمر بضرب عنقه. فقال: أيها الأمير؛ إن لي بك حرمة
قال: وما هي؟ قال: كان أبي جارك بالبصرة. فقال: ومن أبوك؟ قال: قد والله
نسيت اسم نفسي، فكيف اسم أبي؟ قال: فرد زياد كمه إلى فمه وضحك وخلى سبيله.
مر
زياد بأبي العريان فقال: من هذا؟ فقالوا: زياد بن أبي سفيان. فقال: رب أمر
قد نقضه الله، وعبد قد رده الله. فسمعها زياد فكره الإقدام عليه وكتب بها
إلى معاوية، فأمره بأن يبعث إليه بألف دينار، ويمر به ويسمع ما يقول. ففعل
زياد ذلك، ومر به فقال من هذا؟ قالوا: زياد. فقال: