جاري فوري

موقع المناعة وعناصرها

الخميس، 22 مايو 2025

كتاب : نثر الدر المؤلف : الآبي{ الاجزاء من من ج6 الي الاخر -ج 11.}



 
 
 الاجزاء من من ج6 الي الاخر  -ج 11.
 كتاب : نثر الدر
المؤلف : الآبي

رحم الله أبا سفيان، لكأنها تسليمته ونغمته. فكتب بها زياد إلى معاوية فكتب إلى أبي العريان:
ما لبثتك دنانيراً رشيت بها ... أن لونتك أبا العريان ألوانا
فدعا أبو العريان ابنه وأملى عليه إلى معاوية:
من يسد خيراً يجده حيث يطلبه ... أو يسد شراً يجده حيثما كانا
تقدم رجل إلى سوار، وكان سواراً له مبغضاً فألح عليه فقال له سوار في بعض مخاطبته: يا بن اللخناء. فقال: ذاك خصمي. فقال الخصم: أعدني عليه. فقال له الرجل: خذ له بحقه وخذ لي بحقي. ففهم وسأله أن يغفر له.
قال عبيد الله بن زياد بن ظبيان: إياكم والطمع؛ فإنه دناءة. والله لقد رأيتني على باب خاصة الحجاج، فأردت أن أعلوه بالسيف فقال: يا بن ظبيان هل لقيت يزيد بن أبي مسلم قلت: لا. قال: فألقه فإنا قد أمرناه أن يعطيك عهدك على الري. قال: فطمعت فكففت. فإياكم والطمع فإنه دناءة.
وكأن الحجاج فطن لما أراد عبيد الله فاحتال بهذا الكلام أن يرده عن نفسه، ولم يكن تقدم في بابه وفي توليته بشيء.
قالوا: لما حبس الحلاج عند القشوري مرض ابن له، واشتهى التفاح الشامي، وكان لا يصاب لفوت أوانه، فتلطف الحلاج واحتال حتى سأله القشوري تفاحة شامية. قصد بها ليعرف أمر الحلاج في صدقه وكذبه، وأراد أيضاً بلوغ مراده في ولده. وكان الحلاج قد أعد تفاحة لذلك فحين سأله أومأ بيده هكذا وأعادها بتفاحة. وتناولها القشوري يقبلها ويتعجب منها والحلاج يقول: الساعة قطعتها من شجر الجنة قال القشوري 402: إني أرى في موضع منك عيباً. قال الحلاج غير مطرق ولا مكترث: أما علمت أنها إذا خرجت من دار الفناء، لحقها جزء من البلاء. فكان جوابه أحسن من فعله وحيلته.
أتى مصعب بن الزبير برجل من أصحاب المختار، فأمر بضرب عنقه فقال: أيها الأمير؛ ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة، ووجهك هذا الذي يستضاء به، فأتعلق بأطرافك وأقول: يا رب؛ سل مصعباً لماذا قتلني؟ فقال: أطلقوه. فقال: أيها الأمير، اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض عيش. قال: أعطوه مائة ألف درهم. قال: بأبي وأمي أشهد الله أني قد جعلت منها لابن قيس الرقيات خمسين ألفاً. قال: ولم؟ قال: لقوله فيك:
إنما مصعب شهاب من الل ... ه تجلت عن وجهه الظلماء
فضحك مصعب وقال: فيك موضع للصنيعة وأمره. بملازمته.
خاصم رجل رجلاً إلى إياس بن معاوية وهو قاضي البصرة فطلب منه البينة فلم يأته بمقنع فقيل له: استجر بوكيع بن أبي سود حتى يشهد لك. فإن إياساً لا يجترئ على رد شهادته ففعل فقال وكيع: والله لأشهدن لك، فإن رد شهادتي لأعممنه السيف. فلما طلع وكيع فهم إياس، فأقعده إلى جانبه ثم سأله عن حاجته فقال: جئت شاهداً. فقال له: يا أبا المطرف، أتشهد كما تفعل الموالي والعجم؟ أنت تجل عن هذا. قال: إذاً والله لا أشهد. فقيل لوكيع بعد أيام: إنما خدعك. فقال: أولى لابن اللخناء.
قالوا: كان الوليد بن عقبة أشعر بركاً لأنه كان كثير شعر الصدر، فقال عدي بن حاتم يوماً: ألا تعجبون لهذا؟ أشعر بركاً يولى مثل هذا المصر؟ والله ما يحسن أن يقضى في تمرتين. فبلغ ذلك الوليد فقال على المنبر: أنشد الله رجلاً سماني أشعر بركاً إلا قام. فقام عدي بن حاتم فقال: أيها الأمير، إن الذي يقوم فيقول أنا سميتك أشعر بركاً لجريء فقال له: اجلس أبا طريف فقد برأك الله منها. فجلس وهو يقول: والله ما برأني الله منها.
لما كتب المنصور أمان عبد الله بن علي واستقصى ابن المقفع وكان كاتب أخيه سليمان بن علي - وأكد سليمان وأخوته الإيمان والعهود على المنصور في أمانه. قال لهم المنصور: هذا لازم لي إذا وقعت عيني عليه. فلما أدخل داره تقدم حتى عدل به، ولم يره المنصور فحبس. فكتب من الحبس إلى إخوته: هذه حيلة جرت علي بكم ومنكم فاحتالوا لي فيها.
ولما كتب المنصور إلى عامله بالبصرة بحبس ابن المقفع وقتله جاء عمومته وأحضروا الشهود بأن ابن المقفع دخل إلى دار الوالي ولم يخرج منها وطالبوه بالقود منه. قال المنصور: إن أنا أقدت من عاملي وقتلته ثم خرج عليكم ابن المقفع من هذا الباب، من الذي يرضى بأن أقتله بعاملي قوداً منه؟ فسكت القوم وأهدر دم ابن المقفع.

ولما دخل الضحاك بن قيس الشيباني الخارجي الكوفة قيل له: لم تقتل أهل الأطراف ومعك بالكوفة أصل الإرجاء أبو حنيفة. فأرسل إليه 403 فأحضره فلما رآه قال: اضربوا عنقه. من قبل أن يكلمه. فقال أبو حنيفة: كفرت. قال: ولم؟ قال: تقتل رجلاً لم تسمع كلامه. قال: ما تقول في الإيمان؟ قال: هو قول، قال: قد صح كفرك. اضربوا عنقه. قال: تضرب عنق رجل لم تستتبه. قال: فما تقول؟ قال: أنا تائب. فتركه.
قال الأصمعي: وفد بكر بن وائل وخاله تميم بن مر على ملك من ملوك اليمن، فكان يقدم بكراً فقال تميم: أيها الملك؛ إن هذا ابن أختي فلا تعطه شيئاً إلا أعطيتني مثله. قال: فقال بكر: أيها الملك، خالي هذا أسوأ الناس ظناً فلا تعطني عطية إلا أضعفتها له. فقال: نعم. ففعل فلما رضي تميم قال بكر: أريد أن تقلع إحدى عيني وتقلع عيني تميم. فرجع هذا أعور وذاك أعمى.
قال سعيد بن جبير: لما حج معاوية وقد ذكر بيعة يزيد فقال: قد اجتمع الناس غير أربعة: الحسين بن علي وابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر فأرسل إليهم في ذلك، وقال: من يرد علي في ذلك؟ فقالوا: يرد ابن الزبير. فقال معاوية لهم: ما تقول؟ قال: اختر منا ثلاث خصال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سنة أبو بكر، أو سنة عمر. أما النبي عليه السلام فتوفى ولم يستخلف أحداً، فاجتمع المسلمون على أفضلهم أبي بكر، واختار هو خيرهم عمر، ثم جعلها عمر شورى، وله يومئذ ولد خير من ولدك ممن صحب النبي عليه السلام وهاجر فلم يفعل ذلك. وأنت أخبرتني يا معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأخير منهما.
فلما رأى معاوية ذلك قال: تسمعون لي وتطيعون؟ قالوا: نعم. فخطب فقال: إن هؤلاء القوم قد بايعوني على ما أردت. ثم انحدر فركب رواحله وانطلق فحسب الناس أنهم قد بايعوه.
كتب ابن الزبير إلى معاوية: قد علمت أني صاحب الدار وأني الخليفة بعد عثمان ولأفعلن ولأفعلن. فقال معاوية ليزيد: ما ترى؟ قال: أرى: والله أن لو كنت أنت وابن الزبير على سواء ما كان ينبغي أن ترضى بهذا. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن توجه إليه جيشاً. قال: إن أهل الحجاز لا يسلمونه فكم ترى أن أوجه إليه؟ قال: أربعين ألفاً. قال: لهؤلاء دواب، وكل دابة تحتاج إلى مخلاة. فكم ثمن المخلاة؟ قال: درهم. فقال: هذه أربعون ألف درهم. ثم قال: يا غلام؛ اكتب إلى ابن الزبير: قد وجه إليك أمير المؤمنين ثلاثين ألفاً فاستمتع إلى أن يأتيك رأيه.
فكتب إليه ابن الزبير قد وصل إلينا المال، فوصل أمير المؤمنين رحماً. فقال معاوية ليزيد: قد ربحنا على ابن الزبير في المخالي عشرة آلاف.
استأذن زياد معاوية في الحج فأذن له وبلغ ذلك أبا بكرة وكان أخاه من أمةٍ اسمها سمية وكان حلف ألا يكلم زياداً حيث رجع عن الشهادة على المغيرة وألا يظله وإياه سقف بيت أبداً. فدخل أبو بكرة دار الإمارة على زياد، فأمر زياد بكرسيين فوضعا في صحن القصر ليمينه، فجلس أبو بكرة على أحدهما وزياد على الآخر ومع زياد بني له حيث مشى. فقال أبو بكرة لابنه: تعال يا بن أخي. فجاء الصبي فجلس في حجره فقال له: كيف أنت؟ كيف أهلك؟ اسمع مني يا بن أخي - وإنما يريدان أن يسمع 404 زياداً - إن أباك هذا أحمق، قد فجر في الإسلام ثلاث فجرات ما سمعنا بمثلهن؛ أما أولاهن فجحوده الشهادة على المغيرة، والله يعلم أنه قد رأى ما رأينا فكتم، وقد قال الله: " ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " . فحلفت ألا أكلمه أبداً؛ وأما الأخرى فانتفاوه من عبيد، وادعاؤه إلى أبي سفيان، وأقسم لك بالله - يا بن أخي - صدقاً ما رأى أبو سفيان سمية قط في ليل ولا نهار، ولا في جاهلية ولا إسلام؛ وأما الثالثة فأعظمهن. إنه يريد أن يوافي العام الموسم، وأم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي عليه السلام تأتي الموسم كل عام، فإن هو أتاها فأذنت له كما تأذن الأخت لأخيها فأعظم بها مصيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم! وإن هي حجبته وتسترت منه فأعظم بها حجة عليه ثم نهض. فقام زياد في إثره وأخذ بقميصه وقال: جزاك الله من أخ خيراً، فما تركت النصيحة لأخيك على حال. وترك الحج.

استعمل عمر المغيرة بن شعبة على البحرين ثم عزله، فقال دهقان القرية لأهلها - وكان مطاعاً فيهم: اجمعوا لي مائة ألف درهم آتي بها عمر ففعلوا، فقال عمر: ما هذا؟ قال: هذا أودعناه المغيرة. فقال عمر للمغيرة: ما هذا؟ قال: إنها مائتا ألف درهم. فقال للدهقان: قد تسمع. فقال: والله ما أودعنا شيئاً، إلا أننا خفنا أن ترده إلينا. فقال عمر للمغيرة: ما دعاك إلي ما قلت؟ قال: أحببت أن أخزيه إذ كذب علي.
كان سعد القرظ زنجياً عبداً لعمار بن ياسر، وكان على نخلة يجتبي منها فسمع الزنج يتكلمون فيما بينهم فأذن، فاجتمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال: ما حملك على الأذان؟ فقال: خفت عليك فأذنت ليجتمع إليك أصحابك. فأمره بعد ذلك بالأذان فكان مؤذناً.
قال عباس بن سهل الساعدي: لما ولي عثمان بن حيان المري المدينة عرض ذات يوم بذكر الفتنة، فقال له بعض جلسائه: عباس بن سهل كان شيعة لابن الزبير وكان قد وجهه في جيش إلى المدينة. قال: فتغيظ علي، وآلى ليقتلنني. فبلغني ذلك فتواريت عنه حتى طال علي ذلك، فلقيت بعض جلسائه، فشكوت ذلك إليه، وقلت له: قد آمنني أمير المؤمنين عبد الملك. فقال لي: ما يخطر ذكرك إلا تغيظ عليك وأوعدك، وهو ينبسط للحوائج على طعامه، فتنكر وأحضر طعامه ثم كلمه بما تريد.
ففعلت، فأتى بجفنة ضخمة فيها ثردة عليها اللحم. فقلت: لكأني أنظر إلى جفنة حيان بن معبد وتكاوس الناس على بباحته. ووصفت له باحته فجعل يقول: أرأيته؟ فقلت: لعمري كأني أنظر إليه حين تخرج علينا وعليه مطرف خز يجر هدبه يتعلقه حسك السعدان ما يكفه عنه، ثم يؤتي بجفنة، فكأني أنظر إلى الناس يتكاوسون عليها؛ منهم القائم ومنهم القاعد. قال: ومن أنت رحمك الله قلت: آمني آمنك الله. قال: قد آمنتك، قلت: أنا عباس بن سهل الأنصاري. قال: فمرحباً بك وأهلاً، أهل الشرف والحق.
قال عباس: فرأيتني وما بالمدينة رجل أوجه عنده مني. قال: فقال بعض القوم بعد ذلك: يا عباس؛ أأنت رأيت حيان بن معبد يتكاوس الناس على جفنته. فقلت: والله لقد رأيته ونزلنا باحته فأتانا في رحالنا وعليه عباءة قطوانية، فجعلت أذوده بالسوط عن رحالنا خيفة أن يسرقنا.
الباب الرابع
نكت من كلام الحكماءقيل لبعضهم: أخرج هذا الغم من قلبك. فقال: ليس بإذني دخل.
قال رجل لشبيب من شيبة: أنا والله أحبك يا أبا معبد. قال: أشهد على صدقك. قال: وكيف ذاك، قال: لأنك لست بجار قريب، ولا ابن عم نسيب، ولا مشاكل في صناعة.
قالوا: صاحب السوء قطعة من النار. ولذلك لما قال القائل: ما رأينا في كل خير وشر خيراً من صاحب. قال الآخر: ولا رأينا في كل خير وشر شراً من صاحب.
قال أبو عثمان النهدي: أتت علي مائة وثلاثون سنة، ما من شيء إلا وأنا أجد فيه النقص إلا أملي فإني أجده كما أو يزيد.
قال بعضهم: العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلاً، والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالماً.
سئل بعضهم عن الغنى فقال: شر محبوب وعن الفقر فقال: ملك ليس فيه محاسبة.
الفرصة ما إذا حاولته فأخطاك نفعه لم يصل إليك ضره.
بلوغ أعلى المنازل بغير استحقاق من أكبر أسباب الهلكة.
كل شيء يعز إذا قل، والعقل كلما كان أكثر كان أعز وأغلى.
قال عامر بن عبد القيس: الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان.
قالوا: مقتل الرجل بين لحييه.
التثبت نصف العفو.
قال أكثم: الكرم حسن الفطنة. واللؤم سوء التغافل.
قيل: أسوأ الناس حالاً من اتسعت معرفته، وبعدت همته، وضاقت مقدرته.
كان عبد الملك بن الحجاج: يقول: لأنا للعاقل المدبر أرجا مني للأحمق المقبل.
وقالوا: أمران لا ينفكان من الكذب: كثرة المواعيد وشدة الاعتذار.
قال الفضيل بن عياض لسفيان الثوري: دلني على من أجلس إليه. قال: تلك ضالة لا توجد.
قيل لعبد الله بن كرز: هلا أجبت أمير المؤمنين حين سألك عن مالك. قال: إنه إن استكثره حسدني، وإن استقله حقرني.
قال بعضهم: عيادة النوكى الجلوس فوق القدر، والمجيء في غير وقت.
قال محمد بن واسع:

ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث؛ بلغة من عيش له ليس لأحد فيها منة، ولا لله علي فيها تبعة، وصلاة في جماعة أكفى سهوها ويدخر لي أجرها، وأخ إذا ما أعوججت قومني.
مر عمر بن ذر بابن عياش المنتوف وكان قد سفه عليه ثم أعرض عنه، فتعلق بثوبه وقال: يا هناه؛ إنا لم نجد لك إذا عصيت الله فينا خيراً من أن نطيع الله فيك.
قال بعضهم: ما نصحت لأحد إلا وجدته يفتش عن عيوبي.
قال لبعضهم: أي الناس أحلم؟ قال: سفهاء لقوا أكفاءهم.
قال خليفة بن عبد الله التغلبي: ما خاصمت أحمق ولا كيسا إلا رأيته بصيراً بما يسوءني.
سأل ابن أبي بكرة: أي شيء أدوم إمتاعاً؟ قال: المنى.
وقال عباية ما يسرني بنصيبي من المنى حمر النعم.
وقال ابن أبي الزناد: المنى والحلم أخوان.
وقال بعضهم: الأماني للنفس مثل الترهات للسان.
قال عمرو بن الحارث: 406 كنا نبغض من الرجال ذا الرياء والنفج ونحن اليوم نتمناهما.
قال صالح المري: تغدو الطير خماصاً، وتروح شباعاً، وائقة بأن لها في كل غدوة رزقاً لا يفوتها. والذي نفسي بيده لو غدوتم إلى أسواقكم على مثل إخلاصه لرجعتكم ودينكم أبطن من بطون الحوامل.
قال خالد بن صفوان: السفر عتبات؛ فأولها: العزم، والثانية: العدة، والثالثة: الرحيل، وأشدهن العزم.
قال أكثم بن صيفي: العافية الملك الخفي.
وقال الفضل بن سهل؛ ليست الفرصة إلا ما إذا أخطأك نفعه لم ينلك ضرره.
قالوا: سوء حمل الغنى يورث مقتاً، وسوء حمل الفاقة يضع شرفاً.
وقال أكثم: من جزع على ما خرج من يده فليجزع على ما لم يصل إليه قال بعضهم: ظفر الكريم عفو، وعفو اللئيم عقوبة.
كان يقال: لا ينبغي لأحد أن يدع الحزم لظفر ناله عاجز، ولا يرغب في التضييع لنكبة دخلت على حازم. وكان يقال: ليس من حسن التوكل أن تقال عثرة ثم يركبها ثانية قيل: لولا الإغضاء والنسيان، ما تعاشر الناس لكثرة الأضغان.
قالوا: ثلاث يرغمن العدو: كثرة العبيد، وأدب الولد، ومحبة الجيران.
يقال: سوء القالة في الإنسان إذا كان كذباً نظير الموت؛ لفساد دنياه، وإذا كان صدقاً أشد من الموت لفساد آخرته.
قالوا: يرضى الكرام الكلام، ويصاد اللئام بالمال: ويسبى النبيل بالإعظام، ويستصلح السفلة بالهوان.
قالوا: أمران أنس بالنهار وحشة بالليل: المال والبستان.
قالوا: لا يزال المرء مستمر ما لم يعثر، فإذا عثر مرة في الخيار لج به العثار ولو كان في جدد قال بعضهم: ما شيبتني السنون، ولكن شكري من أحتاج أن أشكره.
قالوا: المتواضع كالوهدة يجتمع فيها قطرها وقطر غيرها، والمتكبر كالربوة لا يقر عليها قطرها ولا قطر غيرها.
يقال: إنه لا يصبر ويصدق في اللقاء إلا ثلاثة: مستبصر في دين، أو غيران على حرمة، أو ممتعض من ذل.
قال بعضهم: في مجاوزتك من يكفيك فقر لا منتهى له حتى تنتهي عنه.
وكان يقال: العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى.
اعتذار من منع خير من وعد ممطول.
خير المزاح لا ينال، وشره لا يقال. وإنما سمي مزاحاً لأنه أزيح عن الحق.
اليأس من أعوان الصبر.
قيل لبعض الحكماء: أي الأمور أعجل عقوبة وأسرع لصاحبها صرعة؟ قال: ظلم من لا ناصر له إلا الله عز وجل، ومجاورة النعم بالتقصير واستطالة الغني على الفقير.
يقال: من سعادة المرء أن يضع معروفه عند من يشكره. قالوا: شيئان لا يعرف طعمهما إلا بعد فقدهما: العافية والشباب.
نظر شاب إلى شيخ يقارب خطاه فقال له: من قيدك؟ قال: الذي تركته يفتل قيدك.
قيل لشيخ قد ذهب منه المأكل والمشرب والنكاح: هل تشتهي أن تموت؟ قال: لا. قيل: ولم ذاك؟ قال: أحب أن أعيش وأسمع الأعاجيب.
قيل لبعضهم: ما بال الشيخ أحرص على الدنيا من الشاب؟ 407 قال: لأنه قد ذاق من طعم الدنيا ما لم يذقه الشاب.
قالوا: الدين عقلة الشريف، ما استرق الكريم أفظ من الدين.
اختصم رجلان إلى سعيد بن المسيب في النطق والصمت: أيهما أفضل؟ فقال: بماذا أبين لكما؟ فقالا: بالكلام. فقالا: إذاً الفضل له.
وقيل لبعضهم: السكوت أفضل أم النطق؟ فقال: السكوت حتى يحتاج إلى النطق.
قيل: العقل يأمرك بالأنفع، والمروءة تأمرك بالأجمل.
قيل لبعضهم: ما جماع العقل؟ فقال:

ما رأيته مجتمعاً في أحد فأصفه، وما لا يوجد كاملا فلا حد له.
قال الزهري: إذا أنكرت عقلك فاقدحه بعاقل.
وقيل: عظمت المئونة في عاقل متجاهل، وجاهل متعاقل.
وقيل: إنك تحفظ. الأحمق من كل شيء إلا من نفسه.
قيل لبعضهم: العقل أفضل أم الجد؟ فقال: العقل من الجد.
قال بعضهم: ينبغي للعاقل أن يطلب طاعة غيره وطاعة نفسه عليه ممتنعة.
قيل لآخر: أتحب أن تهدى إليك عيوبك؟ فقال: أما من ناصح فنعم، وأما من شامت فلا.
قيل لآخر: هل شيء أضر من التواني؟ قال: الاجتهاد في غير موضعه.
وقيل: العجز عجزان عجز التقصير. وقد أمكن الأمر، والجد في طلبه وقد فات.
وقيل لآخر: أسأت الظن. فقال: إن الدنيا لما امتلأت مكاره وجب على العاقل أن يملأها حذراً.
تأمل حكيم شيبه فقال: مرحباً بزهرة الحنكة، وثمرة الهدى، ومقدمة العفة، ولباس التقوى.
قيل: لا يسود الرجل حتى لا يبالي في أي ثوبيه ظهر.
سمع حكيم رجلاً يدعو لآخر ويقول: لا أراك الله مكروهاً. فقال: دعوت له بالموت فإن من عاش لا بد له في الدنيا من مكروه.
قالوا: من صفات العاقل ألا يتحدث بما يستطاع تكذيبه.
قيل لبعضهم: متى يحمد الكذب؟ فقال: إذا قرب بين المتقاطعين. قيل: فمتى يذم الصدق. قال: إذا كان غيبة.
دنا رجل من آخر فساره فقال: ليس ها هنا أحد، فقال: من حق السرار التداني.
وكان مالك بن مسمع إذا ساره إنسان قال له: أظهر؛ فلو كان فيه خير لما كان مكتوماً.
قيل: السعيد من وعظ بغيره والشقي من اتعظ به غيره.
قيل: مما يدل على كرم الرجل سوء أدب غلمانه.
أفحش الظلم ظلم الضعيف.
العبد من لا عهد له.
قيل: إن ذا الهمة وإن حط نفسه يأبي إلا العلو، كالشعلة من النار يخفيها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً.
قيل: الجد أجدى، والجد أكدى.
وقالوا: الدين غل لله في أرضه فإذا أراد أن يذل عبداً جعله في عنقه وقيل: تعرف مروءة الرجل بكثرة ديونه.
قيل: العاقل إذا تكلم بكلمة أتبعها مثلاً، والأحمق إذا تكلم بكلمة أتبعها حلفاً.
قيل: الحركة نكاح الجد العقيم.
قيل: أربعة لا يستحيى من الختم عليها؛ المال لنفي التهم، والجوهر لنفاسته، والطيب للأبدان، والدواء للاحتياط.
قيل: إذا أيسرت فكل رجل رجلك، وإذا افتقرت أنكرك أهلك.
قالوا: لو جعل المال للعقلاء مات الجهال، فلما صار في أيدي الجهال استنزلهم العقلاء عنه بلطفهم.
قيل: نعم الغريم الجوع. 408 كلما أعطي أخذ.
قال بعضهم: ما رددت أحداً عن حاجة إلا تبينت العز في قفاه والذل في وجهه.
قيل: الابتداء بالصنيعة نافلة، وربها فريضة.
العدو المبطن للعداوة كالنحل يمج الدواء ويحتقب الداء.
سئل ابن القرية: ما الدهاء؟ قال: تجرع الغصة، وتوقع الفرصة.
قيل: الحاسد يرى زوال نعمتك نعمةً عليه.
الحسد داء يأكل الجسد.
التواضع أحد مصايد الشرف. تواضع الرجل في مرتبته ذب للشماتة عند سقطته. كم من صلف أدى إلى تلف.
سوء الخلق يعدي، وذلك لأنه يدعو غيره إلى أن يقابله بغيره.
صحب رجل آخر سيئ الخلق فلما فارقه قال: قد فارقته وخلقه لا يفارقه.
المزاح فحل لا ينتج إلا الشر.
المروءة التامة مباينة العامة.
أسوأ ما في الكريم أن يمنعك نداه، وأحسن ما في اللئيم أن يكف عنك أذاه.
السفل إذا تعلموا تكبروا، وإذا تمولوا استطالوا، والعلية إذا تعلموا تواضعوا، وإذا افتقروا صالوا.
ثلاث لا يستصلح فسادهن بشيء من الحيل: العداوة بين الأقارب، وتحاسد الأكفاء، وركاكة الملوك.
قيل لحكيم: أي شيء من أفعال العباد يشبه لأفعال الله؟ قال: الإحسان إلى الناس.
يقال: السخي شجاع القلب، والبخيل شجاع الوجه.
البخيل يعيش عيش الفقراء، ويحاسب محاسبة الأغنياء، العزلة توفر العرض، وتستر الفاقة، وترفع ثقل المكافأة.
ما احتنك أحد قط إلا أحب الخلوة.
خير الناس من لم تجربه، كما أن خير الدر ما لم تثقبه.
قال بعضهم: خالطت الناس خمسين سنة فما وجدت رجلاً غفر لي زله، ولا أقالني عثرة، ولا ستر لي عورة، ولا أمنته إذا غضب.
الكريم لا يلين على قصر، ولا يقسو على يسر.
المرأة إذا أحبتك آذتك، وإذا أبغضتك خانتك، فحبها أذى، وبغضها داء بلا دواء.

المرأة تكتم الحب أربعين سنة، ولا تكتم البغض ساعة واحدة. والرجل على عكس هذا.
شاور رجل حكيماً في التزوج فقال له: إياك والجمال. وأنشد:
ولن تصادف مرعى ممرعاً أبداً ... إلا وجدت به آثار مأكول
قال رجل: ما دخل داري شر قط. فقال حكيم: فمن أين دخلت امرأتك؟ قيل لبعض الحكماء: ما أحسن أن يصبر الإنسان عما يشتهي. فقال: أحسن منه ألا يشتهي إلا ما ينبغي.
قيل: شر أخلاق الرجال الجبن والبخل وهما خير أخلاق النساء.
قيل: الممتحن كالمختنق؛ متى ازداد اضطراباً ازداد اختناقاً.
قيل: إذا رأيت الزاهد يستروح إلى طلب الرخص فاعلم أنه قد بدا له في الزهد.
قيل: أجل ما ينزل من السماء التوفيق، وأجل ما يصعد إلى السماء الإخلاص.
قيل: كل مال لا ينتقل بانتقالك فهو كفيل.
وقيل: ما دار من يشتاق إلى السفر بدار سلامة.
قال حكيم: من الذي بلغ جسيماً فلم يبطر، واتبع الهوى فلم يعطب، وجاور النساء فلم يفتتن، وطلب إلى اللئام فلم يهن، وواصل الأشرار فلم يندم، وصحب السلطان فدامت سلامته.
409 - اثنان يهون عليهما كل شيء؛ العالم الذي يعرف العواقب، والجاهل الذي يجهل ما هو فيه.
وقيل: شر من الموت ما إذا نزل تمنيت لنزوله الموت، وخير من الحياة ما إذا فقدته أبغضت لفقده الحياة.
لتكن النوائب منك ببال؛ فأكثر المكاره فيما لم يحتسب.
قال سفيان: ما وضع أحد يده في قصعة غيره إلا ذل له وقال أبو حمزة السكوني: قال لي أبو عبيد الله: من أكل من ثريدنا وطئنا رقبته.
قال رجل لمعروف: يا أبا محفوظ، أتحرك لطلب الرزق أم أجلس؟ قال: لا بل تحرك؛ فإنه أصلح لك. فقال: أمثلك يقول هذا يا أبا محفوظ؟ فقال: ما أنا قلته ولا أمرت به، ولكن الله تعالى قاله وأمر به حيث قال لمريم: " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا " ولو شاء أن ينزله عليها بلا هز لفعل.
قال بعضهم: رأيت عكرمة بباب بلخ فقلت له: ما جاء بك إلى ههنا؟ فقال: بناتي.
قال وهب: الدراهم خواتيم رب العالمين بمعاش بني آدم؛ لا تؤكل ولا تشرب، وأين ذهبت بخاتم ربك قضيت حاجتك.
قيل لبعضهم: لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ قال: هي وإن أدنتني من الدنيا فقد صانتني عنها.
قيل لسفيان بن عيينة: ما أشد حبك للدرهم! فقال: ما أحب أن يكون أحد أشد حباً لما ينفعه مني.
قيل لبعضهم: أين بلغت في العلوم؟ قال: إلى الوقوف على القصور عنها.
قالوا: المرأة كالنعل، يلبسها الرجل إذا شاء هو لا إذا شاءت.
قال ابن السماك: الكمال في خمس؛ ألا يعيب الرجل أحداً بعيب فيه مثله حتى يصلح ذلك العيب من نفسه، فإنه لا يفرغ من إصلاح عيب واحد حتى يهجم على آخر فتشغله عيوبه عن عيب الناس، والثانية ألا يطلق لسانه ويده حتى يعلم أفي طاعة ذاك أو في معصية، والثالثة ألا يلتمس من الناس إلا مثل ما يعطيهم من نفسه، والرابعة أن يسلم من الناس باستشعار مداراتهم، وتوفيتهم حقوقهم، والخامسة أن ينفق الفضل من ماله ويمسك الفضل من قوله.
وقال آخر: عجباً لمن عومل فأنصف، إذا عامل كيف يظلم، وأعجب منه من عومل فظلم إذا عامل كيف يظلم.
قالوا: صديق البخيل من لم يجربه.
قالوا: الصبر مر، لا يتجرعه إلا حر.
قرئ من حجر منقور: من الخيط الضعيف يفتل الحبل الحصيف، ومن مقدحة صغيرة تحرق سوق كبيرة، ومن لبنة لينة تبنى مدينة حصينة.
قيل: أبصر الناس بعوار الناس المعوور.
وقال بعضهم: إن الله تعالى تفرد بالكمال، ولم يعر أحداً من خلقه من النقصان.
قيل لبعضهم: متى يحمد الغني؟ قال: إذا اتصل بكرم. قيل: فمتى تذم الفطنة؟ قال: إذا اقترنت بلؤم.
قال آخر: عجباً لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح. عجباً لمن قيل فيه الشر وهو فيه كيف يغضب.
ثلاث موبقات: الكبر؛ فإنه حط إبليس عن مرتبته، والحرص؛ فإنه أخرج آدم من الجنة، والحسد فإنه دعا ابن آدم إلى قتل أخيه.
قال ابن السماك: الفطام عن الحطام شديد.
قالوا: إذا أقبلت الدنيا أقبلت على حمار قطوف مديني، وإذا أدبرت أدبرت على البراق.
التؤدة حسنة 410 في كل شيء إلا في المعروف فإنها تنغصه.
أصاب متأمل أو كاد، وأخطأ مستعجل أو كاد. .
قيل لبعضهم: كيف لا يجتمع المال والحكمة؟ قال: لعزة الكمال.

كان يقال: لكل جديد لذة إلا من الإخوان.
العجز عجزان: التقصير في طلب الأمر وقد أمكن، والجد في طلبه وقد فات.
قال يزيد بن أسيد: أسر السرور قفلة على غفلة.
قيل: ستة لا تخطئهم الكآبة: فقير حديث عهد بالغنى، ومكثر يخاف على ماله، وطالب مرتبة فوق قدرته، والحسود والحقود وخليط. أهل الأدب وهو غير أديب. .
قال خالد بن صفوان: من لم تكن له دابة كثرت ألوان دوابه.
قال عبد الله بن أبي بكر: لو كنت شاعراً لبكيت على المروءة.
وقال بعضهم: طلبت الراحة لنفسي فلم أجد شيئاً أروح لها من ترك ما لا يعنيها، وتوحشت في البرية فلم أر وحشة أشد من قرين سوء، وشهدت الزحوف ولقيت الأقران فلم أر قرناً أغلب للرجل من امرأة سوء، ونظرت إلى كل ما يذل العزيز ويكسره فلم أر شيئاً أذل له ولا أكسر من الفاقة.
قالوا: أول أمر العاقل آخر أمر الجاهل.
قال رجل لعبد الحميد: أخوك أحب إليك أم صديقك؟ قال: إنما أحب أخي إذا كان صديقاً.
قالوا: أسوأ من في الكريم أن يكف عنك خيره، وأحسن ما في اللئيم أن يكف عنك شره.
كان الكندي يقول: المسترشد موتي والمحترس ملقي. وكان يقول: العبد حر ما قنع والحر عبد ما طمع.
قيل لمحمد بن الجهم بعد ما أخذ من ماله: أما تفكر في ذهاب نعمتك؟ فقال: لا بد من الزوال؛ فلأن تزول نعمتي وأبقى خير من أن أزول عنها وتبقى.
قال الشافعي: اغتنموا الفرصة فإنها خلس أو غصص.
أغلظ سفيه لحليم فقيل له: لم لم تغضب؟ فقال: إن كان صادقاً فليس ينبغي أن أغضب، وإن كان كاذباً فبالحري ألا أغضب.
قال بعضهم: ما أحسن حسن الظن إلا أن منه العجز، وما أقبح سوء الظن إلا أن فيه الحزم.
قال قيصر: ما الحيلة فيما أعيا إلا الكف عنه، ولا الرأي فيما لا ينال إلا اليأس منه.
قال سهل بن هارون: ما زلت أدخل فيما يرغب بي عنه متى استغنيت عما يرغب لي فيه.
كان يقال: الأحمق إذا حدث ذهل، وإذا تكلم عجل، وإذا حمل على القبيح فعل.
قيل: ليس الموسر من ينقص على النفقة ماله، ولكن الموسر من يزكو على الإنفاق ماله.
قال أبو يوسف: إثبات الحجة على الجاهل سهل ولكن إقراره بها صعب.
قيل لبعضهم: ما الكلفة؟ قال: طلبك ما لا يواتيك، ونظرك فيما لا يعنيك قال آخر: كما أن أواني الفخار تمتحن بأصواتها فيعرف الصحيح منها من المنكسر، كذلك يمتحن الإنسان بمنطقه فيعرف حاله وأمره.
قال آخر: احتمال الفقر أحسن من احتمال الذل على أن الرضا بالفقر قناعة والرضا بالذل ضراعة.
سمع بعضهم رجلاً يذكره بسوء فقال: ما علم الله منا أكثر مما تقول.
ابن المقفع: إن مما سخى بنفس العاقل عن الدنيا علمه بأن الأرزاق لم تقسم على قدر الأخطار.
قالوا: الدنيا حمقاء لا تميل إلا إلى أشباهها.
لما قبض ابن عيينة صلة الخليفة قال: يا أصحاب الحديث؛ قد وجدتم مقالاً فقولوا. متى رأيت أبا عيال أفلح؟ وقال: كانت لنا هرة ليس لها جراء فكانت لا تكشف القدور، ولا تعيث في الدور، فصار لها جراء فكشفت عن القدور، وأفسدت في الدور.
قال بعضهم : إذا أنا فعلت ما أمرت به وكان خطأ لم أذمم عليه، وإذا فعلت ما لم أومر به وكان صواباً لم أحمد عليه.
قال آخر ما استنبط الصواب بمثل المشورة، ولا حصنت النعم بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغضة بمثل الكبر.
قيل لروح بن زنباع: ما معنى الصديق؟ قال: هو لفظ بلا معنى. يعني لعوزه.
وقال آخر: السفر ميزان الأخلاق.
قال علي بن عبيدة: العقل ملك والخصال رعيته، فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها.
قالوا: الكذاب يخيف نفسه وهو آمن.
قال بعضهم: لو لم أدع الكذب تأثماً لتركته تكرماً. وقال آخر: لو لم أدع الكذب تعففاً لتركته تظرفاً. وقال آخر: لو لم أدع الكذب تحوباً لتركته تأدباً. وقال آخر: لو لم أدع الكذب تورعاً لتركته تصنعاً.
كان الثوري يقول: الناس عدول إلا العدول.
كان بعضهم يقول: اللهم احفظني من أصدقائي. فسئل عن ذلك فقال: إني أحفظ نفسي من أعدائي.
قيل لبعضهم: ما المروءة؟ قال: إظهار الزي. قيل: فما الفتوة؟ قال: طهارة السر. يحكى ذلك عن البوشنجي شيخ خراسان.
سئل بعضهم: أي الرسل أحرى بالنجح؟ قال: الذي له جمال وعقل.
قالوا: الحيلة اعطف المتجني أعسر من نيل التمني.

قال ابن السماك: لولا ثلاث لم يسل سيف ولم يقع حيف: سلك أدق من سلك، ووجه أصبح من وجه، ولقمة أسوغ من لقمة.
قال بكر بن عبد الله: ما رأيت أحداً إلا رأيت له الفضل علي؛ لأني من نفسي على يقين وأنا من الناس في شك.
قيل لابن هبيرة: ما حد الأحمق؟ قال: لا حد له.
أتي ابن عون بماء يصب على يده قبل الطعام فقال: ما أحسب غسل اليد قبل الطعام إلا من توقير النعمة.
قال بعضهم: تعريف الجاهل أيسر من تقرير المنكر.
كان بعضهم يقول: ما بقي أحد يأنف أن يؤنف منه.
كل شيء إذا كثر رخص؛ غير العقل فإنه إذا كثر غلا.
قال آخر: يحسن الامتنان إذا وقع الكفران، ولولا أن بني إسرائيل كفروا النعمة ما قال الله تعالى لهم: " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم " قيل لرجل مستهتر بجمع المال: ما هذا كله؟ قال: إنما أجمعه لروعة الزمان، وجفوة السلطان، وبخل الإخوان، ودفع الأحزان.
قال خالد بن صفوان: أنا لا أصادق إلا من يغفر لي زللي، ويسد خللي، ويقبل عللي.
قال بعضهم: أول صناعة الكاتب كتمان السر.
قالوا: الخوف على ثلاثة أنحاء: دين يخاف معادا، وحر يخاف عارا، وسفلة يخاف ردعا.
قال علي بن عبيدة: إن أخذت عفو القلوب زكا ريعك، وإن استقصيت أكديت.
قيل: الحسن الخلق قريب عند البعيد، والسيئ الخلق بعيد عند أهله.
قال الثوري: إذا رأيت الرجل محموداً في جيرانه فاعلم أنه يداهنهم.
قيل لحكيم: كيف للإنسان بألا يغضب؟ قال: ليكن ذاكراً في كل وقت أنه ليس يجب أن يطاع قط، بل أن يطيع؛ وأنه ليس يجب أن يحتمل خطؤه فقط، بل أن يحتمل الخطأ عليه؛ وأنه ليس يجب أن يصبر عليه فقط، بل أن يصبر هو 412 أيضاً؛ وأنه بعين الله دائماً، فإنه إذا فعل ذلك لم يغضب، وإن غضب كان غضبه أقل.
قال بعضهم: الإفراط في الزيارة ممل كما أن التفريط فيها مخل.
قال العتبي: إذا تناهى الغم انقطع الدمع.
وقال إبراهيم بن أدهم: أنا منذ عشرين سنة في طلب أخ إذا غضب لم يقل إلا الحق فما أجد.
وقال غيره: إذا ولى صديق لك ولاية فأصبته على العشر من صداقته فليس بأخ سوء.
قصد ابن السماك رجلاً في حاجة لرجل فتعسر، فقال له: اعلم أني أتيتك في حاجة، وإن الطالب والمطلوب إليه عزيزان إن قضيت، وذليلان إن لم تقض، فاختر لنفسك عز البذل على ذل المنع، واختر لي عز النجح على ذل الرد. فقضاها له.
وقصد آخر مرة في حاجة فتلوى، فكاد ينكل عن الكلام، ثم سبق إلى معنى فخبره وقال للمسئول: أخبرني حين غدوت إليك في حاجتي، أحسن بك الظن، وأصوغ فيك الثناء، وأتخير لك الشكر، وأمشي إليك بقدم الإجلال، وأكلمك بلسان التواضع، أصبت أم أخطأت؟ قال: فاقتحم الرجل وقال: بل أصبت. وقضى حاجته وسأله المعاودة.
قال أبو العتاهية: قلت لعلي بن الهيثم: ما يجب للصديق؟ قال: ثلاث خلال: كتمان حديث الخلوة، والمواساة عند الشدة، وإقالة العثرة.
قيل: سوء حمل الغنى يورث المدح، وسوء حمل الفاقة قد بضع الشرف.
قيل: الهوى شريك العمى.
قيل لصوفي: ما صناعتك؟ قال: حسن الظن بالله وسوء الظن بالناس.
ثلاثة لم يمن بها أحد فسلم: صحبة السلطان، وإفشاء السر إلى النساء وشرب السم للتجربة.
لكل شيء محل، ومحل العقل مجالسة الناس.
أعجب الأشياء بديهة أمن وردت في مقام خوف.
قال ابن المقفع: الحرص محرمة، والجبن مقتلة. فانظر فيمن رأيت أو سمعت: من قتل في الحرب مقبلاً أكثر أم من قتل مدبراً وانظر من يطلب بالإجمال والتكرم أحق أن تسخو نفسك له أم من يطلب بالشره والحرص.
قال أبو بكر بن المعتمر: إذا كان العقل تسعة أجزاء أحتاج إلى جزء من جهل ليقدم على الأمور؛ فإن العاقل أبداً متوان متوقف مترقب متخوف.
قيل: ستة لا يخطئهم الكآبة: فقير قريب عهد بغنى، ومكثر يخاف على ماله، وطالب مرتبة فوق قدره، والحسود والحقود وخليط أهل الأدب وهو غير أديب.
قال ابن المقفع: عمل الرجل. بما يعلم أنه خطأ هوى، والهوى آفة العفاف، وتركه للعمل بما يعلم أنه صواب تهاون، والتهاون آفة الدين. وإقدامه على ما لا يدري أصواب هو أم خطأ لجاج، واللجاج آفة العقل.
قالوا: ما من مصيبة إلا ومعها أعظم منها؛ إن جزع فالوزر، وإن صبر فالثواب.
قيل: ضعف العقل أمان من الغم.

لا ينبغي للعاقل أن يمدح امرأة حتى تموت، ولا يمدح طعاماً حتى يستمرئه، ولا يثق بخليل حتى يستقرضه.
ليس من حسن الجوار ترك الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى.
لا يتأدب العبد بالكلام إذا وثق بأنه لا يضرب.
ما السيف الصارم في كف شجاع بأعز له من الصدق.
إذا كثرت خزان الأسرار 413 ضياعاً.
ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة.
الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف.
أنكأ لعدوك ألا تريه أنك تتخذه عدوا.
عذابان لا يكترث لهما: السفر البعيد؛ والبناء الكبير.
قالوا: " سوف " جند من جنود إبليس أهلك بها بشراً كثيراً. وقيل لبعض الزهاد: أوصنا. فقال: إياكم " وسوف " .
سئل بعضهم: أي الصدق السكوت عنه أمثل؟ قال: تزكية المرء نفسه.
وكان يقال: ثلاثة يؤثرون المال على أنفسهم: تاجر البحر، والعامل بالأجر، والمرتشي على الحكم.
قالوا: قبح الله الدنيا، فإنها إذا أقبلت على الإنسان أعطته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.
أعجز الناس من قصر في طلب صديقه، وأعجز منه من وجده فضيعه.
قال رجل لأبي عبيد الله: لئن أصبحت الدنيا بك مشغولة لتمسين منك فارغة. فقال: أنفق ما يكون التعب إذا وعد كذاب حريصاً.
اجتمع علماء العرب والعجم على أنه لا يدرك نعم إلا ببؤس، ولا راحة إلا بتعب.
العادات قاهرات، فمن اعتاد شيئاً في سره وخلواته فضحه في علانيته وعند الملأ.
قيل: المنى تخلق العقل، وتفسد الدين، وتزرى بالقناعة.
قال قتيبة لحصين: ما السرور؟ قال: عقل يقيمك، وعلم يزينك وولد يسرك، ومال يسعك، وأمن يريحك، وعافية تجمع لك المسرات.
أسر رجل إلى صديق له حديثاً فلما استقصاه قال له: أفهمت؟ قال: بل نسيت. وقيل لآخر: كيف كتمانك للسر؟ فقال: أجحد للخبر وأحلف للمستخبر. والعرب تقول: من ارتاد لسره فقد أذاعه.
ويقال: للقائل على السامع جمع البال، والكتمان، وبسط العذر.
قالوا: كثرة السرار من أسوأ الآداب.
وقالوا: الأخ البار مغيض الأسرار.
قيل لبعضهم: إن فلاناً لا يكتب، وقال: تلك الزمانة الخفية.
قال بعضهم: قديم لبحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة.
قالوا: ركوب الخيل عز، وركوب البراذين ذلة، وركوب البغل مهرمة، وركوب الحمير ذل.
قالوا: أربع يسودن العبد: الصدق والأدب والفقه والأمانة.
قال الزهري: الكريم لا تحكمه التجارب.
قالوا: العقل يظهر بالمعاملة، وشيم الرجال تعرف بالولاية.
قال رجل من قريش لشيخ: علمني الحلم. فقال: هو الذل أفتصبر عليه؟.
ويقال: ما قل سفهاء قوم إلا ذلوا.
قال محمد بن عمران التيمي: ما شيء أشد على الإنسان حملاً من المروءة؟ قيل له: وما المروءة؟ فقال: ألا تعمل في السر شيئاً تستحي منه في العلانية.
قال أكثم: الانقباض من الناس مكسبة للعداوة، وإفراط الأنس مكسبة لقرناء السوء.
قيل لابن أبي الزناد: لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ فقال: إنها وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها.
قيل لبعضهم: إن فلاناً أفاد مالاً عظيماً. قال: فهل أفاد معه أياماً ينفقه فيها؟ قيل لرجل: ما لك تنزل في الأطراف؟ فقال: منازل الأشراف في الأطراف؛ يتناولهم من يريدهم بالحاجة.
قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل.
قال الشعبي: عيادة النوكى أشد على المريض من وجعه 414.
وقال أبو بكر بن عبد الله لقوم عادوه فأطالوا عنده القعود: المريض يعاد والصحيح يزار.
عزى رجل رجلاً فقال: لا أراك الله بعد هذه المصيبة ما ينسيكها.
وعزى رجل الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، كان لك الأجر لا بك وكان العزاء لك لا عنك.
كان يقال: لك ابنك ريحانك سبعاً، وخادمك سبعاً، ثم عدو أو صديق قال المعتمر بن سليمان: أفضل العصمة ألا تجد.
قيل لبعض الحكماء: ما الشيء الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقاً؟ فقال: مدح الإنسان نفسه.
جلس بعض الزهاد إلى تاجر ليشتري منه شيئاً، فمر به رجل يعرفه، فقال للتاجر: هذا فلان الزاهد فأرخص ما تبيعه منه. فغضب الزاهد وقام وقال: إنما جئنا لنشتري بدراهمنا لا بمذاهبنا.
قيل لبعضهم: ما الشيء الذي لا يستغني عنه في حال من الأحوال؟ فقال: التوفيق.
قيل لبعض من يطلب الأعمال: ما تصنع؟ قال:

أخدم الرجاء، حتى ينزل القضاء.
قال بعضهم: أوسع ما يكون الكريم مغفرة، إذا ضاقت بالمذنب المعذرة.
قال آخر: أمتع الجلساء الذي إذا عجبته عجب، وإذا فكهته طرب، وإذا أمسكت تحدث، وإذا فكرت لم يلمك.
قيل لبعضهم: متى يحمد الغنى؟ قال: إذا اتصل بكرم. قيل: فمتى تذم الفطنة؟ قال: إذا اقترنت بلؤم.
قال بعضهم: ستر ما عاينته أحسن من إشاعة ما ظننته.
قيل لجميل بن مرة: مذ كم هجرت الناس قال: مذ خمسين سنة. قيل له: لم ذاك؟ قال: صحبتهم أربعين سنة، فلم أر فيهم غافراً لزلة ولا راحماً لعبرة، ولا مقيلاً لعثرة، ولا ساتراً لعورة، ولا حافظاً لخلة، ولا صادقاً في مودة، ولا راعياً لزمام حرمة، ولا صادقاً في خبره، ولا عادلاً في حكومة؛ فرأيت الشغل بهم حمقاً، والانقطاع عنهم رشداً.
كان بعضهم يقول: اللهم احفظني من أصدقائي. فقيل له في ذلك فقال: إني حافظ نفسي من أعدائي.
قال آخر: إساءة المحسن أن يمنعك جدواه، وإحسان المسيء أن يكف عنك أذاه.
قيل لعبد الله بن المبارك: ما التواضع؟ قال: التكبر على المتكبرين.
قيل: من لا ينفذ تدبيرك عليه في إذلاله، فتوفر على توخي إجلاله.
قال الشافعي: ما رفعت أحداً فوق منزلته إلا حط مني بقدر ما رفعت منه.
قال المسيب بن واضح: صحبت ابن المبارك مقدمه من الحج فقال لي: يا مسيب، ما أتى فساد العامة إلا من قبل الخاصة. قلت: وكيف ذاك رحمك الله؟ قال: لأن أمة محمد عليه السلام على طبقات خمس: فالطبقة الأولى هم الزهاد، والثانية العلماء، والثالثة الغزاة، والرابعة التجار والخامسة الولاة. فأما الزهاد فهم ملوك هذه الأمة، وأما العلماء فهم ورثة الأنبياء، وأما الغزاة فهم أسياف الله عز وجل، وأما التجار فهم الأمناء، وأما الولاة فهم الرعاة.
فإذا كان الزاهد طامعاً فالتائب بمن يقتدي؟ وإذا كان العالم راغباً فالجاهل بمن يهتدي؟ وإذا كان الغازي مرائياً فمتى يظفر بالعدو؟ وإذا كان التاجر خائناً فعلام يؤتمن الخونة! وإذا كان الراعي ذئباً فالشاة من يحفظها؟ قال الحكماء: خمسة لا تتم إلا لقرنائها 415: الجمال لا يتم إلا بالحلى، والحسب لا يتم إلا بالأدب، والغنى لا يتم إلا بالجود، والبطش لا يتم إلا بالجرأة، والاجتهاد لا يتم إلا بالتوفيق.
قيل لبعضهم: متى تطيعك الدنيا؟ قال: إذا عصيتها.
قال آخر: رب مغبوط بنعمة هي داؤه، ورب محسود على حال هي بلاؤه، ورب مرحوم من سقم هو شفاؤه.
قالوا: إذا أراد الله أن يسلط على عبده عدواً لا يرحمه سلط عليه حاسداً.
وكان يقال في الدعاء على الرجل: طلبك من لا يقصر دون الظفر، وحسدك من لا ينام دون الشقاء.
قال محمد بن كعب: إذا أراد الله بعبد خيراً زهده في الدنيا وفقهه في الدين، وبصره عيوبه.
قال مالك بن دينار: من طلب العلم لنفسه فالقليل يكفي، ومن طلبه للناس فحوائج الناس كثيرة.
قال رجل لآخر: إني أتيتك في حاجة فإن شئت قضيتها وكنا جميعاً كريمين، وإن شئت منعتها وكنا جميعاً لئيمين.
قال بعض النساك: قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لا آكل من رزقه شيئاً.
قيل: مثل شرب الدواء مثل الصابون للثوب ينقيه ولكن يخلقه.
كان يقال: النظر يحتاج إلى القبول، والحسب إلى الأدب، والسرور إلى الأمن، والقربى إلى المودة، والمعرفة إلى التجارب، والشرف إلى التواضع والنجدة إلى الجد.
قال بعضهم: أعناق الأمور تشابه في الغيوب؛ قرب محبوب في مكروه ومكروه في محبوب. وكم من مغبوط بنعمة هي داؤه، ومرحوم من داء فيه شفاؤه.
وقيل: رب خير في شر، ونفع في ضر.
قال ابن المقفع: الحسد خلق دني، ومن دناءته أنه يوكل بالأقرب فالأقرب.
قال قتادة: لو كان أحد مكتفياً من العلم لاكتفى نبي الله موسى عليه السلام إذ قال: " هل أتبعك على أن تعلمن ومما علمت رشداً " .
قال دغفل بن حنظلة: إن للعلم أربعاً: آفة ونكداً وإضاعة واستجاعة فآفته النسيان، ونكده الكذب، وإضاعته وضعه في غير موضعه، واستجاعته أنك لا تشبع منه.
قال أبو عثمان الجاحظ: وإنما عاب الاستجاعة لأن الرواة شغلوا عقولهما بالازدياد والجمع عن تحفظ ما قد حصلوه، وتدبر ما قد دونوه.
قال بعضهم: عيادة النوكى الجلوس فوق القدر، والمجيء في غير وقت.
قال أكثم بن صيفي:

ما أحب أن أكفى كل أمر الدنيا. قالوا: وإن أسمنت وألبنت؟ قال: نعم. أكره عادة العجز.
قال أبو عثمان: كتب شيخ من أهل الري على باب داره: جزى الله من لا يعرفنا ولا نعرفه خيراً، فأما أصدقاؤنا الخاصة فلا جزاهم الله خيراً؛ فإنا لم نؤت قط إلا منهم.
قيل لرجل من أهل البصرة: مالك لا ينمى مالك؟ قال: لأني اتخذت العيال قبل المال، واتخذ الناس المال قبل العيال.
كان خالد بن صفوان يكره المزاح ويقول: يصيب أحدهم أخاه ويصكه بأشد من الحديد، وأصلب من الجندل، ويفرغ عليه أحر من المرجل ثم يقول إنما مازحته.
قال إبراهيم المحلمي: فيك حدة. فقال: أستغفر الله مما أملك وأستصلحه ما لا أملك.
قيل لرجل: إن فلاناً يشتمك. قال: هو في حل. قيل له: تحله وقد شتمك؟ فقال: ما أحب أن أثقل ميزاني بأوزار إخواني.
قال الغاضري: أعطانا الملوك الآخرة طائعين، وأعطيناهم الدنيا كارهين.
قال بعضهم: الصبر عن النساء أيسر من الصبر عليهن.
ذكرت العامة للأوزاعي فقال: هي كالبحر، إذا هاج لم يسكنه إلا الله.
قال بعضهم لصاحب له: إذا كنت لا ترضى مني بالإساءة فلم رضيت من نفسك بالمكافأة؟.
قال بعضهم: كل شيء يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى التجربة.
قيل لبعضهم: ما الصدق؟ قال: اسم لا يوجد معناه.
كان يقال: طول اللحية أمان من العقل.
قالوا: إذا قعدت وأنت صغير حيث تحب، قعدت وأنت كبير حيث تكره.
قال بعضهم: شر المال ما لزمك إثم مكسبه، وحرمت لذة إنفاقه.
قيل للعتابي: ما المروءة؟ فقال: ترك اللذة. قيل: فما اللذة؟ قال: ترك المروءة.
قيل لصوفي: كيف أنت؟ قال: طلبت فلم أرزق، وحرمت فلم أصبر.
قال أحمد بن المعذل لأخيه عبد الصمد: أنت كالإصبع الزائدة إن تركت شانت، وإن قطعت آلمت.
قال بعضهم: إن الغنى والعز خرجا يجولان فلقيا القناعة فاستقرا.
قال بعضهم: أنا بالصديق آنس مني بالأخ. فقال له ابن المقفع: صدقت: الصديق نسيب الروح، والأخ نسيب الجسم.
قال أبو العالية الرياحي: إذا دخلت الهدية صر الباب وضحكت الأسكفة.
قالوا: جزية المؤمن كراء منزله، وعذابه سوء خلق امرأته.
سمع رجل رجلاً يقول لصاحبه: لا أراك الله مكروهاً. فقال: كأنك دعوت على صاحبك بالموت. أما ما صاحب صاحبك الدنيا فلا بد له من أن يرى مكروهاً.
قال معن بن زائدة: ما أتاني رجل قط في حاجة فرددته عنها إلا تبين لي غناه عني إذا أدبر.
قال بعض الصوفية: بالخلق يستفاد الكون، وبالخلق يستفاد الخلد.
أراد ملك سفراً فقال: لا يصحبني ضخم جبان، ولا حسن الوجه لئيم، ولا صغير رغيب.
نظر أعرابي إلى خالد بن صفوان وهو يتكلم فقال: كيف لم يسد هذا مع بيانه؟ فقال خالد: منعتم مالي، وكرهت السيف.
يقال: الوعد وجه والإنجاز محاسنه.
قالوا: الهالك على الدنيا رجلان: رجل نافس في عزها، ورجل أنف من ذلها.
قال ميمون: الطالب في حيلة، والمطلوب في غفلة، والناس منهما في شغل.
كان ابن السماك يقول: دلا أدري أأوجر على ترك الكذب أم لا لأني أتركه أنفة.
قيل: إن الرمد لا يعاد، والسبب فيه ألا يراه العواد وما في منزله وهو لا يراهم.
قال ابن شهاب: ليس بكذاب من درأ عن نفسه.
قال الحجاج لابن قرية: ما الأرب؟ قال: الصبر على كظم الغيظ حتى تمكن الفرصة.
قالوا: ثلاث لا غربة معهن: مجانبة الريب، وحسن الأدب، وكف الأذى.
وكان يقال: عليكم بالأدب، فإنه صاحب في السفر، ومؤنس في الوحدة ، وجمال في المحفل، وسبب إلى طلب الحاجة.
قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: ما أحسن الحسنات في آثار السيئات، وأقبح السيئات في آثار الحسنات، وأقبح من هذا وأحسن من ذاك السيئات في آثار السيئات، والحسنات في آثار الحسنات.
قال أبو إدريس الخولاني: المساجد مجالس الكرام.
قيل: المنة 417 تهدم الصنيعة.
وكان يقال: كتمان المعروف من المنعم عليه كفر له، وذكره من المنعم تكدير له. كان مالك بن دينار يقول: ما أشد فطام الكبير! كان يقال: أنعم الناس عيشاً من عاش في عيشة غيره.
قال رجل لرجل من قريش: والله ما أمل الحديث. فقال: إنما يمل العتيق. يروى عن أسماء بن خارجة أنه قال:

لا أشاتم رجلا ولا أرد سائلاً، فإنما هو كريم أسد خلته، أو لئيم أشترى عرضي منه.
كان ابن شبرمة إذا نزلت بن نازلة قال: سحابة ثم تتقشع.
كان يقال: أربع من كنوز الجنة: كتمان المصيبة، وكتمان الصدقة، وكتمان الفاقة: وكتمان الوجع.
قيل: ليس للجوج تدبير، ولا لسيىء الخلق عيش، ولا لمتكبر صديق والمنة تفسد الصنيعة.
كان يقال: لا ينبغي لعاقل أن يشاور واحداً من خمسة: القطان والغزال والمعلم وراعي الضأن ولا الرجل الكثير المحادثة للنساء.
وقيل في مثل هذا: لا تدع أم صبيك تضربه؛ فإنه أعقل منها وإن كان طفلاً.
قال رجل لابن عبد الرحمن بن عوف: ما ترك لك أبوك؟ قال: ترك لي مالاً كثيراً. فقال: لا أعلمك شيئاً هو خير لك مما ترك أبوك؟ إنه لا مال لعاجز، ولا ضياع على حازم، والرقيق جمال وليس بمال، فعليك من المال بما يعولك ولا تعوله.
وقيل الخريم الناعم: ما النعمة؟ فقال: الأمن؛ فإنه ليس لخائف عيش؛ والغنى؛ فإنه ليس لفقير عيش. والصحة؛ فإنه لسقيم عيش قيل: ثم ماذا؟ قال: لا مزيد بعدها.
قيل: خير الكلام ما أغنى اختصاره عن إكثاره.
قيل: النمام سهم قاتل. أراد رجل الحج، فأتى شعبة بن الحجاج فودعه فقال له شعبة: أما إنك إن لم ترى الحلم ذلاً، والسفه أنفاً سلم حجك.
روى عن بعض الأئمة أنه قال: الإنصاف راحة، والإلحاح قحة، والشح شناعة، والتواني إضاعة، والصحة بضاعة، والخيانة وضاعة، والحرص مفقرة، والدناءة محقرة، والبخل غل، والفقر ذل، والسخاء قربة، واللؤم غربة، والذلة استكانة، والعجز مهانة، والأدب رياسة، والحزم كياسة، والعجب هلاك، والصبر ملاك، والعجلة زلل، والإبطاء ملل.
ثلاثة أشياء لا ثبات لها: المال في يد من يبذر، وسحابة الصيف، وغضب العاشق.
قيل للشبلي: ما الفرق بين رق العبودية ورق المحبة؟ فقال: كم بين عبد إذا أعتق صار حراً، وبين عبد كل ما أعتق ازداد رقاً.
قالوا: الزاهد في الدينار والدرهم أعز من الدينار والدرهم. وقيل لمحمد بن واسع: كيف أنت؟ قال: كيف أكون، وأنا إذا كنت في الصلاة فدخل إنسان غني أوسع له بخلاف ما أوسع للفقير.
سئل بعضهم: أيما أحمد في الصبي الحياء أم الخوف؟ فقال: الحياء لأن الحياء يدل على عقل والخوف يدل على جبن.
قالوا: رب حرب جنيت بلفظه، ورب ود غرس بلحظة.
شكا رجل إلى بشر بن الحارث كثرة العيال فقال له: فرغك فلم تشكره، فعاقبك بالشغل. كان يقال: إذا تزوج الرجل فقد ركب البحر، فإن ولد له فقد كسر به.
قال يونس بن عبيد: ما سمعت بكلمات أحسن من كلمات ثلاث قالهن ابن سيرين ومورق العجلي وحسان بن أبي سنان أما ابن سيرين فقال: ما حسدت على شيء قط، وأما مورق فقال: 418 ما قلت في الغضب شيئاً فندمت عليه في الرضا. وأما حسان فقال: ما شيء أهون من الورع؛ إذا رابك شيء فدعه.
قال ابن مسعر: كنت أمشي مع سفيان بن عيينة فسأله سائل؛ فلم يكن معه ما يعطيه، فبكى فقلت له: يا أبا محمد؛ ما يبكيك؟ قال: وأي مصيبة أعظم من أن يؤمل فيك رجل خيراً فلا يصيبه منك.
قال: كفى نصراً لمؤمن أن يرى عدوه يعمل بمعاصي الله.
قيل: ثلاثة تعرض في الأحمق: سرعة الجواب، وكثرة الالتفات، والثقة بكل أحد.
قيل: صلاح كل ذي نعمة في خلاف ما فسد عليه.
قيل لبعضهم: كم آكل؟ قال: فوق الشبع. قال: فكم أضحك قال: حتى يسفر وجهك ولا يسمع صوتك. قال: فكم أبكي قال: لا تمل أن تبكي من خشية الله. قال: فكم أخفي من عملي؟ قال: حتى يرى الناس أنك لا تعمل حسنة. قال: فكم أظهر من عملي؟ قال: حتى يقتدي بك البر ويؤمن عليك قول الناس.
العزلة عن الناس توفر العرض، وتبقي الجلالة، وتستر الفاقة وترفع مؤنة المكافأة. ونعم صومعة الرجل بيته، يكف فيه سمعه وبصره ولسانه ويقل فكره.
أنعم الناس عيشاً من تحلى بالعفاف، ورضى بالكفاف وتجاوز ما يخاف إلى مالا يخاف.
قيل لرجل: ما السيد فيكم؟ قال: الباذل لنداه، الكاف لأذاه، الناصر لمولاه.
قيل: التواضع نعمة لا يفطن لها الحاسد.
قال خالد بن صفوان: ينبغي للعاقل أن يمنع معروفه الجاهل واللئيم والسفيه؛ أم الجاهل فلا يعرف المعروف والشكر، وأما اللئيم فأرض سبخة لا تنبت ولا تصلح، وأما السفيه فإنه يقول:

أعطاني فرقاً من لساني.
خير العيش مالا يطغيك ولا يلهيك.
قال سعيد بن عبد العزيز: ما ضرب العباد بسوط أوجع من الفقر.
قال فيروز بن حصين: إذا أراد الله تعالى أن يزيل عن عبد نعمة كان أول ما يغير منه عقله.
قيل لمحمد بن كعب القرظي: ما علامة الخذلان؟ قال: أن يستقبح المرء من الأمر ما كان عنده حسناً ويستحسن ما كان عنده قبيحاً.
قال شيخ من أهل المدينة: المعرض بالناس أتقي صاحبه ولم يتق ربه.
قيل لشيخ هم أي شيء تشتهي؟ قال: أسمع الأعاجيب.
قالوا: عشر خصال في عشرة أصناف أقبح منها في غيرهم: الضيق في الملوك والغدر في الأشراف، والكذب في القضاء، والخديعة في العلماء، والغضب في الأبرار، والحرص في الأغنياء، السفه في الشيوخ والمرض في الأطباء والتهزي في الفقراء، والفخر في القراء.
قال ابن أبي ليلى: لا أماري أخي فأما أن أكذبه أو أغضبه. قال حضين بن المنذر: لوددت أن لي أساطين مسجد الجامع ذهباً وفضة لا أنتفع منه بشيء. قيل له: لما يا أبا ساسان؟ قال: يخدمني والله عليه موقان الرجال.
قال بعضهم: خير الدنيا والآخرة في خصلتين: التقي والغني. وشر الدنيا والآخرة خصلتين: الفجور والفقر.
سئل بعض الحكماء: أي الناس أحق أن يتقى؟ قال: العدو والقوي، والصديق المخادع، والسلطان والغشوم.
قيل لرجل: ما أذهب مالك؟ فقال: شرائي ما لا أحتاج إليه، وبيعي على الضرورة.
عاد قوم أعرابياً 416 وقد بلغ مائة وخمسين سنة. فسألوه عن سنه فأخبرهم فقال بعضهم: عمر والله. فقال الشيخ: لا نقل ذاك، فوالله لو استكملتها لاستقللتها.
قالوا: أصبر الناس الذي لا يفشي سره إلى صديقه مخافة أن يقع بينهما شيء فيفشيه.
قالوا: ثمانية إذا أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم: الآتي طعاماً لم يدع إليه والمتآمر على رب البيت في بيته، وطالب المعروف من غير أهله، وراجي الفضل من اللئام، والداخل بين اثنين لم يدخلاه، والمستخف بالسلطان، والجالس مجلساً ليس له بأهل، والمقبل بحديثه على من لا يسمعه.
قالوا: ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة، وثمرة الصبر الظفر.
قال بعضهم: نحن في دهر الإحسان فيه من الإنسان زلة، والجميل غريب، والخير بدعة، والشفقة ملق، والدعاء صلة، والثناء خداع، والأدب مسألة، والعلم شبكة، والدين تلبيس، والإخلاص رياء، والحكمة سفه، والقول هذر، والإطراق ترهب، والسكوت نفاق، والبذل مكافأة، والمنع حزم، والإنفاق تبذير.
جلس رجل إلى سهل بن هارون فجعل يسمعه كلاماً سخيفاً من صنوف الهزل، فقال له: تنح عني؛ فإنه لا شيء أميل إلى ضده من العقل.
قيل لبعض العلماء: أي علق أنفس؟ فقال: عقل صرف إليه حظ.
قالوا: الاعتبار يفيدك الرشاد؛ وكفاك أدباً لنفسك ما كرهت من غيرك.
الجزع من أعوان الزمان. الجود حارس الأعراض. والعفو زكاة القلب. اللطافة في الحاجة أجدى من الوسيلة. من أشرف أفعال الكريم غفلته عما يعلم.
احتمال نخوة الشرف أشد من احتمال بطر الغنى وذلة الفقر مانعة من الصبر، كما أن عز الغنى مانع من كرم الإنصاف إلا لمن كان في غريزته فضل قوة أو أعراق تنازعه إلى بعد الهمة.
قيل لبعضهم: من أبعد الناس سفراً؟ قال: من كان في طلب صديق يرضاه.
قال يونس بن عبيد: أعياني شيئان: درهم حلال وأخ في الله.
قال الأصمعي: كل امرئ كان ضره خاصاً فهو نعمة عامة، وكل امرئ كان نفعه خاصاً فهو بلاء عام. استشارة الأعداء من باب الخذلان.
قالوا: إذا أراد الله بعبد هلاكاً أهلكه برأيه، وما استغنى أحد عن المشورة إلا هلك.
قال أكثم بن صيفي: الحر لا يكون صريع بطنه ولا فرجه.
قيل: ست خصال تعرف في الجاهل: الغضب من غير شيء، والكلام من غير نفع، والعطية في غير موضع، ولا يعرف صديقه من عدوه، وإفشاء السر، والثقة بكل أحد.
قال محمد بن واسع: إني لأغبط الرجل ليس له شيء وهو راض عن الله.
قالوا: سوء العادة كمين لا يؤمن. العادة طبيعة ثانية.
التجني وافد القطيعة.
منك من نهاك، وليس منك من أغراك.
ياعجبا من غفلة الحساد عن سلامة الأجساد.
من سعادة المرء أن يطول عمره ويرى في عدوه ما يسره.
تورث الضغائن كما تورث الأموال.
كم من عزيز أذله خرقه، وعزيز أذله خلقه.

لا يصلح اللئيم لأحد ولا يستقيم إلا من فرق أو حاج؛ فإذا استغنى أو ذهبت الهيئة عاد إلى جوهره.
ثلاثة في المجلس ليسوا فيه: المسيء الظن بأهله 420 والضيق الخف، والحافر.
قيل لبعضهم: ما أبقى الأشياء في أنفس الناس؟ قال: أما في أنفس العلماء فالندامة على الذنوب، وأما في أنفس السفهاء فالحقد.
إذا انقضى ملك القوم جبنوا في آرائهم.
الضعيف المحترس من العدو القوي أقرب إلى السلامة من القوي المغتر بالعدو الضعيف.
الحزن سوء استكانة والغضب لؤم قدرة.
كل ما يؤكل ينتن، وكل ما يوهب يأرج.
لا يصعب على القوى حمل، ولا على اللبيب عمل، ولا على المتواضع أحد.
الطرش في الكرام، والهوج والشجاعة في الطوال، والكيس في القصار والملاحة في الحول، والنبل في الربعة، والذكاء في الخرس، والكبر في العور، والبهت في العميان.
بالكلفة يكتسب الأصدقاء وبكل شيء يمكن اكتساب الأعداء.
أفقر الناس أكثرهم كسباً من حرام؛ لأنه استدان بالظلم ما لا بد له من رده، وأنفد في اكتسابه أيام عمره، ومنعه في حياته من حقه، وكان خازناً لغيره، واحتمل الدين على ظهره، وطولب به في حين فقره.
الأم الناس من سعى بإنسان ضعيف إلى سلطان جائر أعسر الحيل تصوير الباطل في صورة الحق عند العاقل المميز.
الريبة ذل حاضر، والغيبة لؤم باطن.
القلب الفارغ يبحث عن السوء، واليد الفارغة تنازع إلى الإثم.
لا يصرف القضاء إلا خالق القضاء.
لا كثير مع إسراف، ولا قليل مع احتراف، ولا ذنب مع اعتراف.
من كل شيء يقدر أن يحفظ الجاهل إلا من نفسه.
المتعبد على غير فقه كحمار الرحى يدور ولا يبرح.
المحرم من طال نصبه، وكان لغيره مكسبه.
كيف يحب الدنيا من تغره، وتسوئه أكثر مما تسره.
مع العجلة الخطار، وربما خطئ المخاطر بالقضاء.
شر أخلاق الرجال البخل والجبن وهما خير أخلاق النساء.
إذا جاء زمان الخذلان انعكست العقول.
سعة السمحاء أحد الخصبين، وكثرة المال عند البخلاء أصعب الجدبين.
من سوء الأدب مؤانسة من احتشمك، وكشف خلة من سترها عندك، والنزوع إلى مشورة لم تدع إليها.
قال إبراهيم التيمي: نعم القوم السؤال؛ يدقون أبوابكم ويقولون: هل توجهون إلى الآخرة شيئاً بشيء؟ في الاعتبار غنى عن الاختبار.
غيظ البخيل على الجواد أعجب من بخله.
أذل الناس معتذر إلى لئيم.
أشجع الناس أثبتهم عقلاً في بداهة الخوف.
قال مطرف: المعاذر، والمعاتب مغاضب.
قال بعضهم: المروءة يهدمها اليسير، لا يبنيها إلا الكثير.
قال ابن المقفع: المروءة بلا مال كالأسد الذي يهاب ولم يفرس، وكالسيف الذي يخاف وهو مغمد، والمال بلا مروءة كالكلب الذي يجتنب عقراً ولم يعقر.
وقال: اطلبوا الأدب؛ فإن كنتم ملوكاً برزتم، وإن كنتم وسطاً فقتم وإن أعوزتم المعيشة عشتم بأدبكم.
وقال أبو الأسود: ليس شيء أعز من العلم، والملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك.
وقال بعضهم: لا ينبغي للعاقل أن يكون إلا في إحدى منزلتين: إما في الغاية القصوى من مطالب الدنيا، وإما في غاية القصوى من الترك لها.
من أفضل أعمال البر الجود 421 في العسرة، والصدق في الغضب، والعفو عند القدرة.
البخل خير من الفقر، والموت خير من البخل.
قال سليمان التيمي: إن الله أنعم على العباد بقدر قدرته، وكلفهم من الشكر بقدر طاقتهم.
قال محمد بن حرب الهلالي: وجدت العيش في ثلاث: في صديق لا يتعلم في صداقتك ما يرصد به عداوتك، وفي امرأة تسرك إذا دخلت عليها وتحفظ غيبك إذا غبت عنها، وفي مملوك يأتي على ما في نفسك كأنه قد علم ما تريد.
قالوا: تحتاج القرابة إلى مودة ولا تحتاج المودة إلى قرابة.
مخالطة الأشرار خطر، والصابر على صحبتهم كراكب البحر الذي إن سلم ببدنه من التلف، لم يسلم بقلبه من الحذر.
لا يلعب الهموم إلا مرور الأيام ولقاء الإخوان.
شر الناس من ضايق جليسه وصديقه فيما لا يضره ولا ينفعه.
لأخيك عليك إذا حزبه أمر أن تشير عليه بالرأي ما أطاعك، وتبذل له النصرة إذا عصاك.
سئل خالد بن صفوان عن ابن له فقال: كفاني أمر دنياي، وفرغني لأمر آخرتي.
قالوا الغيبة ربيع اللئام.
أطول الناس نصباً الحريص إذا طمع، والحقود إذا منع.

ثلاثة أشياء ينبغي للمرء أن يدفع شينها بما قدر عليه: فورة الغضب وكلب الحرص، وعلل البخل.
الشريف يقبل دون حقه، ويعطى فوق الحق الذي عليه. من العجيب أن يفشي الإنسان سره ويستكتم غيره.
ينبغي للرجل أن يكون ضنيناً بالكذب، فإن احتاج إليه نفعه.
الحسود غضبان على القدر والقدر لا يعتبه.
الباب الخامس
جنس آخر من الأدب والحكم
وهو ما جاء لفظه على لفظ الأمر والنهيكان يقال: إذا غضب الكريم فألن له الكلام، وإذا غضب اللئيم فخذ له العصا.
وقال بعضهم: غضب العاقل في فعله، وغضب الجاهل في قوله.
قال بعضهم وقد رأى رجلاً يتكلم فيكثر: أنصف أذنيك من فمك؛ فإنما جعل لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تقول.
قالوا: دع المعاذر فإن أكثرها مفاجر.
وقال إبراهيم النخعي: دع الاعتذار فإنه يخالطه الكذب.
قالوا: مكتوب في الحكمة: اشكر لمن أنعم عليك، وأنعم على من شكرك.
قال إبراهيم النخعي: سل مسألة الحمقى، واحفظ حفظ الأكياس يعني العلم.
قالوا: مروا الأحداث بالمراء، والكهول بالفكر، والشيوخ بالصمت.
وقال: عود نفسك الصبر على جليس السوء؛ فإنه لا يكاد يخطئك.
قال حاتم لعدي ابنه: يا بني إني رأيت الشر يتركك إن تركته، فاتركه.
وكان يقال: لا تطلبوا الحاجة إلى ثلاثة: إلى كذوب، فإنه يقربها وإن كانت بعيدة ويباعدها وهي قريبة، ولا إلى أحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك؛ ولا إلى رجل له إلى صاحب الحاجة حاجة، فإنه يجعل حاجتك وقاية لحاجته وقالوا: لا تصرف 422 حاجتك إلى من معيشته من رؤوس المكاييل وألسنة الموازين.
وكان يقال: إياك وصدر المجلس وإن صدرك صاحبه، فإنه مجلس قلعة.
قالوا: احذروا صولة الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع.
قال بعضهم: سرك دمك، فلا تجرينه في غير أوداجك.
كان يقال: إياك وعزة الغضب، فإنها تصيرك إلى ذلة الاعتذار.
قال بعضهم: إذا أرسلت لتأتي ببعر فلا تأت بثمر، فيؤكل تمرك، وتعنف على خلافك.
قالوا: إذا وقع في يدك يوم السرور فلا تخله فإنك إذا وقعت في يد يوم الغم لم يخلك.
قال آخر: احفظ سيئك ممن لا تنشده. أي ممن تستحي أن تسأله عنه. ومثله لابن المقفع: احذر من تأمن فإنك ممن تخاف على حذر.
قالوا: إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فانظر من عدوه. وإذا أردت أن تعادي رجلاً فانظر من وليه.
قيل: إذا قلدت أحداً مهماً فعجل له منفعة، وأجمل له في العدة، وابسط له في المنية.
قال بعضهم: الانقباض من الناس مكسبة للعداوة، والانبساط مجلبة لقرين السوء، فكن بين المنقبض والمسترسل؛ فإن خير الأمور أوساطها.
كان يقال: اجعل عمرك كنفقة دفعت إليك، فأنت لا تحب أن يذهب ما تنفق ضياعاً، فلا تذهب عمرك ضياعاً.
قيل: من أظهر شكرك فيما لم تأت إليه فاحذر أن يكفرك فيما أسديت إليه.
لا تستعن في حاجتك بمن هو للمطلوب أنصح منه لك.
لا يؤمننك من شر جاهل قرابة ولا إلف، فإن أخوف ما تكون لحريق النار أقرب ما تكون منها.
لا ترفع نفسك عن شيء قربك إلى رئيسك.
كن في الحرص على تفقد عيبك كعدوك.
عليك بسوء الظن فإن أصاب فالحزم، وإن أخطأ فالسلامة.
رضا الناس غاية لا تدرك، فتحر الخير بجهدك، ولا تكره سخط من يرضيه الباطل.
إذا رأيت الرجل على باب القاضي من غير حاجة فاتهمه.
رأى رجل ابنه يماكس في ابتياع لحم، فقال: يا بني، ساهل فما تضيعه من عرضك أكثر مما تناله من غرضك.
وقال بعضهم: الدين رق، فلا تبذل رقك لمن لا يعرف حقك.
وقال بعضهم: احذر كل الحذر أن يخدعك الشيطان فيمثل لك التواني في صورة التوكل، ويورثك الهوينا بالإحالة على القدر، فإن الله أمرنا بالتوكل عند انقطاع الحيل، وبالتسليم للقضاء بعد الإعذار فقال: " خذوا حذركم. ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " وقال النبي عليه السلام: " اعقل وتوكل " .
قالوا: لتكن عنايتك بحفظ ما اكتسبته كعنايتك باكتسابه، ولا تصحب غنياً؛ فإنك إن ساويته في الإنفاق أضر بك، وإن تفضل عليك استذلك.
إذا سألت كريماً حاجة فدعه يتفكر؛ فإنه لا يفكر إلا في خير. وإذا سألت لئيماً حاجة فغافصه ولا تدعه يتفكر فيتغير. وفي ضد ذلك: إذا سألت لئيماً حاجة فأجله حتى يروض نفسه.

العدو عدوان: عدو ظلمته، وعدو ظلمك.. فإن اضطرك الدهر إلى أحدهما فاستعن بالذي ظلمك؛ فإن الآخر موتور.
لا تستصغرن أمر عدوك إذا حاربته، لأنك إن ظفرت به لم تحمد، وإن ظفر بك لم يعذر، والضعيف المحترس من العدو القوي أقرب إلى السلامة من القوي 423 المغتر بالضعيف.
لا تصحب من تحتاج أن ما يعرفه الله منك.
صن الاسترسال منك حتى تجد له مستحقاً، واجعل أنسك آخر ما تبذله من ودك.
لا تسل غير الله فإنه إن أعطاك أغناك.
الصاحب كالرقعة في الثوب فالتمسه مشاكلاً.
إياك وكثرة الإخوان؛ فإنه لا يؤذيك إلا من يعرفك.
قال بعضهم: لا تسبوا الغوغاء؛ فإنهم يطفئون الحريق، ويخرجون الغريق؛ ويسدون البثوق.
قال ابن السماك: دع اليمين لله إجلالاً، وللناس جمالاً، واعلم أن العادات قاهرات، فمن اعتاد شيئاً في سره فضحه في علانيته.
قال إسحاق بن إبراهيم بن مصعب: إذا كان لك صديق فلم تحمد إخاءه ومودته فلا تظهر ذلك للناس؛ فإنما هو بمنزلة السيف الكليل في منزل الرجل، ويرهب به عدوه، ولا يعلم العدو أقاطع هو أم كليل.
قالوا: دع الذنوب قبل أن تدعك.
كان معاوية بن الحارث يقول: لا يطمعن الخب في كثرة الصديق، ولا ذو الكبر في حسن الثناء.
قيل: من مدحك بما ليس فيك فلا تأمن بهته لك، ومن أظهر لك شكر ما لم تأت فاحذر أن يكفر نعمتك.
قال عبد الحميد: لا تركب الحمار؛ فإنه إن كان فارهاً أتعب يدك، وإن كان بليداً أتعب رجلك.
كان ابن المقفع يقول: إذا نزل بك مكروه فانظر، فإن كان له حيلة فلا تعجز، وإن كان مما لا حيلة فيه فلا تجزع.
قال آخر: تصفح طلاب حكمك، كما تتصفح خطاب حرمك.
قال آخر: تعلموا العلم فإنه زين للغني، وعون للفقير. إني لا أقول يطلب به ولكن يدعوه إلى القناعة.
لا ترض قول أحد حتى ترضى فعله، ولا ترض فعل أحد حتى ترضى عقله، ولا ترض عقل أحد حتى ترضى حياءه؛ فإن ابن آدم مطبوع على كرم ولؤم، فإذا قوي الحياء قوي الكرم، وإذا ضعف الحياء قوي اللؤم.
تعلموا العلم وإن لم تنالوا به حظاً؛ فلأن يذم الزمان لكم أحسن من أن يذم بكم.
اجعل سرك إلى واحد ومشورتك إلى ألف.
قال بعضهم: إن الله خلق النساء من عي وعورة؛ فداووا العي بالسكوت واستروا العورة بالبيوت.
قال رجل لابنه: تزي بزي الكتاب، فإن فيهم أدب الملوك، وتواضع السوقة.
قال الزهري: سمعت رجلاً يقول لهشام بن عبد الملك: لا تعدن يا أمير المؤمنين عدة لا تثق من نفسك بإنجازها. ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعراً. واعلم أن للأعمال جزاء، فاتق العواقب، وأن للأمور بغتات فكن على حذر.
قال آخر: لا تجاهد الطلب جهاد المغالب، ولا تتكل إتكال المستسلم؛ فإن ابتغاء الفضل من السنة، والإجمال في الطلب من العفة. وليست العفة بدافعة رزقا، ولا الحرص بجالب فضلاً.
سمع بعضهم إنساناً يتكلم بما لا يعنيه فقال له: يا هذا إنما تملي على حافظيك، وتكتب إلى ربك؛ فانظر على من تملى، وإلى من تكتب.
قال بعضهم: أقم الرغبة إليك مقام الحرمة بك، وعظم نفسك عن التعظم، وتطول ولا تتطاول.
قال آخر: عاملوا الأحرار بالكرامة المحضة، والأوساط بالرغبة والرهبة والسفل بالهوان.
كن للعدو المكاتم أشد حذراً منك للعدو المبارز.
قال سلم بن قتيبة لأهل بيته: لا تمازحوا فيستخف بكم السوقة، ولا تدخلوا 424 الأسواق فتدق أخلاقكم ولا ترجلوا فيزدريكم أكفاؤكم.
قال آخر: احفظ شيئك ممن تستحيي أن تسأله عن شيء إن ضاع لك .
إذا كنت في مجلس فلم تكن المحدث ولا المحدث فقم.
كان يقال: لا تستصغرن حدثاً من قريش، ولا صغيراً من الكتاب، ولا صعلوكاً من الفرسان، ولا تصادقن ذمياً ولا خصياً ولا مؤنثاً؛ فإنه لا ثبات لموداتهم.
قالوا: لا تدخل في مشورتك بخيلاً فيقصر بعقلك، ولا جباناً فيخوفك ما لا يخاف.
ولا حريصاً فيعدك ما لا يرجى؛ فإن الجبن والبخل والحرص طبيعة واحدة يجمعها سوء الظن.
قال عون بن عبد الله: لا تكن كمن تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن.
قال رجل لابنه: يا بني؛ اعص هواك والنساء واصنع ما بدا لك.
كان مالك بن مسمع إذا ساره إنسان في مجلسه يقول: أظهره فلو كان خيراً أو حسناً ما كتمته. وكان يقال: ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك.
قال:

كل من الطعام ما تشتهي، والبس من الثياب ما يشتهي الناس.
قالوا في الدار: لتكن أول ما يبتاع وآخر ما يباع.
قال الثوري: من كان في يده شيء فليصلحه، فإنكم في زمان إذا احتاج الرجل فيه إلى الناس كان أول ما يبذله لهم دينه.
قال الحر العقيلي لابنه: إذا قدمت المصر فاستكثر من الصديق، وأما العدو فلا يهمنك.
قال ابن المقفع: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك وللعامة بشرك وتحيتك. ولعدوك عدلك وإنصافك. واضنن بدينك وعرضك عن كل حد.
وقالوا: رو بحزم، فإذا استوضحت فاعزم.
قال صعصعة لابن أخيه: إذا لقيت المؤمن فخالطه، وإذا لقيت الفاجر فخالفه، ودينك فلا تكلمنه.
قالوا: لا تزوجن حرمتك إلا عاقلاً؛ إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها أنصفها.
دخل عبد العزيز بن زرارة الكلابي على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين؛ جالس الألباء أعداء كانوا أو أصدقاء؛ فإن العقل يقع على العقل.
قال أبو السرايا لأبى الشوك غلامه: كن بحيلتك أوثق منك بشدتك وبحذرك أفرح منك بنجدتك؛ فإن الحرب حرب المتهور وغيمة المتحدر.
قال بعضهم: قرأت على قائم بحمص مكتوباً: إذا عز أخوك فهن.
وتحته مكتوباً: قال هامان: - وكان أعلم وأعقل وأحكم: إذا عز أخوك فأهنه.
قالوا: النعم وحشية فقيدوها بالمعروف.
قال الربيع بن زياد: من أراد النجابة فعليه بالمق الطوال، ومن أراد التلذذ فعليه بالقصار؛ فإنهن كنائن الجماع.
قال الشافعي: احذر من تأمنه، فأما من تحذره فقد كفيته. وقال: إذا أخطأتك الصنيعة إلى من يتقي الله فاصنعها إلى من يتقي العار.
قال ابن السماك: لا تشتغل بالرزق المضمون عن العمل المفروض.
وقال عون بن عبد الله: لا تكن كمن تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن.
قال ابن المقفع: إذا أكرمك الناس لمال أو سلطان فلا يعجبنك ذلك؛ فإن زوال الكرامة بزوالهما، ولكن ليعجبك إن أكرموك لأدب أو دين.
كان مطرف يقول: انظروا قوماً إذا ذكروا بالقراءة لا تكونوا منهم، وقوماً إذا ذكروا بالفجور لا تكونوا منهم، ولكن كونوا بين هؤلاء وهؤلاء 425 قال بعضهم: من سألك لم يكرم وجهه عن مسألتك فأكرم وجهك عن رده.
قال ميمون بن ميمون: لا تطلبن إلى بخيل حاجة؛ فإن طلبت إليه فأجله حتى يروض نفسه.
قال ابن المقفع: إياك ومشاورة النساء؛ فإن رأيهن إلى أفن، وعزمهن إلى وهن، وأكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن، فإن شدة الحجاب خير لك من الارتياب وليس خروجهن بأشد من دخول من لاتثق به عليهن؛ فإن استطعت أن لا يعرفن غيرك افعل. ولا تملكن امرأة من الأمر ما جاوز نفسها ، فإن ذلك أنعم لحالها، وأرخى لبالها. وإنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة؛ فلا تعد بكرامتها نفسها، ولا تعطها أن تشفع لغيرها. ولا تطل الخلوة مع النساء فيمللنك وتملهن، واستبق من نفسك بقية؛ فإن إمساكك عنهن وهن يردنك باقتدار خير من أن يهجمن منك على انكسار. وإياك والتغاير في غير موضع غيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم.
قال ابن المقفع: الختم حتم؛ فإذا أردت أن تختم على كتاب فأعد النظر فيه فإنما تختم على عقلك. وقال: الدين رق، فانظر عند من تضع نفسك.
كان يقال: إذا قال أحدكم: والله. فلينظر ما يضيف إليها.
دخل عبد العزيز بن زرارة الكلابي على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين جالس الألباء؛ أعداء كانوا أو أصدقاء، فإن العقل يقع على العقل.
كان بعضهم يقول: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيا منه.
كان يقال: إذا وجدت الشيء في السوق فلا تطلبه من صديق.
قال العباس بن الحسن العلوي: اعلم أن رأيك لا يتسع لكل شيء، ففرغه للمهم من أمورك؛ وأن مالك لا يغني الناس كلهم، فاخصص به أهل الحق؛ وأن كرامتك لا تطبق العامة، فتوخ بها أهل الفضل، وأن ليلك ونهارك لا يستوعبان حوائجك فأحسن قسمتك بين عملك ودعتك.
وكان يقال: أحيوا المعروف بإماتته.
وقال قيس بن عاصم: يا بني اصحبوا من يذكر إحسانكم إليه: وينسى أياديه لديكم.
وكان مالك بن دينار يقول: جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم.
إذا رغبت في المكارم فاجتنب المحارم.
من كان في وطن فليوطن غيره وطنه ليرتع في وطن غيره في غربته.
أراد رجل سفراً فقال له بعضهم:

إن لكل رفقة كلباً يشركهم في فضلة الزاد، ويهر دونهم؛ فإن قدرت ألا تكون كلب رفقتك فافعل، وإياك وتأخير الصلاة عن وقتها فإنك مصليها لا محالة، فصلها وهي تقبل منك.
قال ابن السماك: إن من الناس ناساً غرهم الستر، وفتنهم الثناء. فلا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك.
قيل: لا تثقن كل الثقة بأخيك؛ فإن صرعة الاسترسال لا تستقال.
من أمثال الترك: اسكت تربح ما عندك، وشاور تربح ما عند غيرك.
قيل: لا تكن مثل من تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستقين.
انتقم من الحرص بالقناعة كما ينتصر من العدو بالقصاص.
أوصى أبو الهذيل أصحابه فقال: لا تدخلوا في الشهادة فتصيروا أسراء 426 الحكام، ولا في القضاء؛ فإن فرحة الولاية لا تفي بترحة العزل، ولا في رواية الحديث فيكذبهم الجهال والصبيان، ولا في وصية فيطعن عليكم بالخيانة، ولا في إمامة الصلاة فمن شاء صلى وراءكم ومن شاء لم يصل. وقال: لا تجالسوا من لا يوثق بدينه وأمانته، ولا تبدءوا المخالفين بالسلام فإنهم إن لم يجيبوا تقاصرت إليكم نفوسكم ولحقتكم خجلة.
قالوا: إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر.
قال بعضهم لمؤدب ولده: فقههم في الحلال والحرام، فإنه حارس من أن يظلموا، ومانع من أن يظلموا.
كن إلى الاستماع أسرع منك إلى القول، ومن خطأ القول أشد حذراً من خطأ السكوت.
قال بكر بن عبد الله المزني: اجتهدوا بالعمل، فإن قصر بكم ضعف فكفوا عن المعاصي.
وقال بعضهم: من لم ينشط بحديثك فارفع عنه مئونة الاستماع منك.
قالوا: من ثقل عليك بنفسه، وغمك في سؤاله، فألزمه أذن صماء، وعيناً عمياء.
وقال عبد الله بن شداد: أرى داعي الموت لا يقلع، وأرى من مضى لا يرجع. ولا تزهدن في معروف؛ فإن الدهر ذو صروف، فكم من راغب قد كان مرغوباً إليه. وطالب أصبح مطلوباً إليه، والزمان ذو ألوان، ومن يصحب الزمان ير الهوان وإن غلبت يوماً على المال فلا تغلبن على الحيلة على كل حال. وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالاً أقل ما تكون في الباطن مالاً.
وقال آخر: لا يكونن منكم المحدث لا يستمع منه، ولا الداخل في سر اثنين لم يدخلاه فيه، ولا الآتي دعوة لم يدع إليها، ولا جالس في مجلس لا يستحقه، ولا طالب الفضل من أيدي اللئام، ولا المتعرض للخير من عند عدوه، ولا المتحمق في الدالة.
قالوا: اطلبوا المعيشة فإن الفقر أول ما يبدأ بدين الإنسان.
إذا خالطت فخالط حسن الخلق؛ فإنه لا يدعو إلا إلى خير، ولا تخالط سيء الخلق؛ فإنه لا يدعو إلا إلى شر.
اطبع الطين ما دام رطباً، واغرس العود ما دام لدنا.
قال ابن السماك: خف الله حتى كأنك لم تطعه، وأرجو الله حتى كأنك لم تعصه.
قال رجل لآخر: كيف أسلم على الإخوان؟ فقال: لا تبلغ بهم النفاق ولا تقصر بهم عن الإستحقاق.
قال بعض العرب: إذا وضعت طعامك فافتح بابك، وإذا وضعت شرابك فأغلقه؛ فإن النبيذ رضاع فانظر من تراضع.
انصح لكل مستشر، ولا تستشر إلا الناصح اللبيب. استشر عدوك تعرف مقدار عداوته. لا تشاور إلا الحازم غير الحسود، واللبيب غير الحقود.
قال زياد بن أبي حسان: لا تطلب من نفسك العام ما عودتك عام أول.
عاشروا النساء بأمور ثلاثة: ألزموهن البيوت، واتهموهن على الأسرار، واطووا عنهن الأحاديث.
صن عقلك بالحلم، ومروءتك بالعفاف، ونجدتك بمجانبة الخيلاء، وجهدك بالإجمال في الطلب.
لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن ذلك أنعم بحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها، ولا تطمعها في الشفاعة لغيرها فيميل من شفعت له عليك معها.
427 - عود نفسك السماح، وتخير لها من كل خلق أحسنه؛ فإن الخير عادة، والشر لجاجة، والصدود آية المقت، والعلل آية البخل.
كن سمحاً ولا تكن مبذراً، وكن مقدراً ولا تكن مقتراً.
إياك والمرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا. روي ذلك عن محمد بن علي عليه السلام.
احترس من ذكر العلم عند من لا يريده، ومن ذكر القديم عند من لا قديم له؛ فإن ذلك يحدث التعيير، وبالحري أن تتخذه سلماً إلى الضغن عليك.
إذا زللت فارجع، وإذا ندمت فأقلع، وإذا أسأت فاندم، وإذا مننت فاكتم، وإذا منعت فأجمل. ومن يسلف المعروف يكن ربحه الحمد.

اطلب الرحمة بالرحمة. اتق العثار بحسن الاعتبار. لا تستأنس بمن لم تبل خلائقه. لا تأمن العدو على حال. لا تغتر بفضل قوتك على الضعيف لتشتد وحشتك من اللطيف الموتور.
أعدد السيئات للتراث.
لا تفرح بالرجاء فإنه غرور، ولا تتعجل الغم بالخوف فإنه شك.
حاسب نفسك تسلم وتسعد.
لن يخلوا أحد من ذم، فاجهد أن تخلوا من ذم الأخيار.
حارب عدوك ما حاربك بشخصه، فإذا أخفى شخصه فاحرس نفسك منه؛ لأن من يعلم أنه لا ينجيه منك إلا الموت لا ينجيك منه إلى مثل ذلك، والمستسلم للموت لا يبالي على ما أقدم.
احذر فلتات المزاحي وصرعات البغى.
لا تجاهد الطلب جهاد المغالب، ولا تتكل على القدر إتكال المستسلم فإن ابتغاء الفضل سنة، وإجمال الطلب عفة، وليست العفة بدافعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً، والرزق مقدور والأجل موقوف، وفي استعجال الحريص اكتساب المآثم.
لا تشبهن رضاك بغضبك؛ فتكون ممن لا يضر غضبه ولا ينفع رضاه.
اغتنم العمل ما دامت نفسك سليمةً، وأجعل كل ساعة بشغلها لآخرتك غنيمة.
لا تكونن لغير الله عبداً ما وجدت من العبودية بداً.
احم نفسك القنوط ، وأتهم الرجاء. لا تغير أخاك وأحمد الذي عافاك.
أنظر ما عندك فلا تضعه إلا في حقه، وما ليس عندك فلا تأخذه إلا بحقه.
احتمل ممن أدل عليك وأقبل ممن أعتذر إليك.
ليكن عملك فيما بينك وبين أعدائك العدل، وفيما بينك وبين أصدقائك الرضا؛ فإن العدو خصم تصرفه بالحجة، وتغلبه بالحكم. والصديق ليس بينك وبينه قاض، وإنما هو رضاه وحكمه.
إذا أردت أن تخدع الناس فتغاب عليهم.
إذا صافاك عدوك رياء منه فتقلق مصافاته إياك بأوكد مودة؛ فإنه إذا ألف ذلك واعتاده خلصت لك مودته.
فكر قبل أن تعزم، وأعرض قبل إن تصرم، وتدبر قبل أن تهجم، وشاور قبل أن تقدم.
اسع في طلب رضا الأحرار فإن رضا اللئام غير موجود.
اقتصد وداوم وأنت الجواد السابق.
لا تألف المسألة فيألفك المنع.
لا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك؛ فإن أقواماً غرهم ستر الله وفتنهم حسن الثناء.
قال ابن ضبارة: ليس للأحرار ثمن إلا الكرامة، فأكرموا الأحرار تملكوهم.
اطلب الحاجة إلى إخوانك، قبل تأكد مودتهم لك؛ فإنك 428 إذا طلبتها ممن قد وثق بك اتكل على الدالة، وردك عن حاجتك بالثقة. لا تسأل الحوائج غير أهلها، ولا تسألها في غير حينها، ولا تسأل ما لست له مستحقاً؛ فتكون للحرمان مستوجباً.
إذا غشك صديقك فاجعله مع عدوك.
إذا غلبك عدوك على صديقك فخل عنه.
لا تعدن من إخوانك من آخاك في أيام مقدرتك للمقدرة. واعلم أنه يتثقل عليك في أحوال ثلاث: فيكون صديقاً يوم حاجته إليك، ومعرفة يوم استغنائه عنك، ومتجنياً عدواً يوم حاجتك إليه.
لا تسرن بكثرة الإخوان ما لم يكونوا خياراً؛ فإن الإخوان عند المتخيرين بمنزلة النار، التي قليلها متاع وكثيرها بوار.
ارع حق الإخوان وحق الأخ على الأخ أن يحوطه غائباً، ويعضده شاهداً ويخلف عليه محروباً، ويعوده مريضاً، ويواسيه محتاجاً، ويضحك في وجهه مقبلاً، ويدعو له مدبراً.
ليشتد عطفك على سقطات إخوانك.
ارض بالعفو من إخوانك، وأبذل لهم مجهودك، واستزد من الجميع.
إذا دفعتم عن حقكم فاطلبوا أكثر منه، وإذا بخع لكم به فصيروا إليه.
جالسوا الألباء أصدقاء كانوا أو أعداء، فإن العقول تلقح العقول.
لا يغلبهن عليكم سوء الظن فيدعكم ومالكم من صديق.
الباب السادس
جنس آخر من الحكم والأمثال والآداب
وهو ما كان في أوله " من "من كثرت نعمة الله عنده كثر عدوه. من يصحب الزمان ير الهوان.
من لم يمت لم يفت. من صدق الناس كرهوه. من يطل ذيله ينتطق به.
من فسدت بطانته كان كمن غص بالماء، فإنه لو غص بغيره أجاز به غصته. من أكثر أسقط. من اتبع غي الناس كان أغوى. من لقي الناس بما يكرهون، قالوا فيه ما لا يعلمون.
من أحب الذكر فليستعمل الصبر. ومن شح على دينه فليستعمل الخوف، ومن ضن بعرضه فليمسك عن المراء.
من صفا قلبه صفا لسانه. من خلط خلط له. من لم يضن بالحق عن أهله فهو عين الجواد.
وقال الصادق رضي الله عنه: من أيقظ فتنة فهو أكلها.
ومن كلام أمير المؤمنين رضي الله عنه:

من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار كف عن المحارم، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصائب، ومن ارتقب الموت سارع في الخير.
وقالوا: من استغنى كرم عن أهله. من قرب السفلة واطرح ذوي الأحساب والمروءات استحق الخذلان.
من انتقم انتصف، ومن عفا تفضل، ومن شفا غيظه لم يذكر في الناس فضله.
من كظم غيظه فقد حلم، ومن حلم فقد صبر، ومن صبر فقد ظفر.
من طلب الدنيا بعمل الآخرة خسرهما 429، ومن طلب الآخرة بعمل الدنيا ربحهما.
قال بعضهم: من ملك نفسه عند أربع حرمه الله على النار: حين يغضب وحين يرغب، وحين يرهب، وحين يشتهي.
قال بكر بن عبد الله: من كان له من نفسه واعظ عارضه ساعة الغفلة وحين الحمية.
من أمل أحداً هابه، ومن قصر عن شيء عابه.
قيل لحكيم: من أسوأ الناس حالاً؟ قال: من لم يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء أثره.
قيل لبعضهم: من أحب الناس إليك؟ قال: من كثرت أياديه عندي قال: فإن لم يكن؟ قال: من كثرت أيادي عنده.
كان يقال: من طال صمته اجتلب من الهيبة ما ينفعه، ومن الوحشة مالا يضره.
من طلب موضعاً لسره فقد أفشاه.
قيل لحكيم: من أنعم الناس عيشاً؟ فقال: من كفي أمر دنياه، ولم يهتم بأمر آخرته.
وقيل: من زاد عقله نقص حظه. وما جعل الله لأحد عقلاً وافراً إلا احتسب عليه من رزقه.
قيل لبعضهم: من السيد؟ فقال: من إذا حضر هابوه، وإذا غاب اغتابوه.
من عمل بالعدل فيمن دونه رزق العدل ممن فوقه. من طلب عزاً بذل وظلم وباطل، أورثه الله ذلاً بإنصاف وحق.
من حسد من دونه قل عذره، ومن حسد من فوقه أتعب بدنه.
ومن وطئته الأعين وطئته الأرجل.
من عجز عن تقويم نفسه فلا يلومن من لم يستقم له. من رجى الفرج لديه، صرفت أعناق الرجال إليه.
من قصر في أمره لم يسع له غيره. من رباه الهوان أبطرته الكرامة. من ساسه الإكرام لم يصبر على المذلة.
من انتجعك مؤملاً فقد أسلفك حسن الظن بك. من استكده الجد استراح إلى بعض الهزل.
من أحب أن يطاع، سأل ما يستطاع. من أعذر كمن أنجح. ومن لم يصن نفسه لم يصن أهله.
من أدخل نفسه في عظام الأمور بغير نظر ولا روية أوشك ألا يخرج منها.
من كسل عن عمله طمع في كل غيره. من لم يرب معروفة لم يصنعه ومن لم يضعه في أصله فقد أضاعه.
قال بعضهم: عاتبت غسان بن عباد عن اقتصاده في لبسه وزيه فقال: من عظمت مئونته في نفسه قل فضله على غيره.
من حمل الشيء جملة ألقاه جملة. من كانت الدنيا همه، كثر في القيامة غمه.
من أجمل في الطلب أتاه رزقه من حيث لا يحتسب. من حصن شهوته صان قدره.
من ضاق خلقه مله أهله. من ركب العجلة لم يأمن الكبوه. من لم يثق لم يوثق به.
من أقاده الدهر أقاد منه. من أخطأ موضع قدمه، تعفر خداه بدمه.
من ألحف أدى. من استطال على الأكفاء فلا يثقن منهم بالصفاء.
من أكثر ذكر الضغائن اكتسب العداوة. من لم يحمد صاحبه على حسن النية لم يحمده على حسن الصنيعة.
ثلاثة من كن فيه استكمل الإيمان: من إذا غضب لم يخرجه غضبه إلى الظلم، ومن إذا رضى لم يخرجه رضاه عن الحق، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له.
من ضعف عن عمله اتكل على زاد غيره.
من أطال الحديث عرض أصحابه للسآمة وسوء الاستماع.
قيل لبعض السلف: من الكامل؟ فقال: من لم يبطر في الغنى 430 ولم يستكن للفاقة، ولم تهده المصائب، ولم يأمن الدوائر ولم ينس العافية ولم يغتر بالشبيبة.
قالوا: من أطرق في أمله فرط في عمله.
قال ابن المقفع: من أدخل نفسه فيما لا يعنيه ابتلي فيه بما يعنيه.
من استخار ربه، واستشار نصيحه، واجتهد رأيه، فقد أدى ما يجب عليه لنفسه، ويقضي الله في أمره ما أحب.
من أصبح لا يحتاج إلى حضور بين السلطان لحاجة، أو طبيب لضر، أو صديق لمسألة فقد عظمت عنده النعمة.
من كانت له غلة يستغلها فإنما يستغل عمره.
قالوا: من كان فيه واحدة من ثلاث كان محروماً: البغي والمكر والنكث.
قال الله تعالى: " إنما بغيكم على أنفسكم " وقال: " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " . وقال: " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه " .
قال وهب: من لم يسخط نفسه في شهوته لم يرض ربه في طاعته.
قال نصر بن سيار: من لم يحقد لم يشكر. وقال غيره:

من لم يمنع لم يكن له ما يعطي. قال إبراهيم النخعي: من كنى ذمياً فقد هدم شعبة من الإيمان.
قال حكيم: من ذا الذي بلغ جسيماً فلم يبطر، واتبع الهوى فلم يعطب، وجاور النساء فلم يفتتن، وطلب إلى اللئام فلم يهن، وواصل الأشرار فلم يندم، وصحب السلطان فدامت سلامته؟ قال أبو حازم: ثلاث من كن فيه كمل عقله: من عرف نفسه وملك لسانه وقنع بما رزقه ربه.
كان شبيب بن شيبة يقول: من سمع كلمة يكرهها فسكت عنها انقطع عنه ما كره، وإن أجاب عنها سمع أكثر مما كره. وكان يتمثل:
وتجزع نفس المرء من وقع شتمة ... ويشتم ألفاً بعدها ثم يصبر
قال الزهاد: من عرف نفسه لم يذمم أحداً، ومن عرف الناس لم يمدح أحداً.
قال عون بن عبد الله: كان يقال: من كان في صورة حسنة ومنصب لا يشينه، ووسع عليه في الرزق كان من خالصة الله.
من أطاع الهوى ندم. من لانت كلمته وجبت محبته من لم يقدمه حزم أخره عجز.
من حبس الدراهم كان لها ومن أنفقها كانت له.
من لم يكن فيه خمس فلا ترجه: من لم يعرف بالوثاقة في أرومته والكرم في طبيعته، والتثبت في بضيرته، والدماثة في خلقه، والنبل في همته.
من لم تؤدبه الكرامة قومته الإهانة. من أنعم على الكفور كثر غيظه.
من اقتصد في الغنى والفقر فقد استعد لنوائب الدهر.
من لم ينشط لحديثك فارفع عنه مؤونة الاستماع منك..
من حذر شمر. من أمن تهاون. من توقى سلم، ومن تهور ندم. من لم يتبع لم يشبع. من شاخ باخ.
من لم ينتفع بتجاربه اغتر بالدهر ونوائبه.
من ادعى كرماً بعده لؤم فلا كرم له، من رضي بلؤم بعده كرم فلا لوم عليه.
من تواضع للعلم نبله، ومن تعزز عليه ذلله.
من قال: لا أدري. وهو يتعلم أفضل ممن يدري وهو يتعظم.
من انتحل من العلم الغاية لم يكن لجهله نهاية. من يدع العلم جله أعقل ممن يدعيه كله.
431 - من جاع باع. ومن أحسن الاستماع استعجل الانتفاع. من حلم ساد. من اعترف بالجريرة فقد استحق الغفيرة. من رغب عن الإخوان جسر على الزمان. من اتبع هواه أضله. من جهل النعم عرف النقم.
من أبصر أقصر. من أكثر أهجر. من دام لفظه كثر سقطه. من تفكر أبصر.
من كانت له فكرة فله من كل شيء عبرة. من انتهز الفرصة أمن الغصة.
من كان في الشدة فهو حقيق بالحدة. من سكت فسلم كان كمن قال فغنم.
من كره النطاح لم ينل النجاح. من كان له في نفسه واعظ كان له من الله حافظ. من نال استطال.
من جاد ساد. من كساه الحياء ثوبه، حجب عن العيون عيبه.
من كرم محتده حسن مشهده. من خبث عنصره ساء محضره. من خان هان. من أدمن قرع الباب ولج.
من استوطأ مركب الصبر فلج. من أخذ من أموره بالاحتياط سلم من الاختلاط. من نشر صبره طوى أمره. من امتن بمعروفه أفسده.
من قل حياؤه كثر ذنبه. من لان عوده كثرت أغصانه. من حسن خلقه كثر إخوانه. من يبرئ بصيرتك من العمى أكمل ممن يصح بصرك من القذى.
من غرس الطعام جنى الأسقام. من بالغ في المزاح أثم. من قصر فيه خصم. من غض عينه حصن دينه. من أثقل عليك فأوله أذناً صماء وعيناً عمياء.
من غره الشباب تقطعت به الأسباب. من ختم البضاعة أمن الإضاعة.
من خلب جلب.. من عز بز.
من نظر بعين الهوى حار، ومن حكم بحكم الهوى جار. من ساء خلقه عذب نفسه. من حب طب. من أحبك نهاك، ومن أبغضك أغراك.
من زرع المهل حصد الجذل. من أحسن الاعتذار استوجب الاغتفار.
من طال صبره ضاق صدره. من احتاج إليك ثقل عليك. من زرع شيئاً حصده، ومن قدم خيراً وجده.
من تنزه عن المطامع لم يعتبد. من لم يحتمل بشاعة الدواء دام ألمه. من لم يصلحه الخير أصلحه الشر. من لم يصلحه الطالي أصلحه الكاوي.
من تعلل بالمنى أفلس. من اغتاب خرق، ومن استغفر رقع.
من يرحم يرحم. من يصمت يسلم. من يقل الخير يغنم. من يكره الشر يعصم. من لا يملك لسانه يندم.
من بخل عليك ببشره لم يجد عليك ببره. من كف عنك شره فاصنع به ما سره. من كف ضيره فقد بذل خيره.
من تشاغل بالسلطان لم يتفرغ إلى الإخوان. من حصن سره كان الخيار في يده. من بدا جفا. من تنقل تبقل، ومن سعى رعى، ومن نام رأى الأحلام.
من استغنى برأيه فقد خاطر. من عرف الأيام لم يغفل الاستعداد لها.

من أحب من لا يعرفه فإنما يمازح نفسه. من حصن شهوته صان قدره. من ضاق خلقه مله أهله. من ركب العجلة لم يأمن الكبوة.
من تقدم بحسن النية بصره التوفيق. من قارب الناس في عقولهم 432 سلم من غوائلهم. من ساد عز. من التحف بالقناعة حالفه العز. من كانت له إلى الناس حاجة فقد خذل.
من عالج الشوق لم يستبعد الدار. من يزرع الشوك لا يحصد به العنب. من اطمأن قبل الاختبار ندم. من وصلك وهو معدم خير ممن جفاك وهو مكثر.
من لم يغض على القذى لم يرض أبداً. من تقلبت به الأحوال علم جواهر الرجال. من طمع ذل. من حفظ ماله فقد حفظ الأكرمين: الدين والعرض.
من تأدب صغيراً انتفع كبيراً. من سره بنوه ساءته نفسه. من أساء لفظه غبن حظه. من عذل سفيهاً عرض للشتم نفسه.
من اتبع عورة أخيه المسلم فضحه الله في بيته. من قل حياؤه قل ورعه.
من أكثر من المزاح استخف به، ومن أكثر الضحك اجترئ عليه. من أكثر من شيء عرف به.
من طلب العلم بالنجوم تزندق. من طلب المال بالكيميا أفلس. من طلب غرائب الحديث كذب.
من زنى زني به. من عتب على الدهر طالت معتبته. من سأل فوق قدره استحق الحرمان.
من شتم حليماً رجع ذميماً. من كفر النعمة منع الزيادة.
من شاب شيب له. من طلب عظيماً خاطر بعظيمته. من يلق خيراً يحمد الناس أمره. من ملك استأثر. من لم يشاور ندم. من أصبح على الدنيا حزيناً أصبح على الله ساخطاً. من شكا ضراً نزل به فإنما يشكو الله.
من لم يدار عيشه مات قبل أجله. من لاحى الرجال ذهبت كرامته. من اتخذ التقوى صاحباً كانت له ردءاً من الملمات. من كتم الأطباء مرضه فقد غش نفسه. من أحب أن يصرم أخاه فاليقرضه ثم يتقاضاه.
من حقر حرم. من أحبك لشيء زال حبه بزواله. من قال في الناس ما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون. من عرف بالصدق جاز كذبه.
من طلب ما عند السلطان بالغلظة لم يزدد منه إلا بعداً. من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فقد حرمت غيبته، وكملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته.
من استحيا من غيره ولم يستح من نفسه فليس لنفسه عنده مقدار.
من أدب ولده صغيراً سر به كبيراً. من كثر خيره كثر زائره. من أدب ولده أرغم حاسده.
من عرف حق أخيه دام إخاؤه، ومن تكبر على الناس ورجا أن يكون له صديق فقد غر نفسه.
من بسط بالخير لسانه انبسطت في القلوب محبته.
قالوا: أصبر الناس من صبر على كتمان سره فلم يبده لصديق فيوشك أن يكون عدواً فيذيعه.
قال ابن السماك: من فكر في أمره نهج له طريق رشده. من سل سيف البغي قتل به. من أطال الأمل أساء العمل.
من بذل حلو كلامه ومر فعاله فذلك العدو. من قصر عن الفضول نال من دهره كل مأمول. من جمع الحياء والسخاء فقد استجد الإزار والرداء. من لا يبال بالشكاية فقد اعترف بالدناءة. من رجع في هبته فقد استحكم اللؤم.
من جهل قدر نفسه فهو بقدر الناس أجهل. من أنف من عمل نفسه 433 اضطر إلى عمل غيره. من استنكف من أبويه فقد انتفى من الرشدة. من استغنى برأيه فقد خاطر بنفسه. ومن استعمل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ. من عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار.
من عرف الأيام لم يغفل الاستعداد. من قاسى الأمور عرف المستور.
من رغب عن الرشا اشتد ظهره عند الخصام. من لزم العفاف لزمه العمل. من أكل قليلاً عمل طويلاً. من تعسف النعمة نفرت عنه.
من أدل على السلطان استثقله، ومن امتن عليه عاداه. من كذب السلطان فقد خانه، ومن أذاع سره فقد خاطر بنفسه. من صحب السلطان لم يزل مرغوباً.
من اجتهد رأيه وشاور صديقه واستخار ربه فقد قضى الذي عليه. ولن يقضي الله إلا ما يحب في أمره.
من قل طمعه صح جسمه. قال أكثم: من جاع صح. من خاف الكذب أقل من المواعيد. من أدلج ولج.
من طلب الحلال خفت مئونته وقل كبرياؤه.
ومن قدر على خير فلم يعمل به لزمته الإساءة. من لم ينتفع به أحد لم يعظمه أحد، ومن لم يعظمه أحد استخف به كل أحد، ومن استخف به لقي الذل عياناً.
من كثر ذامه اضطر إلى مدح نفسه. من كافأ الإحسان تنوفس في الإحسان إليه. من أنفق سرفاً يوشك أن يموت أسفاً. من تأول كلام الناس على السخط كثرت ذنوب الناس إليه.
من رغب في حسن الثناء طاب نفساً عن الثراء.

من أمن الزمان خانه، ومن تعظم عليه أهانه ، ومن تضعضع لريبه قدعه ومن لجأ إليه أسلمه، ومن كابره عطب.
من سبقك إلى الخير فاطلب أثره. ومن ملك نفسه لم تملكه شهواته، ولم يصرعه هواه، ولم يملكه غضبه.
من خاف شيئاً اتقاه. من أحب شيئاً أكثر ذكره. من وثق بعمله اشتاق إلى الجزاء. من خاف غير الله فهو غير واثق بالله. من طلب العز بلا ذل، ذل من حيث يطلب العز.
من أطال الحديث عرض نفسه للملالة وسوء الاستماع. من أظهر شكرك فيما لم تأت إليه فاحذر أن يكفر نعمتك فيما أسديت إليه. من تحدث بحديث قبل أن يتدبره لم يسلم من عيبه.
من نظر في العواقب لم يشف غيظه. من زوج كريمته من سفيه فقد عقها. من منع بره قل أنصاره.
من أطلق لسانه أهدر دمه. من تذكر قدرة الله عليه لم يستعمل قدرته في ظلم عباده. من منع الناس ما يريد منهم مثله ظلم نفسه.
من استوحش في نفسه بالظن أوحش من نفسه باليقين. من استقصى على الناس قل صديقه، ومن أغضى على العوراء سهل طريقه.
من نظر في دينه إلى من هو فوقه يستصغر عمله، ونظر في دنياه إلى من هو دونه ليستكثر ما أعطى فقد وفق لحظه.
من منع المال من الحمد أورثه من لا يحمده. من اقتصر على قدره كان أبقى لحاله. من سعى بالنميمة حذره الغريب، ومقته القريب.
من أطال النظر أدرك الغاية. من أزعجه الخوف أمن. 434 من ضاق قلبه اتسع لسانه.
قال يحيى بن أكثم: من لم يرج إلا ما هو مستوجب كان قمنا أن يدرك حاجته. من عرف ثمار الأعمال فهو جدير ألا يغرس إلا طيباً. من صحب الحكماء ظفر بحسن الثناء.
من اغتر بالعدو الأريب خان نفسه. من عدم ماله أنكره أهله ومعارفه. من جانب هواه صح رأيه. من عاقب بريئاً فنفسه عاقب.
من عرضت له بلية رحم، ومن جناها ذم. من لم يجلس في شبيبته حيث يهوى جلس في كبره حيث لا يهوى.
من لم يركب المصاعب لم ينل الرغائب. من كان أغلب خصاله عليه الإحسان اغتفرت زلته، وأقيلت عثرته. من عتب على الدهر طالت معتبته.
من لم يأس على ما فاته تودع بدنه، ومن قنع بما هو فيه قرت عينه.
من رد الكرامة نصب شركاً وثيقاً للعداوة. من بخل بدينه عظم ربحه.
من قاهر الحق قهر. من ترك التوقي فقد استسلم لقضاء السوء.
من أكدى فكأنه لم يعمل. من تياسر عن القصد هجم على الضلال. من طلب بالله أدرك.
من لم تؤدبه المواعظ أدبته الحوادث. من تعود الكفاية لم يعرف مقدار الراحة. من أمن الزمان ضيع ثغراً مخوفاً. من استكفى من يتهمه خان نفسه. من أمن مكايد الأعداء لم يعد في العقلاء.
من لم يعرف قدره أوشك أن يذل، ومن لم يدبر ماله أوشك أن يفتقر.
من رق وجهه رق علمه. من لم يتحرز بعقله من عقله هلك من قبل عقله.
من حرم العقل فلا خير له ولا للناس في حياته، ومن حرم الجود فلا خير له ولا للناس في سلطانه، ومن حرم الفهم فلا خير له ولا للناس في قضائه.
من رضي عنه الجميع المختلفون استحق اسم العقل. من احتقر ما أعطى فهو تمام ما أعطى، ومن استكثر ما أتى إليه فقد قضى ما عليه.
من لم يحتمل زلل صديقه عاش بلا صديق. من قاده الزمان إلى صداقة عدوه فليكثر تيقظه. من حاول صديقاً يأمن زلته، ويدوم اغتباطه به كان كضال الطريق الذي لا يزداد لنفسه إتعاباً إلا ازداد من غايته بعداً.
من رضي بصحبة من لا خير فيه لم يرض بصحبته من فيه خير. من جمع الحرص على الدنيا والبخل بها استمسك بعمودي اللؤم. من استثقل أن يقال له الحق كان العمل به عليه أثقل.
الباب السابع
في سياسة السلطان وأدب الرعيةقال بعض الحكماء: إن قلوب الرعية خزائن واليها فما أودعه وجده فيها.
قالوا: صنفان متباينان إن صلح أحدهما صلح الآخر: السلطان والرعية.
قال بعض الحكماء: إذا صحبت السلطان فلتكن مداراتك له مداراة المرأة القبيحة لزوجها؛ فإنها لا تدع التصنع له في كل حال.
قال الأعمش: إذا رأيت العالم يأتي باب السلطان فاعلم أنه لص. 435 قال بعض الحكماء: ليغلق السلطان باب الأنس بينه وبين كفاته الذين تنفذ أمورهم في ملكه؛ فإن مؤانسته إياهم تبعث عليه بهم الجرأة وعلى الرعية الغشم.
قالوا: صنفان لو صلحا صلح جميع الناس الفقهاء والأمراء.
قيل: من داخل السلطان يحتاج أن يدخل أعمى ويخرج أخرس.
قيل للعتابي: لم لا تقصد الأمير؟ قال:

لأني أراه يعطي واحداً لغير حسنة ولا يد، ويقتل آخر بلا سيئة ولا ذنب. ولست أدري أي الرجلين أكون أنا، ولست أرجو منه مقدار ما أخاطر به.
قيل: العاقل من طلب السلامة من عمل السلطان، فإنه إن عف جنى عليه العفاف عداوة الخاصة، وإن بسط جنى عليه البسط ألسنة العامة.
قال سعيد بن حميد: مجلس السلطان كالحمام؛ من فيه يريد الخروج ومن هو خارج يريد الدخول فيه.
ابن المقفع: إقبال السلطان تعب، وإعراضه مذلة.
وقال آخر: السلطان إن أرضيته أتعبك، وإن أغضبته أعطبك.
قالوا: ينبغي للملك أن يتفقد أمر خاصته في كل يوم، وأمر عامته في كل شهر، وأمر سلطانه في كل ساعة.
قال بعضهم: إذا كنت حافظاً للسلطان في ولايتك، حذراً منه عند تقريبه لك، أميناً له إذا ائتمنك، تشكر له ولا تكلفه الشكر لك، تعلمه وكأنك تتعلم منه، وتؤدبه وكأنه يؤدبك، بصيراً بهواه، مؤثراً لمنفعته، ذليلا إن ضامك، راضياً إن أعطاك، قانعاً إن حرمك، وإلا فابعد منه كل البعد.
قال حكيم: محل الملك من رعيته محل الروح من البدن، ومحل الرعية منه محل البدن من الروح. فالروح تألم لألم كل عضو من أعضاء البدن، وسائره لا يألم لألم غيره، وفي فساد الروح فساد جميع البدن، وقد يفسد بعض البدن وغيره من سائر البدن صحيح.
قال سهل بن هارون: ينبغي للنديم أن يكون كأنما خلق من قلب الملك؛ يتصرف بشهواته، ويتقلب بإرادته، إذا جد جد، وإذا تطلق تطلق؛ لا يمل المعاشرة، ولا يسأم المسامرة، إذا انتشى تحفظ، وإذا صحا تيقظ.
ويكون كاتماً لسره، ناشراً لبره، ويكون للملك دون العبد؛ لأن العبد يخدم نائباً والنديم يحضر دائباً.
كان مسروق بن الأجدع ينهي عن عمل السلطان، فدعاه زياد وولاه السلسلة، فقيل له في ذلك، فقال: اجتمع علي زياد وشريح والشيطان، فكانوا ثلاثة وكنت واحداً فغلبوني.
قيل لبعض من يتصرف مع السلطان: لا تصحبهم؛ فإن مثلهم مثل قدر أسود كلما مسه إنسان سوده. فقال: إن كان خارج القدر أسود فإن داخله لحم سمين، وطعام لذيذ.
كان يقال: لا سلطان إلا برجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل وحسن سياسة.
قال بعض الملوك في خطبة: إنما نملك الأجساد لا النيات، ونحكم بالعدل لا بالرضا، ونفحص عن الأعمال لا عن السرائر. قيل: أفضل من عوشر به الملوك قلة الخلاف وتخفيف المئونة.
قيل: لا يقدر على صحبة السلطان 436 إلا من يستقل لما حملوه، ولا يلحف إذا سألهم، ولا يغتر بهم إذا رضوا عنه، ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه، ولا يطغى إذا سلطوه، ولا يبطر إذا أكرموه.
قيل لبعض الملوك وقد زال عنه ملكه: ما الذي سلبك ما كنت فيه؟ قال: دفع عمل اليوم إلى غده، والتماس عدة بتضييع عدد، وبذل أبطر وأضغن.
ابن المقفع: الناس على دين السلطان إلا القليل؛ فليكن للبر والمروءة عنده نفاق فسيكسد بذلك الفجور والدناءة.
وفيما قال أبو حازم لسليمان بن عبد الملك: السلطان سوق؛ فما نفق عنده أتى به.
قالوا: شر الأمراء أبعدهم من القراء، وشر القراء أقربهم من الأمراء.
قيل: إذا جعلك السلطان أخاً فاجعله رباً، وإن زادك فزده.
قال مسلم بن عمرو: ينبغي لمن خدم السلطان ألا يغتر بهم إذا رضوا ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه، ولا يستثقل ما حملوه، ولا يلحف في مسألتهم.
قالوا: مثل صاحب السلطان مثل راكب الأسد؛ يهابه الناس وهو لمركبه أهيب.
للكاتب على الملك ثلاث: رفع الحجاب عنه، واتهام الوشاة عليه، وإفشاء السر إليه.
يجب على الملك أن يعمل بثلاث خصال: تأخير العقوبة في سلطان الغضب، وتعجيل مكافأة المحسن، والعمل بالأناة فيما يحدث، فإن له في تأخير العقوبة إمكان العفو، وفي تعجيل المكافأة بالإحسان المسارعة في الطاعة من الرعية، وفي الأناة انفساخ الرأي واتضاح الصواب.
قال رجل لبعض السلاطين: أسألك بالذي أنت بين يديه أذل مني بين يديك، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي، إلا نظرت في أمري نظر من يرى برئي أحب إليه من سقمي وبراءتي أحب إليه من جرمي.
ابن المقفع: لا ينبغي للملك أن يغضب؛ لأن القدرة من وراء حاجته. ولا يكذب؛ فإنه لا يقدر أحد على استكراهه على غير ما يريد، ولا يبخل فإنه يخاف الفقر، ولا يحقد لأن خطره قد جل عن المجازاة.
قال أبو حازم:

للسلطان كحل يكحل به من يوليه، فلا يبصر حتى يعزل.
حكي عن بعضهم أنه قال: حاجب السلطان نصفه، وكاتبه كله. وينبغي لصاحب الشرطة أن يطيل الجلوس، ويديم العبوس، ويستخف بالشفاعات.
ابنلي بعض الملوك بصمم فقال: لئن كنت أصبت بسمعي، فلقد متعت ببصري. ثم نادى مناديه: من ظلم فليلبس ثوباً مصبوغاً وليقم حيث أراه فأدعو به وأنظر في أمره.
كان يقال، إن الملوك من الفرس وغيرهم كانوا يهنئون بالعافية، ولا يعادون من العلة؛ لأن عللهم كانت تستر نظراً وإبقاء عليهم، ولا يعلمها إلا خواصهم. وكانت عافيتهم تشتهر؛ لما للناس من الصلاح بها، ودوام الألفة، واستقامة الأمور عنها.
قال بعضهم: إذا صحبت السلطان فلتكن مداراتك مداراة المرأة القبيحة للزوج المبغض لها؛ فإنها لا تدع التصنع له بكل حيلة.
قال فيلسوف: إذا قربك السلطان فكن منه على حد السنان، وإن استرسل إليك فلا تأمن انقلابه عليك، وارفق به رفقك بالصبي، وكلمه بما يشتهي.
ودخل يزيد بن عمر بن هبيرة على المنصور فقال له: يا أمير المؤمنين؛ توسع توسعاً قرشياً، ولا تضق 437 ضيقاً حجازياً. وقال: يا أمير المؤمنين، إن سلطانكم حديث، وإمارتكم جديدة، فأذيقوا الناس حلاوة عدلها، وجنبوهم مرارة جورها، فوالله يا أمير المؤمنين لقد مخضت لك. ثم نهض فنهض معه تسعمائة من قيس، فأتأره المنصور بصره ثم قال: لا يعز ملك فيه مثل هذا.
قالوا: عدل السلطان أنفع للرعية من خصب الزمان.
كان الفضل بن الربيع يقول: مساءلة الملوك عن أحوالهم من كلام النوكى فإذا أردت أن تقول: كيف أصبح الأمير؟ فقل: صبح الله الأمير بالكرامة. وإن أردت أن تقول كيف يجد الأمير نفسه؟ فقل: وهب الله الأمير العافية ونحو هذه الأشياء فإن المساءلة توجب الجواب فإن لم يجبك اشتد عليك وإن جابك اشتد عليه.
قيل لابن عباس: إن الناس قد فسدوا ولا يصلحهم إلا الشر. قال: بالله الذي لا إله إلا هو للجور أشب للشر، والعدل أطفأ للجور. وفي العدل كفاية، وإليه انتهت السياسة. وقد يصيب الوالي في رعيته بأربع من نفسه وأربع من أنفسهم؛ فأما الأربع اللواتي منهم فالرغبة والرهبة والأمانة والنصيحة. وأما الأربع اللواتي من نفسه فإعطاء من نصحه، والجزاء لمن أبلاه، وعقوبة ذي الذنب بقدر ذنبه، والتنكيل بمن تعدى أمره. فإن هو لم يفعل ذلك وتراخى ابتلى منهم بأربع: بالغش والخذلان والخيانة والنكد.
قيل: ليعلم من نال شرف المنزلة من السلطان وهو دني الأصل أنه ثأر الأشراف، وأنه لا نجاة له منهم إلا أن يعمرهم بالإحسان إليهم.
إذا كان الملك ضعيفاً، والوزير شرها، والقاضي كذوباً فرقوا الملك شعاعاً.
ملك عسوف أجدى على الرعية من ملك مقتصد السيرة ضعيف؛ لأن العسوف القوي قد يدفع عن البيضة بقوته، ومعه أنفة يحمي بها حوزته، والضعيف لا يستقصي حقة، ولا يأخذ حقوق رعيته، ولا قوة به على دفع عدوه وعدوهم.
إذا قنع الملك بإفساد دينه لم تقنع رعيته إلا بإزالة ملكه.
ظلم الرعية استجلاب البلية.
أحزم الملوك من ملك جده هزله، وقهر رأيه هواه، وعبر عن ضميره فعله، ولم يخدعه رضاه عن حظه، ولا غضبه عن كيده.
قالوا: أربعة أشياء تقبح بأهلها: ضيق ذرع الملك، وسرعة غضب العالم، وبذاء النساء، وكذب القضاة.
خير الملوك من حمل نفسه على خير الآداب، ثم حمل رعيته على الإقتداء به. أعجز الملوك أضعفهم عن إصلاح بطانته.
إذا اضطر الملك إلى الكذب فليهرب من ملكه.
العجب ممن استفسد رعيته وهو يعلم أن عزه بطاعتهم.
إذا رغب الملك عن العدل رغبت رعيته عن طاعته.
إذا لم يرجع الملك إلا إلى رأى وزيره، فالوزير هو الملك، والملك سوقة مسخر.
من لم يصلح نفسه من الملوك عسر عليه إصلاح رعيته، وكيف يعرف رشد غيره من يعمى عن ذات نفسه؟ لا تخف صولة الأمراء مع صداقة الوزراء.
طال حزن من غضب على الملوك وهو لا يقدر على الانتقام منهم.
صحبة السلطان بلا أدب كركوب البرية بغير ماء.
اثنان ينبغي للملك أن يحذرهما: الزمان 438 والأشرار.
إذا امتهنت خاصة الملك فالملك هو الممتهن.
ينبغي لصاحب السلطان أن يستعد لعذر ما لم يجنه، وأن يكون آنس ما يكون به أوحش ما يكون منه. فإذا سلمت الحال عنده فلا ينبغي له أن يأمن ملالته.
أقوى الملوك في الدنيا أعلمهم بضعفه في الآخرة.

لا أحد أمر عيشاً وأكثر نصباً وأطول فكرة من الملك العارف بالعواقب، الموقن بالمعاد.
موت الملك الجائر خصب شامل، لأنه لا قحط أشد من جور السلطان.
إذا تفرغ الملك للهوه تفرغت رعيته لإفساد ملكه.
إذا وقفت الرعية على سرائر الملوك هان عليها أمرها.
ينبغي للملك أن يأنف من أن يكون في رعيته من هو أفضل ديناً منه، كما يأنف أن يكون فيهم من هو أنفذ أمراً منه.
أعجب الأشياء ملك يطلب نصيحة رعيته مع ظلمهم.
ليعلم الملك أن الذي له عند رعيته مثل الذي لرعيته عنده.
وضع الشدة في موضع اللين سوء بصر بالتدبير، والاستسلام لرأي الوزراء هو العزل الخفي.
إذا لم يشرف الملك على أموره فليعلم أن أغش الناس له وزيره.
من استكفى الأمناء ربح التهمة.
قضاء حق المحسن أدب للمسيء، وعقوبة المسيء حسن جزاء المحسن.
لن تجد الحرب الغشوم أسرع في اجتياح الملك من تضييع المراتب، حتى يصيبها أهل النذالة والفسولة، ويزهد فيها أولو الفضل، ويطمع فيها الأراذل.
قالوا: إذا أراد الله إزالة ملك عن قوم جبنهم في آرائهم.
العجب من سلطان يبتدئ على رعيته والسيف والسوط بيده.
لا شيء أذهب بالدول من تولية الأشرار.
الملك لا تصلحه إلا الطاعة والرعية لا يصلحها إلا العدل.
دخل أبو مجلز على قتيبة بخراسان وهو يضرب رجلاً بالعصا فقال: أيها الأمير؛ إن الله جعل لكل شيء قدراً، ووقت له وقتاً؛ فالعصا للأنعام والهوام والبهائم العظام، والسوط للحدود والتعزير، والدرة للأدب، والسيف لقتال العدو والقود.
قالوا: عمل السلطان حديث فكن حديثاً حسناً.
إذا ضيعت الملوك سنن أديانها أنها تهدم أساس ملكها.
لا ينبغي للملك أن يكون سفيها ومنه يلتمس الحلم، ولا جائراً ومنه يلتمس العدل.
إذا لم يثب الملك على النصيحة غشته الرعية.
وفد على معاوية عبيد بن كعب النميري فسأله عن زياد وسياسته فقال: يستعمل على الجد والأمانة دون الهوى، ويعاقب فلا يعدو بالذنب قدره ويسمر ليستجم بحديث الليل تدبير النهار قال: أحسن. إن التثقيل على القلب مضرة بالرأي. فكيف رأيه في حقوق الناس فيما عليه وله؟ قال: يأخذ ماله عفواً ويعطي ما عليه عفواً. قال: فكيف عطاياه؟ قال: يعطي حتى يقال جواد، ويمنع حتى يقال بخيل.
قالوا: التذلل للملوك داعية العز والتعزز عليهم ذل الأبد.
كثرة أعوان السوء مضرة للأعمال.
الدالة على الملوك تعرض للسقوط. خير الملوك من ملك جهله بحلمه، وخرقه برفقه، وعجلته باناته، وعقوبته 439 بعفوه، وعاجله بمراقبة آجله، وأمن رعيته بعدله، وسد ثغورهم بهيبته، وجبر فاقتهم بجوده. يعلم وكأنه لا يعلم، ويحسم الداء من حيث استبهم.
بغض الملوك كي لا يبرأ، وحسدهم عر يتفشى.
السلطان في تنقله وتنقل الناس معه كالظل الذي تأوي إليه السابلة.
شدة الانقباض من السلطان تورث التهمة، وسهولة الانبساط تورث الملالة.
من سعادة جد المرء ألا يكون في الزمان المختلط مدبراً للسلطان.
من سكرات السلطان أن يرضى عمن استوجب السخط، ويسخط على من استوجب الرضا من غير سبب معلوم.
بلغ بعض الملوك حسن سياسة ملك فكتب إليه: قد بلغت من حسن السياسة مبلغاً لم يبلغه ملك في زمانك، فأفدني الذي بلغكه. فكتب إليه: " لم أهزل في أمر ولا نهي، ولا وعد ولا وعيد، واستكفيت أهل الكفاية، وأثبت على الغناء لا على الهوى، وأودعت القلوب هيبة لم يشبها مقت، ووداً لم يشبه كذب، وعممت بالقوت ومنعت الفضول " .
أمران جليلان لا يصلح أحدهما إلا بالتفرد به، ولا يصلح الآخر إلا بالتعاون عليه: وهما الملك والرأى؛ فإن استقام الملك بالشركاء استقام الرأي بالتفرد به.
لا شيء أهلك للسلطان من صاحب يحسن القول ولا يحسن العمل.
اصحب السلطان بإعمال الحذر، ورفض الدالة، والاجتهاد في النصح واصحبه بثلاث: بالرضا والصبر والصدق.
اعلم أن لكل شيء حداً، فما جاوزه كان سرفاً، وما قصر عنه كان عجزاً. فلا تبلغ بك نصيحة السلطان أن تعادي حاشيته من أهله وخاصته؛ فإن ذلك ليس من حقه عليك. ولكن أقضى لحقه عنك، وأدعى للسلامة إليك أن تستصلح أولئك جهدك، فإنك إذا فعلت ذلك شكرت نعمته، وأمنت حجته، وفللت عدوك عنده.

إذا جاريت عند السلطان كفئاً من أكفائك فلتكن مجاراتك إياه بالحجة، وإن عضهك، وبالرفق وإن خرق بك؛ واحذر أن يستلجك فتحمى، فإن الغضب يعمي عن الفرصة، ويقطع عن الحجة، ويظهر عليك الخصم.
احترس أن يعرفك السلطان باثنين: بكثرة الإطراء للناس عنده، وبكثرة ذمهم؛ فيعد ذلك غلاً منك فإنه إذا رأى كثرة إطرائك للناس وذمهم ضر ذلك صديقك وإن كان محقاً، وأمن عدوك كيدك وإن كان معوراً. وعليك بالقصد والتحرز؛ فإنه إن يعرفك به كنت لعدوك أضر ولصديقك أنفع.
لاتتورد على السلطان بالدالة وإن كان أخاك، ولا بالحجة وإن وثقت أنها لك، ولا بالنصيحة وإن كانت له دونك فإن السلطان تعرض له ثلاث: القدرة دون الكرم، والحمية دون النصفة، واللجاج دون الحظ.
سئل بعضهم: أي شيء أرفع بذكر الملوك؟ قال: تدبيرهم أمر البلاد بعدل، ومنعهم إياها بعز.
قيل: فما الذي على الملوك لرعيتهم، وما الذي على الرعية لملوكهم؟ قال: على الملوك لرعيتهم 440 ما تأمن عليه أنفسهم ويرغد عليه عيشهم. وللملوك على رعيتهم الشكر والنصيحة.
اعلم أن الملوك تحتاج إلى الوزير، وأشجع الرجال يحتاج إلى السلاح وأجود الخيل يحتاج إلى السوط، وأحد الشفار يحتاج إلى المسن.
صلاح الدنيا بصلاح الملوك، وصلاح الملوك بصلاح الوزراء، ولا يصلح الملك إلا لأهله ولا تصلح الوزارة إلى لمستحقها.
أفضل عدد الملوك صلاح الوزراء الكفاة؛ لأن في صلاحهم صلاح قلوب عوامهم لهم.
خير الوزراء أصلحهم للرعية، وأصدقهم نية في النصيحة، وأشدهم ذباً عن المملكة، وأشدهم بصيرة في الطاعة، وآخذهم لحقوق الرعية من نفسه وسلطانه.
ليس شيء للملوك أولى بالفرح والسرور به في ملكها من سيرة حسنة يسيرونها، وسنة صالحة يجرونها، ووزير صالح يؤيدون به.
الوزير الخير لا يرى أن صلاحه في نفسه كائن صلاحاً حتى يتصل بصلاح الملك ورعيته، وتكون عنايته فيما عطف الملك على عامته، وفيما استعطف قلوب العامة على الطاعة لملكه، وفيما قوم أمر الملك والمملكة من تدبيره، حتى يجمع إلى أخذ الحق وتقديمه عموم الأمن والسلامة، ويجمع إلى صلاح الملك صلاح أتباعه. وإذا طرقت الحوادث، ودهمت المظائم، كان للملك عدة وعتاداً، وللرعية كافياً محتاطاً، ومن ورائها ذاباً ناصراً، يعنيه من صلاحها ما لا يعنيه من صلاح نفسه دونها.
مثل الملك الصالح إذا كان وزيره فاسداً مثل الماء الصافي العذب الذي فيه التماسيح؛ لا يستطيع الإنسان وإن كان سابحاً، وإلى الماء ظامئاً، دخوله حذراً على نفسه.
لا ينبغي للوالي أن يسرع إلى حبس من يكتفي له بالجفاء والوعيد.
ينبغي للوالي أن يكون عالماً بأمور عماله فإن المسيء يخاف خبرته قبل أن تنزل به عقوبته، والمحسن يستبشر بعمله قبل أن يأتيه معروفه.
ينبغي للوالي أن تعرفه رعيته بالأناة، وألا يعجل بالعقاب ولا بالثواب؛ فإن ذلك أدوم لخوف الخائف، ورجاء الراجي.
ينبغي للوالي أن تعلم رعيته أنه لا يصاب خيره إلا بالمعونة له على الخير، فإن الناس إذا علموا ذلك تصنعوا، والمتصنع لا يلبث أن يلحق بأهل الفضل.
من طلب ما عند السلطان والنساء بالشدة بعد عنه ما يطلب، وفاته ما يلتمس.
ودخل محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز حين استخلف فقال له: إني مستعين بك على عملي. قال: لا. ولكني سأرشدك: أسرع الاستماع، وأبطئ في التصديق، حتى يأتيك واضح البرهان، ولا تعملن سجنك فيما يكتفى به بلسانك، ولا تعملن سوطك فيما يكتفى فيه بسجنك ولا تعملن سيفك فيما يكتفى فيه بسوطك.
كان بعضهم يوصي عماله فيقول: سوسوا الناس بالمعدلة، واحملوهم على النصفة، واحذروا أن تلبسونا جلودهم، أو تطعمونا لحومهم، أو تسقونا دماءهم.
بالولاية يعرف الرجل الحازم.
إذا أردت أن يقبل الوالي مشورتك فلا تشبه بشيء من الهوى؛ فإن الرأي يقبل، والهوى يرد.
لا يخطرن للملك أنه إن استشار الملك الرجال ظهرت منه الحاجة 441 إلى رأي غيره؛ فإنه ليس يريد الرأي للافتخار به، وإنما يريد للانتفاع به.
قال حذيفة: إياكم ومواقف الفتن، فإن أبواب الأمراء، يدخل الداخل على الأمير فيقول له الباطل ليرضيه.
قال ابن المقفع: لتكن حاجتك في الولاية ثلاث خصال: رضا ربك ورضا سلطانك، ورضا صالح من تلي عليه. ولا عليك أن تلهو عن المال والذكر. فسيأتيك منهما ما تكتفي به.

إن ابتليت بصحبة وال لا يريد صلاح رعيته فاعلم أنك خيرت بين خلتين ليس فيهما خيار، إما الميل على الرعية فهو هلاك الدين، وإما الميل على الوالي مع الرعية فهو هلاك الدنيا.
تبصر ما في الدنيا من الأخلاق التي تحب أو تكره، ثم لا تكابره بالتحويل له عما يحب ويكره؛ فإن هذه رياضة صعبة تحمل على الإباء والقلى. قلما يقدر على نقل رجل عن طريقته التي هو عليها بالمكابرة، ولكن تقدر أن تعينه على أحسن مذاهبه؛ فإنك إذا قويت له المحاسن كانت هي التي تبصره المساوي بألطف من تبصيرك في نفسه.
إن كان سلطانك على جدة دولة فرأيت أمراً استقام بغير رأي، وعملاً استتب بغير حزم، وأعواناً أجيزوا بغير نيل، فلا يغرنك ذلك ولا تستنيمن إليه؛ فإن الأمور تصير إلى حقائقها وأصولها. وما بني منها على غير أصل وثيق، ودعائم محكمة، أوشك أن يتداعى وينصدع.
لا تطلبن من قبل السلطان بالمسألة، ولكن اطلبه بالاستحقاق، واستأن به ولا تستبطئه، فإنك إذا استحققت ما عنده أتاك عن غير طلب، وإن لم تستبطئه كان أعجل له.
اعلم أن السلطان إذا انقطع عنه الآخر نسي الأول، وأن أرحامه مقطوعة، وحباله مصرومة إلا عمن رضي عنه.
إياك أن يقع في قلبك التعنت على الوالي، والاستزادة له؛ فإن ذلك إذا وقع في قلبك بدا في وجهك إن كنت حليماً، وعلى لسانك إن كنت سفيها؛ وإذا ظهر ذلك للولي كان قلبه أسرع إلى التغير والتعتب من قلبك.
إذا أصبت الجاه والخاصة عند السلطان فلا تتغير لأحد من أهله وأعوانه؛ فإنك لا تدري متى ترى أدنى جفوة فتذل لهم، وفي ذلك من العار ما فيه.
لا يواظب أحد على باب السلطان فيلقى عنه الأنفة ويحتمل الأذى ويكظم الغيظ. ويرفق بالناس إلا كاد يخلص إلى حاجته عند السلطان.
الباب الثامن
نوادر النساء المواجن والجواريقال رجل: قلت لجارية أردت شراءها: لا يريبنك شيبي فإن عندي قوة 442 فقال: أيسرك أن عندك عجوزاً معتلمة.
قال آخر: كانت لي جارية، فأردتها على بعض الأمر فقالت: إن الأعور الدجال لا يدخل المدينة ولكن يلم بأعراضها.
كانت جارية الجمهوري في غاية المجون، ولها إليه رسائل كثير معروفة قالت له يوماً: إن فلاناً اليهودي بذل لي عشرين دينارا على أن أعطيه فرداً فلم أفعل. قال مولاها: كذبت والله أنت حينئذ في القيان ويقع في يدك عشرون ديناراً بفرد فلا تجيبين إليه؟ فقالت: محوت الصحف إن كنت فعلت ذلك عفافاً، ولكن لم أشته أن أنام تحت أقلف: قال: أسخن الله عينك! اليهود لا يكونون قلفاً. فقالت: يا مولاي؛ عزمك أن تخرج إلى البستان، فإني لم أعلم، وقد ندمت، واليهودي بعد مقيم على العهد.
وكتب إليها يوماً: يا ست مولاها؛ ما دمت فارغة خدي من ذلك اللوز المقشر وبخريه بخوراً طيباً فإن المحلب عندنا قد نفذ، ومحلب السوق ليس بطيب. فكتبت إليه: سخنت عينك يا مطر؛ مذ لم أر من خبزه شعير وضراطه حواري غيرك.
وكتبت إليه مرة: قد صرت لوطيا صاحب مردان. أعوذ بالله من البطر، ولكن الحائك إذا بطر سمي ابنته سمانة.
استعرض رجل جارية فقال: في يديك عمل؟ قال: لا ولكن في رجلي وأدخل على المنصور جاريتان فأعجبتاه.. فقالت التي دخلت أولاً: يا أمير المؤمنين، إن الله قد فضلني على هذه بقوله: " والسابقون الأولون " فقالت الأخرى: لا بل قد فضلني بقوله: " وللآخرة خير لك من الأولى " استعرض واحد جارية فاستقبح قدميها فقالت: لا تبال؛ فإني أجعلها وراء ظهرك.
طلبت جارية محمود الوراق للمعتصم بسبعة آلاف دينار، فامتنع من بيعها، واشتريت له بعد ذلك من ميراثه بسبعمائة دينار، فذكر المعتصم لها ذات يوم فقالت: إذا كان اللخليفة ينتظر بشهواته المواريث فسبعون ديناراً في ثمني كثير. فكيف سبعمائة؟ اقترح بعضهم على جارية أن تغني له:
سري وسرك لم يعلم به أحد ... إلا الإله وإلا أنت ثم أنا
فقالت: يا سيدي والقواد فلا تنسه.
قال بعضهم: نظرت إلى جارية مليحة في دهليز، فقالت: يا سيدي؛ تريد الني.؟ قلت: أي والله. قالت: فاقعد حتى يجئ مولاي الساعة فيني.. كما نا .. ...ني البارحة.
كان بعض المجان يعشق جارية أمجن منه، فأضاق يوماً فكتب إليها:

قد طال عهدي بك يا سيدتي، وأقلقني الشوق إليك، فإن رأيت أن تستدركي رمقي بمضغة علك تمضغينه وتجعلينه بين دينارين وتنقذينه لأستشفى به فعلت إن شاء الله. ففعلت ذلك وكتبت إليه: قد سارعت إلى أمرك يا سيدي، فتفضل برد الطبق والمكبة واستعمل خبر النبي عليه السلام: " استدروا الهدايا برد الظروف " .
وطلب آخر من عشيقته خاتماً كان معها فقالت: يا سيدي هذا ذهب وأخاف أن تذهب، ولكن هذا العود حتى تعود.
وقال بعضهم لأخرى: أرى شفتك مشققة فقالت: التين إذا احلولى تشقق.
جاءت واحدة إلى مناد في السوق فقالت: خذ هذه المخلاة وناد عليها. وأشارت إلى حرها فقال: أنا الساعة مشغول ولكن علقيه في هذا الوتد إلى أن أفرغ. وأشار إلى متاعه.
قال الأصمعي 443: مرت بي أعرابيتان تتحدثان، فأصغيت إليهما فإذا إحداهما تقول للأخرى: ما علمت أن الزب من لحم حتى قدمت العراق.
قال الجاحظ: ابتاع فتى صلف بذاخ جارية بخارية حسناء ظريفة بزيعة فلما وقع عليها قال لها مراراً: ما أوسع حرك. فلما أكثر عليها قالت له: أنت الفداء لمن كان يملؤه.
ومثل ذلك حديث أبرويز مع كردية أخت بهرام شوبين، وكانت تحت أخيها. فلما قتل عنها تزوجها أبرويز وحظيت عنده وكانت في غاية الجمال فقال لها يوماً: ما يشينك شيء غير سعة حرك. فقالت: إنه ثقب بأير الرجال.
قال بعضهم: كانت لإنسان جارية ظريفة يقال لها عطارد، وقد كانت قومت الكواكب بعدة زيجات قال: فحدثني بعض الحساب الذين كانوا يطارحونها أنه قال لها يوماً وهو يعلمها استخراج التواريخ بعضها من بعض: إذا أردت ذلك فخذي عدد السنين التامة إلى العام الذي أنت فيه. ثم خذي ما مضى من الشهور إلى الشهر الذي أنت فيه، وخذي من أيام الشهر إلى اليوم الذي أنت فيه. قال: فلما كثر عليها قولي: أنت فيه ما تمالكت أن استلقت ضحكاً، وبقيت خجلاً لا أدري مم تضحك. قال: ثم قالت لي: كم تقول أنتفيه، أنتفيه هو مثل الراحة، فإن هممت بشيء فدونك. قال: فوقفت على الأمر الذي أضحكها وخرجت فلم أعد إليها من الحياء.
قال الرشيد لغضيض جاريته: إنك لدقيقة الساقين. قالت: أحوج ما تكون إلي لا تراهما.
اشترى المكتفي جارية ماجنة من دار مؤنس. وكان مؤنس مبخلاً فسألها المكتفي عن مروءته، فقالت: طبخ لنا يوماً عدسية ودعانا عليها، فكانت العدسة تلقي العدسة فتقول: يا أختي؛ ما خبرك؟ وما حالك؟ وكانت القطعة من اللحم تعدو خلف القطعة فلا تلحقها فتصيح خلفها وتقول: والله لئن لحقتك لأضعفنك. فضحك المكتفي حتى غشي عليه.
خاصم رجل إمرأته فشتمته فقال لها: والله لئن قمت إليك لأشقن حرك. فقالت: لا والله ولا كل أير ببغداد.
قيل لمدينية: أيما أحب إليك التمر أو الني؟ قالت: التمر ما أحببته قط.
اجتازت امرأتان بشيخ فجمش إحداهما فقالت لها الأخرى: اقدحي له. أي اضرطي عليه. فقالت: يا أختي الحراق رطب.
أدخل رجل في قحبة في شهر رمضان، فلما دفع فيها أراد أن يقبلها فحولت وجهها وقالت: بلغني أن القبلة تفطر الصائم.
قال شبيب بن شيبة: اشتريت جارية فأصبت منها ما يصيب الشيخ من الشابة، ثم خرجت لحاجتي فرجعت وقد تدثرت وعصبت رأسها. وقالت: مالك لا جزاك الله خيراً! والله ما زدت علي أن هيجته علي وتركته يتقطع في أوصالي.
كتب رجل إلى عشيقته: مري خيالك أن يلم بي. فكتبت إليه: ابعث إلي بدينارين حتى أجيئك بنفسي.
قدم بعضهم عجوزاً دلالة إلى القاضي فقال: أصلح الله القاضي؛ زوجتني هذه امرأة فلما دخلت بها وجدتها عرجاء فقالت: أعز الله القاضي: زوجته امرأة يجامعها ولم أزوجه حمارة يحج عليها.
كتب تاجر من قطيعة الربيع إلى مغنية كان يهواها رقعة قال في أولها: عصمنا الله وإياك بالتقوى. فكتبت إليه في الجواب: يا غليظ الطبع، إن أجاب الله 444 دعائك لم نلتق أبداً. وقطعته.
كتب الجماز إلى مغنية رقعة وحشاها بالشعر، فكتبت على ظهرها لا تجتمع شعرتان بشعر.
قال بعضهم: سمعت امرأة بباب الطاق وهي تقول لصاحبتها في عشية يوم عيد: إيش رأيت يا أختي في هذا الزحام؟ قالت: يا أختي، رأيت العجب، رأيت أيوراً تتمطى، وأرحاماً تتثاءب.
لسع زنبور عروساً في هنها ليلة زفافها، فقالت الماشطة: من؟ ولمن وفي أي مكان؟ وأية ليلة.

دخل صبي مع أبيه الحمام فعاد إلى أمه فقال: ما رأيت أصغر زباً من أبي. فقالت: وفي أي شيء كان لأمك بخت حتى يكون لها في هذا؟ لما خست العقارات ببغداد حضرت مغنية بعض المجالس وهي مختضبة فقال لها إنسان: ما اسم هذا الخضاب؟ قالت: ضراط السكان على أصحاب العقار.
قال رجل واسع الفم أهدل الشفتين لمغنية: أشتهي أن أدخل لساني في فمك قالت: ولم؟ قد قامت القيامة حتى يلج الجمل في سم الخياط؟ زحمت مدينية رجلاً فقال: المستعان الله منكن. ما أكثركن! قالت: نحن على هذه الكثرة وأنتم تلوطون وتتبادلون. فلو كانت فينا قلة ن..تم الحمير.
عرضت على المعتز جارية فقال لها: ما أنت من شرطي قالت: ولكنك من شرطي والله. فاشتراها وحظيت عنده.
قال أحمد بن يوسف كنت أعزل عن جارية لي فقالت لي يوماً: يا مولاي؛ ما أقل حاجة الدرداء إلى السواك! عرضت على المتوكل جارية فقال لها: إيش تحسنين؟ قالت: عشرين لوناً رهزا. فأعجبته فاشتراها.
قال أبو العيناء: اشتريت جارية مليحة ماجنة فلما قمت إليها لم يقم أيري، فأخذته بيدها وقالت: يا مولاي؛ هذا يصلح للمضيرة قلت: وكيف ذاك؟ قالت: أليس هو البقلة الحمقاء.
استعرض ابن المدبر طباخة فقال لها: أتحسنين الحشو؟ قالت: الحشو إليك.
عرضت جارية على فتى للبيع فكشفت عن حرها وقالت: انظر كم مساحة هذا القراح. فخجل الفتى. فقالت له: لو كنت ظريفاً لقلت: حتى أخرج قصبة المساحة.
قال أبو النواس يوما لقينة وأشار إلى أيره في أي سورة هو: " فاستغلظ فاستوى على سوقه " فاستلقت وتكشفت وقالت: " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " .
وكان يوما عند بغض إخوانه إذ خرجت عليه جارية بيضاء عليها ثياب خضر فلما رآها مسح عينيه وقال: خيراً رأيت إن شاء الله فقالت: وما رأيت ؟ قال: رأيت كأني راكب دابة أشهب عليه جل أخضر قالت: إن صدقت رؤياك استدخلت فجلة.
قال أبو زيد عمر بن شبه وكان عظيم الأنف: اشتريت جارية بريعة، فلما أهويت - إليها لأقبلها قالت: يا مولاي، نح عن وجهي ركبتيك، ولك فيما دون ذلك متسع.
مرت امرأة حبلى برجل، فتعجب من عظم بطنها فقال: ما كان أحذق هذا الحشو! فقالت المرأة: إذا شئت فابعث بأمك حتى آمر زوجي بأن يحشوها خيراً من هذا.
اعترض المتوكل جاريتين بكراً وثيباً، فقالت الشيب: ما بيننا إلا يوم واحد. فقالت البكر: " وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون " .
وقالت واحدة منهن: الني.. في الاست وتد العشق.
قال رجل لابنة له: أريد أن أزوجك من فلان. قالت: يا أبه. الله الله. فإني 445 لا أصبر عنك ولا أحتاج إلى زوج. قال: فإني أتركه لعل الله يسهل خيراً منه، فإنه بلغني عنه خصلة لا أرضاها لك. قالت: وما هو؟ قال: بلغني أن أيره مثل أير الحمار. قالت: يا أبه؛ زوجني في حياة منك؛ فإن الحوادث لا تؤمن.
اشترى رجل جارية نصرانية فواقعها وكان له متاع وافر، فلما أدخله عليها قالت: بأبي النبي الأمي. فقال الرجل: هذا أول حر أسلم على يد أير.
وكان مع عبد الملك جارية له لما واقع مصعب بن الزبير فنظرت إلى مقتول قد انقلب وانتفخ أيره. فقالت: يا أمير المؤمنين؛ ما أعظم أيور المنافقين! فلطمها وقال: اسكتي لعنك الله.
وكان رجل دل بآلته وعظمها فقال يوماً لامرأة وقد واقعها وأعجبه ما معه: ألم يخرج من حلقك بعد؟ قالت: أوقد أدخلته بعد؟ سألت واحدة أخرى: ما تقولين في ابن عشرين؟ قالت: ريحان تشمين. قالت: فابن ثلاثين؟ قالت: أبو بنات وبنين. قالت: فابن الأربعين؟ قالت: شديد الطعن متين. قالت: فابن الخمسين؟ قالت: يجوز في الخاطبين. قالت: فابن الستين؟ قالت: صاحب سعال وأنين. قالت: فابن سبعين؟ قالت: اكتبيه في الضراطين. قالت: فابن ثمانين؟ قالت: أنت في حرج إن لم تسكتين.
قال بعضهم: خرجت إلى بعض القرى في أمانة، وكنت مولعاً بالباه، فلما غبت أياماً لم أصبر، فخرجت يوماً إلى الصحراء فرأيت عجوزاً عليها كساء ومعها جرة فأخذتها فقالت لي: من أنت؟ قلت: أنا سبع آكلك فن..تها ومضت ورجعت إلى السدر، وأنا قاعد ذات يوم فإذا بالعجوز قد عرفتني، فأقبلت نحوي وقالت: سبع، قم كلني.

وحكى بعضهم: أنه كان جالساً مع امرأته في منظرة فجاز غلام حسن الوجه فقالت المرأة: أعيذه بالله ما أحسن وجهه! فقال الزوج: نعم؛ لولا أنه خصي، فقالت: لعن الله من خصاه.
لما زفت عائشة بنت طلحة إلى مصعب قال: والله لأقتلنها جماعاً. فواقعها مرة ونام، فلم ينتبه إلى السحر، فحركته وقالت: انتبه يا قتال! قال بعضهم، وكان دميماً: كنت ذات يوم واقفاً عند الجسر أحدث صديقاً لي، فوقفت امرأة بحذائي وقوفاً طويلاً، وأدامت النظر إلي، فقلت لغلامي: انظر ما تريد هذه المرأة. فدنا منها وسألها فقالت: كانت عيني أذنبت ذنباً، فأحببت أن أعاقبها بالنظر إلى هذا الشيخ.
فال رجل لجاريته: أعطيني خلالة أو شيئًا. فأتته ببعرة، وقالت: لم تحضر الخلالة وهذا شيء.
غاضبت امرأة زوجها فأحال عليها يجامعها فقالت: لعنك الله كلما وقع بيني وبينك شر جئتني بشفيع لا أقدر على رده.
قال جعفر بن سليمان: أتتني امرأة من أهل البادية فقالت: يا أبا سليمان، لا يعجبني الشاب يمعج معجان المهر طلقاً أو طلقتين ثم يضطجع بناحية الميدان، ولكن أين أنت من كهل يضع قب استه على الأرض، ثم سحباً وجراً.
قال أبو النجم: إني لما كبرت عرض لي البول فوضعت عند رجلي شيئاً أبول فيه فقمت من الليل لأبول فضرطت وتشددت ثم عدت فخرج أيضاً صوت فأويت إلى فراشي وقلت: يا أم الخيار 446 هل سمعت شيئاً؟ قالت: لا والله، ولا واحدة منهما.
قيل لامرأة ظريفة: أبكر أنت؟ قالت: أعوذ بالله من الكساد.
وسمعت امرأة من عائشة بنت طلحة - وعمر بن عبيد الله زوجها يجامعها - نخيراً وغطيطاً لم تسمع بمثله، فقالت لها في ذلك، فقالت إن الخيل لا يجيد الشرب إلا على الصفير. ورووا أنها قالت: إن الفحولة لم تستهب لم تهب.
قيل لامرأة: ما تقولين في السحاق؟ فقالت: هو التيمم لا يجوز إلا عند عدم الماء.
قالت امرأة لزوجها وكان أصلع، لست أحسد إلا شعرك حيث فارقك فاستراح منك.
خطب رجل امرأة فاشتطت عليه في المهر وغيره فقال: نعم إن احتملت عيوبي. قالت: وما ذاك؟ قال: أيري كبير، وأنا مستهتر بالجماع لا أريحك، وأبطيء الفراغ. فقالت: يا جارية، أحضري شيوخ المحلة تشهد على بركة الله، فالرجل ساذج لا يعرف الخير من الشر.
قال أبو العيناء: خطبت امرأة فاستقبحتني فكتبت إليها:
فإن تنفري من قبح وجهي فإنني ... أديب أريب لا عيي ولا فدم
فأجابت: ليس لديوان الرسائل أريدك.
قال بعضهم: ن...ت جارية في استها فقالت: اذكر سيدي أنك هوذا تني... وحدك. قال رجل لجاريته وقد رأى على ثوبه عذرة فمصه: يا جارية خراء والله. ثم شك فمصه أيضاً وقال: خراء والله، ثم شك فمصه ثم قال: يا قوم خراء والله. ثم قال: يا جارية؛ هاتي ماء واغسليه فقالت: يا مولاي ما تصنع بالماء وقد أكلته كله.
قال شاب لجارية: أيري يقرأ على حرك السلام. فقالت: حري لا يقبل السلام إلا مشافهة.
خرجت حبى المدينية ليلة في جوف الليل فلقيها إنسان فقال لها: تخرجين في هذا الوقت؟ قالت: ولم أبالي؟ إن لقيني شيطان فأنا في طاعته، وإن لقيني رجل فأنا في طلبه.
غاب رجل عن امرأته، فبلغها أنه اشترى جارية، فاشترت غلامين، فاتصل لخبر بزوجها فجاء مبادراً وقال لها: ما هذا؟ فقالت: أما علمت أن الرحى إلى بغلين أحوج من البغل إلى الرحا. بع الجارية حتى أبيع الغلامين ففعل ذلك.
لاعب الأمين جارية بالنرد على إمرة مطاعة فغلبته فقال: احتكمي. فقالت: قم. فقام وفعل، وعاود اللعب معها فغلبته، فاحتكمت عليه مثل ذلك ثم لاعبها الثالثة فغلبته وقالت: قم أيضاً. فقال: لا أقدر. قالت: فأكتب عليك به كتاباً. قال: نعم. فتناولت الدواة والقرطاس وكتبت، ذكر حق فلانة على أمير المؤمنين، أن لها عليه فرداً تأخذه به متى شاءت من ليل أو نهار. وكان على رأسها وصيفة بمذبة في يدها. فقالت: يا ستي؛ اكتبي في الكتاب: ومتى قام بالمطالبة بما في هذا الكتاب أحد فهو ولي قبض ما فيه. فضحك الأمين وأمر لها بجائزة.
دخل الجماز على صاحب قيان وعنده عشيقته. فقال له الرجل: أتأكل شيئاً؟ قال: قد أكلت. فسقاه نبيذ عسل فلما كظه جعل يأكل الورد كأنه يتنقل به، ففطنت الجارية فقالت لمولاها:

يا مولاي أطعم هذا الرجل رغيفاً، وإلا والله خرج خراه جلنجبين معسل.
قال بعضهم: رأيت أم جعفر في إيوان كسرى بيدها مدرى وعليها قباء خز طاروني وهي تكتب على الحائط:
447 - فلا تأسفن على ناسك ... وإن مات ذو طرب فابكه
ون.. من لقيت من العالمين ... فإن الندامة في تركه
قال: فقلت لها: يا سيدة عبد مناف، ما هذا الشعر؟ فقالت: اسكت، هذا الذي بلغنا عن آدم أنه لما جامع حواء قالت له: يا أبا محمد ما هذا؟ قال: هذا يقال له الني فقالت: زدني منه فإنه طيب.
كان لرجل عنين امرأة فرآها يوماً تساحق أخرى فقال: ويلك، خرق على خرق؟ قالت: نعم حتى يرزق الله برقعة.
كتبت سحاقة إلى حبة لها تزوجت: يا أختي، ما أقبح الصاد مع اللام، وأحسن الصاد مع الصاد! فأجابتها: ما أحسن اللحم على اللحم، وأقبح الخبز على الخبز.! وكتبت أخرى إلى صديقة لها تغايظ بزوجها: لو تطعمت بأيره ما تلذذت بغيره.
وعوتبت أخرى وكانت قد تزوجت وتركت السحاق وزهدت فيه فقالت: يا أخواتي، رأيتن قفلاً يفتح بقفل؟ قلن: لا. قالت: قد وجدت لقلي مفتاحاً لا يتعاظمه ألف قفل، فمن احتاج إليه منكن لم أبخل به عليها.
قالت سحاقة لأخرى: ليس شيء أطيب من الموز - تكني عن الجماع - قالت: صدقت، ولكنه ينفخ البطن - تكنى عن الحبل.
دخلت ديباجة المدينية على امرأة تنظر إليها فقيل لها: كيف رأيتها؟ فقالت: لعنها الله كأن بطنها قربة، وكأن ثديها دبة، وكأن وجهها وجه ديك قد نقش عفريته يقاتل ديكاً.
خطب ثمامة العوفي امرأة فسألت عن حرفته فكتب إليها.
وسائلة ما حرفتي؟ قلت: حرفتي ... مقارعة الأبطال في كل مأزق
وضربي طلى الأبطال بالسيف معلماً ... إذا زحف الصفان تحت الخوافق
فلما قرأت الشعر قالت للرسول: قل له: فديتك أنت أسد فاطلب لنفسك لبؤة؛ فإني ظبية أحتاج إلى غزال.
قال رجل لجارية اعترضها - وكان دميماً فكرهته وأعرضت عنه: إنما أريدك لنفسي. قالت: فمن نفسك أفر.
وذكر بعضهم قال: مرت بي امرأة وأنا أصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتقيتها بيدي، فوقعت على فرجها فقالت: يا فتى، ما أتيت أشد مما اتقيت.
قال ابن داحة: رأيت عثيمة بنت الفضل الضمرية تريد أن تعطس فتضع أصبعها على أنفها، كأنها تريد أن ترد عطاسها وتقول: لعن الله كثيراً، فإني ما أردت العطاس إلا ذكرت قوله:
إذا ضمرية عطست فن...ها ... فإن عطاسها حب السفاد
دخلت عزة على عاتكة بنت يزيد فقالت: أخبريني عن قول كثير:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها.
ما هذا الدين الذي كنت وعدته؟ قالت: كنت وعدته قبلة، فلم أف له بها. فقالت: هلا أنجزتها له وعلي إثمها.
وقال عقيل بن بلال: سمعتني أعرابية أنشد:
وكم ليلة بتها غير آثم ... بمهضومة الكشحين ريانة القلب
448 - فقالت لي: هلا أثمت أخزاك الله.
جاءت حبى المدينية إلى شيخ يبيع اللبن ففتحت وطباً فذاقته ودفعته إليه وقالت له: لا تعجل الشدة، ثم فتحت آخر فذاقته ودفعته إليه، فلما شغلت يديه جميعاً كشفت ثوبه من خلفه وجعلت تصفق بظاهر قدمها استه وهي تقول: يا ثارات ذات النحيين! دونكم الشيخ. والشيخ يصيح وهي تصفق إسته فما تخلص منها إلا بعد جهد.
قال بعضهم: رأيت على خاتم جارية: إنا نفي إن لم أف. قال: فقلت: ممن؟ قالت: من الزنى.
وذكر أن الأحنف اعتم ونظر في المرآة، فقالت امرأته: كأنك قد هممت أن تخطب امرأة. قال: قد كان ذلك. قالت: فإذا فعلت فاعلم أن المرأة إلى رجلين أحوج من الرجل إلى امرأتين. فنقض عمته وترك ما كان هم به.
وصفت مدينية رجلاً فقالت:: نا... ني ني..اً كأنه يطلب في حري كنزاً من كنوز الجاهلية.
ودخلت مدينية على فاطمة بنت الحسين فرأت عندها ابنيها عبد الله بن الحسين ومحمد بن عبد الله فقالت: من هذا؟ قالت: هذا ابن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فقبلت رأسه وقالت: هذا من العترة الطيبة المباركة. فمن الآخر؟ قالت: هذا محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان. قالت: هذا نصفه في الجنة ونصفه في النار.
قال بعضهم:

اشتريت جملاً صعباً فأردنا إدخاله الدار فلم يدخل، فضربناه وأشرفت علينا امرأة كأنها البدر فقالت: ما شأنه؟ قلنا: ليس يدخل. قالت: بلوا رأسه حتى يدخل.
قال بعضهم: عرضت علي طباخة فقلت: ما تطبخين؟ فقالت: أطبخ ما يشتهيه المحموم والمخمور. فاشتريتها فكانت على الزيادة مما وصفت.
أدخل علوي على امرأة فلما طالبها قالت له: هات شيئاً. قال: أما ترضين أن يلج فيك بضعة مني. قالت: هذا جذر ينفق بقم.
كانت بذل الكبيرة ماجنة فنقشت على خاتمها: " فالتقى الماء على أمر قد قدر " .
نظر المتوكل إلى جارية منكبة فلم يرض عجيزتها فقال: إنك لرسحاء فقالت: يا سيدي ما نقصناه من الطست زيادة في التنور.
قال المتوكل لجارية استعرضها: أنت بكر أم إيش؟ قالت: أنا إيش يا سيدي.
قال بعض النخاسين: اشتريت جارية سندية فكنت إذا خرجت أقفل عليها الباب، فجئت يوماً وفتحت الباب فلم أجدها في الدار، فصحت بها فلم تجدني، فصعدت السطح فإذا هي مطلعة على اصطبل وقد أنزى حمار على أتان، وهي تنظر إليه قال: فأنعظت وجئت إليها وهي منكبة على الحائط فأولجت فيها فالتفتت إلي وقالت: يا مولاي، فحرك ذنبك واضرط.
دعا رجل قوماً، وأمر جاريته أن تبخرهم؛ فأدخلت يدها في ثوب بعضهم فوجدت إيره قائماً، فجعلت تمرسه وتلعب به وأطالت فقال لها مولاها: فإيش آخر هذا العود؟ أما احترق بعد؟ قالت: يا مولاي هو عقدة.
449 - هذه فصول من كتب زاد مهر جارية ابن جمهور إلى مولاها تليق بهذا الباب.
كتبت إليك وحياة أنفك القاطولي، لا كان فعالك بي إلا شراً عليك، ولكنك الساعة العامل في فسا، وليس تذكر مثلي في قحاب فسا، الذين يدخلون الرجال والنساء حمام واحد، أنا أعلم أنك لو أخرجتني إليك لوجدت في بيتك أربع قحاب كلهم حبالى من ذلك البزر الذي لا يخلف الحلاوة، كنه البطيخ العبدلائي، والله إن بزر الدفلى خير من بزرك. قطع ظهرك ونسلك! أشتهي والله أعلم البغاءات إيش يرون في وجهك؟ الذي، والله، وإلا فأنا جاحدة مشركة إن أخطئ أقبح من عصفور مقلي بزيت، ولكنهم إذا أبصروا الشوابير قالوا: ذا من ولد العباس.
يا هذا، للنساء مؤن لا يقف عليها الرجال. أهونها الدبق. فعسى تريد أن أطول طعنه في كبدك وآكله على حال لا بد من تنظيفه. إن لم نزن ساحقنا. واعلم علم يقين أن النفقة والكسوة إن تأخرت عني خرجت والله وغنيت وقمت بطني وعشرة معي، وأنفقت على روحي كما أشتهي، وإن فضل من الجذر شيء لم أظلمك وأبعث به إليك تنفقه أنت.
واعلم أن الجارية إذا خرجت للغناء دخل سراويلها الزنى.
فأنت أبصر ولا تطمع أن أخرج إليك. لا وحياتك. طمعويه بنى غرفة فانويه قعد فيها.
عليك يا بن جمهور بقحاب فسا وشيراز الذين يشتهونك مائة بصفعة، الذين إذا قمت على الواحدة قمت وفي كمك عشرين ضرطة يا مداذية.
ولولا أبوك الشيخ - أبقاه الله - كنت قد خريت كبدك على لبدك. ولكن إيش بعد قليل تنفق كل ما جمعت فتكون مثل ذلك الذي تبخر وفسا، خرج لا له ولا عليه بالسواء، هوذا أنصحك. ابعث إلي بنفقة وإلا وحياتك خرجت وغنيت، فقد قال القائل: من لم يكن يدك في قصعته لا يهولك بريق صلعته.
ومن كتاب آخر لها: إن عزمت على حملي إلى عندك ابعث إلي رقعة بخطك تحلف فيها بالطلاق أنك لا تضربني ولا تخاصمني ولا تعذبني، ولو قلعت لك كل يوم حدقة، وإلا فبارك الله لك وبارك الله لنا قواد ابن أبي الساج هو ذا يدخلون البصرة ومن كان جذرها عشرين سوف يصير أربعين. وأنا ست من خرجت وغنت.
فأما قولك في كتابك أن اخرجي إلى دارانجرد على البحر، فإنه أقرب، فأشير إليك إذا أردت أن ترجع إلى البصرة أن تأخذ على طريق البحر، فإنك رجل ومعك صناديق وثقل، وأنا جارية ضعيفة القلب، وسقوطي من الحمار كل يوم عشر مرات أحب إلي من أن يأكلني السمك. هتك سترك يا بن جمهور! فقد بان لي هواني عليك، وليس ما كنت تختم القرآن على حري كل يوم سبعين مرة من الشفقة، وبينما تقول لي:

اركبي البحر. هي لك في قلبي حتى أموت. أنا أعلم وأنا أجيء إليك، وقد فني ماء صلبك، فكل في كل يوم لحم كباب وبصلية 450 ومدققة واشرب ولا تزن حتى أجيء إليك، وهو ذا أنتف إذا سلم الله وبلغت جويم ثم أتبخر وأتطيب وأدخل إليك وليس - وعزة الله - يقع عينك على باب الدار شهراً. فانبذ لي نبيذاً كثيراً ولا تحوجني إلى أن أشتري كل يوم نبيذاً وأرهن من بيتك علقاً ويقع بيننا الخصومات.
وفي كتاب آخر: سخنت عينك، قد صرت لوطياً صاحب مردان، أعوذ بالله من البطر. ولكن الحائك إذا بطر سمى بنته نخلة، وأخذ خبزه من الزنجبيل وجعله في سلة، وحياة رأسك يا أبا علي لأغيظنك بما أنت فيه من هذه الأيام فما أخطأ القائل:
لا تغبطن مقامراً بقماره ... يوم سمين دهره مهزول
واعلم أني لست على سلال لالك فمرة أنت صاحب غلمان، ومرة صاحب نساء وقحاب. والله لأنصفنك: إذا أخذت أنت في القحاب أخذنا في الربطاء وإذا أخذت أنت في الغلمان أخذنا في الحبائب، وإذا زنيت قحبنا، وإذا لطت ساحقنا؛ حتى ننظر التراب من سبع مزابل على شق است من يكون منا، والندامة والعيب على من يرجع. في است المعبون عود. لمه لا أخرج خرجة ولا أقلع خفي فيها إلا بثلاثة دنانير، وإذا خرجت بالغداة قلت: اصبحوا بخير، ثم أجئ به لك شهزوري مقمط مكحول، أغمس يده في الزعفران وأبعث به إليك فإذا رأيت تمنيت أن الذي برزه كان برزه لك، من حين لم تعمل معي بالجنون وتأكل بالصحة إما جئت إلى البصرة وإلا وعزة الله خرجت إلى بغداد. بارك الله لك في قلمك، ولنا في دواتنا، والسلام، وأطال الله بقاء القاضي وجعلني فداه.
وفي كتاب آخر: وليس عجبي إلا من غضبك ودلالك علي، ويمينك في كتابك بالطالب الغالب أني إن لم أخرج إليك يوم الثالث من مجيء غلامك أنت لا تكتب إلي ولا تتعرف بي. آخ! بحياتي عليك لا تفعل! قد احترق كمخت خفي من هذا الحديث! بالله لا تظن في قلبك أني منقطعتك، أو قعيدتك، أو بنت دايتك، أو زنجية بين يديك. إذا أردت أن تغضب فنكب حدتك واشرب ماء الباذنجان. حتى يسكن مرارتك. ليس أنا - فديتك سقوطرية ولا خلدية. فإذا أردت أن تكلمني فاغسل فمك بمسك وماء ورد وانظر كيف تكلمني. هتك الله ستري إن كنت أرضى أن تكون كاتبي، فكيف مولاي؟ ولكن الشأن في البخت.
وتهددك لي بقطع النفقة عني أشد من كل شيء في الدنيا، وقد صار وجهي إصبعين من الغم. فالله الله يا مولاي اتق الله ولا تضيعني! لا يحل لك سبحان الله، ذهبت الرحمة من قلبك. أحسب أني بعض قراباتك الذين تجري عليهم، فإني من الغم ما يدخل لساني في أنفي ولا يجيء النوم في عيني.
وقد قرأت في كتابك إلى أختك إن نشطت مختارة أن تخرج معي إليك يخرجونها، وأن يضمنوا لها عنك النفقة الواسعة، والكسوة. وحديثك حديث الذي قال: أخبروني أنك تكسو العراة، اكس استك بادئاً أنت ليس يمكنك أن تقوم بنفقتي وحدي ومئونتي. كيف تقوم بمئونة غيري. ولكن يا بن جمهور قلبك لا يصبر عن فؤادك. ذكر الفيل بلاده 451 وبالجملة هو خصلتين إما أن يكون في قلبك منها شيء وإما أن يكون تريد أن تقين علينا جميعاً في فارس. عسى قد ضاق عليك المعاش وهو ذا نجي جميعاً، فاطلب لنا رقباء، وازرع بستان سذاب، وافتح دكان واقعد لبان. فعلينا أن نجيب لك كل يوم زقين دوغ واقعد واشرب كأنك ابن سنين، أو ابن أبي نبيه. أخير لك يا ميشوم من الحرام وعمل السلطان، تأخذ دراهم الناس بلا طيبة قلوبهم وليس يعطينا إنسان درهماً إلا بطيبة قلب، وبعد ما يقبل الأرض، ونحن نجيب إليك الهدايا، وأنت غافل في بيتك تن.. بالليل بأيرك كله وإذا حبلت الواحدة منا ادعته على واحد من السلاطين والكتبة، تنتقي لكل ولد لك كل كاتب أنبل من الآخر. ولو شئت جئت إلى الأهواز، فإن هذا العمل ليس يجوز لنا في فارس مع الأمير نجح - أعزه الله - فقد قال لي غلامك إنه ما ترك في شيراز مغنية ولا مخنث ولا قواداً ولا نباذاً فكيف تعمل بنا تحتي يا سخين العين إذا جئتنا؟ والله إني أرجو أن تقعد وتعنى وتقع الكبسة. ويحملونا كلنا إليه ويحلف أنه يحملني على عنقك ويطوف بي شيراز كلها. فإني والله قد كنت أشتهي أراها وأطوف أسواقها راكبةً، فلم يقض ذلك.

وقد اشتريت وصيفة قوالة بسبعة وثمانين ديناراً حلوة الوجه، مليحة الأطراف لها طبع، وقد طارحتها ثقيل الأول، وتعلمت ستة أصوات، وبدأ كفها يستوي، وقد جاب لي فيها ابن سخيب النخاس ربح خمسة عشر ديناراً ولم أفعل. وسوف، وحياة شوابيرك، وملاحة كحلك، أخرج منها جارية بخمسة آلاف درهم، وأخرجها تعنى. وذلك الوقت لا أحتاج إلى كسوتك ونفقتك، ولا يكون لأحد على أحد فضل، ولا يقدر إنسان يني... إنساناً إلا بحقه وصدقه؛ من رضي فرداً بعشرة دنانير، وإلا يأخذ بيد نفسه وينصرف وإن كلمني إنسان أدخلته في صدغ أمه معرقف بطاقين وهو ذا أجيء، وتطير ناريتك، ويسود سطحك، ويطلبون لك الجن، وليس، وعزة الله، وحياة من أحب، وإلا حشرني الله حدباء على بقرة، وبيدي مغرفة، وعلي لبادة في حزيران وتموز، وتطمع تطرح يدك إلا بعد أن تبلغ خمسين روزنامجه يمين، ثم تحلف بالطلاق أنك لا تمد عينك إلى حلال ولا حرام غيري، وتبيع كل مملوك لك أمرد، وإلا تساهلنا حتى نساهلك، وتغافل حتى تتغافل. إن بني إسرائيل شددوا فشدد الله عليهم.
وقد احتبست علي علتي، والسحاق لا يجيء منه ولد، وأسأل الله السلامة. وقالوا: إنك تخضب؛ فليس والله تصلح لي الساعة، ولا بد من ربيط شاب، فطيب نفسك بحب الرمان.
فصل آخر: يصلح لك مثل الحمارة التي في بيتك، تقير رأسها ولا تقدر تكلمك، تظن بك أنك ابن الموبذ وابن طومار، مثل زادمهر التي تدقك دق الكشك، وتهينك هوان الكتان، لا تصلح لك والله. ما كنت أشبه دارك إلا بدير هرقل وأنا مريم وأنت المجنون، فخلصني ربي من ذنوبي كما خلصني منك. حسبك ما بك، لأني أعلم أنك وإن كنت في عمل أن الله لا يضيع لك.
الباب التاسع
نوادر القصاصقيل لأبي القطوف وكان يفتي ويحدث ويقص وهو قاضي حران: ما ترى في السماع؟ فقال: أما على الخسف فلا. وقيل له: ما تقول في نبيذ العسل؟ قال: لا تشربه. قيل: ولم؟ أحرام هو؟ قال: بل هو نعمة لا تقوم بشكرها.
وقيل لطربال: ما تقول في الإبط يمس، أيتوضأ منه؟ قال: يا بن أخ، كما يكون الإبط يغتسل منه.
وكان أبو سنان السدوسي يقول: فلان عندي أكفر من رامهر مز وبكى حوله ولده وهو يريد مكة فقال: لا تبكوا، بأبي أنتم، فأني أريد أن أضحي عندكم.
وقال: تزوجت امرأة مخزومية عمها الحجاج بن الزبير الذي هدم الكعبة.
قال أبو عثمان: وكان عندنا قاص يقال له: أبو موسى كوش فأخذ يوماً في ذكر قصر أيام الدنيا وطول أيام الآخرة، وتصغير شأن الدنيا وتعظيم شأن الآخرة، فقال: هذا الذي عاش خمسين سنة لم يعش شيئاً وعليه فضل سنتين! قالوا: وكيف ذاك؟ قال: خمس وعشرون سنة ليل هو نائم فيها، لا يعقل قليلا ولا كثيراً، وخمس سنين قائلة، وعشرون سنة إما أن يكون صبياً، وإما أن يكون معه سكر الشباب وهو لا يعقل؛ ولا بد من صبحة بالغداة، ونعسة بين المغرب والعشاء، ويناله فيها كالغشي الذي يصيب الإنسان مراراً في دهره؛ فإذا حصلنا ذلك فقد صح أن الذي عاش خمسين سنة لم يعش شيئاً وعليه فضل سنتين.
قرأ سيفويه القاص: " ثم في سلسلة ذراعها تسعون ذراعاً، فقيل له: فإن الله يقول: " سبعون ذراعاً " ، وقد زدت أنت عشرين ذراعاً فقال: نعم هذه عملت لبغاً ووصيف، فأما أنتم فيكفيكم شريط بدانق ونصف.
قال جاحظ: كان عبد الأعلى القاص لغلبة السلامة عليه يتوهم عليه الغفلة، وهو الذي ذكر الفقير في قصصه مرة فقال: الفقير مرقته سلقة، ورداؤه علقة، وسمكته شلقة. قال ثم ذكر الخصي فقال: إذا قطعت خصيته قويت شهوته، وسخنت معدته، ولانت جلدته، وانجردت شعرته. واتسعت فقحته، وكثرت دمعته.
قال أبو أحمد التمار في قصصه: ولقد عظم رسول الله صلى الله عليه حق الجار، وقال فيه قولاً أستحي من ذكره! قال أبو علقمة: كان اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا. قالوا له: فإن يوسف لم يأكله الذئب، وإنما كذبوا على الذئب. قال: فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.
وقرأ في حلقة سيفويه: " كأنهن الياقوت والمرجان " . فقال سيفويه: هؤلاء خلاف نسائكم القحاب.
وقرأ آخر: " كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً " . فقال سيفويه: فإذا القوم من أجل صلاتهم بالليل كذا.
استفتي بعضهم في إتيان النساء في أدبارهن فقال: مالك يبيحه وغيره من الفقهاء يقول:

إنه إذا استكرهت 453 المرأة عليه وجب على الزوج أن يزيد في صداقها عشرة دراهم، وإن كان برضاً منها نقص منه عشرة.
والتفت إلى ابن له حاضر وأشار إليه فقال: تزوجت أم هذا على اثنى عشر ألف درهم عقدت على نفسي بها وقد حصل الآن لي عليها أربعمائة وخمسون درهماً.
كان أبو سالم القاص البصري ينادي: اللهم، اجعلنا صعيداً زلقاً فيقول الغوغاء: آمين آمين.
وقص بعضهم فلما ابتدأ يسأل أقيمت الصلاة، وخاف أن يتفرق الناس. فقال: يا فتيان، العجائب بعد الصلاة.
سأل واحد سيفويه عن حفظه القرآن فقال: أحفظه آية آية، قيل له: فما أول الدخان؟ قال: الحطب الرطب.
وكان أبو كعب القاص يقول في دعائه: اللهم صل على جبريل واغفر لأمنا عائشة، وعافني من وجع البطن.
استفتي واحد منهم في الخنثى وقيل: له ما للرجل وما للمرأة؟ فقال: تزوج من حلقي يني...ها وتني..ه كان أبو عقيل القاص يقول: الرعد ملك أصغر من نحلة وأعظم من زنبور. فقالوا: لعلك تريد أصغر من زنبور وأعظم من نحلة. فقال: لو كان كذا لم يكن يعجب. وسأله رجل وهو في الجامع عن مسألة في الحيض لم يعرفها فقال: ويلك. خرج هذه القاذورات من المسجد حتى نخرج.
وكان بالري رجل منهم يفتي، فجاءته امرأة وسألته عن مسألة في الحيض فأخرج لها دفتراً وجعل يتصفحه ورقة ورقة لا يهتدي منه إلى شيء، إلى أن بلغ إلى ورقة مخرمة فقال للمرأة - وعرض عليها الخرق: أيش يمكنني أن أفعل؟ وموضع حيضك مخرق.
وكان بعضهم يقول: اللهم اغفر لنا كل نعمة وحسنة، واحشرني في جملة سيدي أبي عبد الله بن حنبل، ولا تغفر للرافضة.
كان بعضهم يقول: يا معشر الناس؛ إن الشيطان إذا سمى الإنسان على الطعام والشراب لم يأكل معه. وإذا لم يسم أكل معه؛ فكلوا خبز الأرز والمالح ولا تسموا ليأكل معكم، ثم اشربوا وسموا ليموت عطشاً.
حلق بعضهم لحيته وقال: إنها نبتت على المعصية. وكان بعضهم يحج عن حمزة ويقول: استشهد قبل أن حج، ويضحى عن أبي بكر وعمر يقول أخطأ السنة في ترك الأضحية.
وقيد آخر إحدى عينيه وقال: النظر بهما إسراف.
وكان بعض القصاص يتشدد في خلق القرآن، فسئل عن معاوية: هل كان مخلوقاً؟ فقال: كان إذا كتب الوحي غير مخلوق، وإذا لم يكتب كان مخلوقاً.
قال بعض القصاص يوماً: يا قوم، هل علمتم أن الله قد ذكر الهريسة في القرآن لفضلها؟ فقالوا: أين ذكرها؟ فقال: اذبحوا بقرة " واضربوه ببعضها " ، " وفار التنور " : " ولتركبن طبقاً على طبق " .
سأل رجل سيفويه القاص: ما الغسلين؟ فقال: على الخبير سقطت. سألت عنه شيخاً من فقهاء الحجاز منذ أكثر من ستين سنة فقال: لا أدري.
وجاءت امرأة إلى واحد منهم فقالت: يا جعفر؛ مريم بنت عمران كانت نبية؟ قال: لا يا فاعلة. قالت له: فإيش كانت؟ قال: كانت ملائكة.
وكان بالكوفة قاص يقول: إن أبانا آدم أخرجنا من الجنة، فادعوا الله أن يدخلنا من حيث أخرجنا.
وكان بالشام قاص يقول: اللهم أهلك أبا حسان الدقاق 454 فإنه يتربص بالمسلمين ويغلي أسعارهم، ومنزله أول باب في الدرب على يسارك هو.
قال أبو سالم القاص: لو كنت هند بنت عتبة حين لاكت كبد حمزة أجازتها إلى جوفها ما مستها النار. فقال النهرتيري: اللهم أطعمنا من كبد حمزة.
جاء رجل إلى سيفويه فقال: قد عزمت على أن أتوب فكيف أعمل؟ فقال: إما أن تحلق لحيتك أو تشتري سلماً أو تنحدر إلى واسط.
كان بعضهم يقول: أول ما يدخل الجنة من البهائم الطنبور؛ قيل له: وكيف ذاك؟ قال: لأنه يضرب بطنه، ويعصر حلقه، وتعرك أذنه.
وقف رجل على القتاد الصوفي وسأله عن المحبة. فقال القتاد: قد جاءني برأس كأنه دبة ولحية كأنها مذبه، وقلب عليه مكبة، يسألني عن طريق المحبة، وهو قيمته حبة.
دخل أبو يونس وكان فقيه مصر على بعض الخلفاء فقال له: ما تقول في رجل اشترى شاة فضرطت، فخرجت من استها بعرة، فقأت عين رجل. على من الدية؟ قال: على البائع: قال: ولم؟ قال: لأنه باع شاة في استها منجنيق، ولم يبرأ من العهدة.
غزا قاص فقيل له: أتحب الشهادة؟ فقال: إي والذي أسأله أن يردني سالماً إليكم.
كان أبو توبة القاص يقول:

احمدوا ربكم عز وجل؛ تشترون شاة سوداء فتحلبون منها لبناً أبيض، وتبخرون فتعبق ثيابكم، وتفسون فيها فلا تعبق.
كان ابن قريعة القاضي في مجلس المهلبي جالساً، فوردت عليه رقعة فيها: ما يقول القاضي أعزه الله في رجل الحمام، ودخل في الأبزن لعله كانت به فخرجت منه ريح وتحول الماء زيتاً، فتخاصم الحمامي والضارط، وادعى كل واحد منهما أنه يستحق الزيت جميعاً بحقه فيه.
فكتب القاضي في الجواب: قرأت هذه الفتيا الطريفة، في هذه القصة السخيفة، وأخلق بها أن تكون عنتاً باطلاً، وكذباً ماحلاً. وإن كان ذلك كذلك، وهو من أعاجيب الزمان، وبدائع الحدثان فالجواب وبالله التوفيق: أن للصاقع نصف الزيت بحق رجعائه وللحمامي نصف الزيت بقسط مائه، وعليهما أن يصدقا المبتاع منهما عن خبث أصله، وقبح فصله، حتى يستعمله في مسرجته، ولا يدخله في أغذيته.
قرأ رجل في مجلي سيفويه: " وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه " فقال سيفويه: قد أخذنا في أحاديث القحاب وسمع رجلاً يقرأ: " فبهت الذي كفر " فقال: أتلومه! وقرأ قارئ: " وحملناه على ذات ألواح ودسر " فقال سيفويه: عز علي حملانهم. يتوهم أنها جنازة..
وكان أبو أسيد يقول في قصصه: كان ابن عمر يحف شاربه حتى يرى بياض إبطه.
كان عبد الأعلى قاصاً: فقال يوماً: تزعمون أني مراءٍ، وكنت والله أمس صائماً، وقد صمت اليوم وما أخبرت بذلك أحداً.
ومر عبد الأعلى بقوم وهو يتمايل سكراً فقال إنسان: هذا عبد الأعلى القاص. فقال: ما أكثر من يشبهني بذلك الرجل الصالح! قال قاص بالمدينة في قصصه: ود إبليس أن لكل رجل منكم خمسين ألف درهم يطغى بها. فقال رجل من القوم: اللهم أعط إبليس سؤله فينا.
حكي عن شيخ منهم ببغداد كان يعرف بختن حمامة أنه كان يقول: خلفاء الله في الأرض ثلاثة: آدم لقوله: إني جاعلك في الأرض خليفة وداود: " إنا جعلناك خليفة في الأرض وأبو بكر، لقول الأمة: أيا خليفة رسول الله. والأمناء ثلاثة: جبريل لأنه تحمل عن الله، ومحمد لأنه بلغ الأمة، ومعاوية 455 لأنه كتب الوحي.
وبلغ من عقله أنه رأى عقرباً في داره فقال لها: يا مشئومة؛ اخرجي لا تقتلك أمي. وكان مولعاً بإطعام الكلاب ويقول إذا أطعمها: هؤلاء أولى من الرافضة.
قال الأصمعي: اختصمت الطفاوة وبنو راسب في صبي يدعيه كل واحد من الفريقين إلى ابن عرباض، فقال: الحكم في هذا بين. قالوا: وما هو؟ قال: يلقى الصبي في الماء فإن طفا فهو طفاوي، وإن رسب فهو راسبي.
كانت أم عياش تحسن إلى سيفويه وتتعهده، فكان إذا اجتمع إليه الناس قال: يا معاشر المسلمين، ادعوا الله لأم عياش؛ فإنها صديقتي. فبلغ عياشاً فبعث إليه وقال: قد فضحتني بهذا القول فأمسك عنه. فقال: سبحان الله! لو أنها معي في إزار واحد ما كنت تخاف علي.
قال أبو العيناء: كان عندنا قاص جيد اللفظ من العبارة، وكان لوطياً، فكان إذا رأى في حلقته غلاماً يعجبه رفع يده ثم قال للجماعة: قولوا عند دعائي: آمين. ثم يقول: هذا العدو قد أقبل يريدكم: اللهم امنحنا أكتافهم. اللهم كبهم على مناخرهم ووجوههم، اللهم ولنا أدبارهم اللهم اكشف لنا عوراتهم، وسلط أرماحنا على أجوافهم والقوم يبكون ويقولون آمين.
سئل أبو قابوس الصوفي عن النبيذ فقال: حلال على السراة حرام على السفل.
انحدر بعض أصحاب الحديث من سر من رأى في سفينة، ومعه فيها نصراني فتغديا جميعاً ثم أخرج زكرة كانت معه فيها شراب، فصب في مشربة كانت معه، وشرب، ثم صب فيها وعرضها على المحدث فتناولها من غير امتناع ولا مكاس وشرب. فقال النصراني: جعلت فداك. إنما عرضت عليك كما يعرض الناس، وإنما هي خمر. قال: ومن أين علمت أنها خمر؟ قال: غلامي اشتراها من إنسان يهودي وذكر أنها خمر، فشربها بالعجلة وقال: لو لم يكن إلا لضعف الإسناد لشربتها. ثم قال للنصراني: أنت أحمق. نحن أصحاب الحديث نضعف حديث سفيان بن عيينة ويزيد بن هارون، أفنصدق نصرانياً عن غلامه عن يهودي. هذا محال.
سئل الشيرجي عن أربعين رأساً من الغنم نصفها ضأن ونصفها ماعز، ما الذي يجب فيها؟ فقال: يجب فيها شاة نصفها ضأن ونصفها ماعز.
كسر جامع الصيدلاني يوماً كوزاً، فخرج من جوفه لوزتان فقال:

سبحان الله من يصور في الأرحام ما يشاء. وجاءته يوماً فقالت: لم يبق البزر. فقال: وكيف يبقى وأنتم تقعدون حوله عشرة عشرة. ودخل يوماً ليشتري نعلاً لابنته فقالوا: كم سنها. فقال: لا أدري والله غير أنها في حم السجدة. وولد له ابن فقيل له: ما سميته؟ فقال: سميته علي بن عاصم المحدث.
قال بعضهم: رأيت سيفويه متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: ارحم ترحم. ارحم ترحم.
واجتاز بباب شوكي فوطئ الشوك، ودخلت في رجله شوكة، فقال للشوكي: اجعلني في حل من هذه الشوكة. فإني لست أقدر على إخراجها في هذه الساعة. فكنت أردها عليك.
واشترى ديكاً هندياً وشد في رجله فرد نعل سندي لئلا يخرج، فانقطع الخيط وخرج الديك، فخرج سيفويه في طلبه، وجعل يسأل جيرانه ويقول: أرأيتم ديكاً هندياً في رجله نعل سندي.
ألقي إلى أبي سالم القاص خاتم بلا فص. فقال أبو سالم: إن صاحب هذا الخاتم يعطى 456 يوم القيامة في الجنة غرفة بلا سقف.
وقال بعضهم في حلقته: من صلى ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة كذا وكذا بنى الله له في الجنة بيتاً، فقام إليه رجل نبطي فقال: يا فديت وجهك: إن صليت أنا فعل بي هذا؟ قال: لا يا عاض بظر أمه. ذاك لبني هاشم والعرب وأهل خراسان، وأما أنت فيبني لك كوخ بعكبرا.
قال الجاحظ: وقفت على قاص وقد اجتمع عليه خلق كثير وفيهم جماعة من الخصيان، فوقفت إلى جانبه وجعلت أشير إلى الناس أنه هو ذا يجود قال: وهو يفرح بذلك. فلم يعطه أحد شيئاً فالتفت إلي خفياً وقال: الساعة إن شاء الله أعمل الحيلة. ثم صاح: حدث فلان عن فلان عن النبي عليه السلام قال: قال رب العالمين عز وجل: ما أخذت كريمتي عبد من عبيدي إلا عوضته الجنة " أتدرون ما الكريمتان في هذا الموضع؟ قال الناس: ما هما؟ فبكى، وقال: هما الخصيتان: وهو يتباكى ويكرر فجعل كل واحد من الخصيان يحل منديله حتى اجتمعت له دراهم كثيرة.
وقال آخر في قصصه: يا بن آدم، يا بن الزانية، أما استحييت من الملك الجليل والملك الكريم، يصعد إليه عنك بالعمل القبيح، فقيل: تزني الناس؟ قال: نعم؛ قد كان الحسن يكثر من قول: يا لكع قال بعضهم في قصصه: رأيتم أجهل من إخوة يونس؟ يريد يوسف، أخذوا أخاهم. وطرحوه في الجب وكذبوا على الدب.
قال أبو العنبس: سمعت قاصاً بالكوفة يقول في قصصه: تحت رأس ولي الله في الجنة سبعون ألف مخدة، والمخدة سبعون ألف حجاب، ما بين الحجاب والحجاب سبعون ألف عام. قال: فقلت: فإن سقط من فوق تلك الفرش كيف يعمل؟ فقال: إلى النار يا صفعان.
قال بعضهم في قصصه: كان أبو جهل خوزياً، فقيل له: بل هو قرشي مخزومي ولكنه كافر. فقال: يتكلم أحدكم بما لا يعلم، كل كافر خوزي.
قال آخر في مجلسه: زعم قوم أني لا أحسن القرآن. وهل في القرآن أشرف من: " قل هو الله أحد " . وأنا أقروه مثل الماء، وابتدأ وقرأ فلما بلغ قوله: " ولم يكن له " أرتج عليه فقال: من أراد أن يحضر ختمة السورة فليحضر يوم الجمعة.
دفع واحد قطعة إلى قاص وقال: ادع لي ولأبوي بالمغفرة، فرفع القاص رأسه وقال: ثلاثة أنفس بقيراط؟! وارخصاه! قيل لبعضهم: في لحيتك هريسة فقال: هذه من تلك الجمعة.
قال بعضهم: سمعت قاصاً بعبادان وهو يقول: اللهم ارزق الموتى الشهادة، ويا إخوتي ادعوا ليأجوج ومأجوج بالتوبة. وسقط عن أنفه ذبابة فقال: أكثر الله القبور بكم.
جاء أبو العالية القاص يشهد على رجل رآه مع غلام له، فقال له الوالي: بم تشهد؟ قال: أصلحك الله! رأيته وقد بطحه فقلت: ينومه، ثم كشف ثيابه فقلت: يروحه، ثم جلس عليه فقلت يغمزه، ثم بصق فقلت: يعوذه، ثم أخرج شيئاً فلا إله إلا الله.
شهد أبو يحيى المحدث عند قاص أنه يعرف الحائط الفلاني لفلان. فقال له: مذ كم تعرف هذا الحائط له؟ فقال: أعرفه وهو صغير لفلان.
ونظر إلى الهلال فقال: ربي وربك الله، سبحان الله من خلقك من عود يابس. ذهب إلى قوله تعالى " حتى عاد كالعرجون القديم " .
ووقف على أبي سالم القاص رجل راكب 1456 حماراً يتطلع في حلقته . ويسمع قصصه، فناداه: يا صاحب الحمار؛ امض لسبيلك لا يدل حمارك، فإن عندنا نساء.
وقيل له: كم ولداً لإبليس؟ فقال: أربعة؛ ثلاثة ذكورة وبنت. قالوا: فمن أمهم؟ قال:

شاة كانت لآدم فأهداها له.
وقيل: ادع لفلان أن يرده على أبيه وأعطى درهمين. فقال: وأين هو؟ قيل: بالصين. قال: يرده من الصين بدرهمين؟ بلى؛ لو كان بسيراف أو بجنابة أو تستر.
سرق لبعضهم منديل فقال لغلامه: أين المنديل؟ قال: يا مولاي. لا أدري فقال: يا بن الزانية والله ما سرقه - بعد الله - غيرك.
ومات عيسى بن حماد الطلحي وقد أوصى بأكثر من ثلث ماله، فأجاز ذلك ولده وامرأته، فأتوا أبا أسيد ليكتب بذلك كتاباً، فقال لهم: يا فتيان أمكم قد بلغت مبلغ النساء أم لا؟ وكان أبو أسيد هذا يقول: كان ابن عمر يحف شاربه حتى يرى بياض إبطيه. وقال يوماً: ما بقي من حمامي نافخ نار، ومر بقوم يصيدون السمك، فقال: يا فتيان؛ مالح أو طري.
ودخل يوماً في الماء إلى كعبه فصاح: الغريق، الغريق. فقيل له: ما دعاك إلى هذا؟ فقال: أخذت بالوثيقة.
قيل لبعضهم: أيسرك أن الله أدخلك الجنة وأنت شاة؟ قال: نعم بشرط ألا يذهبوا بي إلى التياس.
جاء رجل إلى واحد منهم فقال: ما تقول في شرب النبيذ؟ قال: لا يجوز قال: فإن كان الرجل قد أكل المالح؟ قال: قد رجعت مسألتك إلى الطب.
صلى سيفويه بقوم وسلم عن يمينه ولم يسلم عن يساره، فقيل له في ذلك فقال: كان في ذلك الجانب إنسان لا أكلمه.
قال بعضهم: رأيت بالشام قاصاً روى في مجلسه أن أبا هريرة رأى على ابنته خاتم ذهب فقال لابنته: لا تختمي بالذهب. فإنه لهب. فبينما هو يحدثهم ويقص عليهم إذ بدت يده وفي إصبعه خاتم ذهب، فقالوا: يا عدو الله؛ تنهى عن شيء وتلبسه أنت؟ ووثبوا عليه. فقال: يا قوم لست أنا ابنة أبى هريرة. إنما حرم ذلك على تلك المشئومة.
قال آخر: رأيت قصاصاً يقص حديث موسى وهارون ويقول: لما صار فرعون في وسط البحر وقال الله للبحر: انطبق. وعلاه الماء جعل فرعون يضرط مثل الجاموس؛ نعوذ بالله من ذلك الضراط! قال سيفويه يوماً في قصصه أتدرون من هؤلاء القدرية؟ قالوا: من هم أكرمك الله؟ قال: هم الذين يجلسون على الشط فيقدرون أستاه الغلمان. قال آخر: رأيت قاصاً يقص غداة يوم، ثم رأيته عشياً في بيت نباذ، والقدح في يده فقلت: ما هذا؟ قال: أنا بالغداة قاص، وبالعشي ماص.
كان ابن كعب يقص في مسجد عتاب بالبصرة في كل يوم أربعاً، فاحتبس عليهم في بعض الأيام، وطال انتظارهم، فبينما هم إذ جاء رسوله فقال: يقول لكم أبو كعب: انصرفوا راشدين فقد أصبحت اليوم مخموراً.
جلس أبو ضمضم ينسب قبائل العرب فقال له بعضهم: يا أبا ضمضم: آدم من أبوه؟ فحمله استقباح الجهل عنده بشيء من الأنساب على أن قال: آدم بن المضاء بن الخليج وأمه ضباعة بن قرزام. فتضاحك القوم وثاب إليه عقله فقال: إنما نسبت أخا لآدم من أمه.
رأى بعض أهل نيسابور جنازة فقال: ربي وربك الله لا إله إلا الله. فسمعه آخر فقال: أخطأت. قل: اللهم ألبسنا العافية، وتشاجرا 457 فتحاكما إلى قاضٍ لهم فقال: لم يصب واحد منكما. إذا رأيتم جنازة فقولوا: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته.
كان عبد الأعلى القاص يتكلف لكل شيء اشتقاقاً فقال: الكافر إنما سمي كافراً لأنه اكتفى وفر. قيل له: بماذا اكتفى ومن أي شيء فر؟ قال: اكتفى بالشيطان وفر من الله. وقال: سمي الزنديق زنديقاً لأنه وزن فدقق. وسمي البلغم بلغماً لأنه بلاء وغم. وسمي الدرهم درهما لأنه داء وهم. وسمي الدينار دينارأ لأنه دين ونار. وسمي العصفور عصفوراً لأنه عصا وفر. وسمي الطفبشل طفبشلاً لأنه طفا وشال. وسمي نوحاً لأنه كان ينوح على قومه. وسمي المسيح مسيحاً لأنه مسح الأرض.
جاء رجل إلى بعضهم فقال: أفطرت يوماً من شهر رمضان ساهياً، فما علي؟ قال: تصوم يوماً مكانه. قال: فصمت. فأتيت أهلي وقد عملوا حيساً، فسبقتني يدي إليه فأكلت منه. قال: تقضي يوماً آخر. قال: فقضيت يوماً مكانه، وأتيت أهلي وقد عملوا هريساً فسبقتني يدي إليه فأكلت منه فما ترى؟ قال: أرى ألا تصوم إلا ويدك مغلولة إلى عنقك.
ماتت أم عياش فأتاه سيفويه معزياً فقال: يا أبا محمد، عظم الله مصيبتك. فتبسم ابن عياش وقال: قد فعل. فقال: يا أبا محمد؛ هل كان لأمك ولد؟ فقام ابن عياش عن مجلسه وضحك حتى استلقى على قفاه.
قال الجاحظ:

كان عبد العزيز الغزال يقول في قصصه: ليت أن الله لم يكن خلقني وأني الساعة مقطوع اليدين والرجلين. وذكر أن أبا سعيد الرفاعي سئل عن الدنيا والدائسة. فقال: أما الدنيا فهذه التي أنتم فيها وأما الدائسة فهي دار نائية من هذه الدار، لم يسمع أهلها بهذه الدار ولا بشيء من أمرها، وكذلك نحن نسمع بذكر تلك الدار؛ إلا أنه قد صح عندنا أن بيوتهم من قثاء، وسقوفهم من قثاء، وأنعامهم من قثاء، وأنفسهم من قثاء، وقثائهم أيضاً من قثاء. قالوا: يا أبا سعيد؛ زعمت أن أهل تلك الدار لم يسمعوا بأهل هذه الدار ولا بشيء من أمرها، وكذلك نحن لهم، وأراك تخبرنا عنهم بأخبار كثيرة: قال: فمن ثم أنا أعجب أيضاً.
قال الجاحظ: كان عندنا بالبصرة قاص لا يحفظ شيئاً سوى حديث جرجيس، فقص يوماً فبكى رجل من النظارة، فقال القاص: أنتم لأي شيء تبكون؟ إنما البلاء علينا معاشر العلماء.
وقص بعض العلوية بالري فسأله وهو على كرسيه والعامة حواليه رجل منهم عن معاوية فقال: أما معاوية فلحيته في إستي.
قص أبو سالم يوماً وفي حلقته رجل أعور، فجعل الأعور يهزأ به ويضحك منه، ففطن أبو سالم فقال لأصحابه: إذا دعوت فقولوا: آمين. قالوا: نعم. فقال: اللهم من كان يسخر منا فافقأ عينه الأخرى.
لقي رجل سيفويه فسأله عن حاله وعياله فقال: هو ذا نقطع الدنيا يوماً بيوم، فيوم لا يرزقنا الله ويوم يرزقنا الله. ولقي صاحباً له فقال له: يا أخي؛ أين تكون؟ قد طلبتك عشرين دفعة وهذه الثانية.
دعا أبو سالم على المتربصين فقال: اللهم امسخهم كلاباً وامسخنا ذئاباً حتى نقطع لحومهم.
قال بعضهم: سمعت قصاصاً يقول: إني لأقص عليكم، ووالله إني لأعلم أنه لا خبر عندي 1457 ولا عندكم. ولكن تبلغوا بي حتى تجدوا خيراً مني.
قص واحد ومعه تعاويذ يبيعها فجعلوا يسمعون قصصه ولا يشترون التعاويذ، فأخذ محبرته وقال: من يشتري مني كل تعويذة بدرهم، حتى أقوم وأغوص في هذه المحبرة باسم الله الأعظم الذي كتبته في هذه التعاويذ. فاشتريت منه التعاويذ في ساعة وجمع دراهم كثيرة. وقالوا له: قم فادخل الآن في المحبرة. فنزع ثيابه وتهيأ لذلك والجهال يظنون أنه يغوص فيها. فبدرت امرأة من خلف الناس وتعلقت به، وقالت: أنا امرأته، من يضمن لي نفقتي حتى أتركه يدخل، فإنه دخلها عام أول، وبقيت ستة أشهر بلا نفقة.
كان بعض القصاص يدعو فيقول: اللهم أهلك أولاد الزنى الذين أسماؤهم الكنى، وأنسابهم القرى، وشعورهم شعور النسا، وههنا منهم جماعة فيما أرى.
وسمع قاص كان يحض على الجهاد قارئاً يقرأ سورة يوسف. فقال: دعنا من آيات القحاب وخذ في آيات طرسوس.
الباب العاشر
نوادر القضاة لمن تقدم إليهماختصم رجل وامرأة إلى سوار، فقال الزوج لسوار: أصلح الله القاضي، لو عرفتها لبصقت في استها. فقال سوار: اغرب، عليك لعنة الله.
قال بعضهم: سمعت رجلاً جيء به إلى التيمي القاضي، فقال: يا معشر القاضي: كم يجرونك إلي بحال أنهم واحد وأنا ستة،، لا يجدون أحداً يظلمونك إلا غيرري.
خاصم رجل رجلاً إلى الشعبي فقال: إن هذا باعني غلاماً نصيحاً صبيحاً. قال: هذا محمد بن عمير بن عطارد.
قدمت جارية مولى لها إلى بعض القضاة وادعت عليه الحبل، فأنكر المولى وادعى أنه كان يستعمل العزل وقت إتيانها، فاستثبته القاضي، وتعرف منه صورة أمره معها فقال: أصلح الله القاضي، كنت آتيها في قبلها؛ فإذا أردت الفراغ عزلت فأنزلت في دبرها. فقال القاضي: اسكت يا فاسق فإنك هو ذا تسمي ولاية العراقين عزلاً.
اختصم رجلان إلى قاض، فدنا أحدهما منه وقال سراً: قد وجهت للدار فراريج كسكرية، وحنطة بلدية كذا وكذا. فقال القاضي بصوت عال: إذا كانت لك بينة غائبة انتظرناها، ليس هذا مما يسار به.
قال محمد بن رباح القاضي: تقدم إلى قثم مع ابن أخيه، فادعى عليه خمسة آلاف دينار فقال قثم: نعم له علي ذلك من أي وجه. فقلت: قد أقررت له بالمال، فإن شاء فسر الوجه، وإن شاء لم يفسر. فقال ابن أخيه: أشهد أنه بريء منها إن لم أثبتها. فقلت: وأما أنت فقد أبرأته إلى أن تثبت ذلك، فما رأيت أضعف منهما في الحكم.
ادعى رجل على آخر طنبوراً وأحضره عند القاضي فأنكر، فقال: حلفه فقال القاضي:

إن كان عندك هذا الطنبور فأيري في حر أمك. فقال الرجل: أي يمين هذا؟ فقال القاضي: 458 يمين الطنبور.
وادعى رجل على امرأة عند القاضي شيئاً فأنكرت فقال لها: إن كنت كاذبة فأير القاضي في حرك. فتوقفت المرأة، فقال القاضي: قولي وإلا فاخرجي من حقه.
قال بعض القضاة الحمقى: قد عزمت على أن أخصي عدلين للشهادة على النساء.
لما خرج المأمون إلى فم الصلح لينقل بوران بنت الحسن، إذا جماعة على الشط وفيهم رجل ينادي بأعلى صوته: يا أمير المؤمنين؛ نعم القاضي قاضي جبل جزاه الله عنا أفضل ما جزى أحداً من القضاة؛ فهو العفيف النظيف، الناصح الجيب المأمون الغيب. وكان يحيى بن أكثم يعرف قاضي جبل وهو ولاه وأشار به. وإذا هو القاضي نفسه، فقال: يا أمير المؤمنين: إن هذا الذي ينادي ويثني على القاضي هو القاضي نفسه. فاستضحك المأمون واستطرفه وأقره على القضاء.
وقد كان أهل جبل رفعوا عليه وذكروا أنه سفيه حديد يعض رءوس الخصوم فوقع المأمون: يشنق إن شاء الله.
قال بعضهم: رأيت امرأة قدمت زوجها إلى أبي جعفر الأبهري المالكي وكان قضاء المحول فقالت له: أعزك الله، هذا زوجي ليس يمسكني كما يجب، حسبك أنه ما أطعمني لحماً منذ أنا معه. قال القاضي: ما تقول؟ قال: أعز الله القاضي البارحة أكلنا مضيرةً. قالت المرأة: ويلي أليس كان ماست؟ قال: وتناي...نا ستة. قال القاضي: هذه مضيرة بعصبان.
جلس أبو ضمضم القاضي للحكم فلمح في مجلسه رجلاً معه ألواح يعلق نوادره فرماه بالدواة وشجه ثم أمر به إلى الحبس. فقال كاتبه: ما أكتب قصته في الديوان. قال: اكتب: استرق السمع فأتبعه شهاب ثاقب.
اختصم إلى أبي ضمضم رجلان فأقر أحدهما لصاحبه بما ادعاه عليه وقال: أعز الله القاضي. إني كلما طلبته لأوفيه حقه لا أجده فإنه رجل شريب منهمك في الشرب أبداً عند أصحابه وأصدقائه، وأنا رجل معيل أحتاج أن أكسب قوت عيالي، ولا يتهيأ لي أن أتعطل عن كسبي وأدور في طلبه. فأمر أبو ضمضم بحبس صاحب الحق. وقال لغريمه: اذهب فاشتغل بطلب معاشك ومكسبك، فإذا حضرك ما ترده عليه فاحمله إلى الحبس حتى لا تحتاج أن تدور في طلبه. فبقي الرجل في الحبس ثمانين يوماً وصاحبه يحمل إليه الشيء بعد الشيء إلى أن بقي له عشرة دراهم فأرسل إلى القاضي وقال: إن رأيت أن تفرج عني فلم يبق لي على غريمي إلا عشرة دراهم فقال: لا والله لا تبرح حتى تأخذ حقك! تقدم رجلان إلى بعض القضاة فقال أحدهما: أصلحك الله أخو ختن غلام أكار هذا سرق كساء أخي ختن أكار خال ولد ختي. فقال القاضي: ما تقول؟! قال: أعز الله القاضي. غير كساء غيري سرق غير ختن كساء هذا. أنت القاضي. أيش تشير علي؟ قال القاضي: أشير عليك أن تأخذ أي طريق شئت فمن كلمك فاصفعه.
ارتفع رجلات إلى قاض أحدهما يدعي على الآخر حقاً له من ميراث فقال القاضي للمدعي: ما تكون من هذا الرجل الذي تدعي ميراثه؟ قال: أعز الله القاضي أنا أحد قراباته: كانت أم أم أمه جدها لأمها أخا خال عم أخي ختني. أعني ابن بنت زينب خالتي فقال القاضي: يا سفله، هذه صفة أخلاط الخبث. ارفعها إلى الصيادلة حتى يميزوها خلطاً خلطاً ثم ردوها.
سمع بعض القضاة امرأة تقول لأخرى 459 في جيرته في كلام بينهما: وإلا فأير القاضي في حرك. فقال القاضي: إن القاضي والله أشقى بختاً من ذاك.
تشاجر رجل وامرأته في الأير إذا قام وانتفخ كم رطلاً فيه. فقال الرجل: يكون فيه خمسون رطلاً، وقالت المرأة: لا يكون. فحلف بطلاقها أنه إذا انتفخ يكون فيه أكثر من ألف رطل. فارتفعا إلى الحاكم ورشوه على الحكم لئلا يفرق بينهما فقال: اذهبوا، فإنه إذا قام فهو مثل شراع السفينة إذا وقع فيه الريح يكون أكثر من خمسة آلاف رطل.
قدم رجل امرأته إلى القاضي فقال: أعز الله القاضي أنا رجل من دورق وهذه امرأة من درب عون، وفي قلبي حب وهي تغار علي وأريدها صاغرة. فقال القاضي: اذهب عافاك الله إلى دار بانوكة حتى يعمل لك قاض من دن يحكم بينكما.
غاب رجل في بعض أسفاره، وطالت غيبته فأرجف به وبموته، وأتى على ذلك مدة، وبلغ قاضي البلد جمال امرأته فخطبها وتزوجها فصار إليه أهل بيت زوجها وبنو أعمامه وقالوا:

أعز الله القاضي. لم يصح عندنا موت هذا الرجل ونحن في شك منه، فكيف تتزوج بامرأته؟ فغضب القاضي وقال: أنتم تسخرون بالنساء. والله ما يغيب أحدكم إلا تزوجت بامرأته.
تقدم رجلان إلى قاض وادعى أحدهما على صاحبه درهماً من ثمن ريحان اشتراه ف أنكر واستحلفه فقال القاضي: قل: والله الذي لا إله إلا هو. فقال الرجل: أصلحك الله ليست هذه يمين أصحاب الرياحين. قال القاضي: وما يمينهم؟ قال: أن يقول أمه فاعلة إن كان لهذا عليه شيء. قال القاضي: ما أشك في صدقك، وغرم الدرهم من عنده.
تقدم رجلان إلى الشعبي، فقال أحدهما: لي عليه - أعز الله القاضي - كذا وكذا من المال. فقال: ما تقول؟ قال: يسخر بك أعزك الله.
تقدم إلى قاضي حمص رجل وامرأته فقال الرجل: أصلح الله القاضي إنها لا تطيعني. قالت: أصلح الله القاضي. إني لا أقوى بما معه قال: يا هذا لا تحملها ما لا تطيق. قال: أصلحك الله إنها كانت عند رجل قبلي فكانت تكرمه وتطيعه. فضرط القاضي من فمه ثم قال: يا جاهل، الأيور كلها تستوي؟ هوذا أنا معي مثل أير البغل ومن في البيت أستودعهم الله يستصغرونه.
ارتفعت امرأة مع رجل إلى قاضي حمص. فقالت: أعز الله القاضي. هذا قبلني قال القاضي: قومي إليه فقبليه كما قبلك. قالت: قد عفوت عنه إن كان كذا. قال القاضي: فإيش قعودي ههنا؟ حيث أردت أن تهبي جرمه لم جئت إلى هذا المجلس؟ والله لا برحت حتى تقتصي منه حقك وبعد هذا لو نا...ك رجل بحذائي لم أتكلم.
رفع أبو الجود الشامي امرأته إلى أبي شيبة القاضي وقالت: أصلحك الله اخلعني منه وإلا طرحت نفسي في دجلة. فقال زوجها: أصلحك الله إنها تدل بسباحة. فقال القاضي: ما أدري أيكما أرقع قال الشامي: إن كنت لا بد فاعلاً فارقعني ودعها.
أرسل المأمون رجلاً معه كتاب إلى قاضي حمص. قال الرجل: فدخلت حمص فمررت على جماعة من المشايخ في مسجد، فاسترشدتهم فقالوا: أمامك. وحركت البغلة فضرطت فقال شيخ منهم كان أحسنهم هيئة وأسنهم: على أيري. فتعجبت من قوله، وصرت إلى القاضي فقرأ كتابي ثم تحدث 460 فانبسطت معه فقلت: ألا أطرفك أيها القاضي بشيء. وقصصت عليه القصة. فقال: يا حبيبي قد فسد الناس وذهبت نصفتهم كانوا فيما مضى إذا سمعوا ضرطة قالوا على أير القاضي فصار الآن كل إنسان يجر النار إلى قرصه.
ذكر أن أعرابياً من بني العنبر صار إلى سوار القاضي فقال: إن أبي مات وتركني وأخاً لي وخط خطين ثم قال: وهجيناً. وخط خطاً ناحية فكيف يقسم المال؟ فقال: أههنا وارث غيركم؟ قال: لا. قال: المال بينكم أثلاثاً. قال: لا أحسبك فهمت. إنه تركني وأخي وهجيناً لنا، فقال سوار مثل مقالته الأولى. فقال الأعرابي: أيأخذ الهجين كما أخذ أنا وكما يأخذ أخي؟ قال: أجل. فغضب الأعرابي ثم أقبل على سوار فقال: تعلم والله إنك قليل الخالات بالدهناء، فقال سوار: إذاً لا يضرني ذلك عند الله شيئاً.
تقدم رجل إلى شريك ومعه غريم له فقال: أصلحك الله لي عليه خمسمائة درهم. فقال للغريم: ما تقول؟ قال: أصلحك الله يسخر بك فقال: قم يا ماص بظر أمه.
قال الأصمعي: لقيت قاضي سبدان فقلت: على من تقضي؟ فقال: على الضعيف.
كان أبو السكينة قاضياً للحجاج بن يوسف وكان طويلاً فقال يوماً: بلغني أن الطويل يكون فيه ثلاث خلال لا بد منها قال: قلت: ما هي؟ قال: يفرق من الكلاب ولا والله ما خلق الله دابة أنالها أشد فرقاً من الكلاب، أو تكون في رجله قرحة لا والله ما فارقت رجلي قرحة قط أو يكون أحمق وأنتم أعلم بقاضيكم.
ولي عكابة النميري قضاء البحرين فالتاث أهلها عليه فركب فرسه وأخذ رمحه وقال: والله لا أقضي إلا هكذا من خالفني طعنته برمحي.
كان بالبصرة قاض، فاحتكم إليه حائك في حمامة فأخذها ومسح عينها ثم أرسلها. فقال الحائك: ما فعلت أيها القاضي؟ قال: يذهب إلى بيت صاحبها.
وتقدم إليه رجلان ومعهما امرأة فقال أحدهما: أصلحك الله. هذه امرأتي تزوجتها على ستين درهماً وهذا يدعي أنه يتزوجها على سبعين فقال القاضي: علي بثمانين. فقالا: أصلحك الله جئناك لتقضي بيننا لم نجئك لتزايدنا. قال القاضي: فإنما في شرىً وبيع، قوماً في لعنة الله.

تقدم إلى قاض اثنان فادعى أحدهما على صاحبه ثلاثة أرباع دينار. فقال القاضي: ما تقول؟ قال له: علي دينار غير ربع، ففكر ساعة ثم قال: أما تستحيان في هذا القدر. إنما بينكما ثلث دينار! قوما فاصطلحا فالصلح خير.
واختصم إليه رجلان في ديك ذبحه أحدهما فقال: ارتفعوا إلى الأمير، فإنا لا نحكم في الدماء.
وعزل يحيى بن أكثم قاضياً كان له على حمص من أهلها فلما قدم إليه رأى شيخاً وسيماً فقال له: من جالست يا شيخ؟ فقال: أبي. فظن أن أباه من أهل العلم. قال: فمن جالس أبوك: قال: مكحولاً قال: فمن جالس مكحول؟ قال: سفيان الثوري. قال: ما كان يقول أباك في عذاب القبر؟ قال: كان يكرهه.
تزوج بعض الخصيان في زمن شريح بامرأة فأتت بولد فتبرأ منه وترافعا إلى شريح. فألحق الولد به وألزمه أن يحمله على عاتقه فخرج على تلك الصورة واستقبله خصي آخر. فقال له: انج بنفسك فإن شريحاً يريد أن يفرق الزنى على الخصيان.
461 - سمع العنبري القاضي صبياً يقول لآخر وإلا فأير القاضي في حر أم الكاذب، فقال القاضي: ولم يا صبي؟ قال: لأن عليه أيراً مردوداً في حر أمه مثل سارية المسجد. فقال القاضي: الاستقصاء شؤم.
قدم رجل جماعة إلى قاضي حمص يشهدون له على شيء ادعاه فقال لهم القاضي: بم تشهدون؟ فقالوا: تريد منا أن نكون نمامين؟ قدمت امرأة زوجها إلى القاضي ومعها طفل ادعت أنه ولده وأنكر الرجل فقال القاضي: الولد للفراش وقد أقررت بالزوجية فقال: أيها القاضي والله ما تناي..نا إلا في الإست، فقالت المرأة وأنت أيها القاضي ما رأيت غرفة تكف. قال القاضي: صدقت. خذ بيدها وبيد ولدك.
دخل على بعض الولاة قاض وعنده مضحك عيار فوثب فانكشف إسته وتلقى بها القاضي، فحل القاضي سراويله وأخرج أيره وتلقى به أسته. وقال: إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها.
يقال: إن غلامين من أهل سنجار تقدما إلى قاضيها فقالا له: أيها القاضي قد جئناك في شيء وإن لم يكن شيء. مات أبونا، وخلف لنا داراً لا تساوي شيء، فاقتسمناها فما أصابنا منها شيء، وعرضناها فما أعطونا بها شيء، ونحن فقراء لا نملك شيء، وجياع ما في بطوننا شيء، وحفاة ليس في أرجلنا شيء، وقد جئنا إلى القاضي حتى يعطينا شيء فنضم شيء إلى شيء ونشتري به شيء. قال القاضي: قد وليت سنجار وما معي شيء وأنزلوني في دار ليس فيها شيء، فأقمت بينهم شهرين ما أطعموني شيء، وحلفتهم فما أقروا إلي بشيء، والقوم جياع ليس عندهم شيء، ولو كانت داركم تسوى شيء كنا قد بعناها لكم بشيء، أعطيناكم شيء وأخذنا شيء، فكان يكون عندكم شيء وعندنا شيء! ولكن هو ذا أفطنكم بشيء! من ليس معه شيء لا يسوى شيء.
الباب الحادي عشر
نوادر لأصحاب النساء والزناة والزوانيكان رجل يتعشق امرأة، ويتبعها في الطرقات دهراً، إلى أن أمكنته من نفسها. فلما أفضى إليها لم ينتشر عليه فقالت له: أيرك هذا أير لئيم. قال: بل هو من الذين قال فيهم الشاعر:
وأفضل الناس أحلاماً إذا قدروا
نظر مغيرة المهلب يوماُ إلى أخيه يزيد وهو يطالع امرأته ويقول لها: اكشفي ساقك ولك خمسون ألف درهم فقال: ويلك يا فاسق؛ هات نصفها وهي طالق.
قال بعضهم لأعرابي: هل يطأ أحدكم عشيقته؟ فقال: بأبي أنت وأمي. ذاك طالب ولد ليس ذاك بعاشق.
سمع إسماعيل بن غزوان قول الله تبارك وتعالى " قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين. ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين " . فقال : لا والله إن سمعت بأغزل من هذه الفاسقه. ولما سمع بكثرة مراودتها 462 ليوسف واستعصامه بالله قال: أما والله لو بي محكت.
قال الأصمعي: راودت أعرابة شيخاً عن نفسه، فلما قعد منها مقعد الرجل من المرأة أبطأ عليه الانتشار فأقبلت تستعجله وتوبخه فقال لها: يا هذه إنك تفتحين بيتأ وأنا أنشر ميتاً.
أشار ضيف لقوم إلى بنت لهم بقبلة وهي خلف الخباء، فلما سمع الشيخ قول الجارية: إني إذاً الطويلة العنق قال: وبيت الله لقد أشار إليها بقبلة.
أتى نوفل بابن أخيه وقد أحبل جارية لغيره فقال: يا عدو الله؛ هلا إذا ابتليت بالفاحشة عزلت. قال: بلغني أن العزل مكروه. قال: أفما بلغك أن الزنى حرام.

جاء رجل إلى عابد فسأله عن القبلة للصايم، فقال: تكره للحدث، ولا بأس بها للمسن، وفي الليل لك فسحة. فقال: إن زوجها يعود إلى منزله ليلاً فقال: يا بن أخ؛ هذا يكره في شوال أيضاً.
قال الجاحظ: تعشق المكي جارية ثم تزوجها نهارية، فخبرني أنها كانت ذات صبيان وأنه كان معجباً بذلك منها، وأنها كانت تعالجه بالمرتك، وأنه نهاها مراراً حتى غضب في ذلك. قال: فلما عرفت شهوتي كانت إذا سألتني حاجة ولم أقضها قالت: والله لأمرتكن ثلاثاً. فلا أجد بداً من أن أقضي حاجتها. قال: فلم أسمع قط بأطرف من قوله: فلا أجد بداً من أن أقضي حاجتها.
قال بعضهم: إذا جمشت فلا تبهت مثل المجنون، ولكن السع وطر.
أخذ رجل مع زنجية وكان قد أعطاها نصف درهم، فلما أتى به إلى الوالي أمر بتجريده وجعل يضربه ويقول: يا عدو الله؛ تزني بزنجية! فلما أكثر قال: أصلحك الله، فبنصف درهم إيش أجد، ومن يعطيني؟ فضحك وخلاه.
وجد شيخ مع زنجية في ليلة الجمعة في مسجد، وقد نومها على الجنازة فقيل له: قبحك الله يا شيخ. فقال: إذا كنت أشتهي وأنا شيخ لا ينفعني شبابكم، قالوا: فزنجية. قال: من يزوجني منكم بعربية؟ قالوا: ففي المسجد! قال: من يفرغ لي بيته منكم ساعة؟ قالوا: فعلى جنازة! قال: إن شئتم جئتكم ليلة السبت، فضحكوا منه وخلوه.
قال بعضهم لقينة كانت إلى جانبه في مجلس: أشتهي أن أضع يدي عليه. قالت: إذا كان العتمة. قال: يا ستي؛ إذا كان العتمة وأطفئ السراج يكون الزحام عليه أكثر من الزحام على الحجر الأسود.
وكان بعضهم في مجلس شرب فيه مغنيات فقامت واحدة منهن فكانت مليحة، فوضعت الطبل وقعدت عليه، فقال: يا إخوتي. ما كنت أحسب أني أحب يوماً ما أن أكون طبلاً حتى الساعة! وحدث بعضهم قال: كنت في دعوة وبت، وكانت هناك مغنية قد باتت، فدب إليها بعضهم فسمعتها في الليل تقول: اعزل اعزل!. وهو يقول لها: يا قحبه تولين أنت وأعزل أنا.
قال بعضهم: بينا أني.. قحبة في شهر رمضان، وذهبت أقبلها فحولت وجهها عني. فقلت: لم تمنعينني القبلة؟ قالت: بلغني أن القبلة تفطر الصائم.
أدخل رجل قحبة إلى خربة، فبينا هو فوقها إذ أحس بوقع قدم، فأراد أن يقوم. فقالت له: شأنك فإنه 462 إن كانوا أقل من أربعة ضربوا الحد.
كان في جوار ابن المعذل قحبة تزني نهاراً وتصلي بالليل وتدعو وتقول: اللهم اختم لي بخير. فلما طال ذلك على ابن المعذل قال لها: يا فاجرة، ما ينفعك هذا الدعاء؟ وهو يختم لك بالليل وتكسرين الختم بالنهار.
كان الحمدوني في مجلس فقالت له قينة: ناولني ذلك الكوز. فقال: يا قحبة تريدين أن تستأكليني.
أخذ شيخ مع جارية سوداء فقيل له: ويحك تزني بسوداء؟! قال: أنا اليوم شيخ، إيش أبالي ما أني...
نزل سبعة أنفس في خان، وبعثوا إلى قوادة وقالوا لها: أحضري لكل واحد منا امرأة - وكان أحدهم يصلي - فقالت: كم أنتم؟ قالوا: نحن ستة. فقال المصلي: سبحان الله سبحان الله. وأخرج يده وقد عقد على سبعة. - أي نحن سبعة.
كان بشيراز رجل وله زوجة فاسدة، فنزل به ضيف فأعطاها دراهم وقال لها: اشتري لنا رءوساً نتغدى بها، فخرجت المرأة ولقيها حريف فأدخلها إلى منزله وأحس بها الجيران، فرفعوهما إلى السلطان. وضربت المرأة وأركبت ثوراً ليطاف بها في البلد، فلما أبطأت على الرجل خرج في طلبها، فرآها على تلك الحال فقال لها: ما هذا ويلك؟ قالت: لا شيء انصرف أنت إلى البيت فإنما بقي صفان: صف العطارين وصف الصيادلة ثم أشتري الرءوس وأجيئك.
قالت امرأة أبي إسماعيل القاص لزوجها: إن الجيران يرمونني بالفاحشة قال: لا يحل لهم حتى يروه فيك كالميل في المكحلة.
قيل لرجل: إن فلاناً وفلاناً حملا السلم البارحة ونصباه إلى حائط دارك؛ يريدان امرأتك. قال: على كل حال إذا حملوه بين اثنين هو أولى من أن يكلفوني حمله وحدي.
كان على بعض أبواب الدور خياط. وكانت لهم جارية تخرج لحوائجهم فقال الخياط لها يوماً - وقد خرجت: أخبري ستك أن لي أيرين. فدخلت الجارية وهي تدمدم، قالت لها ستها: مالك؟ قالت: خير. قالت: لا بد من أن تخبريني، فأخبرتها بقول الخياط. فقالت: أحضريه حتى يقطع لنا أثواباً. فدعته وطرحت إليه ثوباً فلما قطعه قالت له:

بلغني أن لك أيرين. قال: نعم واحد صغير أني.. به الأغنياء، وآخر كبير أني... به الفقراء قالت المرأة: لا يغرنك شأننا الذي تراه؛ فإن أكثره عارية.
كان عند بعضهم امرأة يبغضها، وكانت كل ليلة تستعجله وتقول: قم حتى تنام. وكان لا ينشط، ويدافع بالوقت إلى أن قالت له ذات ليلة ذاك فقال: لا تقولي حتى تنام، ولكن قولي حتى تموت. فإن الموت خير من النوم معك.
تزوج رجل بامرأتين عجوز وشابة، فجعلت الشابة كلما رأت في لحيته طاقة بيضاء تنتفها، والعجوز كلما رأت طاقة سوداء تنتفها، فما زالا كذلك حتى أعاداه عن قريب أمرد أصلع.
حكى عن ابن أبي طاهر قال: كنت مع علي بن عبيدة في مجلس ومعه عشيقة له فجلسنا حتى فانتنا صلاة العصر. فقلت له: قم حتى نصلي. فقال: حتى تزول الشمس - يعني عشيقته.
قيل لرجل رئي وهو يكلم امرأة في شهر رمضان: أتكلمها في مثل 461 هذا الشهر؟ قال: أدرجها لشوال.
اعترض رجل من أهل خراسان جارية لبعض النخاسين فازدراه، فوضع يده على هميان في وسطه فيه دنانير كثيرة، ثم أنزل يده إلى ذكره وقد أنعظ وقال: أترى سلعتك تكسد بين هذين السوقين.
نظر رجل إلى مغن يطارح جارية للغناء وقد غمزها فقال له: ما هذه الغمزة؟ قال: غمزة في الغناء. قال: أتراني لا أعرف غمزة الغناء من غمزة الزنى.
عشق أبو جعفر القارئ جارية بالمدينة فقيل له: ما بلغ من عشقك إياها؟ قال: كنت أرى القمر في دارهم أحسن منه في دارنا.
قال بعضهم: مررت ذات يوم بشارع السري بسر من رأى فرأيت امرأتي تمشي فظننتها من البادية، فتعرضت لها وقلت: إلى أين يقصد الغزال؟ فقالت لي: إلى مغزلها يا قليل المعرفة بأصحابه.
كان فلان مفلساً فقال لامرأة: أنا أحبك. قالت: وما الدليل على ذلك؟ قال: تعطيني قفيز دقيق حتى أعجنه بدموع عيني. قالت: على أن تجيء بخبزه إلينا. قال: يا سيدتي، فأنت تريدين خبازاً لا تريدين عاشقاً.
تزوج رجل بشيراز امرأة فلما كان في اليوم الخامس من زفافها ولدت ابناً، فقام الرجل وصار إلى السوق واشترى لوحاً ودواة فقالوا له: ما هذا؟ قال: من يولد في خمسة أيام يذهب إلى الكتاب في ثلاثة أيام.
ذكر أن رجلاً لزم آخر بحق له عليه فقال له الملزوم: انطلق معي إلى منزلي لعلي أحتال لك. فانطلق معه فدخل وغريمه معه فجلس بين يدي الحجلة والمرأة ممسكة بسجفها ومعه فيها صديق لها، فكلم الرجل امرأته فقال لها: إن لهذا علي ديناً، ولا أقدر على قضائه، فأعينيني بحليك، علي أن أخلفه عليك. فأقبلت المرأة على الغريم فقالت له: يا هذا؛ عليك عهد الله وميثاقه إن رأيت شيئاً لتكتمنه ولا تخبر أحداً، فحلف لها فخرجت من الحجلة، فأكبت على زوجها وأخذت رأسه فقبلته، وقالت: أفديك بكل شيء أملكه، وخرج الرجل من الحجلة فمضى وخلت عن رأس الزوج.
وجد رجل مع أمه رجلاً، فقتل أمه وخلى عن الرجل، فقيل له: ألا قتلت الرجل وخليت أمك؟ قال: إذا كنت أحتاج أن أقتل كل يوم رجلاً.
وصلى الله على محمد وآله أجمعين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
تم بحمد الله وعونه وتوفيقه الجزء الرابع ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الخامس /الفصل الخامس
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلفاللهم أنت الراعي لا يُراع سوامهُ، والحافظ لا يُضاع ذمامُه، والصادق لا يخلف وَعْده، والغني لا ينفّدُ مَا عندَه. نحمدُك ونستعينُك، ونستعصمك ونستخيرُك، ونؤمن بك ونتوكلُ عَلَيْكَ، ونخضعُ لَكَ، ونفزع إليْك. اللهم فوفقنا لكل مَا ترضاه، وجنبنا بعض مَا نهواه، وبلغنا من الخير مُنتهاه واهدنا فِي الدنيا إلى مَا نحمدُ فِي الآخرة عُقباه، وأسِبغْ علينا لباسَ الكرام واعصمْنا مما نتعقبه بالندامة، وتغمدنا فِي الدُّنيا بنعمة تضفُوا مدَارعُها وَفِي الآخرة برحُمة تصفُو مشارعُها، وابسُط أيْدَينا إلى خلقك بالأفضال والإسْعاف، واقْبِض أيْديَنا عنهم بالقناعة والكَفاف، واجْعلنا عصمةً للخائف منهم إذا استجار، والحائر إذا استشار، والسائل إذا استمَار. لَكَ الحمْدُ والمنةُ، ومنك الإحْسانُ والنِّعمةُ وَعَلَى رسولك محمدٍ وأهلِ بيته الصلاةُ والرحمة.
هذا هو الفصلُ الخامسُ من كتاب نثر الدُّر وهو اثنان وعشرون باباً.
الباب الأول
كلام زياد وولده

قال: إن تأخير جزاء المحسن لؤمٌ، وتعجيل عقوبة المُسيء دناءةٌ. ثواب المحسن والتثبٌّت في العُقوبة ربُّما أدى إلى سَلامة منها، وتأْخير الإحسانِ رْبِّما أدَّى إلى ندمٍ لم يُمكن صاحبه أن يتلافاهُ.
كتب إلى معاويةُ: اعزل حُرَيثَ بن جابر، فإني ما أذكُرُ قُبتَّه بصفِّين إلا كانت حَرارةً، في جلدي.
فكتب إليه زيادٌ: خفِّض عليك أميرَ المؤمنين، فقد بسَق حُريثٌ بُسُوقاً لا يرفُعه عملٌ، ولا يضعهُ عَزْلٌ.
وقال زيادُ لو أن لي ألف ألْف درهم، ولي بعيرٌ أجربُ لقمتُ عليه قيامَ. رجل لا يملكُ غيرَهُ. ولو أن لي عشرة دراهمَ لا أمْلك غيرَها، ولزمني حقٌّ لوضعْتُها فيه.
وقال لابنه: عليْك بالحجاب، فإنما تَجَّرأتِ الرُّعاةُ على السباح بكثرة نظرها إليها وخطب فقال: الأُمورُ جاريةٌ بأقدار الله، والناسُ متصَرِّفون بمشيئة الله، وهمْ بين متسخِّط وراض، وكل يجري في أجل وكتاب. ويصيرُ إلى ثواب أو عقاب. ألا رُب مسرور بنا لا نسرُّه، وخائف ضدنا لا نضُرُّه.
وكان مجْلسه الذي يأْذن فيه للناس أربعةُ أسْطْر في نواحيه، أولُها: الشِّدةُ في غير عُنف، واللينُ في غير ضعْف. والثاني: المُحسنُ يُجازى بإحسانه، والمسيءُ يكافأُ بإساءته. والثالث العَطيَّاتُ والأرزاقُ في إبانها وأوقاتها. والرابعُ: لا احتجاب عن صاحب ثغر ولا طارق ليل.
وقال: أحْسنوا إلى أهل الخراج، فإنكم لا تزالون سماناً ما سَمنْوا.
قدم رجلٌ خصْماً إلى زياد في حَقٍّ له عَليْه، فقال: إن هذا يُدلُّ بخاصة ذكرَ أنها له منك. فقال زيادٌ: صدّق. وسأُخبُرك بما ينفعُه عندي منْ مودته إن يكُن الحقُّ له آخذُك به أخْذاً عنيفاً، وإن يكُنِ الحقُّ لك عليه أقْضِي عليه ثم أقْضي عنه.
وقال: ليس العاقلُ الذي يحتالُ للأمْر إذا وقع، ولكن العَاقل الذي يحتالُ للأمر ألا يقع فيه.
قالوا: قدم زيادٌ البصْرة والياً لمعاوية والفسْقُ بالبصْرة ظاهرٌ فاشٍ فخطب خطبةً بَتْرَاءَ لم يحمدِ الله فيها. ويُقالُ: بل قال: الحمد لله على أفْضاله، ونسْأَلُه المزيدَ منْ نعمه وإكرامه. اللهُم كما زدْتنا نعَماً فأَلهِمنْا شكْراً. أما بعدُ: فإن الجاهلية الجهُلاء، والضلالة العمْياء والغَيَّ المُوفدَ لأهله على النار، ما فيه سفهاؤُكمْ، ويشتعلُ عليه حُلماؤكم، منه الأمور العظام، ينبتُ فيها الصغيرُ، ولا يتحَاشى منْها الكبيرُ. كأنكم لم تقْرءُوا كتاب الله، ولم تسمعُوا ما أعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معْصيته في الزمن السرمدي الذي لا يزُولُ.
أتكونون كمنْ طرفتْ عينه الدُّنيا، وسَدتْ مَسامعَه الشهواتُ، واختارَ الفانية على الباقية ولا تذْكُرونَ أنكم أحْدثتُم في الإسلام الحدَثَ الذي لم تُسْبقُوا إليْه: منْ تَرْككُمْ الضعيفَ يُقْهرُ، ويُؤخَذُ مالُه، والضعيفةَ المسلوبةَ في النهارِ المُبصِرِ، والعددُ غيرُ قليل.
ألم يكنُ منكم نُهاةٌ تمنعُ الغُواةَ عنْ دَلَج الليلِ، وغارةِ النهارِ؟ قرَّبْتُم القرابة، وباعْدتُمُ الدِّين. تعتذرُون بغير العُذْر وتُغُضون على المُخْتلسِ، كلُّ امرئ منكم يذُبُّ عن شَفِيهِه ضنيع مَنْ لا يخافُ عاقبة، ولا يرجوُ مَعاداً. ما أنتُم بالحُلماء، ولقد اتَّبعُتم السُّفهاءَ، فلم يزَلْ بهم ما ترَوْن من قيامِكم دونَهُم، حتى انتهكٌوا حُرَم الإسلام، ثم أطْرَقُوا وراءَكم كُنُوساً في مكانِس الرِّيبَ حَرُم على الطعامُ والشرابُ حتى أسَوِّيَها بالأرض هدماً وإحراقاً، إني رأيتُ آخر هذا الأمر لا يصلحُ إلا بما صلح به أوَّلُه: لينٌ في غير ضعف، وشدةٌ في غير عنف. إني أقسمُ بالله لآخُذنَّ الولي بالمولىَ، والمقيمَ بالظاعن، والمقبل بالمُدبر، والصحيحَ منكم في نفسه بالسقيم حتى يَلْقى الرجلُ منكم أخاه فيقول: انْجُ سعدٌ فقد هلك سُعَيد أو تستقيمَ لي قناتُكُم.

إن كذبَة المنبر. بلقاءُ مشهورةٌ، فإذا تعلقتم على بكذبة فقد حل لكم معصيَتي. من نُقِبَ عليه منكم فأنا ضامنٌ لمَا ذهب منه، فإيايَ ودلج الليل، فإنِّي لا أوتَى بمُدلِج إلا سفكْتُ دمه وقد أجَّلتكُمْ في ذلك بقدر ما يأتي الخبرُ إلى الكوفة، ويرجعُ إليكم. وإياي ودعَوى الجاهلية، فإنِّي لا أجد أحداً دَعَا بها إلا قطعتُ لسانَهُ. وقد أحدثْتُم أحداثاً لمْ تكن، وقد أحْدثْنا لكلِّ ذنبٍ عقوبةً، فمَنْ غرَّق قوما غرَّقْناه، ومن أحْرق على قومٍ أحْرَقناه ومَنْ نقَب على قوم بيتاً نقَبْنا عنْ قلبه، ومن نَبش قبرً دفنَّاه فيه حَيَّاً كُفُّوا عني أيْديكُم، وألْسنتكُم أكُفَّ عنكم يدي ولساني. ولا يظْهُر مْن أحدكم خلافُ ما عليه عامكم إلا ضربْتُ عُنقَهُ. وقد كانت بيني وبيْن أقوام إحنٌ فجعلُتُ ذلك دبْرَ أذُني، وتحت قدمي، فمنْ كان منكم مُحْسناً فليزدَدْ إحساناً، ومَنْ كان مُسيئاً فليرْتدعُ عن إساءته. إني لو علمتُ أن أحدَكُم قد قتلهُ السُّل منْ بُغْضي لم أكشف عنه قناعاً، ولم أهُتكْ له ستراً حتى يُبْدي لي صَفحتهُ، فإذا فعَل لمْ أناظرهُ فاسْتأنفُوا أمُوركُم، وأعينُوا على أنْفُسكم، فُرب مُبْتئس بقُدُومنا سَيُسَرُّ، ومسرور لقُدومنا سَيبْتئسُ.
أيُّها الناس: إنا أصْبحنا لكم ساسةً، وعنكم ذادةً، نُسوسُكم بُسلْطان الله الذي أعْطاناهُ، ونذُودُ عنكم بفيءٍ الله الذي خَولَنا. فلنا عليكم السمْعُ والطاعةٌ فيما أحْببْنا، ولكن علْينا العَدْلُ فيما ولِينا. فاستوجبُوا عَدْلنا وفيْئنا بِمُناصحَتِكُمْ لنا.
واعلموا أني مُهَما قصَّرتُ عنه فلن أقصِّرَ عن ثلاث: لستُ مُحْتجباً عن طالب حاجةٍ منكم، ولن أتاني طارقاً بليل، ولا حابساً عطاءً ولا رزُقا عن إبانه، ولا مُجمِّراً لكم بعْثاً، فادْعوا اللهب الصلاح لأئمتِّكم، فإنهم ساستُكُم المؤُدِّبون، وكهفُكمُ الذي إليه تأوُون. ومتى صلحُوا تصَلْحُوا، ولا تْسْرِبوا قلوبكم بعْضَهُم فيشتد لذلك غيظكُمُ، ويطول لذلك خُزْنكمُ، ولا تُدْركُوا حاجَتكم مع أنه لو اسْتُجيب لكم فيهم كان شراً لكم. أسْأَلُ الله أنْ يُعين كُلاً على كُلٍّ.
وإذا رأيتْمُوني أنفذُ فيكم الأمرَ فأنفذُه على أذْلاله، وأيْمُ الله إن لي فيكم لصَرْعى كثيرةً. فليَحْذرْ كل امرئ أنْ يكون من صَرْعاي.
قال: فقام عبدُ الله بنُ الأهتم، فقال: أشهدُ أيها الأميرُ لقد أوتيت الحكمة وفصْل الخطاب. فقال له: كذبْت. ذاك نبي الله داود صلى الله عليه وسلم.
فقامَ إليه الأحْنفُ ابنُ قيْس، فقال: إنما الثناءُ بعْدَ البلاء، الحمدُ بعد العطاءِ، وإنا لا نُثْنِي حتى نبْتلي، ولا نُحمدُ حتى نُعْطَى.
فقال زياد: صدّقْتُ.
قال: فقام أبو بلال يهمسُ وهو يقولُ: أنْبأَنا اللهُ - جل وعز - بغير ما قُلت. قال اللهُ تباركَ وتعالى: وَإبْراهيمَ الذي وَفى. ألا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أخْرَى. وأن لَّيْسَ للإنسانِ إلا ما سَعَى. وأنَّ سعُيَهُ سوف يُرَى. ثُم يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفىَ وأنت تزْعُم أنك تأْخُذُ الصحيحَ بالسقيم، والطيع بالعاصي، والمُقْبِلَ بالمُدْبرِ.
فسمعها زيادٌ، فقال: إنَّا لا نبلُغُ ما نُريدُ بأصْحابك حتى نَخُوضَ إليكمُ الباطل خَوضاً.
وقال يوم على المنْبر: إن الرجلَ ليتكلَّم بالكلمة لا يقطع بها ذنبَ عنز مَصُور لو بَلغتْ إمامه سَفكَت دمَهُ.
وقال. ما قرأت كتابَ رجل قطُّ إلا عرفتُ عَقْلَهَ فيه.
وخطب فقال: استوصُوا بثلاثة منكم خيراً: الشريف، والعالم، والشيخ، فوالله لا يأتيني شَريفٌ يستخفُّ به إلا انْتقمتُ منه، ولا يأتيني شيخٌ بشاب استخف به إلا أوجعتُه، ولا يأتيني عالمٌ بجاهل استخف به إلا نكلتُ به.
قيل لزياد: ما الحظُّ؟ قال: منْ طالَ من عُمُرهُ، ورأى في عَدوِّه ما يَسُرهُ فهو ذُو حظٍّ.
وكان يقول: هُما طريقان للعَامة: الطاعةُ، والسيفُ.
وكان المغيرةُ بن شُعبة يقول: لا والله حتى يُحمَلْوا على سبعون طريقاً قبلَ السيف.
قال رجلٌ للحسن بن أبي الحسن: ألا أحَدِّثُك بخطبة زياد حين دخَل العراقَ، وخطبة الحجاج حين قدمَ البصرةَ.

أما زيادٌ فحمد الله - عز وجل - وأثْنَى عليه، ثم قال: إن معاوية غيرُ مخوف على قومه، ولم يكُنْ ليْلْحِق. بِنَسبه مَنْ ليس منهُ. وقد شَهدتِ الشُّهودُ بما قَد بَلغَكُم، والحقُّ أحَقُّ أن يُتَّبعَ. واللهُ حيثُ وضعَ البيِّنات كان أعلمَ. وقد رَحلتُ عنكم وأنا أعرفُ صديقي من عدوي وَقَدْ قدمت عليكم وَقَدْ صار العدو صديقاً مناصحاً والصديق عدُوا مُكاشحاً، فاشتمل كلُّ امرئ على ما في صدرِه، ولا يكونَنَّ لسانُه شفْرةً تجري على ودَجِه وليعلم أحدُكم إذا خلا بنفْسه أني قد حملتُ سيفي بيده، فإنْ شَهرهُ لم أغُمدْهُ، وإنْ أغُمَدهُ لم أشْهره. ثم نزل.
وأما الحجاجُ فقال: مَن أعياه داؤهُ فعلينا دوَاؤه، ومن استَعجَل إلى أجله فعلينَا أنْ نُعجلَه. ألا إن الحزْمَ والجِد استلَبا مني سَوطِيَ، وجعلا سوطي سيفي، فنجادُهُ في عنقي وقائِمُه بيدي، وذُبَابُه قِلادةٌ لمن اغترني.
فقال الحَسنُ: البؤسُ لهما. ما أغرهما بربِّهما!!؟ اللهم اجعلنا مِمِّنْ يعُتبُر بهما.
قال بعضهُم: ما رأيتُ زياداً كاسِراً إحدى عينْيِه، واضعاً إحْدى زِجْليه على الأخرى، يخاطِبُ رجلاً إلا رحِمْتُ المخاطبَ.
قال عُبْيدُ الله بنُ زياد: نِعم الشيءْ الإمارةُ لولا قَعْقَعةُ البَريد، وتَشرفُ المنبرِ.
تَذَاكُروا عِنْد يزيدَ البصرة والكوفَة، فقال زيادٌ: لو ضلِّت البصرةُ جعلتُ الكوفة لمن دَلِّني عليها.
سمع زيادٌ رجلا يُسبُّ الزمان: فقال: لو كان يدْري: ما الزمانُ. لضربتُ عُنقَه. إن الزمان هو السُّلطانُ.
قالب زيادٌ لحاجبه: يا عجلانُ، إني ولُيتُك هذا الباب، وعزلْتُكَ عن أربعة: عزلتُك عن هذا المنادي إذا دَعَا للصلاة، وفلا سبيل لك عليه، وعن طارق الليل، فشر ما جاء به. ولو جاء بخير ما كنتَ من حَاجبه. وعن رسول صاحب الثغر، فإن إبطاء ساعة يُفسد تدبيرَ سنة فأدخله على وإن كنتُ في لِحَافي. وعن هذا الطباخ إذا فرغ من طعامه فإنه إذا أعيد عليه التسخينُ فَسدَ.
وقال يُعجُبني من الرجل إذا سيمَ خُطة الضيم أن يقول: لا يملئ فيه وإذا أتى نادي قومٍ عَلمَ أين ينبغي لمثله أن يجلسَ، فجلسَ. وإذا ركب دابةً حمَلها على ما يُحب، ولم يَتبعْها إلى ما يكرَهُ.
وكان حارثةٌ بنُ بدر الغُدَاني قد غلبَ على زياد - وكان الشراب قد غلب عَليه - فقيل لزياد: إن هذا قد غلب عليك وهو مُستهترٌ بالشراب فقال زياد: كيف بأطراح رجل هو يُسايُرني؟ قد دخلت عليه العراق، فلم يصك ركابي ركاباه وما راكبني قط فسمت ركبتي ركبتُه ولا تقدمني فنظرت إلى قفاه، ولا تأخًّر عني فلويتُ عُنقي إليه، ولا أخذ علي الشمسَ في شتاءٍ قط، ولا الرَّوْح في صيف قط، ولا سألْتُه عن علْمٍ إلا ظنتُه لم يُحسن غيرَه.
فلما مات زياد جفاهُ عبيد الله، فقال له حارثةُ: أيها الأميرُ. ما هذا الجَفاءُ. مع معرفتك بإحلال عند أبي المُغيرة؟ فقال له عُبيدُ الله: إن أبا المغيرة كان قد برع بُروعاً لا يلحقُه معَهُ وأنا حَدَثٌ، وإنما أُنَسبُ إلى مَن تغلَّب علىَّ، وأنت رجلٌ تُديم الشراب، فمتى قرَّبتُك، فظهرت رائحةُ الشراب منك لم آمَن أن يُظن بي. فدع النبيذ، وكُن أول داخل، وآخر خارج.
فقال له حارثةُ: أنا لا أدَعُه لمن يملكُ ضري ونفعي. أفأدعُه للحال عندك؟ قال: فاختر من عملي ما شئت. قال: تُولِّيني رامهرمز فإنها أرضٌ عَذِيَة وسُرَّق وإنَّ بها شراباً وصف لي عنه فولاه إياهُ. وفيه قيل: أحُارِ بن بدر قد وَليت ولايةً فكُن جُرذاً فيها تَخُونُ وتَسْرِقُ.
وقال زياد: كفى بالبخيل عاراً أن أسمه لم يقع في حَمد قطٌّ، وكفى بالجواد مجداً أن اسمَه لم يقع في ذم قط.
وكان عبيدُ الله بن زياد قد لج في طلب الخوارج، وحَبْسهم، وقتلهم، فكُلِّم في بعضهم فأبى وقال: أقمَعُ النفاق قبْل أن يُنجِمَ الكلامُ هولاً أسْرع إلى القلوب من النار إلى اليراع.
وقال زيادٌ: المْحظُوظُ المغبوطُ. مَن طال عمرُه، ورأي في عدوه ما يُسرهُّ.
وقال: مِلاكُ السلطان الشدةُ عل المُريب واللين للمُحْسن، والوفاءُ بالعهد، وصدقُ الحديث.
وقال عبيدُ الله بنُ زياد: نعم الشيء الإمارةُ لولا قعْقعَةُ البريد، والتشرُّفُ للخُطب.

وخطب بالبصرة بعدَ موْت يزيد فقال: يا أهل البصرة. انُسبوني، والله ما مُهاجَرُ أبي إلا إليكم، وما مَوْلدي إلا فيكم، وما أنا إلا رجلٌ منكم. والله لقد وَليَكُم أبي ومَا مُقاتِلتُكم إلا أربعون ألفاً. ولقد بَلغ بها ثمانين ألفاً. وما ذُرِّيتُكُم إلا ثمانون ألفاً. وقد بلغ بها عشرين ومائة ألف. وأنتم أوسعُ الناس جِلادا، وأبعدُه مَقاداً، وأكثره جنوداً، وأغنى الناس عن الناس. انظروا رجُلاً تُولُّونه أمركمُ، يكُفُّ سُفهاءَكم، ويَجبْي فيْئكم، ويقسمُهُ بينكم، فإنما أنا رجلٌ منكم. فلما أبَوْا عليه قال: إني أخافُ أن يكون الذي يَدْعوكُم إلى تأميري حداثةُ عهدٍ بأمْري.
وقال زياد: ما أتيْتُ قطُّ مجلساً إلا تركتُ مَا لو أخذتُه لكان لي. وترْكُ مالي أحَبُّ إلي من أخذ ما ليْس لي.
وقال: ما قرأتُ مثل كُتُب الربيع بن زياد الحارثي؟ ما كتب إلى كتاباً إلا في احتواء منفعة، أو دَفع مضرة، ولا كان في موْكب قطُّ فتقدم عنانُ من دابته عنانَ دابتي، ولا مست رُكبتُهُ رُكبتي، ولا شاورتُ إنساناً قد. في أمر إلا سبقهُ إلي بالرأي.
لما بنى عُبيدُ الله بنُ زياد البَيْضاءَ كتب رجلٌ على بابها: شيء ونصفُ شي، ولا شيء: الشيءُ: مجهدان، ونصفُ شيءٍ: هد شيء أشما، ولا شيءً: عبيْد الله بن زياد فقال عُبيدُ الله: اكتُبوا إلى جنبه: لولا الذي زعمْت أنه لا شيء، لما كان ذلك الشيءُ شيئاً ولا ذاك النِّصفُ نصفاً.
ولما وردَ الحارثُ بنُ قيس الجَهضمي بعبيد الله بن زياد مَنزل مسْعود بن عَمْرو العَتكي من غير إذن، وأراد مسعودٌ إخراجه عن منزله - قال عبيدُ الله. قد أجَارتني ابنةُ عمِّك عليك، وعقدُها العقدُ الذي لا يُحَلّ، ويلزُمك وهذا ثوبها علي، وطعامُها في مَدَاخري وقد ألْتَفَّ علي منزلُها. وشهد لهُ الحارثُ بذلك.
وأشارُوا مَرةً على عبيد الله بالحقنّة فتفحشها، فقالوا: إنما يتولاها الطبيبُ. قال: أنا بالصاحب آنس.
وقال زياد: لا يغُرنك من الجاهل كثرةُ الالتفاف، وسرعةُ الجواب.
قدم رجلٌ إلى زياد، فأمرَ بضرْبه بالسياط، فقال: أسأَلُك بحق عُبَيد قال: دَعوه إلا يكُن والداً فقد كان أباً.
قدم زياد فخطب خُطبةً أعجبت مَن حضرهُ، فقال عَمْرُو بنُ العاص: للهِ أبو هذا!! لو كان قُرشيا لساق العرب بعصَاه.
قال أبو سُفيان: أمَا والله إني لأعرفُ أباه، والذي وضعَهُ في رحم أمِّه. فقال له علي - عليه السلام - : مَه يا أبا سفيان، فإنك تعلم أن عمَر إليك بالمساءَة سريعٌ. فلما كان زمنُ علي عليه السلام، وولي زيادٌ فارسَ تأوي إليها بالليل كما تأوي الطير إلا وُكُورها، وأيْمُ الله، إنه لولا انتظاري بك ما الله أعلم به، ولقلت كما قال العبد الصالح: فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بجنودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بها ولنُخرْجَنَّهم منها أذلةً وهُمْ صاغرون.
وكتب في أسْفل كتابه شعراً يقول فيه:
تَنْسَى أباك وقد خفَّتْ نعامتُه ... إذا تخطبُ الناسَ والوَالي لنا عُمَرُ
فقام زياد فخطب، ثم قال: والعَجَبُ كُل العَجب أن ابن آكلة الأكباد، ورأس النِّفاق يُهددني وبيني وبينه ابنُ عمِّ رسول الله صلى الله عليه وآله، وزوجُ سيِّدة نساءِ العالمين، وأبو السِّبْطين، وصاحبُ الوَلاء والمنزلة والإخاء: أمَا والله لو يَأذنُ لي فيه لوجَدني أحُمرَ مِحَشًّا ضَرْوباً بالسيف قال: وكتب إلى علي عليه السلام بما كتب إلى معاويةُ، فكتب إليه علي عليه السلام.
أما بعد فإني وَليتك ما وليتُك، وأنا أراك لذلك أهْلاً. وإنه قد كانت من أبي سُفيان فلتةٌ لزمان عُمر من أماني التيه. وكذب اليقين لم تستوجبْ بها ميراثاً، ولم يستحق بها نسباً. وإن معاوية يأتي الرجل منْ بين يديه من خَلفه، وعن يمينه وعن شماله كالشيطان الرجيم. فاحذَرْه ثم احذرْه. والسلامُ.
فلما كان زمنُ معاوية، وقدم عليه زيادٌ جمعَ مُعاوية الناس، وصعد المنبر، وأصعدَ زياداً معه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناسُ، إني قد عرفتُ شَبَهنا أهْلَ البيت في زياد. فمَن كانت عنده شهادةٌ فليَقُمْ بها. فقام الناسُ، فشهدُوا أنه ابنُ أبي سُفيان، وأقر به قبل موته.

ثم قام أبو مريم السلُولي - وكان خَماراً في الجاهلية - فقال: أشْهدُ - يا أمير المؤمنين - أن أبا سفيان قدم علينا الطائفَ، فأناني فاشتريتُ له لحماً، وخمراً، وطعاماً. فلما أكل قال: يا أبا مريم، أصبْ لنا بغياً. فخرجتُ أتيتُ سُمية فقلتُ لها: إن أبا سفيان مَنْ قد عرفت شرفَه وحاله. وقد أمرني أنْ أصيب له بغياً، فقالت لي: نعم يجيءُ الآن عُبيدٌ من قبَلِ غنمه - وكان راعياً - فإذا تعشى، ووضع رأسَه أتيتُه فرجعتُ إلى أبي سفيان فأعلمتُه.
فلم تلبثُ أن جاءت تجُرُّ ذيلَهَا، فدخلت معه، فلم تزلْ عنده حتى أصبحتْ فقلتُ لما انصرفتْ: كيفَ رأيتَ صَاحبتَك؟ فقال: خَيْر صَاحب لولا دَفرٌ في إبطَيْها. فقال زياد منْ فوق المنبر: مَهُ يا أباَ مريْمَ: لا تشتمْ أمهات الرجالِ فتُشتَمَ أمكَ.
ثم قام زياد، وأنْصت الناسُ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناسُ: إن معاوية والشهودَ قد قالوا ما سمعتُم، ولستُ أدري حق هذا منْ باطله، وهو والشهودُ أعلمُ بما قالوا: وإنما عبيدٌ أبٌ مبْرورٌ أو والدٌ مشكور. ثم نزل.
وقال الشعبي: قَدم زيادٌ الكوفةَ فدنوْتُ من المنبر لأسمعَ كلامَه فلم أرَ أحداً يتكلمُ فيُحسن إلا تمنيت أنْ يسكتَ مخافةَ أن يُسيءَ غيرَ زياد، فإنَّه كان لا يزدَادُ إكثاراً إلا ازدادَ إحساناً. فقال بعد أن حمدَ الله: إن هذا الأمرَ أتاني وأنا بالبصرة، فأردتُ أن أخُرجَ إليكم في ألفين مِنْ شُرطِها. ثم ذكرتُ أنكم أهلُ حقٍّ، وأن الحقّ طالما دَفعَ الباطلَ. فخرجتْ إليكم أهل بيتي.
فالحمد لله الذي رفع منَّا ما وضع الناسُ، وحفظ منا ما ضيعوا.
أيها الناس: إنا سُسنا وساسَنا السائسون، وجَرَّبْنا، وجربَنا المجَرِّبون، فوجدنا هذا الأمرَ لا يُصلحُنه إلى شدّة من غير عُنف، ولينٌ في غير ضعف، فلا أعلمَنَّ أنَّا أغلقْنا باباً ففتحتُموه، ولا حللْنا عَقْدا فشدَدتُموه. وإني لا أعدُكم خيراً ولا شراً إلا وفيتُ به، فإذا تعلقتُم على بكذبة فلا ولاية لي عليكم.
وإني آمُرُكم بما آمُرُ به نفسي وأهلي فمَنْ حال دون أمري ضربتُ عنقه.
ألا وأني لا أهْتكُ لأحد منكم سِتْراً، ولا أطلع منْ وراء باب، ولا أقيلُ أحداً منكم عَثْرةً.
قال: فحَصبْوه من كل جانب فجلَس على المنبر حتى سكتُوا وأمسكوا ثُم نادى الشرط، فأخذوا بأبواب المسجد، وألقى كُرسياً على بعض الأبواب ثم عَرضَ الناسَ أربعةً أربعةً يستحلفهُم، فمن حلف أنه لم يحصبه تركه، ومن أبى حبَسَه.
قال: فقطع يومئذ أيدي ثمانين إنساناً ممنْ لم يحلف.
فقال الحسن البصري: أوعدَ عمرُ بنُ الخطاب فُعوفي وأوعدَ زيادٌ فابتُلي وقال أيضاً: تشبه زيادٌ بعمرَ فأفْرط، وتشبه الحجاج بزياد فأهْلك الناسَ.
قال زيادٌ لابنه: إذا دخلْتَ على السُّلْطان فادعُ له، ثم اصفح عنه صفْحاً جميلاً. ولا يَرينَّ فيك تهالُكاً عليه ولا انقباضاً منه.
وسمع رجلاً يدعو عليه وهو يقول: اللهمَّ اعزلْ عنا زيادا. فقال له: قل، وأبْدلْنا به خيراً منه.
وقال لابنه عبيد الله عند موته: لا تدنِّس عرضْك، ولا تَبْذُلَّن وجهك، ولا تُخْلقن جدتك بالطلب إلى مَنْ ردك كان ردُّه عليْكَ، وإنْ قضَى، حاجتَك جعلَها عليْك مَنًّا. فاحتمل الفقرَ بالتنزُّه عما في يد غيرك، والزم القناعةَ بما قُسم لك، فإن سُوء حمل الفقر يَضعُ الشريف، ويُخْملُ الذِّكْر، ويُوجبُ الحرمانَ.
قال زياد: يُعجُبني من الرجل إذا أتى مجلساً أنْ يعلمَ أيْنَ مكانُهُ منْه فلا يتعداه إلى غيره، وإذا سيمَ خُطةَ خسف أنْ يقول: لا، بملء فيه.
الباب الثاني
كلام الحجاجخطب فقال: أيها الناسُ. من أعْياه داؤه فعنْدي دَواؤه، ومن اسْتبط أجله، فعلى أنْ أعجِّله. ومَنْ ثَقْلَ عليه رأسُه وضَعْتُ عنه ثِقلَه، ومن استطال ماضي عمره قصرْتُ عليه باقيَهُ: إنّ للشيطانِ طيفاً، وللسُّلطان سَيْفاً، فمن سَقمتُ سريرَتُه صحت عقوبتُه، ومَن وضعَه ذنُبه رفعهُ صَلُبه، ومَن لم تسَعْهُ العافيةُ لم تضق عنه الهلكةُ. ومن سبقتهُ بادرةُ فمه سَبقَ بدنَهُ بسفك دَمه.
إني أنذرُ ثم لا أنظرُ، وأحذِّر ثم لا أعْذِر، وأتوعَّد ثم لا أغْفِر. إنما أفْسدكُم تَرْنيقُ ولانكمُ. ومَنْ استرخى لببُه ساء أدبُه.

إن الحزم والعزم سلباً مني سوطي، وأبدلاني به سيفي، فقائمهُ في يدي ونِجَادُه في عنقي، وذُبابُه قلادةٌ لمَنْ عصاني. والله لا آمُر أحَدكم أن يخرج من باب من أبواب المسجد، فيخْرجَ من الباب الذي يليه إلاّ ضربتُ عنقه.
وخبط لما أراد الحج، فقال: أيها الناسُ. إني أريدُ الحجَّ، وقد استخْلفتُ عليكم ابني. وأوصيتُه بخلافِ وصية النبي صلى الله عليه وسلم في الأنصار، فإنَّه أمرَ أن يُقبلَ منْ مُحسنهم، ويُتجَاوز عن مُسيئهم: ألا وإني أوصيتُه ألا يقبل من مُحسنكم، ولا يتجاوز عن مُسيئكم. ألا وإنكُم سَتقولُون بعّدي: لا أحْسن الله له الصِّحابة. ألا وإني مُعجِّلٌ لكم: لا أحْسنَ الله عليكُم الخلافةَ.
وقال الحجاجُ لأنس بن مالك حين دخل إليه في شأْن ابنه عُبيد الله وكان خرج مع ابْن الأشَعث - لا مرحباً ولا أهْلاً. لعنه الله عليك منْ شيخ جَوَّالٍ في الفتن، مرةً مع أبي تُراب، ومرةً مع ابن الأشعث. والله لأقْلعنك قلْع الصمغة ولأعصبنّك عَصب السَّلَمة، ولأجردنَك جردَ الضبِّ. قال أنسُ: مَنْ يَعْنِي الأميرُ؟ قال: إياك أعْني. أحمَّ اللهُ مَدَاك.
فكتب أنس بذلك إلى عبد الملك، فكتب عبدُ الملك إلى الحجاج يَا بن المستفرمة بعَجم الزبيب. لقد هممتُ بأن أرْكُلك ركْلةً تهوى منها إلى نار جَهنَّم. قاتلك الله أخْيفش العينين، أصَكَ الرجلين أسود الجاعرَتين.
وخطب الحجاج يوماً فقال في خطبته: والله ما بقي من الدنيا إلا مثلُ ما مَضى، ولهو أشبهُ به من الماء بالماء. والله ما أحبُّ أنَّ ما مضى من الدنيا لي بعمامتي هذه.
وقال على المنبر يوماً: والله لألحونكم لحوَ العصَا، ولأعصبنَّكُم عصب السَّلمة، ولأضْربنكم ضرب غرائب الإبل. يأهل العراق، يا أهل الشِّقاق والنِّفاق، ومساوي الأخلاق. إني سمعتُ لكم تكبيراً ليس بالتكبير الذي يُراد به اللهُ في الترغيب، ولكنه التكبيرُ الذي يُراد به الترهيبُ. وقد عرفْنا أنها عجَاجةٌ تحتها قصْفٌ. أي بَني اللكيعة، وعبيدَ العصا، وأبناءَ الإماء. إنما مَثلى ومثلكم ما قال ابنُ براقة الهمدَاني:
وكنت إذا قومٌ غزوْني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يَالَ همدان ظالمُ؟
متى تجمع القلب الذكي وصارماً ... وأنْفاً حميا تجتنْبك المظالمُ
أما والله لا تقْرعُ عَصاً عصاً إلا جعلتُها كأمس الذَّاهب.
قال مالكُ بن دينار: رُبَّما سمعت الحجاج يذكُر ما صنع به أهلُ العراق، وما صنَع بهم، فيقعُ في نفسي أنه يظْلمُونه لبيانه، وحسن تخلُّصه للحُجَج.
وخطبَ الحجاج مرةً فقال: اللهم أرني الغي غياً فأجتنبَه، وأرني الهُدي هدى فأتبعه، ولا تكلْني إلى نفْسي فأضل ضلالاً بعيداً. والله ما أحب أن ما مضى من الدنيا بعمامتي هذه، ولما بقي منها أشْبهُ بما مضى من الماء بالماء وخطب بعد دَير الجَماجم فقال: يا أهل العراق. إن الشيطان قد استبطنكم فخالط. اللحمَ والدمَ والعصب والمسامع، والأطراف، والأعضاء، والشغاف، ثم أفْضى إلى الأمخاخ والأصْماخ، ثم ارتفع فعَشش، ثم باض ففرخ، فحشاكم نفاقاً وشقاقاً، وأشعركم خلافه. اتخذتموهُ دليلاً تتبعُونه، وقائداً تُطيعونه، ومؤآمِراً تستشيرونه. فكيف تنفعكُم تجربةٌ، أو تعظكم وقعةٌ، أو يحجزُكم إسلامٌ، أو ينفعكم بيان؟ ألستُم أصحابي بالأهواز حيث رُمتم المكَر، وسعيتُم بالغدر، واستجمعتُم للكُفْر. وظننْتُم أن الله يخذُلُ دينه وخلافته، وأنا أرمْيكُم بطرْفي، وأنتم تتسللُون لوَاذاً، وتنهزمون سِرَاعاً؟ ثم يوم الزاوية، وما يومُ الزّاوية!! بها كان فشَلكم وتنازعكُمُ وتخاذُلكم وتجادُلكم، وبراءةُ الله منكم، ونكوص وليكم عنكم، إذْ وليتُم كالإبل الشوارد إلى أوطانها، النوازع إلى أعطانها. لا يسألُ المرءُ عن أخيه، ولا يلوي الشيخُ على بَنيه، حين عضكم السلاحُ، ووقصتْكم الرِّماحُ.
ثم دَير الجماجم، وما ديُر الجمَاجم!! بها كانت المعارك والملاحمُ، بضرب يُزيلُ الهام عن مَقيله، ويْذْهل الخيل عن خليله.

يا أهل العراق. الكَفَرات بعد الفَجرات، والغَدرات بعد الخَتَرات، والنزْوة بعد النزوات!! إنْ بعثتكُم إلى ثُغوركم غلْلُتم وجَبْنتم، وإن أمنْتُم أرْجفْتم، وإنْ خفتم نافقْتُم لا تتذكرون حسنةً، ولا تشكرون نعمة. هل استخفّكُم ناكثٌ أو استغواكم غاو؟ أو استفزكم عاص، أو استَنْصركم ظالم، أو استعْضَدَ بكم خالع إلا تبعتُموه، وآويتموه ونصرتموه وزكّيتموه؟ يا أهلَ العراق، هل شغَبَ شاغب، أو نعب ناعبٌ، أو زفر كاذبٌ إلا كنتُم أتباعَه وأنْصَاره؟ يا أهل العراقِ، أو لم تنهكُم المواعظُ، ولم تزْجركم الوقائعُ؟ ثم التفت إلى أهلِ الشام فقال: يا أهل الشام: إنما أنا لكم كالظَّليم الرامح عن فِراخه ينْفي عنها القَذَرَ، ويباعد عنها الحجرَ، ويَكنُّها من المطر ويحميها من الضِّباب، ويحرسُها من الذِّئاب.
يا أهل الشام، أنتُم الجُنة والرِّداء، وأنتم العُدّة والحذاءُ.
هذه خطبة أخرى قال مالكُ بنُ دينار: غدَوتُ إلى الجمعة، فجلست قريباً من المنبر، فصَعد الحجاجُ ثم قال: امرؤ زوَّر عملهُ، وامُرؤ حاسب نفْسَه، امرؤ فكر فيما يقرؤه غدا في صَحيفته، ويراه في ميزانه. امُرؤُ كان عند قلبه زاجرٌ، وعند همه أمرٌ، أخذٌ بعنان قلبه كما يأْخُذُ الرجل بخِطام. جَمَله، فإن قادهُ إلى طاعة الله تبعه، وإن قادَهُ إلى معصية الله كفه.
وكان يقول: إنا والله ما خُلقنا للفناء، وإنما خُلقنا للبقاء، ولكن نُنقل من دار إلى دار.
وخطب يوماً فقال إن الله أمَرنا بطلب الآخرة. وكفانا مئُونة الدنيا، فليتنا كُفينا مُونة الآخرة، وأمِرْنا بطلب الدنيا.
فقال حسن: ضالة المؤمن خرجت من قلب المنافق.
وأهدي إلى عبد الملك فرساً وبغلةً وكتب إليه: وجهتُ إلى أمير المؤمنين فرساً سهل الخدِّ، حسن القدِّ، يسبقُ الطرف، ويستغرقُ الوصف وبغلةً هواها زمامُها وسوطُها.
وكان يقول: العفو عن المُقرِّ لا عن المُصر.
وقال: الكوفةُ امرأة حسناءُ عَاطل، والبصرةُ عجوزٌ درداء، قد أوتيت من كل شيء.
وقال بعضهم، سمعتُ الحجاج يقول - وقد أذن فلم تجتمع إليه الناس - : يُدعى: حي على الصلاة، فلا تُجيبون. أمَا والله لو دُعي: حي على أربعة دراهمَ لغص المسجد بأهله.
وقال ابنُ الكلْبيِّ عن أبيه: قاتِل الحُسَين - عليه السلام - قد دخل إلى الحجاج فقال: أنت قتلت حُسيناً؟ فقال: نعم قال: وكيف قتلتهُ؟ قال: دَسَرْتُه بالرمح دَسْراً، وهبَرتُه بالسيف هبراً، ووكلتُ رأسَه إلى امرئٍ غير وكد.
فقال الحجاجُ: والله لا تجتمعان في الجَنة أبداً. فخرجَ أهلُ العراق يقولُون: صدَق الأميرُ. لا يجتمعُ - والله - ابن رسول وقاتله في الجنة أبداً.
وخرج أهلُ الشام يقولون: صدَق الأمير. ولا يجتمع مَن شق عصا المسلمين، وخالف أميرَ المؤمنين، وقاتلهُ في طاعة الله - في الجنة أبَداً.
وقال يوما على المنبر: يقول سليمانُ: ربّ اغفرْ لي وَهبْ لي مُلكاً لا ينبَغي لأحد من بعدي إن كان لَحَوداً.
وكتب إلى عبد الملك كتاباً يقول فيه: كنتُ أقرأ في الصُحف، فانتهيتُ إلى قوله الله عزّم وجل: فأولئك مَعَ الذين أنعمَ اللهُ عليهم من النبيين والصِّدِّيقين والشُّهدَاء والصالحين فأردتُ أن أزيدَ فيها: والخلفاء قال. فجعل عبد الملك يقول: ما للحجاج!! قاتلهُ اللهُ.
وقال له بعضُ ولاة الحجاز: إن رأي أميرُ المؤمنين أن يستهديني ما شاءَ فليَفعل.
قال: أستهديك بغلةً على شَرْطي. قال: وما شَرْطُك؟ قال: بغلةٌ قصير شعْرُها، طويلٌ عِنانُها، همُّها أمامَها، وسوطُها لجامُها، تستبينُ فيها العلفة، ولا تهزلها الركبة.
وقال يوما لجلسائه: ما يُذهبُ الإعياءَ؟ فقال بعضهم: التمرُ. وقال آخر: التمزح وقال آخر: النومُ. قال: لا، ولكن قضاءُ الحاجة التي أعْيَا بسببها.
أتى بدواب لابن الأشعث، فإذا سماتُها عدةٌ، فَوسَم تحت ذلك للفرار.
كتب الحجاجُ إلى قتيبة: لا تهجنن بلاءَ أحد من جُندك وإن قل، فإنك إذا فعلت ذلك لم يرغب أحدٌ منهم في حُسْن البلاءِ. وأعْط الذي يَأتيك بما تكره صادقاً مثل الذي يأْتيك بما تحبُّ كاذباً، فإنك إن لم تفعل غرُّوك ولم يأْتوك بالأمر على وَجهه. واعلمْ أنه ليس لمكذوبٍ رأيٌ، ولا في حسود، حيلة.
وقال لكاتبه: لا تجعلن مالي عند من لا أستطيع أخذه منه. قال: ومَنْ لا يستطيع الأميرُ أن يأخذه منه؟ قال: المُفلس.

وكتب الوليد بن عبد الملك إليه يأْمُره أن يكتب إليه بسيرته. فكتب إليه: إني قد أيقظت رأيي، وأنمت هواي، فأدنيت السيِّدَ المطاع في قومه، ووليت الحرب الحازمَ في أمره، وقلدت الخراج الموفِّر لأمانته، وقسمت لكل خصْم من نفسي قسْماً أعطيه حظاً منْ نظري، ولطيف عنايتي، وصرفت السيف إلى النِطف. المسيء والثواب إلى المُحسن البريء، فخاف المُريب صولة العقاب. وتمسك المحسن بحظِّه من الثواب.
وقال: لأطلبن الدنْيا طلب من لا يموت أبداً ولأنفقَنَّها كمَنْ لا يعيش أبداً.
وخطب فقال: يا أهل العراق: إن الفتْنة تلْقح بالنجْوى، وتنبَح بالشكْوى، وتحْصدُ بالسيف. أمَا والله لقد أبغضتموني فما تضرُّونني، ولئن أحبَبْتموني ما تنفعونني. وما أنا بالمُسْتوحش لعدَاوتكم، ولا المُسْتريح إلى مودتكم. زعمتم أني ساحرٌ، وقد قال الله تعالى: ولا يفلح الساحرُ حيث أتى. وزعمتم أني أحسن الاسْمَ الأكبرَ. فلمَ تقاتلون من يعلم مَا لا تعْلمون؟ ثم التفت إلى أهل الشام، فقال: لأرواحُكم أطْيبُ منْ المسكِ، ولدنوُّكُم أنُس من الولد. وما مثلكُم إلا كما قال أخُو ذُبيان.
إذا حاولتَ في أسد فُجورا ... فإني لستُ منك ولست منِّي
هُمُ درعي التي استلاهتُ فيها ... إلى يوم النِّار وهمْ مِجَنِّي
ثم قال: يا أهل الشام، بل أنتُم كما قال الله عز وجل: ولقد سبقتْ كلمتُنا لعبادِنا المُرْسلين. إنَّهمْ لهم المنصورون.
قال بعضُهمْ: رأيتُ الحجاج وعنبسة بنَ سعيد واقفَيْن على دجْلة. فأقبل الحجاجُ، وقال عنبسةُ، إذا كنتَ في بلد يضعُفُ سلطانُه، فاخرجْ عنه، فإن ضعْف السلطان أضرُّ على الرعية منْ جُوده.
وكان يقُول: خيرُ المعْروف ما نعشتَ به عثرات الكرام.
ومما كفَّره به الفقهاءُ قولهُ: والناسُ يطُوفونُ بقبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنبره إنما يطُوفُون بأعْوادٍ ورِمَّة.
وقال يوماً: والله إن طاعتي أوجبُ من طاعة الله، لأن الله تعالى يقول: " فتقُوا الله ما استطعتُم فجعل فيه مثنويةً، وطاعتي لا مثنوية فيها.
وضرب رجلاً فقال: اعتديت أيُّها الأميرُ. فقال: فلا عُدْوان إلا على الظالمين.
وقف رجل له فقال: أصْلحَ اللهُ الأميرَ، جنى جَانٍ في الحي، فأُخذتُ بجريرته، وأسْقط عطائي. فقال: أمَا سمعت قول الشاعر:
جانيك من يجني عليك وقد ... تُعْدى الصِّحاحَ مباركُ الجرب
ولُرب مأْخوذ بذنب صديقه ... ونجا المُقارِفُ صاحبُ الذنبِ
فقال الرجل: كتابُ الله أولى ما اتّبع. قال الله تعالى: مَعاذَ الله أن نأْخُذَ إلا مَنْ وَجَدْنا متاعَنا عنده. فقال الحجاجُ: صدقت. وأمَر بردِّ عطائه.
وقيل له - وقد احتُضر - : ألا تَتُوبُ؟ فقال: إن كانت مُسيئاً فليسَت هذه ساعةَ التَّوبة، وإن كنتُ مُحْسناً فليستْ ساعة الفزع.
لما نصبَ المنجنيق على الكَعْبةِ جاءت نارٌ فأحرقتِ المنجنيقَ، وامتنعَ أصحابه مِن الري، فقال الحجاجُ: إن ذلك نار القربان دلتْ على أن فعلكم مُتقبَّل.
وقال على المنبر: اقطَعوا هذه الأنْفسَ فإنها اسأل شيءٍ إذا أعطيتْ، وأعصي شيءٍ إذا سئلت. فرحمَ الله امرأً جعل لنفسه خطاماً وزماماً، فقادَها بخطامها إلى طاعة الله، وعطفها بزمامها عن مَعصية الله، فإني رأيت الصبرَ عن محارمه أيسر من الصبر على عذابه.
وكان يقول: إنّ امرأً أتتْ عليه ساعةٌ من عُمُره لم يذكر ربه، ولم يستغْفر من ذنبه، أو يفكر في معَاده. لجديرٌ أنْ تطول حَسرته يومَ القيامة.
لما قتل الحجاج عبدَ الله بن الزُّبير ارتجتْ مَكة بالبكاء، فأمرَ الحجاج بالناس، فجمعُوا إلى المسجد، ثم صَعدّ المنبرَ، فحمد الله وأثْنى عليه، ثم قال: يا أهل مكة. بلغني إكْباركم واستفْظاعُكم قتل ابن الزُّبير. ألا وإن ابن الزبير، كان منْ أخُيار هذه الأمة، حتى رغب في الخلافة، ونازع فيها أهْلها، فخلع طاعة الله، واستكنَّ بحرَم الله.
ولو كان شيءٌ مانعاً للعُصاة لمنعتْ آدمَ حرمة الجنة، لأن الله تعالى خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجَدَ له ملائكته، وأباحه جنته، فلما أخطأ أخرجَه من الجنة بخطيئته. وآدم على الله تعالى أكُرمُ من ابْن الزبير، والجنة أعظُم حرمةً من الكعبة. فاذكُروا الله يذْكرْكم.

وصعد المنبر بعد قتله ابن الزّبير مُتلثِّماً، فحطَّ. اللِّثامَ عنه، ثم قال:
مَوْجُ ليلٍ الْتَطَمْ ... فانجلي بضوء صبحه
يا أهل الحجاز. كيف رأيتموني؟ ألم أكشف ظلْمة الجور، وطخية الباطل بنور الحق. والله لقد وطئكم الحجاج وطأة مُشْفق، عطفتْه رحمٌ، ووصْل قرابة.
فإياكم أنْ تنزلُّوا عنْ سَنن ما أقمناكم عليه، فأقطعَ عليكم ما وصَلْتُه لكم بالصارم البتَّات وأقيمَ من أوَدكم ما يقيم المُثقِّف من أوَد القنا بالنار. ها إليكم. ثم نزل وهو يقول:
أخو الحرب إن عضَّتْ به الحربُ عَضَّها ... وإنْ شمَّرتْ عن ساقها الحربُ شمرا.
وخطب ذات يوم فقال: إنه والله ما لكم عندي بُلهنيةٌ ولا رُفَهْنيةٌ، ولا رَبَغٌ عن التحلية. ولا أقول لمن عثر منكم: دعْ. دعْ. ولكن تعساً لليدين وللفمِ.
قال الحجاج لرجل من أهل الشام. وقد أتِىَ برجل: قم فاضربْ عُنقه فقال: أصلح الله الأميرَ، ولي نصْف أجرِه؟ فقال الحجاجُ: ما أهمُّ بأمر أرجو فيه القُربة والزُّلفة إلا نازعنيه شاميٌّ. اضرب عنقهُ، ولك ثلثُ أجره.
كان الحجاجُ إذا استغْرب ضحِكاً وإلى بين الاستغفارِ. وكان إذا صعد المنبر تلفَّعَ بمِطرَفه، ثم تكلَّم رويداً فلا يكادُ يُسمعُ منه، ثم يتزيَّدُ في الكلام حتى يُخرج يده مِن مطْرَفة يزجرُ الزْجرة فيقرعُ بها أقْصَى مَنْ في المسجد. وكان يُطْعُم في كلِّ يوم على ألف مائدة، على كل مائدة ثريدٌ وجَنب من شوَاء، وسمكةٌ طريةٌ. ويطافُ به في مِحَفَةٍ على تلك الموائد ليفتقدَ أمور الناس، وعلى كل مائدة عشرةٌ. ثم يقول: يا أهل الشام. كسرْوا الخُبز لئلا يُعادَ عليكُم.
وكان له ساقيان: أحدُهما يسقي الماء والعسلَ، والآخر يسقي اللبن.
يروي عن محمد بن المُنتشر الهمداني، قال: دفع إلى الحجاج أزادْ مُرْد بن الهربذ وأمرني أن أستخرج منه، وأُغلِظَ له. فلما انطلقت به قال لي: يا محمدُ. إن لك شرفاً وديناً، وإني لا أُعْطى على القسْر شيئاً، فاستأْذِني، وارفُق بي. قال: ففعلت. قال: فأدّى إلي في أسبوع خمْسَمائة ألف. قال: فبلغ ذلك الحجاج، فأغضبَه، انتزعَه من يدي، ودفعه إلى رجل كان يتولى له العذاب، فدق يديه برجليه، ولم يعطهم شيئاً.
قال محمد بن المُنتشر: فإني لأُمرُّ يوماً في السوق إذا صائح بي: يا محمدُ. فالتفتُّ فإذا به معُروضاً على حمار، مَوْثوقَ اليدين والرجلين فخِفْتُ الحجاج إن أتيتُه، وتذممت منه. فملت إليه فقال لي: إنك وليت منِّي ما ولي هؤلاء. فَرَفَقْت بي فأحسنت إلي، وإنهم صنعُوا بي ما ترى، ولم أعْطهم شيئاً. وها هنا خمسمائة ألف عند فلان. فخذها، فهي لك.
قال: فقلت: ما كنت لآخذ منك على معروفٌ أجْراً، ولا لأرزأك على هذه الحال شيئاً.
قال: فأما إذا أبيت فاسمع أحدِّثك: حدثني بعض أهل دينك عن نبِّيك صلى الله عليه وسلم، قال: إذا رضى الله عن قوم أمْطرهم المطرَ في وَقته، وجعل المال في سُمحَائهم، واستعمل عليهم خيارهم، وإذا سَخِط الله على قوم استعمل عليهم شرارهم، وجعل المال عند بخلائهم، وأمطرَ المطرَ في غير حينه.
قال: فانصرفت، فما وضعت ثوبي حتى أتاني رسول الحجاج يأْمرني بالمسير إليه. فألفيته جالساً على فرْشه. والسيف مُنْتضي في يده. فقال لي: ادْن. فدنوت شيئاً، ثم قال: ادْن. فدنوت شيئاً. ثم صاح الثالثة: ادْن. لا أبالك!! فقلت: ما بي إلى الدُّنوِّ من حاجة. وفي يد الأمير ما أرى. فأضحك الله سنه، وأغمد عني سيْفه. فقال لي: اجلسْ. ما كان من حديث الخبيث؟.
فقالت لَهُ: أيُّها الأميرُ. والله ما غششتُك منذ استنصحتني، ولا كذبتك منذ اسْتخبرْتني، ولا خنتك منذ ائتمنتني. ثم حّدثتُه الحديث.
فلما صرت إلى ذكر الرجل الذي المال عنده أعْرض عنِّي بوجهه، وأوْمأ إلي بيده. وقال: لا تسمِّه. ثم قال: إنّ للخبيث نفساً، وقد سمع الأحاديث!!

روى عن عبد الملك بن عُمير اللَّيْثي قال: بيْنا أنا جالس في المسجد الجامع بالكوفة إذا أتاني آتٍ، فقال: هذا الحجّاج قد قدم أميراً على العراق، فإذا به قدْ دخل المسجد مُعُتماً بعمامة قد غطى بها أكثر وَجْهه، مُتقلِّداً سيّفاً، متنكباً قوساً، ويؤم المنبر. فقام الناسُ نحوه، حتى صَعد المنبرَ فمكث ساعة لا يتكلم. فقال الناسُ بعضهم لبعض: قبح الله بني أمية حيث يستعملون مثل هذا على العَراق. حتى قال عميْر بن ضابئ البُرجُمي: ألا أحصبُه لكم؟ قالوا: أمْهل حتى ننظرَ. فلما رأى عيون الناس إليه حَسَر اللثامَ عن فمه، ونهض فقال.
أنا ابنُ جَلا وطلاعُ الثنايا ... متى أضعِ العِمامَةَ تَعرفوني؟
والله يا أهل الكوفة، إني أرى رؤساً قد أينْعت، وحان قطافها، وإني لصاحُبها كأني أنظرُ إلى الدِّماء بيْن العَمائم واللِّحىَ:
هذا أوَانُ الشدِّ فاشتدِّي زِيَمْ ... قد لفها الليل بسَوِّاقٍ حُطمْ
ليس براعِي إبلٍ ولا غنمْ ... ولا بجَزَّارٍ على ظهْرِ وَضَمْ
قد لفها الليل بعصلبِيٍّ ... أروعَ خّرَّاجٍ من الدَّوى
مهاجر ليس بأعرابي
قد شمرت عن ساقها فشّدوا ... وجدَّتِ الحربُ بكمْ فجِدُّوا
والقوسُ فيها وتَرٌ عَرُدُّ ... مثل ذراع البكر أو أشدُّ
إني - والله - يا أهل العراق، ما يقعْقع لي بالشِّنان، ولا يغمز جانبي كغمزْ التِّين، ولقد فُرِرتُ عن ذكاء، وفتِّشت عَن تجْربة. وإن أميرَ المؤمنين نثر كنانته، فعجمَ عيدانها عوداً عُوداً، فوجدني أمَرَّها عُوداً وأصلبها مكسراً، فرماكم بي، لأنكم طالما أوْضعتم في الفتنة واضطجعتم في الضلالة. والله لأحْزمنكم حزم السلمة، ولأضربنّكم ضرْب غرائب الإبل، فأنتم لكلٍّ أهلٌ. إنما أنتم أهلُ قرية كانت آمنةً مطمئنةً يأتيها رِزُقُها رغداً من كلِّ مكانٍ فكفرتْ بأَنُعمِ اللهِ فأذاقَها الله لباسَ الجُوعِ والخَوْف بما كانوا يصنعُون وإني - والله - ما أقول إلا وفَّيْتُ، ولا أهُم إلا أمْضيت، ولا اخلق إلا فَرَيْتُ.
وإن أميرَ المؤمنين أمرني بإعطائكم، وأن أوَجِّهكم لمحاربة عدوِّكم مع المُلهب بن أبي صفرة. وإني أقسم بالله لا أجد رجلاً تخلف بعد إعطائه ثلاثةً إلا ضربت عنقه. يا غلام: اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين.
فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: من عَبْدِ الملك بن مرْوان أمير المؤمنين إلى مَن بالكوفةِ من المسلمين. حتى قال إلي سلامٌ عليكمْ فلم يقلْ أحدٌ شيْئاً.
فقال الحجاج: أكْفف يا غلام. ثم أقبل على الناس، فقال: أيسلِّم عليكُم أميرُ المؤمنين فلا تَردُونَّ عليه السلام؟ هذا أدّبُ ابن أدّية.
أما. والله لأؤَدِّبنكُم غير هذا الأدب، أوْ تسْتقيمُن.
اقرأ يا غلام كتاب أمير المؤمنين. فقرأ. فلما بلغ إلى قوله: سلام عليكم لم يبق في المسجد أحدٌ إلا قال: وعلى أمير المؤمنين السلام، ثم نزل.
فوضع للناس أعطياتهم، فجعلوا يأْخذون، حتى أتاه شيخٌ يرعَش - كبَراً، فقال: أيُّها الأمير: إني في الضعف على ما ترى، ولي ابنٌ هو أقوى مني على الأسفار. أفتقبله منِّي بديلاً؟ قال: نفعل أيُّها الشيخ. فلما ولي قال له قائلٌ: هذا ابن ضابئ البرجمي الذي يقول أبوه: هَمَمْتُ ولم أفعلْ وكِدْتُ وَليْتَنِي تركت على عثمان تبكي حَلائله.
ودخل هذا الشيخ على عثمان مقتولاً، فوطئ بطنه، وكسَر ضلعين من أضلاعه. فقال: ردُّوه. فلما: رُدَّ. قال أيُّها الشيخ: هلا بَعثْتَ يوم الدار فيرتحل، ويأْمر وليه أن يلحَق به. ففي ذلك يقول ابن الزَّبير الأسدي: تجهزْ فإما أن تزور ابن ضابئ عميراً وإما أن تزور المهلبا.
وكتب إلى الوليد بعد وفاة أخيه محمد بن يوسف: أخبر أميرَ المؤمنين - أكرمَه الله - أنه أصيب لمحمد بن يوسف خمسون ومائة ألف دينار، فإن يكن أصابها من حلِّها فرحمه الله، وإن تكن من خيانة فلا رحمة الله.
فكتب إليه الوليد: أما بعد. فقد قرأ أميرُ المؤمنين كتابك فيما خلف محمدُ بن يوسف، وإنما أصاب ذلك من تجارة أحللناها له فترحم عليه، رحمه الله.
وكتب الحجاج إلى عبد الملك: بلغني أن أمير المؤمنين عطسَ عطسة فشمته قومٌ. فقال: يغفُر الله لنا ولكم. فيا ليتني كنت معهم. فأفوز فوزاً عظيماً.

ووفدَ مرة على الوليد، فقال له الوليدُ - وقد أكلا - : هل لك في الشراب؟ قال: يا أميرَ المؤمنين: ليس بحرام ما أحللته، وَلكنني أمنع أهل عَمَلي منه، وأكره أن أخالف قول العبد الصّالح: وما أريدُ أن أخالِفكم إلى ما أنهاكم عنه فإعفاء.
جلس الحجاج لقتل أصحاب ابن الأشعث، فقام إليه رجلٌ منهم، فقال: أصلحَ الله الأميرَ. إن لي عليك حقاً. قال: وما حقُّك؟ قال: سَبَّك عبدُ الرحمن يوم فرددت عليه. فقال: من يعلُم ذلك؟ قال: أنْشُدُ الله رجلاً سّمع ذلك إلا شهد به.
فقام رجل من الأُسراء، فقال: قد كان ذلك أيُّها الأمير. قال: خلُّوا عنه. ثم قال: للِشَّاهدِ: فما مَنعك أن تنكرَ كما أنكرَ؟ فقال: لقديم بغضي إياك. قال: ولْيُخلَّ أيضاً عنه لصدقه.
وكان يقول: البُخل على الطعام أقبحُ من البرص على الجسد.
ولما أتَى الحجاج البصرة، وندب الناس إلى محاربة الخوارج، واللَّحاق بالمهلب كان عليهم أشد إلحافاً، وقد كان أتاهم خبرهُ بالكوفة، فتحمَّل الناسُ قبل قدومه. فُيرى عن بعضهم أنه قال: إنّا لنتغدى معه إذا جاءه رجلٌ من بني سليم برجل يقودُه، فقال: أصلح الله الأمير. إن هذا عاصٍ. فقال له الرجل. أنْشُدُك الله أيها الأميرُ في دَمى، فوالله ما قبضتُ ديواناً قطٌّ، ولا شهدت عسكراً، وإني لحائكٌ أخِذت من تحت الحُفٍ.
فقال: اضربوا عنقه.
فلما أحس بالسيف سَجَد، فلحقه السيف - وهو ساجد - فأمسكنا - عن الأكل فأقبل علينا الحجاج، فقال: مالي أراكم صَفرت أيديكم واصفرَّت وجوهكم، وحَدَّ نظرُكم من قتلِ رجُل واحد؟ إن العاصي يجمع خلالا تُخِلُّ بمركزه، ويعصي أميره، ويَغُرُّ المسلمين، وهو أجِيرٌ لكم، وإنما يأخذ الأجرة لما يعمل، والوالي مُخَّير فيه إن شاء قتله وإن شاء عفا.
ثم كتب الحجاج إلى المهلب. أما بعدُ، فإن بشراً رحمه الله استكرهَ نفسَه عليك، وأراك غناءَه عنك. وأنا أريك حاجتي إلْيك فأربي الجد في قتال عدوِّك. ومَن خفته على المعصية ممن قبلك فاقتله، فإني قاتل مَن قبَلي. ومَن كان عندي من وَلي مَن هرب عنك فأعلمني مكانه، فإني أرى أن أخُذ السمِي بالسمي والولي بالوليِّ.
فكتب إليه المهلبُ ليس قبلي إلا مطيعٌ، وإنَّ الناسَ إذا خافُوا العقوبة كبَّرْوا الذَّنب، وإذا أمنُوا العقوبة صغَّرُوا. الذَّنب، وإذا يئسوا من العَفْو أكُفرَهُم ذاك. فهبْ لي هؤلاء الذين سمَّيتهم عصاةً فإنهْمُ فريقان: أبطالٌ أرجُو أنْ يقْتل الله - عز وجل - بهم العدوَّ، ونادمٌ على ذنْبه.
وصعد المنبر بعد موتِ أخيه أو ابنه. فقال: يقولون: مات ويموتُ الحجاج. فمذ كان مَاذا؟ واللهِ ما أرجُو الخيرَ كله إلا بعد الموتِ.
واللهُ مَا رضي الله البقاءَ إلا لأهونِ خلقه عليه: إبليسَ، إذ قال: رب فأنْظِرْني إلى يومِ يُبْعثون. قال فإنك مِن المنظرِين.
وقال لمعلِّم ولده: علِّم ولدي السباحة قبل الكتابة، فإنه يجدُون من يكتُب عنهُمْ ولا يجدون من يسْبَحُ عنهم.
وسأل غلاماً فقال له: غُلام مَن أنت؟ قال: غُلامُ سيِّد قيْس. قال: ومَن ذلك؟ قال: زُرارةُ بن أوْفى قال: كيف يكونُ سيِّداً وفي داره التي ينزلها سُكانٌ؟ قطع ناسٌ من بني عمْرو بن تميم وحَنظلة الطريق على قوم زمن الحجاج. فكتب إليهم: أما بعدُ: فإنكم استبحتُمْ الفِتنة، فلا عن حقٍّ تقاتِلُون، ولا عن مُنكر تَنْهون. وأيمُ الله إني لأهمُّ أن تكُونُوا أول من يرد عليه مِن قبلي مَن ينسفُه الطارِفَ والتالِدَ، ويُخلِّي النساءَ أيَامي، والصِّبيان يتامى فأيما رُفقه مرّت بأهل ماءٍ، فأهلُ ذلك الماء ضامنُون لها حتى تصيرَ إلى الماء الذي يليه. تقدمةً مني إليكم. والسعيد مَن وُعظ بغيره.
وقال بعضهم: ارجُ نفسَك، واحقن دمَك، فإن الذي بين قتلك وبينك أقصر منْ إبهام الحباري.
قالوا: قدم الحجاجُ المدينة، ففرق فيهم عشرة آلاف دينار، ثم صعدَ المنبر فقال: يا أهل المدينة: أنتم أوْلى مَنْ عذر، فو الله ما قدمُنا إلا على قلائصَ حَراجيجَ شُنَّربٍ، ما تُتابَع، ما تلْحقُ أرْجلُها أيدَيها، وأنتُم أوْلى مَن عذر.
فقام عبد الله بن عمار الديلي فقال: لا عذر اللهُ مَنْ يعذرُك، وأنْت ابنُ عظيم القريتين. وأمير العراقين. إلى متى؟ وحتى متى؟ فنزل الحجاج فعين مالا كثيراً بالمدينة، وفرقه في الناس.

خطب ذات يوم بالكوفة فقال: يا أهل العراق. وأتيتكُم وأنا أرْفُل في لِمتي، فما زال شقاقُكُم حتى اخضر شعري. ثم كشف عن رأس له أقرع، وقال:
مَنْ يكُ ذا لمة تكشّفها ... فإنني غير ضمائري ذُعْري
لا يمنعُ المرءَ أنْ يسودَ وأنْ ... يضربَ بالسيف قلة الشعر
قال الشعبيُّ: سمعتُ الحجاج يقولُ: أما بعد، فإن الله. جل وعلا كتب على الدُّنيا الفناءَ، وعلى الآخرة البقاءَ، فلا فناءً لما كتب عليه البقاءَ، ولا بقاء لمَنْ كتب عليه الفناءَ، فلا يغرنكُم ساعد الدنيا عن غائب الآخرة، واقْهروا طول الأمل بقصر الأجل.
وقال ابن عياش عن أبيه، قال: إن أول يوم عُرِفَ فيه الحجاج - وكان في الشُّرط مع عبد الملك - أن عبدَ الملك بعث إلى زُفَر بن الحارث عشرة نفر، أنا فيهم، ومعنا الحجاجُ وغيره من الشُّرط. قال: فكلمناه، وأبلغُناه رسالة عبد الملك، فقال: لا سبيل إلى ما تُريدون. قال: فقلت له: يا هذا، أراهُ والله سيأُتيكَ مالاً قبل لك به، ثم لا يُغْني عنك فُسَّاقُك هؤلاء شيئاً، فأطِعْني واخرُجْ.
قال: وحضرت الصلاةُ فقال: نُصلي، ثم نتكلم. فأقام الصلاة ونحن في بيِته، فتقدم وصلى بنا وتأخَّر الحجاجُ، فلم يصلِّ. فقلت له: أبا محمد. ما منعك مِن الصلاة!؟ قال: أنا لا أصلي خلف مخالف للجماعةِ، مُشاقٍّ للخلافة. لا. واللهِ لا يكونُ ذلك أبداً.
قال: فبلغتْ عبدَ الملك. فقال: إن شُرطيكم هذا لجَلْدٌ.
وخطب يوم فقال: أيها الناس، إن الصبْرَ من محارم الله أيسرُ من الصبر على عذاب الله.
فقام إليه رجلٌ فقال: مَا أصفق وجُهك، وأقَل حياءَك أيها الحجاجُ؟ فقال له الحجاجُ: اجترأْت علي. فقال له: أتجترئُ على الله ولا نُنْكِرُهُ. وأجْترئُ عليك فتُنكره فحلُم عنه، وخلَّى سبيله.
قال عبدُ الملك بن عُمَيْر: سمعتُ الحجَاج يقول في خطبته: أيها الناسُ لا يَملَّنَّ أحدُكم من المعروفِ، فإن صاحبَه يعْرِضُ خيراً، إما شكرٌ في الدنيا وإما ثوابٌ في الآخرة.
وقال الحجاجُ لعبد الملك: ما فيَّ عيبٌ إلا أني حسود، حقودٌ، لجوجُ فقال: ما في الشَّيطان شيءٌ شرٌّ مِمَّا ذكرتَ.
الباب الثالث
كلام الأحنفرأى مع رجل درهماً، فقال: تحِبُّه؟ قال: نعم. أما إنه لا ينفعكُ حتى تفارقه.
قال: ما عرضتُ الإنصاف على رجل فقبِله إلا هبْتُه، ولا أباهُ إلا طمعتُ فيه.
وقال: الأذى تحكك في ناحية بيتي أحب إلي من أيِّم رددت عنها كُفواً.
وقيل له: من السيد؟: قال: الذليلُ في نفسه، الأحمقُ في مالهِ، المعْنيُّ بأمر قومه، الناظر للعامّة.
وقال: رُب رجل لا تُملُّ فوائده وإنْ غاب، وأخر لا يسلمَ جليُسه وإن احُترس.
وقال: كلُّ ملك غدار وكلّ دابة شرود وكل امرأة خئُوفٌ.
وقال: سهرت ليلةً في كلمة أرضى بها سُلطاني، ولا أسخطُ بِها ربيِّ فما وجدتُها.
وقيل له: ما الحلم؟ قال: الرِّضاءُ بالذُّل.
وقيل لرجل: ليت طول حلمنا عنك لا يدعُو جهل غيرنا إليك.
وقال: أكرموا سفهاءَكم فإنهم يكفونكُم العار والنار.
وقال: وإياكم والكسل والضجر، فإنك إن كسلت لم تؤردِّ حقاً، وإن ضَجِرت لم تصبر على حقِّ.
وذكرَ رجلاً فقال: لا يحقر ضعيفاً، ولا يحسد شريفاً.
وقال: الشرفُ مَن عُدَّت سقطاتُه.
وقيل له: ما اللؤُّم؟ قال: الاستعصاءُ على الملهوف. قيل: فما الجود؟ قال: الاحتيالُ للمعروف.
وسمع رجلا يقول: ما بتُّ البارحةً من وجع ضرس. وجعل يُكثر، فقال له الأحنف: كم تكثر!! فو الله لقد ذهبت عيني منذ ثلاثين سنة، فما قلتُ لأحد.
وقيل له: ما الحلم؟ قال: الذُّل.
وقال: لستُ بحليم ولكني أتحالم.
وقال يومَ قُتل مصعب: انظروا إلى المصعب، على أي دَابَّة يخرج؟ فإن خرج على برْذَوْن فهو يريد الموت، وإن خرج على فرس فهو يريد الهرب.
قال: فخرج على برذونٍ يجر بطنه.
وقال الأحنف: استميلُوا النِّساء بحسن الأخلاق وفُحْشِ النكّاح.
وقال: وجدتُ الحلمَ أنصر لي من الرِّجال.
جلس معاويةُ يوماً - وعنده وجُوه الناس، وفيهم الأحنفُ، إذا دخل رجلٌ من أهل الشام، فقام خطيباً، وكان آخر كلامه: أن لعَن علياً عليه السلام. فأطرق الناس، وتكلم الأحنفْ فقال:

يا أمير المؤمنين، إن هذا القائل آنفاً ما قال، لو علم أن رضاك في لعن المرسلين للعنهم، فاتق الله، ودع علياً، فقد لقي الله، وافرد في حفرته، وخلا بعمله. وكان - والله - ما علمنا المبرِّز بسيفه، الطاهر في خُلُقه، الميمون النقيبة، العظيم المصيبة.
فقال معاوية، يا أحنفُ لقد أغضيتَ العينَ عن القذى، وقُلت بغير ما نرى، وأيْم الله لتصعدنَّ المنبر، فلتلعننه طائعاً أو كارها.
قال الأحنف: إن تُعفني فهو خيرٌ، وإن تجبرني على ذلك، فو الله لا تجري به شفتاي.
قال: قُم، فاصعد. قال: أمَا والله لأُنصفنك في القول والفعل. قال معاوية وما أنت قائلٌ إن أنصفتني؟ قال: أصعد فأحمد الله بما هو أهلُه، وأصلي على نبيه. ثم أقولُ: أيُّها الناس. إن معاوية أمَرني أن ألعن علياً. ألا وإن علياً ومعاوية اختلفا واقتتلا، وادعى كلُّ واحد منهما أنه مَبْغِيٌّ عليه، وعلى فئته، فإذا دعوتُ فأمِّنوا - يرحمكم الله. ثم أقولُ: اللهم ألعن أنت وملائكتُك، وأنبياؤُك، ورسلك، وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه، والعن الفئة الباغية على الفئة المبغى عليها. آمين رب العالمين.
فقال معاوية: إذن نُعفيك يا أبا بحر.
وقال له رجل: بِمَ سُدْتَ؟ قال: بَتْركي من أمرك ما لا يعنيني، كما عناك من أمري ما لا يعنيك.
وقال: من حقِّ الصديق أن تُحتمل له ثلاثٌ: ظلم الغضب، وظلم الدالة، وظلم الهفوة.
خطب معاوية مرة، فقال: إن الله يقول في كتابه: وإن مِّن شَيء إلا عندنا خزائنهُ فعلامَ تلومونني إذا قصرتُ في أعطياتكم؟ فقال الأحنفُ: فجعلته أنت في خزائنك، وحُلْت بيننا وبينه ولم تُنزله إلا بقدر معلوم.
قال: فكأنما ألُقمه حَجَراً.
وقال: ما نازعني أحد قطُّ إلا أخذتُ عليه بأُمور ثلاثة: إن كان فوقي عرفتُ له قدرهُ.
وإن كان دوني أكرمتُ نفسي عنه، وإن كان مثلي تفضلتُ عليه.
وقام بصفِّين، فاشتد، فقيل له: أين الحلم يا أبا بحر؟. قال: ذاك عند عُقْر الحي.
وقال: لم تزل العربُ تستخفُّ بأبناءِ الإمَاءِ حتى لحق هؤلاء الثلاثةُ: عليُّ بن الحسين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله. فاستقل بنو الإماء ولحقُوا.
وقال: لا تشاور الجائع حتى يشبع، ولا العطشان حتى يَرْوى، ولا الأسيرَ حتى يُطلق، ولا المضلَّ حتى يجد، ولا الراغب حتى ينجح.
وأتى مصعبَ بنَ الزبير يكلِّمه في قوم حبسهم، فقال: أصلح الله الأمير، إن كانوا حُبُسوا في باطل فالحقُّ يُخرِجُهم، وإن كانُوا حُبسوا في حقٍّ فالعفو يسعُهم. فخلاهُم.
وقال: السُّودَد، مع السواد. يريد أن السيد مَن أتتهُ السِّيادةُ في حداثته وسَواد رأسه ولحيته.
وجلس على باب زياد، فمرت به ساقيةٌ، فوضعت قربتها، وقالت: يا شيخُ. احفظ قربتي حتى أعودَ، ومضت، وأتاهُ الأذنُ فقال: انهض. قال: لا، فإن معي وديعة. وأقامَ حتى جاءَت.
وشتمه يوماً رجلٌ وألح عليه فقال لهُ: يَا بن أمي. هل لك في الغداء؟ فإنك منذُ اليوم تَحْدْو بجَمل ثَفال.
وقال: كُنا نختلفُ إلى قيس بن عاصم في الحلم، كمَا يُختلفُ إلى الفُقهاءِ في الفقه.
وشتمه رجلٌ، فسَكت عنهُ، فأعادَ، فسكت، فقال الرجلُ: والهفاهُ وما يمنعهُ أن يرد عليَّ إلا هَوانِي عَليه.
وقال الأحنفُ: مَن لم يصبر على كملة سمع كلمات، ورُبَّ غيظ قد تجرعتُه مخافةَ مَا هُواَ أشدُّ منه.
وكان إذا أتاهُ إنسانٌ أوسع لهُ، فإن لم يجد موضعاً تحرك ليريه أنه يَوسعُ له.
وقال: ما جلستُ قط. مجلساً. فخفتُ أن أقامَ عنهُ لغيري.
وكان يقولُ: إياك وصدر المجلس فإنه مجلس قُلعةٌ.
وقال: خير الإخوان من إذا استغنيت عنه لم يزدك في المودة وإن احتْجتَ إليه لم يَنقصك منها، وإن كُوثرت عَضَّدك، وإن احتجت إلى معونته رفدك.
وقال: العتابُ مفتاحُ التِّقالِي، والعتابُ خيرٌ من الحقد.
ومر بعكرَاش بن ذُؤيب - وكان ممن شهد الجمل مع عائشة - فقُطعت يداه جميعاً. فصاح به عكراش: يا مخِّذلُ. فقال الأحنفُ إنك لو كنت أطعتني لأكلت بيمينك وامتسحت بشمالك.
ويقال: إنه لم يُرَ قطُّ ضجرا إلا مرةً واحدة، فإنه أعطي خياطاً قميصاً بخيطُهُ، فحَبسه حولين. فأخذ الأحنفُ بيَد ابنه بحر، فأتى به الخياط، وقال: إذا متُّ فادفع القميص إلى هذا.

وكان يقول: لا صديقِ لملَول، ولا وَفاءَ لكّذوب، ولا راحة لحسود، ولا مروءة لبخيل، ولا سودَد لسيِّئ الخلْق.
وقال: كاد العلماءُ يلونُون أرباباً، وكل عزٍّ لم يوطِّد بعلمٍ فإلى ذلٍّ ما يصير.
قال رجلٌ للأحنف: تسمعُ بالمعيديِّ خير من أن تراه. قال: وما ذممت منِّي يا أخي؟ قال: الدمامة، وقِصَرَ القامة. قال: لقد عبت ما لم أؤامَر فيه.
وأسمعه رجلٌ، فأكثر. فلما سكت، قال الأحنفُ: يا هذا، ما ستر اللهُ أكثر.
وقال: كثرةُ الضحك تُذهبُ الهيبة، وكثرةُ المَزح تُذهبُ المروءة، ومَن لزمَ شيئاً عُرف به.
لما نَصَّب معاويةُ ابنه يزيدَ لولاية العهد أقعدهُ قبةً حمراء، فجعل الناس يُسلِّمون على معاوية، ثم يميلُون إلى يزيدَ حتى جاءهُ رجلٌ ففعل ذلك.
ثم رجع إلى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، اعلم أنك لو لم تُولِّ هذا أمور المسلمين لأضعتها - والأحنفُ جالسٌ - فقال له معاويةُ: ما بالُك لا تقولُ يا أبا بحر!! فقال: أخافُ الله إن كذبتُ، وأخافكم إن صدقتُ. فقال جزاك اللهُ عن الطاعَة خيراً. وأمرَ له بأُلُوف.
فلما خرج الأحنفُ لقيَهُ الرجلُ بالباب، فقال: يا أبا بحر: إني لأعلم أن شر ما خلق الله هذا وابنُه، ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال، فلسنا نطمعُ في استخدامها إلا بما سمعت.
فقال له الأحنفُ: يا هذا أمُسِك، فإن ذات الوَجهين خليقٌ ألا يكون عند الله وَجيهاً.
وقال الأحنف: ألا أدلكُم على المحمَدة بلا مرزئة: الخلقُ السجيح والكفُّ عن القبيح.
وقال الأحنف: ألا أخبركُم بأدوأ الداءِ؟ الخلقُ الدنيءُ، واللسان البذيء وقال: ثلاثٌ فيَّ ما أقولُهن إلا ليعتبرَ معتبرٌ: ما دَخلتُ بين اثنين حتى يُدخلاني بينهُما، ولا أتيتُ باب أحد من هؤلاء ما لم أدع إليه - يعني: السُّلطان - ولا حَللتُ حَبَوتي إلى ما يقومُ إليه الناس.
وقيل له: أي المجالس أطيبُ؟ قال: ما سَلم فيه البصر، واتَّدع فيه البدَنُ.
وكان يقول: ما تزالُ العربُ بخير ما ليست العمائمَ، وتقلدتِ السيوف ولم تَعُدَّ الحلم ذُلاً ولا النواهب بينها ضعةً.
قوله: لبست العمائم، يريد ما حافظت على زيِّها.
وقال: ما شاتمتُ أحداً منذُ كنت رجلاً، ولا زحَمتْ رُكبتاي ركبتيه، وإذا لم أصل مُجنديَّ حتى يُنتح جبينه - كما تنتح الحميتُ فو الله ما وصلتُه.
وقال: إني لأجالس الأحمق الساعة فأتبين ذلك في عقلي.
وقال له معاويةُ: بلَّغني عنك الثقّةُ. فقال: إن الثقة لا يبلِّغُ.
وعُدَّت على الأحنف سَقطةٌ، وهو أن عَمرو بن الأهتم دس إليه رجلاً ليسفِّههُ. فقال: يا أبا برح: مَن كان أبوك في قومه؟ قال: كان من أوْسطهم، لم يسدُهم ولم يتخلف عنهم. فرجع إليه ثانيةً، ففطِن الأحنفُ أنه من قِبل عمرو.
فقال: ما كان مالُ أبيك؟ قال: كانت له صِرمةٌ يمنح منها، ويقرى ولم يكُن أهتَم سَلاَّحاً.
وسمع رجلاً يقول: التعُّلم في الصِّغر، كالنقش على الحجر. فقال الأحنف.
الكبيرُ أكبرُ عَقْلاً، ولكنه أشْغلُ قلْباً.
ولما قدَم على عمرَ في وفْد أهْل البصرة وأهل الكوفة فقضى حَوائجهُم قال الأحْنفُ: إن أهل هذه الأمصار نزلُوا على مثل حدّقة البعير، من العيون العذاب، تأْتيهم فواكهُهم لم تتغير. وإنا نزلنا بأرض سبخة نشاشة، طرَفٌ لها بالفلاة. وطرف بالبحر الأُجاج. يأْتينا ما يأْتينا في مثل مَرئ النعامة، فإن لم ترفع خسيستنا. بعطاءٍ تُفضِّلُنا به على سائر الأمصار نهلك.
قيل: لما أجمَع مُعاويةُ على البيعة ليزيدَ جمع الخطباءَ فتكلموا - والأحنفُ ساكتٌ - فقال: يا أبا بحر. ما منعَك من الكلام؟ قال: أنت أعلُمنا بيزيدَ ليله ونهاره، وسره، وعَلانيته، فإن كنت تعلُم أن الخلافة خيرٌ لهُ فاستخلفْه وإن كنت تعلُم أنها شرُّ له فلا تُوَلِّه الدُّنَيا وأنت تذهبُ إلى الآخرة، فإنما لك ما طاب، وعلينا أن نقُول: سمعنا وأطعنا: وقال الأحنفُ: المروءةُ كلُّها إصلاحُ المال، وبذلُه للحقوق.
وكتب إليه الحسينُ عليه السلام: فقال للرسول: قد بلونا أبا حسن، وآل أبي حسن، فلم نجد عندَهُم إيالةً للمُلك، ولا مكيدةً في الحرب.
وقال لعلّي عليه السلام: إني قد عجمتُ الرجل، وحلبتُ أشطرَهُ فوجدتُه قريب العقْر، كليل المُدْية. يعني أبا موسى الأشعري.

وكان يقول: ما بعدَ الصواب إلا الخطأُ، وما بعد مَنْعِهِنَّ الأَكْفاءَ بذلُهن للسلفة والغوغاء.
وكان يقول: لا تطلُبوا الحاجة إلى ثلاثة: إلى كذوبٍ فإنه يُقرِّبها عليك وهي بعيدةٌ، ويباعدُها وهي قريبةٌ، ولا أحمق فإنه يريد أن ينفعَك فيضرك، ولا إلى رجل له إلى صاحب الحاجة حاجةٌ، فإنه يجعلُ حاجتك وقاية لحاجته.
وقال: ما كشفتُ أحداً قطُّ عن حال عنده إلا وجَدتُها دون ما كنتُ أظنُّ.
وقال: رُب ملوم لا ذنْب له.
وقدم وفد العراق على معاوية: وفيهم الأحنف - فخرج الآذن، فقال: إن أمير المؤمنين يعزمُ عليك ألا يتكلم أحدٌ إلا لنفسه. فلما وصلوا إليه قال الأحنفُ: لولا عزمةُ. أمير المؤمنين لأخبرتُه أن دفةً دفت، ونازلةً نزلت، ونائبة نابت ونابتةً نبتت، كلُّهم به حاجةٌ إلى معروف أمير المؤمنين، وبرِّه.
قال: حسبك يا أبا بحر، فقد كفيت الغائب والساعد.
وجرى ذكُر رجل عنده فاعتابوه. فقال الأحنفُ: ما لكُم ولهُ؟ يأكل لَذَّته، ويكفي قِرنه، وتحملُ الأرض ثقله.
وقال لمعاوية - وقد ذكَّره مقامهُ بصفين - : والله إن القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحِنا، وإن السيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتِقنا. ولئن مددت بشبر من غدر لنمدن بباع مِن مَحْتد، ولئن شئت لتستصِفيَن كدر قُلوبنا بصفو حِلمك. قال: فإني أفعلُ.
ولما خطب زيادٌ بالبصرة قام الأحنفُ فقال: أيها الأميرُ، قد قلت فأَسمعتَ ووعظت فأَبلغت أيُّها الأميرُ، إنما السيف بحدِّه، والفرُس بشدِّه، والرجلُ بجِده، وإنما الثناءُ بعد البلاءِ، والحمدُ بعد العطاءِ، ولن نُثني حتى نبتلي.
وقال الأحنفُ: لا تَعْدَّنَّ شتم الوالي شتماً، ولا إغلاظهُ إغلاظاً، فإن ريحَ العزة تبسط اللِّسان بالغِلظةِ في غير بأْس ولا سَخط.
وقال: لا تنقبضُوا عن السُّلطان، ولا تتهالكُوا عليهِ، فإنه من أشرف للسلطان ازدراه، ومَنْ تفرغَ له تخطاه.
وقال: ما جَلستُ مذ كنت مَجِلِسَ قُلْعَةٍ ولا ردَدتُ على كُفو مقالةً تُسوءُه ولا خاصمتُ في أمرِ كريهةٍ لي، لأن ما بذلُتُ لصاحِبها أكثرُ مما أخاصِمُه فيه من أجْلِها.
وقال كفى بالرجلِ حَزْماً إذا اجتمع عليه أمْران، فلم يدرِ أيُّهما الصًّوابُ أن ينظْرَ أغلبهما عليه فيحذرهُ.
ولما حُكِّم أبو موسى أتاهُ الأحنفُ فقال: يا أبا موسى. إن هذا مسيرٌ له ما بَعْدَه من عزِّ الدُّنيا أو ذُلِّها آخرَ الدهر. ادعُ القوْم إلى طاعة علي، فإن أبَوْا فادْعهُم إلى أن يختار أهلُ الشام من قريش العراق مَن أحبُّوا، ويختار أهلُ العراق من قريش الشامِ من أحبُّوا. وإياك إذا لقيت ابن العاص أن تصافحَه بنية أو أن يُقعِدَك على صَدْر المجلس، فإنها خديعةٌ، أو أن يَضُمَّكَ وإياه بيتٌ يكمنُ لك فيه الرجالُ، ودَعْهُ فليتكلمْ لتكون عليه بالخيار، فإن البادئ مُستغلقٌ، والمجيب ناطقٌ.
فما عمل أبو موسى إلا بخلاف ما أشار به. فقال لَهُ الأحنفُ - والتقيا بعد ذلك - : أدْخِلْ - واللهِ - قدميْك في خُفٍّ وَاحِد.
وقال بخُراسان: يا بني تَميم، تحابُّوا وتباذَلَوا تعْتدل أمورُكم، وابدءُوا بجهادِ بطونكم، وفروجِكم يصلُح دينكم، ولا تَغُلُّوا يسلم لكم جهادكم.
وقال لأهل الكوفة: نحن أبعدُ منكم سرَّيةً، وأعظَمُ منكم تجربةً، وأكثر منكم دُرِّيةً، وأعْدى منكم برِّية.
ولما قدمت الوفودُ على عُمَر قام هلالُ بنُ بِشر، فقال: يا أميرَ المؤمنين إنا غُرَّةُ من خَلْفنا مِن قومنا، وشادةُ من وراءنا من أهلِ مِصْرِنَا، وإنك إن تصرِفنا بالزيادة في أعطِياتنا، والفرائض لعيالاتنا - يزددُ بذلك الشريفُ تأميلاً، وتكُن لهم أباً وَصُولا، وإن تكُنْ - مع ما نَمُتُّ به من فضائِلكُ ونُدْلي بأسبابك - كالجُدِّ لا يُحلُّ ولا يرْحلُ نرجع بآنُفٍ مَصْلوَمة، وجُدود عاثرةٍ، فِمحنا وأهالينا بَسْجلٍ مُتْرَع من سِجالك المُترعة.
وقام زيدُ بن جبلة، فقال: يا أميرَ المؤمنين، سوِّدِ الشريف، وأكرم الحسيبَ، وأزْرعْ عِندنا من أيَاديِك ما تسدُّ به الخصاصة ونطرد به الفاقة. فإنا بقُف من الأرض يابس الأكناف، مٌقشعرِّ الذروَة، لا شجر ولا زرع، وإنا من العرب اليوم إذا أتيناك بمرأى ومسمع.

فقام الأحنفُ فقال: يا أمير المؤمنين، إن مفاتيحَ الخير بيد الله، والحرصَ قائدُ الحرمان، فاتق الله فيما لا يُغني عنك يومَ القيامة قيلا، ولا قالاً واجعل بينك وبين رعيتك من العدل والإنصاف، شيئاً يكفيك وفادة الوُفوِد، واستماحةَ المُمْتاح، فإن كُل امرئ إنما يجمع في وعائه إلا القُل ممن عسى أن تقتحمهُ الأعينُ وتخونهم الألسن، فلا يفد إليك.
الباب الرابع
كلام المهلب وولدهقيل للمهلِّب: ما النبلُ؟ قال أن يخرج الرجلُ من منزله وحده ويعودَ في جماعة.
وقال: ما رأيتُ الرجل يضيقُ قلوبُها عند شيء كما تضيق عند السرِّ.
خطب يزيدُ بنُ المهلب بواسطٍ فقال: إني قد أسمعُ قول الرِّعاع: قد جاء مسلمةُ وقد جاءَ العباسُ، وقد جاء أهلُ الشام. وما أهل الشام إلا تسعةُ أسياف: سبعةٌ منها معي، واثنان علي. وأما مسلمة فجرادة صَفراء، وأما العباسُ فنسطوسُ بنُ نسطوس، أتاكم في بَرابَرة وصقالية، وجَرَامقة، وأقباط، وأنباط، وأخلاط. إنما أقبل إليكم الفلاحُون وأوباشٌ كأشْلاء اللحم. والله ما لقوا قط كحدكم، وحَديدكم، وعَديدكم. وأعيُروني سَواعدكم ساعةً من نهار تصِفقُون بها خراطيمهُم. وإنما هي غَدوة أو روحةٌ حتى يحكُمَ الله بيننا وبين القوم الظالمين.
قال المهلبُ: يا بني، تباذلُوا تحابوا، فإن بني الأم يختلفُون، فكيف ببني العلات؟ إن البر ينسأ في الأجَل، ويزيدُ في العَدَد، وإن القطيعة تُورث القلة، وتُعقب النار بعد الذلة. واتقوا زلة اللِّسان، فإن الرجل تزلُّ رجلُه، فينتقشُ، ويزل لسانُه فيهلكُ، وعليكُم في الحرب بالمكيدة، فإنها أبلغُ من النجدة، فإن القتال إذا وقع دَفع القضاءَ، فإن ظفر فقد سَعد، وإن ظُفر به لم يقولُوا فَّرط.
قال الجاحظُ: قال المهلبُ: ليس أنمَى مِن سيف. فوجدَ الناسُ تصديق قوله فيما قال ولده من السيف، فصار فيهم النَّماءُ.
وقال علي عليه السلام: بقيةُ السيف أنمى عَدَداً، وأكرمُ ولداً. ووجد الناسُ ذلك بالبيان الذي صار إليه ولُده مِن نهكِ السيفِ، وكثرة الذرية وكرم النجل.
ومن كلام المهلب: عجبتُ لمن يشتري الممالِيك بمالِه، ولا يشتري الأحرار بمعُرُوفه.
وقال يزيدُ بن المهلب لابنه مخلد - حين ولاه جُرجَان: استظرفْ كاتِبك، واستعِقلْ حاجِبَك.
قال حبيب بن المهلب: ما رأيت رجلاً مُستلئماً في الحرب إلا كان عندي رجُلين، ولا رأيت حاسرين إلا كنا عند واحداً.
فسمع بعض أهل المعرفة هذا الكلام، فقال: صَدق: إن للسلاح فضيلةً. أمَا تراهم ينادون عند الصريخ: السلاحَ السلاح، ولا ينادُون: الرجال، الرجال.
قيل يزيدَ بن المهلب: ألا تبني داراً؟ فقال: مَنزلي دار الإمَارة أو الحبس. أغلظ. رجلٌ للمهلب، فحلم عنه، فقيل له: جَهل عليك وتحلُمُ عنه؟ فقال: لم أعرف مَساوَيه، وكرهت أن أبهته بما ليس فيه.
قال يزيدُ بن المهلب: ما رأيت عاقلاً ينوبه أمرٌ إلا كان مقوله على لَحْييه. وقيل له: إنك لتُلْقي نفسَك في المهالك. قال: إني إن لم آت الموت مُسترسلاً أتاني مُستعجلاً. إني لست أتي الموت من حُبِّه، وإنما أتيه من بغضه، ثم تمثل: تأَخرت أستبقى الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدمَا.
كتب المهلب إلى الحجاج لما ظفر بالأزارقة: الحمدُ لله الذي كفى بالإسلام فقدُ ما سواه، وجعل الحمد متصلاً بنعَمه، وقضى ألا ينقطع المزيدُ من فضله، حتى ينقطع الشكر من عبَاده ثم إنا وعَدوَّنا كنا على حالين مُختلفتين، نرى فيهم ما يسرُّنا أكثر مما يسوؤُنا، ويروَن فينا ما يُسوءُهم أكثر ممَا يسرُّهم. فلم يزل الله يكثرُنا ويمحقهم، وينصرنا ويخذلهم، على اشتداد شوكتهم، فقد كان عَلن أمُرهم حتى ارتاعَت له الفتاة، ونوِّم به الرضيعِ، فْانتهزْتُ منهم الفرصة في وقت إمكانها، وأدنَيْتُ السوادَ، مِن السواد حتى تعارفَتِ الوُجوه. فلم نزل كذلك حتى بلغ بنا وبهم الكتاب أجَله. فقطِعَ دَابُر القومِ الذين ظَلَمْوا والحمدُ لله ربِّ العالمين.
وقال المهلب لبنيه: يا بني، إذا غدا عليكم الرجل، ولاحَ مُسلِّما، فكفى بذلك تقاضيا.
وقيل له: أيُّ المجالس خيرٌ؟ قال: ما بَعُدَ فيه مَدَى الطرْف، وكثر فيه فائدة الجليس.
قال المهلب: العيش كلُّه في الجليس المُمتع.
========================د7777777777777===

المؤلف : الآبي



وقال يزيدُ بن المهلب: ما يسرُّني أني كفيت أمَر الدُّنيا. قيل مهاجرين: ولم؟ قال: أكره عادة العَجْز.
وقال المهلبُ لبنية: إذا وليتُم فلينُوا للمُحْسن، واشتدُّوا على المُريب، فإن الناسَ للسُّلطان أهيبُ منهم للقرآن.
وكان يقول: أدْنى أخلاق الشريف كتمانُ السِّر، وأعْلى أخلاقه نسيّانُ ما أسر إليه.
ولما اسْتخلف ابنه المغيرة على حَرْب الخوارج، وعاد هُو إلى مُصْعب بن الزبير جمعَ الناسَ فقال لهم: إنِّي قد استخلفتُ عليكم المغيرة، وهُو أبو صغيركم رقةً ورحمةً، وابنُ كبيركم طاعة وبراً وتبجيلا، وأخُو مثله مواساة ومناصحة. فلتحُسن له طاعتُكم، ولْيِلن له جانبكُم، فوالله ما أردتُ صواباً قطُّ إلى سَبقني إليه.
وكان الحجاجُ كتب إليه وهو في وَجْه الخوارج: أما بعدُ فإنه بلغني أنك قد أقبلت عَلى جبَاية الخراج، وتركت قتال العدُوِّ. وإني ولَّيْتُك وأنا أرى مكان عبد الله بن حكيمٍ المجاشعي، وعباد بن حصَين الحَبطي، واخترتُك وأنت من أهل عمان، ثم رجل من الأزد. فالْقهُم يوم كذا في مكان كذا وإلا أشرعتُ إليك صَدْر الرماح فشاورَ بنيهِ، فقالوا: إنه أميرٌ فلا تغْلْظ عليه في الجواب.
فأجابه المهلبُ: وردَ علىَّ كتابُك، تزعُم أني أقبلتُ على جباية الخراج، وتركتُ قتال العدُو. ومَن عجز عن جبايةِ الخراج فهُو عَن قتال العدوِّ أعجَزُ، وزعمتَ أنك وليتني، وأنت ترى مكان عَبدِ الله بن حكيم، وعَبادِ بن حصين ولوْ وليْتهُما لكانا مُسْتحقَّيْن لذلك في فضلهما، وغنائهما، وبطشِهما. وإنك اخترتني - وأنا رجلٌ من الأزد. ولعَمَري إن شراً من الأزد لقبيلةٌ تنازعها ثلاثُ قبائل لم تستقِر في واحدة منهُن. وزعمت أني إن لم ألقهُم في يوم كذا أشرعْت إلى صَدْر الرُّمْح. فلو فعلت لَقلَبْتُ إليك ظَهْرْ المِجّنِّ والسلام.
ووجه الحجاجُ إليه الجراحَ بن عَبْد الله يستبطئُه في مناجَزة القوم. وكتب إليه: أما بعد. فإنك جَبيتَ الخراج بالعلل، وتحصنتَ بالخنادق، وطاولت القوم وأنت أعزُّ ناصراً، وأكثر عَددا. وما أظنُّ بك مع هذا معصيةً ولا جبْناً، ولكنك اتخذتهم أُكْلاً. وكان بقاؤهم أيْسرَ عليك من قتالهم. فناجزْهم، وإلا أنْكرتني. والسلامُ.
فقال المهلب للجراح: يا أبا عقبة. والله مَا تركتُ حيلةً إِلاَّ احتلْتُها، ولا مكيدة إلا أعُملتُها. وما العجبُ من إبطاء النصر، وتراخي الظفر، ولكن العجب أن يكون الرأيُ لمنْ يملُكه دون مَن يبصرهُ.
ثم ناهضهم ثلاثة أيام يُغاديهم القتال، ولا يزالُون كذلك إلى العصر، حتى قال الجراح: قد أعذرت وينصرفُ أصحابهُ. وبهم قَرْح، وبالخوارج قَرْح، وقتل.
وكتب المهلب إلى الحجاج: أتاني كتابُك: تستبطئُني في لقاء القوم. على أنك لا تُظنُّ بي معصيةً ولا جبْناً. وقد عاتبْتني مُعاتبة الجَبان، وواعدتني وعيدَ العاصي. فسل الجراح. والسلام.
وكتب إليه الحجاجُ: أما بعد. فإنك تتراخى عن الحرب حتى يأْتيك رُسلي فيرجعوا بُعذْرك، وذاك أنك تُمسك حتى تبرأ الجِرَاحُ، وتُنَسى القتْلى، ويجُمَّ الناسُ، تلْقاهم فتحتملَ منهم مثْلَ ما يحتملون منك من وْحشة القتل، وألمِ الجراح. ولو كُنت تلْقاهُم بذلك الجِد لكان الداءُ قدْ حُسِم، والقرنُ قد قُصِم. ولعَمْرِي ما أنْت والقومُ سواء، لأن مِنْ ورائك رجِالاً. وأمامك أموالاً. وليس للقوم إلا ما معهم،؟ ولا يُدرَكُ الوجيفُ. بالدبيبِ ولا الظفَر بالتعذير.
فكتب المهلب إليه: أما بعدُ. فإنِّي لم أعط رسلك على قول الحقِّ أجراً، ولم أحتج منهم مع الشاهدة إلى تلقين ذكرت أني أجُمُّ القوم، ولا بد من راحة يستريح فيها الغالب، ويحتال فيها المغلوب، وذكرتَ أن في الجمام ما يُنسي القتلى، ويْبرِئُ الجراح. وهيهات أنْ يُنَسى ما بيننا وبينهم تأْتي ذلك قتلى لم تُجَن، وقروح لم تُتَقرف. ونحن والقوم على حَالة وهم يرقبُون منا حَالات، وإن طمعُوا حاربوا، وإن مَلُّوا وقفوا، وإن يئُسوا انصرَفوا، وعلينا أن نقاتلهم إذا قاتلوا، ونتحرز إذا وَقفُوا، ونطلب إذا هربوا، فإنْ تركتني والرأي كان القِرن مفصُوما، والداءُ - بإذن الله - محسُوماً، وإن أعجَلتني لم أطعك، وَلم أعص، وجعلت وجهي إلى بابك وأنا أعوذ بالله من سَخط الله عزّ وجل ومَقت النّاس! وخطبَ يزيدُ بن المهلب بواسط!

فقال: يا أهل العراق، يا أصحَاب السبق والسِّباق، ومكارم الأخلاق.
إن أهل الشام في أفوَاههم لقمةٌ دَسمةٌ قد زيِّنت لها الأشداق، وقامُوا لها على ساق، وهم غير تاركيها لكم بالمراءِ والجدال، فالْبُسوا لهم جُلودَا النمر.
وقيل للمهلب في بعض حروبه: لو نمت. فقال: إن صَاحب الحرب إذا نام نامَ جَدُّه.
وقال كفى بالمرء مسألةً أن يغدُوَ عليك ويرُوح.
وقال له رجل: إن لي حَاجةً لا ترزؤك في مَالك، ولا تنكُدُك في نفسك قال: والله لا قَضَيتْها. قال: ولمَ؟ قال: لأن مثلي لا يسال مثلها.
وقال: ما السيف الصارم في كف الشجاع بأعز من الصِّدق؟ ومر بقوم من ربيعة في مجلس لهم، فقال رجلٌ من القوم: هذا سَيِّدُ الأزد، قيمتُه خمسمائة درهم. فسمعه المهلب، فأرسل إليه بخمسمائة درهم. قال: دُونك يا ابنُ، قيمةَ عمِّك، ولو كنت زدت فيها لزدتك.
الباب الخامسكلام أبي مُسلم
قيل له: ما كان سبَب خروج الدولة عن بني أمية؟ فقال: ذلك لأنهم أبعدُوا أولياءهم ثقةً بهم، وأدَنوْا أعداءَهم تأَلُّفاً لهم، فلم يصر العدوُّ بالدنُّو صَديقاً وصار الصديق بالبعاد عدُوّاً.
وقيل له في حداثته: إنا نراك تأْرق كثيراً، ولا تنام كأَنك مُوَكلٌ برَعي الكوَاكب، وأو مُتوقِّعٌ للوَحي من المساءِ. فقال: والله ما هو ذاك، ولكن لي رأيٌ جوالٌ، وغريزةٌ تامةٌ، وذهنٌ صاف، وهمة بعيدةً ونفسٌ تَتُوقُ إلى معالي الأمور مع عيش كعيش الهمَج والرِّعاع، وحَالٍ مُتناهية من الأتَضاع، وإنِّي لأَرى بعض هذه مصيبةً لا تجبرُ بسهر، ولا تتلافى بأرق.
قيل له: فما الذي يُبْرِدُ عَليك، ويشفي أجَاج صدرك؟ قال: الظفرُ بالمُلك.
وقيل له: فاطلب. قال: إن المُلك لا يطلب إلا بُركوب الأهوال. قيل: فاركب الأَهوال: قال: هيهات. العقل مانعٌ من ركوب الأهوال. قيل. فمَا تصنع وأنت تُبْلَى حسرةً وتذوب كمداً؟. قال: سأجعَل من عَقلي بعضه جهلاً، وأحاول به خطراً، لأنال بالجهل مَالا يُنال إلا به. وأدَبِّر بالعقل مالا يحفَظ. إلا بقوته، وأعيش عيشاً يُبين مكان حياتي فيه من مكان مَوتي عليه، فإنّ الخمول أخُوا العَدم والشُّهرةَ أبو الكون.
قال رجلٌ من أهل العراق: أوصاني أبو مُسلم وآنَسنى، ثم سألني، فقال: أيُّ الأعراض أدنى؟ فقلت: عِرْض بخيل. قال: كلا. رُبَ بُخْل لم يَكْلَم عرضاً. قلت: فأيها أصلحَ الله الأميرَ؟ قال: عرضٌ لمَ يَرتع فيه حربٌ ولا دمٌ.
قال أبو زيد: سمعت رؤبة يقول: ما رأيت أروَى لأشعارنا أبي مُسلم من رجل يرتضخ لُكْنةً. قال أبو زيد: وإذا قال رؤبة لرجل يرتضخ لكنة فهو من أفصح الناس.
وقال أبو سلم: أشد من يقاتلكم مُمتعضٌ من ذلةٍ، أو محام على ديانة أو غيورٌ على حرمة.
كان فاذوسبان. من كبار أهل نيسابور، وكانت له عند أبي مسلم يدٌ في اجتيازه إلى خُراسان، فكان يرعَى له ذلك. فقال له يوماً الفاذُوسبان: أيُّها السَّلاَّرُ - وبذلك كان يخاطَبُ أبو مُسلم قبل قتله ابنَ الكِرماني - : هل مال قلبك إلى أحد بخراسان؟ فقال: كنت فِي ضيافة رجل يقال له فلانٌ السمرقندي، فقامت بين يدي جاريةٌ له توضيني فاستحليتُها قال: فانفذ الفاذوسبان إلى سمرقند، واحتال في تحصيل الجارية، ثم أضاف أبا مسلم، وأمرَها بأَن توضئه، فلما نظر إلّيها عرفها فوهبها له الفاذوسبان وكان لا يُحجَب عن أبي مسلم في أي وقت جاءه، فدخل إليه يوماً فوجده نائماً في فراشه، فانصرف، فأمر أبو مسلم برده، فجاءَ حتى وقف عليه رآه مضاجعاً تلك الجارية وهما في ثيابهما وبينهما سيفٌ مْسلولٌ. فقال: يا فاذو سبان، إنما أحببت أن تقف على صورة منامي، لتعلم أن من قام بمثل ما قمت به لا يفرغ إلى مُباشرة النِّساء. وأنشد:
قومٌ إذا حاربوا شدُّوا مآزرهم ... دون النِّساء ولو باتت بأطهار.
وكتب المنصورُ إليه: أحص خزائن عبد الله عليَّ. فقال أبوْ مسلم لتُعِطينَّ: قُل له: يا بن سلامة نحنُ أمناءُ على الدِّماء، خونةٌ على الأموال.
كتب عبد الحميد عن مروان كتاباً إلى أبي مسلم: صاحب الدولة. وقال لمروان: إني قد كتبتُ كتاباً إن نجع فذاك وإلا فالهلاكُ.

وكان من كبر حجمه يُحمل على جمل، وكان نفث فيه خَراشِي صدره، وضمَّنه غرائب عجَره وبُجَره. وقال: إني ضامنٌ أنّه متى قرأ الرسولُ - على المُستكفين قولَ أبي مسلم، ذلك بمشهد منه - أنهم يختلفون وإذا اختلفوا كَلَّ حَدُّهم، وذلك جدُّهم.
فلما ورد الكتاب على أبي مسلم دعا بنار فطرحه فيها إلاًّ قَدْرَ ذِراع فإنه كتب عليه:
محا السيفُ أسطار البلاغة وانتحى ... عليك لُيوث الغاب من كل جانب
فإن تُقْدِمُوا نُعمل سُيوفاً شحيذة ... يهون عليها العتبَ من كلِّ عاتب.
ورَدَّه. فحينئذ وقع اليأْسُ من مُعالجته.
ولما بلغهُ خبرُ وفاة السفاح في طريق مكة عائداً. وكان قد تقدم المنصورُ كتب إليه: لأبي جعفر من أبي مسلم. أما بعد: فإن أبا العباس قد هلك، وإن تحتج إلىّ تجدْني بحيثُ تُحب. فلما وبَّخهُ أبْو جعفر عند قتله قال وتُكاتُبني - وأنا الخليفةُ - لأبي جعفر من أبي مسلم.
وشجر بين أبي مسلم وصاحب مَرْو كلامٌ أربى فيه صاحب مرو عليه. فاحتمله أبو مسلم. فندم صاحب مرو، ووجع إلى أبي مسلم معتذراً.
فقال له أبو مسلم: مه؟؟ لسانٌ سبق، وهمٌ أخطأ، والغشب شيطانٌ وأنا جَرًّأتك علي باحتمالك، فإن كنت للذنب معتمداً فقد شاركتك فيه وإن كنتَ مغلوباً، بالعفو يسعُك.
فقال له صاحب مرو: وعِظَمُ ذنبي يمنع قلبي من الهدوء. فقال أبو مسلم يا عجباً، أقابلك بإحسان أنت مُسيء، ثم أقابلك بإساءة وأنت محسنٌ وقال صاحب مرو: الآن وثِقْت بك.
وكتب إلى السفاح: أرِحُ نفسك من كَبْشَي العراق: سُليمِ بن حبيب بن المهلب، وعبد الرحمن بن يزيد بن المهلب، فقتلْهما جميعاً.
وكان أولَ من أظهر السواد بالبصرة عبدُ الرحمن بن يزيد، وجعل يقول حين دعا إلى بني هاشم: أما والله إني لأفعل هذا، وأعلمُ أني من ذبائحهم.
قيل لأني مسلم: من أشجع؟ قال: كلُّ قوم في إقبال دولتهم.
الباب السادسكلام جماعة من الأُمراء
خطب يوسف بن عُمر، فقال: اتقوا الله عباد الله. فكم من مُؤمِّل أملاً لا يبلُغُه، وجامعٍ مالا يأْكله، ومانعٍ ما سوف يترُكه، ولعله من باطلٍ جمَعَهُ، ومن حقٍّ منعه. أصابه حراما وورثه عدُوا، واحتمل إصره، وباءَ بوزره، وورَد عَلَى ربه آسفاً لاهفاً خسر الدُّنيا والآخرة ذلك هُوَ الخسْران المبينُ.
صعد وردُ بن حاتم المنبر، فلما رآهم قد فتحُوا أسماعَهم، وشَقُّوا أبْصارهم نحوه قال: نكِّسوا رؤوْسكم، وغُضُّوا أبْصاركم، فإن أوَّل مركبٍ صعبٌ، وإذا يسَّر الله فتْحَ قُفْلِ تَيسَر.
كان يوسفُ بنُ عُمر يقول: كان الحجاج الدُّخان وأنا اللهب؟ قام خالدُ بنُ عبد الله على المنبر بواسط خطيباً. فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيُّها الناس تنافُسوا في المكارم، وسارعُوا إلى المغانم، واشتُروا الحمد بالجُود، ولا تكتسبُوا بالمَطْل ذماً ولا تعتدُّوا بالمعروف ما لم تُعجِّلُوه، ومهما يكُن لأحدكم عند أحد نعمةٌ فلم يبلُغ شكرَها فالله أحسنُ لها جزاءً وأجزلُ عليها عطاءً. واعلُموا أن حوائج النّاس إليكُم نعمَ من الله عليكُم، فلا تملُّوا النِّعم فتتحولَ نقماً. وأعلمُوا أن أفضل المال ما أكسبَ أجراً، وورَّث ذكراً، ولو رأيتُم المعروف رجلاً رأيتُموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ويفوق العالمين ولو رأيتم البخل رجلاً رأيتموه مُشوَّهاً قبيحاً تنفر عنهُ القُلوبُ وتغضِي عنهُ الأبصارُ. أيها الناسُ: إن أجود الناس من أعطى من لا يرجُوهُ، وأعظمَ الناس عفواً من عفا من قُدرة، وأوصل الناس من وصل من قطعهُ ومن لم يطب حرثُه لم يَزْكُ نبتُه. والأصولُ عن مغارسها تنمُو، وبأُصولها تسمُو. أقولُ قولي هذا وأستغفر الله لي ولكُم.
أراد رجلٌ أني مدح رجلاً عند خالد بن عبد الله، فقال: والله لقد دخلتُ إليه فرأيته أهدى الناس داراً وفَرْشاً وآلةً. فقال خالدٌ: لقد ذممتُه من حيث أردت مدحهُ هذا والله حال من لم تدع فيه شهوتُهُ للمعروف فضلاً.

حدث بعضُهم قال: لما وَلي أبُو بكر بنُ عبد الله المدينة وطال مُكُثهُ عليها كان يبلُغُهُ عن قوم من أهلها تناولٌ لأصحاب رسُول الله صلى الله عليه وسلم، وإسعافٌ من آخرين لهُم على ذلك، فأمر أهل البُيوتات، ووجوه الناس في يوم جُمعة أن يقرُبُوا من المنبر، فلما فرغ من خطبة الجُمعة قال: أيُّها الناسُ: إنِّي قائلٌ قولاً، فمن وعاهُ وأدأه فعلى الله جزاؤُه ومن لم يعه فلا يَعْدَمَنَّ ذماً. مهما قصرتُم عنْهُ من تفْضِيلة فلن تعجِزُوا عن تحصيلهِ، فأرعُوه أبصَاركُم، وأوعُوهُ أسمَاعَكُم، واشْعِرُوه قُلُوبَكُم، فالموعِظةُ حَيَاةٌ والمؤمنُون إخُوةٌ. وعَلى الله قصدُ السبيل، ولو شاءَ لهداكُم أجمعين.
فأْتوا الهدّي تهتدوا، واجتنبوا الغي ترشُدوا وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. والله جل ثناؤه. وتقدست أسماؤه أمَرَكم بالجماعة، ورضيَها لكم، ونهاكم عن الفرقة، وسخطها منكم " اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. واعتصموا بحَبل الله جميعاً لا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها " . جعلنا الله وإياكم ممن تتبع رضوانه، وتجنبَ سخطه، فإنما نحن به وله.
إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالدِّين، واختاره على العالمين، واختار له أصحاباً على الحقِّ، ووزراءَ دون الْخلق، اختصم به، وانتخبهم له، فصدقوه، ونصروه، وعَزروه، ووَقروه، فلم يُقدِموا إلا بأَمره، ولم يُحْجِموا إلا عن رأيه، وكانوا أعوانه بعهده، وخلفاءَه من بعده، فوصفهم فأحسَن صفتهم، وذكرهم فأثنى عليهم، فقال وقوله الحقُّ: " محمدٌ رسول الله والذين معه أشداءُ على الكفاء رُحَمَاء بينهم تراهم رُكَعاً سُجّداً يَبْتغُونَ فضلاً من اللهِ ورضواناً سِيماهم في وجوههم من اثر السُّجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرجَ شطأه فآزره فاستغلظ. فاستوى على سوقه يعجب الزُّراع ليغيظ بهم الكفار وعدّ الله الذي آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةٌ وأجراً عظيماً.
فمن غاظوه فقد كفرَ، وخاب، وفجر، وخسر، وقال عز وجل: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً الله ورسوله أولئك هم الصادقون. والذي تبوءُوا الدار والإيمان من قبلهم يحبُّون مَن هاجرَ إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصَاصَةٌ ومن يوق شح نفسه فأُولئك هم المفلحون. والذي جاءُوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعَل في قلوبنا إلاّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤُوفٌ رحيم " .
فمن خالف شريطة الله عليه لهم، وأمْرَه إياه فيهم، فلا حق له في الفيء، ولا سَهمَ له في الإسلام في آيٍ كثيرة من القرآن. فَمَرقت مارقةٌ من الدِّين وفارقوا المسلمين، وجعلوهم عِضين، وتشعبوا أحزاباً أشابات، وأوشابا، فخالفوا كتاب الله فيهم، وثناءَه عليهم، وآذوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم وآله وسلم - فهيم، فخابوا، وخسروا الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. " أفمن كان على بينة من ربه كمن زيِّن له سوءُ عَمله واتبعوا أهواءَهم " .

مالي أرى عيونا خُزْرا، ورقاباَ صُعْرا، وبطونا بُجْرا، وشجى لا يسيغه الماء، وداءً لا يشرب فيه الدواء. " أفنضرب عنك الذكرَ صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين " . كلا والله، بل هو الهناءُ، والطلاء حتى يظهرَ العذر، ويبوح الشرُّ، ويَضِحَ الغيْب، ويُسَوَّسَ الجُنُب، فإنكم لم تخلقوا عبثاً، ولن تتركوا سدى. ويحكم!! إني لست أتاوياً أعَلم، ولا بَدَوياً أفهم. قد حلبتكم أشطرا، وقلبتكم أبطناً، وأظهرا، فعرفت أنحاءكم، وأهواءَكم، وعلمت أن قوماً أظهروا الإسلام بألسنتهم، وأسروُّا الكفرَ في قلوبهم، فضربوا بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وولَّدْوا الروايات فيهم، وضربوا الاثنين. ووجَدوا على ذلك من أهل الجهل من أبنائهم أعواناً يأْذنون لهم، ويُصْغُون إليهم. مهلاً مهلاً. قبل وقوع القوارع وحلول الروائع، هذا لهذا، ومع ذلك فلست أعتنش آئباً، ولا أؤنب تائباً. عفا الله عما سلف وَمن عادَ فينتقم الله منه والله عزيزٌ ذو انتقام: فأسرُّوا خيراً، وأظهروه، وأجهَروا به، وأخلصوا، فطالما مَشيْتُم القهقرى ناكصين. وليعلمْ مَن أدبَر وأسَرَّ أنها موعظةٌ بين يَدَي نقمةٍ.
ولست أدعوكم إلى هوى يتبع، ولا إلى رأي يبتدع. إني أدعوكم إلى الطريقة المُثلى التي فيها خير الآخرة والأُولى.
فمن أجاب فإلى رُشْده، ومَن عَمِىَ فعن قصده. فَهلُم إلى الشرائع لا إلى الخدَائع، ولا تَوَلًّوا عَن سَبيل المؤمنين، ولا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ، بئسَ للظالمين بدلاً. وإياكم وبُنَيَّات الطريق، فعندها الترنيق، والرهق وعليكم بالجادة فهي أسدُّ وأورد، ودَعُوا الأماني فقد أردَتْ من كان قبلكم. وليس للإنسان إلا ما سَعى، ولله الآخرة والأولى و " لا تفتُروا على الله كذباً فُيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى " " ربنا لا تزع قلوبَنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لُدنك رحمةً إنك أنت الوهابُ " قالوا: إن قتيبة بن مُسلم قال لما قدم خراسَان: مَن كان في يده شيء من مال عبد الله بن خازم فليَنبذه، وإن كان في فيه فليلفظه، وإن كان في صَدره فليَنفثه. فعجب الناس من حسن ما فصًّل وقسَّم.
وقال قتيبة: إن الحريصَ يستعجل الذِّلة قبل إدراك البُغية.
أهدى عبيدُ الله بن السّدي إلى عبد الله بن طاهر لما وَلي مصرَ - مائة وصيف، مع كلِّ وصيف ألف دينار، ووجهَ بذلك ليلاً. فرده، وبَعَثَ إليه: لو قبلت هديتك ليلاً لقبلتها نهاراً وما " أتاني الله خيرٌ مما أتاكم بل أنتم بهديتكم تفرَحُون " قال المأمون لطاهر بن الحسين: صف لي عبد الله ابنك. قال: عن مدَحتُه هجّنتُه، وإن هجوتُه ظلمتُه. ولدَ الناسُ ابناً، وولدت ابناً يُحِسن ما أحسن ولا أحسن ما يحسن.
وليّ عبدُ الله بن طاهر رجلاً بريدَ ما وراء النهر، فكتب إليه: أنَّ ها هنا قوماً من العرب قد تعصبُوا وتأشبوا، أظنُّ أمَرهم سيرتقي إلى ما هو أغلظ. منه.
فكتب إليه عبدُ الله: إنما بُعِثْتَ للأخبار السابقة والحوادث الظاهرَة لا للكهانة والتظنَّي.
قال عبيدُ الله بن عبد الله بن طاهر: لا ينقضي عَجبي من ثلاثة: إفلات عبّاس بن عمرو من القرمطيِّ، وهُلْك أصحابه، ووقوع الصغار، وإفلات أصحابه. وولاية ابني الجسريْن وأنا متعظل.
وقال محمدُ بن عبد الله بن طاهر لولده: عِفُّوا تشرُفوا، واعشقوا تَظْرُفوا وقال عُبيدُ الله بن عبد الله في علته: لم يبق على من بأْس الزمان إلا العلة والخَلة وأشدهما على أهونهما على الناس. ولأنَّ ألمَ جسمي بالأوجاع أهون علي من ألم قلبي للحقِّ المُضاع.
جرى ذكرُ رجل في مجلس سَلم بن قتيبة، فنال منه بعضهم، فأقبل سَلم فقال: يا هذا، أوحَتْستَنا من نفسك، وأيأَستنا من مودتك، ودَللْتَنا على عورتك.
قال بعضهم: كنت عند يزيد بن حاتم بإفريقية، وكنت به خاصاً فعرض عليه تاجرٌ أدراعاً، فأكثر تقليبها، ومزاولة صاحبها. فقلت له: أصلح الله الأميرَ. فعلامَ تلوم السُّوق؟ فقال: ويحَك!! إين لست أشتري أدراعاً إنما أشتري أعماراً.
قال المأمون لطاهر بن الحُسَين: أشر علي بإنسان يكفيني أمرَ مصرَ والشّام. فقال له طاهرٌ: قد أصبته. قال: من هو؟ قال: عبدُ الله ابني، وخادُمك، وعَبدُك. قال كيف شجاعته؟ قال: معه ما هو خيرٌ من ذلك قال له المأْمون: وما هو؟ قال: الحزم.
قال: فيكف سخاؤه؟ قال: معه ما هو خير من ذلك. قال: وما هو؟

قال: التنزُّه وخُلْفُ النفس.
قال: فولاه فَعَفَّ عن إصابة خمسة آلاف ألف دينار.
وَهب المأمون لطاهر الهني والمري - وهما نهران بقرب الرقة - فقال: يا أمير المؤمنين: كفى بالمرء شرَهاً أن يأخذ كل ما أعطي. ما هما يا أمير المؤمنين من ضياع السُّوقة، ما يصلحان إلا لخليفة أو وليّ عهد. فلم يقبلهما.
كتب الحجاجُ إلى قتيبة بن مُسلم: أني قد طلقت أم خالد بنت قطن الهلالية عن غير ريبة، ولا سوءٍ، فتزوَّجْها.
فكتب إليه قتيبة: إنه ليس كلُّ مَطالع الأمير أحِبُّ أن أطلع.
فقال الحجاج: ويَل أمِّ قتيبة. وأعجبه ذلك.
وكان خالدُ بن عبد الله القسري مال عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، وتنقّصه على المنابر. وذُكر أنه اتخذ طستاً في المسجد بالكوفة ميضأةُ، وخَرق قناةً من الفرات إليها. ثم أخذ بيد أسقف النصارى يمشي في مسجد علي حتى وقف على الطست. ثم قال للأسقف: ادع فيها بالبرَكة. فوالله لدُعُاؤك عندي أرجى من دُعاء علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه وسلامُه على علي، وغضبُه على خالد.
وقدم عليه محمدُ بن عبد الله بن عمرو عثمان يَسْتمْنِحُه، فلم يفعل بما يُحب. فقال: أما المنافع فلهذين الهاشميَّين. يعني داودَ بن علي بن عبد الله بن العباس، وزيدَ بن علي عليه السلام.
وأما نحن فليس لنا إلا شتمُةُ علياً على المنبر. فبلغ ذلك خالداً فقال: إن أحب تناولنا له عُثمان بشيء. وكان لعنهُ الله يلعن على المنابر عَلياً - عليه السلام - فيقول: لعن الله لاعن عليِّ بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف، وابن عمِّ رسول الله صلى الله عليه وآله وزوج ابنته، وأبا الحسن والحُسين، ثم يُقبِل على الناس فيقولك أكَنَيْتُ.
وبنى خالدٌ بِيعةً لأمِّه - وكانت نصرانيةً فاستعفاه المسلمون منها.
فقال: لعن الله دينهم إن كان شراً من دينكم.
قال المأمون لطاهر: يا أبا الطيب صف لي أخلاق المخلُوع.
قال: كان يا أمير المؤمنين واسع الطرَب، وضيِّق الأدَب، يُبيح لنفسه ما تعافهُ هِمَمُ ذوي الأقدار. قال: كيف كانت حرُوبُه؟ قال: كان يجمع الكتائب بالتبذير، ويفضُّها عنه بسوء التّدبير. قال: فكيف كنتُم له؟ قال: كنا أُسْداً تبيتُ، وفي أشداقها حُلوقُ الناكثين، وتحت صدورها صدورُ المارقين.
قال: إمَا أنه أولُ مَن يأْخذُ اللهُ بدَمه يومَ القيامة ثلاثةٌ: لستُ أنا ولا أنت رابعَهم، وخامسهُم: الفضل بنُ الربيع، وبشر بن المُعتمر، والسندي بن شاهك. واللهُ ثأَر أخي، وعندهم دَمُه.
مرض عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، فركب إليه الوزيرُ، فلما انصرف عنه كتب إليه عبيدُ الله: ما أعرفُ أحداً جزى العلة خيراً غيري، فإن جزيتُها الخيرَ، وشكرتُ نعمتها علي، إذ كانت إلى رُؤيتك مؤديةً. فأنا كالأعرابي الذي جزى يومَ الروع خيراً فقال: جَزى اللهُ يوم الروع خيراً فإنهُ أرانا على علاته لُقى ثابت وكتب المأْمونُ إلى طاهر يسألهُ عن استقلال ابنه عبد الله.
فكتب طاهرٌ إليه: عبدُ الله - يا أميرَ المؤمنين - ابني. وإن مدحتُه ذممتُه وإن ذممتُه ظلمتُه. ولنعمم الخلَفُ هو لأمير المؤمنين من عَبده.
فكتب إليه المأْمونُ: ما رضيتَ أنْ قرَّظتهُ في حياتك حتى أوصَيتَنا به بعدَ وفاتك.
قال طاهرٌ: طولُ العمر ثائر مولاه لأنه لا يُخْليك من رؤية محَبة في عدوَّ.
قال الكبيُّ: قال لي خالدُ بنُ عبد الله بن يزيد القسري: ما يُعدُّ السُّؤدد.
فيكُم؟ فقلتُ: أما في الجاهلية فالرِّياسةُ، وأما في الإسلام فالولاية، وخيرُ من هذا وذاك التقوى.
فقال لي: صدقت.
كان أبي يقولُ: لم يُدرك الأولُ الشرف إلا بالفعل، ولا يُدركُ الأخِرُ إلا بما أدرك به الأوِّلُ.
قال: فقلت: صدق أبُوك ساد الأحنفُ بحمله، وساد مالكُ بنُ مِسمع بمحبة العشيرة له، وساد قُتيبة بدهائه، وسادَ المهلب بجميع هذه الخِلال.
فقال لي: صدقت. كان أبي يقولُ: خيرُ الناس للناس خيرُهُم لنفسه إنه إذا كان كذلك أبقى على نفسه من السرَق لئلا يُقطع، ومِن القتْل لئلا يُقادَ، ومِن الزِّنى لئلا يُحد، فسَلمَ الناسُ منه بإبقائِه على نفسِهِ.
قيل: وكان عَبدُ الله بنُ يزيدَ أبو خالد مِن عقلاء الرِّجال.
وقال له عبدُ الملك يوما: ما مالُك؟ فقال: شيئان لا عَيْلة علي معهما: الرِّضا عن الله عزّ وجل، والغني عَن الناس.

فلما نهض مِن بين يَديه قيل له: هلا خبرتهُ بمقدار مالِك؟ فقال: لم يعدُ أن يكون قليلاً فيَحقِرني، أو كثيراً فيحْسدني.
وخطب عبدُ الرحمن بنُ محمد بن الأشعث بالمِربْد عند ظهور أمّر الحجاج عليه، فقال: أيها الناسُ. إنه لم يبْق من عدوكم إلا كما يبقى من ذنب الوزغَة، تضرب يميناً وشمالاً، فلا تلبثُ أن تموت.
فسمعه رجلٌ من بني قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصة فقال: قبح الله هذا. يأمر أصحابه بقلة الاحتراس من عدوهم، ويعدُهْم الغُرَور.
وقيل لنصْر بن سيار: إن فلاناً لا يكتُبُ. فقال: تلك الزِّمانةُ الخفيةُ.
وقال: لوْلا أن عمرَ بن هُبيرة كان بَدويّاً ما ضبَط. أعمال العراق، وهو لا يكْتبُ.
اعتذر رجلٌ إلى مُسْلم بن قتيبة من أمْر بلغهُ عنه، فعذرُه ثم قال له: يا هذا: لا يحْملنك الخروجُ مِن أمر تخلصْت منه على الدخول في أمْر لعلك لا تتخلصُ منه.
وقال مُسلُم بنُ قتيبة: الشبابُ الصحةُ، والسُّلْطانْ الغني، والمروءةُ الصبرُ على الرجال.
وقال خالد بن عبد الله القسْري: يُحَمدُ الجودُ مَا لمْ يسْبقُه مَسْألةٌ وَمَا لم يتبعه مَن، ولم يُزْر به قصورٌ، ووافق موضع الحاجة.
قال الرشيد لسعيد بن سَلْم: يا سعيدُ، مَنْ بيتُ قيس في الجاهلية؟ قال: يا أمير المؤمنين. بنُو فزارة. قال: فمَنْ بيتُهُم في الإسلام؟ قال: يا أمير المؤمنين: الشريفُ مَنْ شرفتُموه. قال: صدقت. أنت وقومُك.
قال بعضهم: أريت نصْرَ بن سيار على المنبر بسَرْخس. وقد حسَر ذراعيه - وكان أشعرَ طويل الساعدَين. وهو يقول: اللهم إنك تعلُم أن جعُفرَ بن محمد حدثني عن آبائه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما منْ أحد أنْعمَ على قوم نعمةً فكفرُوا نعمتَه، فدعا الله عليهم إلا أجيبتْ دعوته.
اللهم إنك تعلُم أني أحسَنْتُ إلى ألِ بسَّام فكفروا نِعْمتي.
اللهم افعل بهم. ودَعَا عليهم.
قال: فلم يَحُلِ الحولُ وعلى الأرض منهم عين تطرف: وكانوا سبعين رجلاً، كلُّهم قد ركب الخيل.
كان أبو هبَيرة يقول: أعوذ بك من كلِّ شيطان مستغرب وكل نبطي مستعرِب.
خطب بلال بن أبي بُردَة بالبصرة، فعرف أنهم قد استحَسنوا كلامَه، فقال: لا يمنعنكم أقبحُ ما تعلمون فينا أن تقبلوا أحسن ما تسمعون منا.
قال ابن هبيرة لبعض ولده: لا تكونن أول مشير، وإياك والهوى والرأي الفطيرَ، وتجنب ارتجال الكلام، ولا تشر على مستبدٍّ ولا على وغد ولا مثلوِّن ولا لجوج، وخَفِ الله في موافقة هوى المستثير، فإن التماسَ موافقته لؤمٌ، وسوءَ الاستماع منه خيانةٌ.
قال رجل ليزيدَ بن أسد يدعو له: أطال الله بقاءَك. فقال: دَعوني أمُتْ، وفي بقيةٌ تبكون بها علي.
وشخصَ يزيد بنُ عمرَ بن هبيرة إلى هشام بن عبد الملك فتكلم فقال هشام: ما مات من خلف مثل هذا.
فقال الأبرشُ الكبيُّ: ليس هناك، أمَا نراهُ يرشح جَبينُه لضيق صَدره. فقال يزيد: ما لذلك أرشحُ ولكن لجُلوسك في مثل هذا الموضع.
ودخل يزيدُ بن عمر على المنصور - وهو يومئذ أميرٌ - فقال: أيُّها الأميرُ إنَّ عَهدَ الله لا يُنكث، وعَقدَهُ لا يُحَل، وإن إمارتكُم بِكْرٌ. فأذيقُوا الناسَ حلاوَتها، وجنِّبُوهم مَرارتها.
اتخذ يزيدُ بنُ المهلب بستاناً بخُراسَان في داره فلما ولي قتيبةُ بنُ مُسلم جعل ذلك لإبله. فقال له مَرزُبانُ مَروٍ: هذا كان بستاناً وقد اتخذته لإبلك؟ فقال قتيبةُ: عن أبي كان أشترباذ وأبو يزيدَ كان بستان باذ.
قال عبد الرحمن بن أبي الحكم: لولا ثلاثٌ ما بالَيْتُ متى متُّ: تزحُّف الأحرار إلى طعامي، وبذلُ الأشراف وجوهَهُم إلى، وقولُ المنادي: الصلاة أيُّها الأمير.
وقال عبد الرحمن بن الأشعث: لولا أربعُ خصال ما أعطيتُ أحداً طاعةً، لو ماتت أمُّ عمران - يعني: أمه، ولو شاب رأسي، ولو قرأتُ القرآن، ولو لم يكُن رأسي صغيراً.

خطب قُتيبةُ بن مسلم بخُراسان حين خُلع، فقال: أتدرُون لمن تُبَايعون؟ إنما تبايعون يزيدَ بن ثروان، يعني هينقة القيسي كأني بأمير من حاء وحكم، قد أتاكم يحكم في دمائكم وفروجكم وأموالكم وأبشاركم ثم قال: الأعراب. وما الأعراب؟؟ لعنةُ الله على الأعراب جمعتكم كما يُجَمع قَزَع الخريف من منَابت الشِّيح والقيصُوم، ومنابت الفلفل، وجزيرة أبر كاوَان. تركُبون البقر، وتأكلُون القضْب فحملتكُم على الخيل، وألبستكُم السِّلاحَ، حتى منع الله بكم البلاد، وأفاءَ بكم الفيءَ.
قالوا: مُرنا بأمرك. قال: غُرُّوا غيري.
وخطب مرةً أخرى فقال: يا أهل العراق. ألست أعلمَ الناس بكم؟ أما هذا الحي من أهل العالية فنعَمُ الصدَقة. وأما هذا الحي من بكر بن وائل فعِلْجةُ بظراءُ لا تمنعُ رجليها، وأما هذا الحي من عبد القيس فما ضرب العَيْر بذنبهِ. وأما هذا الحيُّ من الأزد فعُلوجُ خَلْقِ الله وأنباطُه. أيمُ الله لو ملكتُ أمرَ الناس لنقشتُ أيديهم. وأما هذا الحيُّ من تميم فإنهم كانوا يسمُّون الغدْر في الجاهليةِ كَيسان.
وخطب مَرةً أخرى، فقال: يا أهل خُراسَان. قد جربتُم الوُلاة من قبلي أتاكُم أميةُ، فكان كاسمه أميةَ الرأي، وأميةَ الدين. فكتب إلى خليفته إن خراجَ خُراسان وسجستان لو كان في مَطبخه لم يكفهِ. ثم أتاكُم بعَده أبو سعيد يعني المهلب بن أبي صُفرة فدوم بكم ثلاثاً. أما تدرُون في طاعة أنتم أم في معصية؟؟ ثم لم يَجْب فيئاً ولم يَنْكَ عدوا، ثم أتاكُم بنُوهُ بعده مثل أطباء الكلبة، منهم ابن دحمة: حمار يَضْربُ في عانةٍ، ولقد كان أبوه يخافهُ على أمهاتِ أولاده. ولقد أصبحتُم - وقد فتح اللهُ عليكم البلادَ، وأمن لكن السُّبل. حتى أن الظعينةَ لتخرجُ مِن مَرو إلى سَمرقَند في غير جوار.
صعد خالد بنُ عبد الله القسْري المنبرَ بالبصْرة فأرْتج عليه. فقال: أيُّها الناس إنَّ الكلام يجيءُ أحياناً فيتسبَّبُ سَببه، ويعزُّ أحياناً فيعزّ طالبه. فربما طلب فأبى، وكُوبر فعسا فالتأني لِمَجِيه أصوبُّ من التعاطي لأبيِّه. ثم نزل.
قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: كان أبي كثيراً ما يقولُ إذا سر: هذا يومٌ جريريُّ. قال: فسألته عن ذلك، فقال: لقوله: فيالك يوماً خيرهُ قبْلَ شرِّه تغَّيب واشِيِه وأقصَرَ عاذِلُه ومثل ذلك ما حكى عن عبد الله بن طاهر: أنَّه كان يقولُ: هذا من أيام الكوزِ. فسئل عن ذلك فقال: كان رجلٌ إذا مرَّ له يومٌ طيبَّ ألقى حصاة في كوز. فإذا سئل عن عمره عد الحصى وقال كذا يوماً.
كان مسلم بن قتيبة يقول: أحزمُ الناس من وقى ماله بسلطانهِ، ووقى نفسَه بمالهِ، ووقى دينه بنفسه وقال إذ تخالجتك الأمورُ فاسْتقِلَ بأعظمها خطراً، فإذا لم تستبن فأرجَاها، فإن اشتبهت فأحُراحا ألا يكُون لها رجوعٌ عليك.
وقال: احملوا الأمور فيما بينكم على أشُدِّها، ولا تراضْوا بالقول دون الفعْل.
وخطب خالد بنُ عبد الله، فقال: أيّها الناس، عليكُم بالمعروفِ، فإنَّ فاعله لا يعدم جوازيَه. مهما ضعف النَّاس عن أدائه قوى اللهُ على جَزائِه.
أيُّها الناس، لا يعتدَّنَّ أحدٌ منكم معروفاً لم يخرج منه سهلاً، إنكم لو رأيتُم المعروف شخصاً لرأيتُموه حسَناً جميلاً. أعاذنا اللهُ وإياكم من الكُفر والبخل.
وقال خالدٌ: أيلبس الرجلُ أجودَ ثيابه. ويتطيّب بأطيب طيبه. ثم يتخطى إلى القبائل، والوجوهَ، لا يُريد إلا قضاء حقي، وتعظيمي بسؤالهِ حاجته. فلا أعرفُ ذلك له ولا أكافئُه عليه؟ تخطيتُ - إذن - مكارمَ الأخلاق ومحاسنها إلى مساويها.
اغتاب رجلٌ رجلاً عند قتيبة فقال له قتيبةُ: أمْسِكْ عليك فلقد تلمَّظْت بُمضْغة طالما لفظها الكرامُ.
لما وَلي عثمانُ بن حيَّان المرِّي المدينة بعد عمر بن عبد العزيز نزل دار مروان بن الحكم وهو يقولُ: مِحْلالٌ مِظعانٌ. المغرورُ من اغترَّ بك.
الباب السابع
فضول الكتاب والوزراء
وتوقيعات ونكت من كلامهم ونوادر لهم

أمرَ المأْمونُ أحمد بن يوسف أن يكتب في الآفاق بتعليق المصابيح في المساجد في شهْر رمضان. قال: فأخذتُ القِرْطاسَ لأكتب، فاستعْجم علي، ففكَّرتُ طويلاً، ثم غشِيتَنْي نعْسةٌ فقيل لي: اكتبْ: فإنَّ في كثرة المصابيح إضاءةً للمتهجِّدين، وأنْساً للسَّابلةِ، ونفياً لمكامِن الرِّيب، وتنزيها لبيوت الله عن وحْشة الظُّلم.
أهدى سعيدُ بن حميد إلى المأمون في يوم مِهْرَجان خِوان جزْع، واتخذ ميلاً من ذهب بقدر، وحمله معه. وكتب إليه: قد أهديت إلى أمير المؤمنين خوان جزع ميلاً في ميل. فاستحسَن ذلك وقبله.
وقَّع جعفر بنُ يحيى في رُقَعِة متُحرِّم به: هذا فتىً له حرمةُ الأمل، فامتحنه بالعمل، فإن كان كافياً فالسلطانُ له دوننا، وإن لم يكن كافياً فنحن له دون السلطان.
كتبَ أحمد بن يوسف إلى إسحاق الموصلي وقد زاره إبراهيم بنُ المهدي: عندي مَنْ أنا عندَه، وحجَّتُنا عليك إعلامنا إياك ذلك قد أذنَّاك.
فصل لأحمد بن يوسف أكثر من يلجأُ إلى الحيلةِ مَنْ عجز عن المبادأة والإصحار، وأكثر مَنْ يروم المنابذة مَنْ قصَّر عن لِطيف الخُدَع، وخفِّي الاستدراج. والقصد مؤّد إلى الرشْدِ.
تأخر إسحاقُ ابنُ إبراهيمَ الموصلي عن إبراهيمَ بن المهدي، فكتب إليهِ: لا عذْر لك في التأَخُّرَ عنِّي، فإنِّي لا أخلو من خَالَيْنِ: سَخط أمير المؤمنين علىَّ فهو لا يكرهُ أن يُضرني، أو رضاه عَنِّي فهو لا يكُرَهُ أن يسرَّني.
أمرَ المأمونُ عمْروَ بن مسعدة أن يكتب كتاب عِناية، ويوجز. فكتب: كتابي كتابُ واثق بمن كتْبتُ إليه، مَغْنِيُّ بمن كتبت له، ولن يضِيع بين الثِّقةِ والعنايةِ مُوَصِّله.
كتب أحمد بنُ يوسف إلى صديق له: كتبتُ إليك في الظُّهر تفاؤلاً بأنْ يُظهرَك اللهُ على مَنْ ناوأك، ويجعلك ظهراً لمن وَالاك.
كتب بعضُهم إلى رئيس: تختم كتُبَكَ لأنها مطايا البر، ولا أختمها لأنها حوامل الشّكر.
وقع جعفر بنُ يحيى إلى عامل له: وأنْصفْ من وَليت أمْرَهُ، وإلا أنْصَفهُ مِنْكَ مَنْ ولي أمرَك.
وقع أحمد بنُ هِشام في قِصَةِ مُتظلَّمٍ: أكْفِني أمْرَ هذا، وإلا كَفيْتُه أمرَك.
استشهدَ ابنُ الفُرات في أيام وزارته على بن عيسى، فلم يشْهَدْ لهُ، وكتب إليه لما عادَ إلى بيتهِ: لا تلُمْني على نُكُوصي عن نُصْرتِك بشهادة زُور، فإنَّه لا اتِّفاق على نِفاق. ولا وفاء لذي مَيْن واختلاق. وأحْرِ بِمَنْ تعدَّى الحقَّ في مسرَّتِك إذا رَضى، أن يتعدَّى إلى الباطل في مَسَاءتِك إذا غضِب. والسلام.
وقع إبراهيم ابنُ العباس في ظهرِ رُقعة: إذا كان للمحْسِنِ من الحقِّ ما يقنِعه، وللمسيءِ مِنَ النَّكالِ ما يقمعه، بذلَ المُحسنُ الحقَّ رغبةَ وانقادَ المُسيءُ لهُ رهبةً.
كتبَ القاسم بنُ عُبَيِدْ الله الكرْمي إلى بعضِ الوزُراء: ولي فيمَا جدّدَ اللَّهُ من هذه النعمةِ للوزيرِ مِنْ بلوغ النهاية، ما انتزعتُه من كتابِ الله تعالى في قولهِ: اليْومَ أكْمَلْتُ لكم دينَكُمْ وأتْمَمْت عليكُم نعْمَتِي. وقد عَلمَ أن دين الله بعد نزولِ هذه الآية لم يَزلْ نامياً عالياً على كل دين، وأنَّه إنما ضرَب بجرانِهِ وقهرَ الأمَمَ شرقاً وغرباً بعد كمالهِ.
وقّع ذُو الرياستين إلى طاهر بن الحسين: يا نِصْف إنسان. والله لئنْ أمرْتُ لأُنفذنَّ، ولئِنْ أنفذتُ لأُبرمَنّ، ولئن أبرمتُ لأبلغنَّ.
فأجَابَهُ: أنا - أعزَّك الله - كالأمَةِ السوداء، إن حمل عليها دمْدَمتْ وإن رُفِّه عنها أشِرتْ. وإن عُوقبتْ فباستحقاق، وإن عُفِي عنها فبإحسَان.
كتب إبْرَاهيم بنْ العباس إلى أهل حِمْصَ: أمَّا بعدُ فإن أميرَ المؤمنين يرى مِنْ حَقِّ اللهِ عليهِ استعمال ثلاث يُقدّمُ بعضُهن على بعْض: الأُولى تقديم تنبيه وتوجيه، ثم ما يستظهر به من تحذير وتخويف. ثم التي لا ينفعُ لحسُم الداء غيرها.
أناة فإنْ لِم تُغْنِ أعقبَ بعدَها ... وَعِيداً فإنْ لم تُجْدِ أغنتْ عزائِمْ
ويقالُ: إنَّ هذا أوّلُ كتاب صدَر عن خليفة من بني العباس وفيه شِعرٌ.
وقيل: إن إبراهيم بن العباس لم يتعمد أنْ يقول شعراً، ولكنَّهُ لما رآه موزُوناً تركهُ.
كاتب: أمَّا بعد، فكأنِّا في الثَّقةِ بك مِنْك، وكأنكَّ في الرأفةِ عليْنا مِنا، لأنِّا لم نرِدْك لأمْر إلا نِلناهُ، ولا خِفْناك عَلى أمْر إلا أمِنَّاه.

كتب أحمد بنُ يوسف إلى إبراهيمَ بن المهدي: الثقةُ بك سهَّلت السبيل إليك، فأهْلنِا هدية مَنْ لا يحتشِمُ، إلى مَنْ لا يغُتنِم.
كتب إبراهيم بن العباس إلى علي بن عيسى بن ماهان: قد بلغ مِنْ حسن ظنك بالأيام أن وثقت بالسلامةِ مِنْها مَع الظلم، وليس هذا من عادَتِها.
اعتذر كاتبٌ إلى صديق له تأخُّر اللقاء، فأجابَه: أنْت في أوسَع العُذْر عند ثِقتي، وفي أضْيق العذرْ عندَ شوقي.
كتب رجلٌ إلى ابنِ سيَابه يسألُهُ عنْ رجل فكتب في الجواب: هَو الله غثُّ في دينه، قذرٌ في دنْياه، رث في مروءته، سمْجٌ في هيئتهِ، منقطعٌ إلى نفسه، راض عقلُه، بخيلٌ بما وسّع الله عليهِ من لذَّته، كَتُومٌ لما أتَاهُ اللهُ من فضلهِ، حلافٌ، لجوجٌ، لا ينصفُ إلا صاغراً، ولا يعدِلُ إلا راغماً، ولا يَرفعُ نفسَه عن منزلة إلا ذل بعد تعززه فيها.
كتب إسْحاقُ بنُ إبراهيمَ الموصلي إلى إبراهيم بنِ المهدي: مَنْ كانَ كله لك وقع كلُّه عليْكَ.
وقَّعَ عليُّ بنُ عيسى على قصة لاْبنِ قرابةَ العطَّار: منْ تحقق بالوزراء وجالس الأُمراء ودَاسَ بُسطَ الخلفاء وماثَل الكبراءَ وأمرَ ونهىَ في مجالسِ الرؤساء، بعَقلٍ يسير وفهْم قصيرِ، ورأى حقير وأدب صغير - كان خليفاً بالنكبة، وحرياً بالمصيبة، وجديراً بالمحْنة، وأنا أتلكًّم إذا حضرني الكلامُ فيك بما يقربُني إلى الله.
كاتب: لا أعِدُك فأطمعك ولا أويسك فأقطعك، وإن أمكنتْني فَرْصةٌ فعلتُ.
أخر: قد أعليتَ من يدٍ كانت مقبوضةً، واسْمَيْت مِنْ مقْلة كانت مغْضُوضَةً.
كتب بعضهُم إلى صديق له - وقد تأخر عنه كتابه: إن كنتَ لا تُحسنُ أن تكتُب فهو زَمانةٌ، وإن كنت تكتبُ ولا تكاتبُ إخوانَكَ فهو كسلٌ، وإن كنت تكتبُ وليسَ لك قِرْطاسٌ ودواةُ في سوءُ تدبير، وإن اعتذرت بغير ما كتبت فهُو وَقاحةٌ.
فصلٌ: أظلنِي من مولاي عارضُ غيث أخْلف ودقةُ، وشاقني رائحُ غوْث كذب برقُه، فقابله في حَرَّان مُمْحل أخطأهُ النّوء، وحَيْرَان مظلم خذلهُ الضوءُ - فصل: ليهنك أنّ جميع نظرائك، وأكفائك يتنازعُون الفضل فإن انتهوا إليكَ أقروا لكَ ويتناصَفونَ المنازلَ فإن بلغوك وقفوا دونك - آخر: ثقْ مني بكتمان وإن أتعبَ القلبَ، ومساعدة وإن ثلمَتِ المروءةَ وطاعة وإن قدحَتْ في الدِّين - آخر: حَقُّ لمن غُدي ببركَ، وارتضَعَ أخَلافَ إحسانكَ، وتنسَّم رَوْح خلائِقك أن يكثُر عند ذكرِكَ إياه شكرُه، ويتمهد عند نسيانِك له عّذْره.
كتب بعضُ عمال إبراهيم بن العباس إليه يستزيدُه، فوقع في كتاب: اسْتدْع ما عندي بالأثرِ لا بالطلبِ.
كاتب: اتصل بي خبرُ الفَتْرة في إلمامها وانسحارِها، ونبأ الشَّكاةِ في حُلُولها وارْتحالها، فساد يسْعضلُ القلق بأوله عن السُّكون لأخرِه، وتذهلُ عاديةُ الحيرة في ابتدائه عن عائدة المسّرة في انتهائه، وكان التصرف في الحالتين بحسب قدرها ارتياعاً للأُولى وارتياحاً للأُخرى - غضب يحيى بنُ خالد على بعض كتُابِه، فكتب إليه الكاتب: إن لله قبلكَ تبعات ولك قبلة الحاجاتِ إلا فأسألك بالذي يهب لَكَ الحاجات وهبتَ تبعتك - قيلي له. فَرِضِي عنه - قال بعضُ الكتاب: إذا أقبلتِ الدّوَلُ كَثُرتِ العُدَدُ وإنْ قل العَدْد وإذا أدْبرتْ كثر العَدَدُ وقلتُ العُدَدُ كتب ابن صبيح: فهمتُ كتابك باعتذارِك، فجرد الإقرار بالذنب فإن الأول يقول: لا تَرجُ رجعةَ مذنبٍ خلط احتجاجاً باعتذار الحسنُ بن وهب: إنّ حُسْن ثناء الصادرين عَنك إليْنا يزيد في عدد الوَاردين عليك من قِبَلنا.
وقع جوهرٌ مولى الفاطميين لما افتتح مصر في قصة رفعها إليها أهلُها سُوءَ الاحترام أوقْع بكم حُلُول الانتقام. وكفرُ الإنْعام أخَّوكْم منْ حفظ الذِّمام. فالواجبُ فيكم ترْكُ الإيجاب، واللازمُ لكم ملازمةُ الاجتناب، لأنكم بدأتُم فأسأتُم، وعدْتُم فتعديتُم. فابتداؤكم مَلوم، وعَودْكم مذْموم، وليس بينهما فُرْجةٌ تقتضي إلا الذم لكم، والإعراض عنكم ليرى أمير المؤمنين - صلواتُ الله عليه - رأيهُ فيكم.
كتب علي بن هشام إلى المَوْصلي: ما أدري كيف أصنع؟ أغِيبُ فأشتاق، وألْقى فلا أشتِفي. ثم سَيُحدِث لي اللقاءُ نوعاً من الحُرقة، للوعة الفرقة.
كتب آخر: من العجب إذكار معنَّى، وحثُّ متيقظ، واستبطاءُ دابر إلا أنّ ذا الحاجةِ لا يدَع أن يقول في حاجته.

كتب بعضهم إلى ابن الزيات: إنا مما يطمعني في بقائنا عليك، ويزيدني بصيرةً في دوامها لك - أنك أخذتها بحقك، واستدَمتها بما فيك من أسبابها. ومن شأْن الأجناس أن تتقاوم، والشيء يتقلقل إلى معدته، ويحنُّ إلى عنصره، فإذا صادف مَنبِته ركَن في مغرسه، وضرب بعِرقه، وسمق بفرعه، وتمكن للإقامة، وثبت ثبات الطبيعة.
آخر: إلا ابن خاقان: رايتُني فيما أتعاطى من مَدحك كالمُخبِر عن ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر، الذي لا يخفى على ناظر، وأيقنت أني حيث أنتهي من القول منسوبٌ إلى العجز، مقصَّرٌ عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدُّعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك.
كتب الحسن بن وهْب إلى صديق له يدعوه: افتتحت الكتاب - جعلني الله فدَاك - والآلات معدةٌ، والأوتار ناطقةٌ، والكأْس محثوثة، والجو صاف، وحواشي الدهر رقاقٌ، ومخايل السرور لائحةٌ، ونسأل الله إتمام النعمة بتمام السلامة من شوب العوائق، وطروق الحوادث، وأنت نظام شمْل السرور، وكمال بهاء المجلس. فلا تخترِمْ ما به ينتظم سروري وبهاء مجْلسي.
كاتب: قد أهديت لك مودّتي رغبة، ورضيت منك بقبولها مثوبة، وأنت بالقبول قاض لحق، ومالكٌ لرقٍّ.
آخر: قلّ مَن يَضبِط مَن وجهه صُفرة الفرق، وحمْرة الخجَل، وإشراق السُّرور، وكمَد الحُزن، وسكون البراءة، واضطراب الرِّيبة.
قال بعضهم: كنت بحضرة عبيد الله بن سليمان، فوردتْ عليه رقعةٌ من جعفر بن محمد بن ثوابة نُسختُها: قد فتحتَ للمظلوم بابك، ورفعت عنه حجَابك، فأنا أحاكم الأيامَ إلى عدْلك، وأشكو صروفها إلى فضلك، واسْتجير من لؤم غلبتها بكرم قدْرتك وحسن ملكيتك، فإنها تؤخِّرني إذا قدِمَتْ، وتحرمني إذا قسَمَتْ، فإن أعْطت أعطت يسيراً، وإن أرتجعت ارتجعت كثيراً، ولمْ أشكها إلى أحد قبلك، ولا اعتمدتُ للانتصاف منها إلا فضلك، ولي مع ذِمَام المْسألة لك وحقِّ الظُّلامة إليك ذمام تأْميلك، وقدّم صدق في طاعتك. والذي يملأُ من النصفة يدي، ويفرغ الحق علي حتى تكون إلى محسناً، وأكون بك للأيام مقرفاً - أن تخلطني بخواص خدَمك الذي نقلتهم من حرِّ الفراغ إلى الشُّغل، ومن الخمول إلى النباهة والذكر، فإن رأيت أن تقرّبني فقد استعديت إليك، وتنصرني فقد عذت بك، وتوسع لي كنفك فقدْ أدَيْتُ إليه، وتَسِمَني بإحْسانك فقد عوّلت عليْه، وتسْتعمل يدي ولساني فيما يصلحان له من خدْمتك، فقد درست كتب أسْلافك، وهم القدْوة في البيان، واستضأْت بآرائهم واقتفرت آثارهم اقتفاً جعلني بين وحشي الكلام وأنسيّه، ووقفني منه على جادة متوسِّطة يرجع إليها الغالي، ويلحق بها للقصِّر التالي، فطتُ إن شاء الله.
قال فجعل عبيد الله يردّدها، ويستحسنها، ثم قال: هذا أحق بديوان الرسائل.
كاتب: كان لي أملان: أحدهما لك، والآخر بك، وأما الأمل لك فقدْ بلغته، وأما الأمل بك فأرجو أن يحققه الله ويوشكه.
آخر: ودّعتُ قلبي بتوديعك، فهو يتصرف بتصرِّفك، وينصرف بمنصرفك.
آخر: قد كنتَ لنكبات الدهر مستعداً، ولغدَراته متحرِّفاً، فهل زاد على أنْ صدقَك عن نفسه، وأتاك بما كنت علماً أنه يأتيك؟ فكيف تجزع وأنت تعلم أنه ليسَ لما وقع مَرَدٌّ ولا لمَا ذهب مرتجَع؟ تهنئة بابنْة: رب مكروه أعْقب مَسَرةً، ومحبةٍ أعقبت معَرةً، وخالق المنفعة والمضرة أعلم بمواضع الخيرَة.
آخر: إنه ليتربص بك الدوائر، ويتمنى لك الغوائل، ولا يؤمِّل صلاحاً إلا بفساد حالك، ولا رفعةً إلا بسقوط قدْرك.
فصل: حسر الدهر عن تجمُّلي قِناع القناعة، ولكنِّي مع الضمأ - عن دني الموارد - نافرٌ، ومع الفاقة بغنى النفس مُكاثرً.
فصل: من تهنئة بإملاك: وكيف يرتاع لهجوم غُرْبة، وأو يجاور توحُّش نُقلة مَن لم يقطعه اتصاله بي عنك، ولا باعده انتقاله إلي منك، فهو مخاطبٌ على البعد بألفاظك، مرموقٌ بالمرَاعاة من ألحاظك، غير نازح عما ألفه من عَواطف الولادَة، ورأفة التربية، وانبساط الأُنسة، والله يُسْعدها بمن سارتْ بها من وفدتْ عليْه، ويُريني من المحبةِ فيها مثلَ ما أرانيه من المحبة بها، وكيف يُوصَى الناظر بنوره، أم كيف يُحضُّ القلب على حفظ سروره.

ومثله لأبي إسْحاق الصابي، كتابه عن بختيار إلى أبي تغلب وقد نقل إليه ابنته: قد وجدت الوديعة، وإنما نقلتْ من وطن، إلى سَكن، ومن مَغرِس إلى مُعَرسّ، ومن مأوى ير وانعطافْ، إلى مَثوَى كرامة وألطاف، ومن مَنبِت درت لها نعماؤه إلى منشأٍ يجود عليها سماؤُه، وهي بضعةٌ مني انفصلتْ إليْك، وثمرةٌ من جَنَى قلبي حَصلتْ لديْك، ولا ضَياع علي مَن تصحبه أمانتك، ويشتمل عليْه حفظك ورعايتك.
فصل: إذا طلبْتُ عند غيرك مَا لُم أنلْ نلتُ منك مَا لمْ أطلبْ، وإذا عدمتُ عند سواكَ ما رجوتُ وجدتُ عندَك ما لم أرج، فاليأس من خيرك أنفع من رجاي لغيرك، لأنك لا تقول فتفعلُ، وغيْركُ يقولُ فلا يفعلُ، ولأنك تعتذرُ من الجزيل إذا امتن غيرك بالقليل.
فصل: مِلْكُ الأنعام أكرم من مِلْكِ الرِّق، ورق الحرِّ أفخر من رق العبد، لأن العبد يعطيك طاعتهُ كُرهاً، وضميره سواها، والحرُّ يبذلُها لك طوعاً، ويعتقد ظاهرها وفحواها.
كتب أبو النجم حبيب بن عيسى إلى عمرو بن مسعدةَ: ينبغي لمن علقتْه حبائلُك، وشقي بصُحبتك أن يكون له صبرُ أيوُّب، وعمر نوح، وكنوزُ قارون، ومُلكُ هارون، فيستعين بالصبر على ممَاطلتك، بالعُمِر على طول أيامك، وبالكنوز، على مواعدك، وبالملك على ما ينالُه من الذلِّ ببَابك.
كتب سهلُ بن هارون إلى ذي الرياستين: إلى اللازمنة فرجاً. فكن من وُلاة فرجها، ولأيامَها دُولا، فخُذ بحظك من دوَلْتك منها، ولدُولها أمْراً فتزود قبل أوان تصرُّمها، فإن تعاظمَك ما أنبأْتُك عنهُ فانظر في جَوَانبها تأْخذك الموعظةُ من جميع نواحيها، واعتبر بذلك الاعتبار على أنك مسلمٌ ما سلم إليكَ منها. قال: فكتب عهدهُ على فارس.
كتب بعضهم إلى الفضل بن سهل: يا حافظَ من يُضيعُ نفسه عنده، ويا ذاكر مَن ينسى نصيبه منْه، ليس كتابي إذا كتبتُ استبطاء، ولا إمساكي إذا أمسكتُ استغناءً، لكن كتابي تذكرةٌ لك وإمساكي عنك ثقةٌ بك.
وصف الحسنُ بنُ سهلٍ المحن فقال: معها تمحيصٌ من الذئب وتنبيهٌ من الغفْلة، وتعريضٌ للصواب بالصبر، وتذكيرٌ بالنِّعْمة، واستدعاءُ للتوبْة، وفي قدر الله عز وجَل وقضائه.
كتب أبو علي بُرْد الخيار بن مُقْلة إلى أبي الحسن بن الفرات اقتصَرت - أطال الله بقاء الوزير - عن الاستعطاف والشكوى، وحتى تناهت المحنةُ والبلوى في النفس والمال، والجنس، والحال إلى ما فيه شفاءُ للمنتقم، وتقويم للمجترم، وحتى أفضيتُ إلى الحيْرة والتبلُّد وعيالي إلى الهلكة والتلدُّد: وما أقولُ إن حالاً أتاها الوزيرُ - أيده اللهُ - في أمري إلا بحق واجب، وظن صادق غير كاذب، وإلا أن القُدرة تُذْهبُ الحفيظة، والاعتراف يزُيلُ الاقتراف. ورَبُّ المعروف يؤثرهُ أهلُ الفضْل والدين، والإحسانُ إلى المسيء من أفْعال المتّقين، وعلى كلِّ حالة فلي ذمامٌ وحُرمةٌ وتأْميلٌ، وخدمةً إن كانتْ الإساءةُ تُضيعُها، فرعايةُ الوزير - أيدهُ اللهُ - تحفظُها.
كتب بعضهم إلى آخر: أما بعدُ: فقد كُنْتَ لنا كلُّك فاجعل لنا بعضك ولا ترض إلا بالكُلِّ منَّا لك.
كتب يحيى بن خالد إلى الرشيد من الحبس: يا أميرَ المؤمنين، إنْ كان الذْنبُ خاصاً فلا تعمنَّ بالعُقوبة، فإن الله يقولُ: " ولا تزرُ وازرةٌ وزْر أخْرى " .
وجُد في كتاب لجعفر بن يحيى أربعةُ أسطر بالذهب: الرزقُ مقسومٌ، والحريصُ محرومٌ، والبخيلُ مذمومٌ، والحسودُ مَغْمومٌ.
قال منصورُ بنُ زياد. الكاتبُ: للمعلى بن أيُّوب: والله إني لأبذلُ، وإني لأقدر وإني لأختارُ، وإني لأستشير، وإني لأحب مع طيب لخير، وحسن المنظر، وإني لأعشقُ البهاء كما تتعشقُ المرآة الحسناءُ، وإني مع ذلك لأدخُل دارك فأحقر كل شيء في داري. فما العلةُّ؟ قال: أو ما تعلمُ؟ قال لا. قال لأني أقدَمُ عني منك.
كان نقش محمد بن داودَ الجرْاح: من نمٍّ إليك نمِّ عليك.
قال مسلم بن الوليد: سألت الفضل بن سهل حاجةً. فقال: أشوقك اليوم بالوعد، وأحْبوك غداً بالإنجاز، فإني سمعت يحيى بن خالد يقول: المراعيد شبكةٌ من شباك الكرام، يصيدون بها محامدَ الأحرار ولو كان المعْطي لا يَعدُ، لارتفعت مفاخرُ إنجاز الوَعْد، ونقَص فضل صدق المقال.

ووقَع الفضل إلى تميم بن مخرمَة الأمور بتمامها، والأعمال بخواتيمها، والصنائع باستدامتها، وإلى الغاية ما يجْري الجَواد، فهناك كشفت الخبرة قناع الشَّك، فحمِد السابق، وذمِّ السِّاقط.
كان يحيى بن خالد: يقول لسْتَ ترى أحداً تكبِّر في إمارة إلا وقد دَل على أن الذي نال فوق قدره، ولسْت ترى أحداً تواضع في الإمارة إلا وهو في نفسه أكبر مما نال من سُلطانه.
احتاج يحيى في الحَبْسٍ إلى شيء فقيل له: لو كتبتَ إلى صديقك فلان فقال: دعُوه يكن صَديقاً.
وحضر الفضل بن الربيع جنازة ابن حمدون بعْدَ نكبة البرامكة، فذكرَهم، وأطراهم، وقرظهم، وقال: كنا نعتب عليهمْ، فصرنْا نتمنِّاهمْ وتبكي عليهمْ، ثم أنشد متمثلاً.
عتبتُ على سلم فلَّما فقدْتُه ... وجريت أقواماً بكيت على سَلم
قال الفضل بن سهل: رأيت جملة السخِّاءِ حسن الظن بالله، وجملة البخل سوء الظنِّ بالله، وقال الله تعالى: الشيطان يعدُكم الفقرَ. وقال: " وما أنفقتم من شيء فهو يخلف " احتيج أن يكتب على المعتضد كتابٌ يشهد عليه فيه العُدول، وفلما عُرضت النسخة عن عبيد الله بن سليمان، وكان ابن ثوابة قد كتبها كما يكتب في الصكاك في صحة عقله، وجَواز أمْره له وعليْه، فضرَب عليْه عبيد الله وقال: هذا لا يجوز أنْ يقال للُخليفة، وكتب: في سلامة من جسْمه، وأصالة من رأيه.
قام رجلٌ إلى الرشيد يحيى بنُ خالد يسايره فقال: يا أميرَ المؤمنين أنا رجلٌ من المُرابطة وقدْ عطبتْ عابتي.
فقال: يعْطى ثمن دابّته خمْسمائة درهم. فغمزه يحيى، فلما نزل، قال يأبَهُ. أومأت إلي بشيء لم أفهمهُ.
فقال: يا أمير المؤمنين. مثلُك لا يجري هذا المقدارُ على لسانهِ، إنما يَذكر مثلُك خمسة آلاف ألفٍ إلى مائةِ ألف. قال: فإذا سُئِلتُ مِثل هذا، كيف أقولُ؟ قال: تقولُ: تُشتَرى له دابّةٌ: يُفْعَل بهِ ما يُفْعلُ بأمثاله.
لما صار نعيم بن حَازم إلى الحسن بن سهل أقبل يقول: ذنبي أعظمُ من المساء، أكثرُ من الماء.
فقال الحسنُ له: لا عليكَ. تقدمتْ لك خِدمة، وتوسّطت منك طاعةٌ وعقِّبتَ باعتذار، وما للذنبِ بين هذه مَقَر، وليس ذنبُك في الذنوبِ بأعظمَ من عفْو أمير المؤمنين في العفو، وأصلح أمره.
دخلَ الأصْمَعي إلى الحسنِ بن سَهْل فقال: يا أصمعي: ما أحْسنُ الكَلامِ؟ فقال: أصلح الله الأميرَ. ما فَهمتْهُ العامةُ، وقدمته الخاصة.
قال رجلٌ لعبد الحميد أخُوكَ أحبُّ إليكَ أم صديقُك؟ قال: إنما أحِب أخي إذا كان صديقاً.
قال ثُمامةُ: لما دخل الفضلُ بنُ سهل إلى الرشيد - وقد وصفهُ لهُ يحيى بنُ خالد - حضر فلم ينطق، فأنكر الرشيدُ ذلك، فقال: يا أميرَ المؤمنين: إنَّ من أبيْنَ الدلالةِ على فراهةِ الخادِم شِدّةُ إفراطِ هيبتهِ لسيده، فقال الرشيد: أحْسنت، إن كنت لتقولُ هذا، وإن كان هذا شيئاً أدركك عند انقطاعك، إنه لأحسنُ وأحسنُ وأحسنُ، ثم ضمهُ إلى المَأمون.
وقال الفضل بن سهل: الرأي يَسُدّ ثُلمَ السيف، والسيف لا يسُد تُلَم الرأي.
قال ابنُ الزيَّات الوزير: لا يتصورنًّ لك التواني بصورة التوكُّل، فتخلدَ إليه، وتُضيع الحْزمَ، فإن الله ورسوله أمرا بغير ذلك، قال الله تعالى: وشاروهْم فِي الأمر فإذا عزمْت فتوكل على الله، فجعل التوكل بعد العزم، والمشورةِ.
وقال النبي عليه السلام لصاحب الناقةِ: اعقلها وتوكّل.
قال رجلُ لعبيد الله بن سليمان: لو كان للوزير بي عنايةٌ ما كان علي نابي الطرف، ولا كنتُ من دركي منه على حرف، فقال عبيدُ الله: أيها الرجل. على رسْلِك، فعسى نظري لك في الإعراض عنك، ولعل اُستصلاحي إيُاك بالانقباض منك ثق باهتمامي بك إلى أوَان إسعافك، فإن تقربُّك إلي بتعريضكِ أجلبُ للنيل إليك مِن تباعدِك عني باقتضائك. وأعلم أني وزير.
وقّع ابنُ الزيات إلى بعْض عماله: توهمتُك شهماً كافياً، فوجدتك رسْماً عافياً، لا محامياً ولا واقياً.

أخبرنا الصاحبُ - رحمهُ الله - قال: أخبرنا عبدُ الله بنُ محمد الأيجي قال: أخبرنا محمد بن الحسن الأزدي. قال أخبرنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني قال: ورد علينا عاملٌ من أهل الكوفة، لم أر في عمال السلطان بالبصرة أبرَعَ منه، فدخلتُ مسلماً عليه. فقال: يا سجستاني مَن علماؤكم بالبصرة؟ قلت: الزيادي أعلمنا بعلم الأصمعي، والمازني أعلمنا بالنحو، وهلالُ الرأي من أفقهنا، والشاذكُوني من أعلمنا بالحديثِ، وأنا - رحمك اللهُ - أنسبُ إلى علم القرآن، وابن الكلبي من أكتبنا للشروط. قال: فقال لكاتبه: إذا كان غداً فاجمعهُم لي، قال: فجمعنا فقال: إيكم المازني؟ قال أبو عثمان: هانذا يرحمك الله، قال هل تجزئ في كفارة الظهار عتقُ عبدٍ أعورٍ؟ فقال المازني: لستُ صاحبَ فقه. أنا صاحبُ عربية، فقال: يا زيادي. كيف تكتبُ كتاباً بين رجل وامرأة خالعها على الثلاثِ من صداقها؟ قال: ليس هذا من علمي، هذا من علم هلال الرأي. قال يا هلالُ: كم أسند ابنُ عون عن الحسن؟ قال: ليس هذا مِن علمي، هذا من علم الشاذكُوني، قال: يا شاذكوني. من قرأ: " فتثبتُوا أن تصيبوا قال: ليس هذا من علمي: هذا من علم أبي حاتم. قال يا أبا حاتم: كيف تكتبُ كتاباً إلى أمير المؤمنين تصف فيه خصاصةَ أهل البصرة وما أصابُهم في الثمرة. وتسألُه لهم النظرَ والنظرة؟ فقلت: لستُ - رحمك اللهُ - صاحب بلاغة وكتابة: أنا صاحبُ قرآن. فقال: ما أقبحَ بالرجل أن يتعاطى العلم خمسين سنة لا يعْرف إلا فنَّا واحدا، حتى إذا سئل عن غيره، لم يُحل فيه ولم يُمِرّ، لكن عالمنا بالكوفة الكسائي لو سئُل عن كل هذا لأجاب.
قال يحيى بن خالد: ما رأيت شِريبَ خمر نزع، ولَّصا أقلع، وصاحب فواحشٍ رجع.
وقال: ما سقطَ غُبارُ موكبي على أحد إلا أوجبتُ حقَّهُ.
كتب أبو صالح بن يزدَاد إلى جعفر بن محمود: ما زلتُ - أيدَّكَ الله - أذم الدهرَ بذمك إياه، وأنتظر لنفسي ولك عقبَاه، وأتمنى زوَال حَال من لا ذنب له إلى رجاء عاقبةٍ محمودة، تكون لك بزوَالِ حالهِ، وتركت الإعْذارَ في الطلب على اختلال شديد إليه، وضنَّا بالمعروفِ عندي إلا عن أهله، وحبساً لشكري إلاّ من مستحقه.
فوقعَ جعفر: لم أوخر ذكرَك تناسياً لحقك، ولا إغفالاً لواجبك، ولا إرجاءً لِمُهمِّ أمرِك، ولكن يرقَبتُ اتْساع الحال وانفساحَ الأعْمال لأخصِّك بأسْناها خطراً، وأجَلِّها قدْراً، وأعْودِها ينفعٍ عليك، وأوْفرها رزقاً لك، وأقربها مسافةً منك، وإذا كُنت ممن يحفرُهُ الإعْجال، ولا يتسعُ له الإمُهال، فسأختارُ لك ما يشير إليه الوَقت، وأقَدمُ النظرَ فيه وأجعلُه أول ما أمَضيه.
قال الحسنُ بنُ سهل: لا يكسد رئيس صِناعة إلا في شر زمان، وأخس سلطان.
اعتل ذو الرّياستين بخُرَاسانَ مدةً طويلة ثم أبَلّ واستقلّ وجلس للناس فدخلُوا إليه وهنئُوه بالعافية، فأنصت لهمْ حتى تقضي كلامهم، ثم اندفع فقال: إن في العلل نِعماً لا ينبغي للعقلاء أن يجهلُوها، منها تمحيصٌ للذنب، وتعريضٌ لثواب الصبْر، وإيقاظٌ من الغفلةِ، وإذكارٌ بالنعمةِ في حال الصحة، واستدعاءٌ للتوبة، وحضًّ على الصدقةِ، وفي قضاء اللهِ وقدره بعد الخيارُ. فانصرف الناس بكلامه، ونسوا ما قال غيره.
كتب عَمْرو بن مسعدةَ: وأنا أحبُّ أن يتقَّررَ عِندك أن أملي فيك أبعد من أن أختلسَ الأمور اختلاس من يرى أن في عاجِلك عوضاً من آجلِك، وفي الذاهبِ من يومِك بدلاً من المأْمولِ في غدك.
كتبَ ابن الفراتِ على بن محمد، ومحمد بنُ داودَ، ومحمد بنُ عبدون رقُعةً إلى العباس بنِ الحسنِ الوزيرِ يستزيدون فيها، فوقع بخطٍ على ظهرها ما حالكم حال مستنيد، ولا فوق ما أنا عليهِ لكم مِن مزيد، فإن تكن الاستزادةُ من مال فهو موفورٌ عليكُم، وإن نكن من رأي فالأعمالُ لكُم، ولي اسْمها، وعلي عبُثُها، وثِقلُ تدبيرها وأقول لعلي بنِ محمد من بينكمْ: ما يطيقُ نفسه تدللا واعتداداً أمن بِؤُس كانت هذه الاستزادة أم من بطر النعمةِ، ودلالِ الترفة، ولي في أمرِ جماعتكم نظرٌ ينكشِفُ عن قريب، حَسْبي، وحسبكم الله ونعمَ الحسيبُ - .
قال عبيد الله بنُ سليمان: كنتُ أكتبُ بين يَدي أبي سليمان داودَ ابن الجراح فقال لي يوماً: أصلحْ قلمَكَ، وأكتب أطالَ اللهُ بقاءك، وأعزك، وأكرمَك، وأتم نعمتَهُ عليك، وإحسانه إليكَ.

كُتبتُ الوكيل - أعزك اللهُ متصلةٌ بشُكرك، والضيْعةُ ضيْعَتُكَ، وكلُ ماتيهَ في أمرِها فموقعهُ يحسنُ مني وشُكري عليْه يتضاعفُ، وخطاباً في هذا المعنى. وكانت هذه المخاطبةُ لا يخاطبُ بها إلا صاحبُ مصرَ أو فارس، فقلتُ: قد ابْتاعَ ضَيعةً بأحَدِ الموْضعين! ثم أصْلح الكتاب فقال: عنونْه إلى الرخجي وكان يتقلَّد النهرَوانَ الأوسط - ثم رمى إلى كتاباً لصاحبِ بريد، فقالَ: وقع عليه. أنتَ أعزّك الله تقفُ على ما تضمنُه هذا الكتابُ، ولئن كان ما تضمنُه حقاً لأفعلنَّ ولأصْنعنَّ.
وخطاباً أغلظ فيه، ثم قال: عَنْوِنه للرخجي فعجبت من الكتابيْن. وفطن لما في نفسي فقال: أظنُّك قد أنكرْت الخطابيْن. هذه غايتي خدَمْتُها وهذا حقُّ سلطاني استوفيتُه.
وقعَ أبُو صالح بنُ يزدادَ في وزارتهِ إلى عامل خافهُ: ليس عليك بأسٌ ما لم يكن منك يأسٌ وإلى آخر قد تجاوزتُ عنك وإن عدتَ أعدْتُ إليك، فاصْرفنهُ عنك. وإلى آخرَ أدلَّ بكفاية: أدْللت فأضللت فاستصْغرْ ما فعلت تَبلغ ما أملت.
خاصمَ أحمدُ بنُ يوسفَ رجلاً بين يدي المأمون وكان صفي المأمونُ إليه على أحمد فعرف أحمدُ ذلك: فقال يا أميرَ المؤمنين إنه يستملي من عينيك ما يلقاني به، ويستبينُ بحركتك ما تجُنهُ له وبُلوغُ إرادتك أحب إلي من بلوغ أملي ولذةُ إجابتِك أثُر لدي من لذة ظفري. وقد تركتُ لهُ ما نازعني فيه، وسَلمتُ إليه ما طالبني به. فكشر ذلك المأمونُ له.
كان أحمدُ بن يوسف يكتبُ بين يدي المأمون منهُ السكين فدفعَها إليه، والنصَابُ في يدهِ، فنظرَ إليه المأمون نظر مُنكر، فقال: علي عمْد فعلتُ ذلك، ليكون الحدُّ لأمير المؤمنين. فعجب الناسُ مِن سُرْعةِ جوابه وشِدة فِطنتِه.
قال إبراهيمُ بنُ لعباس: واللهِ لو وزُنت كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحاسن الناس لرجحَت وهي قولُه: " إنكُمْ لن تسعوا الناسَ بأموالكم فسعوهُم بأخلاقكُم " .
هذا أبو عباد كان كريمَ العهدِ، كثيرَ البذل، سريعاً إلى فعل الخير فطمسَ ذلك سوءُ خُلُقهِ، فما نرى له حَامِداً.
وقع ابنُ يزدَاد إلى عامل: ما بُين لنا منك حُسنُ أثر، ولا يأتينا عنك سار حبرٍ وأنت - مع ذلك دائباً - تمدحُ نفسَك، وتصف كفايتك والتصفحُ لأفعَالِكَ يكذبُك، والتتبُّع لآثارك يردُّ قولَك، وهذا الفعلُ إن اتكلتَ عليه، وأخلدتَ إليه، أعْلقكَ الذّمَّ، وألحقكَ العجز، فليكُن رائِدُ قولِك مصدِّقاً لموجودِ فِعْلِكَ إن شاء اللهُ.
قال أبو العْيناء: سمعتُ الحسن بن سهل يقولُ: كانَ أنُوشروانَ له أربعة خواتيمَ: خاتمٌ للخَراج، نَقشُه العدْلُ، وخاتمٌ للضّياه نقشهُ العمارةُ، وخاتمٌ للمعونةِ نقشُه الأناةُ، وخاتمُ للبريد نقشُهُ الرجاءُ، وما نحنُ مِن هذا في شيء.
اعتل بعضُ إخوان الحسن بن سهل، فكتب الحسنُ إليه: أجدني وإياك كالجسم الواحِدِ إذا خص عضواً منه ألمٌ عمَّ سائِرَه فعَافاني الله بعافيتِك وأدام لي الإمتاع بك.
كتب محمد بن عبد الملك الزيات إلى إبراهيمَ بن العباس الصُّولي: قلةُ نَظرك لنفسِكَ حرَمتك سَناء المنزلةِ، وإغفالُك حظَّك حَطَّكَ عَن أعْلى الدرجَة، وجهلُك بقدر النِّعْمةِ أحلَّ بكَ البأُس والنِّقَمةَ حتى صرتَ من قُوّة الألم معْتاضاً شِدّةَ الوَجَل، ومن رجاءِ الغدِ متعرِّضاً يأْسَ الأبَد، وركبتَ مطيَّة المخافةِ بعد مَجْلس الأمن والكرامةِ، وصرتَ معرَّضاً للرحمة بعدما تكنَّفتْك الغبطةُ. وقد قال الشاعر:
إذا ما بدأتَ أمرأ جاهلاً ... ببرٍّ فقصرَ عن جهلِه
ولمْ ترهُ قابلاً للجميل ... ولا عَرفْ الفضل من أهله
فسِمهُ الهوانَ فإن الهوان ... دواءُ لذي الجهل مِنْ جُهله
قد فهمتُ كتابك، وإغراقَك، وإطنابك، وإضافةً ما أضفتَ بتزويق الكتب بالأقلام، وفي كفاية الله غنى عنك يا إبراهيمُ، وعِوضٌ منك، وهو حَسُبنا ونعم الوكيل.
قيل ليعقوبَ بن داود: لم لا تسمع الغناءَ؟ قال: يحلّ عُقدةَ حلمي.

ذكر الفضل بن الربيع يوماً الأمين، فقال: ينام نومَ الظربَان، وينتبه انتباه الذئب. همَّتُه بطنُه ولذتُه فرجة لا يفكرِّ في زوال نعْمَة ولا يروي في إمضاء رأي ولا مكيدة، قد شمر له عبد الله عن ساقه، وفوق له أسَدًّ أسْهمه، يرميه على بُعد الدَّار بالحَتْف الفاقدِ، والإوت القاصدِ قد عبأ له المنايا على متُون الخيل، وناط له البلايا بأسنة الرماح وشِفار السُّيوف، ثم تمثَّل بشعر البعيث:
يقارعُ أتراكَ ابنِ خاقانَ ليله ... إلا أنْ يَرى الإصباحَ لا يتلعثم
فيصبح مِنْ طول الطَّرادِ وجسمه ... نحيل وأضحى في النعيم أصِمَّم
فشتَّان ما بيني وبين ابن خَالد ... أميةَ في الرِّزق الذي اللهُ يقسَّم
ثم قال يا أبا الحارث: ونحْنُ نجري إلى غاية إن قصرنا عَنها ذُممْنا، وإن اجتهدَنا في بُوغها انقطعْنا. وإنما نحنُ شعب من أصْل إن قوي قوينا، وإن ضعف ضعُفْنا. إن هذا الرجل قد ألقى بيده إلقاءَ الأمةِ الوكعاءِ، يُشاورُ النساءَ ويعْتزم على الرؤيا، قد أمْكن أهل الخسَارة واللَّهو من سَمْعه. فهم يمنُّونهُ الفوز والظَّفر ويعدونُه عقبى الأيام. والهلاكُ أسرع إليْه من السيل إلى قيعان الرَّمْل.
ذكر سليمانُ بن وهب أحمدَ بن أبي دَوْاد وإحسانه إليه حين نكبهُ الواثقُ، فقالَ لما جار علينَا بالنكبة الزمانُ، وجَفانا من أجْلها الإخوانُ، أنصفنا ابنُ أبي دواد مِنهم بتفضُّله، وكفانا الحاجة إليهم بتفقُّدِهِ، فكأنا وإياهُ كما قال الحطيئة.
جاورتُ أل مقلَّد فوجدْتُهم ... إذا لا يكادُ أخُو جوار يُحمَدُ
ايامَ مَن يُرِدِ الصَّنيعةَ يصْطِنعْ ... فينا ومن يُرد الزَّهادَة يزهدُ
كتب علي بنُ عيسى بن ماهان إلى الرَّشيد كتاباً يقولُ فيه: إنَّ البرامكة زنادقةٌ، وكان لهُ فيهمْ بُعْدُ رأى فدفع الكتاب إِلَى جعفر وقال علمني بقصده إياكم يزيل فاكتب بج فأجبه جواباً جميلاً، فقال جعفر: والله يا أميرَ المؤمنين، ما ندري على أي الحالتين نشكُرك؟ أعلى إعلامك إيانا بما كان، أم على تجاوزك عمَّا قال.
ثم وقَّع في كتاب علي بن عيسى: حبب اللهُ إليك الوَفاء فقد أبغضُتَهُ، وبغّض إليك الغدْر فقدْ أحبْبته إنا وإن جرَت الأمورُ بخلاف ما نحب منك فلن نبْعُد عمَّا نحبُّ لك، وفي كثير إحسانك عندنا ما يعفِّى على قليل إساءتك وقد نسينا هذه عن لمْ تذكِّرْناها بأخت لها. والسلام.
عتب أحمد بنُ خالد على أحمد بن هشام في أمر كان بينُهما فاعتذر إليه، فقال ابنْ أبي خالد: لا اقبلْ لك عُذراً حتى أتى إليك. فقال: والله لئن فعلت لا استعَدْيتُ عليْك إلا ظُلمك، ولا أطمعني فيك إلى بغْيُك.
قال الفضلُ بن يحيى لبعض المتحرِّمين به: أعتذر إليك بصالح النية، وأحتجُّ عليك بغالب القضاء.
وكتب إلى عامل له: بئسَ الزادُ إلى المعاد العدوانُ على العباد.
وقال لرجلٍ استْبطأ عنْدَهُ الرشيدَ - وكان منْ أهل بيْته - إنَّما شغلَ عنك أميرَ المؤمنين حُقوقُ أهل الطاعة دونك، ولو قد فرغ فيهمْ إليك لم يُؤثر مَن دونك عليك. فقام أبوه يحيى، فقبَّل رأسَه.
كتب محمدُ بن عبد الملك إلى عبد الله بن طاهر: لو لم يْكن من فضل الشُّكر إلا أنَّه يُرى بين نعمة مقصورة عليه أو زيادة منتظرة، فقال: عبدُ الله لكاتبه: كيف ترى. مَسْمع هاتين الكلمتين؟ فقال: كأنهُمَا قُرْطان بينهما وجَهٌ حسنٌ.
رَقع جعفرُ بنُ يحيى على ظهر كتاب لعلي بن عيسى: حبب الله إليك الوفاء - ياخي - فقد أبغضته، وبعض إليك الغَدْر فقد أحببته. إني نظرت في الأشياء لأجدَ فيها ما يُشبُهكُ. فلما لمْ أجدْ رجتُ إليك فشَّبهتُك بك. ولقد بَلغ من حسْن ظنك بالأيَّام أن أمنت السلامَة مع البغْي، وليَس هذا من عَادتِها.
قال يحيى بنُ خالد: ذُلُّ العَزْل يضْحَكُ مِنْ تيهِ الولاية.
وقال الفضلُ بنُ مروان: إنَّ الكاتِب مثلُ الدُّولاب إذا تعطَّل تكَّسرَ.

قال المأمونُ لأحمدَ بن يوسُف: إنَّ أصْحَاب الصَّدقاتِ تظلموا مِنْك، فقال: يا أميرَ المؤْمنين والله ما رضى أصحابُ الصدقاتِ عنْ رسول اللهِ صلى الله عليهُ وسلَّمَ حتى أنزل اللهُ فيهم: " ومنهمْ مَن يَلمزُك في الصَّدقات فإن أعْطُوا منها رضوا، وإن لمْ يُعْطَوْا منها إذا همْ يسْخطون فكيف يرضوْن عني؟ فاسْتضْحك المأْمونُ، وقال لهُ: تأمَّل أحُوالهُم، وأحْسن النَّظرَ في أمرهمْ.
قال أحمد بن الخصيب للمنتصر: يا أميرَ المؤمنين: إنَّ الناسَ قد نسبوا إليك ما نسبوا واستفَظعوا ذلك، فأنت كما قال الشاعر:
وذنبي ظاهرٌ لا ستر عنهُ ... لطالبه وعذري بالمغيبِ
فأحسنْ إلى الناس يُحبُّوكَ، وأفْشِ فيهْم العدْل يحمدوك، ولا تُطْلِق لغيرْك عليهم لِساناً ولا بداً فيَذمُّوك.
قال أبُو عبَّاد. ما جَلَسَ أحدٌ بين يدي إلا تمثَّل لي أني سأجلس بين يدْيِه.
قال الحسنُ بنُ وهب: كاتب رئيسَكَ بما يستحقُّ. وما دونك بما يستوجب، وكاتب صديقك كما تكاتب حبيبَك، فإنَّ غزل المودَّة أدقُّ من غزل الصَّبَابة.
قال إبراهيُم بن العباس: السلطان كالثعبان ونعم الرُّشا ألذُّ شيءٍ.
قال عبيد الله بن سليمان: أستؤذن لنجاح بن سلمة عَلي أبي، وكان بينهما ذلك التباعدُ فقال أبي: يا بني تفقَّدُه إذا دَخل، فانظر، فإن نظر إلى ما بين يديه فلم يأْت لخلَّة. وإن نظر إلى السَّقف، فعرفنا ما عنده.
كتب كاتبٌ لرجاء الحصَارى كتاباً عنه فلمَّا عَنونه، كتب مِنْ أبي فلان. فقال له رجاءٌ: لمَ كنيت: من أبي؟ فقال: هَو أجلُّ لك. والسلطان إذا عظم قدْر رجل ذكره بالكنية فيكفي ذلك الرّجل. فقال له: السُّلطان أولى بما يفعله، ولكنَّك نسْبتني إلى أسفلَ، وإنما ينتسب الناسُ إلى فوقَ. ويحك؟ كل شيء تضمُّه إلى أب وابن فإنِّما تذكُره للتعريف، ولأنْ أعرف بأبي أحبُّ إلي من أن أعرَف بابْني. أكتب من فلان ابن فلان.
وَلي الرشيدُ عاملاً خراجَ طَساسيج السَّواد، فقال لجعفر ويحْيى: أوْصياه. فقال جعفرٌ: وفِّرْ واعْمُر. وقال يحيى: أنصِفْ وانتصف. وقال الرشيدُ يا هذا: أحْسِنْ واعْدل. ففضَّل الناسُ كلام الرَّشيد. فقيل لهما: لمَ نقصَ كلامكما عن كلامه؟ فقال جعفرٌ: لا يعتدُّ هذا نقصاناً إلا مَن لا يعرف ما لنا وما عَلينا. إنما أمَرْنا بمَا عليْنا أن نأْمَر به، وأمير المؤمنين بما له أن يأْمرَ به؟ قال رجلٌ ليحيى بن خالد - وكان مِنْ صنائعهِ: إني سمعتُ الرشيدَ وقد خرجتَ من عندهِ يقولُ: قَتلنِي اللهُ إنْ لمْ أقْتلْك، فاحْتلْ لنفِسكَ. فقال: اسْكُتْ يا أخي، إذا جاءَ الإدبارُ كان العطبُ في الحيلةِ.
وأمَرَ يحيى كاتبيْن من كُتَّابهِ أن يكتُبَا كتاباً في معنى واحد، فكّتبا، واخُتصَر أحدهُما، وأطَال الأخُر، فلّما قرأ كتاب المختصِر، قال: مَا أجدُ مَوْضع مَزيد. ثم قرأ كِتاب المطيلِ، فقال: مَا أجدُ موضِع نُقْصان؟ اعتذر رجلٌ إلى أبي عبد الله، فلما أبْرم قالَ: ما رَأيتُ عُذْراً أشْبَه باسْنِنان ذنبٍ من هذا.
قال بعضُهم الإبنِ الزياتِ: أنا أمت إليك بجِوَاري لك، وأرغبُ في عَطفك. فقال: أمَّا الجوارُ فنسبٌ بني الحِيطانِ، وأمّا العَطفُ والرقةُ فهُما للصبيانِ والنساء.
وناظَره رجل فصَالحهُ على مال، فقال له: عجَّل به. فقال الرجلُ.. أظُلمّ وتعجيلٌ؟ قال: فصُلحٌ وتأْجيل؟ قيل ليحيى بن خالد: غيِّر حاجَبك. قال: فمْن يعرف إخواني القُدماء؟

قال عُبيد الله بن عبد الله بن طاهر: أتاني كتابُ المعْتز، وكتابُ أحمدَ بن إسْرائيل. مَع رسول، ومعهُ رأس بغُا. وفي الكُتُب أن أنصِّبَهُ عَلى الجانبين، فلمْ أفَعل وكتبتُ إلى أحمدَ بن إسرائيل: قد أوجَب اللهُ علي نُصح أمير المؤمنين من جهاتٍ: مِنها مَا تقتضيِه الدِّيانةُ، وتوجُبُهُ الإمامةُ، ومنْها اصطناع آبائه لخدمهمْ من أسْلافي، ومنها اختصاصه إياي بجميل رأيهِ، ومع هذا فلمْ أكْن لأوخّر عَنك رأياً مع ما أنا علية من المناصَحةِ والشُّكر. وإنّ الكُتُب وردت علي بنصب رأسِ بُغا في الجانِبيْن، وقد أخرت ذلك حتى يعودَ إلى الأمرُ بما أعملُ عليْه وبُغا فقدْ علمْتُ أنَّه عَدَوُّ أمير المؤمنين وعدوّك وقد أراحَ اللهُ منهُ حيثُ لم تتَهمْوا فيه، وأخافُ أن تتبعَكُم الأتراكُ عند أوَّل شَغْبة به، ويطالبوكم بدمِهِ. ويجعلُوا ذلكِ ذريعةً إلى إيقاع سُوءٍ، وكان الصَّوَابُ عندي أن يغسِلهُ أميرُ المؤمنين ويُصَلِّي عليْه، ويدفنهُ ويُظهر حزناً، ويقول: ما أحِبُّ أن يصَاب صغيرٌ مْنكم ولا كبيرُ، وقد غمَّني أمْرُ بغا ولو وَصَل إلى لزدتُ في مرتْبِته، وما يُشبهُ هذا.
فوردَ على كتابُ أحمد بن إسرائيل يشكُر ما كان مني ويحلف أنَّهُ سبقني إلى هذا الرأي، واجتهدَ فيهِ، فما أمْكنه إلا أن يفعل ما فعَل، ولمْ يقبلْ قوله. وفي آخر كتابه. واعلمْ أنَّه قد حدث بعدَك وهو مما لا نعْرفُه نحنُ، ولا أنت - رأيٌ للحُرَم والخدَم يُقبَل ويعملُ عليه، وهذا فتح للخطأ وإغلاقُ للصوَّاب فانصب الرأسَ قليلاً، ثُمَّ أنفِذهُ إلى خراسَان.
كُتب إلى جَعْفر بن يحيى أنَّ صَاحب الطريق قَدْ اشتطّ؟َ فيما يطلبُ من الأموال، فوقّع جعفرٌ: هذا رجلٌ منقطعٌ عن السلطان، وبين ذُؤبانِ العَرَب، بحيث العددُ والعُدَّةُ، والقلوب القاسيةُ، والأُنوفُ الحميةْ، فليُمدَدْ من المال بما يستصلح به من معه ليدفع به عدوَّه فغن نفقاتِ الحروب يُستَظهرُ لها ولا يُستظهرُ عليها.
وأكثر الناسُ شكيةَ عاملٍ فوقع إليه في قِصَّتهم يا هذا قد كثر شاكُوك، وقلَّ حامِدوك، فإمِّا عدلتَ إمِّا اعتزلتَ.
وكان يقول: إن قدرتُم أن تكُون كتبُكُم كلّها توْقيعات فافعلوا.
كتب الفضلُ بنُ سهل في كتاب جواب ساعٍ: ونحن نرى أنَّ قبول السِّعاية شرٌ من السعاية، لأنّ السعاية دلالةٌ، والقبول إجازةٌ، فاتقوا الساعي فإنه لو كان في سعَايته صادقاً لكان في صدقِه لئيماً، إذْ لم يحفَظ الحرمة ولم يسْتُر العورة.
كان يحيى بنُ خالد يقول: مَن تسبَّب إلينا بشفاعة في عَمَل فقدْ حلِّ عندنا محلَّ من ينهضُ بغيرِه، ومن لم ينهض بنفسهِ لمْ يكن للعمل أهلا.
قال ثُمامة: كان جعفر بن يحيى أنطق الناس، قد جمع الهُدوَّ والتمهُّل والجَزالة، والحلاوة، وإفهاماً بُغنيه عن الإعادة، ولو كان في الأرض ناطقٌ يستغني بمَنطقهِ عن الإشارة لاستغني جعفرٌ عن الإشارة كما استغنى عن الإعادة.
وقال مرة: ما رأيتُ أحداً كان لا يتحبَّسُ، ولا يتوقَّفُ، ولا يتلجْلج، ولا يرتقبُ لفظاً قد استدعاه من بُعْدٍ، ولا يلتمس التخلُّصَ إلى معنى قد تعصى عليه، بَعْد طلبهِ له: مِن جعْفر بن يحيى.
وقال: قُلتُ لجعْفر ما البيانُ؟ قال: أن يكون الأسم يُحيطُ بمعناك، ويُجلِّي عن مغزاك، ويُخرجه من الشّركة، ولا تستعينُ عليه بالكفرة. والذي لا بد منه أن يكون سَليماً من التكلف بعيداً مِن المنعة، بريئاً من التعقد، غنياً عن التأْويل.
قال الجاحظُ: هذا هُو تأْويلُ قول الأصْمعي: البليغ مَن طبَّق المَفصِل، وأغناك من المقسّر.
كتب يحيى بنُ خالد إلى بعضهم: قد حملَّتُ حَاجتي فلاناً لا لأنَّ شُكري ضعُف عن حَبْل أياديك، بل أحبْبتُ أن يكون لي أعوانٌ على شُكرك وشهودُ على فضلِك.
وقال لأبنْهِ. جعْفر: يا بُني، ما دَام قلمُك يعرفُ فأمْطِرهُ معروفاً وكان يحيى يقول: كيف يلام الملوك على ما يفعلون؟ وإذا أساءُوا وجدوا مَنْ يُزيِّن لهم سُوءَ ما يعملون، ويزكي ما يفْعلُون؟ وقال الفضلُ بنُ يحيى: الصبرُ على أخ تعتِبُ عليْه خيْرٌ من أخ تستأْنِفُ مودَّته.
وقال أحمدُ بنُ يوسف: لا تجوزُ قطيعةُ الصِّدِيق، ولا يُحمَلُ الأمر فيها إلا على واحدٍ من اثنين ليسَ في واحد منهما عُذْرٌ: إمَّا سُوءُ اختيار في نفسِ الصَّداقةِ أوْ ملالٌ.

قال أبو الحسين بنُ سَعْد: كنتُ بين يدي علي بن عيسى الوزير، فرأيتُ له أقْلاماً رديَّةً البري، فأصْلحتُها، فقالَ: يا أبَا الحُسْين. عليك بالكتابةِ فهذهِ تجارةٌ.
قال الفضلُ بنْ سَهْل: مَنْ أحَّب الازديادَ من النعمةِ فليشكرْ، ومَنْ أحَبَّ المنزلة عند سَلُطانهِ فلْيكْفهِ، ومن أحبَّ بقاء عِزّة فليُسقِطْ الدَالة. ومن أحب السَّلامة فليلزم الحذر؟
الباب الثامن
نكت مستحسنة للقضاءقال شُريح: إنَّا لا تَعِيبُ الشهودَ، ولا نلقِّن الخصومَ، ولم نُسلَّط على أشْعاركم وأبْشاركم، إنما نَقْضي بينكم، فمن سَلَّم لقضائنا فَيِها، ومَنْ لا، أمَرنْا به إلى السّجن.
كتب الفضلُ بن الربيع إلى عبدِ الله بن سوَّار يسألُه أن يشتري له ضيعةٌ فكتب إليه: إن القضاء لا يُدنَّس بالوَكالة.
قال الزّهري: ثلاثٌ إِذَا كُنَّ في القاضي فليسَ بقاض إذا كره اللَّوائَم، وأحبَّ المحامد، وكَرهَ العَزْل.
قال أيُّوب: إن مِن أصحابي مَنْ أرجو دعوتَه، ولا أجيز شهادَته.
وقال سوَّار: ما أعُلمُ أحداً من أصحابي أفضلَ من عَطاء السُّلمي، ولو شَهد عنْدي علي فَلْسين ما أجَزْتُ شهادتَه - يذهبُ إلى أنَّه ضعيفٌ ليسَ.
وكان أبو هريرة لا يُجوِّز شهادةَ أصحاب الحمير.
وسُئل قتادة عن شهادة الصَّيرفيَّ.
فقال: لا تَجوز شهادتُه.
ولِيَ عبيدُ الله بنُ أبي بكرة قضاءَ البصرة فجعل يُحاني الناسَ فقيل له في ذلك، فقال: وما خيرُ رجل لا يقطعُ لأخيه مِن دينه؟ قال شريح: الحِدَّةُ كنيةُ الجهل.
قال ابنُ شُبُرمة لرجل: أتشربُ النبيذَ؟ قال: أشربُ الرِّطلين والثلاثة فقال: والله ما شربته شُرب الفِتْيان، ولا تركتَه ترك القُرآن وقيل لهُ: لم تركت النبيذ؟ فقالَ إن كان حلالاً فحظي تركتُ، وإن كان حراماً فبالحزم أخذتُ.
وسُئل شَريكٌ عَن النبيذ. فقال: قد شربه قوم صالحَون يُفتدى بهم فقيل: كَمْ أشربُ؟ قال: مَالا يشْرَبُك.
لما ولي يحْيى بنُ أكثم قضاء البصْرة استصغروا سنْهُ، فقال لهُ رجلٌ كمْ سنُّ القاضي أعزَّهُ الله؟ فقال: سِنُّ عتاب بن أسِيْدِ حين ولاهُ. رسولُ الله صلى الله عليهِ وسلم مكة، فجعل جوابه احتجاجاً.
ساوَم عُمرُ بنُ الخطّاب أعْرابيَّاً بفرس له فلمَّا قامَت عْلى ثمن أخذها منهُ عمرُ أنهُ فيها بالخيار، إن رضى أمْسَك، وإن كره ردَّ، فحمل عُمَرُ عليْها رجلاً يُشوِّرُها فوقعتْ في بئر فتكَّسرت، فقال الأعرابي ضمنت فرسي يا أميرَ المؤمنين، قال: كلاَّ، فإني لمْ أرْضها. فقال الأعرابي فاجْعل بيني وبينك رجُلاً من المسلمين. فجعلا بينهمَا شريحاً، فقصَّا عليهِ القصَّة، فقالَ شريحُ ضمِنْت يا أميرَ المؤمنين فرسَ الرجُل، لأنك أخذتَها على شيءٍ معْلُوم، فأنت لها ضامِنٌ حتى تردَّها عليْهِ، فقبل ذلك عمر، وبعث شريحاً على قضاء الكوفةِ.
سئل شريكٌ عن النبيذِ. فقال: اشربْ مِنْهُ ما وافقك، ودَعْ منهُ ما جنى عليك، وذُمَّه إذا ذمَّهُ الناس، ولا نْصرُهُ، فبئْسَ المنْصورُ، واللهِ.
سئل الشَّعْبيُّ عَنْ مَسْأَلة فقال: لا عِلمَ لي بها. فقيل: لا تستحي؟ قال: ولم أسْتحي ممَّا لم يستحي منهُ الملائِكُة حين قال: " لا علمَ لنا إلا ما علَّمْتنا؟ كان شريحٌ يقولُ: مَنْ سأل حاجةً فقد عَرض نفسه على الرق فإن، قضاها المسئولُ استبعدَهُ بها، وإنْ ردَّه عنها رجع حُراً، وهُمَا ذليلان: هذا بذُلِّ اللُّؤم، وذاك بذُلِّ الرَّدَّ.
قال بكارُ بن محمد رأيتُ سَوار بن عبد الله - وأراد أن يحكمَ فرفع رأسَهُ إلى الَّسماء وترقْرقتْ عيناهُ ثمَ حكم.
وكتب إليه المنصور في مَال كَانَ له على سلمة بن سَعيدِ: لماَّ مات سَلمةُ وكان عليه دَيْن للناس وللمنصُور، وكتب إليه: استوفِ لأمير المؤمنين دَيْنه، وفرق ما يبقى الغُرمَاء. فلم يلتفِتْ إلى كتابه، وضرَب للمنصور بسهم في المال كما ضرب لواحد من الغُرمَاءِ ثم كتب إليهِ إني رأيتُ أميرَ المؤمنين غريماً من الغُرماء. فكتب إليه: ملِئتِ الأرض بك عَدْلاً.

قال الهيْثم: ما رأيتُ ابن شُبْرمَة قطُّ. إلا وهُو متهيئٌ، كأنه يُريد الرُّكوب، فذٌكرَ لك لهُ - وأنا حَاضِرٌ - فقال: إنَّ الرَّجل لا يستجمعُ له رأيه حَّتى يجْمَع علْيه ثيابَهُ، ثم قال: إنَّ رجلاً من الحي كان له شرفٌ، قال لدَهْقان الفلّوجة يا هذا؟ إنما رُبَّما انتشرَ على أمرئ في الرأي، فهلْ عِنْدَك مشهورةٌ؟ قال: نعمْ احْتبِ وتهَّيأْ، والبَسْ ثيابك، ثم اهمُمْ بما تريد فهو اجمع لرَأيك، فليسَ مِنْ أحد يفعلُ مثل ذلك إلا اجتمع لهُ رأْيُهُ.
قال الحسنُ بنُ قحْطبة: دخلتُ على المهدِي نفسهِ وقدْ دخل شريكٌ فسلّم فقال: لا سَلَّم اللهُ عَليْك يا فاسِقُ. فقال شريكٌ: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ الفاسِق علامات تعرفُ: شرب الخمور، واتخاذ القينات والمعازفِ، قال: قتلني اللهُ إن لم أقتلْك. قال: ولِمَ يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيتُ فِي المنام كأنِّي مُقبلٌ عليْك أكلِّمك وأنت تُكلِّمُنِي مِن قفاك. فقال لي المعبِّر: هذا رجلٌ يَطأُ بِسَاطك وهو مُخالِفٌ لك. قال شريك: إن رؤْيَاك ليست برؤْيا يوسف بن يعْقُوب. وإنَّ دِمَاءَ المسلمين لا تُستحلُّ بالأحْلام. فنكّسَ المهديُّ رأسَهُ، ثم أشار إليه: أنِ اخُرجْ، فخرجَ وخرجتُ خلفه. فقال لي: أمَا رأيت ما أرادَ صاحبُك أن يفْعَل؟ فقلْتُ: اسكُتْ فلِلَّهِ أبُوك!! قال ابن شُبْرمُة لإياس بن معاوية: شكلي وشكلُك لا يتفقان: أنت لا تشْتهي أن تسْكُت، وأنا لا أشتهي أنْ أسْمَع.
كان طارقٌ صاحبَ شرطةِ خالدِ بن عبد اللهِ القسْري، فمرّ بابنِ شُبْرُمَة وهو في موْكبِه. فقال ابنُ شُبرمة: سَحابةُ صَيف عن قليل تقشَّعُ اللهُمَّ لي ديني ولهُمْ دُنْياهُم. فاستعْملَ ابن شبرمة بعد ذلك القضاء. فقال له ابنهُ أتذكر قولك يومَ مرِّ طارقٌ في موْكبهِ؟ فقال: يا بُنَّي إنهمُ يجدُون مثل أبيك، ولا يجد مِثْلهُمْ أبُوك، إن أباكَ أكل منْ حلوائِهم وحُطَّ في أهْوائِهم.
قِيلَ لشريك: أكان مُعاوِيةُ حليماً؟ قال: لو كان حليماً ما سفَّهَ الحقَّ، وقاتل علياً.
وقال: لو كان حليماً ما حملَ أبناءَ العَبيد على حُرَمه، ولمَا أنْكح إلاَّ الأكْفاءَ.
قالوا: وأصوبُ مِنْ ذلك قولُ الآخر: كان معاويةُ يتعرَّضُ ويحلُم إذا أسْمع، ومَن تعرَّض للسَّفه فهو سفيه.
قيل للشعبيِّ: ما أحسنَ البراعة في الإماءِ! فقال: تورُّد ماءِ الحياء في وجه الحُرِّ أحسنُ.
دخل شريحٌ على بعض الأُمراء، فقال الأميرُ: يا جارية، هاتي عوداً. فجاءته بعُود يضرب. فلما بصُر به الأميرُ خَجل، وقال: نِعْم هذا أُخذ البارحة مع إنسان في الطَّوف. اكسروهُ. ثم صبر قليلاً، وقال: يا جاريةُ. هاتي عوداً للبخورِ. فقال شُرَيح: أتخافُ أن تغلطَ مرةً ثانيةً؟؟ شهد رجلٌ من جلسان الحسن بشهادة عند إياس بن معاوية، فردّه، فشكا الرجلُ ذلك إلى الحَسن. فأتاه الحسن فقال: يا أبا واثِلةَ، لم ردَدْتّ شهادة فلان؟ فقال: يا أبا سعيد، إن اللَّهَ يقول " مِمَّن ترضوْن مِن الشهداء " وليس فلان مِمّن أرضى.
وشهد عند عُبيدِ الله بن الحسن رجلٌ من بني نهْشل على أمر، فقال له: أترْوي قول الأسْود بن يعْفر: نام الخلِيُّ فما أحِسُّ رُقادي فقال له الرجل: لا. فقال: تُردَّ شهادتُه. وقال: لو كان في هذا خيرٌ لروَى شرف أهلِه.
جاء رجلٌ إلى شريح فكلَّمه بشيء، وأخفاهُ. فلما قام قال له رجل: يا أبا أميَّة، ما قال لك؟ قال: بابن أخي. أو ما رأيته أسَّرهُ منك؟ كان شريح عند زياد - وهو مريض - فلمَّا خرجَ مِن عنده أرسل إليه مسروقُ بنُ الأَجدع رسولاً وقال: كيف تركت الأميرَ؟ فقال: تركتُه يأْمُر وينهى. قال مسروق: إنه صاحب عويص، فأرجع إليه وأسأَلْهُ: ما يأْمر وما ينهى؟ قال: يأْمُر بالوصية وينهى عن النّوْح.
ومات ابنُ لشريح فلم يشعر بموته أحدٌ، ولم تصرخ عليه صارخةٌ، فقيل له: يا أبا أميّة، كيف أمسى ابنُك؟ قال: سكن علزه ورجاهُ أهله. وما كان منذ اشتكى أسكن من الليلة.
حكى عن الشعبي أنه قال: شهدتُ شريحاً، وجاءته امرأةٌ تخاصم زوجَها، فأَرسلتْ عينيها، فبكت. فقلتُ: يا أبا أميَّة، ما أظن هذه البائسة إلا مظلومةً.
فقال: يا شعبيُّ، إن إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاءً يبْكُون.
كان شريح إذا قيل له: كيف أصبحْت يا أبا أميَّة؟ قال: أصبحتُ ونصفُ الناس غضابٌ.

تقدم إلى شريح قومٌ فقالوا: إنَّ هذا خطب إلينا فقلنا له: ما تبيعُ؟ فقال: أبيع الدوابَّ. فزوَّجَّناه، فإذا هُو يبيعُ السنانيرَ. قال: أفلا قلتُم له: أيَّ الدواب من الدَّواب؟ وأجاز النكاح.
قال الشعْبيُّ: كان شريحٌ: يقولُ: إياكُمْ والجوابَ، فقُلنا له يا أبا أميَّة. إنَّك لتكُثِر مِن هذا. قال: قد آن لكُم أن تَسلْوني.
تقدمَ إلى رجلان، فأكثرَ على أحدُهما، فقلتُ: أظنُّك ضعيفاً؟ قال: ما عَلي ظنِّك خرَجتُ مِن أهلي، فكرهتُ أن يجيء منه غيرُ هذا فكففتُ عنه.
أتى عَدي بنُ أرطاة شريحاً ومعهُ امرأةٌ له من أهل الكوفة يخاصِمُها، فلما جَلس بين يدي شريح. قال عدي: أين أنت؟ قال: بينك وبيني الحائظِ. قال إني امرؤ من أهل الشَّام. قال: بعيدٌ سحِيق. قال: وإنِّي قدِمتُ العراق: قال: خيرَ مَقْدم.
قال: وقد تزوّجتُ هذه المرأة. قال: بالرِّفاءِ والبنين. قال: وإنَّها ولدتْ غُلاماً.
قال: ليْهنِك الفارسُ. قال: وقد أردتُ أن أنقلها إلى داري. قال: المرء أحقُّ بأَهله.
قال: قد كنتُ شرطْتُ له دارها. قال: الشرطُ. أمْلكُ. قال: أقض بيْننا. قال: قد فعلتُ.
قال: فعلى مَن قضيت؟ قال: على ابنِ أمِّك.
انصرف شريحٌ يوماً مِن مجلس القضاءِ، فلقيهُ رجلٌ، فقال: أمَا حان لك يا شيخُ أن تخاف الله وتستحي،؟ قال: ويلك! مِن أي شيء؟. قال: كبرت سنُّكُ، وفسَد ذِهنُك، وكثرُ نِسيانُك، وادّهن كاتبك وارتشي ابنُك، فصارت الأُمُورُ تجوزُ عليك. فقال: لا واللهِ لا يقولها لي أحد بعْدَك. واعَتزل عَن القضاءِ، ولزمَ منِزله: قال الشَّعْبي: أصاب متأَمِّلٌ أوْ كادَ، وأخطأَ مُسْتعجلٌ أو كاد.
كان شريحٌ في منزل القَضاءِ، فَنظرَ إلى رجل من أعوانه قائِمٍ، فضحك فقال: أتضحك؟ ويلك، وأنَا أتقلَّبُ بَيْنَ الجنَّة والنار.
أقام رجلٌ شهوداَ عند شريح فاستَحلَفه، فتلكَّأ، فقال له: ساء ما تثنى على شهودك.
وقضَى شريحٌ بالكوفة ستين سنة، ولاه عمرُ بن الخطاب، وبقي إلى أيام الحجاج.
كان رجلٌ يقال له خُنَيْس يجلس إلى الشعْبي، فتحدَّث الشَّعْبيُّ يوماً، فقال له خنيسٌ: أتَّق الله ولا تكذب. فقال له الشعْبيُّ: ويحكَ يا خُنَيس ما أحْوجَكَ إلى مُحَدْرَج شديدِ الفتل، ليِّن المَهزَّة، عظيم الثمرة، قد أخذَ مِن عَجْب ذَنَب إلى مغرز عنُق، فيوضَعُ على مِثل ذلِك منكَ، فتكثرُ له رقصَائُك من غير جَذل، قالَ: وما هو يا أبا عَمْرو؟ قال: هو والله أمرٌ لنا فيه أرَبٌ، ولَكَ فيه أدبٌ.
كان لشريح حائِط مائِلٌ، فقال له جارٌ له: حائطُكَ هذا مائِلٌ. قالَ: لا تُفَارقني أو يُنْقَض. قال: فنقضَهُ مِن ساعته.. فقال الرجلُ: لا تعْجَل يا أبَا أمية. فذاكَ إليْكَ. قال: بعْد أن أشْهدتَ علَّي؟ قال الشعبْي: وجَّهني عبد الملك بنُ مروان إلى مِلك الرُّوم، فلماَّ قدِمتُ عليه ودَفعْتُ إليه كتاب عبد الملك جعل يُسائِلُني عن أشياءَ، فأُخبرُهَ بها، فأقمتُ عنده أياماً، ثم كتب جوابَ كتابي، فلمَّا انصَرفتُ رفعتُه إلى عبد الملك فجعل يقرؤه، ويتغَّير لونُه، ثم قال: يا شعْبيُّ: علمتَ ما كتب الطاغيةُ؟ قلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ. كاتب الكتُبُ مختومةً ولم لْم تكُن مختومةً ما قرأتُها. وهي إليكَ. قال: إنه كتبَ: إنّ العجبَ من قوم يكُونُ فيهم مثلُ من أرَسَلتَ به إلىَّ فيملِّكون غيْرهُ. قال: فقلتُ: يا أمير المؤمنين، ذاك لأنَّه لم يركَ. قال: فَسرِّىَ عنه، ثم قال: حسدني علْيكَ، فأرادَ أن أقْتلك.
سأل رجلٌ الشَّعْبيَّ، قالَ: أتَشْرَبُ نبيذَ الجرِّ الأخْضر؟ قال: نعمْ، وأشربُ نبيذ الدَّن.
سأل رجلٌ الشعْبيَّ عن رجل لَطم عيْن رجل فشرقتْ أوْاغرَوْقت: متى تقاد منها.
قال الشعبي: قدِمتُ على عبدِ الملك، فما رأيتُ أحسن حديثاً مِنْه إذا حدَّثَ، ولا أحسَن إنْصاتاً منه إذا حُدِّثَ، ولا أَعْلَم منه إذا خُولِفَ، وأخطأتُ عنده في أربع: حدثني يوماً بحديث، فقلتُ: أعِدْهُ علي يا أمير المؤمنين، فقال: أمَا عَلمتَ انه لا يُستعادُ أميرُ المؤمنين؟ وقلت له حين أذنَ لي عليه: أنا الشعْبيُّ يا أميرَ المؤمنينَ. فقالَ: ما أدْخلنَاكَ حتى عرفْناك. وكنَيتُ عند رجلاً فقال: أمَا علمتَ أنه لا يُكنْى أحدٌ عند أمير المؤمنين وسألتُه أنْ يكتبَني حديثاً. فقال: إنَّا نُكْتِبُ ولا نَكْتُب.

لما أخذ الحجاجُ الشعبي - وكان خرج عليه مع ابن الأشْعث، قال: يا شعبيُّ، ألمْ أرفع مِن قدرك، وبلغتُ بك شرف العطاءِ، وأوْفدتُك علي أمير المؤمنين، ورضيتُك جليساً لي ومحدِّثاً؟ قال: بلى. أصلح اللهُ الأميرَ. قال: فما أخرجك مع ابن الأشعثِ تقاتلني على غير دين ولا دُنيا؟ فأين كنت مِن هذه الفِتنةِ؟ فقال: أصلح اللهُ الأمير، أوْحش الجنابُ، وأحْزن بنا المنزلُ، واستشعرنا الخوف، واكتحلنا السهر، وفقدنا صالِحَ الإخوان، وشملتنا فتنةٌ لم نكن فيها بررةً أتقياءَ، ولا فجرةً أقوياءَ. فضحِك الحجاجُ، وعفا عنه.
قال الشعبيُّ: مَنْ أمِن الثٌّقل ثقُل.
أسْمَع رجلٌ الشعبي كلاماً، وعدَّد فيه خِصالاً قبيحةً - والشعبي ساكتُ - فلما فرغ الرجلُ مٍِن كلامه، قال: واللِّهِ لأغيظنَّ مَن أمَرك بهذا إن كُنت صادقاً، فغفرَ اللهُ لي، وإن كنت كاذِباً فغفرَ اللهُ لكَ.
قيل: يا أبا عَامر: ومَن أمرهُ بهذا؟ قال: الشيطانُ.
خطب رجل إلى قوم، فجاؤوا إلى الشعبي يسألونه عنهُ - وكان عارفاً به - فقال: هو والله - ما علمتُ - نافذُ الطَّعنِة، ركينُ الجلسةِ. فزوَّجوهُ، فإذا هو خياطٌ. فأتوْهُ، فقالوا. غدرتنا.
فقال: ما فعلتُ، وإنه لكما وصفتُ.
وقيل لهُ وقد بنى بأهلهِ: كيف وجدت أهلك؟ قال: فلِم أرخيتُ السِّتر إذن؟ لما قدم الشعبيُّ من البصرة قالوا له: وكيف تركت إخواننا من أهل البصرة؟ قال: تركُتهم قد سادَهُم مولاهم، وذاك أنه استغنى عنهُمْ في دُنياهم واحْتاجُوا إليه في ديِنهم. يعني الحسن الصريَّ.
وكان الشعبي يقولُ: لو كانت الشَّيعةُ من الطير لكانوا رخماً ولو كانوا من الدوابِّ لكانوا حَمِيراً.
قال العشبي: لا تُقدِمُوا على أمْر تخافون أن تقصِّروا فيه، فإن العاقل يحجزُه عن مراتب المُقدَّمين ما يرى من فضائِل القصِّرين. ولا تعدُوا أحداً عِدَةً لا تستطيعون إنجازها، فإنَّ العاقل يحجزه عن مَحْمدة المواعيد ما يرى مِن المذمَّة في الخُلْفِ، ولا تُحدِّثوا أحداً من الناس تخافون تكذيبَهُ، فإن العاقل يُسلِّيه عما في الحديثِ ما يَرى من مَذلَّة التكذيب، ولا تسألُوا أحداً من الناس تخافُون منعه، فإن العاقل يحجزه عما نالهُ السائلُ ما يرى من الدَّناءة في الطَّمَع.
تحدث الشعبيُّ يوماً عند ابن عُمر، فقال: إنه ليحدِّثنا بمواطِن شهدْناها وغاب عنها، فكأنَّه شهدها وغِبْنا عنها.
قال الشعبيُّ: تعامل الناسُ فيما بينهم بالدِّين زمناً طويلاً، ثم بالوَفاءِ حتى ذهب الوفاءُ، ثم بالمروءة حتَّى ذهبت المروءةُ، ثم بالحياءِ حتى ذهب الحياءُ، ثم صاروا إلى الرَّغبة والرَّهبةِ.
قال: العِلم أكثرُ مِن أن يُحصَى، فخُذُوا مِن كلِّ شيء أحْسَنهُ.
وكان يقول: ما رأيتُ مِثلي: ما أشاءُ أن أرى أحداً أعلمَ بشيء منِّي إكلا وجدتُه.
وقيل له: مالك لا تأتي السُّلطان؟ قال: أخافُ خصلتين: طعامهم الطَّيب، ولباسَهم اليِّن.
وكان يقول: الخالُ زينب، والثؤلول شيْنٌ.
وقال: أقلُّ ما أحسِنُه الشعرُ، ولو أنشدتكم شهرا لما فني مَا عندي.
وذكروا معاوية يوماً عنده، فقال رجل: كان حليماً. فقال الشعبي: ويحك!! وهل أغمدَ سيفَه وفي قلبه شيءٌ على أحَدٍ، ولكن قل: كانت له سياسةٌ وعَقل.
وقال الشعبي: إنَّ كرامَ الناس أسرعهم مودةً وأبطؤهم عداوةً مثل الكُوز مِن الفضةِ يبطئُ الانكسار، ويُسرعُ الانجِبَار، وإن لئامَ الناس أبطؤهم مَودةً، وأسرعُهم عداوةً مثلُ الكوز من الفَخَّار يسرع الإنكسار ويبطئُ الانجبار.
وقال ابن شبرمة: مَنْ بالغ في الخصومة أثِمَ، ومن قصَّر خصِم.
وقال: منْ لزم العفَاف هانت عليه موجِدةُ الملُبوك.
دخل رجلٌ على عيسى بن موسى بالكوفة فكلَّمه، وحضر عبدُ الله بن شُبْرمة فأعانه، وقال: أصلحك اللهُ. إنّ له شرفاً، وبيتاً وقدَماً. فقيل لابن شبرمة: أتعْرفُه؟ قال: لا. قالُوا: فكيف أثنيتَ عليه؟ قال: قلتُ: إن له شرفاً، أي: أذُنين ومَنكبين، وبيتاً يأوي إليه، وقدماً يطأُ عليها.
وقال له رجل: صنعتَ إلى فُلان، وصنعت، فقال: اسكت، فلا خير في المعروف إذا أحصى. وكان إذا وُلِدَ له غلام يقول: اللهم اجعله بّاتقِيا، واجعل لذَّته في بلدِه.

قيل: بينا رقبةُ بن مَصْقلةَ القاضي في حَلقة إذ مرَّ رجل غليظُ العُنق، فقال له بعض جلسائه: يا أبا عبد الله، وهذا الذي ترى مِن أعبدِ الناس. فقال رقبةُ: إني لأرى لهذا عُنقُاً قلِّما وقذتها العبادةُ.
قال: فمضى الرجل، ثم عاد قاصداً إليهم، فقال رجل لرقبة: يا أبا عبد الله، أخبرُهُ بما قلت، لا تكون غيبةً. قال: نعم. أخْبرهُ حتى تكون نميمةً.
وكان رقبةُ يقول: أيُّ مجلسٍ المسجدُ لو كان عليك فيه إذنٌ! وقال: ما رأيت كذبةً أحضر من كذِبِة الذين يتّكِئون في المسجد، فإذا أقيمت الصَّلاةُ قلتَ لأَحدهم: نِمت، فيقول: واللهِ ما نِمتُ وقد خَرِىَ.
ودخل رقيةٌ المسجد الأعظم، فألقى نفسه إلى حلقةِ قوم، ثم قال: قتيل فالوذج رحمكم اللهُ.
قالوا: عند مَن؟ قال: عند من حكم في الفُرقة، وقضى في الجماعة يعني بلال بن أبي بُردْة.
ذكرت الآراء عند رقبة، فقال: أمّا الرافضةُ فإنَّهم اتخذوا البهتان حُجَّةً، والْعضِيهة مغلبةً. وأما النَّيديَّةُ فإني أظنُ الذي وضع لهم رأيَهُم امرأة. وأما الخوارجُ فأعرابٌ جُفاةٌ لا يعقِلون. وأما المُرْجئةُ فإنهَّم على دين الملك وأما المعتزلةُ فوالله ما خرجتُ إلى ضيعتي قطُّ إلا ظننتُ إني لا أرجعُ حتى يتركوا دينهُم.
وقيل له: إنك لتُكثر الشكَّ. قال: وهل ذاكُم إلا المحاماةُ عن اليقين.
اختصم إلى شُريح امرأتان في وَلد هِرَّة، فقال: ألْقُوها مع هذه، فإن هي قرَّت، ولزَّت، واسبطرَّت فهي لها. وإن هي هرَّت، وفرَّت، وازبأرّت فليست لها.
وقال الشعبي: ما طلع السماكُ قطُّ إلا غارزاً ذنبه في بُرد.
وكان إذا سُئِل عن مُعضلة، قال: ربَّاهُ ذاتُ وَبر أعيت قائدَها، وسائقها لو ألقيت على أصحاب محمَّد لأعضلت بهم.
قال شريح: القضاء جمْرٌ، فارفع الجمْر عنك بعُودين، يعني: الشاهدين.
روى عن شقيق بن سَلمة قال: وقعت فتنةُ ابنِ الزبير فاعتزل شريحٌ القضاء، وقال: لا أقضِي بني اثنين في فتنةً. قال: فغدوتُ عليه ذات يوم. فقلتُ: يا أبا أُمية، كيف أصبحت؟ قال: أحمدُ الله العزيزُ الجبّار إليك: وقعت الفتنةُ تسع سنين فما أخبرت ولا اسْتُخبرت. قلتُ: يا أبا أمية لقد صبرتَ. قال: فيكف بهواي في أحدِ الفريقين؟ قال شريح يوماً لأصحابه: لقد أكلتُ اليوم لحماً قد أتى عليه عشرون سنة.
فقالوا: سبحان الله. أبداً تأْتينا بالعجائب. فقال: كانت عندي ناقةٌ قد أتت عليها عشرون سنة، فنحرْتُها، وأكلتُ من لحمها.
ورُثى شريح بجولُ في الأسواق، والطرقِ، فقيل: ما غدَا بِك؟ فقال: عسْيتُ أن أنظرَ إلى صورة حسنة.
كان يقالُ: أوَّلُ من أظهر الجوْر من القضاة في الحكم بلالُ بن أبي بردةَ بن أبي موسى، وكان أميراَ البصرة، وقاضيَها. وكان يقول: إن الرجُلين ليتقدَّمان إلي، فأَجدُ أحدَهما أخفَّ على قلبي، فأَقضى له. وفيه يقول رُؤُبة: وأنت يا بن القاضِيَيْن قاضٍ يريد أبَاهُ أبا بُردةَ.
وكان الحجاجُ ولاة القضاءَ حين استعفى شُريح، فاستشارهُ فيمن يولِّيه. فقال شُريحٌ. عليك بالشريفِ العفيفِ أبي بردة. وجدُّه أبو موسى وهو قاضي عُمر، وأحدِ الحكمين.
وذُكر أنَّ رجلاً جاء إلى بلال يسعى إليه بآخر. قال: فأقعدهُ، وأرسل في المسألة عنه. فذُكر له، أنَّه يُعرفُ بغير أبيهِ المنتسب إليه. فقال بلالٌ: أنا أبو عمرو، حدثني أبي عن جدِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الساعي بالناس لغير أبيه الذي يُنسب إليه " شهد سوَّارُ بن عبد الله العَنبري عند بلال بشهادة، وشهدَ معه رجلٌ أخرُ ليس بذاكٍ. فقال بلالٌ: يا سوَّارُ، ما تقولُ في هذا الرجل؟ قال: إنما جئتُ شاهداً لا مُزكِّياً. قال: فحضر هذا معك هذه الشهادة؟ قال: نعم: فأجازهُ.
خاصم رجلٌ خالد بن صفوان إلى بلال، فقضى الرجلُ عليه. فقام خالدٌ وهو يقولُ: سحابةُ صيف عن قليل تقشَّعُ.
فقال بلال: أما إنها لا تتقشع حتى يصيبك منها شُؤبوبُ برد، وأمر به إلى الحبس.
فقال خالد: علام تحبسُني؟ فوالله ما جنيتُ جنايةً فقال بلال: يخبرنا عن ذلك بابٌ مُصمَتٌ، وأقيادٌ ثِقالٌ، وقيِّم يقال له: حفصٌ.
قال بلال: إذا رأيتَ الرجل لجُوجاً مماريا، معجَباً برأيه، فقد تمَّت خَسارتُه.

كان إياسُ بن معاوية بن قرّة صادق الظنّ، لطيفاً في الأُمور، وتولىَّ قضاءَ البصرة في أيام عمر بن عبد العزيز. واختصم إليه رجلان في مُطرف خزِّ، وأنبجانِّي، فادَّعى كلُّ واحد منهما المطرف الخزَّ أنه له، وأنَّ الأنبجاني للآخرِ. فدعا إياس بمشط. وماءٍ، قبلَّ رأسَ كلِّ واحد منهما. ثم قال لأحدهما: سرِّح رأسك. فخرج في المُشط غفرُ المطرف وفي مشط الآخر غفرُ الأبجاني. فقال: يا خبيثُ، الأنبجاني لك. فأمرَّ فدفع المطرف إلى صاحبه.
استودع رجلٌ رجلاً من أمناءِ إياس مالاً، وخرج الرجلُ إلى مكة. فلما رجع طالبه بالمال فجحده، فأتى إياساً فأخُبرهُ، فقال إياسٌ علِم أنك أتيتني؟ قال: لا. قال فنازعته عند أحد؟ قال: لا. لا يعلم أحدٌ بهذا. قال: فانصرِف، واكتب أمرك ثم عُد إليّ بعد يومين. فمضى الرجل، دعا إياس أمينه ذلك. فقال: قد حضر مال كثيرٌ، وأريد أن أصيِّرَه إليك أتحصِّننَّ منزلك؟ قال: نعم. قال: فأَعِدَّ موضعاً للمال، وقوماً يحملونه. وعاد الرجل إلى إياس، فقال له: انطلِق إلى صاحبِك، فاطلُب مالك، فإن أعطاك فذاك، وإن جحدك فقْل له: أنِّي أخُبِر القاضي. فأتى الرجلُ صاحبهُ، فقال: مالي، وإلا أتيتُ القاضي، وشكوتُ إليه. فدفع إليه ماله، ورجع الرّجلُ إلى إياس فأخبره، وجاء الأمينُ لموعِدِه، فزجره إياسُ وقال: لقد بان يا خائن.
قال إياس لقوم من أهل مكَّة: قدمنا بلادكم، فعرفنا خِياركم، وشراركم قالوا: وكيف عرفتم؟ قال: كان معنا أخيارٌ، وأشرارٌ نعرِفُهم، فلحِق كلُّ جنس بجنسه.
كان إياسُ يقول: الخبُّ لا يخدعُني، ولا يخدع ابن سيرين، ويخدع الحَسن، ويخدعُ أبي.
وتبصروا هلال شهرِ رمضان وهم جماعةٌ، وفيهم أنسُ بن مالك وقد قاربَ المائةَ، فقال: قد رأيتُه. فقال إياسٌ: أشِر إلى موضعه. فجعل يشيرُ، ولا يروْنَه. ونظر إياس إلى أنس فإذا شَعرةٌ من حاجبه بيضاءُ قد انثنتْ، فصارت على عينهِ، فمسَحها إياسٌ وسوَّاها، ثم قال: يا أبا حمزةَ أرِنا موضِع الهلال. فنظرَ، فنظر، فقال: ما أرى شيئاً.
قال رجل لإياس: هل ترى علي بأْساً إن أكلتُ تمراً؟ قال: لا قال: فهل ترى بأْساً إن أكلتُ معه كَيُسوماً؟ قال: لا. قال: فإن شربتُ عليهما ماءً؟ قال: جائزٌ. قال الرجل: فلم تحرِّم السُّكر وإنما هو ما ذكرتْه لك؟ فقال إياس: لو صبْبتْ عليك ماءً. هل كان يضرُّك؟ قال: لا. قال: فإن نثرتُ عليك تراباً وتبناً، هل كان يضرُّك؟ قال: لا. قال: فإن أخذتُ ذلك، وخلطتُه، وعجنتُه، وجعلتُ منه لبنةً عظيمةً، فضربت بها رأسَكَ، أكان يضُرُّك؟ قال: كنت تقتلُني. قال: فهذا مثلُ ذلك.
كان إياس يقولُ: مَن أرادَ الصلاح فعليه: بحُميدِ الطًّويل وتدرُون ما يقول؟ يقول لهذا: انقص قليلاً، ولهذا: زد قليلاً، فينقطعُ الأثر بذلك. ومن أراد الفُجورَ فليأْخُذ صالحَ بن خلاف وتدرون ما يقولُ للمدَّعي عليه؟: اجحَد ما عليك، وللمدَّعِي: ادَّع ما ليس لك.
أتى إياس حلقةً من حلقات قريش في مسْجدٍ دمشقَ، فاستولى على المجلس، ورأوْه ذميماً، باذَّ الهيئة، فاستهانوُا به. فلما عرفُوه اعتذرُوا إليه، وقالُوا: الذَّنبُ بينَنَا، وبينك مقسومٌ، فإنك أتيتَنا في زيِّ مسكين، تكلِّمُنا بكلام الملوك.
أخذ الحكمُ بنُ أيُّوب إياسَ بن معاوية في ظِنَّة الخوارج، فقال له الحكمُ: إنك خارجيٌ منافق، وأوسَعه شتماً. ثم قال له: إيتنِي بكَفيل. فقال: أكْفُل أيُّها الأمير. فما أحَدٌ أعرفَ منكَ بي. قال: وما عِلمِي بك وأنا من أهل الشام، وأنتَ مِن أهلِ العراق؟ فقال له إياس: ففِيمَ هذه الشَّهادةُ منذُ اليوم؟ فضحِكَ وخلَّى سَبيله.
كان ابن أبي ليلى وِلي القضاء لبني أمية، وبعدهم لبني العباس. وقيل: وهو أول من تولى قضاءَ بغداد. وقيل: بل أوَلُ من تولاها من القُضاة شَريك.
وقال سفيانُ بن عُيَيْنةَ: شهد محمدُ بنُ عبد الرحمن بن الأسودِ عند ابن أبي ليلى بشهادة، فتوقَّف في شهادتِه. قال ابْن عيينة: فناظرتُ. بن أبي ليلى في ذَلك، وقلت له: أني لك بالكوفة رجلٌ مثلهُ؟؟ فقال: هو كذَلك، إلاَّ أنّ الذي شهد به عظيمٌ، والرجل فقيرٌ. قال: فأعجبني هذا من قوله.
وأخذَ علي ابنِ أبي ليلى رجلٌ جُلَسائه كلمةً، فقال له ابنُ أبي ليلى: أهد إلينا مِن هذا ما شئت. وكان يقولُ: أحذِّرُكم الثِّقات.

دعا المنصورُ ابن أبي ليلى، فأَرادَهُ على القضاء، فأبى، فتوعّده إن لم يفعْل، فأبى أن يفعل، ثم إنَّ غدَاء المنصور حضرَ، فأتى فيما أتى بصحفة فيها مثالُ رأس. فقال لابن أبي ليلى: خُذ أيها الرجلُ مِن هذا. قال ابنُ أبي ليلى: فجعلتُ أضرب بيدي إلى الشيء، فإذا وضعتُه في فَمي سال، لا أحتاجُ إلى أن أمضغهُ. فلما فَرغ الرجل جعل يلحسُ الصحفةَ. فقال لي: يا محمدُ. أتدري ما كنت تأكُل؟ قلتُ: لا - والله - يا أمير المؤمنين. قال: هذا مخُّ النِّينان معقودٌ بالسكَّر الطَّبَرزَذ. وتدري بكم تقوَّم هذه الصَّحفةُ علينا؟ قلت: لا، يا أمير المؤمنين. فقال: تقومُّ بثلاث مائة وبضعةَ عشر. أتدري: لِمَ ألحسُها؟ هذه صفحةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنا أطلبُ البَركةَ بذلك. فلما خرج ابنُ ليلى من عنده رفعَ رأسَه إلى الربيع. فقال: لقد أكل الشَّيخ عندما أكلةً لا يفلِحُ بعدها أبداً.
فلما كان عَشى ذلك اليوم راح ابنُ أبي ليلَى إلى المنصور، فقال: يا أمير المؤمنين، فكرتُ فيما عرضت علي، فرأيتُ أنه لا يسَعُني خِلافُك. فولاه القضاءَ. ثم قال للربيع: كيف رأيتَ حَدسي؟ روى عن العباس بن محمد أنَّه قال: لمَّا أرادَ المنصورُ شريكَ بنَ عبد الله على القضاءِ قالَ: أريد " ُ أن تكلِّم أميرَ المؤمنين ليُعفيَني. فقلت له: إنَّ أبا جعفر إذا عزم أمراً لم تُردّ عَزماتُه. قال: فلما قام، وأقَرَّه على القضاء قلتُ له: إن أميرَ المؤمنين المهديَّ ألينُ عَريكةً من الماضي. فقال: أما الآن فلاَ، فإني أخشى شماتَة الأعداء.
قال بعضُ أصحاب الحديث: سأَلتُ شريكاً عن النبيذ، فقال لي أمّا أنا فلا أتركُهُ حتى يكونَ أسوأ عملي.
وقال شريك لرجل: كم تشربُ من النبيذ؟ فقال: الرِّطلَ والرِّطلين.
فقال: يا أخي، ما شربتَه شُرب الفِتيان، ولا تركتهُ ترك القرآن.
ذكر عند شَريك العربُ والعجمُ، فغضِب، وقال ذهبَ العربُ الذين كانوا إذا غضِبُوا كفروا.
وقال عبدُ الله بنُ مُصعَب الزُّبيري لِشريك: بلغني أنك تشتُم أبا بكر وعُمَر. فقال: والله ما أشتُم الزبير، فكيف أشتُمُهما؟ مر؟ّ شريكٌ بالبصرة - وكان خرج مع المنصور إليها - فسألُوه أن يحدثهم فقال: يأْتيني أحدُهم مُشتَمِلاً على أن يسأَلني الحديث.
وقال أبو عبيدةَ: البلاءُ مُوكَّلِ بالمنطِق. كانَ جدُّ هذا: شريك يَعملُ الدّنَّ بوزارةً فقتل رجلاً، وهربَ إلى خُراسان، فقدم ابنُه وادَّعى إلى العَرب.
وكان شريك مِنَ النخع وقيل: إن جدّه هو سنان ابن أنس قاتل الحسين صلى الله عليه ولَعَن قاتِله.
ولما عُزل شريك عن القضاءِ قام إليه رجل، فقال: الحمدُ لله الذي عزَلك فقد كنت تُطيل النَّشوةَ، وتَقبل الرّشوةَ، وتوطىُّ العشوةَ. فقال رجلٌ فخنقه. فجَعل يصيح: قتلِني يا أبا عبدِ الله - جعلني الله فِداك - فقال شريك: قد ذلَّ مَن ليس له سَفيهٌ.
وسئل عن أبي حنيفة، فقال: أعلَمُ الناسِ بما لا يكونُ، وأجَهلُهم بما يكونُ.
ودخل على المهدي فقال له: يا شريكُ، بلغني أنَّك فاطميُّ. فقال: أتحبُّ فاطمةَ؟ أعثرَ الله من لا يحبُّ فاطمةَ. فقال المهدي: آمين فلما خرج شريكٌ قال المهديُّ لمن عنده: لَعنهُ الله، ما أظنُّهُ إلا عَنَاني.
وقال له يوماً: أيُّنا أشرفُ: نحن أم ولدُ عليَّ؟ فقال شريك أمَّا مثلَ فاطمة حتى تُساويُهم في الشَّرف.
ولما دعاه المهديُّ إلى القضاء قال له: لا اصلُحُ لذلك. قال: ولَم ذلك قال: لأني نسَّاءٌ. قال: عليك بمضغِ اللُّبان. قال: إني حَدِيدٌ. قال: قد فرض لك أمير المؤمنين فالُوذَجةَ توقرك. قال: إني امرُؤ أقضى على الوارد، والصادرِ.
قال: اقضِ عليَّ، وعلى والدي. قال: فاكفِني حاشِيتَك. قال: قد فعلتُ.
فكانت أول رُقْعة وردت عليه خالصةُ جاريةُ المهدي. فجاءت لتتقدَّم الخصْم، فقال: وراءَك مع خصْمِك مِراراً. فأبَتْ. فقال: وراءكِ بالخَنْاءُ قالت: يا شيخُ، أنت أحمقُ.
قال: قد أخْبرتُ مولاك، فأبى عَلي. فجاءت إلى المهدي تشكو إليه فقال لها: الْزميِ بيتَكِ، ولا تعْرضي له.
قال ابنُ أبي ليلى: ما لِقينا مِن هُنئ، كلما تُوجِّهت لنا قضيةٌ نقضَها علينا أبو حنيفة.
وشهد أبو حنيفة عِنْد شريك، فلم يُجز شهادَته، وقال: يكف أجيزُ شهادةَ قوم يزعمون أن الصَّلاةَ ليستْ من الإيمان.

وكان بانُ شُبْرُمة يقول: لأنْ استعمِلَ خائناً بصيراً بعملِه أحَبُّ إليَّ من أن أستعمل مُضيِّعا لا يُبصِر العملَ.
ودخل سوَّارُ بن عبد الله علي المنصور - والمصحفُ من حجره، وعيناهُ تهملان - فقال السلام عليكم. يا أمير المؤمنين فقال يا سوَّارُ، ألاَ مرةً على المؤمنين؟؟ هدمتَ ديني، وذهبت بآخرتي، وأفسدت ما كان من صالح عملي. قال سَّوارُ: فانتهزتُها فُرصةً، وطلبتُ ثواب الله في عظته فقلت: يا أمير المؤمنين، إنك جديرٌ بالبُكاءِ، حقيقٌ بطُول الحُزن ما أقمت في الدنيا. وقد استرعاك اللهُ أمر المسلمين، واستحفظك أموالهم، يسألك عما عملت فيما أسترعاك في اليوم الذي أعلمت في كتابه، فقال " يومئذ يصدُرُ الناس أشتاتاً لُيروْا أعمالهم. فمن يَعملْ مِثْقالَ ذرَّةٍ خيراً يّرَهُ ومن يعمل مِثقْال ذَرَّة شراً يره " . فازداد بُكاءً، وقال: " يا ليتني مِتُّ قبلَ هذا وكُنْتُ نَسْياً مَنّسياً " . ثم قال يا سوَّارُ إني أُعالج نفسي، وأُعاتبها منذ وليتُ أمور المسلمين على حمل الدِّرّة على عُنقي، والمشي في الأسواق على قدمي، وأن أسدَّ بالجريش من الطعام جوْعتي، وأوارىَ بأَخشن الثِّياب عورتي، وأضعَ قدر من أراد الدُّنيا، وأرفع قدْر من أراد الآخرة، وسعى لها، فلم تُطْعني، وعصتْني، ونفرتْ نُفوراً شديداً.
قال سوّار لا تجتِّسمها يا أمير المؤمنين صعاب الأُمور، ولا تُحمِّلها ما لا تُطيق، وألزمها أربع خصال تسلمْ لك دنياك وأخرتُك: أقم الحدود واحكُم بالعدل، واجْبِ الأموال من وُجوهها، واقسمها على أهلها بالحقِّ.
خاصم عبد الله بنُ عبدْ الأعلى الكريزي مولى له في أرض إلى سوَّار - وكان جدُّهُ أقطعها جدَّه - فقال سوار: إني لأرغبُ بك عن هذا، تُنازعُه في أرض أقطعها جدُّك جدَّه؟ فقال الكريزي الشحيح أغدرُ من الظالم. فنكس سوارُ طويلاً، ثم رفع رأسَه، فقال: اللهمَّ أردُدْ على قريش أخطارها.
دعا الرشيدُ أبا يوسف القاضي ليلاً فسأله عن مسألة، فأفتاه.
فأمر له بمائة ألف درهم فقال: إنْ رأي أميرُ المؤمنين أن يأْمر بتعجيلها قبل الصُّبح. فقال: عجِّلوها له. فقيل: إن الخازن في بيته، والأبواب مغلقةٌ. فقال أبو يوسف: وقد كنتُ في بيتي والدروب مُغلقة، فحين دُعي بي فُتِحتُ وقال له الرشيدُ: بلغني أنَّك لا ترى لُبس السَّواد. فقال: يا أمير المؤمنين. ولم؟ وليس في يدي شيءٌ أعز علي منه. قال: ما هُو؟ قال: السواد الذي في عيني.
وسُئل مرة عن السَّواد، فقال: النُّورُ في السَّواد - يريد سواد العين وكان خالد بن طليق الخُزاعي قاضياً، فاختصم إليه اثنان، فكان أحدُهُما كلما أراد أن يتكلَّم غمزه الشرطي ألا يتكلم. فلما كثُر ذلك عليه قال: أيُّها القاضي، أتقضي على غائب؟ فقال: لا. فقال أنا غائبٌ إذا لم أترك أن أتكلَّم.
وكان خالد تمياها صلفاً، وقال يوماً لمحمد بن سليمان - مع محلِّه وشرفه وثروته - نحنُ وأنتُم في الجاهلية كهاتين. وجمع بين إصبعيه.
كان عُبيدُ بن ظبيان قاضي الرَّقَّة، فجاءه رجلٌ واستعدَاه على عيسى بن جعفر، وكان الرشيدُ إذا ذاك بالرَّقة فكتب ابنُ ظبيان إلى عيسى أمَّا بعد أطال الله بقاءَ الأمير وحفظه وأتم نعمته عليه. أتاني رجلٌ فذكر أنَّ له عَلَى الأمير خمسمائة ألف درهم. فإن رأى الأميرُ - أعزَّه الله - أن يحضر مجلس الحكم، أو يُوكِّل وكيلاً يُناظر عنه فعل.
ودفع الكتاب إلى الرُّجل، فأتى باب عيسى، فدفع كتابه إلى الحاجب، فأوصله إليه، فقال له: كُل هذا الكتاب!! فرجع إلى القاضي فأخبرَه. فكتب إليه: أبقاك الله وحفظك، وأتمَّ نعمتهُ عليك. حضر رجلٌ يقال له فلانُ بنُ فلان وذكر أنَّ له عليك حقّاً، فصر معه إلى مجلس الحكم، أو وَكيلك إِن شاء الله.
ووجه الكتاب مع عَوْنَيْنِ من أعوانه، فحضرا باب عيسى، ودفعا الكتاب إليه، فغضب ورمَى به، فأخبراه.
فكتب إليه: حَفِظك الله وأبقاك - لا بُدَّ من أن تصير أنت وخصمك إلى مجلسِ الحُكم، فإن أبيت أنهيتُ ذلك إلى أمير المؤمنين إن شاء الله.
ووجَّه بالكتاب، فرَمى به عيسى. فعادا، وأبلغاهُ، فختم قِمَطُره، وانصرف، وقعد في بيته.

وبلغ الخبرُ الرشيدَ، فدعاه، فسأله، فأخبرَه بالقِصَّة حَرفا حَرفاً. فقال لإبراهيم بن عثمان صاحب شُرطته: صِر إلى باب عيسى بن جعفر، فاختم أبوابَه كلَّها، ولا يَخرجنَّ أحدٌ منها، ولا يدخلّنَّ حتى يخرج إلي الرجل من حقه، أو يصير معهُ إلى الحاكم.
فأحاط إبراهيم مع أصحابه بالدار، وختم الأبواب. فظنَّ عيسى أنه قد حَدث للرشيد رأيُ في قتلهِ، ولم يدْر ما سببُ ذلك؟ وارتفع الصِّياحُ، وصراخُ النساء مِن داره، وقال مِن وراء الباب ادْعُوا أبا إسحاق لأكلِّمه. فجاء إبراهيمُ، فقال له عيسى ويلك!! ما حالُنا؟ فأخبره بالأمر فأمر بأن يُحضر خمسمائة ألفِ درهم من ساعتها، وتُدفع إلى الرجل وأخبر الرشيد فأمر بفتح أبوابه.
وكان عباد بنُ منصور التاجي على قضاءِ البصرة في أيام أبي جعفر وأصحاب الحديث يُضعفون حديثه، ويقولُون كان قدريا.
وتقدم إليه برذوّيْه ومعه امرأةٌ تخاصمه في مهْرها وكان جميلةً. فقال كمْ مهْرُك؟ قال: مائتا درهم فقال عباد: ويحك يا برذويه!! ما أرخص ما تزوَّجْتَها؟؟ قال: أفَلا أوليكها أصلحك الله.
ذكر أنه لما حكم وفَرض يحيى بنُ أكثم فرضهُ المشهور للغلمان عابه الناسُ فكتب إلى المأْمون: يا أمير المؤمنين. قد أكرم الله أهل جنَّتِه بأن أطاف عليهم الغِلْمانَ في وقت كرامته، لفضلِهم في الخِدمةِ على الجواري، وامتنَّ عليهم بذلك. فما الذي بلغني عاجلاً مِن طلب هذه الكرامةِ المخصوصِ بها أهلُ القُرْبة عند الله؟؟ فوقع المأمون: اذكْر يا يحيى مِنْ كتاب الله ما كنا عنه غافلين، فلا يُعْترضُ عليه فيما يقدّر من الأرزاق في فرْضِه، ولا لمبْلغهم في العِدادِ، وقُرْب الولاء، فإنَّ أمير المؤمنين يحبُّ ما أحبَّ اللهُ، ويرضْاهُ لخاصته.
وكان له من المأْمون محلٌّ عظيم.
وذكر بختيشوعُ أنه سمع المأْمون يقول - لما جاوز الدّرب بالرقة: يا أيها الناس إني لا آمنُ الحِدْثان، فإن كان فيحيى بنُ أكْثم معكُمْ حتى نُبلغكُم مأْمنكُم، ثم تختارُون لأنفسكم.
ورفع محمد بنُ عمران صاحبُ البريد إلى المأمون ذكر خوْض الناس في يحيى بن أكثم وما يقولون في تهتكه. فدعا به، ثم قال له: كم تكْثِرُ علي في أمر يحيى؟ رجل فسد عليه عضْوٌ من أعضائه، وصلح لي؟ أأْستفْسِد؟ ثم سخط عليه. وكتب في معناه كتاباً طويلاً إلى إسحاق بن إبراهيم من الثَّغْر يقول لأبيه: فلما استشفَّ أميرُ المؤمنين حاله وسيرته ألفاهُ بعيداً من الإيمان، قريباً من الكفر، لِهجاً باللّواط، مْؤثراً للحرام على الحلال، قد أعلن الفِسق، وأظهر المُرُوق، وجاهر بالمعاصي، وأظْهر الملاهي، ورخّص في الدَّنِّ، وخالف دين المسلمين، فرأى أميرُ المؤمنين أن إخراجهُ من عسْكره، وبعده من جواره، أسلمُ له، أصْرف للمكروه عنه، فأسْلُبهُ - قبحهُ اللهُ - القنا والقلْنسُوة، وخُذْ منه السَّيف.
وكان المأْمون قد أمر بأن يفرض له الحُدود، وكان الكاتبُ الذي أمرِ فْرضهم يقال له زيدٌ فقال فيه بعضُهم:
يا زيدُ يا صاحب فرْض الفراش ... أكلُّ هذا طلباً للمعاش؟
مالي أرى يا زيدُ حمْلائكُمثبتتْ في الدِّفْتر قبل الكباش
ولما خرج المأْمونُ إلى الأُردنِّ - ويحيى معه - شكا الحمالُ الغلمان، وقال المأُمون: إنه يتظافرُون من محْمل إلى محمل، فقال له المأْمون: لم لا تنهاهم؟ فقال: لا ينتهُون. فقال له: لعلك ترى فيهم ما يرى يحْيى.
وتقدم المأْمونُ بين يديه مع رجل ادَّعى عليه ثلاثين ألف دينار. فطُرح للمأْمون مُصلَّي يجلس عليه. فقال يحيى: لا تأْخُذْ على خصْمك شرف المجلس، ولم تكُنْ للرجل بيٍّنةٌ، فحلف المأْمونُ. فلما فرغ وثب يحيى، فقام على رجْليه، فقال: ما أقامك؟.
فقال: إني كنتُ في حقِّ الله حتى أخذتُه منك، وليَس الآن من حقِّك أن أتصدَّر علْيك. فأعطى الرجل المأْمونُ ما ادَّعاه، وهو ثلاثون ألف دينار، وقال: خذْهُ إليك، إني - واللهِ - ما كنتُ لأحلِف على فجَرة. ثم أسْمح لك بالمال، فأُفسد ديني ودنيايَ. والله ما دفعتُ إليك هذا المال الساعة إلاّ خوفاً من هذه العامَّة، فلعلها ترى أنْ تناولْتُك من هذه القُدرة، ومنعتك حقَّك بالاستطالةِ عليك. فأما الآن فإنك تعلمُ أني ما كنتُ لأسمح باليمين والمال.
وأمرَ ليحيى بثلاثين ألف دينار. وتصدَّق بثلاثين ألف دينار.

وكان يحيى يقول: سياسةُ القضاء أسدُّ من القضاء.
كان أبو خَازِم عبدُ الحميد بن عبد العزيز الكوفي قاضياً للمعتمدِ. ودخلَ إلى عُبيْد الله بن سليمان، فسأله عن النَّبيذِ، فقال: هُو عند أصحابي كماء دجْلَة، غيرَ أنَّه يُودِي.
وجَرى بينَه وبين عُبيد الله شيءٌ، فقام أبو خَازِم عن المجالس، وأخذ قلَنْسُوته عن رأسه بيده، فقال عبيدُ الله: انظروا ما صَنَع أبُو خازم، أخذ قلنسوتَه بيده يُعْلِمنا أنه ما يُبالي إنْ عزلتُه.
ومات في أيامه الضّبعيُّ صاحبُ الطعام، وله أطفالٌ، وعليه ديونٌ، وللمعتضِد عليه أربعةُ آلاف دينار: فقال المعتضدُ لعبيد الله بنِ سليمان: قل لعبد الحميد أنْ يدفع إلينا هذا المالَ من تركة الضَبعي. فذكر له ذلك، فقال أبو خازم: إن المعتضِدَ كأسوة الغُرمَاءِ في تَرِكة الضبعي. فقال له عبيد الله: أتدري ما تقولٌ؟ فقال أبو خازم: هو ما قلتُ لك.
وكان المعتضد يلحُّ على عُبيد الله في اقتضاء المال: وعبيدُ الله يؤخِّرُ ما قال له أبو خازم فلما ألحَّ عليه أخبَرهُ بما قال أبُو خازم، فأطَرق المعتضدِ، ثم قال: صدَق عبد الحميد، هو كما قال نحن كسائر الغُرماء وأسْوتهم.
تقدم رجل إلى أبي خازم، وقدَّم أباهُ يطالبُه بدين له عليه. فأقر الأبُ بذلك. فأراد الأبنُ حبس أبيه بالدين. فقال له أبو حازم: هل لأبيك مال؟ قال: لا أعلمهُ. قال: فُمْذ كمْ داينْتَهُ بهذا المال؟ قال: منذ كذا وكذا. قال: فقد عرضتُ عليك نفقة أبيك من وقت المُدانية. فحبس الابن، وخلَّي عن الأبد.
وكان إسماعيل بنُ إسحاقُ قاضياً للمعتمد بمدينة السلام. فدخل على الموفق، فقال له: يا إسماعيلُ: ما تقول في هذا النبيذ؟ فقال له: أيها الأميرُ، إذا أصبح الإنسانُ وفي رأسه منه شيء. قال ماذا؟ قال الموفق: يقُولُ: أنا مخمورٌ. قال: فهو كاسمه.
قدم البلاذُري إلى الحسن بن أبي الشوارب في ديْن عليه، فادَّعى غريمهُ مائتي دينار. فذكر البلاذري معاملةً بينهما. وعادةً جرت بالنّظرة. فقال له القاضي: أنظرهُ. فقال: لم أطالبه إلا وقد علمتُ الساعة نعمته. فقال البلاذري: صدق أيها القاضي، إني من الله لفي نعم، لا أقومُ بشكرها، أولها: نعمةُ الإسلام - وهي التي لا تعدلُها نعمةٌ. ثم نعمةُ العافية - هي أفضلُ النِّعم بعدَها - وما يُقضي من هاتين الدينُ. فقال القاضي لغريمه: انصرف، ورُحْ إلى فراح إلى القاضي، فأعطاه عنه مائتي دينار.
كان يحيى بنُ سعيد الأنصاري قاضياً للرشيد، وكان خفيف الحال وكان له مجلس من السُّوق. فلما ولي القضاءَ، وارتفع شأْنُه لم يترك مجلسه في السوق. فقيل له في ذلك، فقال: مَن كانت له نفسٌ واحدةٌ لم يغيَّره الإقتارُ، ولا المالُ.
كان البَرْقيُّ عفيفاً، صالحاً، وولي قضاءً مدينة السلام أيام المعتمد، وكان قد ولاه قبل ذلك يحيى بنُ أكثم. فقيل له: وليتَ البرقي القضاءَ - وهو رجلٌ من أهل السواد؟ فقال يحيى: ألم تسمع قول الله تعالى: " وما أرسلْنا مِن رَّسُول إلا بِلِسَانِ قَوْمه " قال بعضُهم: رأيتُ البرقيّ يوماً. هو يقرأ علينا شيئاً من حديث سُفْيانَ - فقال له رجل كان معنا: يا أبا العباس. فقال إليه البرقي، وضرب لحيته، وقال له: أنا قاض مُذ كذا وكذا سنةً!! تقولُ: هيا يا أبا العباس.
وذكر أن البرقي صار إلى عبد العزيز الهاشمي - وكان صديقهُ - فهو معه جالسٌ إذ دخل عليه رجلٌ فسلم، وقعدَ، فقال له عبدُ العزيز: ما خبرُك؟ قال: قد وليت السَّواني لأسني الماء للحاج. ثم دعا بكُوز من ماء فشربهُ. ثم صبر ساعةً، فدعا بكوز آخر فشربه، ثم صبر ساعةً، ودعا بكوز آخر - والبرقيُّ يراهُ - فقال لعبد العزيز: يا أبا القاسم، هذا قد وَلي السواني. لئن خرج هذا إلى مكة ليشربن كل ما يسنى.
كان عبد الملك بنُ عمير قاضي الكوفة، فهجاهُ هُذيلٌ الأشجعي بأبيات فيها:
إذا ذاتُ دلٍّ كلمتهُ بحاجة ... فهم بأن يقضي تنحنح أو سعل
فكان عبدُ الملك يقول: قاتلهُ الله. والله لرُبما جائتني النحنحةُ وأنا في المتوضأ، فأذكرُ ما قال فأردُّها.
قالت امرأةٌ لشُريح: إنك قضيت على وظلمتني - والله يدخلُك النار.
فقال شريحٌ لها: أما أنا فلا أدخُلُها إلا بعد سبعة، وهم: الذي علمني، والذي ولاني، والذي جاء بك إلي، والشاهدان والمُزكِّيان.

قال الوايق لأحمد بن أبي دُواد: إن حوائجك، ومسائلك تستنفد بيوت الأموال. فقال يا أمير المؤمنين، أتخافُ الفقر والله مادتُك.
قال بعضُهم: سمعت ابن أبي دُواد يقولُ: إين لأكرهُ أن أكلِّم الخلفاءَ بحضرة ابن الزيات خوفاً من أن أعلِّمه التأتِّي لها.
وكان المعتصمُ غضب على خالد بن يزيد بن مزيد. فلم يزل به أحمدُ بن أبي دواد حتى عفا عنه، وأعطاه، وولاه، وخرج على الناس بالخلع وهم ينتظرون رأسهُ. فقام بعد ذلك رجلٌ إلى خالد، فقال: يا سيِّد العرب فقال: ذلك ابنُ أبي دُواد.
وكان أبو العيناء يقول: كان أحمدُ بنُ أبي دُواد إذا رأى صديقه مع عدوِّه صديقهُ.
وقال أبو العيناء: ما رأيتُ مثل ابن أبي دُواد من رجل قد مُكِّن من الدنيا ذلك التمكين، كنت أراهُ في مجلس سقفُه غير مُغرى، جالس على مسح وأصحابُه معه يتدَّرنُ القميصُ عليه فلا يبدَّلهُ، حتى يعاتبَ في ذلك، ليست له همةٌ ولا لذةٌ من لذات الدنيا إلا أن يحمل رجُلاً على منبر، وآخر على جذع.
وقال له المعتصمُ في أمر العباس بن المأْمون: يا أبا عبد الله، أكرهُ أن أحبسه، فأهتكه وأكرهُ أن أدعه فأُهمله. فقال له ابن أبي دُواد: الحبسُ - يا أمير المؤمنين - فإن الاعتذار خيرٌ من الاغترار.
وكان الأفشين يحسدُ أبا دُلف، ويبغضُه للغربية، والشجاعة أبا والجُود. فاحتال عليه حتى شُهد عليه بخيانة فجلس له، وأحضرهُ، وأحضر السياف لقتله. وبلغ ذلك أحمد بن أبي دواد، فركب مع من حضره من عُدْوله. ودخل على الأفشين وقد جيء بأبي دلفُ ليُقتل. فوقف، ثم قال: إني رسولُ أمير المؤمنين إليك بألا تحدث في القاسم حدثاً حتى تحمله إليه مسلماً. ثم التفت إلى العُدُول، فقال: أشهدوا أني أديتُ الرسالةَ والقاسُم حي مُعافى. وخرج فلم يقدم الأفشينُ عليه.
وصار ابنُ أبي دواد من وقته إلى المعتصم، فقال: يا أمير المؤمنين، قد أديتُ عنك إلى الأفشين رسالةٌ لم تقُلها لي، لا أعتدُّ بعمل عملته خير منها، وإني لأرجُو لك يا أمير المؤمنين بها الجنة. وخبره الخبر، فصوب رأيه، وأمر بالإفرج عن أبي دُلف..
وكان أحمدُ بنُ أبي دُواد بعد ذلك يقرَّظُ أبا دلف ويصفُه للمعتصم، فقال له: يا أبا عبد الله، إن أبا دلف حَسنُ الغناء، جيِّدُ الضرب بالعود فقال: يا أميرَ المؤمنين، القاسمُ في شجاعته وبيته في العرب يفَعلُ هذا!! ثم أحب المعتصمُ أن يَسمعهُ ابنُ أبي دُواد. فقال له يوماً: يا قاسْم، غنّني. فقال، والله ما أستطيعُ ذلكَ - وأنا أنظرُ إلى أمير المؤمنين - هيبة وإجلالاً. قال: فاجلس من وراءِ ستارة. ففعل وغنى.
وأحضر ابن أبي دُواد، وأجلَسه وقال: كيف تسمعُ هذا الغناء؟ قال: أميرُ المؤمنين أعلمُ به، ولكنِّي أسمعُ حسناً. فغمز غلاماً، فهتك السِّتارة، فإذا أبُو دلف.
فلما رأى أبو دلف ابن أبي دُواد وثب قائماً، واقبل على ابن أبي دُواد، فقال: إني أجُبرتُ على هذا. فقال: ما ماجنُ. لولا دربتُك في الغناء، منْ أينَ كنت تأتي مثل هذا؟ هبْك أجُبرْت على أن تُغني، مَنْ أجُبرَك على أن تُحسن؟ ذكر ابنُ أبي دواد أبا الهذيْل، فقال: كلامُه مُطلٌّ على الكلام كإطلال الغَمام على الأنام.
لما مات عبدُ الله بن طاهر قال الواثقُ لأحَمد بن أبي دُواد: قد عزمتُ يا أبا عبد الله - على أن أقَلِّد إسحاق بن إبراهيم خراسان. فقال: لرأي أمير المؤمنين فضْلُه، غير أني رأيتكُم تحفظُون الأخْلافَ للأسلاف. فقال: حسْبُك. وعقد لطاهر بن عبد الله.
قال العدلي الشِّطْرنجي للواثق: يا أمير المؤمنين. ما قَمرني فلانٌ إلا أني كنت سكْرانَ. فقال لابن أبي دُواد: يا أبا عبد الله. فأقم عليه الحد. قال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: لأنه قد أقرَّ على نفسه بالسُّكْر. فقال: هذا إقرارُ افتخار لا إقرارُ اعتراف.
قال يحيى بنُ أكثم: نلتُ القضاءَ، وقضاءَ القُضاة، والوزارة، ما سُررتُ بشيء مثل قول المُستمْلي: من ذكرتَ - رحمك الله؟

دخل عبدُ الرحمن بنُ إسحاق القاضي على إسحاق بن إبراهيم الظاهري، فبينا هو يخاطبُه إذا وقعت عينُه على قطعة وتر للعود كانتْ على البَساط، فأخذها، وجعل يلفُّها على يده، ويبعثُ بها سَهْوا. ورآهُ إسحاق فقال: يا أبا محمد: لا تغلطْ، وتخرجْ وفي يدك ما فيها، فتلْقَى من العامة مثلما لقينا منك. فاستحى عبدُ الرحمن وألقاها، وضرب إسحاقُ الفراشين ألْف مقْرعة بهذا السَّبب.
لما قال دِعْبلُ في المعتصم:
ملوكُ بَنِي العباسِ في الكُتب سبعةٌ ... ولم يأتينا في ثامن لهم كُتبُ
كذلك أهلُ الكهف في الكهف سبعةٌ ... خيار إذا عُدُّوا وثامنُهم كلبُ
لقد ضاع أْمرُ الناس حين يسُوسُهم ... وصيفٌ وأشْناسٌ وقد عظُم الخطبُ
نذر المعتصمُ دمَه، وطُلب طلباً شديداً، فتوارى وهرب.
فسمع ابنُ أبي دواد المعتصم يوماً يقول: لأقْتلن دْعَبلا. قال: ولم؟ قال: هجاني. قال: يا أمير المؤمنين. إن دعبلا شريفٌ، وعنده من الفضل ما يردَهُ عْن هذا. ولكن أخبرني من المُبْلغُ لك ذلك عنْه؟ قال: عمِّي إبراهيمُ المهدي. قال: أتاك الخبرُ، أنَّ إبراهيم موتورٌ، ففي حُكْمك قبولُ قول حاقد مُحْفظَ. قال: معاذَ الله. قال: إن دعبلاً هتك إبراهيم عمَّك بقوله أيام تولِّيه الخلافة:
إن كانَ إبراهيمُ مُضْطلعاً بها ... فَلتصلُحن من بعده لمخارق
ولتَصْلُحَنْ من بعد ذاك لزلزلٍ ... ولتصلحن من بعده للمارق
فضحك وقَال: أجلْ. إن كانَ إبراهيمُ خليفةٌ فمخارق وليُّ عْهد، وقد صفَحنَا عمَّا أَردْنا. قال: إن أمير المؤمنين أجلٌّ من أن يعْمُرَ قلباً بحزْن ساخطاً، ولا يعمره بسرور راضياً. قال: فاحكُمْ يا أبا عبد الله. قال: خمسون ألف درهم يرمٌّ بها حاله. فقبض المال، وأنفذ الكتابُ إلى مصرَ، وكان دعبلٌ بها فلمْ يشكْرهُ دعبل وكافأه بأن قال فيه:
سحقتْ أمُّهُ ولاط أبُوه ... ليت شعْري عنه، فمنْ أين جاء؟
في أهاج كثيرة له فيه.
وسُعي بأبي تمام إلى المعتصم أنَّه قال في شعريٍ مدح به أبا سعيد الثفري.
تزحزحي عن طريق المُجِد يا مضرُ ... هذا ابنُ يوسف لا يُبقي ولا يذرُ
فنذر المعتصمُ دمه. فقام ابنُ أبي دواد، فكذب عنه، وحَلف مجتهداً: أن هذا الشعر ليس من طرفِ شعر أبي تمام حتى استنقذه من سَخطِهِ. فكافأَهُ أبو تمام أحسن مكافأة، وشكره أحسن شكر، ومدحهُ بقصائدهِ المشهورة فيه.
غضب المهديُّ يوماً على شريك فقال: يا بن الزانية. فقال شريك: أمة يا أمير المؤمنين. فما عِلمتُها إلا صوّامةً قوّامة. فقال له: يا زنديقُ، لأقتْلنَّك. فقال شريك، وكان جهوريَّ الصوتِ - : إن للزنادقة علامات يُعرفون بِهَا، شربهم القهواتِ، واتخاذهم القّيناتِ، ونومهم عن العتماتِ فأطَرق المهديُّ، وقام شريك، فخرج.
ذكر أنَّ جماعةً من الرؤساء باتُوا عند أبي دُواد فلما أخذوا مضاجعَهم إذا الخدمُ قد أخرَجُوا لكل واحد منهم جاريةً. قال: فاحتشموا مِن ذاك.
وبات الجواري ناحيةً، وقام، بعضُهم، فلما أصبحنا وجه بجاريةِ كل واحد إلى منزله، ومعها وصيفةٌ.
دخل ابنُ أبي دُواد إلى الواثق - وقد أتى بابن أبي خالد الذي كان بالسِّند، فقال: والله، لأضربنَّك بالسِّياط. ووالله لا يكلٍّمُني فيك أحدٌ من الناس إلى ضربتُ بطنه، وظهرَه. فسكت حتى ضربه عشرين سوطاً. ثم قال: يا أمير المؤمنين، في هذا أدبٌ، وفي دُونِه استصلاح، ومجاوزتُه سرفٌ. وإنما أبقى عليك من القصاصِ. قال: أو ما سمِعتَ يميني ألا يكلمني فيه أحدٌ إلا ضربتُ ظهره وبطنه.
قال: قد سمعتُ. لكن يُكفِّر أميرُ المؤمنين، ويأتي الذي هُو إلى الله عز وجل أقربُ، وعنده أفضلُ. قال: خليا عنه. كفِّر يا غلامُ عن يميني.
سُئل رجلٌ من البُلغاءِ عن يحيى بن أكثم، وأحمدَ بن أبي دُواد: أيُّهما أنبلُ؟ فقال: كان أحمد يجدُّ مع جاريته وابنته، ويحيى يهزلُ مع خصمه وعدوِّه. وكان ابنُ أبي دواد يتحلل عن أن يخاطب بالوزارة، والقضاء فلا يخاطبُ إلا بالكُنيه.
وكذلك روحُ بنُ حاتم المهلَّبي ولِي إفريقية والبصرة، والكوفة، وأرمينية وغير ذلك، فلم يُسُمَّ بالإمرة قطُّ، وإنما كان يكنَّى بكُنيته، وكان يكنَّى أبا خلف. وكذلك السِّنديُّ بنُ شاهك.

وقال ابنُ الزيَّات يوماً لابن أبي دواد في مناظرة بينهما: لستُ بنبطي، ولا دَعي - يعرض به. فقال: ما دُونك أحدٌ فتنزل إليه، ولا فوقك من يقبلُك فتنتمي إليه.
قال الحسنُ بن وهب: شكرتُ أبا عبد الله أحمد بن أبي دواد على شيء كان منه.
فقال لي: لا أحُرَجك اللهُ، ولا إيّانا إلاّ أن نعرف مَالنا عند الأصدقاء.
وتخطى بعضُ بني هاشم رقاب الناس عند ابن أبي دواد، فقال: يا بُني، إن الأدب ميراثُ الأشراف، ولست أرى عِندك مِن سَلفِك ميراثاً. فاستحسَن كلامَه كلُّ من حضر.
قال الواثق يوماً لأحمد بن أبي دواد في رجل حُمِل إليه من بعض النواحي: قد عزمَتُ على ضرب عُنقه. فقال: لا يحِلّ لك يا أمير المؤمنين. قال: فأضربه بالسِّياط. قال: ظهر المسلم حِمى إلا من حد. قال له: أنت أبداً تعترض علي. قال: يا أمير المؤمنين، أخافُ عليك العامَّة. قال: وما عسى العامَّةُ تفعلُ؟ قال: أقولُ: يا أمير المؤمنين ولا تغضب. قال: قُل. قال إذا رأوْك قد جُرْت في الحكم، أخذوا بيدك فأقامُوك عن مجْلِسِك، وأجْلْسوا غيرك. قال: فأمْسك الواثقُ، ولم يحر جواباً، وزال المكروه عنْ ذلك الرجل.
وقال ابنُ أبي دْواد: موتُ الأحرار أشدُّ من ذهاب الأموال.
وقال: الشجاعةُ شجاعةٌ في القلب، والبخلُ شجاعةٌ في الوَجْهِ.
قال رجل لابن شُبْرُمة: ذهب العلمُ إلا غُبَّراتٍ في أوعيةِ سوء.
وقال الشعبي: كان بين عبدِ الله بنِ شريح وبين قوم خصومةٌ. فقال: يا أبهْ. إن بيني وبين قوم خصومةً، فإنْ كان الحقُّ لي خاصمتهُم. قال: اذكر لي قصَّتك. فذكر ماله، قال: إيتني بهم. فلما أتاهُ بِهم قضى على ابنه، فقال لمْا رجع: يا أبه. لو لمْ أخُبِرك بقصتي كان أعذر لك عندي.
فقال: يا بُني أنت أعزُّ علي من ملءِ الأرض مثلهمْ، واللهُ أعزُ علي منك، كرهتُ إن أخبَرتُك أن القضاء عليك أن تخافهم فتصالحهم.
الباب التاسع
كلام السحن البصريكان الحجاجُ يقولُ: أخطبُ الناس صاحبُ العمامة السوداءِ بين أخصَاص البصرة، إذا شاء تكلمَ، وإذا شاءَ سكت يعني الحسن كتب إليْه عُمر بنُ عبد العزيز: أن أعني ببعض أصحابك. فكتب إليه الحسنُ: أما بعد. فإنه مَن كان من أصحابي يريد الدنيا فلا حاجة لك فيه، ومَن كان يريد الآخرة فلا حاجة له فيما قَبَلك، ولكن عليك بذوي الإحسان فإنهم إن لم يتقوا استحيُوا، وإن لم يستحيُوا تكرموا.
وقال: كن في الدنيا كالغريب الذي لا يجزعُ من ذُلِّها ولا يشارك أهلها في عزِّها. للناس حالٌ وله حالٌ أخرى، قد أهمته نفسه، وعلم لما بعْد الموت، فالناس منه في عاقبة، ونفْسهُ منه في شُغل.
ذكروا أنه سمع رَجلاً يقُولُ: أهْلَك اللهُ الفُجَّارَ فقال: إذن نَسْوحِشُ في الطُّرق.
قال أعرابي المحسن: علِّمني ديناً وسُوطا، لا ذاهباً شطُوطاً، ولا هابطاً هبوطاً.
فقال الحسنُ: لئن قُلت ذلك، إن خيرَ الأمور لأوْساطُها.
وقال لهُ رجلٌ: إني أكرَهُ الموت. قال: ذاك أنك أخرت مالك ولو مقدمتهُ لسرك أن تلحق به.
وقال: اقدّعُوا هذه النُّفوسَ فإنها طُلعةٌ، واعْصُوها فإنكُمْ إن أطعتموها تنزِع بكُمْ إلى شرِّ غاية، حادثُوها بالذِّكر فإنها سَريعةُ الدُّثور.
قال عنبَسَةُ: شهدْتُ الحسن يقُولُ - وقال له رجلٌ بلغنا أنك تقولُ: لوْ كان علي بالمدينة يأْكُل من حَشفها كان خيراً لهُ مما صَنع - فقال الحسنُ: يالُكِعُ أما والله لقد فقدتُموه سَهماً من مَرَامي الله غير سَئُوم عن أمر الله ولا سروقة لمال الله. أعْطى القرآن عَزائمَهُ فيما عليه، ولهُ، فأحلَّ حلالهُ، وحرّم حَرامَهُ، حتى أورْدَهُ ذلك رياضاً مونقةٌ، وحدائق معدِقةً ذاك ابنُ أبي طالب يا لُكعُ.
وقال الحسَنُ: لا تزُولُ قدمُ ابن أدَم حتى يُسْأَل عَن ثلاث: شبابه: فيم أبلاه؟ وعمْره: فيم أفناهُ؟ وماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ ورأى رجلاً يكيد بنفسه فقال: إن أمْرأً هذا آخرهُ لجديرٌ أن يزهدَ في أوله، وإن امرأً هذا أولُه لجدير أن يخاف آخره.
وقال: بع دنياك بآخرتك تربحُهما جميعاً، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرَهُما جميعاً.
وقال: مَن أيقن بالخلف جادَ بالعطية.
وقال: مَن خاف الله أخاف الله منه كل شيءٍ، ومَن خاف الناسَ أخافهُ اللهُ من كل شيءٍ.
وقال: ما أُعْطى أحدٌ شيئْاً من الدُّنيا إلا قيل لهُ: خذه ومثله من الحرْص.

قال الحَسنُ: إن قوماً جعلُوا تواضُعَهُمْ في ثيابهم، وكبرَهُمْ فِي صرورهم حتى لصَاحبُ المدْرعة في مدْرعَته أشدُّ فرحاً من صاحب المُطرف بمطْرفه.
وقال: مَن كان قبْلكُم أرقُّ قلوباً، وأصْفقُ ديناً، وأنتُمْ أرقَّ منهُمْ ديناً، وأصْفقُ قلوباً.
قيل لخالد بن صفوان: مَن أبلغُ النَّاس؟ قال: الحَسنُ البصريُّ لقوله فضحَ الموْتُ الدُّنيا. لوْ عقل أهلُ الدُّنيا خربت الدُّنيا.
وقال: أهينُوا الدُّنيا فو الله لأهنأُ ما تكُونُ حين تُهينُونها.
وقال له رجلٌ: ما تقول في الدُّنيا؟ قال: حَلالُها حسابٌ، حرامها عذابٌ. فقال له: ما رأيتُ أوْجز من كلامك. فقال الحسنُ بل كلامُ عمرَ بن عبد العزيز أوجزُ من كلامي.
كتب إليه بعضُ عُمَّال حمْص: أما بعد: فإنَّ مدينة حمْص قد تهدمت، واحتاجَت إلى إصلاح.
فكتب إليه عمر: حصِّنها بالعْدل، ونقِّ طُرقها من الجورْ. والسلامُ.
قال الحسن لفرقْد: يا أبا يعْقُوب. بلغني أنَّك لا تأكل الفالوُذج. قال: يا أبا سَعيد. أخافُ ألا أودي شُكرَهُ. قال: يا لكُع!! هلت تؤدى شكرَ الماء البارد؟؟ وسَمعَ رجلاً يشكُو علَّةً به إلى آخر. فقال: أمَا أنَّك تشكُو مَن يرحمك إلى مَن لا يرْحَمك.
وقيل لهُ: مَن شرُّ الناس؟ قال: الذي يرى أنَّهُ خيرُهم.
وقال: قدْ ذم اللهُ الثِّقَل في القُرآن بقوله " فإذا طعمْتُمْ فانتشروا " وقال: الدُّنيا كُلُّها غمُّ، فما كان فيها من سرور فهو ربحٌ.
وقال: إن الله - جل ثناؤهُ - لم يأْمرْ نبيَّه عليه السلامُ بمشاوَرة أصحابه لحاجة منهُ إلى آرائهمْ، ولكنَّهُ أحبَّ أن يُعَلِّمه ما في المشورة منْ البَركة.
ويُروي عَنهُ أنه قال منذُ دَهر ندْعُو الله فنقولُ: اللهم استعمل علينا أخيارنا فأعظمْ بها مصيبةً ألا يُسْتجاب لنا، وأعظمُ من ذلك أن يكون اسْتجيب لنا فيكون هؤلاءِ خيارنا.
وذكر الدنيا فقال: المؤمنُ لا يجزعُ من ذُلِّها ولا يُنافس في عزِّها.
وقال: أربعٌ قواصم للظهر: إمامٌ تُطيعُه ويُضلُّك، وزوْجةٌ تأْمنُها وتخونُك، وجارٌ إن علم خيراً سترهُ، وإن علم شرّاً نشرَهُ وفقرٌ حاضرُ لا يجدُ صاحبُه عنه شارداً.
ووصف الأسواق. فقال الأسْواقُ موائد الله مَن أتاها أصَاب منها.
وقال: من عمل بالعَافية فيمَن دونه رزُق بالعافية ممن فوقهُ وقيل لهُ: كيف رأيت الوُلاة يا أبا سَعيد؟ قال رأيتهُمْ يبْنون بكل ريع أيةً يعْبثُون. ويتخذُون مصانع لعَلهُمْ يخلدون. وإذا بطشُوا بطشُوا جبارين.
وكان يقولُ: ذمُّ الرجل نفسَهُ في العَلانية مدَحٌ لها في السِّر.
وقال: مَن وسَع اللهُ عليه في ذات يده فلم يخف أن يكُون ذلك مكراً من الله به فقد أمن مخُوفاً، ومَن ضيق اللهُ عَليه في ذات يده فلم يرْجُ أن يكُون ذلك نظراً من الله لهُ فقد ضيّع مأْمولاً.
وقال: إن من عظيم نعم الله على خلقه أنْ خلق لُهمْ النار يحُوشُهم بها إلى الجنة.
وقال لرجُل: كيْف طلبك للدُّنيا؟ قال شديد. قال: فهل أدْركت منها ما تُريد؟ قال: لا. قال فهذه التي تطلُبها لم تدرك منها ما تريد فكيف بالتي لا تطلُبها؟ وقال: ابنُ آدم أسبرُ الجُوع، صريعُ الشَّبع.
وذكر يوماً الحجاج فقال: أتانا أعيْمشَ أخيفشَ. له جُمَيْعةٌ يُرَجِّلُها فأخرج إلينا لماماً قِصارا، والله ما عرق فيها عنانٌ في سبيل الله.
فقال: بايعوني. فبايعْناهُ ثم رقى هذه الأعوادَ ينظر إلينا بالتصغير، وننظر إليه بالتعظيم، يأْمُرنا بالمعروف ويجتنبُه، وينهانا عن المنكر ويرتكُبه.
وسُئل عن قوله تعالى: " إنْ الذين يَشْتَرُون بعَهْد الله وأيْمانِهِمْ ثمناً قليلاً " ما الثمنُ القليلُ؟ قال: الدُّنيا بحذافيرها.
وقال: الدنيا تطلبُ الهاربَ منها، وتهرُبُ من الطالب لها، فإن أدْركت الهارب منها جرحَتهُ، وإن أدركها الطَالبُ لها قتلتُه.
وقال: رُب هالك بالثناء عليْه، ومغرور بالستر عليْه، ومسْتدرَج بالإحُسان إليه.
وقال: عن لمْ تُطعْك نفسُك فيما تحملُها عليْه مما تكرَهُ فلا تُطعْها فيما تِحملُك عليه. مما تهوى.
وقال تشبه زيادٌ بعمرَ فأفرط. وتشبه الحجاج بزياد فأفرط، وأهلك الناسَ.
وقال: المؤُمنُ لا يحيفُ على مَن يُبْغِض، ولا يأْثم فيمن يُحبُّ.

وقال لهُ بعضُ الجُند في زمن بني أمَية: تُرَى أن آخذ أرزاقي أوْ أتركها حتى آخذ من حَسَناتهم يوم القيامَة؟ قال: مُرْ فخُذ أرزاقك، فإن القوم يوم القيامة مفاليُس.
وكتب إلى أخ له: أما بعد: فإن الصِّدق أمانةٌ، والكذب خيانةٌ والإنصاف راحةٌ، والإلحاح وقاحةٌ، والتواني إضاعةٌ، والصِّحة بضاعةٌ، والحزم كباسةٌ، والأدَب سياسة.
وقال: يا ابن آدم. اصحب الناسَ بأي خُلأق شئت يصحَبُوك بمثله. وقال: الرِّجالُ ثلاثةٌ، رجلٌ بنفسه، وآخر بلسانه، وآخر بماله.
وقال له رجُل: لي بُنيةً وأنها تُخطبُ. فمّن أزوِّجُها؟ قال: زوجها ممن يتقي الله فإن أحبها أكرمَها، وإن أبغضها لمْ يظلمْها.
وقال: كنا في أقوام يخزُنُون ألسنتهُم، ويُنفقُون أوراقهم، فقدْ بقينا في أقوام يخزنُون أوراقُهم، وينفِقُون ألْسِنتهم.
وكتب إلى عُمرَ بن عبدِ العزيز. أمَّا بعدُ: فكأنْك بالدنُّيا لم تكُن، وكأنْك بالآخرة لم تَزَلْ.
وقيل له في أمير قدِم البصرة، وعليه دَيْنٌ قد قضاهُ. فقال: ما كان قطُّ أكثر دَيْناً منه الآن.
وقال: ينادي مناد يوم القيامةِ: من لهُ عَلى الله أجرٌ فليقُمْ، فيقُومُ العافُون عن النّاس. وتلا قوله تعالى: " فمن عفا، وأصْلح فأجْرهُ على الله " اجْتاز نخَّاسٌ مع جارية بهِ. فقال أتبيعُها؟ قال: نعَمْ. قال: أفترضى أن تقبض ثمنها الدِّرهم والدِّرهمْين حتى تستوفي؟ قال: لا: قال: فإن الله عزَّ وجل قد رضى في الحُور العين بالفلسِ والفلسَين.
وطلب ثوباً ليَسْتتِر به، فقيل لهُ: بثلاثةَ عَشر درهماً ونِصف. فقال خُذ أربعة عشر. فالمُسْلم لا يُشاطرُ أخاهُ الدِّرهمَ.
وقيل له: ما بالُ الناس يُكرمون صاحب المال؟ قال: لأن عشيقهُم عنده.
وكان بلالُ بن أبي بُردة أكُولاً. فقال الحسنُ فيه: يتكئ على شمالهِ. ويأْكل غيرَ مَاله، حتى إذا كظَّه الطعامُ يقولُ: ابغُوني هاضُوما. ويَلك!! وهل تهضم إلا دينك!! وكان الحسنُ إذا دخل خَتَنُة تنحى عن مكان له، ويقول: مرْحباً بمن كفى المؤنثة، وستر العورةَ.
ومن كلامه: مسكينٌ بانُ آدم، مكتومٌ الأجَل والعِلل، أسيرُ الجُوع والشَّبع.
ونظر إلى جنازة قد ازدحَم الناسُ عليها فقال: ما لكُم تزدَحُمون؟؟ ها هي تلك ساريتُه في المسجد اقعدوا تحتها، وصنعُوا ما كان يصنع حتى تكونوا مثله.
وقال لشيخ في جنازة: أتُرى أن هذا الميِّت لو رجع إلى الدنيا يعملُ علماً صالحاً؟ قال: نعمْ قال له: إن لم يكن ذاك فكنْ أنتَ ذاك.
ونظر إلى قصور المهالبةِ، فقال: يا عجباً رفعوا الطين، ووضعُوا الدِّين، وركُبوا البراذِين، واتخذوا البساتين، وتشبهوا بالدَّهاقين فذرهم في غمُرنهم حتى حِين.
وكان يقول في دعائه: اللهم إنا نعوذُ بك أن نملَّ معافاتك. فقيل له في ذلك.
فقال: أن يكون الرجلُ في خفض عيش فتدْعُوه نفسهُ إلى سَفر.
ودخل إلى مريض قدْ أبلَّ من علَّته، فقال له: إنَّ الله ذكرك فاذكُرْه وأقالك فاشكُره.
ويقالُ: إنَّ أوّل كلامه أنَّه صلى يوماً بأصحابه، ثم انفتل، وأقبل عليهم، فقال: أيها الناسُ، إني أعظُكُم، وأنا كثيرُ الإسْراف على نفسي، غير مصلح لها، ولا حاملها على المكروه من طاعة ربِّها. قد بلوْتُ نفسي في السراءِ والضَّراءِ، فلمْ أجدْ لها كثير شُكر عند الرجاء ولا كبير صبر عند البلاء ولو أن الرجل لَمْ يعظ أخاه وحتى بحكمَ أمْرَ نفسه، ويكمل في الذي خُلق له من طاعة ربه لقلَّ الواعظونُ الساعون إلى الله بالحثِّ على طاعته، ولكن في اجتماع الإخوان واستماع حديث بعضهم من بعض حيّاة للقلوب، وتذكيرٌ من النِّسيان. أيها الناسُ إنما الدنيا دارُ مَن لا دار لَهُ، وبها يفرحُ من لا عَقل لهُ، فأنزلُوها منزلتها. ثُمَّ أمْسَك.
ولما مات أخوهُ بكى، فقيل لَهُ: أتبكي يَا أبا سَعيد؟ فقال: الحمد لله الذي لمْ يجعل الحزنَ عاراً على يعقُوب.
وقال: إذا خرجتَ من منزلك فلقيت من هُو أسنُّ منك فقُل: هَذَا خيرٌ مني عبَدَ الله قبْلي، وإذا لقيت من هُوَ دونك فِي السنِّ فقل: هَذَا خيرٌ مني عصيْتُ الله قبلهُ. وإذا لقيتَ من هو مثلُك فقل: هذا خيرٌ مني أعرفُ من نفس مَالاً أعرفُ منه.
وكان يقولُ: يَا عجباً لقوم قَدْ أمروا بالزاد، وأوذنُوا بالرحيل، وأقام أولهُم عَلَى آخرهم، فليْت شعري مَا الَّذِي ينتظرون؟

ونظرَ إلى الناس فِي مصلى البصرة يضحكُون، ويلعبون فِي يوم عيد، فقال: إن الله - عزّ وجلّ - جعلَ الصوم مضماراً لعباده ليستبقُوا إلى طاعته، ولعمْري لو كُشف الغطاءُ لشُغل محْسنٌ بإحسانه، ومسيءٌ بإسَاءته عن تجْديد ثوم، أو ترطيل شعر: وكان يقول: اجعل الدُّنيا كالقنطرة تجوزُ عَلَيْهَا ولا تعمرها وقال تلقى أحدهُم أبيْض بضا يملخُ فِي الباطل مَلخاً، وينفض مذروْيه، ويضربُ أصدريه، يقولُ هأنذا فاعرفُوني قَدْ عرفناك، فمَقتك اللهُ ومقتك الصالحُون.
وقال: نِعَمْ اللهِ أكثر من أن تُشكرَ إلا مَا أعان عَلَيْهِ. وذُنوب ابن آدم أكثر من أن يسْلم منها إلا ما عفا عنه وَكَانَ يقولُ ليسَ العجبُ ممن عطب كَيْفَ عطب؟ إنما العجبُ ممن نجا كَيْفَ نجا؟ وكان يقولُ: حادثُوا هَذِهِ القُلُوب فإنها سريعةُ الدُّثُور، واقدَعُوا هَذِهِ الأنفس فإنها طلعةٌ، فإنكم إلا تقدعُوها تنزع بكُم إلى شرِّ غاية.
وقال لمطرِّف بن عبد الله بن الشخير: يَا مطرَفُ، عظ أصحابك. فقال مطرِّفُ: إني أخافُ أن أقولَ مَالا أفعلُ. فقال الحسنُ: يرحمك الله وأيُّنا يفعلُ مَا يقُولُ؟ يود الشَّيطانُ أنه ظفِر بهذهِ منكم، فلمْ يأْمرْ أحدٌ بمعروف، وَلَمْ ينه عن منكر.
وكان يقولُ: مَا حَاجةُ هؤلاء، السلطان، إلى الشرطِ. فلما ولي القضاءَ، كثُر عَلَيْهِ الناس فقال: لا بُدَّ للِنَّاسِ مِن وزعَةٍ.
وكان يقُولُ: لِسَانُ العاقِل مِن وراءِ قلبهِ فإن عرض لَهُ القولُ نظرَ فإن كَانَ لهُ أن يقول قال، وإنْ كَانَ عليْه القولُ أمسْك، ولسانُ الأحمق أمام قلْبه فإذا عرَض لهُ القولُ قال عليهِ أوْ لهُ.
وكان الحسنُ ينُكر الحكُومة، وكان يذكر عُثمان فيترحم عليْه، ويلَعنُ قتلتهُ، ويقول: لو لم نلعْنهُم للَعُنَّا. ثم يذكُر علياً - عليه السلام - فيقول: لمْ يزلْ أمير المؤمنين علي رحمهُ الله - يتعرفُ النصر، ويساعدهُ الظفر حتى حكّم. ولمَ تُحكِّم والحقُّ معك؟ ألا تمضي قدُماً - لا أباك - وأنْت على الحقِّ.؟؟ قال المبِّرد: قوله: لا أبالك كلمةُ فيها جفاءُ. والعربُ تستعمُلها عند الحثِّ على أخْذ الحّقِّ والإغْراءِ.
وذكر الخوارج: فقال: دعاهم إلى دين الله فجعلُوا أصابَعْهم في آذانهم وأصرُّوا واستكبروا استكباراً، فسار إليهم أبوُ الحسن فطحنهُم.
وقال: لو لم يُصب ابنُ آدم الصِّحة والسَّلامة لأوشكا أن يرداه إلى أرْذل العمُر فحدِّث بذلك محَّمدُ بن جعفر فأعجَبه، وقال: سبحان الله ما أعجَب كلام العرب وأشبه بعضه ببعض؟؟ والله لكان النَّمر بنْ توْلب، سمع هذا. فقال:
يُسر الفتى طولُ السَّلامة جاهداً ... فكيف ترى طول السَّلامة يفْعلُ؟
وقال حميد بن ثور وحسْبُك داءً أنْ تصحَّ وتسْلما.
وكان يدعُو ويقُولُ: اللَّهُم أعْطنا قوةً في عبادتك، وبصراً في كتابك، وفهْماً في حكمك، وأتنا كِفْلين مِنْ رحْمتِك. بيِّض وجُوْهنا بنُورك، واجْعلْ راحتنا في لِقائِك، واجعلْ رغبتنا فيما عنْدَك مِن الخير. اللهمَّ إننَّا نعُوذُ بك منْ العَجز والكسل، والهرم، والجُبْن، البُخل اللهم إنَّا نعوذُ بك مِنْ قُلُوب لا تخشعُ، وأنْفُس لا تشبعُ، اللَّهُم إنَّا نُعِيذ بك أنْفسَنا وأهلينا وذرارينا من الشيطان الرَّجيم.
وقال: إنَّما تعظُ مُسترْشداً ليفهم، أو جاهلاً ليتعلم، فأمَّا منْ وضع سيفه وسوطهُ: أحذرني فما لك ولهُ؟ وقال: إنَّ قوماً لسُوا هذه المطارف العتاق، والعمائِمَ الرِّقاق، وأوْسعُوا دُورهم، وضيَّقُوا قبورهُم، وأسْمنُواً دواتهم، وأهزلُوا ديِنهُم، طعام أحدهمْ غصْب، وخادِمُه سُخره، يتكئ على شمالهِ، ويأْكل من غير مالهِ، حتى إذا أدركْتهُ الكظَّةُ، قال: هلمي يا جَاريةُ. هاضُوماً. ويلك!! وهل تحطم إلا دينك؟.. أين مساكينك؟ أيْن يتامالك؟ أيْن ما أمَرك اللهُ به أين؟ أين؟؟.
ورأى رجلاً يمشي مشيةً منْكرةً. قال: يخْلجُ في مشْيِه خلجان المجنُون. لله في كلِّ عُضْو منهُ لقمةٌ، وللشَّيطْان لعبةٌ.
كان أبو الحسن اسمُه يسارٌ، واسُم أمِّه خيرةُ، مولاةٌ لأمِّ سلمة أمِّ المؤمنين، وكانت خيرةُ ربما غابتْ فيبْكي الحسنُ فتعطيه أمُّ سلمة ثدْيها تُعلِّلُه بهِ، وإلى أن تجيءَ أمهُّ فدرَّ عليه ثديُها. فيرون أن تكل الحكمة والفصاحة، مِنْ برَكةِ ذلك. ونشأَ الحسنُ بوَادي القُرىِ.

وشكا إليه رجلٌ ضِيق المعاش، فقال: ويحَك!! أهاهُنا ضيقٌ أوْ سعةٌ إنَّما الضيقُ والسَّعةُ أمامك.
وقال: لوْلا قِصَر هِمَم الناس ما قامتْ الدُّنيا.
وقال: يا بْن آدَم: إنما أنْت عَدَدْ أيامك إذا مضى يومٌ مضى بعْضُك وتذاكُروا عنْدهُ أمْرَ الصَّحابةِ. قال الحسنُ: رحمهُم الله، شهدُوا وغِبنْا وعَلموا وجَهلْنا، وحفِظْوا ونسينا. فما أجْمعُوا عليْه اتبْعَناهُ، وما اختلفُوا فيه وقفناه.
وقال: حَقُّ الوَالِد أعظمُ وبر والوَالدة ألزمُ.
وقال: عاشر أهْلك بأحسن أخْلاقك، فإنَّ الثَّواءَ فيهم قليلٌ.
وقال: السُّؤالُ نصفُ العِلْم، ومُدَاراةُ الناس نصفُ العَقْل، والقصدُ في المعيشة نصفُ المعيشة. وما عال مُقْتصدٌ.
وقال: خف الله خوفاً أنَّك لو أتيتهُ بحَسناتِ أهْل الأرض لم يقبلْها منْك وأرْجُ الله رجاءً ترى أنَّك إنْ أتيتهُ بسيِّئاتِ أهْل الأرض غفرها لك.
وقال: مَا استْودَع اللهُ رجلاً عقْلاً إلا اسْتنْقذهُ به يوماً ما.
وقال: المؤمنُ من لا يَحِيفُ على مَنْ يُبغْض، ولا يأْثُم فيمَنْ يحب.
ودخل إليْهِ أمْردُ حَسنُ الوجْهِ، فالتفت إلى أصْحابه، فقال: لقد ذكَّرني هذا الفتى الحُور العِين.
ووُلِدَ لهُ غلامٌ فقال لهُ بعضُ جُلسَائِه: بارك الله لك في هِبَتِه، وزادَك في نعْمتِهِ. فقال الحسنُ: الحمدُ للهِ على كلِّ حَسنة، ونسْأَلهُ الزيادَة مِنْ كلِّ نعْمة، ولا مرْحباً بمَنْ كُنْتُ مُقِلاً أنْصبَني، وإنْ كُنْتُ عنيّاً أذْهلني لا أْرضى بسعْي له سَعْياً، ولا بكدِّي عليه في الحياة كدَّاً، حتى أشْفِق عَلْيهِ بعد وفاتي من الفاقةِ، وأنا في حَال لا يصلُ إلى مِنْ همةً حُزنٌ، ولا مِن فرَحه سُرُورٌ.
وقال: عِزُّ الشَّريف أدبُهُ، وعزُّ المؤمِن استِغْناؤه عن الناس.
وقال: العلمُ في الصغر كالنَّقْش على الحجَر، وفي الكبرَ كالرِّقُم على الماءِ.
وقال: ما أنْعَمَ اللَّهُ على عبد نعُمةً إلا وَعَليِهُ فيها تبعةٌ إلا سُليمْان فإنَّ الله - قال: " هذا عطاؤنا فأمننُ أو أمسكْ بغير حساب.
وقال: لا أبالك، إنْ لم تكُنْ حليماً فتحلَّمْ فإنَّه قلَّ رجلٌ يتشبَّهُ بقوم إلا أوشك أنْ يكُون مِنهُمْ.
وقال: لا تشترِين عَداوَة رجل بمودَةِ ألفِ رجُل.
وقيل أهلك فلانٌ فجْأةً. فقال: لوْ لمْ يهْلِكْ فجأةً لمرض فجْأةً.
وقال: مَنْ زهِدَ في الدُّنْيا ملكها، ومَن رغِب فيها عبدَها.
وكان يقولُ: الحُريصُ الجاهِدُ، والقانعُ الزِّاهدُ كِلاهُمَا مُسْتْوفٍ أكُلهُ عز فُنقص شيئاً قُدرَّ لهُ، فعَلام التَّهافُتُ في النَّار؟.
وسَمع رجُلاً يقُولُ: الشَّحيحُ أعْذر مِن الظَّالِم فقال: والله إنَّ رجُلين أعْذرُهما الشَّحيحُ لرَجُلاَ سوءٍ. وقال: إنَّ الله تفرَّدَ بالكمالِ ولمْ يُعَرِّ أحَداً من النُّقصانِ.
قال له رجلٌ: يا أبا سَعيد، ما تقُولُ في الغناء؟ قال: نِعْم الشيءُ الغني تصلُ به الرَّحِمَ، وتفُكُّ بهِ العاني، وتُنفِّسُ به عن المكُروب.
قالَ: لستُ عنْ هَذَا أسْأَلُكَ، إنما أسْأَلُكَ عَن الغنِاء قَالَ يوماً هو أتعرفُ منْهُ شيئاً؟ قالَ: نعَمْ: قالَ: فهاتِهِ. فانْدَفَع يُغني، ويَلْوي شِدقَيْهِ، ومِنخَريْهِ، ويكسِرُ عيْنيْهِ: قَالَ: فَبُهِتَ الحسَنُ، وجَعَل يعْزُبُ عنهُ بعضُ عَقْله حتى فَعَلَ كَمَا فَعَلْ الرَّجلُ يحركِ عَيْنيهِ، وكَسْر حاجبْيهِ، ثم قَالَ لما تَنبَّهَ مِنْ سِنَتِه: أمسكْ يا هَذا، قَبَّح اللهُ هَذَا. مَا كْنتُ إلا في حُلْم.
قالُوا: وَلي الحَسنُ القضَاء فَمَا حُمِدَ. يريدُ أنَّه لَوْ حُمِدَ إنْسانٌ فِي ولاية أوْ فضاء لحُمِدَ الحسَنُ.
وقال: يا بُنَ أدَمَ تعفَّفْ عنَ مَحارم الله تكُن عابداً، وارْضَ بما قَسَم اللهُ لكَ مِن الرزق تكُنْ غنياً. صَاحب الناسَ بما تُحبُّ أنْ يُصاحِبُوكَ بهِ تكُنْ عَدْلاً، وإيَّاكَ وكثرةَ الضَّحكِ فإنَّه يُميتُ القَلْبَ. لقَدْ كانَ قَبلَكَ أقْوامٌ جَمَعُوا كَثيراً، وأمَّلوا بَعيداً، وبَنَوْا شديداً، فأصْبحَ جمْعُهم بُوراً، ومَسَاكنهُم قُبوراً، وأمَلُهْم غُرُوراً.

وقالَ: يا بْنَ آدَمَ لا تُجاهِدِ الطلب جهادَ الغَالِب، ولا تَتَّكلْ علَى القَدَر اتكالَ المُسْتسْلم، فإنَّ ابتغاءَ الفضل من الشرةِ، والإجُمالَ في الطَّلب مِنْ العِفَّةِ، وليْسَتِ العِفَّةُ بدافعة رزْقاً، ولا الحِرصُ بجالب فضْلاً، وإنَّ مِن الحِرصُ اكتسابَ الإثْم.
وقَالَ: اشْكُرْ لِمنْ أنُعَمَ عليكَ، وأنعِمْ على مَنْ شَكَر لَكَ، فإنَّهُ لا زَوَالَ للنعم إذا شَكَرْتَهَا، ولا إدَامةً إذا كَفَرْتَهَا، والشَّكُر زَيادةٌ في النِّعم، وأمَانٌ من الغِيرَ.
وقالَ: إنَّ الله تباركَ وتعالى لمْ يقْصُصْ عليْنا ذُنُوبَ الأنبياءِ عليْهم السلامُ تعييراً لهُمْ، إلا إزْرَاءً بهمْ، ولكنَّهُ قَصَّها عليْنَا كليلا نَيْأًس من التوبة.
وقال: مثلُ المنافِق مَثلُ الدرهم القسي ينفُق في الناس ما لمْ يُعرفُ، فإذا عُرفِ كسدَ.
وقيل لهُ: أيحسد المؤمنُ أخاهُ؟ قال: لا أبَالَك؟ إنِستَ إخُوَةَ يُوسف عليْهِ السلامُ.
وقالَ: أوْعَد عمُر فَعوفي، وأوْعَد زيادٌ فابْتلُي.
عادَ الحسنُ عبد الله بن الأهْتَم في مرضِهِ الذي ماتَ فيه، فأقْبلَ عبدْ الله بضْربُ ببَصرِه إلى صُنْدوق في جَانبِ البيْتِ، ثم قالَ للحَسن، يا أبا سعيد: ما تقُولُ في ماِئة ألف من هذا الصُّندوقِ لم يؤد منها زكاةٌ، ولمْ يُوصَلْ بِها رحمٌ؟ فقال الحسن ثكلتك أمك فلم أعددتها قال أعددتها لورعة الزمان ومكاثرةِ الإخْوانِ، وجَفْوةِ السُّلطانِ، ثم مَاتَ فحضَر الحسنُ جنازتهُ فلما دفِنَ ضَربَ بإحْدى يديهِ على الأخرى، ثم قَالَ: إنْ هَذَا أتَاهُ شيْطانُهُ، يخذرهُ روية زمانه، وجفوةَ سلْطانه، ومكَاثُرة إخْوانِهِ فيما اسْتودَعَهُ اللهُ إيَّاهُ، ثُمَّ خرجَ منْه حَريباً سليباً لم يؤدِّ مِنْها زكاة، ولمْ يصل منها رحِماً. ثم التفَتَ فَقالَ: أيُّها الوارِثُ كلْ هنيئاً، فقَد أتاكَ هذا المالُ حلالً، فلا يكُنْ عَلْيكَ وَبَالاً. أتاك مِمنْ كَانَ له جَمُوعاً مَنُوعاً، يلجّجُ فِيه لُججَ البحار، ومفاوز القفار. مِنْ باطل جَمعَهُ ومِنْ حق منَعهُ، لم ينْتفع بهِ. فِي حياته، وضرهُ بعد وفاتِه، وجمعَهُ فأوعَاهُ، وشدَّه فأوْكَاهُ، إنَّ يومَ القيامة ليومٌ ذُو حَسرات، وإنَّ أعْظَامَ الحسَرات أنْ تَرى مالكَ في ميزانِ غَيْركَ ذَاكَ رجلٌ أتاهُ اللهُ مالاً حلالاً فبَخلَ أن يُنْفقَهُ في طاعةِ اللهِ فورثَهُ اللهُ غَيْرَه. فأنفقَهُ في طاعةِ الله. فيا لَهَا حسرةً لا تُقَالُ، ورحمةً لا تُنَال، فإنا لله وإنَّا إليه راجعُون.
وقال: ابنَ آدم: بعْ دُنْياكَ بآخِرتِك تربَحْهُما جميعاً، ولا تَبعْ آخرتكَ بدنْياك فتخسرهما جميعاً.
يا بن آدم: وإذا رأيْت النَّاس في الخير فنافسُهم فيهِ، وإذا رأيتَ الناس في الشرِّ فلا تغبطهم الثواء قليل ها هنا والبقاء طويل هناك أمتكم أخِر الأُمم وأنتُمْ آخِر أمّتِكُمْ، وقدْ يسرِعُ بخياركُمْ فماذا تنتظُرون؟ المعاينة: فكأنْ قَد. هيْهاتَ هيهاتَ ذهبت الدنيا لحالِ بالها، وبقيتِ الأعمالُ قَلائدَ في أعُناقِ بني آدم، فيا لها موعظةً لو وافقَتْ قبولاً! إنهُ والله لا أمة بعد أمتكُم، ولا نبي بعد نبيكم، ولا كتابَ بعدَ كتابكم. أنْتُم تسوقُونَ الناسَ والساعةُ تسُوقُكُمْ، وإنما ينُتظرُ بأولكمْ أن يَلْحق أخِركم. مَنْ رأى محمداً صلى الله عليه فقد رآهُ غَادياً رائِحاً، لم يَضَعْ لَبنةً على لبنة ولا قصَبةً عَلَى قصبة رفع لَهُ علم فشمر إِلَيْهِ فالوحاء العطاء والنجاء علام تعرجون. أتيتُهم ورب الكعبةِ أسرع بخياركم وأنتُم كل يوم ترذُلُون. فما تَنْظرون؟؟ إن اللهَ بعثَ محمداً صلى الله عليه عَلىَ علم مِنْهُ، واختارَهُ لنفْسِهِ، وبعثَهُ برسالته، وأنْزَالَ عليهِ كتابهُ، وكانَ خَيرتَهُ من خَلقِهِ، ورسولهُ إلى عباده، وثُم وضَعَهُ من الدّنْيا موضِعاً ينظُرُ إليْه أهلُ الأرْض، وأتَاهُ مِنْها قوتاً وبُلْغةً ثم قَالَ: " لقد كان لكم في رسُول اللهِ أسوةٌ حسنةٌ " فرغب قومٌ عَنْ عَيشهِ، وسَخطوا ما رضي لهُ ربهُ، فأبعدَهُمُ اللهُ واسْحقَهُم.

وابنَ أدمَ: طأْ بقدمكَ الأرْضَ فإنها بعد قليل قبرُكَ واعْلم أنكَ لم تزَلْ في هَدْم عمرك مذُ سقطتَ من بطن أمك. رحِم الله عبداً نظر ففكر، وفكر فاعتبرَ، واعتبر فأبصَر، وأبصرَ فصبرَ، فلقدْ أبْصَرَ أقوامٌ فلمْ يصبرُوا فذهبَ الجزعُ بقلوبهم، ولم يُدْركُوا ما طَلَبُوا، ولم يَرْجعُوا إلى ما فارقُوا يا بنَ آدَمَ اذكر قولهُ " وكلُ إنُسان ألزَمناهُ طائِرهُ في عُنقُهِ ونُخرجُ له يومَ القيامة كتاباً يلُقَاهُ منْشوراً. اقُرَأ كتابكَ كفى بنفْسِكَ اليومِ عليكَ حسبياً " ابن آدمَ عَدَل عليك من جعلكَ حسيبَ نفسكَ. خُذُوا مِن الدُّنيا ما صَفَا، وذرُوا ما كدر. فليْس الصفْوُ ما عادَ كَدراً، ولا الكَدر ما عادَ صَفَاء. دَعُوا ما يُريُبكُمْ إلا مالاَ يُريبكُمْ. ظَهَر الجفاءُ، وقلتِ العُلَماء، وعَفَتِ السُّنةُ وشاعَت البدْعةُ. لَقدْ صَحبتُ أقواماً صُحْبتَهُم قرةٌ العْين وجلاءُ الصدْر، ولقد رأيتُ أقْواماً كانُوا مِنْ حَسناتهم أنْ تُرَد عليهم أشفقَ منكُم من سيئاتكم أن تُعذبُوا عليها، وكانُوا فيما أحَل اللهُ لهم مِن الدنْيا أزْهدَ مِنْكُم فيما حَرمَ عليْكُم مِنْها أسْمَعُ حسيساً ولا أرى أنيساً. ذَهبَ الناسُ، وبقيتُ في النِّسْنَاس، لو تكاشَفْتُم ما تَدافَنْتُمْ. تَهاديْتُم الأطباق، ولم تهادَوْا النصائح.
قال عمرُ بنُ الخطاب: رحمَ اللهُ مَنْ أهدى إليْنا مَساويَنَا. أعِدوا الجوَابَ فإنكُم مسئُولُون. المؤمن من لا يأخذ دينهُ عن رأيه، ولكنه يأخذُهُ من قبَل ربه، وإن هذا الحق قد أجْهدَ أهْلهُ، وما يَصْبُر عليْه إلا مَنْ عرفَ فضلهُ، ورجا عاقبتَهُ، فمن حمد الدنيا ذم الآخرة، وليس بكرهُ لقاءَ الله إلا مقيمٌ على سخطه. بابن آدَمَ إن الإيمانَ ليس بالتحلي ولا التمني، ولكنهُ ما وقَر في القلْب، وصدقتْهُ الأعمالُ.
وكانَ إذا قرأ " ألْهَكُمُ التكاثُرُ " قالَ: عم ألهاكم؟ عن نَار الخُلود، وجنة لا تبيد. هذا والله فضَحَ القَوْمَ، وهتك السترْ، وأبدي العورةَ، تُنْفِقُ مثل دينك في شهوتكَ سرفاً، وتمنع في حق الله درهماً! ستعلَم يالُكَع!!.
الناسُ ثلاثةٌ: مؤمنٌ، وكافرٌ، ومنافقٌ: فأما المؤمنُ فقدْ ألجَمهُ الخوفُ وقومهُ ذكرُ العَرْض. وأما الكافرُ فقد قمعهُ السيفُ، وشردَهُ الخَوفُ، وأذعَنَ بالجزْيةِ، وأسْمَح بالضريبة. وأما المنافقُ ففي الحُجراتِ والطرقَات، ويُسروُّن غَيرَ ما يُعْملُون، ويُضْمُرونَ غَيْرَ ما يُظْهرُونَ، فاعُتبرُوا إنْكارَهُم ربهُم بأعْمَالهمْ الخَبيثَةِ. ويْلَكَ! قَد قَتَلْتَ وَليَّهُ، ثُم تَتَمَنى عليهِ جنتهُ! ابنَ آدمَ. كيف تكونُ مُسْلماً - ولم يسْلَمْ مِنْكَ جارُك؟ وكيفَ تكُونَ مؤمناً - ولمْ يأمنْك الناسُ.
وكانَ يقولُ: رحِمَ اللهُ أمرأً اكْتَسَب طيِّباً، وأنْفَقَ قصْداً، وقَدم فضْلاً. وجِّهُوا هذِهِ الفضولَ حيثُ وجهَها اللهُ، وضَعُوهَا حيثُ أمَر اللهُ، فإن مَنْ كانَ قَبْلكُمْ كانُوا يأْخُذُون مِن الدُّنْيا بُلْغَتَهُمْ، ويْؤثرون بالفَضْل ألا إن هذا الموت قد أضر بالدنيا ففضحها فلا والله ما وجدَ ذُو لُب فِيَها فرحاً، وإياكُم وهذه السُّبُلَ المُتفرِّقة التي جماعُها الضلالةُ وميعْادُها النارُ.
ابنَ أدَم: إنْ كانَ لا يُغْنيكَ مَا يكُفيكَ فليْسَ هَاهُنَا شيءٌ يُغْنيكَ، وإنْ كانَ يُغْنيكَ ما يَكفيكَ فالُقليلُ مِنَ الدُّنْيا يَكفيكَ.
ابْنَ أدَمَ: لا تَعْملْ شيْئاً مِن الحقِّ ريَاءً ولا تَتْركُهُ حَيَاءً.
وكانَ إذَا ذُكرَ الحجاجُ قال: يتْلُوا كتابَ الله على لخْم وجذام ويَعظُ عظةَ الأزَارقِة، ويَبْطِشُ بَطْش الجبارين.

وبعث عمرُ بنُ هُبيرةَ إلى الحسنِ، وابنِ سيرين، والشْعبي فقدمُوا عليْهِ فقال: إنهُ تأْتيني مِنْ أمير المؤمنين كتبٌ أعرِفُ في تنفيذِها الهلَكةَ فإنْ أطَعتُه عَصيْتُ الله فماذا تَروْن؟ فقال الحَسنُ. يا بنَ سيرين أجبِ الأمير فسَكَتَ ثم قالَ: يَا شعْبيُّ أجبِ الأمير - فتكلم الشعْبي بكلام هَيْبةً وتقيةٌ فقال: يا أبا سَعيد، وما تَقُول؟ فقالَ: أما إذْ سألْتنِي فإنه يَحِقُّ على أنْ أجِيبَكَ، وإن الله مَانُعِكُ مِنْ يزيدَ، ولن يمنعَكَ يزيدُ مِن اللهِ، وإنه يوشكُ أن ينظلَ بكَ مَالكٌ من السماء فيَسْتنزِلكَ مِنْ سريرك إلى سعةِ قَصْركِ ثُم يخرجَكَ من سَعةِ قَصْرِك إلى بَاحةِ دَارِك ثم يخرجكَ من باحة دَارِكَ، إلى ضيق قَبْركِ، ثُم لا يُوسِعُ عليْكَ إلا عملُك. يا بْنَ هُبيرةَ إني أنْهَاكَ عنِ الله أن تعرضَ لهُ فإنما جَعلَ اللهُ السلطانَ ناصراً لعبادِهِ، ودِينِه، فلا ترْكَبُوا عبادَ الله بُسلْطان الله فتُذلوهُم، فإنه لا طاعةَ لمخلُوق في مَعْصيةِ الله.
يا بْن هُبيرةَ إني قَد أدُركتُ ناساً من صَدْرِ هذِه الأمةِ كانوا فيما أحَل الله لهُم أزهدَ مِنكُمْ فيما حرم الله علْيكُمْ، وكانُوا لِحَسنَاتِهِم ألا تُقْبلَ أخُوَفَ مِنكُمْ لسيئاتِكم ألا تُغُفَرَ. وكانُوا والله لثوابِ الآخرِة بِقلوبهم أبصرَ مِنْكُمْ لمتاع الدُّنيا بأعُينكمِ، فكانُوا والله عَن الدنُّيا وهي إليهِمْ مُقْبلةٌ أشد إدباراً مِنْ إقبالكم علْيها وهي عنكم مُدْبرةٌ.
يا عُمَرُ، إني أخوفُكَ مقاماً خَوفكَهُ اللهُ مِنْ نفْسِهِ، فقالَ: " ذلكَ لمن خافَ مقامي وخَافَ وَعيد " . يا عُمرُ. وإن تكُنْ مَعَ يَزيد يكْفك الله بائَقَتَهُ. وإنْ تكُنْ مَعَ يَزيدَ عَلى الله يَكلِكَ إليهِ.
قال فبكَى عُمَرُ ثم قامَ بعَبْرَتِهِ وأرْسَلَ إليهِمْ مِنَ الغَد بإذنهم وجائزتهمْ وأعْطَى الحَسنَ أرْبَعةَ آلاف دِرهم وكُل واحد منهُما ألَفيْنِ ألفَينِ فخرج الشعبي إِلَى المسجد فحدث الناس ساعة ثُمَّ قال: من قدر منكم يَا أيُّها الناسُ أنْ يُؤْثَر اللهَ على خَلْقه فليَفْعَلْ، فإن الأميرَ ابنَ هبيرةَ أرسَلَ إلي وإلى الحسنِ وبنِ سِيرينَ، فسألَنَا عَنْ أمْرِ اللهِ. فوالله ما عَلمَ الحسنُ مِنْه شيئاً جهِلتُهُ ولا علمتُ شيئاً جَهِلهُ ابنُ سِيرينَ، ولكن أردْنا وجَه ابن هبيرةَ فأقصَانا الله، وقصّرنا فقصّر لنا، وأراد الحسنُ وَجْه الله فحباهُ وزاده.
وروى أن الشعْبي قال لابنِ هُبيرة: لا عليكَ أيها لأميرُ. إنما الوالي والدٌ يخطئ ويصيبُ، وما يرد عليك مِنْ رأي أمير المؤمنين فإن استطعت أن ترده فرده وإلا فلا ضيْرَ عليك. فقال: مَا تقُول يا أبا سَعيد؟ فقال الحَسنُ: قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم: " من استرعاهُ اللهُ رعيةً فلم يُحطْ من ورائِها بالنَّصيحةِ حرمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنة " . وأمَّا رأيُ أمير المؤمنين فإذا وردَ عليْك فاعُرضْهُ عَلَى كتاب الله فإنْ وافقَه فأمْضهِ، وإنْ خالفهُ فأرْددهُ، فإنَّ الله يمنعك مِنْ يزيدَ من الله ولن يمنعك يزيد من الله. ثم أقْبَل على الشعبي فقال: ما لك ويْلك يا شعُبيُّ!! يقولُ الناس: الشعبي فقيهُ أهُله الكُوفةِ تدْخُلُ عَلى جَبَّار مِن الجَبابرَةِ فتُزيِّنُ له المعصية. فقال: واللهِ يا أبا سَعيد لقد قُلْتُ وأنا أعُلم ما فيه. قال: ذاك أؤكُد للُحجِةَّ عَليك وَأبْعد لك مِن العذر.
وقال الحسنُ: لا دين إلا بمروءة.
وشتمَهُ رجلٌ وأربى عليْهِ. فقال لهُ الحسنُ: أمَّا أنْتَ فَمَا أبْقيْتَ شيئاً وما يَعْلَم اللهُ أكثر.
ودَخَلَ عليْه فَرْقد وعليه صٌوفً وعَلَى الحَسن مُطْرف خَزٍّ، فجعَلَ ينظُر إليْه، فقَال الحسنُ: ما تَنْظرُ؟ على ثيابُ أهْل الجنة، وعليك ثيابُ أهْل النَّار، وإنَّ أحَدهُمْ جَعَلَ زُهْدهُ في ثيابِه، وكِبرَهُ في صدرْه، فَلَهُواَ أَشدُّ عجَباً بصُوفِه مِنْ صَاحب المطرفِ بمْطرَفِهِ.
وقالَ الحَسَنُ: ذكَر اللهُ الثِّقَلَ في القرآن فقال عزَّ وجَلَّ: " فإذا طِعمتُمْ فانتشِرُوا " وقال: حَسْبُك مِنْ شرفِ الفَقْر أنَّكَ لا تَرىَ أحداً يَعْصِي الله ليَفتقِرَ.
وقال: مَا أحْسَنَ الرُّجُلَ نَاطِقاً عالماً، ومسْتَمعاً وَاعياً، وخَائِفاً عَامِلاً.

وقال: إنَّ أهل بَدْر أسْلَموا مِنْ خشية اللهِ، وإنَّ الناسَ أسْلموا مِن خشَيَةِ أهُل بدْر.
وقالَ: لولاَ أن الله عَزَّ ذِكُرهُ أذَلَّ ابن أدَم بثلاث ما طَأْطَأ رأسَهُ، وإنَّهُ مَع ذلكَ لوثابٌ: يمْرَضُ فجأَةً، ويموتُ فجْأةً ويَفْتقِر فَجْأةُ.
وقَالَ: السِّوَاكُ مطْهَرةٌ للفم، مَرضاةٌ للرَّب، مقُرَبَةٌ مِن الملائِكةِ، مَنْفَرَةٌ للشَّيَاطين، ويَجْلُو البَصَر، ويُقِلُّ البَلْغم، ويُصْلِحُ المعِدَة، ويشُد اللَّثَتةَ ويُذْهِبُ الحفر.
وقالَ: أشدُّ النَّاس صُرَاخاً يومَ القيامة رجلٌ سَنَّ ضلالةً فاتُّبع عليها، ورَجلٌ سيءُ المَلكة، ورجلٌ فَارغ مكفي استعَان على مَعَاصِي الله بِنعَمِهِ.
ولما مات الحجَّاجُ قالَ الحسنُ: الَّلهُمَّ أنْتَ أمتَّهُ فاقْطعْ عَليْنَا سُنَّتهُ، فإنَّهُ أتَانا أخَيْفِشَ أعَيْمِش، يمدٍ بيد قصيرة البَنان. والله ما عَرق فيها عنانٌ في سَبيل الله، يُرجِّلُ جُمَّته ويخْطِر في مشيته، ويَصْعَد المنبرَ فيهْدِرُ حتى تفوته الصَّلاةُ، لا مِن اللهِ يتقي، ولا مِن الناس يستحي، فَوْقهُ الله وتحتهُ مائةٌ ألف أوْ يزيدون، لا يقُولُ لَهُ قائلٌ: الصَّلاةَ أيُّها الرَّجلُ. ثمَّ يقولُ الحسنُ هَيْهاتَ. حَالَ دُونَ ذَلِكَ الَّسيْفُ والسَّوْط.
وكَانَ يقُولُ: إنما كانتْ خطيئةُ أبيكُمْ أدَم عليْهِ السلامُ في أكْلَة وهي بليَّتكُمْ إلى يومِ القيامةِ.
وقَالَ للصُّوفيينَ: إنْ كانَتْ هَذِهِ سَرِيرَتَكُم فَقْدَ أظهر تمُوهاً، وإنْ كانَتْ خلافاً لما أعْلَنْتُمْ فقدْ هَلَكْتُمْ.
وقَالَ: العِصْمةُ مَا لَمْ تجدْ، والعِفةُ إذَا قَدرْتَ.
وقَالَ: مَنْ بَدَلَ دِرهَمَهُ أحبهُ الناسُ طَوْعاً وكَرْهاً.
وقَالَ: كيْفَ للرجُل بإحُراز دينهِ وهُو يطلُبُ معَاشَهُ مِمنْ لا يُزَكى عَملَهُ.
وقال: مَنْ تعززَ بالمعْصِيةٍ أوْرَثُهُ الله الذِّلةَ.
وقالَ: مَن اتكلَ على حُسْنِ اختيارِ اللهِ لهُ لم يتمَن أنهُ في غَيرِ حَالتهِ التي اختارها اللهُ لهُ.
وقال: مَنْ لمْ يُؤمن بالقدرِ كَفرَ، ومن حملَ ذنبهُ على اللهِ فجرَ.
وقال: رُب مَحْسُود عَلَى رَجاءٍ هو بلاؤهُ، ومَرْحوم مِنْ سقَم هُوَ شِفاؤُه، ومغُبوطِ بِنعمة هي داؤه.
وقالَ: لهذه القُلوبِ إقْبَالٌ وإدبارٌ، فإذا أقْبَلتْ فاحُملُوها على النوافِل، وإذا أدْبرتْ فاحُمِلُوها على الفَرائضِ.
وقَالَ: تجري الأمورُ على المقاديرِ والناس لا يَقْبلُونَ المعَاذِيرَ.
وقال: حَسْبُكَ مِن العِلمْ أن تَخْشَى اللهَ، وحَسْبُكَ مِنَ الجَهْل أنْ تُعْجَبَ بِعِلُمِكَ.
وقالَ: وجدتُ خَيْرَ الدُّنْيا والآخرة في صَبْرِ ساعة.
وقال: جَهد الحقُّ الناسَ فلا يَصْبِرُ لهُ إلا مَنْ عَرفَ فضْلَهُ ورجَا عاقِبتَهُ.
وسألَه رجلٌ فَقَالَ: غُلامٌ يتعلمُ القِرآنَ، وأبُوهُ بأْمُرهُ أنْ يتعلمَ الشِّعْرَ فقال. يتعلمُ القُرآنَ ويتعلمُ مِنَ الشِّعْرِ ما يُرْضِي أَبَاهُ.
وقَالَ: لأن أقْضِي حاجةَ أخ أحبُّ إلي مِنْ أنْ اعْتَكِفَ سنَةً.
وروُي عَنْ أبي عَمُرِو بن العلاء أنهُ قال: ما رأيتُ قَرَوييْنِ أفْصَحَ مِن الحًسن والحجاج.
ونَظَرَ أعْرابي إلى الحَسن، فقيلَ لهُ: يكفَ تراهُ؟ فقال: أرى خيْشُوم حُرٍّ.
وقَالَ لهُ رجلٌ يا أبو سعيد. فقَالَ الحسنُ: شغلَكَ كَسْبَ الدوَانِيقِ عنْ أنْ تقُولُ يا أبَا سَعيد.
وقَالَ لهُ آخَرُ: يا بُو سَعيد. فقالَ: أينَ غذيِتَ قالَ: بلا يلة. قال: مِنْ هذا أتيتَ.
وقال: من دخلَ مَدَاخِلَ التُّهَمةِ لَم يكُنْ لَهُ أجرُ الغَيْبةِ.
وقال: من أمَّلً فَاجِراً كانَ أدنَى عُقُوبَتِهِ الحرمانُ.
دخَل أعْرابيُّ البَصْرة، فقال: مَنْ سَيِّدُّهُم؟ قَالُوا: الحَسنُ بنُ أبي الحَسن.
قال: وبِمَ؟ قالوا: اسْتَغْنَى عما في أيْديهم من دُنْيَاهُمْ. واحُتَاجوا إلى ما في يديه من دينه. فقالَ: بخ بخ. بهذا سَادهُمْ.
وسَمعَ الحسنُ رجلاً يصفُ الفالوذَج فقالَ: فُتَاتُ البُرِّ بلُعابِ النحُلِ بخالِصِ السمْنِ. مَا عَابَ هَذا مُسْلِمٌ.
الباب العاشرنُكَتٌ مِنْ كَلام الشِّيَعة

أخُبرنَا الصاحبُ كافي الكفَاةِ رحمةُ اللهِ عليْهِ قالَ: أخبرنا عبدُ اللهِ بنُ محمَّد، قالَ: أخْبرَنَا عبْدُ الله بنُ الحسن، قال: أخُبرَنَا سهْلُ بنُ محمد قَالَ: أخُبرنَا عبْدُ الرَّحمَن بن المثنى قال: عبد الملك فلما بلغ إِلَى العظة قام إِلَيْهِ رجل من آل صُوحانَ. فقالَ: مَهْلاً مَهْلاً. تأُمُرونَ فلا تأُتَمرونُ، وتَنْهَوْنَ ولا تنتهُون، وتعظُون ولا تتعظُونَ. أفَنَقْتَدي بسيرتكُمْ في أنْفُسكُم أمْ نُطيع أمُركُمْ بأَلْسنَتكُم؟ فإنْ قُلْتُم: اقتَدُوا بسيرتنَا فإني؟ وكَيْفَ وَمَا الحُجَّةُ؟ ومَا النصيرُ منَ الله بإقتداء سيرَة الظَّلمَة الفسَقة، والجَورة الخَونة الذين اتخَذُوا مال الله دُولا، وعبيدهُ خَولاً وإن قلتم: اقبلُوا نَصيحتنَا، وأطيعُوا أمرنا، فكْيفَ يَنُصَحُ لغيره مَنْ يَغُش نَفْسَهَ.؟ أمْ كيْفَ تَجبُ الطاعةُ لمنْ لمْ تَثُبتْ عنْدَ الله عدالَتُه؟ وإنْ قلُتْم خُذوا الحكمَةَ من حُيثُ وجدتُموهَا، وأقبلُوا العظَةَ ممَّن سَمعتُموهَا فَعلامَ وليْنَاكم أمْرَنَا، وحَكَّمْناكُمْ في دمائنا وأمْوالنَا؟ أمَا علمتُمْ أنَّ فينَا مَنْ هُوَ أنْطَقُ منْكُم باللغَات وأفْصَحُ بالعِظاتِ؟ فَتحلْحلوا عنها أولاً، فأطْلِقُوا عِقَالَها، وَخَلُّوا سَبيلَهَا يَبتْدِرْ إليها ألُ رسُول الله صلى الله عليه وعليهم الذينَ شَرَّدْتُموهُمْ في البلادِ، وفرَّقتُموهُمْ في كُلِّ وَاد، وبل تثْبت في أيْديِكُمْ لانْقِضاءِ المُدَّةِ وبُلُوغ المُهْلةِ، وعِظَم المحنةِ. إن لكُلّ قائم قَدَراً لا يعْدُوهُ ويوما لا يخُطوه، وكتاباً معدَه يتلُوهُ " لا يُغادِرُ صغيرَةً، ولا كبيرة إلا أحْصاها " و " سَيَعْلَمُ الذين ظلموا أيَّ مُنْقَلَب يَنْقِلبون " . قال ثُمَّ أجْلسَ الرَّجُلُ فطُلِبَ فَلَمْ يُوجَدْ.
نَظَر شريفٌ إلى رءوسِ بنيِ أمية - وقد حُمِلتْ إلى أبي العبَّاسِ فقَامَ وقَالَ: هذِه رؤسٌ ربَّاهَا النِّفاقُ، ورَّبتهُ، وغَذَّاهَا الكُفْرُ وغَذَّتْهُ، ودَعاهَا الجْهلُ فأجَابتْهُ. صَرفُوا الصَّدقاتِ في الشَّهواتِ، والفيءَ في الغي والغانِمَ فيِ المحارمِ.
لمَّا ماتَ الصادِقُ عليْه السلامُ قَالَ أبو حَنيْفَةَ لشَيْطان الطَّاق مَاتَ إمَامُك. قَالَ: لكن إمامَكَ لا يموتُ إلى الحشْرِ. يعْني السُّنَّةَ.
قالَ مُعَاويةُ لأبي الأسود: لَوْ كُنْتَ أحَدَ الحكمَيْنِ ما كُنْتَ صانعاً؟ قالَ: كْنْتُ أقولُ: أليْسَ أحقَّ الناسِ أنْ يُتخَيَّر منهم المهاجرُون والأنصَارُ؟ فإنَّهُ كانَ يقالُ: بَلَى: فكنتُ أقُولُ: فاعُتزِلُوا مَنْ ليْسَ منهُمْ. قال معاويةُ الحمدُ لله الذي كفانَاكَ.
جَلسَ مُعاويةُ بالكُوفة يُبَايعُ على البراءة منْ على عليْهِ السلام فجاء رجلٌ مِنْ بني تميم فأراده. عَلى ذلكَ فقالَ: يا أميرَ المُؤمنين. نُطيعُ أحُياءَكُم ولا نتبرأ من موتاكُم. فالتفت إلى المُغيرةِ، فقال: إنَّ هذا رجلٌ. فاسْتَوْصِ به خيْراً.
قال الشَعبي: مَا لقينَا منْ علي بن أبي طالب: إنْ أحَبَبْناهُ قُتِلْنَا وإنْ أبغْضَنَاه هَلكْنَا.
قال عبدُ الملك بن مروانَ لعبد الله بن عبد الأعلى الشاعر: أخْبرني عَنْ أكْرَم العَرب؟ قالَ: يا أميرَ المُؤمنين: قد سمعتَ كَما سمعت، وعلمتَ كما علمت. قال: أقْسم عليكَ لتخبرني.
قال: أكرم العَرب مَنْ يحبُّ ألا يكونَ من غَيرهَا، ولا يحب غَيرَه أن يكونَ إلا منْهَا. وألام العَربَ مَنْ يحب أنْ يكونَ منْ غيرهَا ولا يحب غَيره أنْ يكونَ مِنْها. قَالَ، فَوضَعَ عَبد الملكِ يدَه على منِكبه وقَالَ: لو مسَحتُكَ لتناثَر منْكَ ترابٌ. يعرِّض له بحب علي عليه السلام وبني هاشم.
كان أبو الهذَيْل يقول: أوَّل سِهام مَنْ تحب آل محَّمد صلى الله عليه وعليهم التي لا يطيش عنْ أعدَائهم قولهم: الحمد لله على طيبِ المولد.
قال يونس: قلت للخُليلِ: ما بال أصحَابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كأنهم بَنو أمٍّ وإخوة، وعلي كنه ابن عَلَّة؟ فقال لي: منْ أين لَكَ هَذَا السؤال؟ فقلْت: أريد أن تجيبني. قالَ عَلَي أنْ تكْتم علي ما دمتْ حياً. قلْت: أجَلْ. قالَ تقدَّمَهم إسلاماً، وبذَّهم شَرَفاً، وفَاقَهم علْماً، ورَجَحَهم حلْماً، وكانَ أكْثرَهم زهْداً، فَخسروه والناسُ إلى أشُكَالِهم أميل.

قال المتوكل لبعض العلوية: ما يقول ولُد أبيكَ في العباسِ؟ قال: يا أميرَ المؤمنين ما يقول ولَد أبي في رَجُلٍ فَرض الله حقَّ رسُولهِ على عِبَادِهِ: وفَرضَ حقَّه عَلَى رسُوله. قال له: والفرق بينَنَا وبينَكم. قال: ذَاكَ بيِّنُ. لوْ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسَلَّم حياً: أكانَ حَلالاً لهُ أن يكُونَ حُرَمي متكشفاتِ الروؤس؟ قَالَ: نَعَمْ.
سُئِلَ أحمدُ بنُ حنبل عَنْ قول الناسِ: على قَسِيمُ الجنَّةِ والنَّار. فقَالَ: هذا صحيحُ لأنَّ النبي عليه السلامُ قالَ لعلي: " لا يحبُّك إلا مؤمِنٌ ولا يُبغضُكَ إلا مُنَافقٌ " والمؤمن من الجنَّةِ والمُنافِقُ في النِّار.
لمَّا قدِمَ طلحةُ والزبيرُ البصْرة قامَ المطرفُ بنُ عبد الله خطيباً في مَسْجدِهَا، فقالَ: أيُّها الناسُ: إنّ هذيْن الرَّجُلين - يعني طلحَةَ والزبيرَ - لما أضَلا دينَهُمَا ببلدِهما جاءَا يطلبانِهِ في بلدِكُمْ، ولو أصابَاه عندَكُمْ ما زَادَاكُمْ في صَلاتِكُمْ، ولا في زَكَاتِكُمْ، ولا في صَومْكم ولا في حجِّكُمْ، ولا غَزْوكُم، وما جَاءَا إلا لينَالاَ دُنْياهُمَا بدينكُمْ، فلا تَكْونَنَّ دُنْيا قوم آثَرَ عِندكُم مِن دينكُمْ والسَّلامُ.
وكان بعضُ قضاة الكُوفَةِ يذكرُ يوماً فضائلَ أمير المؤمنينَ - صلوات الله عليهِ - وحضرهُ بعَث الحشوية فقالَ للقاضي: لا أراك تذْكُرُ مِنْ فضَائِلِ أبي بكر وعُمرَ شيئاً. فقالَ القاضي: يا أحمقُ، نحنُ نذكُرُ المُقاتِلَةَ وأنْتَ تَذَكُر النظارَةَ.
لقي أبُو موسى الأشعريُّ أعرابياً، قَدْ قِدمَ من دومة والجْنَدل، فقال: يا أعرابيُّ، ما عِنْدَكَ مِن خَيرَ الناس؟ قال: تركْتُهُم يَا يلعَنُونَ ثلاثةً قال: مَنْ هُمْ؟ قال: الأشعري، وأبَا مُوسِى، وعبدَ اللهِ بنَ قيس، كان بعضُ أهل البصرة يتَشِّيعُ وكان لهُ صديقٌ يفد إليه ويوافقه في مَذْهَبه فأودَعهُ مالاً فجَحَدهُ، فاضطْرَّ إلى أن قالَ لمُحمدِ بن سليمان، وسأله أن يحضرهُ، ويُحلفه بحق علي عليه السلام، ففعل ذلك. فقال: أعزَّ اللهُ الأميرَ. هذا الرجلُ صَديقي، وهو أعزُّ علي، وأجلُّ عنْدي منْ أنْ أخلف لهُ بالبراءة مْن مُخْتلفٍ في ولايته وإيمانه، ولكني أحلف له بالبَراءة منْ المتفق على إيمَانهما وولايتهما: أبي بكر وعمَرَ، فضحك محمَّد بن سليمان، والتزم المال، وخلَّى عَن الرَّجل.
قالَ أبو معاويةَ الضَّريرُ: بعثَ هشام بنُ عبد الملكِ إلى الأعْمش أن أكتُبْ إلى بمنَاقب عُثمانَ ومساوئ علي على فأخذَ الأعمشُ القرطاس، فأدخلهُ في فم شاة، فأكلتهُ. وقال: قُلْ هذا جَوابُهُ. فرجَع الرسولُ ثُم عَادَ فأتى الأعمشَ. فقالَ الرسولُ. إنَّهُ قد آلى أنْ يَقْتُلَني إنْ لمِ آتِهِ بالجواب وتحمل إليْه بإخُوانِه. فقالُوا: يا أبَا مُحمد افتِده مِن القَتْل. فلماَّ ألحُّوا قال: اكُتبْ بسم الله الرحمن الرحيم.. أما بعدُ. فلوْ كَانتْ لعثمانَ مناقبُ أهل الأرض ما نَفَعَتْكَ، ولو كانَتْ لعلى مساوئ أهْل الأرض ما ضَرَّتكَ فعليْكَ بخُويصةِ نَفْسِكَ. والسَّلامُ.
قال ابنُ الفرق: رأيْتُ المختارَم مسْتُورَ العْين. قلتُ: مَنْ فَعل بكَ هذا قطعَ الله يدهُ فقال: ابنُ الفَاعلة عبيدُ الله بنُ زياد، والله لأقطَعَنَّ أنَامِلهُ وأباجلَهُ، ولأقتُلن بالحسيْن عَدَدَ مَنْ قُتِلَ بيْحيى بن زكريا. ثم قال. يا بنَ الفرق، وإن الفْتنَةَ قدْ ألقتْ خِطامَها، وخبطتْ وشمسَت. ثم قَالَ: ورَافِعةَ ذيْلَهَا، وقائِلة: ويلها بدجلة أو حولها!!! قال عبيدُ الله بن زياد لبعْض بني بكر بن وائل: ما تقولُ فينا وفي الحُسَيْن وفي قَتْلنا إيَّاهُ؟ فقالَ: ما أقُولُ؟ يجي جدُّه يومَ القيامةِ فيشفَعُ له ويجيءُ جدك فيشفعُ لكَ.
كان أبُو الأسودِ يتشيع وكان ينزلُ في بني قشير - وهُمْ عثمانيةٌ فكانوا يرمونه بالليل، فإذا أصْبحَ شكا ذلك فشكاهُم مرةً، فقالوا لَهُ ما نَحنْ نَرْميكَ وَلكنِ الله. فقالَ كذبتْمْ - والله - لو كَانَ اللهُ يرِميني لما أخْطَأني.

كان سُفْيانُ بنُ عُييْنةَ إذا يُشِّر بمَوْلُود مِن العلّوَيةِ أعطى بشَارةً، وإذا نُعى إليْه واحدٌ جلَسَ للتعزيةِ. فقِيلَ لهُ في ذلكَ. فقالَ: يذهبُ أمانٌ، ويزيدُ أمانٌ، همْ أمانُ أهْل الأرْض مِن العذاب. سمعْتُ عمْرَو بن ديِنار عن ابن عباس أنَّ رسولَ الله صلى الله عليهَ. قال: النجُومُ أمانٌ لأهْل السِّماء، وأهلُ بيتي أمانٌ لأْمتي.
قال عبد اللهِ بنُ عباس المخزومي: قلتُ: يا عمُّ، حدثني عما كان من صفو الناس معَ علي وإنما هو غُلامٌ منْ قريش، ولأبي بكْر مِن السابقةِ ما قدْ عَلمتَ، قَالَ: إن علياً كانَ ما شئْتَ من ضرس قاطع، والسلطةِ في العشيرة، والقدم في الإسْلام، والصِّهر لِرَسُول الله صلى الله عليه، والعِلْم بالقُرآن، والفقْه في السُّنَّة، والنَّجدة في الحرْب، والجُودِ بالماعُون.
دخَلَ أبوْ الطفيْل عامرُ بنُ وائلة الكنانيُّ على معاويةَ فقالَ لهُ: أْنتَ مِنْ قَتله عُثْمانَ؟ قالَ: لا. ولكنني مِمنْ حضَرهُ فلم يَنْصرْهُ. قالَ: ومَا منعَكَ منْ نَصْره؟ قَالَ: لمْ ينصرْهُ المُهَاجروُنَ والأنْصارُ. قالَ معاويةُ: لقد كان حقهُ واجباً، وكان يجبُ عليهمْ أنْ ينصروهُ. قال: فَمَا منَعَكَ منْ نُصْرتَه يَا أميرَ المؤْمنينَ ومَعكَ أهْلُ الشَّام؟ قالَ: أومَا طَلَبي بدمِهِ نصرةٌ لهُ؟ فضَحكَ عامِرٌ فقال: أنْتَ والله وعثمان كقولِهِ: لأعْرفنَّكَ بعْدَ الموتِ تندُوبُني وفي حياتي ما زَوَّدْتَني زادي فقال لهُ معاويةُ: دَعْ هذا عنْكَ، وقُلْ لي: ما بقَّاهُ الدهر مِنْ ثُكْلِكَ على علي ابنْ أبي طالب فقالَ: ثُكْلُ العجوز المِقْلاتِ، والشَّيخ الرَّقوبِ قالَ: فكيْفَ حبُّكَ لَهُ؟ فقالَ: حُبُّ أمِّ مُوسى لموسَى، وإلى الله أشْكُو التَّقْصيرَ.
الباب الحادي عشر
كلام الخوارجمن كلام أبي حمزةَ: تَقْوى اللهِ أكرمُ سَريرة، وأفضلُ ذَخِيرة، مِنْها ثقَةُ الوَاثق، وعليْها مِقَةُ الوَامِق. ليعمَل أمرؤ فِي فكَاك نَفْسِهِ وهو رخي اللبَب، طويلُ السَبَب، وليعْرفَ مَمدَّ يَدِه، ومَوضِعَ قَدَمِهِ، وليَحْذَر الزَّلَلَ والعلَ التي تقْطَعُ عَنِ العمَل. رحِمَ اللهُ عبداً آثَرَ التَّقْوىَ، واستشْعرَ وشعارَها واجتنىَ ثمارها. باعَ دَارَ النفدِ بدار الأبَدِ. الدُّنْيا كروْضَة اعتمَّ مَرْعَاهَا، وأعْجَبتْ مَنْ يَراهَا، تمجُّ عروقُها الثرى، وتنظفُ فروعها الندي، حتى إذا بلغَ العُشْب إناهُ، وانْتَهى الزبرج منتهاه، ضعفَ العُمودُ، وذوي العُودُ، وتولي مِن الزَّمان مالا يُعود، فَحنَتِ الرياحُ الورقَ، وفرقتْ مَا أتسقَ، فأصبحَ هشيماً تذروهُ الرياحُ وكان اللهُ على كل شيء مُقْتَدِراً.
كان شبيب يقُولُ: الليلُ يكْفيكَ الجَبَانَ ونِصْفَ الشُّجَاع.
أتى الحجاجُ بامْرَأة مِنْ الخَوارج، فقالَ لِمنْ حَضَر: ما تروْنَ فِيها؟ قالُوا: اقْتُلْها. فقالَتْ: جُلُساءُ أخيكَ خيرٌ مِنْ جُلسائكَ: قال: مَنْ أخي؟ قالتْ: فِرْعُونُ: لما شاورَ جُلساءهُ في موسى " قالوا أرْجِهُ وأخَاهُ وأبعثْ في المدَائِنِ حاشرين " فأمَرَ بقَتْلِهَا.
مرَّ رجلٌ من الخوارج بدار تُبنى، فقال: مَنْ هذا الذي يُقيم كفيلاً؟ أخذ ابنُ زياد بنَ أديَّةَ: أخَا أبي بلال، فقطعه يديه، ورجليه، وصلبه على بابِ دارِه فقال لأهله وهو مصْلوبٌ: انظروا إلى هؤلاء الموكَّلين بي فأحسِنُوا إليهم فإنهم أضيافكم.
أني عتابُ بن وَرْقَاء بامرأة من الخوارج فقال لها: يا عدوةَ الله، ما دعاكِ إلى الخروج؟ أمَا سمعتِ الله تعالى يقول:
كُتِبَ القتل والقتال علينا ... وعلى المحصنات جرُّ الذيول
قالت: يا عدو الله، أخرجني قلةُ معرفتك بكتاب الله.
كان الجنيد بن عبد الرحمن يلي خراسان في أيام هشام، فظفر بصبيح الخارجي، وبِعده، مِن أصحابه، فقتلهُم جميعاً، غيرَ رجل أعمى كان فيهم. فقال له الأعمى: أنا أدلُّك على أصحاب صبيح، وأجازيك بما صنعتَ، فكتب له قُوماً. فكان الجنيد يقتلهم حتى قتل مائةً. فقال له الأعمى عند ذلك: لعنكم الله. تزعُم أنه يحلُّ لك دمي. وأني ضالَ. ثم تَقبلُ قولي في مائة فتقتلهم. لا - والله - ما كتبتُ لك من أصحاب صبيح رجلاً وما هُمْ إلا منكم فقدَّمه، وقتله.

دخل أبو حمزة - واسمه يحيى بن المختار - مكة، فصعد منبرها متوكئاً على قَوْس له عربية، فحمد الله، وأثنى عليه. ثم قال: أيُّها الناسُ، إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان لا يتقدمُ ولا يتأخَّرُ إلا بأمْرِ اللهِ وإذْنِه ووحيهِ، أنَزلَ اللهُ له كتاباً بيَّنَ لهُ فيهِ ما يأْتي وما يتقي، فلم يَكُ في شَكِّ مِنْ دينهِ، ولا شُبْهة منْ أمْرهِ، ثم قبضَهُ اللهُ إليهِ، وقد علمَ المسْلمينَ معالم دينهِ، وولى أبا بكر صلاتَهُمْ وولاه المسلمونَ أمر دُنْياهُمْ حيثُ ولاهُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليْه وسلم أمْرَ دينهِم، فقَاتَل أهْلَ الردِة، وعملَ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، ومَضى لسَبيِلهِ - رحمهُ اللهُ - وولي عمرُ بنُ الخطاب، فسارَ بسيرةِ صَاحبهِ، وعَمِلَ بالكتابِ والسُّنَّةِ، وجبى الفيءَ، وفَرضَ الأعْطِيةَ، وجمَعَ الناسَ في شَهْرِ رمضانَ، وجلدَ في الخَمْرِ ثمانينَ، وغَزَا العدوَّ في بلادِهمْ، ومَضَى لسبيلهِ رحمهُ اللهُ.
وولي عثمان بن عفانَ فسارَ ستَّ سنين بسيرةِ صاحبيهِ، وكانَ دُونَهَما ثم سَارَ في الستِّ الأواخرِ بما أحبطَ الأوائلَ، ثم مَضى لسبيلهِ، وولي علي بنُ أبي طَالب فلم يَبْلُغ من الحق قصْداً، ولم يرفْع له منَاراً. ثُم مضَى لسبيله، وولي معاوية بنُ أبي سُفيانَ لَعينُ رسولِ الله وابنُ لعينِه فاتخذَ عبادَ الله خولاً، ومالَ اللهِ دُولاً، ودينهُ دَغَلاً فالعنُوهُ لعنَهُ اللهُ. ثم ولي يزيدُ بن معاوية، يزيدُ الخمورِ، ويزيدُ القُرودِ، ويزيدُ الفُهودِ، الفاسقُ في بطنِهِ، المأبُونُ في فَرْجِهِ، ثم اقتصهُمْ خليفةً خليفةً. فلما انتهى إلى عُمَرَ بن عبد العزيزِ أعْرَضَ عن ذِكْرِهِ. ثم ولي يزيدُ بنُ عبد الملك الفاسقُ في بْطِنه المأبُونُ في فَرِجهِ الذي لم يؤنس منه رُشدٌ، ولم يُرْعَ له عهْدٌ. وقد قالَ اللهُ في أموال اليتامى " فإن آنستُمْ منهُمْ رُشداً فادْفعُوا إلَيهِمْ أموْالَهُم " .
فأمرُ أمة محمد أعظمُ يأكلُ الحرامَ، وبِشرْبُ الحرامَ، ويلْبس الحُلَّة قُومِّتْ ألفَ دينار قد ضُرِبتْ فيها الأبشارُ، وهُتِكتْ فيها الأسْتَارُ، وأخِذتْ مِن غير حِلِّها. حَبابة عن يمينِهِ، وسلامةُ عن يَسَارهِ يُغنيانِه حتى إذا أخذَ الشرابُ مِنْهُ كلَّ مأخذ قَدَّ ثوبَهُ، ثم التفَتَ إلى إحداهُمَاَ فَقالَ: ألا أطيرُ؟ نَعمْ، فِطِرْ إلى النَّارِ.
وأما بنُو أمية فَفٍِرقَةٌ الضلالةِ، بْطشُهمْ بطْشُ جَبْريَّة، يأخُذُونَ بالظنة، ويقْضُونَ بالهوى، ويقتُلُون على الغضبِ، ويحْكُمون بالشفَاعة، ويأخُذُونَ الفَريضَةَ مِنْ غيرِ موضعها، ويضعُونَها في غير أهْلِها، وقد بيَّن الله أهْلَهَا فجعلَهُم ثمانيةَ أصناف. قالَ: " إنِّما الصدقاتُ للفقراء " إلى آخر الآية فأقبلَ صِنْفٌ تاسعٌ لَيْسَ مِنْهمَا فأخَذَها كلَّها. تْلكُمُ الأمةُ الحاكِمةُ بغَيْرِ مَا أنْزَل اللهُ.
خطبة قطري بن الفجاءةأمَّا بعدُ: فإني أحذِّرُكم الدنيا فإنها حُلوة خَضِرةٌ، حُفَّتْ بالشهوات وراقتْ بالقليل، وتَحبَّبتْ بالعاجلةِ، وخلّبتْ بالآمال، وتَزيَّنتْ بالغُرور ولا تَدْمَ حَبْرتها، ولا تؤْمنُ فجيعتْها، وغرارة ضرارة، وحائلةٌ زائلةٌ، ونافِدةٌ بائدةٌ، أكالةٌ غَوَّالة، لا تعْدُو - إذا تناهتْ إلى أمنية أهل الرغبة فيها، والرِّضَا عنها - أنْ تكونَ كما قال اللهُ تعالى " كماء أنْزَلَناهُ من السماء، فاختلط به نباتُ الأرض فأصبحَ هشيماً تذروه الرياحُ وكان اللهُ على كل شيء مقتدراً.
مع أن امرأ لم يكن منها في حَبْرة إلا أعقبتْهُ بعدها عبرة ولم يلْقَ من سرائها بطناً إلا منحتْه من ضَرائها ظهْراً ولم تَظِله غيمةُ رخاءٍ إلا هطلتْ عليه مُزْنةُ بلاء، وحريةٌ إذا أصبحتْ له منتصرةً، أنْ تُمسي له خاذلةً مُتنَكرة، وإن جانِبٌ مِنْها أعذوذبَ واحد ولي أمر عليه منها جانبٌ وأوبى.

وإنْ آتت امرأ من غضارتها ورقاً أرهقته من نوائبها تعباً. ولم يْمس منها امرؤ في جنَاح أمنٍ إلا أصبحَ مِنْها على قوادمِ خوف. غرّارةٌ غرورٌ ما فيها، فانيةٌ فإن من عليها لا خيرَ في شيء من زاد منها إلا التقوى. من أقل منها استكثرَ مما يؤمنهُ، ومن استكثر منهَا استكْثَر مِما يُوبقُه ويطيل حُزنه، ويبكي عينَه، كم واثقٍ بها فجعته، وذي طمأنينة إليها قد صرعتْه، وذي احتيال فيها قد خدعته، وكم ذي أبهة فيها قد صيرته حقيراً، وذي نخوة قد ردْتهُ ذليلاً، ومن ذي تاج قد كبتْه لليدين، وللفَم.
سلطانُها دُوَلٌ، وعيشُها رنَق وعذبها أجَاجٌ وحُلوُها صَبرٌ، وغذاؤها سِمامٌ، وأسْبابها رِمامٌ، وقطافُها سَلَع، حيُّها بعَرَضِ موت، صحيحُها بعَرَضِ سقم، منيعُها بِعَرضِ اهتضَام. مليكُها مسلُوب، وعزيزُها مغْلوبٌ، وسليمُها منكُوب، وجارها محروبٌ، مع أنَّ وراء ذلك سكراتِ الموت، وهولَ المطلعِ، والوقوفَ بين يدي الحكم العدل " ليجزي الذين أساءْوا بِما عَملوا ويجزي الذينَ أحْسنُوا بالحُسْنى " .
ألستُم في مساكن من كان قَبْلكم أطولَ أعْمارً، وأوضح منكُم آثاراً، وأعد عديداً، وأكثفَ جُنوداً، وأشدَّ عُنوداً.
تُعبِّدوُا للدنيا أي تعبُّد، وآثَرُوها أي إيثار، وظعَنُوا عنها بالكُره والصغَار فهل بلَغكُم أنَّ الدنيا سمحَتْ لهم نفْساً بِفدْية، أو أغْنَتْ عنهم فيما قد أهلكتْهُم بخَطْب؟ بل قدْ أرهقتْهُم بالفوادح، وضَعْضَعْتهُمُ بالنوائب، وعقرتهُم بالفجائع. وقد رأيتُم تنكُّرَها لمنْ دَانَ لها، وآثَرها وأخْلَدَ إليها حين ظَغنُوا عنها لفراقِ الأبَد إلى آخرِ المُسْند.
هل زودتَهْمُ إلا السغَب، وأحلَّتهم إلا الضّنْكَ، أوْ نورت لَهم إلا الظُّلمةَ أو أعقُبتْهم إلا الندامة؟ أفهذه تُؤثرون أمْ علي هذه تَحْرِصُون؟ أم إليها تطمئنون؟ يقولَ الله عز وجل: " مَنْ كان يُريد الحياةَ الدنيا وزِينتَها نُوَفِّ إليهم أعْمالهم فيها وهم فيها لا يُبْخَسُون " فبئستْ الدارُ لمنْ أقامَ فيها فاعلُموا - وأنتم تعلمون - أنكم تَارِكُوها لا بُدَّ، فإنما هي كما وصفَها اللهُ باللعب، واللهو. وقد قال الله تعالى: " أتبنْون بكُلِّ ريع أيةً تَعْبَثُون وتتَّخذُونَ مصانعَ لعلكم تَخْلُدون وإذا بطشتُم بطَشتُم جبارين " .
ذكر الذين قالوا: " من أشدُّ منا قوةً " ثم قال: حُملُوا إلى قُبورهم فَلا يُدعَون رُكْباناً، وأنْزِلوا فلا يُدعَوْنَ ضيفَاناً، وجعل الله لهم من الضريح أجْناناً، ومن الترابِ أكْفاناً، ومن الرفُّات جِيراناً، وهم جِيرةٌ لا يُجِيبون داعياً، ولا يمنعُون ضَيماً. إن خَصبوا لم يَفْرحُوا، وإن قَحطوا لم يقُنطوا. جَميعٌ وهم آحاد، جِيرةٌ وهم أبْعادٌ، مُتَناءْون لا يزورُون ولا يُزَارُون.
حُلماءُ قد ذهبتْ أضْغانُهم، وجُهلاءُ قد ماتتْ أحقادهُمْ، لا يُخشى فجْعهُمُ، ولا يُرْجَى دَفْعُهمُ، وكما قال الله تعالى: " فتلْكَ مساكُنهم لم تُسْكَنْ منْ بعْدِهِم إلا قليلاً وكُنَّا نحنُ الوارِثين " .
واستبدلَوا بظَهْرِ الأرض بطْناً، وبالسَّعة ضِيقاًُ، وبالأهل غُربةً، وبالنور ظُلمة، ففَّارَقُوها كما جاءُوها حُفاةً، عراةً، فُرادى، غيرَ أنْ ظعنُوا بأعمالهم إلى الحياد الدائمة، وإلى خلود الأبَد، يقولُ الله تبارك وتعالى: " كما بدأنا أول خلق نُعيدُه وعداً علينا إنا كُنَّا فَاعِلينَ " .
فاحذَروا ما حذَّركُم الله، وانتفعُوا بمواعظه، واعتصمُوا بحَبْله. عَصَمنا اللهُ وإياكم بطاعته، ورزَقنا إياكُم أداءَ حقِّه.
قالوا: لما أخذ أبو بيهس الخارجي، وقُطِعتَ يداهُ، ورِجْلاهٌ، تُرك يتمرغُ في الترابِ. فلما أصْبح قال: هل أحدٌ يُفْرِغُ على دَلْوين؟ فإني احتلمتُ في هذه الليلةِ. هذا إن كان صَادقاً فهو عجيبٌ، وإنْ كان قالهُ استهانةً بمَنْ فَعلَ ذلك فهو أعجبُ.
قال بعضُهم: سمعتُ أبا بلال في جنازة وهو يقولُ: ألا كلُّ ميتةٍ ظنُونٌ إلا ميتةَ الشجاء. قالوا: وما ميْتةُ الشجاء؟ قالَ: امرأةٌ أخذها زيادٌ فقطعَ يديْها، ورجليها، فقيل لها: كيف تريْنَ يا شجَاءُ؟ قالتْ: قد شَغلني هولُ المطَّلَع عن بَرْدِ حَدِيدكم.
قال الحجاج لامرأة من الخوارج: اقرئي شيئاً من القرآن. فقالتْ: " إذا جاء نَصْر الله والفتْحُ، ورأيتَ الناسَ " " يخرجونَ فقَالَ: ويحك يدخُلُون.

قالتْ: قد دَخَلُوا، وأنتَ تُخْرِجُهم.
وقال الحجاجُ لأخرى: لأحصدنكُمْ حصْداً. قالتْ: أنتَ تحصُدُ، والله يزرَعُ، فانظُرْ أينَ قُدْرةُ المخلُوقِ من قدرةِ الخالق؟ رأت أخرى منهُمْ رجلاً بضًّا فقالتْ إني لأرى وجهاً لم يُؤثِّرْ فيه وضوء السبرَات.
كان شبيبُ الخارجي ينعى لأمة: فَيُقَالُ: قُتِلَ: فلا تُصَدِّقُ، إلا أنْ قِيل لَها: غَرِقَ: فولولتْ، وصدقَتْ. فَقِيلَ لَهَا في ذلكَ. فقالتْ: إني رأيتُ حين ولدتُهُ إنهُ خَرجَ مني نارٌ فعِلمتْ أنهُ لا يُطفئُهُ إلا الماءُ.
وقَفَ رجُلٌ على أبي بيْهَسَ وقَدْ أمِرَ بقَطْع يديه ورجليه فقال: ألا أعْطيكَ خاتماً تتختُم بِهِ؟ فقالَ لَهُ أبو بيْهسُ: أشْهَد أنَّكَ إنْ كُنت مِنَ العَرب فأنت مِن هذيل، وإن كنت مِن العجَم فأنت بَرْبَري. فسُئِل عَنه فإذا هو منْ هذيل وأمهُ بَربْرِيَّةٌ.
أتى رجُلٌ من الخَوارج الحسنَ البصري، فقالَ لَهُ: ما تَقولُ في الخَوارج قالَ: هُمْ أصْحَابُ دُنيا، وقَالَ: ومن أينَ قُلتَ وأحدهُمْ يمْشي في الرُّمح حتى ينكَسرَ فيه، ويخرج من أهله ووَلَده؟ فَقَالَ الحسنُ: حدثني عن السلطان أيَمْنعُكَ من إقَامَة الصلاة، وإيتَاءٍ الزَّكَاة، والحجِّ والعُمْرة؟ " قَالَ لاَ. قَالَ: فأرَاهُ إنما مَنَعَكَ الدنُّيا فقاتلتَ.
نَزَلَ رجُلٌ من الخَوارج عَلى أخ لهُ منهُمْ في اسْتتارة منَ الحجَّاج، وأرادَ صاحبُ المنزل شُخُوصاً إلى بلد آخَرَ لحَاجة لهُ، فقَالَ لامرأته: يا زرقَاءُ أوصيك بضَيْفي هَذا خيراً وبَعُدَ لِوجهتهِ. فلما عَادَ بَعْدَ شهر قال لَهَا: يا زرقاءُ. كيف رأيْتِ ضيفنا؟ قالت ما أشغلهُ بالعمى عن كلِّ شيء وكان الضيفُ أطبقَ عينهُ فلم ينظُرْ إلى المرأة والمنزل إلى أنْ عَادَ زَوْجُهَا.
اجتمعَ ثلاثةٌ من الخوارج فعقد اثْنَان لِواحِد، وخَرجُوا يمْشُونَ خلْفَهَ يَلْتمِسونَ شيْئاً يركَبُهُ، فجعَلَ الأثْنان يِتَلاحيان، فالتَفتَ إليهمَا وقال: ما هذهِ الضَّوضاءُ التي أسمَعُهَا في عَسْكِري؟؟ كبرَ رجُلَ منهمْ وهَرمَ حتى لم يكُنْ بهِ نهوضٌ، فأخَذّ منزلاً على ظهر الطريق، فكلما جاءَ مطرٌ وابتلتْ الأرضُ أخذَ زجاجاً، وكَسَرهَ، ورماهُ في الطريق، فإذا مر إنسانٌ وعَقَرَ رجلَهُ الزُّجاجُ قَالَ الخارجي من وَرَاءِ البَاب: لأحُكْمَ إلا لِلَّهِ ثُم يقولُ: اللهُمَّ إنَّ هَذا مجْهُودي.
لِقي رجلٌ بعضَ الخوارج بالموْقِفِ عشيةَ عرفةَ، فَقال لهُ: مَنْ حج في هَذِه السنةِ منْ أصْحابكم؟ فَقالَ: ما حَجَّ غيري. فقالَ لَه: إنِّما بَاهي اللهُ عزَّ وجَلَ ملائِكتَهُ في هّذِهِ السنةِ بشقِّ محُملِهِ.
وأحْضَرا الحجَّاج رجُلاً من الخوارج، فمنَّ عليهِ، وأطْلَقُه، فلما عَادَ إلى أصْحابِه، قالُوا لَهُ: إنَّ اللهَ مخَلِّصُك مِنْ يدِهِ ليزيدَك بصيرةً في مذهبكِ، فلا تُقصِّرْ في الخُروج عليْهِ. فقالَ. هيْهاتَ. غل يداً مطلقُها، استرقَّ رقَبَةً معْتِقُهَا.
نَظرَ رَجلٌ مِنَ الخوارج إلى رَجل مِنْ أصُحاب السُّلطان يتصدَّقُ على مِسْكين فقَالَ: انظْرْ إليهم: حَسناتُهم مِنْ سيِّآتِهم.
قال المنْصُورُ لبعَض الخوارج - وقد ظَفِرَ بهِ: عرفني مَنْ أشدُّ أصحابي إقْداماً كَان في مبارزتِك. فقالَ: ما أعَرِفهُمْ بوجُوهِهم، ولكني أعْرفُ أقْفَاءَهُمْ. فقُلْ لَهُمْ يُدْبروا حتى أصِفَهم، فاغتَاظَ وأمَر بقتْلِهِ.
قال الحجاجُ لرجل منهمْ: والله إني لأبْغِضُكُم. فقالَ الخارجيُّ: أدْخَل اللهُ أشدنا بُغْضاً لصاحِبهِ الجنةَ.
وقيلَ إنَّ أوَّلَ مَنْ حكَّم عُروةُ بن أدَيَّة وهو عروة بنُ حُدير أحد بني ربيعةَ ابن حنظلةَ. وأديَّة جَدَّةٌ له وهو ممَّن نجا مِن حرْب النَهْرَوان، وبَقِي إلى أن أتى به زياد فقتَلًهُ ثم دَعَا مؤْلاهُ، فقالَ: صِفْ لي أمورَهْ. فقالَ: أأُطِنبُ أمْ أخْتصِر؟ فقَالَ: بلْ اختَصِرْ فَقالَ: ما أتيتُهُ بطَعام بنهار قطُّ، ولا فَرَشْتُ له فِراشاً بلّيْل قطُّ.
وكان زيادٌ سألهُ عن مُعاوية فَسَبَّهُ، وسألهُ عن نفْسهِ، فقالَ: أولكَ لزينْةَ، وآخركَ لدعْوة وأنتَ بعد عاص لربِّك.

قالَ المبِّردُ: قد اسْتَهْوى رأيُ الخوارج جماعةً من الأشرَاف، يُروْى إنَّ المُنْذِرَ بنَ الجارودِ كان يرى رأيهُمْ، وكانَ يزيدُ بن أبي مسلم صاحبُ الحجَّاج يراهُ ونُسِبَ إليه عِكْرَمةُ مَولى ابْن عبَّاسِ ومالكُ بنُ أنس.
وروى أنَّه كان يذكُرَ عثمانَ، وعلياً، وطلحَةَ، والزُّبيرَ فيقولُ: واللهِ ما اقْتَتَلوا إلا على الثريدِ الأعْفَر.
وأما أبُو سَعيد الحسنُ البصريُّ فإنه كان يُنْكرُ الحكُومةَ ولا يرى رأيَهُمْ.
ذكَرُوا أنَّ عبدَ الملك أتوهُ برجل من الخَوارج، فأرادَ قتله، فأدخل على عَبد الملك ابن لهُ صغيرٌ - وهو يْبكي - فقال الخارجيُّ: دَعْهُ بيكِ فإنَّهُ أرْحبُ لِشدتُهِ، وأصَح لدِمَاغِه، وأذْهُبُ لصَوتِهِ، وأحُرى ألا تأْبى عليهِ عينُه إذا حَفزَته طاعَةُ الله فاستدْعى عَبْرَتَها. فأُعجبَ عبدُ الملكِ بقولهِ. وقالَ لهُ مُتعجِّباً: أمَا يشغَلُكُ ما أنْتَ فيه عَن هَذَا؟ فقالَ: ما يَنْبغي أنْ يَشْغَلَ المؤمِنَ عَنْ قول الحقِّ شيءٌ. فأمَرَ عبْدُ المَلكِ بحَبْسِه، وصَفَحَ عَنْ قَتْلِهِ.
كانَ جماعةٌ من الخَوارج تجمعَتْ بعْد حرب النَّهروان فَتأسفُوا علي خِذْلانِهم أصْحابَهُمْ، فقَامَ مِنْهُم قائمٌ يقالُ لهُ المُسْتَوردُ مِن بني سَعْدِ ابن زيدِ مناة، فحمدَ الله، وأثنى عليه، وصلى على محمد صلى اللهُ عليهِ، ثُمَّ قالَ: إن رسُول اللهِ - صلى الله عليهِ - أتانا بالعَدْل تخْفقُ راياتُه، وتَلْمع مَعَالُمه ويبلِّغُنَا عَنْ رَبِّهِ وينصَحُ لأمتِه حتى قبضَهُ اللهُ مخيراً مختاراً، ثُم قَامَ الصدِّيقُ فَصدّقَ عن نبيهِ، وقاتَل مَنْ ارْتدَّ عَن دِين ربِّهِ، وذكَرَ أن الله عز وجَلَ قَرَنَ الصلاةَ بالزَّكاةِ، فرأى تْعطيلَ إحداهُما طعْناً على الأخرى، لا بل عَلَى جميع منازِلِ الدينِ، ثم قبَضَهُ اللهُ إليه مَوفُوراً. ثم قَامَ الفارُوقُ، ففرق بين الحق والباطل مسوياً بين الناس، ولا مؤثراً لأقاربه، ولا مُحَكماً في دين ربه، وها أنتُم تَعلَمُون ما حَدَثَ: واللهُ يقولُ: " وفضَّل اللهُ المُجاهدين على القاعدين أجرأ عظيماً " وكان المستوردُ كثيرَ الصلاة شديدَ الاجتهاد، وله آدابٌ محفوظةٌ عنْه.
كان يقول: إذا أفُضيت بسرى إلى صديقي فأفشاه لم ألمه لأني كنْت أولى بحفظه.
وكان يقول: لا تفْش إلى أحد سراً. وإنْ كانَ لك مخْلصاً إلا على جهة المشاورة.
وكان يقول: كن أحْرصَ على حفْظ سر صَاحبك منكَ على حَقْن دَمك وكانَ يقول: أقَلُّ ما يدلُّ عَلَيْه عائب النِّاس معْرفته بالعيوب ولا يعيب إلا معيبٌ.
وكان يقول: المال غير باقٍ فآشْتَر به منَ الحمْد ما يبْقى عليكَ.
وكان يقول: بذل المال في حقه استدعاءٌ للمزيد من الجواد.
وكانَ يُكثِرُ أنْ يَقولَ: لو ملكت الدُّنْيا بحَذافيرها. ثم دُعيت إلى أنْ أسْتقيلَ بها خطيئةً علي لفعَلْت.
ولما أتى عبيدُ الله بن زياد بعروةَ بن أدية - وكانَ قد أصيبَ في سَريَّة للعلاء بن سُويْد في استتاره - قال له عبيدُ الله: جهزْتَ أخاكَ علي: فقال: والله لقد كنت به ضَنيناً وكانَ لي عزاً. ولقد أردت له ما أريده لنفسي، فعزَم عزماً فمضَى عليه، وما أحبُّ لنفسي إلا المقامَ وتَرْكَ الخروج. قال له: أفأنتَ على رأيه؟ قال: كنَّا نعبد رباً واحداً. قال أما لأمثلنَّ بكَ. قال فاخترْ لنفسك من القصَاص ما شئْتَ. فأمرَ به فَقطعوا يَديْه ورجْلَيه. ثم قال: كيفَ تَرى؟ قال أفسدتَ علي دنْياي وأفسدتُ عليك آخرتَك.
وفي كتاب لنافع بن الأزرق كتبه إلى قعدَة الخوارج: ولا تطْمَئنُّوا إلى الدنيا فإنها غّرارةٌ، مكَّارة، لذتها نافذةٌ، ونعيمها بائد. حُفت بالشهوات اغترارا، وأظهرتْ حَبْرةً، وأضمرتْ عَبرة، فليس لآكلٍ منها أكلةٌ تسرُّه، ولا شربة تونقه إلا دنا بها درجةً إلى أجله، وتباعدَ بها مسافةً منْ أمله. وإنما جعلها الله دار لمنْ تزوَّد منها إلى النَّعيم المقيم، والعيش السليم، فلَنْ يرضى بها حازمٌ داراً، ولا حكيم بها قراراً، فاتقوا الله، " وتزودوا فإنَّ خَيْرَ الزادِ التَّقْوى " والسلام على من اتبع الهدى.

ولما حاربهم المهلّب يسلى، وسليري فُقتِل رئيسهم: ابن الماخور اجتمعوا على الزبير بن علي من بني سليط، وبايعوه، فرأى فيهم انكسار شديداً، فقال لهم: اجتمعوا. فحمد الله وأنثى عليه، وصلى على محمد صلى الله عليه - ثم أقبل عليهم فقال: إن البلاء للمؤمنين تمحيص وأجرٌ، وهو على الكافرين عقوبةٌ وخزي. وإن يُصبْ منكم أميرُ المؤمنين فما صار إليه خيرً مما خلف. وقد أصبتم فيهم مسلمَ بن عُبيْس، وربيعاً لأجْذم، والحجاجَ بن بَاب، وحارثه بن بدر، وأشجيتم بالمهلب، وقتلتم أخاه المعارك. والله يقول لإخوانكم من المؤمنين: " إن يمسسكم قرحٌ فقد مس القومَ قرحٌ مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس فيوم سلى كان لكم بلاء وتمحيصاً، ويوم سولاف كان لهم عقوبة ونكالاً. فلا تُغلبُنَ عن الشكر في حينه، والصبْر في وقته. وثقوا بأنكم المستخلفون في الأرض والعاقبة للمتقين.
ولما استرد مصْعبٌ المهلبَ من وَجْه الأزارقة، وولاه الموصلَ شاور الناسَ فيمن يستكفيه أمْرَ الخوارج، فقال قومٌ: وَلِّ عبيدَ الله بنَ أبي بكرة. وقال قوم: ولِّ عمر بن عبيد الله بن معمر. وقال قوم: ليس لهم إلا المهلبُ فارْدده إليهم.
وبلغتْ المشورة الخوارجَ، فأداروا الأمَر بينهم. فقال قطريُّ بن الفجاءة المازني: إنْ جاءكم عبيد الله بن أبي بكرة أتاكْم سيدٌ، سمح، كريم، جواد، مُضيعٌ لعسكره، وإن جاءكم عمر بن عبيد الله أتاكم شجاعٌ بَطلٌ، فارسٌ، يقاتل لدينه، ولملكه، وبطبيعة لم أرَ مثلها لأحد، فقد شهدتُه في وقائع فما نودي فِي القوم لحرب إلا كان أولَ فارس يطلع حتى يشدِّ على قِرنْه فيضربه.
وإنْ ردّ المهلب فهو مَنْ قد عرفتموه، إن أخذْتم بطرَف ثوب أخَذَ بطرفه الآخر، ويمدُّه إذا أرسلْتموه، ويرسله إذا أمْددتموه. لا يبدؤكم إلا أن تبدءوه، وإلا أن يرى فرصةً فينتهزَها، فهو الليث المبرُّ، والثعلب الرواغ، والبلاء المقيم.
ولما قُتل مُصعب أتى الخبر الخوارجَ ولمْ يأْت المهلَّبَ وأصُحابه، فتواقفوا يوماً على الخندق، فناداهم الخوارج: ما تقولون في المُصعب؟ فقالوا: إمام هدي: قَالوا: فما تقولون في عبْد الملك ؟ قالوا: ضَالُّ مُضل. فلما كان بعدَ يومين أتى المهلب قتلُ المصعَب، وأنَّ النَاسَ قدْ اجتمعوا على عبد الملك ووردَ عليه كتاب عبد الملك بولايته. فلما تواقفوا نَاداهمُ الخوارج ما تقولونَ في مصْعب؟ قالوا: لا نخبركمْ. قالوا: فما تقولونَ في عبد الملك قالوا: إمام هُدى. قالوا: يا أعْداءَ الله، بالأمْس ضالٌّ مُضل، واليومَ إمام هدي. يا عَبيدَ الدُّنْيا عليْكمْ لعنة الله.
أتى الحجاج بأمْرأة منَ الخوارج فجَعلَ يكلِّمها، وهي مُعْرضةٌ عنْه فقالَ لها بعْض الشُّرط: يكلمكِ الأمير وأنْت معُرضةٌ عنْه؟ قالت إني لأستحي من الله أن أنظر إِلَى من لا ينظر إليه أتى زياد بامرأة منهم فقال: أما والله لأحصدنكم حصداً ولأخفينكم عداً قالت: كلا إِن القتل ليزرعنا قَال: فلما هَمَّ بقَتْلها تسترَتْ بثوبْهَا فقالَ: اتَتسْترينَ - وقد هَتَكَ الله ستْرَك؟ قالَتْ: أي والله أَتَستر ولكن الله أبدى عورةَ أمكَ على لسانك، إذْ أقرَرْتَ أنَّ أبَا سفْيَانَ زَنَى بها، فأمَرَ بقَتْلهَا.
وقال الحجَّاج لرَجل منْهمِ: أجَمعْتَ القرآنَ؟ فقال: أمَتفرِّقاً كان فأجمَعه قالَ: أتقرؤه ظاهراً قالَ: بَلْ أقرؤه وأنا أبْصره. قَالَ أفتحفظه؟ قالَ: أخَشيت فراره فأحْفَظه. قال: ما تَقول في أمير المؤمنين عَبدْ الملك؟ قال: لعَنه الله، ولَعَنكَ مَعَه. قالَ،: إنكَ مقْتولٌ. وكيْفَ تلْقَى الله؟ قالَ: ألقاه بعَملي وتلْقَاه بدمي.
كَانَ عمْران بن حطان منْ أقُبح النَّاس وجْهاً، وأسْمَجهم منظراً، وكانتْ له امرأةٌ كأنَّها القمَرُ أديبةٌ، فَصيحةٌ. فقالَتْ له يوْماً: أنَا وأنْتَ في الجنَّة جميعاً. قَالَ: وكيْفَ عَلمت؟ قالَتْ: لأني ابتليت بكَ فصَبْرت، وأعْطيتَ مثلىَ فشكرت، والصابرون والشاكرون في الجنة.
قَتَل زياد رجلاً منْ الخوارج بعْد أنْ سأله عَنْ عثمانَ فتبرأ منه، وعن معاويةَ فسبه، وعَنْ نفْسه فقَالَ: إنكَ أولكَ لزينة، وآخركَ لدعوة وأنتَ بعْد - عاص لربكَ. فأمَرَ به فضربتْ عنه. ثم قال لمؤمن له: صفُ لي أمورَه قالَ: أأطنبُ أم أختصرُ؟ قال: بل اختصر. فقالَ مَا أتيْه بطعام بنهار قطُّ، ولا فرشت لَهُ فراشاً بليل قط.

كان بالمدينة رجلٌ من الخَوارج قالَ بعْضهم: فرأيته يَحْذف قنَاديل المسْجدِ بالحصى، فيكْسرها. فقلْت لَهُ: مَا تصْنَع؟ قَالَ: أنَا - كما ترى - شيخٌ كبيرٌ، لا أقْدر لهُمْ عَلَى أكْر من هَذَا، أغرمُهُمْ قنْديلاً، قنْديلَيْنِ فِي كلِّ يوم. وصلى الله عَلَى محمد وآله.
وهذا مختصر عمله الصاحب رحمهُ الله وسماه
الكشف عن مناهج أصناف الخوارجالحمد لله رب العالمين. وصلى الله عَلَى النبي محمد، وآله أجمعين. سألتَ أن أذكرَ لَكَ ألقابَ طوائف الخوارجِ، وذَرْواً من اختلافها. وأنا أثبتُ مَا يحضر حفْظي. عَلَى أنَّ هَذِهِ الألقابَ تجمع أصولاً، وفروعاً، فربَّ طائفة لحقها لقبٌ ثُمَّ تفرّد من جملتها فريق فلحقهم لقبٌ آخر.
والذي يجمعهم من القول تكفير أمير المؤمنين - صلوات الله عَلَيْهِ وتكفيرُ عثمان، وإنكارُ الحكمين، والبراءةُ منهما، وممَّن حكَّمهما أو تولى أحداً ممن صوَّبهما. وأول من حكم بصفيِّن عُروة بن حُدَير: أخو أبي بلال مرْداس، وقيل عاصم للمحاربي، وأول من تشرى رجلٌ من يشكُرَ، وَكَانَ أميرهم - أولَ مَا اعتزلوا - عبد الله بن الكَوَّاء، وأمير قتالهم شبت بن ربعي، ثُمَّ بايعوا لعبد الله بن وهب الراسبي.
ذكر ألقاب فرَقهم مع جمل منْ مذاهبِهم
الأزارقة: أصحاب نافع بن الأزرق، يبرءُون من القعَدة.
النجدية: أصحابُ نَجْدةَ بنِ عامر الأسدي. تتولى أصحاب الكَبائر من الخوارجِ إذ لمْ يُصِروا. ومَن أصر منهُم فهو مُشرِكٌ عندَهُمْ.
الإباضية: أصحابُ عبد الله بن إباضِ التميمي. فأما عبد الله بنُ يحيى الأباضي الملقَّب بطالب الحق فهُواَ منْسُوبٌ إليهمْ ومعهُ خَرجَ أبُو حمزَةَ الخارجي الصفرية: أصحابُ زياد بنِ الأصفرِ وقيلَ أصحابُ عبدْ الله الصفار العطرية: أصْحابُ عطيةَ بنِ الأسْود الحنفي منْ المنكرينَ عَلَى نَافع.
العَجَاردة: أصحابُ عبد الكريم بن عجرد، وهم عَطوية، إلا أنهم يوجِبُونَ دُعاءَ الأطفال عند بُلُوغهم والبراءةَ منهُمْ قبْلَ ذَلِكَ.
الميمْونيةُ: ميْمون هَذَا عبدُ لعبد الكريم بنِ عجرَد ويقولُ بالعَدْلِ، ويَرَى قتْلَ السُّلطانِ خاصَّة، ومَنْ رضى ظُلْمةَ، وأعَانَهُ دُونَ سائر الناس ويحكى عنهم أن التزوجَ ببنات الأبنِ وبنات البنَات، وبنات بنَات الأخَوات وبنات بني الإخوة جائزٌ، وأن سُورة يوسُفَ ليستْ من القرآنِ. وأكَثرُ من بسجِسْتان ميْمونيةٌ، وعجاردةُ. وقيلَ ميمون رجلٌ من أهلِ بلْخ.
الخلفية: يقولُون بالجَبْرِ، ويخالفُون الميْمونيَّةَ فِي العَدْلِ.
الحمزْيَّة: أصحابُ حَمزة بن أدْرك. يقولُون. بالعَدْل. وَلَهُ فارَقُوا الخَليفيةَ.
الخازمية: وهم الشعيبية أصلُهم عجاردة، وهمْ أصحابُ شُعيب يقولُون: إنَّ الولاية والعَداوَة صفتَان فِي ذات القديم. وهُم مجْبِرة.
المعْلومية: مِنَ الخَازميَّة يقولون: مَنْ لَمْ يَعْلمِ الله بجميع أسْمائه، وعرَفَه ببعضها فَهُو عارفٌ بِهِ.
المجْهولية يقولون: مَنْ لَمْ يعلم الله عَز وجل بجميع أسمائه فهو جاهلٌ بِهِ.
الصلتية: عَجَاردةٌ أصحابُ عثمان بن أبي الصلْت. يقولُون: إذا استجاب الرجلُ للإسلام برِئْنا من أطْفالهم حَتَّى يُدْركوا.
الثعالبة: عجاردةٌ، وصاحبهُم ثعلبةُ، خالفَ عبْد الكريم بن عجرد فيما قاله فِي الطفل.
الأخْنَسيَّة: أصحابُ، الأخْنَس يحرِّمون البنات، والغيلة ويقفون عَمَّن فِي دار التَّقية حَتَّى يعُرفوه.
العبْدية: رأوا أخْذَ زكاةِ أمْوالِ عبيدهم إذا استَغَنَوا، وإعْطاءهُم إذا افتقروا.
الشَّيبانيةُ أصحابُ شَيبان بن سَلَمة.
الزيادية: أصحابُ زياد بن عبد الرحمن.
العُشريَّة: وهم الرشيدية، كانوا يرون فيما سُقي بالأنهار الجارية نصف العْشر، وخالفت الزياديةَ فِي إيجابها العُشرَ.
المكرمية: أصحاب أبي مكرم. قالت: تارك الصلاة كافرٌ. ومن أتى كبيرةً فهو جاهلٌ بالله. وقالت بالموافاة.
الفُدَيكية: أصحاب أبي فُديك الَّذِي غلب عَلَى عسكره نجدةُ، وأنكر عَلَيْهِ.
الحَفْصيَّة وصاحبهم حَفْصُ بن أبي المقدام وهم إباضيّة: زَعم أنَّ مَنْ عَرف الله ثُم أنكر الأنْبياء أو غير ذَلك فهو كافر. وَلَيْسَ بمشْرك.

اليزيدية: رئيسهم يزيد بنُ أنيسة يتولى الإبَاضيَّة كلَّها. والمحكِّمة الأُولى. ويزعم أن الله يبعثُ رسولاً من العجم ويُنْزل عَلَيْهِ كتاباً بغيْر شريعتنا ويكونون صابئبين.
الحارِثية: أصحابُ الحارث الإباضي. يقولُون بالعدلِ وأنَّ مخالفيهم كفارٌ غيْر مشْرِكين تحلُّ مناكحتُهم، ويحرم سبيهم. ودارُ مخالفيهم دارُ توحيد إلا عسكرَ السُّلطان فإنه دارُ بغي. وأنِّ مُرْتكبي الكبائر موحَّدون غير مؤمنينْ.
الواقفية: وقفتْ فِي جَوازِ بيع الأمَةِ مِنْ مُخالفيهم، ويُسمونَ: صاحب المرأةِ.
الضحاكية: يقالُ لهم: أصحابُ النِّساء. وجوزوا تزويج المرأةِ المسلمة مِنْ كُفّارِ قومِهِم فِي دار التَّقية.
البَيْهسيَّة: أصحابُ أبي بَيْهَس هَيْصم بن جابر. كفَّر مَنْ حرَّم بيعَ الأمَة من المخَالفين. وكلُّ ذنْب لَمْ يحكُمْ اللهُ تعالى فِيهِ حُكْماً مُغلظاً فهو مغْفُورٌ عنده.
الْعَونْيَّةُ: تقولُ: إذا كفَرَ الإمامُ كفرتِ الرعيةُ: الغائبُ، والشاهد.
السؤالية: تقُولُ: مَنْ أقام الشَّهادتين، وواليَ أولياء الله، وعادي أعداءهُ فهو مُسْلِمٌ إلى أن يُبْتَلى فِي غير ذَلِكَ.
التَّفْسيريةُ: رئيسُهم الحكم بن يحيى الكوفي. ومِنْ قَوْلهم: إنِّ مَنْ شَهد شَهادة أخِذَ بتْفسيرها وكَيْفيَّتها.
الصالحية: أصْحابُ صالح بن مسَرح.
الشَّمراخية: مِنْ قولهم: إنَّ قتْلَ الأبوين المخَالِفّيْن حرامٌ فِي دار التقيَّة، ودار الهجرة.
البدعية: يقْطعونَ عَلَى أنفسِهم وموافِقيهم أنَّهم فِي الجنَّةِ.
الخشَبيَّة: رئيسُهم أبُو الخَشب.
المغْروريًّة: صُفريةٌ وموضِعُهم البيضاءُ من المغرب، وصاحِبُهم المغْرورُ بنُ طالُون.
والبلاد الَّتِي يغْلِبُ عَلَيْهَا الخارجيةُ الجزيرةُ وأطرافُ الموْصلِ.
وشهرزور، والبحرين وسِجِسْتانَ، وتَاهرت.
وكثير مِن أذْرَبيجانَ. وهم يُلقَّبون بالخوارج لخروجِهم عَلَى الإمام العادل عَلَيْهِ السلام، والمَارقةِ لإخبار النبي صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَعَلَى آله لأنهم. يَمْرقُون من الدِّين، والحَرُورية لنزولهم حَروراءَ. والمُحكمة لقولها كثيراً: لا حُكْمَ إلا لله. ولقَّبتْ أنفسَها: الشُّراة، أي أنا شريْنا أنفسَنا فِي طاعة الله. ومضَغوا كتبهم عبد الله بن يزيد، ومحمد بن حرب، ويحيى بن كامل، واليمانُ بن دياب. وأصولُ الخوارج الإباضيَّةُ، والأزارقةُ والصُّفرية، والنجدِية. فإذا ذكِرتْ فِرقةٌ مِن هَذِهِ الفرق عُلِم أنها مُباينةٌ للفِرَق الثَّلاثِ.
ثم سائرِ الألقاب تتبيَّن بتفْصيلِ مقالاتِهم، وإلى الله نبْرأ من جماعتهم، ونسأله أن يصلي عَلَى النبي. وابنِ عمه الرضى، وأهلِ بيته الذين أذهبَ الله عنهم الرِّجسَ وطهرَّهم تطهيرا.
أدْخِلَ رجلٌ من الشُّراة إلى الحجاج فاسْتحقرهُ، ثُمَّ قال لَهُ: ويْحكَ!! مَا أخرجَك؟؟ فواللهِ مَا أظنُّك تعْرِفَ مواقِيتَ الصَّلاة. فقال: ذاكَ لو اتكلتُ عَلَى تعْليمك يَا حجّاجُ، كنتُ بالحري أن أنزلَ بهذهِ المنزلةِ. قال: مَا أخْرجَكَ؟ قال: مَخافَةُ يوم أنا وأنتَ إلى نصير. قال: وَمَا ذَالك اليوم؟ قال: أول آخِرٌ، وأخِرٌ أولٌ. مستقبلٌ أول، مستدْبِرٌ آخِر. لا بعدَهُ أجَلٌ ولا فِيهِ عمَل، ولا فِيهِ مسْتغِيثٌ، ولا إلى غيره مَذْهب، يأْمَنُ فِيهِ الخائفُ، ويخف فِيهِ الأمِنُ، ويعزُّ الذليلُ ويذلُّ فِيهِ العزيزُ وَفِي مِثْل هذا مَا أقْلقَ مِثلي عن الفِراش، والأئمةُ تعْدِلُ، فكيْفَ إذا كانتْ تَضِلُّ وتُضلِّلُ؟ فاقضِ مَا أنتَ قاضٍ. قال: أجزِعتَ من الموتِ؟ قال: واللهِ مَا جزعتُ مِن قضاءِ، ولا أسفتُ من بلاءٍ، ولا كرهت لربي لقاءً، وللموت مَا خلقتُ، ومالي حاجةٌ إلا فِيهِ. فهل يجزعُ الرجلُ من قَضاء حاجتِهِ؟ قال: أمَا والله لأعجِّلنَّ لَكَ من العذابِ الأدْنَى دُونَ العذابِ الأكبر.
قال: أمَا واللهِ لو علمتُ أنَّ بيدك تعْجيلَه لعلمْتُ أنَّ بيدك تأْخيرَه.
قال: والله لأقتُلنَّك. قال: لا يعزُّ اللهُ بقتلي باطِلاً ولا يُبطِلُ بِهِ حقاً. ولئن قتلْتَني لأُخاصمنَّكَ بحيث يزولُ عنْكَ وعن أبي الزَّرقاء عزُّكُما ولا يدْفعُ عنكُما سلطانُكُما، وحيثُ لا يُقْبل لكما عذْرٌ ولا تنفعكُما حجُةٌ. أمر بقَتْله.
الباب الثاني عشرالغلط والتصِحيف

قال بعضهم: خَالِفْ تَذْكُرْ. فقيل لَهُ: إنَّما هو تْذْكَر فقال،: هَذَا أول الخِلاف.
وقرأ بعضهم فِي كتاب: أنَّ النبي عَلَيْهِ السلام بَلعَ قَدِيداً، وإنَّما بلَغ قُدَيداً.
وقرأ آخَر: أنَّه كَانَ يُحِبُّ العسل يومَ الجمعة، وإنمَّا هو الغُسْلَ وقرأ آخر: أنه كَانَ يكره النَّوم فِي القِدْر، وإنَّما هو الثَّوم.
وقرأ آخر: ولا يرِث جميلٌ إلا بُثينةَ، وإنما هو لا يُورَّثُ حميلٌ إلا ببيِّنة وقال آخر: إذا أردْتَ أن ننعظ فادخل المقابرَ، وإنما هو تتَّعِظُ وقرأ رجل عَلَى ابن مجاهد: بل عَجَنْتَ، ويَسْجرون. فقال: أحْسَنْتَ، مع العَجْن يُسْجَرُ التَّنُّور.
كتب صاحبُ الخبر بأصْبهانَ إلى محمد بن عبد الله بن طاهر: إنَّ فلاناً القائدَ يلبس خُرلخيةً، ويقعد مع النساء: فكتب إلى العامِل: ابعث إلى بفُلان وخرلخيته. فَصّحفَ القارئُ. وقرأ: وجزَّ لِحْيَتهُ، ففعل ذَلِكَ بِهِ، وأشْخصَهُ.
علِّق سترٌ عَلَى بعض أبواب أمِّ جعفر، وَكَانَ أمر أنْ يُكَتب عَلَيْهِ المسيدة الميمونة المباركةِ فأغفلَ الناسخُ الراءَ. ودخل الرشيد فقرأهُ الميمونةِ المناكة فأمَرَ بتمْزيقه.
وكان كافي الكُفاة يكرهُ أن يكونَ فِي مخاطباتِ النِّساء حراستُها ونظرها وعقلها، ويقول: لا يُؤمَنُ أنْ يُصَحَّفَ فيقرأ: حِراسْتُها، وعَقْلُها، ويظْرها.
وكان حمَّادٌ الراويةُ لا يقرأُ القرآنَ فاستقرى فقرأ، ولمَ يَزِلَّ إلا فِي أربعة مَواَضِعَ: عذابي أصيبُ بِهِ منْ أسَاءَ. وَمَا كَانَ اسِتغفارُ إبراهيم لأبيه إلا عن مَوْعدة وعدها أباه. ومِن الشَّجر ومما يغْرسون. بل الذين كفَروا فِي غِرَّةٍ وشِقاق.
وقد رُوي أنه صحَّفَ فِي نيِّف وعشرين موْضعاً كلها متشابهة وأنا أذكُرها جميعاً مِنْ بعدُ بإذن الله.
غضب كاتِبُ المأْمون عَلَى غُلامه فرماه بالدَّواة، وشجَّه، فلما رأى الدَّمَ يسيل قال: صدق الله تعالى: والذين " إِذَا مَا غَضِبوا هم يَغْفِرون " فبلغ ذَلِكَ المأمونَ. فأنَّبه.
وقال: ويلَكَ! أما تُحسنُ أن تقْرأ آيةً من القُرآنِ؟ فقال بلى والله إني لأقرأُ من سُورة واحدة ألفَ آية.
قال بعضُهُم: قرأ عبدُ الله بنُ أحمدَ بن حَنبل فِي الصَّلاة: اقرأ باسم ربِّك الَّذِي خُلِق.
فقيل لَهُ: أنت وأبوك فِي طرفي نقيض. زعَم أبُوك أن القرآنَ لَيْسَ بمخْلوق، وأنت قَدْ جعلْت ربَّ القرآنِ مخلوقاً.
وحكى أنَّ المحامِلي المحدِّث قرأ: وفاكهةً وإبا. فقيل لَهُ: الألفُ مفتوحةٌ. فقال: هو فِي كتابي محفوظٌ مضْبوطٌ.
وحكِي أنَّ ابنَ أبي حاتم قرأ: فصيامُ ثلاثة أيام فِي الحج وتِسْعة إذا رجعتم، تلك عشرةٌ كاملةٌ.
كان اسمَ أبي العتاهية: زيدٌ فنقش عَلَى خَاتِمه أيا زيد ثق فكَانَ الناس يتنادَلُوَنَه: أنَا زِنْدِيق.
قال بعضُهم: سمعتُ ابْنَ شاهين المحدِّثَ فِي جامع المنْصور يقول فِي الحديث: نهى النبيُّ عَلَيْهِ السلام عن شقيق الحطب. فقال بعض الملاحين: يَا قومُ، فكيف نعملُ والحاجةَ ماسةٌ، وهو شقيق الخطب.
قال: وسمعتُه مرة أخرى وهو يفسِّر قولَه تعالى: " وثيابَك فَطَهِّر " فقال: قيل لا تَلْبسها عَلَى غدرة. وهو لا تلبسها عَلَى عَذِرة.
وكان كيسانُ مستمِلي ابن الأنباري، وكانَ أعْمى القلبِ فَسُمع ابنُ الأنباري وهو يقول: كيسانُ يسمعُ غيرَ مَا أقولُ، ويكتبُ غير ما يسمعُ ويقرأ غيرَ مَا يكتُبُ، ويحفظُ غيرَ مَا يقرؤه.
وحكى عنه أنه كَانَ يكتبُ مَا يسمعُ فِي الخزف، ويجمعهُ فِي حُبِّ، فاشترى راويةَ ماءٍ فغلطَ السَّقَّاءُ بيْنَ حُبِّ الماء وحُبِّ الخَزف، فصبَّ الماءَ فِي حبِّ العِلْم فرأيْنا كيسانَ وَقَدْ وضع يدَه على رأسه، وذهب علمه كلُّه.
وقالوا تقدَّمتِ امرأةٌ إلى عمرَ فقالت: أبا غَفَر حَفْصٍ اللهُ لكَ. فقال: مالك: أغْفَرتِ؟ قالت: صلَعَتْ فرقتُك.
قرأ الباغنْدي: وكلُّ شيءٍ فَعلُوه فِي الدُّبُر فصِيح بِهِ مِنْ جَوانِب المجِلس. فقال: يَا قومُ لا تضجُّوا فالباءُ منْقوط.
وروى أبُو ربيعة المحدِّثُ أن النبي عَلَيْهِ السلامُ كَانَ يغْسِلُ خُصى الحمار. قيل: وَلَمَ ذاكَ يَا أبا ربيعةَ؟ قال كَانَ يُظْهر تواضُه بذلك. والخبر أنه كانَ يغْسِلُ حَصَى الجمار.
قال بعضُ المحدِّثين: حدثني فُلانٌ عن فُلان عن سَبْعةَ وسبعينَ، يريد عن شُعبَة وسفيان.

كَانَ يزْدَانفَ ذار فِيهِ لُكْنةٌ، وَكَانَ يجْعلُ الحاءَ هاءً، أمْلى عَلَى كاتبٍ لَهُ: والهَاصلُ ألفُ كُرٍّ. فكتبها الكاتِب بالهاء. كما لفَظَها، فأعادَ عَلَيْهِ الكلام، فأعاد عَلَيْهِ الكاتب الكتاب، فلما فطن لاجتماعهما عَلَى الجهل، قال: أنتَ لا تُهْسِن تكتبُ، وأنا لا أهسِنُ أمْلي. فكتُبْ: الجاصل ألف كُر فكتبها بالجيم معجمةً.
قالتْ أمُّ ولد لجرير لبعَض ولدِها: وقَع الجرْدانُ فِي عجَان أمِّكم. أبْدلتْ الذال دالاً وضمت الجيمَ، وجعلت العجين عِجَاناً. وإنما أرادتْ وقَع الجرذانُ فِي عَجين أمِّكم.
ودخل رجلٌ عَلَى آخَرَ وهو يأْكل أتْرجّاً، وعَسَلاً. فأراد أنْ يقول السَّلامُ عليْكُم. فلفَظ عَسَليكم.
ودخلت جاريةٌ روميةٌ عَلَى بعضهم لتسأَل عن مَولاتها، فبصُرتْ بحمار قَدْ أدْلى، فقالتْ: قالتْ مولاني كيفَ أيْر حِمَاركم؟ قال بعضُ الجَّهال إلى عالِم، وسأله عَنْ قول الشَّاعر.
يوم تُبدي لَنَا قتيلةُ عن جيد فقال: مَا العَنْجيدُ؟ وسأل عن قولهِ تعالى: " والهدْى مَعْكوفاً " فقال: مَنْ كَانَ كُوفاً من أصحاب البني عَلَيْهِ السلام.
وسأل آخرُ عن قولِهمْ: " زاحم بِعَوْد أوْ دَعْ " فقال: مَا الأوْدَع؟.
كان أحْمد بنُ موسى بن إسحاقَ من قُضاة السُّلطان بأصْبهانَ، فأملى يوماً عَلَى أصحاب الحديث: حدثني فلانٌ عَنْ فُلان عن هِند أنَّ المعتُوهَ يُريد عن هنْد أنَّ المغيرةَ.
وكانَ أهل البصرة يرْوون عن علي عَلَيْهِ السلامُ أنه قال: إِلاَّ إنَّ خراب بصْرتِكمُ هَذِهِ يكونُ بالريح، فما أقْلعُوا عن هَذَا التَّصحيفِ إلا بعدْ مائَتي سنة عند خرابها بالزنْج.
وقيل فيما روي عن النبي عَلَيْهِ السلام أنَّهُ قال: تختَّموا بالعقيق. إنما هو " تَخيمَّوا بالعقيق " ، لواد بالمدينةِ.
وروى بعضُ جلَّةِ المحدِّثين: أنَّ مرحباً اليهودي قتلهُ عَلَى يوم حُنَيْن وإنما قتَله يوم خيْبرَ.
وروى آخرُ: الجارُ أحقُّ بصُفَّتِه، يريد بصقَبهِ.
وروى آخر: لا بأْسَ أنْ يصلي الرجلُ وَفِي كُمِّه سِنَّورةٌ، وإنَّما هي سبُّورة وهي الألواحُ من الآبنوسِ يكتبُ فِيهَا التَذكرة.
وروى آخر: عمُّ الرجل ضيقُ أبيه. إنما هو صِنْو.
وروى آخرُ: لُعِن اليهود، حرمتْ عليهم الشحومُ فحملُوها. وإنما هو فجمَّلُوها، أذَابُوها.
وروى بعضُهم: أنَّ الحارثَ بن كَلَدة كَانَ يقولُ الشمسُ تثقل الريح، وإنّما هو تَتْفُلُ الريح.
وقالوا: كَانَ يجْلسُ فِي مًقثاة. وإنما هو فِي مَقْناة.
وروَوْا: أنه نهى عن لُبْس القَسي وإنما هو القُسِي لضَربٍ من الثياب ورووا أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وَعَلَى يده سخلة تبْعَر. وإنَّما هو تَيْعُر من اليَعَار. وهو صوتُها.
قال بعضُهم: قال الرياشي لي يوماً - وَقَدْ جئتُ مِنْ مجلس ابن أبي الشَّوارب: أرني مَا أملي عليكُمْ، فأريْتُه، فمرَّ بِهِ هَذَا الحديثُ: آخِر مَا يجازفُ بِهِ المؤمن عَرقُ جَبينه.
فقال الرياشي: مَا أحوجَ هؤلاء إلى بعض عِلْمنا إنما هو يُحارفُ، والحريفُ الشَّريك، يقالُ: فُلان حَريف فلان، أي شريكُه ومُحاسِبُه.
وقال بعضُهم: حضرتُ رجلاً من الكُبراء - وَقَدْ قرأ فِي المصحفَ: يَا عيسى ابنَ مريم اذكُرْ نِعْمتي عَليك وَعَلَى والديك.
وقرأ بعضهم: والعاديات صُبْحاً.
وقال آخر: فكذَّبُوهما فَغدرْنَا بثالث وقيل: إنّ سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامِله عَلَى المدينةِ: أحْص المخنثين: يريدُ: عُدَّهم.
فقرأ الكاتب: أخْص، فَخَصَاهُمْ.
ومِمَّنْ أخَجلَهُ التصحيفُ فِي مجالس الخُلفاء أحمدُ بنُ أبي خالد وزير المأْمون، فإنَّه حضر مجْلسَه للمظالم يقرأ عليْه القصصَ، وَكَانَ فَهماً، فمرت بِهِ قصةٌ مكتوبٌ عَلَيْهَا: فُلان البَريدي، فقرأها: الثريدي فقال المأمون أبو العباس جائعٌ. هاتُوا لَهُ ثَريدةً. فقُدمتْ إليه، وأكْرهَهُ عَلَى أكلها، وغسَلَ يدَه، وعاد إلى تصَفّح القصَص، فمرتْ بِهِ قصةٌ مكتوبٌ عَلَيْهَا فلان الحمصي فقرأها الخبيصي. فقال المأْمون: كان غداءُ أبي العباس غيرْ كاف، لا بُدَّ للثريدة من أن تُتَبع بخَبيصة. فقُدمت إليه، وأكلها.
ومنهم شجاعُ بنُ القاسم. قرأ عَلَى المتوكّل: حَاضِرُ طيئ0 فقرأه جاء ضريطي.

كان للمتوكل صاحب خَبر يقال لَهُ ابنُ الكلْبي، وَكَانَ يرْفَعُ كلٌ مَا يسمعهُ من غثٍّ وسمين، وجِدٍّ وهَزْل ليَمين كَانَ حلّفَه بِهَا، فرفَع يوماً وعربْدت علَيهْا وجرحَتها فِي صَدْغَها، ولمْ ينقُط. الغيْنَ، فقرأها المتوكِّلُ فِي صَدْعِا. ثُمَّ قال: إنَّا لله تعطل علي ابن الكبي مَناكُه.
وقرأ علىَ عُبيدِ الله بن زياد كاتبُهُ كتابَ عبيدِ الله بن أبي بكرة: أنَّه وجَد ابنَ أديَّةَ مع جماعة من الخارج فِي شُرْب. فقال ابنُ زياد: كيفَ لي بأن يكُون الخوارجُ يرون الشُّرْب. وإنما هو سَرَب.
الحروفُ التي ذكر أن حَمَّادا صحَّفَها من القرآن وأوحى ربُّك إلى النحل أن اتخذي من الجبالِ بيوتاً ومن الشجر ومما يغرسون وَمَا كَانَ استِغفَارُ إبراهيمَ لأبيه إلا عن مَوعدةٍ وعَدَها أبَاه.
ليكون لهم عَدْواً وحَربَا وما يجْحد بآياتنا إلا كلُّ جبَّار كَفُور.
وعزَّزُوه ونصروه وتُعززُوهُ ونُوقّرُوه.
لكل امرىءٍ يومئذ شأنٌ يعْفيه. بالفاء هم أحْسنُ أثاثاً وزشياً عذابي أصيب بِهِ مَن أسَاءَ.
يوم يُحْمى غَليُها فِي نار جهنم.
فبادوا ولاتَ حينَ مناصٍ ونَبْلُو أخياركم صِيغَة الله، ومَن أحسنُ مِنَ الله صيغة فاستعانهُ الَّذِي مِن شِيعتهِ سلامٌ عليكُم لا نتَّبعُ الجاهلين قل إن كَانَ للرحمن وَلدٌ فأنا أول العائذِين.
حكى أبو حاتم أنه كَانَ يقرأ شعرَ المتلمس علي الأصمعي، وأرادَ أن يقولَ: إغنيتُ شأني فأغنُوا اليومَ شأنكُم واستحمقُوا فِي مِرَاس الحربُ أو كِيُسوا.
قال: فَغلطتُ، وقُلْتُ: أغنيتُ شأني. قال: فقالَ الأصمعي بالعجلة: فأغنوا اليومَ تَيْسكُم، وأشارَ إلي، فَضحِكَ جَميعُ الحاضرين.
وقَدِم محمدُ بنُ الحسن الفقيهُ العِرَاقَ، واجتمع الناسُ عَلَيْهِ يسألونَهُ، ويَسْمعُون كلامَهُ، فَرْفَع خَبُره إلى الرِشيدِ، وقيلَ لهُ: إنِّ معهُ كتَابَ الزيديةِ فَبعثَ بمنْ كَبَسهُ وحملَهُ وحَملَ معه كُتبَهُ، فأمَر بتفْتيشِها، فقال مُحمدٌ: فَخشيتُ عَلَى نَفْسي من كتاب الحيل من الرشيد. فقال لي الكاتبُ مَا ترجمةُ هَذَا الكتاب؟ فقالت كتاب الخيل فرمى بِهِ.
ونذكر الآن بعض مَا أُخذ من العلماء مِنَ التصَّحيف قال كيسانُ: سمعتُ أبا عبيدة ينشد:
ما زالَ يَضْربُني حَتَّى خَزِيتُ لَهُ ... وحالَ من دُونِ بَعْضِ البغْيةِ الشَّفَقُ
قال: فقلتُ خزيت خَزيتَ؟؟ وضحكتُ، فغضبَ وقال: فكيف هو؟ قلتُ: إنما هو خَذِيتُ. قال: فانْخَزَلَ وَمَا أحارَ جَواباً.
وروى أيضاً أبُو عُبَيْدة أبياتَ لقيط فِي يوم جَبَلةَ
يَا قَومُ قَدْ حرَّقْتموني باللَّوْم ... وَلَمْ أقاتِلْ عامرا قبلَ اليوْم
سيان هذَا والعِنَاقُ والنّوم ... والمَشْرَبُ الباردُ فِي ظلِّ الدَّوْم
وقال يعني فِي ظل نخل المُقْل: فقال الأصْمعيُّ: قَدْ أحالَ ابنُ الحائِك لأنه ليسَ بنجد دَوْمٌ. وجبلةُ بنجْد، وإنما الرَّاوية فِي الظل الدّوم، أي الدَّائِم.
وروى الأصمعي بيت أوس بن حَجَر
أجَوْنُ تدَارَكْ ناقتي بِقرى لَهَا ... وأكبرُ ظني أنَّ جَونْاً سَيفْعلُ
فقال ابْنُ الأعرابي: صَحف الدعي، وإنّما هو تدَارَكْ نَاقَتي بقُرَابها، أي مَا دُمتُ أطْمعُ فِيهَا. وفي مَثلٍ للعرَب: " الفِرارُ بقراب أكيسُ " .
وروى بيتَ الحارث بن حلزة
عَنَتاً باطلاً وظلْماً كما تُعْتَ ... زُ عن حَجْرة الربيضِ الظباءُ
وقال: العَنزة: الحَربةُ يُنحر بِهَا. فرد عَلَيْهِ أبُو عَمْر وقال: إنما هو تُعتر، ومن العَتيرة وهي ذَبيحةُ الصَّنم روى بيتُ الحُطيئة:
وغَررتني وزعمْتَ أنْ ... نَكَ لا تَنِي بالضَّيفِ تأْمر
وقال أبو عمرو: إذا صحفتُم فصحفوا مِثلَ تصحيفه وإنَّما هو لابنٌ بالصيفِ تَامِرٌ.
وروى بيت عنترة:
وآخَر منهمُ أجْررْتُ رُمْحي ... وَفِي البَجَليِّ مِعْبلةٌ وَقيِعُ
فقال كيسانُ: لَهُ: إنما هُو فِي البجْلي - بإسكان الجيم - منسوبٌ إلى بجْلةَ بطْن مِنْ بَني سُلَيم وروى لذي الرُّمِة:
عين مطحْلبةُ الأرجاء طَاميةٌ ... فِيهَا الضّفادعُ والحِيتانُ تصّطخِبُ.

فقيل: هو يَصْطحبُ، لأن الحيتانَ لا تصْطخبُ، ولا صوتَ لَهَا. وروى لرؤبةَ: شمطاءُ تَنْوي الغيظ حين تَرأمُ فقيل: إنما هو تَبْوى، أي تجعلُه بمنزلةِ البو روى أبو عمْرو بن العَلاء بيتَ امرئ القيس
تأوبني دائي القديمُ فَغلِّسا ... أحاذرُ أن يشتد داني فأنكَسَا
فقال أبو زَيد: هَذَا تصحيفٌ لأن المتأوبَ لا يكونُ مغَلساً فِي حالِ واحدة لأن غلس: أتى فِي آخِر الليل، وتأوبَ جاء فِي أوله، وإنما هُو معلساً، أي اشتد وبرح.
وروى المفضَّل للمخَّبل:
وإذا ألمَّ خيالُها طَرفتْ ... عيْني فماءُ شُئونها سَجم
فقال لَهُ خلفٌ: إنَّما هو طُرِفَتْ عَيْني. فرجَع عنْهُ.
وروى لامرئ القيس:
نَمُسُّ بأعْراف الجيادِ أكُفنّا ... إذا نَحنُ قمنا عَنْ شِواءٍ مَضهَّب
فقال له خلفٌ: إنَّما هُو نمشُّ، وهو مسحُ اليَد. ومِنْه - قِيلَ للمنديل: مَشُوشٌ. وأنشد - والأصمعيُّ حاضرٌ.
وذاتِ هدمٍ عَارٍ نَواشِرُها ... تُصْمِتُ بالماء تَوْلباً جَذَعا
فجعل الذَّال معجمة، وفتحها، وذهب إلى الأجْذَاع. فقال الأصمعيُّ: إنما هو: توْلَباً جَدِعا بالدَّال غير معجمة مكسورة، أي: سيئ الغِذاءِ. فضجَّ المفضَّلُ، ورفع صوتَه، فقال له الأصمعيُّ: لو نفخْتَ في شَبُّور اليهودِ لمْ ينفَعْك. تكلَّمْ كَلامَ النَّمل وأصِبْ.
وروى
بيْنَ الأراكِ وبني النَّخل تشْدخُهم ... رزقُ الأسِنَّة في أطرافِها شَامُ
فقال الأصْمعِيُّ: يا أبا العباس: لعل الرماحَ استحالَتْ كأَفْر كُوبات، فهي تشدخُ.
فقال: كيفَ رويتَهُ يا أبا سَعيد؟ فقال: تَسْدحُهُمْ. والسَّدْح: الصَّدْع.
وقد أخِذَ على الخليل في كتابه العين حروفٌ كثيرةٌ منها: يومُ بغُاث بالغَيْن المنقوطة، وهو يومٌ مشهورٌ بين الأوس والخزرج، وهو بعاثٌ بالعين غير المنقوطة.
وقال في حرف الخاءِ: فَخَجَجْنَا. وهو بالحاء غير منقوطَة. وقال: الخضبُ: الحيَّة وإنما هو: الحِضْب. وقيل: إنَّ ذلك من غَلط اللَّيث على الخَليل.
وكان الأصمعيُّ ينكر على الخليل روايتَه لهذا البيتِ.
أفَاطِمُ إني هالِكٌ فَتَبيَّني ... ولا تَجْزعِي كلُّ النِّسَاء يَتيُم
وقال: إنَّما تَئِيمُ مِنْ آمَتِ المرأةُ تَئِيم إذا ماتَ زَوْجُها.
وأنشد أبو الخطاب الأخْفشُ
قالتْ قتيلةُ مَالهُ ... قد جُلِّلَتْ شيباً شَوَاتُهْ
فقال أبو عمرو: صَحَّفتَ، وإنَّما هُو سرَاتُهْ. فسكَتَ أبُو الخطَّاب ثم أقْبل على القوُم، وقال: بلْ هُو صحَّفَ، وإنما هي شَواتُه. والشَّواةُ: جلدةُ الرأسِ.
وذكر أنّ ابنَ الأعْرابي أنْشد بيْتَ جَرير - وعندهُ عبد الله بن يعقوب -
وبُكرةَ شَابك الأنياب عاتٍ ... مِنْ الحيِّاتِ مَسْموم اللُّعاب
فقال له عبد الله: إنما هو نُكْزَةُ، مِن قوْلهم: نَكَزتْهُ الحيَّةُ وذكر عبد الله بن يعقوب أنَّه سمعَ ابنَ الأعرابي يقول: تَلَع الشيبُ في رأسه فذهب به إلى أعلى الرأس، من التلعةِ. فقال: إنما هُو بلَّعَ: أي طلَع. ويُقال منه: بَلَّع النَّجم. ومنه اشتقاقُ سَعْد بُلَع.
وذكر عسل بن ذكوان أن ابنَ الأعرابي صحَّفَ بيت الهُذَلي
أرقتُ له مثل لمْع البشِير ... يقلِّبُ بالكفِّ قُرْصاً خَفيفاً
وإنَّما هُو فَرضاً، أي تُرْساً وكان يخالف ابن الأعرابي الأصمعي في بيت للحطيئَةِ، ويدعى كُلُّ واحد منهما على الآخر التصحيف. والبيتُ.
كَفَوْا سَنَتَيْن بالأضْيافِ نَقْعاً ... علَى تلك الجفان مِن النقى
هذه رواية ابن الأعرابي. والنّقْعُ عنده: النّحر. والنَّقى: الحُوارى. فيقول كَفَى الأضْيافَ، جمع ضْيف سَنَتَيْن وروايةُ الأصْمعي:
كُفُوا سَنِتِينَ بالأصْيَافِ بُقْعاً ... على تلكَ الجفار من النفى
وسَنِتينَ عندَه: من أسْنَتَ القومُ: من أسْنَتَ القومُ: إذا أجْدبُوا، والأصْيافُ: جمع الصَّيف، والبُقْع: يعني أنَّهم بُقْعُ الظُّهُور. من النفي: نَفِي الأرْشِيةِ، إذَا اسْتَقَوْا للناسِ. والجفارُ: جمع الجَفْر. وهي البئرُ البعيدةُ الماء وروى الكسائي
كأنَّ تحتَ رَيْطهَا القَشِيب ... أعْيسَ مِنْها، لاَ مِنَ الكَئيب

فبلغتْ روايتُه أبَا عبيدة. فقال: أبْلغُوهُ أنَّ الرِّوايةَ: أعْيَس مُنْهالاً مِنَ الكثِيب فهو منهالٌ. فقال الكِسَائي: أصاب الشَّيخُ، وأخطأْتُ أنا.
وروى الفراءُ.
يا قَاتلَ اللهُ صِبياناً تجيءُ بهم ... أم الهُنَيِّينَ مِنْ زَنْدٍ لها وارى
فقيل له: إنَّما هُو أمُّ الهُنَيْبِر وهي الضَّبَعُ. ويقال لها أم عامر.
فقال: هكذا أنْشَدَنيه الكِسَائي، فأحال على الكسائي.
حكى أبو الحسن الطوسي، قال: كُنَّا في مَجْلِس اللحياني وهو عَلى أن يُملي نَوادِره ضِعْفَ مَا أمْلى. فقال: " مُثَقَّلٌ اسْتَعَان بذَقنِهِ " فقامَ ابنُ السكِّيتِ إليه - وهو حَدثٌ - فقال: يا أبَا الحسن: إنَّما تقول العربُ: " مُثقَّلٌ اسْتَعان بدَفيْهِ " ، لأن البعيرَ إذا رَامَ النُّهوضَ استعانَ بجنْبيْه. فقطَع الإمْلاءَ. فلمَّا كانَ في المجلس الثاني أمْلَى: تقولُ العربُ: " هو جاري مُكَاشِري " فقام إليه ابنُ السكِّيت.
وقال: أعَزك اللَّهُ، إنما " هو جَاري مُكاسِري " . أي كسْرُ بيْتي إلى كسْر بيته. فقطع الإملاءَ، وما أمْلَى بَعْدَ ذَلك.
وقال: مَن احتجَّ عَن اللحْياني: البعيرُ إذا رَام النُّهوضَ اسْتَعانَ بعُنُقه وذَقنِه. والمثلث علَى ما رَواه اللحياني صحيحٌ.
وروى ابنُ السِّكيت.
هَرِقْ لها مِنْ قَرْقَرىَ ذَنْوبا ... إن الذَّنوب تَنْفَعُ المغْلُوبَا
فقال ثَعْلب: إنما تَنقَع: أي تُرْوِي.
قال ابنُ دُرَيد: وجدتُ للجاحظ في كتاب البيان تصحيفاً شَنيعاً، فإنَّه حدَّثني محمدُ بنُ سَلام، قال: سَمِعتُ يونُسَ يقولُ: ما جاءنا مِن أحدٍ مِنْ روائع الكَلام ما جاءَنَا عن النبي صلى الله عليْهِ وسلَّمَ.
إنَما هُو عن البتِّي: عن أبي عثمان البَتِّي. فَأَمَّا النبيُّ عليه السلامُ فلاَ شَكَّ عِنْد المِلِّي والذمي أنَّه كَانَ أفْصَحَ الخَلْق.
أنشدَ أبُو البيدْاءِ الرَّماحي أبَا عَمْرو
ولو أنَّ حياَّ للمنَايا مقاتِلاً ... يكونُ لقاتَلْتٌ المَنِيَّةَ عَنْ مَعْن
فتي لا يقولُ الموتُ مِنْ حرّ وَقُعِهِ ... لك ابنُكَ خُذْه ليس مِنْ سمتي دعْني
فقال له أبو عَمْرو: صحَّفتَ، إنّما هُو: قِتالاً يقُولُ.
روى الكلابي بيتَ عمرَ بن أبي ريبعةَ.
كأن أحورَ مِنْ غزلان ذي بقر ... أهدى له شَبَهُ العينين والجِيدَا
فقال ابنُ الأعرابي له: صحفْتَ. إنَما هُو سِنةُ العْينيْنِ.
روى عن قَتَادة قال: حضرتُ الحسن - وقد سُئِل - عن قوله جلّ وعز " جَعَل ربُّكِ تَحْنَكِ سَريّاً " فقال: إن كان لسَرياً، وإن كانَ لكريمأ. وقالوا: مَنْ هو؟ قال: المسيح. فقال له حميدُ بن عبد الرحمن: أعِدْ نَظَراً، إنما السَّريُّ: الجدولُ فتمعَّرَ له، وقالَ: يا حميدُ، غَلَبتْنَا عليك الإماءُ.
قال إبراهيم بن حمزةَ: سمعتُ عن أبي دأب ينشد لأبي ذؤيب الهُذلي.
ويم بذاتِ الدَّير..
فقلت له: وما لُهذَيل والدّيَارات؟ إنَّما هو بذات الدَّبرْ، وهي أكَمةٌ في بلادِهم. فقال: لا أدْري، كذا سَمِعتُه.
قال: ثم سمعتُه من قائلٍ ذلك العامَ في المسجد الحرامِ يُنْشده بذاتِ الدَّبْر.
هذه حروف وكلمات من المصحفالذي يستعمله الناس عمداً لا سهواً كتب أبو تمام الطائي رُقعة إلى محمد بن عبد الملك بن صاحل يسأله فيها مُحالاً، وكتب على عُنْوانها حبيب.
فأخذه محمد ونقطة خبيث.
ورفع آخر رقعةٌ إلى محمد بن عبد الله بن طاهر، وعليها حريث بنُ الفارس وكان اسمَ الرجل، فجعلَه محمد خريتَ في الفراش وكتب تحته: بئسما فعلْتَ.
ونهض الحسنُ بن وهب ذاتَ ليلة من مجلسِ ابنِ الزَّيات بنيه أي بت به.
وَقف رجلٌ على الحسن البصري فقال: اعتمِرُ، أخْرجُ، أبادِرُ. فقال الحسن: كذبوا عليه، ما كان ذلك. يريد السائلُ: أعثمانُ أخرج أبا ذرٍّ؟ ومن تصحيف محمد بن طاهر: متملْمِل. يريد: مَنْ ملَّ مُلَّ.
وقال المعتصم يوما لطَّباخ له فَارسي: حَاسبت رشيد. فقال: زِنْ نبيذ أراد المعتصمُ: جاء شَتيت رسيد، أي أدَركَ غَدَاؤك وقال لأخر: رسيد، أي أدْرَك.
وقال المتوكِّلُ يوما ليحيى بنِ ماسَوَيْه: بعتُ بيْتي بِقَصْرَين. فقال له يحيى: أخِّر الغِذاء. أراد المتوكل: تعشَّيتُ فضرني. فأجابه ابنُ ماسويه بالعلاج.
ومن هذا الجنس

حروف وكلمات من المصحف عمداً لا سهواً الخِنْصر: الحبُ ضَر. مَتَى ألج ببيتِ هند؟: ميِّت الحب شهيدَ.
نرجس طري: برح بي نظري. بمطرف تَستُري: نَمَّ طَرفي بسِرى. طَسْتٌ حَسنٌ: طبيبي: حبيبي. القَبَعْثَريَ وحَلُبس: ألفْتِ غَيْري وخلَّيتني فنعت بتكْفيلي: في عيْنيكَ قتْلى. وحموه حدَّثك بشأني: حمر خَدَّيك سباني خشخاشٌ: حبيبٌ خانَني. مِشمشةٌ ثقيلةٌ: مَنْ يَنَمْ يُنبَّه بقُبلة - صِينية حَسنةٌ: صَبٌّ نبَّه حَبيبه. محبرَةُ آبنوس: مُحِب زَها ببوس.
كلنى بيمينك فبعْني بحبتَّين: كلُّ شيء مِنْك في عَيْني حَسنٌ. لببُ سرج مُضِري: ليس ترحم ضُرى. مَسعودٌ: متى تعود؟ الثوبُ يماني بثوب: ألْتوتْ ثم اسْتوتْ سَعيد بنُ جبير: نَبْتٌ عند نرْجس. فرُّوج مُسَمَّن بحبِّة: تودُّ جَمْش مَنْ تُحبه. تحت الفيل مِرْوحةُ خَيش: تحبُّ القُبل مِن وجُهٍ حَسَن. حَبَشٌ بن حنين: حبيبي بتَّ بخير. سكْباج: ثنيك باخ. كشكيَّةَ: كنت نكتة. قلْنُسوة خَضْرا: قلبي يتوهجُ ضُراً. لمازحٍ مقَالٌ يضم: لمَّا رَحمَ قال: نعَمْ.
سوقي جرَّ بعيري: فتش تجرِّبُ غيْري. ضرَب عَيْني بنواتين: صريعٌ بين نِسْرين. وآسٍ مسلم بن قيس: متى يُلِمُّ بي بنُو أمية. أليتُ بربي قد خضعتُ راهباً: الشُّربُ بقدح صغير أهْنأ. أسرتْني بيدي: اشربْ سيِّدي.
ومن المقلوب: ظلمتنا: أنت ملط. كرهَتَنا: أنت هِرك. دعُوتنا: أنْتَ وغْد. أرحتنا: أنت خرا. جَفَوتنا: أنْتَ وقح: ووقع بعضُ الوزراء: غَرَّك: عرك فصَار: قصار. ذلك: دلّك. فاخْش: فَاحش. فعْلك: فعلَّك. بهذا: تهدأ.
وقع محمدُ بن عبد الملك بن طاهر إلى ابنه: يا بُني: يا بْني: مصيبة: مضْنية. أمرضى: أمْرُ صبي. مجذورٌ: محذورٌ. عليْه: عِلَّته. بقرع: يفرع قلْبي: لمُبِّي. وأله: وإلهٌ. أحمرُ: أحمدُ. وقدْ: وفَد وصَيفٌ: وصنَّف رجَاله: رجّالَة يحتلُّ: بخيل وقَّع بعضهم على رُقْعة رَجل: هذا: هذّا.
كان محمد بن نفيس غيوراً، فأخُبر أنَّ جاريةً له كتبتْ إلى خَاتمها: مَنْ ثَبَتَ نبتَ حُبهُّ. فدعاها فَوقَفها علَى ذلك، فقالت: لا - والله - أصلحكَ الله، ما هُو ما قِيلَ لك، ولكني كتبتُ على خاتَمي: من يَتُبْ يُثَبْ جَنةً.
ومِنَ الغلطِ. قول نحيت وكان الحجاجُ وجَّه إلى مطهر بن عمَّار بن ياسر عبدَ الرحمن بن سلي الكلْبي. فلما كان بحُلوان أتبعه مدَداً، وقدم إليه بذلك كتاباً مع نحيت الغلط - وكان يقال له ذلك لكثرة غَلَطِه - ، فمرَّ بالمدَدِ وهُمْ يُعرضُون بخَانقين. فلما قَدِم علَى عبد الرحمن قال: أينَ تركت مدَدنا؟ قال: تركتُهم يُخنقُون بعَارضين. قال: أو يُعَرضُون بخانقين. قال: نعم: اللهم لا تُخانِقْ في باركين.
ولما ذهب ليجْلسَ ضَرط، وأراد عبد الرحمن أن يقولَ له: ألا تفدي؟ فقال: ألا تضْرطُ؟ قال: قد فعلتُ، أصْلحَك الله - قال: ما هذا أردتُ قال صدقتَ، ولكن الأميرَ غلط كما غلطنا.
قال بعضُهم: سمعتُ بعضَ الكتاب الأكَابر يقولُ: أنا أسْتَاكُ بالعراق يريدُ بالأراك.
وقال آخر: سمعتُ بعضَهم يقولُ: جَعْدة الطريق فأنكَر صاحِبُه، وقال: الجعْدةُ هو ما يوضع فيه السِّهام.
وقرأ الخطيبُ في المسْجدِ الجامع: والسَّماءِ والطَّارق. فقال: يخرج مِنْ بين التُّرب والصّلائب.
وقال الوَليد بنُ عبد الملك لسُليمانَ بن خالِد بن الزُّبير يوماً - وعروةُ جالسٌ عنده - ما سِنُّك؟ فقال: قُتِلتُ أيام وُلد مُصْعبٌ.
الباب الثالث عشر
نوادر من النحو واللحنسمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلاً قرأ، فلَحنَ فقال أرشدوا أخاكم.
قال الأصْمَعي: قلتُ لأبي مَهْديّة: كيف تقولُ: لا طِيبَ إلا المسكُ قال: فأينَ أنت عن العنبر؟ قلتُ: فقل لا طِيبَ إلا المسكُ والعنبر. فقال: أين أنت عن البان؟ قلتُ: قُلْ لا طِيبَ إلا المِسكُ والعنبرُ والبَانُ. قَال: فأيْنَ أنْت عن أدْهان محُمر؟ قال قلتُ: فقل لا طيبَ إلا المسكُ والعنبر والبانُ وأدهانُ محمَرّ. قال: فأين أنت عن فارة الإبل صادرةً؟ عمِلَ بعضُ النَّحُويين كتاباً في التَّصغير، وأهداهُ إلى رئيس كان يختلفُ إليه، فَنَقص عطَّيتَه، فصنَّف كتاباً في العطف، وأهدَاهُ إليه، وكتب معه: رأيتُ بابَ التصغير قد صغرني عِنْد الوزير، أرجُو أنْ يعطِفَهُ على بابُ العطفِ.

سمعت الصاحبَ - رحمة اللهُ - يقول: كان سببُ اتصال ابن قريعَةَ القاضي بالوزير أبي محمد المهلبي أن ابنَ قريعةَ كان قَيِّمَ رحى له، فرفعَ إليه حِساباً، فيه درهمان ودانقان، وحَبَّتان، فدعاهُ، وأنكرَ عليه الإعرابَ في الحساب.
فقال: أيُّها الوزيرُ، صارَ لي طَبْعاً، فلستُ أستطيع له دَفْعاً. فقال: أنا أزيلُه عنك صَفْعاً. ثم استداناهُ بعد ذلك، وقرَّبُه.
قال نحوي لرجل: هل ينصرفُ إسماعيلُ؟ قال: نعم. إذا صلى العشاءَ فما قُعوده؟ وحكى أن جماعةً عند محمد بن بحر اختلَفُوا في بناءِ سَراويل، فدخل البرقيُّ.
وقال: فيم كنتُم؟ قالُوا: في بناء سَراويلَ. فما عندَك فيه؟ قال: مثلُ ذراع البكْر أو أشدُّ.
قال النوشجَانُ: حضرتُ مجْلِسَ المبرِّدِ، فسمِعنا وَاحداً يقول: في حرامِ أصْبهان.
فقال أبو العباس: هذا قد شتمَك على مذْهب قول الله تعالى: " واسْأَلِ القريةَ " .
سمع ذو الرُّمة رجلاً يقول: على فُلان لعْنةَ اللهِ. فقال: لم يرْضَ بواحدة حتى شفَعَها بأخْرى. وذلك أنه لما سَمِعهُ مفتوحاً قدَّر أنَّه أرادَ التثنيةَ: لعنتَا الله.
قيل لرجل كان يكْثُر اللَّحنُ في كلامِه: لو كنتَ إذا شككتَ في إعراب حَرْف وتخلصْت مِنْه إلى غيْره، مِنْ غير أنْ تُزيلَ المعنى عن جهته، كان الكلامُ واسِعاً عليك، فلقي رجلاً كان مشهوراً بالأدب. فأراد أنْ يسأله عنْ أخيه، وخشي أن يَلْحنَ في مُخَاطَبَتِه، فذهبَ إلى أنْ يتخلَّص عِنْد نفُسِه إلى الصَّواب. فقال: أخُوك، أخيك، أخاك هَا هُنا؟ فقال له الرجلُ: لا، لُو، لي ماهر حاضرٌ.
وقف نحوي على صاحب باذِنْجان، فقال له: كيف تبيعُ؟ قال: عِشرين بدانق. قال: ما عليك أن تقولَ: عشرون بدانق!! فقدَّر أنَّه يسْتزيدُه. فقالَ: ثلاثين بدانق. فقال: وما عليكَ أن تقولَ: ثَلاثون؟ فما زالاَ على ذلك إلى أن بلَغَ تِسْعين. فقال: وما عليْكَ أنْ تقُولَ يتسَعون؟ فقال: أراكَ تَدورُ على المائتون، وهذا ما لا يكون.
ومر نحوي بقصَّاب - وهو يسْلُخ شاةً - فقال: كيفَ المسْتْطرَقُ إلى درْب الرآسِين؟ فقال القصابُ: اصبرْ قليلاً حتى يخرج الكرْشُ وأدلَّك على الطريق.
وقدم نحوي خَصْماً له إلى القاضي، وقال له: لي عليكَ مائتان وخَمْسون درهماً.
فقال لخَصمه: ما تقول؟ فقال: اصلح الله القاضي، الطلاقُ لازمٌ له إنْ كان إلا ثَلاثمائة. وإنما تَرك منها خمْسين ليُعلمَ القاضي أنه نحوي.
وقدَّم آخر خصْماً له إلى القاضي، وقال: لي عليه ديناران، صحيحان، جيِّدان.. قال: القاضي: ما تقولُ؟ قال: أعز الله القاضي، هذا بغيضٌ. قال: بلى. قال فأصْفَعه؟ قال: إذنْ تَزنُ قال: لا أبالي قال القاضي: وأنا شريكُك. زنْ أنت دينار وأزِنُ أنا دينار وأصْفَعه.
دقَّ رجل باب بعْضِ النحويين، فقال صاحبُ الدَّار: مَنْ ذا؟ قال: أنا الذي أبو عمرو الجصَّاص عقد طَاقَ بابِ هذه الدار. قال النحويُّ: ما أرى لك من صِلَةِ الذي شيئاً. فانصرِفْ راشداً.
قيلَ: النحو مِلْحُ العلم، ومتى اسْتُكْثِر مِن الملح في الطَّعام فَسدَ.
سمع المازني قَرْقَرةً مِنْ بطنِ رجُل، فقال: هذه ضَرْطةُ مضْمرَةٌ.
قيل: لأبي سعيد السيرافي: ما علامةُ النَّصب في عَمْرو. فقال: بُغْضُ علي بن أبي طالب وأنشد ذو الرمة
وعينان قال الله كُونا فكانتا ... فُعولان بالألباب ما تَفْعل الخمر
فقال له عيسى بن عُمر: فَعْولَيْن. فقال ذو الرمة: لو سَلَحْتَ كان خيراً لك. أترى الله أمَرَهُما أن يسحرا.
مرَّ أبُو علقمة بأغْلال قد كُتِبَ عليه رُبِّ سُلِّم لأبي فلان. فقال لأصحابه: لا إله إلا اللهُ يلحنُون، ويربحون.
قال رجل للحسن البصري يا بُو سعيد: أنا أفْسِي في ثوبي، وأصلي يجوزُ؟ قال: نعَمْ. لا أكثرَ اللهُ في المسلمين مِثلكَ.
وجاء إليه رجلٌ فقال: ما تقولُ في رجل ماتَ، وترك أبيه وأخيه؟ فقال له الحَسنُ: ترك أباهُ، أخاه. فقال: فما لأباه وأخاه فقال الحسن فما لأبيه وأخيه؟ فقال الرجلُ: إني أراك كُلَّما طاوعتُك تخالفني.
قال سعيدُ بن سلم: دخلت على الرشيد فجَهدني، وملأ قلبي، فلحن، فخفَّ على أمرُه.
قال الزُّهري: أحْدثُ الناسِ مروءةً أحبُّ إلي من طلب النحو.
سمع أبو عمرو أبا حنيفة يتكلَّم في الفِقه، ويلحَنُ، فاسْتحسَن كلامه، واستقبحَ لحْنه.

فقال: إنه لخطابٌ لوْ ساعَدهُ صواب. ثم قال لأبي حنيفة: إنك أحوجُ إلى إصلاح لسانِك مِن جميع الناس.
قال أبو سعيد السِّيرافي: سمِعتُ نفطويه يقول: لحنُ الكُبراءِ النَّصبُ، ولحنُ الأوساطِ الرَّفعُ، ولحنُ السفلةِ السْرُ.
دخل خالُد بنُ صَفوان الحمام. وفيه رجلٌ مع ابنه - فأرادَ أن يُعرِّف خالداً بلاغته فقال لابنه، يا بني، أبدأ بيداك وثنِّ برجُلاك. ثم التفت إلى خالد، فقال: يا أبا صَفوان، هذا كلامٌ قد ذهب أهلُه. فقال خالدٌ: هذا كلامٌ ما خلق الله لهُ أهلاً.
قال أبو هِفَّان: رأيت بعض الحَمْقى يقول لآخرَ: قدْ تعلمتُ النحوَ كلَّه إلا ثلاث مَسائل. قال: وما هي؟ قال: أبو فلان، وأبا فلان، وأبى فلان. قال: هذا سهلٌ. أما أبو فُلان فللملوك، والأُمراءِ، والسلاطين، والقُضاة. وأمَّا أبا فلان فللبناة والتُّجار، والكُتَّاب. وأمَّا أبي فلان فلِلسِّفل والأوْغاد.
قال السيرافي: رأيتُ رجلاً من المتكلِّمين ببغداد بلغ به نقصُه في معرفة العربية أنهُ قال في مجلس مشهور، بين جماعة حضور: إن العْبدَ مُضطرُّ، وإنَّ الله مُضطِرُّ بكسر الطاءِ، وزعمَ أنَّ القائل: الله مضطرُّ كافرٌ.
قال رجلٌ للحسن البصري: إن هذا الرّجُل قد زوَّج أمَّه مِن رجل نبطي. فقال له الرجلُ: يأبُو سعيد. هذا محروم. يريد محَرَّم. فقال الحسنُ: كذا أشتهي أن تكون لغةُ مَن زوج أمَّه.
قيل لأعرابي: هذا قصرٌ. بما ارتفع. فقال: بالجصِّ والأجُرِّ.
مدح شاعرٌ طلحة صاحب البريد بأصبهان، فلم يُثِبه. فقال: لو كنتُ من مدحي بلا صفد لاكتلتُ مِن طلحةٍ كُرين مِن خير. فقال له طلحةُ: لحنت، لأنك صرفتَ طلحة، وطلحةُ لا ينصرف. فقال له: الذي لا ينصرفُ طلحةُ الطلحات فأما أنت فتبلغُ الصِّين بنفخة.
قيل لأعرابي: كيف تقولُ: ضرب عبد الله زيد؟ فقال: كما قُلتَ. قيل: لِمَ؟ قال: لشر أحسبه وقع بينهما.
قدِم رجلٌ على بعض الولاة، فقال له: مِن أين أقبلت؟ قال: من أرْض اللهُ.
قال: وأين تُريد؟ قال: بيت الله. قال: ومِمَّن أنت لا أمَّ لك؟ قال: مِن تيم الله. فأمَر بوجيء عُنُقِه. فقال: بسم الله. فقال: اتركوا ابن الخبيثةِ. فلو ترك الرفع وقتاً تركهُ السَّاعة.
قال أبو العَينْاء: دخل رجلٌ إلى عَليل: فقال له: لا إله إلا الله، وإن شئت لا إلهٌ إلا الله، والأولى أحبُّ إلى سيبيويه فقال أبو العليل: حَرَمني اللهُ أجْرَه إن لم يكن مَشهدُك له أشدَّ علي مِن مؤْته.
قال رجلٌ لآخر: تأْمرُ بشيئاً؟ قال: بتقوى اللهِ، وإسقاطِ الألف. قال خلف قلتُ لأعرابي: ألقي عليك بيتاً؟ قال: على نفسِك فألُقِه.
قال رجلٌ من البَلديينَ لأعرابي - وأراد مَسْأَلته عن أهلهِ - كيف أهلكَ؟ قال - بكسْر اللام. فقال الأعرابي: صَلْباً. لأنه أجَابه على فهمِه، ولم يعلمْ أنه أرادَ المسأَلة عن أهله.
قال الجاحظ: قال بشر المريسي لجلسائه: قضى اللهُ لكم الحوائجَ على أحسن الوجوه، وأهنؤها. فقال له قاسمٌ التمارُ: هذا على قوله:
إن سُليَمْي والله يكلؤُها ... ضنَّت بشيء مَا كَانَ يرزؤها
فصار احتجاجُ قاسم أطيبَ مِن لحْن بشر.
وقال: قدَّم رجلٌ من النحويين رجُلاً إلى السُّلطان فِي دَين لَهُ عَلَيْهِ، فقال: أصلح الله الأميرَ، لي عَلَيْهِ درهمان. فقال خصمه لَهُ: والله - أصْلحك الله ثلاثةُ دراهمَ ولكنه لظهور الإعراب ترك من حقه درهماً.
وكان سابق الأعمى يقرأ: " الخالقُ البارئ المُصور " فكان ابن جَابان إذا لقيهُ قال: يَا فاسقُ مَا فعل الحرفُ الَّذِي تُشركُ بالله فِيهِ؟ قال: وقرأ مرة: " ولا تُنْكحُوا المشركين حَتَّى يؤمنوا " بفتح تاء تنكحوا، فقال ابن جابان: وإن آمنُوا لَمْ نَنكحهم.
سمع أعرابي رجلاً يقول: أشهد أنَّ مُحمَّداً رسول الله بالفتح، فقال: يفعل مَاذَا؟ قيل لأعرابي: كَيْفَ تقولُ استخذيت أو استخزيت؟ فقال: لا أقولهما. قيل: ولِمَ؟ قال: العربُ لا تستخذي.
سَكر هارون بن محمد بن عبد الملك ليلة بَيْنَ يدي الموَفَّق، فقام لينصَرف، فغلبهُ السُّكرُ، فقام فِي المضرب. فلما انصرف الناسُ جاء راشدٌ الحاجبُ، فأنبههُ وقال: يَا هارونُ انصرف.

فقال بسكره: هارونُ لا ينصرفُ. فسمع الموفَّق فقال: هارون لا ينصرفُ فتركه راشدٌ فلما أصبح الموفقُ وقف عَلَى أن هارون بات فِي مَضرَبه. فقال: يَا راشِدٌ أيبيتُ فِي مضربي رجلٌ لا أعلم بِهِ؟ فقال: أنت أمَرْتني بهذا، قلتَ: هارونُ لا ينصرف. فقال: إنَّا لله - وضحك - أردْتُ الإعراب وظننت أنت غيْرهُ.
يقال: إن يزيدَ بن المهلَّب كَانَ فصيحاً لَمْ يُؤخذ عليْه زلةٌ فِي لفظ إلا واحدةً، إنه قال عَلَى المِنبر - وذكرَ عبد الحميدِ بن عبد الرحمن بن زيد ابن الخطاب فقال - : وهذه الضبُعةُ العرْجاءُ. فاعتْدَّت عَلَيْهِ لحْناً، لأن الأنثى إنَّما يُقالُ لَهَا الضَّبعُ، ويقال للذكر الضبعَانُ.
قيل: كَانَ خالد بن صفوان يدخُلُ عَلَى بلال بن أبي بُردة يحدَّثُه، فيلحنُ. فلما كثُر ذَلِكَ عَلَى بلا قال لهُ: أتحدثني أحاديث الخلفاء، وتلحنُ لحن الستات. وَكَانَ خالدٌ بعْد ذَلِكَ يأتي المسجدَ ويتعلَّمُ الإعراب.
كان الشِّيْرَجّيُ إماماً من أئمة الحنبلية، اجتاز بمسجد فِيهِ معْزّي فخرج عَلَيْهِ منه نحْوي بِغيضٌ. فقال لَهُ الشيرجي: من المُتوفي؟ فقال النحوي: الله نبيه. وقال زنديقٌ: واللهُ رفعهُ إلى الحَشر.
قرأ الوليد بنُ عبد الملك يوماً عَلَى المنبر: " يَا ليتَها كَانَتْ القاضية " فقال عمر بن عبد العزيز: عَلَيْكَ.
سُئِل نحْوي عن تصغير عُبَيْد الله. فقال: ليسَ فِي سجدتي السَّهو سَهوٌ.
وذُكر أنَّ مُعاوية قال: كَيْفَ أبو زيادٍ؟ فقالوا: ظريفٌ عَلَى أنه يلحنُ.
فقال: أو ليسَ ذَاكَ أظرف لَهُ؟ أرادوا اللَّحن الَّذِي هو الخطأ. وذهب معاويةُ إلى اللَّحن الَّذِي هو الفطنةُ.
قالوا: كَانَ سبب عَمل أبي الأسود الدؤلي النَّحو هو أول من وضعهُ، وقيل إن أميرَ المؤمنين علياً عَلَيْهِ السلام جعل لَهُ مِثالاً فبنى عَلَيْهِ واحْتذاه أن أبا الأسود سمع رجلاً يقرأ: " إن الله بريءٌ مِن المشركين ورسولُه " بالخفض. وسمع ابنته تقول: مَا أطيبُ الرُّطب؟ وهي تُريد التَّعجب، وظن أنها تريد الاستفهام، فعمل شيئاً من النَّحو، وغرضهُ عَلَى أمير المؤمنين عَلَيْهِ السلام. فقال: مَا أحسنَ هَذَا النحو الَّذِي أخذتَ فِيهِ. فُسمي نحْواً.
مر الشعبي بناس من الموالي يتذاكرون النَّحو، فقال: لئن أصْلحتموه إنِّكُم لأوّلُ من أفسدَه.
وروى أن الحجاج قرأ: إنا من المجرمون مُنتقمون.
وكان محمد بن سليمان يقول فِي خُطبته: إن الله وملائكتهُ برفع الملائكة فقيل لَهُ فِي ذَلِكَ. قال فخرجُوا لَهَا وَجهاً، وَلَمْ يدَعِ الرَّفع.
قال بعضهم: قلتُ لواحد مِن أين جئت؟ قال: مِن عند أهلُونا. قال: فقلتُ لَهُ: قل: أهلينا. قال: سبحان الله نعْدِل عن قول الله تعالى " شغلتنا أموالُنا وأهلونا " قدم العُريانُ بنُ الهيثم عَلَى عبد الملك، فقيل لَهُ: تحفَّظْ من مَسْلمةَ فإنه يقول: لأن يُلقمني رجلٌ حجراً أحبُّ إلي مِن أن يُسْمعني لحْناً. فأتُاه العُريانُ ذات يوم، فسلَّم عليْهِ. فقال لَهُ مَسْلمةُ: كمْ عطاءك؟ فقال العُريان ألْفين. فقال: كمْ عطاؤك؟ قال: ألفان. فقال: مَا الَّذِي دعاك إلى اللَّحن الأول؟ فقال: لحنَ الأمير، فكرهتُ أن أعرِب، وأعْرَب فأعرَبتُ. فاسْتحسَن قوله، وزاد عطاءه.
قال رجلٌ لآخر: مَا فعل فُلان بحماره؟ قال: أنا بسرت بالباء. قال: وأنا أيضاً بسرتُ بالباء.
وقال أعرابي: كنتُ أظن أبا المهاجر رجلاً صالحاً، فإذا هو يلحنُ.
قال يونسُ: كُنا ننظُر إلى الشباب فِي المسجدِ الجامع بالبصرة يخطرْ بَيْنَ السواري. فنقول: إما أن يكون قرشياً أو نحُوياً.
قيل لبعض النحويين: مَا تقول فيمن سَها فِي سَجْدَني السَّهو؟ فقال: لَيْسَ للتصغير تصغيرٌ.
الباب الرابع عشر
نوادر المخنثينقال بعضُهم: شهدتُ مجْلسا فِيهِ قينةٌ تغني، فذهبت تتكلف صيحة شديدة فانقطعت. فصاحت من الخجل: اللصوصَ اللصوصَ. فقال لَهَا مُخنَّثاً كَانَ فِي المجلس: والله يَا زانيةُ مَا سُرق من البيت شيءُ غيرُ حَلقِك.
استوهب رجلٌ من مخنَّث فِي الحمَّام خطمياً، فمنعَه. فقال: سُبحان الله!! تمنعني الخطمي وقفيزٌ منه بدرهم؟؟ فقال المخنُّثُ: فاحسبُ حِسابك أنت عَلَى أربعة أقفزة بدرهم، كم يصيبك بلا شيء؟

قال جَحْظةُ: فاخرني بعضُ المخنّثين فقال: يَا أبا الحسن، وَفِي الدُّنيا مثلُ المخنثين؟ قلتُ: كَيْفَ؟ قال: إن حدَّثوا ضحكتُم، وإن غنُّوا أطرِبتم، وإن ناموا نكتُم.
قال المتوكل لعبادة: مَا تقول فِي تطبيل سَلمان المخنَّث؟ قال: هو حسنٌ، ولكنَّه مثلُ الهيْضة يأتي بأكثرَ مما يُحتاجُ إليه.
سمع مخنثُ أن صومُ عَرفَة كفارةُ سنة، فصام إلى الظهر، ثُمَّ أفطرَ، وقال: يكْفيني ستةُ أشهر.
قيل لآخرَ: تُناك فِي الأسْت؟ فقال: أو لي موضعٌ آخرُ؟ وقل لآخر: أما تٌُستحي من أن تُناكَ؟ فقال: ذوقوا، ثُمَّ لُومُوا.
ودخل مخنثٌ الحمَّام، فنظرَ إلى رجل طويلِ الخُصيتين، قصير الأير، فقال سخنتْ عيْنُك. الغِلالة أطْولُ من القميص.
وسمع آخر قوماً يقولون: إن من كَثْرة الحِجامة يعرضُ الأرتعاش. وأخذ شَعره يوماً وارتعش فقال يَا رب أخذتُ شَعري. لَمْ أحتجم.
مر عيسى بنُ موسى بعد أن خلعهُ المنصورُ - وَكَانَ ولي عهدٍ بعدَه وقدَّم المهدي عَلَيْهِ - بمخنَّثٍ.
فقال: إنسانُ مَنْ هَذَا؟ قال المخّنثُ: هَذَا الَّذِي كَانَ غداً فصار بعدْ غد.
قيل لعبادة: منْ يضربُ علي ابن أبي العَلاء؟ قال: ضِرْسه.
مرتْ امرأة بمخنّث حسن الوجْه - ومعها ابنةٌ لَهَا - فقالت: ليت لابنتي حسن وجْهك.
قال: وطلاقي. قالتْ: تَعِستَ. قال: فتأْخذين مَا صَفا وتتركين مَا كَدر؟ وصف مخّنثٌ امرأةً فقال: كَأَنَّ رَكَبَها دارةُ القمر، وكأن شفْريها أير حمار فَلوى.
سمع آخر رجلا يقولُ: دعَا أبي أربعةَ أنفسِ، وأنْفَق عَلَيْهِم أرْبعمائة دينار، فقال: يَا بنَ البَغِيضةِ لعلَّة ذَبحَ لهم مغنيتين، وزامرةً، وإلا فأربعمائة فِي أيش أنفقها؟ قال شيخٌ لقرقر المخنثِ: أبُو مَنْ أنت؟ قال: أم أحمد فديتُك!! سمع شاهِكُ المخنَّثُ رجلاً يصفُ الكَرفْس، وأنَّه جيد لفتْح السَّدد. فقال: لا كَانَ الله لَكَ. أنا إلى سدِّ الفتح أحوج.
تاب مخنثٌ، فلقيه مخنّث آخرُ، فقال: يَا أبا فلان: أيش حَالك؟ قال: قَدْ تُبتُ.
قال: فمن أينَ معَاشُك؟ قال: بقيتْ لي فضيلةٌ من الكَسْب القَديم فأنا أتمزَّزُ لَهَا.
فقال: إِذَا كَانَتْ نفقتُك مِنْ ذَلِكَ الكَسْب فلحم الخنْزير طري خيرٌ من قَدِيد.
رأى عبادة دابةً مخارق - وهي تُقرْمِط مَشْيهَا - فقال: يَا مخارقُ برذونُك هَذَا يمشي عَلَى استحياء.
عُرض عَلَى عبادة خادِمٌ فقال: أنا لا أركبُ سفينةً بغير دَقَل.
قُدِّم إلى عبادةَ رغيفٌ يابسٌ، فقال: هَذَا نُسِج فِي أيام بني أمية ولكن بلا طراز.
ضُربَ طويسٌ فِي الشراب فقيل لَهُ: كيْفَ كَانَ جَلَدك عَلَى وقع السياطِ؟ قال: بلغني أني كنتُ صَبُوراً.
كان للمتوكل مضحكان مخنثان يقالُ لأحدهما شعرةٌ وللآخر بعْرة. فقال أحدهما لصاحبه: مَا فعل فلا نٌ فِي حاجتِك؟ قال: مَا فتَّني ولا قَطعك ذُكِرت العراقُ لمخنّث مِنْ أهل الشَّام، فقال: لعَن الله العِراقَ، لا يُشربُ ماؤها أو يصْلب، ولا يشربُ نَبيذُها أو يضرَب.
قال الجماز: مات مخنّث يقال لَهُ نويفل فرآهُ إنسانٌ فِي النوم كأنه يقول لَهُ: أيش خَبرك يَا نُويْفل؟ فقال: لا تسألْ. فيقولُ لَهُ: إلى أين صِرتَ يَا نويْفل؟ قال: إلى النار. قال: ويْلك!! فمني ينيكَ فِي النَّار قال: ثمَّ يزيد بن معاوية لَيْسَ يُقصِّر فِي أمْرئ.
نظر مخنَّث إلى رجل دَميم الوَجْهِ فقال: وجهُك هَذَا نموذج جهنم. اخْرج إلى الدنيا.
قال عبادة لمكار: نِكني يَخْت أي يَخْتْ قال: وكيف ذَاكَ؟ قال: تُدْخِلُه يابسا فإما أنْ ينْدقَّ أيرك، وإما أن ينشَقَّ استي.
كان لمخنّث جاريةُ نفيسةٌ، فقالت لَهُ يوماً: ويْلك!! مَنْ أبْلاني بك؟ فقال: من أبْلاكِ بحَرك، سوًّد وجهَهُ وشقَّ وَسطه، وقطع لسانَه، وجعل إلى جانبه صُرَّةً لَهُ.
قال ابن قريعة كَانَ لبعض المخنثُين أير عظيم. فكان يقول: اشتهي من ينيكُني بأيري.
وقيل لمخنّث: لا تتنور؟ قال: إذا كثر الدغَل أخذ الناس طريق الجادة.
قال آخر: الأسْتُ مِسن الأير، والقُبلة بريد النَيك.
نَظَرَ مخنّثٌ إلى مسجد صغير لطيف، فقال لآخر: أما تريد هَذَا المسجد؟ مَا أملحَهُ، لا يصلح والله إلا أن يُحُمل فِي السَّفر.

نظر مخنَّث إلى رجل مِنْ ولدِ أبي موسى الأشعري يَمْشي وهُو يتبخْتر فقال: انظروا إلى مشيَةِ مَنْ خَدَعَ أباه عمرو ابن العاص.
أصاب رجلاً الحُصْر. فقيل لَهُ: احتقن. قال: لو كَانَ قَدْر حُمٌّصةٍ مَا قدرتُ عَلَيْهِ، فقال لَهُ مخنَّث كَانَ حاضِراً: لأنَّكَ ضيْعْتَ نفسَك فِي صغرك.
تقرى مخّنثٌ فأتَى جبل لُكام عَلَى أن يتعبَّد فِيهِ، فأخذ زادَه وصَعد، وسار عَلَى سهل، فنفدَ زادُه وجلس قَدْ أعيا فرفع رأسَه فإذا بينَه وبين الجبل مسافةٌ، وتطلَّع إلى أسْفلَ، فإذا هُوا قَدْ قطَع أكْثره، فنظر إلى الجبل وقال: واشماتتي بكَ فِي يوم أراك كالعِهْن المنْفُوش.
جلس قومٌ فِي مجْلس - ومعهُم مخنَّث - وقال رجلٌ منهم: أنا أشتهي كشكيةً حَامِضة وضرط. فقال المخنثُ: قطع الله ظهْرَ الكشْكيَّةِ، مَا أسْرعَ مَا تَنفُخُ البطنَ!! قال عبادة يوماً للمتوكل: قَدْ عُمِل بي البارحة كذا وكذا دفعةً. فقال لَهُ المتوكل: ويْحكَ!! أما أعْييتَ؟ قال: إنّما يعْيا البريد لا الطريق.
ضُربَ مَخنَّثٌ بالسِّياط فسَلَح. فقيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ. فقال: ويَلَكُم!! فما ذي أدَّخِرهُ إذاً؟ قال: إذَا أرادَ المخنَّثُ أنْ يعيبَ صاحِبهَ قال: لا - والله - بَلَى مَا أنْتَ بمَخنَّث ولا أنْتَ إلى رجلٌ جيِّدٌ.
كان عبادةُ يُسمي السراويلَ مقطرة الإست.
نَظرَ مُخَنَّثٌ إلى رجل يغْسِلُ اسْتَه، ويَسْتقصِي جداً. قال: عافات الله!! تُريدُ: يُشْربُ بِهَا سَويقٌ؟ كانَ بالمدينة مخنَّثٌ يُكنى أبا الخَزِّ، وَكَانَ مليحاً، فَدخَلَ عليْه لِصٌّ ليلةً، فجمعَ مَا وجَدَ فِي بيته، وأبُوا الخَزِّ ينْظُرُ إليه، لا يجْتريءُ عَلَى أن يُكلِّمهُ، فلما أراد اللص الخُروجَ قال لهُ: فدَيتُكَ. مَا اسمُكَ؟ قال: نافعٌ قال: نافعٌ واللهِ لغيْري.
تلَّبس مُخَنَّثٌ. واحتارَ، فقال لَهُ رجلٌ: إلى أيْنَ يَا خرَا؟ قال: إلى شَاربك.
قال المتوكلُ يوماً لجُلَسائِه: أتعلمونَ مَا أولُ مَا عتَب المسلمون عَلَى عثمانَ؟ فقال أحدُهم: نعم. يَا أميرَ المؤمنين، إنه لمَّا قُبض النبيُّ عَلَيْهِ السلام قام أبو بكر عَلَى المنبر دون مَقام النبي عَلَيْهِ السلام بمْرقَاة. ثُمَّ قام عمرُ دون مَقام أبي بكر بمرْقاة.
فلما وَلي عثمانُ صعد ذروة المنبر، فأنكر المسلمون ذَلِكَ عليه، وكانُوا أرادوا مِنْه أن ينزل عن مَقام عُمر بمَرقاة. فقال عبادةُ: يَا أمير المؤمنين. مَا أحدٌ أعْظمَ مِنةً عَلَيْكَ، ولا أسْبَغ معروفاً من عُثمانَ. قال: وكيفَ. ويْلك! قال: لأنه صعد ذِرْوة المنبر، فلو أنه كُلما قام خليفةٌ نزل عَنْ مقام من تقدَّمهُ مرقاة كنتَ أنت تخطبُ علينا من بَيْنَ جَلْوتي.
دخل مخنث ذات يوم نهراً ليغتسل، فجاء قوم من آل أبي مُعَيط. وجعلوا يرمُونَه، وعرَفهُم فقال: لا ترْموني فَلسْتُ بنبي.
نظر عبادة إلى زُنام الزامرِ يبكي عَلَى بِنْت لَهُ ماتتْ، فقال: قُطع ظَهْرك!! كأنك والله مطبخ يَكِف.
وقال عبادة: كلُّ شيء للرجالِ لَهُ معنى إلا اللُّحي، والخُصي.
وقال بعض المخَنَّثين: إِذَا كَانَ المغني بارداً فصاحبُ البيْتِ عليلُ القَفَا..
أخِذ مخنثٌ فِي شيء، وأحْضِرَ عند الوالي، فأمر بضَربْه، فصاح: يَا سيدي. كذَابُوا والله علي كما كَذبُوا عَلَى المُري. قال: وكيف كذبوا عَلَى المري؟ قال: هو منِ البُر؟ يقولون هو من الكامَخ. فضَحك الوالي، وخلاهُ.
وقيل لمخنَّث كَانَ يتجر: لَمْ لا تركبُ البحرَ فإنَّ فِيهِ الغني والتمولَ؟ قال: يَا غافلُ. أنا أعصيه منذُ أربعين سنة، أذهبُ فأضع يدي فِي يده؟ اجتاز مخنث بنائحةٍ جالسة عَلَى باب دار، فقال لَهَا، مَا جلوسُك ها هنا؟ قالت: خيرٌ. قال: لو كانَ خيْرا كنتُ أنا هاهُنا لا أنْت.
نظر مُخنَّث إلى رجُل مُقيد قَدْ أخرج للعَرْض، وهو ينظرُ إلى غُلام أمْردَ فقال: العصفور فِي الفَخِّ وقلُبه فِي سوقِ العلفِ.
قال سمسنة المخنثُ لرجل كَانَ يكتب كتاباً إلى معرفة السمسنة: أقرئه سَلامي فِي كِتابك. قال: قد فعلتُ. قال: فأرني اسمي الَّذِي يشبهُ الدابَّة الَّتِي تدخل الآذان.
ووصف مخنث الحرِ، فقال: كأنه أنُو شروان فِي صَدْر الإيوان، مَكورٌ كأنه سَنام ناقة صالح، موطأ كأنه أليةُ كبش إبراهيم، غليظ الشفتين، كأنه شفةُ بقرة بني إسرائيل.

لقى مخّنث آخر ليودِّعه، فقال: أحمدُ الله عَلَى بُعد سفَرِك، وانقطاع أثَرك، و شِدة ضَررِك فقال له: أنا أسْتودِعك العمى. والضَنى، وانقطاع الرزق من السما.
وقال مخنثٌ لآخر: أراني الله وَجْهك الساطور، وفِي عَيْنيْكَ الكافُور، وَفِي شقَّ استك الناسور.
وقال آخر: ضَحكُ الحرُ يومَ الخِتانِ ضحكُ النعجة بَيْنَ الذئاب، ضَحكُ الدُّب بَيْنَ الكِلابِ، ضَحِكُ الرأس عن الرآسي، ضحك البغاية إذا عزلْتها الدَّاية.
ومرَّ آخر بقاضٍ وهو يقولُ: إنَّ إسرافيل مُلتقِم الصُّور، ينْظُر متى يُؤمَرُ بالنَّفخ.
فقال: إنا لله، إنْ عَطَس افْتضحْنا.
قال عَلانُ شدْق - وَكَانَ قبيحاً جداً: مررتُ بمخنَّث يعْزلُ عَلَى حَائِط فقال لي: مِنْ أيْن أتيْت؟ قلتُ: مِن البَصْرَةِ. فقال. لا إله إلا اللهُ!! تغَّير كُلُّ شيء حَتَّى هَذَا!! كانتْ القُرودُ تُجلبُ مِن اليَمن. الآن تجيءُ من العِرَاق.
وحجّ مخنًّثٌ فرأى إنساناً قبيحاً يرمي بالجمار، فقال لَهُ المخنَّثُ: بأبي أنْت، لستُ أشِيرُ عَلَيْكَ أنْ تعودَ إلى هَذَا المكان. قال: ولمَ؟ ألستُ مسْلماً؟ قال: بلى، ولكن لا أرى لَكَ أن تبْخل عَلَى أهْل النار بهذا الوجْهِ.
نظرَ مخنّث إلى رجل قصِير عَلَى حِمار صَغير، فقال: هُما تؤْأمان.
وقال بعضُ المخنثين: كَانَ لي أسْتاذٌ مخّنث يقالُ لَهُ زائدةُ، فمات. فرأيتهُ فِي النَّوم فقلتُ لَهُ: مَا فعل اللهُ ربُّك بك؟ قال: أدْخلني النار.
قلت: فمَنْ توْرُك فِيهَا؟ قال: هيهات!! انقلبت المسألةُ أنا تور فرعون.
غمز عبادة رجُلاً فِي دْرب، ووقف لَهُ عَلَى باب دار، وجَعل الرجلُ يدفع فِيهِ، فأشْرفتْ عَلَيْهِ امرأة، وصاحتْ: اللصوص. فرفع عبادةُ رأسَه إليها، وقال لَهَا: يَا بظراءُ. النقْب فِي حائطي أوْ حائطك!! قيل لمخنث: مَا أقْبحَ استك!! قال: تراها لا تصْلُح للخرا!! ضرب عاملُ المدينة مخنثاً عشرَ درر، فضرط إحدى عشرة. فقال لَهُ ويلكَ!! ضربتكُ عشر، وتضرط إحْدى عشرة؟؟ قال لَه: ويْلكَ أصْلحك اللهُ، البدءُ كَانَ مني. فضحك، وخلاهُ.
قال بعضهم لمخنّث: لقد قمتُ إليك لأدخِلنَّك مِن حيثُ خرجْتَ، فنظر إلى نفْسه وَكَانَ عظيمَ الجثَّةِ ثُمَّ قال: يَا أخي. إنْ فعلتَ ذَاكَ إنَّك لرَفيق.
قيل لمخنّث: مَنْ تَرى يرغَبُ فيك مع قُبْحكَ؟ فقال: الحمارُ إذا جاع أكَل المِكْنَسَة.
نظَر رجلٌ إلى أير ابنهِ فِي الحمام - وهو كبيرٌ - فضربهُ، وقال: مَا طال أيركَ إلا مِنْ كثْرةِ مَا تُناك. فقال مخنثٌ كَانَ معَهُ فِي الحمَّام: لا تَفْعَلْ، فلو كانَ هَذَا حقاً لكانَ أيرى وَبظر أمِّه قَدْ بلَغَا مكةَ.
قال مخنثٌ لامرأة: لولا أنَّ الحق مُرٌّ لسألتك عن شيء. قالت: مَا يغْضَبُ من الحق إلا أحمقُ، فسلني يَا بنَ الفاجرةِ. فقال لَهَا: لَم صار فمك بالعرضِ وحركِ بالطولِ؟ قالت اسكت يَا بن الفَاجرة قال هَذَا مما كنا فِيهِ.
ناك رجلٌ مخّنثاً فِي بيْت فِيهِ تِبْنٌ، وَكَانَ أيره يزلِقُ من استِ المخنثِ ويتلوثُ بالتبن، ويرده الرجلُ. فقالَ المخنثُ، حَبيبي. هو ذا نيكُك أو تحْشوا مسورة؟؟؟ قيل لمخنث: كَمْ سِنُوك؟ قال: خمسٌ وتِسْعونَ. قيل: فَلِمَ لا تتزوجُ؟ قال: ليْس فِي رجال هَذَا الزمانِ خيرٌ.
قيل لآخر: مَا تحبُ من الثياب؟ قال: التكة قيل: فمن السلاح؟ قال العَمُود. قيل: فمن اللحم؟ قال العصيب قيل: فمن البُقُول؟ قال: القِثَّاء. قيل: فمن البَوارِد؟ قال: الهلْيون. قيل: فمن الفَاكهة؟ قال: الموزُ. قيل فمن الحَلواء؟ قال: الحلاقيم. قيل: فأي مَنازلِ مكة أفضلُ؟ قال: ذات عِرْق. قيل فمَنْ خير الصحابة؟ قال: الزبير. قيل: فما أُحْسنُ شيء فِي الإنسان؟ قال الأير.
قال رجل لمخنّث: صح لي بذلك المُجتاز. فقالَ: وَمَا اسمهُ؟ قال: هِلالٌ. فجعل يناديه: يَا رأسَ الشَّهر.
ضرب مخنثً يدَه إلى أير رجل، وجعل يشغلهُ بالكلام، ثُمَّ قال لهُ فِي كلامه: من بقي من أهل بيتك؟ فقال: هَذَا الَّذِي فِي يدك؟ تاب مخنّثٌ، فلما كانَ فِي بعض الأيام لَقيهُ مخنثٌ آخر، فقال لَهُ التائبُ: أما آن لَكَ أن تتوبَ؟؟ ويل مِنْ عَاصِم. قال: ومَنْ عاصمٌ؟ قال: خازنُ جهنم. قال: أخيي، لو تختثت خَمسين سنة أخرى كَانَ أصلح لَكَ من أنْ ترجَفَ بالملائكة. متى غزلوا مالك، وولوا عاصِمَ؟

====================ج88888888888888888-----------=============


كتاب : نثر الدر

المؤلف : الآبي

سمع مخنّث طبيباً يذكُر الطبائع الأربعَ، فقال: الطبائعُ الأربع عندنا الأكْلُ، والشُّربُ، أن تنيك وتُناك.
جمع مخنثٌ بَيْنَ نفْسيْن، فأخذوا جميعاً، أفرج عنهُما. ورُفع المخنثُ إلى السلطان فسألهُ عن قِصَّته، فقال: هؤلاء وجدُوا طائرين فِي قفص، فَخلُّوا الطائرين وجبسوا القَفَصَ.
نظر رجلٌ قبيح الوجُه فِي المرآة، فقال: الحمد لله الَّذِي أحسن خلقي فقال مخنثٌ حَضرهَ: أم مَنْ يبهتُ ربهُ زانيةٌ.
رأى عبادة دينار بن عبد الله - وقد ولي مصر - فقال: يَا فرعونُ أرفع رأسك وانظر من نُدِب لمكانِك.
واشتكى مخنثٌ، ثُمَّ تماثل، فقيل لَهُ: كَيْفَ أنت؟ فقال جاءتني العلةُ باقاتٍ وتجيئني العافيةُ طاقات.
سمع مخنّث قول ابنة الخس لما قيل لَهَا: ما حملك عَلَى الزنى؟ فقالت: طولُ السوادِ وقُربُ الوسَاد. فقال المخنّث: وحبُّ السِّفاد.
سمع مخنث رجلاً يقرأ قراءةً قبيحة، فقال: أظنُ أن هَذَا القرآن هو الي يزْعم ابنُ أبي دواد أنه مخلُوقٌ.
سمع مخنث رجلاً يقول: اللهم اجَعل الموتَ خيرَ غائب أنتظِرهُ فقال: إذاً غيابُك غيابُ سوء.
قال المتوكل لعبادة: كَمْ سِنُّك؟ قال: والله مَا أعْرفُ الحِسابَ، ولكن تعرفُ أنت عفْرويه. قال: لا - والله - ومَنْ عَفرويه؟ قال: الَّذِي يقول فِيهِ القائل.
ضراط عَفرويْه بليلٍ طرقا احسب الآن كَيْفَ شِئت وتزوجتُ أم مخنّث، فلما كَانَ ليلة الزفاف جعل يتسمعُ عليهما فلما سمعَ الحس.
قال: يَا أمي. وذا تأكلين وحْدَكِ. لا هنأك اللهُ.
قيل لمخنّث: كَيْفَ تَرى الدُّنيا؟ قال: مِثلنَا. نخن يوماً عند الأسخياء، ويوماً عند البخلاء.
قالت امرأة لعبادة: اشتريتُ قَفيزاً بثلاثةَ عَشرَ درهماً، كم يصِيبني بثلاثة دَراهمَ؟ فقال: أنت طُولُكِ وعَرضْك لا تعرفين هَذَا!! يصيبك قَفيزٌ إلا بعشرة دراهم.
دخل عبادة الحمامَ يوماً فرأى غلاماً كبيرَ الأير، فبادر فقبض عَلَيْهِ، فقال الغلام: مَا هَذَا. عافَاك الله؟ قال: أما سَمعت قول الشاعر:
إذا مَا رايةٌ رِفُعت لمجدٍ ... تلقاها عرابةُ باليمين.
ألزَم المتوكلُ عبادةً في يوم من شهر رمضان أنْ يقرأ في المُصْحَف، فقرأ وجعل يصحَّف، ويغْلطُ. حتى بلغ إلى قوله " وبشر المخْبتين " فصحفَه، وقال وبشِّر المخنثين فطردَه.
نظر مخنث إلى إنسان وَحش الخِلْقه، فقال: هذا نموذج جَهَّنم أخْرجَ إلى الدنيا.
طلب رجل منزلاً يكتريه، فجاء إلى باب دار ودفعهُ، وقال: لكمْ منزلٌ للكِرَاء؟ وإذا في الدار مخنثٌ - وفوقَه رجلٌ - فصاح مِنْ تَحتِه: أليسَ ترانَا بعْضَنا فوق بعض منْ ضِيق المكان؟ مِنْ أين لنا مَنزلٌ يُكْرى؟؟ قال مخنْث لآخَرَ: ذهبتِ الأيور الباستانية التي كنا نَعْرفُها. فقال: ما ذَهبت الأيورُ، ولكن اتْسعنْا نحن.
رأى إنسانٌ مخنثاً ينتِف لحيتَه، فقال له: ويلكَ. لأي شيء تنْتِفُ لحيتَكَ؟ فقال: يُسرك أنَ مِثلْها في استِكَ؟ قال: لا. قال المخنثُ: فشيء تأنفُ لاستكَ منه، لا آنفُ لوجْهي منه؟؟ كان المتوكل على برْكة يصيدُ السَّمكَ - وعنده عبادةُ المخنثُ - فتحرك المتوكِّل، فضرط، وقال لعبادة: اكتمها علي فإنَّك إن ذكرْتَها ضربتُ عُنقَك. ودخل الفتحُ: أيشْ صدْتُم مِن الغَداة؟م فقال له عبادةُ: ما صِدَنا شيئاً، وما كان معنَا أيضاً أفْلتَ.
ركب المتوكل يوماً زلالا ومعه جماعةٌ، فعصفَت الريحُ، وفزعَ الناسُ. فقال عبادة. يا أميرَ المؤمنين. أما كُنيزُ دُبَّةَ فإنه لا يخافُ الغَرق. فقال المتوكّلُ: وكيفَ ذاك؟ قال: لأنه يسْبحُ على رَق. وكان كنيزٌ مخنَّثاً آدَر.
كان بعض ولد الفضل بن الربيع يتخَنّثُ، فوكَل به أبُوه غُلاماً يمنعُه من نتْف لحُيته، فبات ليلة. فلما اصبح رآه منتوفَ اللحية، فقال: أهلكْتني - والله - أين لحيتُك؟ قال: " فطاف عليها طائِفٌ مِنْ رَبِّك وهُم نائمون. فأصْبحت كالصرِيم " .
قيل لمخنث: كيف تتهجى بكمرة؟ فقال: كاف، ميم، راء، هاء قالوا: هذه كَمرة. قال: كل إنسان يتهجي ما يشْتهي.
لقى الطائفُ - وكان ماجناً - جماعةً من المخنثين، فقال: نيكُوا بني الزواني، واضربُوا بني القُحاب. فقال مخنثٌ منهم: يا سيدي. سَبقتْ رحمتُك غضَبَك.

أدْخلَ مخنثٌ على العُرْيان بن الهيثم - وهو أميرُ الكوفة - فقالوا: إنه يَفعلُ ويصَنعُ. فقال له العريان: يا عدوَّ اللهِ. لمَ تفعلُ هذا؟ قال: كذّبوا علي - أيها الأمير - كما كذَابوا عليكَ. فغضب العريانُ، واسْتوى جالساً، وقال: وما قيلَ في؟ قال: يُسمُّونك العريانَ وعليك عشرون قطعةً ثياب. فَضحِك. وخلاه.
قال مخنث: رمضَانُ بين شَوالٍ وشعْبانَ مخشلبةٌ بين دُرتين.
وقل لمخنّث: ما الذي أفدت من التخنيث؟ قال: است مخرقة، واسمٌ قبيحٌ.
قال هيتُ المخنّثُ لُعَمر بن أم سلمةَ: إن فتح الله عليكُم الطائِف فسل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يهبَ لك بادنَة بنت غيلان بن سلَمة، فإنها كحْلاءُ، سموعٌ، نَجْلاءُ، خُمصَانةٌ، هَيْفاء إنْ مشتْ تثنَّت، وإن جلَست تدنَّتْ، وإن تكلَّمتْ تغنَّت، وتُقِبلُ بأربع، وتدبرُ بثمان، وفخذَيْها كالإناء المكْفأ.
فَروِي أن كلامَه بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فمنع المخنَّثين من الدُّخول على النساء.
نظر مخنث إلى إنسان كبير الأنف، قد أشرف على فمه. فقال: انظروا إليه كأن أنفه أير يتطلَّع في بئر الخَلا.
الباب الخامس عشر
نوادر اللاطةِ
روادَ إنسانٌ متقر على الفُجور، فقَال: ما تعُطيني؟ فقال، أستغفرُ لك وأقرأ لك كل يوم آيات أعوذكُ بها، فقال الغلامُ اليوم عاجلاً " وردّ للهُ الذين كفروا بغيظِهمْ " رؤي بعضُ اللاطة مع غلام أسودَ، فقيل له في ذلك، قالَ: الأسودُ طيبُ النَكْهةِ ليِّنُ الأفْخاذِ، مُلْتهبُ الجوف، رخيص الجذر سريع الإجابة لأنك تدعوه لتنيكه فيظن أنك دعوتَه لينكيك.
قيل لبعض المتصوفةِ: أنت لُوطي. فقال: ما تقولُ في لص لا يسرق، هل يلزمه القطعُ؟ قال بعضهم: رأيت شيخاً يطاف به، وينادي عليْه: هذا جزاءُ من يلَوطُ، والشيخُ يقول: بخ بخ لِواطٌ محضٌ، لا زنى، ولا سرَقٌ.
قل لشيخ لاطَ: ألا تستحي؟ فقال: أستحي وأشتهي.
قال بعضهم: الغُلام استطاعةُ المعتزلةِ، لأنه يصلُح للضدين، يَفْعلُ ويُفْعُل به.
والمرأة استطاعة المُجبرةِ: لا تصلح إلا لعمل واحد.
قيل لأعرابي: ما تقولُ في نيك الغِلمان؟ فقال: اعُزبْ، قبَّحك اللهُ. والله إني لأعافُ الخَار أن أمر به، فكيفَ ألجُ عليه في وَكره؟ وجُد شيخٌ في مسجد، وتحتَه صبي، فلما هجمَ عليه عدَا الصبي، وقام الشيخُ متأسفاً وجعل ينظر إلى متَاعِهِ ويقولُ.
كان ببغدادَ لوطي مُوسِرٌ، فكان إذا جاءَ وقتُ الزكاة وزنَ زكاة ماله، ووضعهُ. فإذا حصَل عنده مؤاجرٌ وزَنَ جذْره منهُ، وقال: ألكَ أمُّ أوْ أختٌ تستحق الزكاة؟ فيدْفَعهُ إليه، ويقولُ: خذها مِن زَكاة مَالي، وأعْطني ما أريده منْك تفضُّلاً.
وكان بعض المؤاجِرين يتحرجُ فكان إذا أعطاهُ إنسانٌ جذْرَهُ أخْرج تُفاحةٌ أو ما يشبهُهَا، وقال للرجل: قد اشتريتَ مني هذا بهذه الدَّرَاهم. فيقول اللوطيُ: نعم.
فيقول: فأما الآن فَأُعطيك ما تريدُ من غَيْر جذْر.
قيل لوحد: لم فَضَّلتَ الغلام على الجاريةِ؟ قال: لأنهُ في الطريق صاحب ومع الإخوان نديمٌ، وفي الخلْوة أهلٌ.
قال ابنُ قريعة القاضي: مررت بشِيخ قد خَرج من خَربة، وبيده أيرُه وهو يقول: ما أعجبَ أسبابَ النّيك؟ فقلتُ له: يا هذا، إنما يقالُ: ما أعجبَ أسبابَ الرَزق؟؟ قال: خُذْ حديثي، ودخلتُ هذا الخرابَ لأبولَ، فأنعظتُ فهممتُ أن اجْلِد عميرةَ. فدخل صبيان كالقمرين، فلم يرياني، وأخذا يتبادلان فقمت إلى هذا فنكته، وإلى هذا فنكته. وخرجتُ كما تراني متعجباً بالله، ما هذا بعجب؟؟ قلت - بلى والله - وانصرف لا حَفِظك الله.
جاءُوا إلى أبي نُواسٍ بغلام ملِيح، إلا أنه أعُرجُ. فقال: ما أصنعُ به وهو أعرجُ؟ فقال الغلامُ: إنْ أردَتني لأن تضربَ علي بالصوالجةِ فلا أصلحُ لذلك وإن أردتَني للنيك فقُم.
كتب رجلٌ إلى غلام كان يعشقُه: وضعتُ على الثرى خدي لترضَى. فكتب إليه الغلام: زنْ عشرة دَراهم، وضَعْ خدَّك على خدي.
وصفُوا غلاماً عِنْد بعض اللاطة، فقيل: هو فاسدٌ. قال: في فَسادِه صَلاحي.
نظر غلام في المرآة، فرى لحيتَه قد بدتْ وقال فقال قَوَّادُه

بعث المبرِّد غلامَه، وقال بحضرة الناس: امض فإنْ رأيتَه فلا تقُلْ له، وإن لم ترَه فقل له. فذهب الغلامُ، ورجعَ فقال: لم أره، فقلتُ له، فجاءَ فلمْ يجئ فسُئِل الغلامُ بعد ذلك، فقال: انْفذَني إلى غُلام، فقال: إن رأيت مولاهُ فلا تقُلْ له شيئاً، وإن لم تره فادْعُه. فذهبُ فلم أرَ مَولاهُ، فقلتُ: فجاء الموْلى، فلم يجئ الغلام.
أدخل ابنُ سَيابةَ غلام ليفسِقَ به، فقالَ له الغُلامٌ: أنت ابنُ سَيابة الزنديقُ؟ قال: نعم. قال: أين الزندقةُ؟ ونومَه، وأدخل عليه، ثم قال: يا بُني: قيل لأبي نواس لِمَ تُؤْثر الغُلامَ الفحل على الخصى؟ فقال: لان الغلام معه بيْذقان في وسط الرقعة يدفع بهما الشاةَ.
قيل للوطي: كيف رأيت فلاناً؟ لغلام كان يتعاطَاهُ. فقال: يجعلُ البيذّقَ فِرْزَاناً.
غَمز لوطي غلام، فقال الغلامُ: أنا لا أصلُحُ لما تريدُ. فقال اللوطي: وأنا أجعلُك بحيثُ تصلُح.
قال بعضهم سمعتُ شيْخاً قد خرف بعد شطارة يقول: نكتُ غلاماً في دهليزي أمس فأردتُ أن أدخُل عليه، فقال لي: لا تفعلْ، فإني مسحُتُ على خُفي، وأكرهُ أن ينتقض وضوئي. فقلتُ: إنَّ نيك الغِلمان بين الفخذين لا ينقضُ وضُوءَهم.
وقال آخر: رأيتُ شيخاً مِنْ كبار الشُّطار، يمرُّ ومعهُ صَبي صَغيرٌ. فقلتُ: بلغنا هذه الحالَ. فقال: يا سيدي إن الأسد إذا كبر يَصيدُ الضفادع.
وجدَ شيخ مع صبي خلفَ كرَب فقالوا له يا شيخُ. أما تَسْتحي وأنت رجلٌ عاقل؟ لم لا تحصن نفْسَك؟ فأخرج من فيه قطعة فيها قيراطٌ، وقال: والله ما أملكُ غيره وقد رضى بها هذا الصبي. فهل فيكم مَنْ يزوجني بها حتى أتحصن؟ سأل بعضُهم غلاما، وإعطاء دِرْهمين، فأراد أنْ يدخُل عليه، فامتنع، وقال: لا أقْوى. فقال الرجل قد خيَّرتُك في إحدى ثلاث - وكان يعْلم أن الغلام يذْهب مذهب الجَماعةِ - إما أن تردَّ الدِّرهمين، أوْ تدعَني أدخلُه، أو تقول: القرآن مخلوق. قال الغلام: أما ردُّ شيءٍ من الدرهمين فلا سبيل إليه، وأما القرآنُ فلو ضربْت عنُقي ما قلتُ إنَّه مخْلوقٌ، وأما الثَّالثةُ فأتحمّلُها فأدخل عليه، وصاح الغلامُ وجعل يقول: صاح الصبيانُ بأبي سعيد الخرزي: يا لوطي يا لُوطي. فجعل يضحكُ فقيل له: يا شيخ. أمَا تستحي؟ يصيح بك الصبيانُ - وأنت تضحكُ؟ قال: فديتُك. إذا صدقُوا أيش يمكنني أنْ أقُول؟ غضب سعيد بن وهب يوماً على غلام له، فأمَرَ به، فبطحَ، وكشف الثوب عنه ليضربه، وقال: يا بن الفاعِلة. إنَّما غرتْك استُك هذه حتى اجترأتَ على هذه الجرْأة، وسأُريك هوانها علي. فقال الغلامُ: طالما غرتْك هذه الأستُ حتى اجترأت على اللهِ، وسوف ترى هوانك عليْه. قال سعيدٌ: فورد على مِن حالهِ ما حيرني، وسقط السوط. من يدي.
قسَم بعضُ الولاة بالمدينة قسْماً في الزَّمني، فأتاهُ أبو خزيْمَة، فقال: أعطني فإني زمِنٌ. قال: ما أرى بك زمَانةً. قال: بلى قال: ما هي؟ قال: أنا لُوطي. قال: نعم، إنَّك لزمِنٌ من عقلك، وأعْطاه.
سئل ابنُ سيابة عن مؤاجر، فقال وكان يقول: نيك وكان يترافق اثنان: أحدهما " يقود بالصِّبيان الصغار، والآخر، بالبالغين الكبار، وكلُّ واحد يعيبُ صاحبَه، ويعنِّفُه، حتى أخِذ في بعض الأيّام صَاحِبُ الصِّغار مع صبي، ورُفع إلى السُّلطان فضُرب، وحَمل الصبي على عاتِقِه ليطاف به في البَلد، فلقيّهُ رفيقُه، وهو على تلك الحال، فقال: قد كنتُ أنهاك عن الصِّغار حذراً عليك من مثْل هذا، ولو كان كبيراً لم ينكرْ كونُه معك في البيْتِ. فقال: اسكتْ يا أحمقُ. فلو قبلتُ منك وكان مكان هذا الصغير ذاك الكبير، فكان يُدَقُّ عنقب بثقِله.
وجُد آخرُ مع صبي في منارة المسْجد، وسَراويلاتُهما محلولةٌ، فقيل: ما هذا؟ فقال: أريد أن أبْدل تكتهُ بتكتي.
قال بعضهم: إذا كان للغلام أير ضخمٌ فهو فخذٌ ثالث.
قيل لبعضهم: اللواطُ إذا استحكَ صار حُلاقاً. قال: هذا مِن أراجيف الزنُّاة.
قال بعضهم: نزل بي ضيف فنومتُه في الدار، فوجدتُه في بعض الليل معي على السرير في البيت ينيكني، فقلتُ: ويحْك!! لم دَخلت البيت؟ قال: وجدتُ البرْدَ. قلتُ: فلم صعدت السريرَ؟ قال: من البراغيثِ. قلتُ فلمَ تنيكني؟ قال: ليس هذا موضع المسأَلة.

دب واحدٌ على غُلام، فانتبه الغُلامُ، وأخذ شيئاً فرمَاهُ به، وشجه. فلما أصْبحَ، قيل له: استعْدِ عليه. فقال: يا قوم أنيكُهم من غير أن أستأْذنَهم. ثم أْستعدى عليهم إذا ضربوني؟؟ هذا لا يجُوز.
كان غلامان يلعبان بالطيور، فقال أحدهما لصاحبه: إذا كان غداً وتسابقْنا تنايكنا. قال صاحبه: وإن لم نتسابقْ لم نتنايك؟ قال الجاحظُ: كان بعضُ المؤاجرين يعْطي في الشَّمال بأربعة دَراهم وفي الجنوب بدرهمين فقيل له في ذلك. فقال: في الشمال الريحُ علي، وفي الجنُوب الريحُ معي.
أراد رجل أن ينيك غلاماً بين فخذيه، فصاح، وقال: لا أنا لا أطيقُ خارج نظر رجلٌ إلى غُلام وفي وجهه وجبينه أثرٌ. فقال له الغُلام - وقد أدْمَن النظرَ إليه - : يسألُك الله عن سوء ظنِّك. قال: بل يسألُك عن سوء مصْرَعِك.
نظر بعضهم إلى غلام أمْردَ وهو يتكلَّم بقِحَة، ورقاعة. فقال: هذا وجهُ من يشمُّ التراب.
أخذ رجلٌ مع غلام، فرفع إلى صاحب الشُّرطة، فأدَّبه، ثم وجدَ بعدَ ذلك مع امرأة وعُوقب. وبعد ذلك مع مخنّث فأدِّب، ثم وجد في خربة ينيك أناناً. فقال له صاحبُ الشُّرطة: ويلك!! لم لا تعمِد أيركَ؟ قال: يا سيدي هذا غِمْده، ولكنْ لستم تتركونني أنْ أغْمده. فضحِك وخلاه.
قيل للوطي: ويحك؟؟ إن مِن الناس من يسرقُ، ويزني، ويعمل العظائمَ سنين كثيرةً، وأمْره مسْتُور، وأنت إنما لُطت منذُ شهور. وقد شُهرت وافتضحت.
فقال: من يكونُ سرهُّ عند الصِّبيان، كيف يكونُ حاله؟ نظر بعضُهم إلى غلام وأدَمنَ النظر. قال: فقال الغلامُ: لمَ هذا النَظر؟ فقلتُ: سيدي: أين منزلكم؟ قال: في النار، تطلُب أثراً بعد عين أن تؤخر اليوم لغد، وتتبعَ مالا تأْمَنُ السائِق عليه.
دخل بعضهم الحمام فرأى فيه غلاماً صبيحاً، فأرادَه على نفْسه فامتنع، فكابر، وأخذه وأفلت الغلامُ، وصاحَ، فدخل القيِّم وجماعة معه، فقالوا للرجل: ألا تستحي سوءة لك؟ قال: قلتُ له: صُب الماء علي فامتنع. قالوا: فما بالُ أيرك قائماً؟؟ قال: قام من شدة الغَضَب.
قيل للوطي: متى عهدك بالحر؟ قال: مذ خرجتُ منْه.
ذكر يونس بعضَ اللاطة فقال: يضربُ ما بين الكُركى إلى العنْدليب يقول: لا يدَعُ رجلاً ولا صبياً إلا عفَجهُ.
حكى بعضهم قال: رأيتُ بعضَ اللاطة يضربُ غلاماً له ضرْب التَّلف، ويدعى عليه فسألته عن ذنبه. قال: ليس قلبه في العمل، نكته اليوم وكان أيره نائم.
قيل الفتيان: نيك الرجل ريبةٌ. قال: هذا مِن أراجيف الزناة.
رأى يحيى بنُ أكثم غلاماً حسنَ الوجْه في دار المأْمون فقال فَرفع ذلك إلى المأْمون، فعاتبه. فقال: يا أمير المؤمنين كان انتهى درسِي إلى ذلك الموضع، فَضَحك.
استنقَع بعضُهم في الماء متكشِّفاً، فمر به غلامٌ عمَري كان يتعسفُ فأنكرَ ذلك على الرجل كالمحتْسب. فقال لهُ الرجلُ: بأبي أنتَ!! أردْتَ إماتَة منْكرٍ، فأحييْتَ أنْكرَ منه، وأوْمى إلى متاعه.
قال بعضهم: كنتُ عند يحيى بن أكْثم عشيةً، فدخل إليه عبد الملك بن عُثمان بن عبد الوهاب - وكان يُرمى به - فقال: أصلَح اللهُ القاضي، إنك أدْخلتَ علينا أميناً في وقُفِنَا، ففعلَ، وفَعلَ. فقال له: وتدعُ أنْتَ إنساناً يدخلُ عليْك؟ فما سمعتُها نهضتُ. فلمَّا كنتُ في صحْن الدار سمعتُه يقولُ له: حُلَّ حُلَّ.
وكان يحيى يقولُ بالبصرة لي رجلان أبعثُهما ليأتياني بالغِلمان، فأحدهما لا يأتيني بالغُلام حتى ينيكَ الغلامَ، وهو إسماعيل بن إسحاق. والآخر لا يأْتيني حتى ينيكهُ الغلامُ وهو صلْت بن مسعود.
قال العدلي الشِّطْرنجي: كنتُ غلاماً، فضمني المأْمونُ إلى يحيى، فإني لِعنْدَهُ يوماً إذْ جَذبَني إلى مخْدعٍ في مجلسه، وأضْجعني الفاحشةَ، ونظر مِن ورَاء الستر، فرأى ابنَ العلاء بن الوضاح - وكان مفْرط الجمال فضربَ علي جَنْبي، وقال: قُمْ.
الباب السادس عشر
نوادر البغائينقال بعضهم: قلتُ لرجل كان يتعاطى الأدبَ - وكان متهماً - : ما معنَى قولِهم: " إذا عزَّ أخُوك فَهُنْ؟ " قال: إذا لَمْ ينم لتنيكَه فنَمْ حتى ينيكَكَ.
دخل عبادة على المتوكل وهو نائمٌ، ومعه في الفراش أسود قد ظهرت رجْلاه من اللحافِ، فقال عبادة: يا أميرَ المؤمنين. بت البارحةَ فِي خُفيكَ وكان المتوكل ممن يُرمى ويتهم بذلك، وخبَره في أمر بشياط الهليوف معروفٌ.

قيل لمأْبون: إن بنتك به أبنَة فقال: قيل لابن عوْن: إن المتوكلَ قد بنَى بناءَين سماهما الشاةَ: والعروس فقال: قد فرغ من تحميل الناس على الناس حتى صار يُنايك بينْ الأبِنيَةِ فقال وقع بينَ أحمد بن السندي وبينَ غلامه كلامٌ، فَهجَرهُ الغلامُ أياماً فكادَ أن يُجَنَّ، فتحمَّل عليه بغَرسَةَ المحتِسب، فلم يُجبْه الغُلام. وكان غرسةُ أيضاً مأبوناً. فقال: يا غلامُ. لو كان أيرك مثل أير بغْل سماعةَ مَا زادَ على هذا. فقال أحمد بنُ السندي هو قريبُ منه. وتحمل عليه بإخوانه حتى صالحَهُ، واتخذ دعوة أرْعَد فيها وأبْرق. فقيلَ للحنْظلي: عِنْدَ مَنْ كنتُم أمس؟ قال: كنا في دَعْوة أير غلام أحمد بن السنْدي ومرَّ أحمدُ بنُ السندي ببغْل أبي كان الطَّحان - وقد أدْلىَ - فوقفَ بإزائه ثم تنفس الصُّعَداءَ، فقالَ: هذا الأير!! لا ما نُعللُ به استاهنا أربعين سنةً.
قيلَ: وكان هذا البغْلُ إذا أدْلى أخذ في الأرض برأس غُرْمولِه التُّرابَ، فإذا ضربَ به بطْنَه رأيتَ الغُبارَ يتطاير عن يَمينِه وشِمَاله.
قال بعضُهم: دخْلتُ إلى رجل من كبار الناس ببغداد فُجاءةً، وإذا غُلامٌ له فوقْه. فلما رآني استَحْيا وقالَ: زعمَ هذا الغلامُ أنه احتْلَم البارحةَ، فأردتُ أنْ أجرِّبه.
وقال أبو العيناء: دخلتُ على أبي العلاءَ المنْقَري - وغلامه على ظهْره - فقلتُ: ما الخَبر؟ فقال: إنَّ هذا الغُلام زعَم أنَّه قد احتْلَم، فظنْنتُ أنه يكْسَلُ عَنْ خِدْمة النِّساء، فأحُبَبْتُ أن أمتحنَه. قال: فحدثُتُ بهذا المعتصمَ فقال: لعَنهُ اللهُ تركني.
قيل لرجل من وَلد بشْر بن داود - وكان مأْبُونا - : أما تَسْتحي وأبُوك كان سيفَ السُّلطان؟ قال: فأنا جُعْبَتُه.
وقال له آخر: إنَّ أبَاك كان ينيك، وأنتَ تناك. قال: نقَضَنِي ديْنه.
قال ابنُ حمدون: بات عِندي المراكبي الشطْرنْجي - وكان مأْبُوناً - فسمِعْتُه يقولُ لغُلام كان قد بَاتَ أيضاً عِنْدي: أعْطِيكَ دينَاراً وتُبادلني، وأعطيك أنَا قبلاً. وإن صَغُرت لم أبَال؟؟ قيل لبعضهم: لوطي أنت أم صاحبُ نِسَاء؟ قال: أنَا لُوطي، وزانٍ وأميلُ إلى المخنثين، وأدبُّ بالليل أي دِباب، ويعُتريني قليلُ بغَاء.
أحْضِرتْ بصَليةٌ في منزل رجل كبير من أهل بغداد - وابنُ الهفتي حاضرٌ - وكان يعاتبه كثيراً، فتسرع ابنُ الهفتي أيضاً، فقال له: أتعِجبك بالأبنةِ قال: هي ألذُّ من طيب الطعام عنْدي. قال: خُذوهَا مِنْ بيْن أيْدينا، فإني لا أشْتهيها. قال: هذه أيضاً فضَيلةٌ مِنْ فضائل البصليَّة لا يشتهيها البغَّاءُون.
وكان الرجل مرْمياً بالأبْنة. وقال له يوماً وقد رأى له كنيفاً لا يدخُلهُ غَيْرهُ: استك عامةُ وكنيفُك خاصة.
كان بعضُ آل الجُنيد إذَا رأى إنساناً يُرْمي بالبغاء دعَا لفتُحته بأن عافية. فقال له عبادةُ ما صحتْ نيتُك في الدُّعاء، لأنك بَعْد تسألُ بان.
قيل لأبي سَوار: قد امْتهنَك غُلامك هذا الأسود. قال: ما امْتهنَني، لكني أمتهنُه. عَمدتُ إلى أكرم عِلْق فيه، واستعُملتُه في أقْذر مدْخَل فيَّ.
أشرفَت امرأةٌ مِن منْظَرة لها فرأتْ فتى جميلاً أعْجبها، فقالت لجاريتها: أدخليه فأدخلْته. فقدمتِ الطعامَ، وأكلا، أحضرتِ الشرابَ، وآنَستْه، فَلم تجد عنْده شيئاً. فقالتْ ما أحْوجَنا إلى مَنْ كان ينيكنا جميعاً. فقال: أخذتيها من فمي.
أدخَل بعضُ البغائين واحد من السقائين، وحَمَله على نفْسه، فلما واقعه قال: أوجعتني، لا تدخلْه كله. قال السقاء: فأُخُرجُه؟ قال: لا. قال فما أصنَعُ؟ قال: دعهُ مكانَه. قال السقَّاءُ: فمَنْ يحْفظُ البغْل؟ كان الناصرُ ولي واحداً عَملَ البندرة بجرجانَ، وكان يُرمي بالأبنْة، فاستقصره يوماً في سَبب مال وجَبَ لمَنْ يَجْبيه. فقال: أيُّها الناصر، إنما الصَّاحِب رحِمه الله بعضُ الكتَّاب مِن العراق مِمن كان عرَفَهُ وقْتَ مُقامه ببغداد، وشكى سوء حاله، فأحْسَن إليه، وولاه عَملاً، وأجْرى له في كل شهر خمْسَمائة درهم. وكتب صَكَّة بذلك؟َ، فحسدَه بعضُ الحَاضرين وقال للصَّاحب: إنَّ هذا رجلٌ مأْبونٌ، معروفُ الطريقة بالفَسادِ، وجَميع ما تصلُه به، وتُوصَّلُه إليه ينفقُه على مَنْ يرتكِبُ معه الفضيحةَ، وأفْرطَ في ذمَّ الرَّجل، والدَّلالةِ على قَبائحهِ حتَّى طن أنه قد أفْسدَ حاله.

فلما رُدَّ الصَّكُّ إليه للتوقيع فيه لم يشُكَّ الساعي أنه يُبْطلهُ أو يمزّقُه. فلما أخذهُ، ونظر فيه كتبَ تحْت ما كان قَدَّرَ له كلَّ شهر: ولغُلام يخدمه ويستعينُ به خمسون درهماً، ووقع في الصَّك وردَّه إليه.
كان لعبادَة غلامٌ كبير الفَقْحَة. فقيل له: أنت بغاء فَيالكَ غلام كبير الفقحة؟؟ قال: يا حْمقَى: ما يدريكم: كلما ثقلتْ المرزبَّة كانَ أشدَّ لدخول الوتَر.
؟
الباب السابع عشر
نوادر جحاحكى الجاحظُ. أنَّ اسمهُ نوحٌ، وكنيته أبو الغُصن، وأنه أربى علي المائِةِ، وفيه يقولُ عمرُ بنُ أبي ربيعة:
ولَّهتْ عَقْلي وتلقّبتْ بي ... حتى كأني مِنْ جنُوني جُحا
ثم أدْرك أبا جعْفر، ونزلَ الكوفةَ.
قيلَ لجحا: أتعلمتَ الحسابَ؟ قال: نعمْ. فما يُشكلُ على شيءٌ منه. قال له: اقْسم أربعةَ دراهَم على ثلاثة. فقال: لرجلين درهمان، درهمان، وليس للثالثِ شيءٌ وأراد المهديُّ أن يعبث به فَدَعا النطع والسَّيف، فلما أقُعد في النطع، وقام السيافُ على رأسه وهز سيفه، ورفع إليه رأسهُ. فقال: انظُر لا تُصيبُ محاجمي بالسيفِ، فإني قد احتجمتُ فضحك المهديُّ وأجَازَه.
وماتت لأبيه جاريةُ حبشية: فبعثَ به إلى السُّوق ليشتري لها كفناً، فأبطأ عليه حتى أنفذ غيره، وحمل الكفن، وحُمِلتْ جِنازتُها، فجاء جُحا - وقد حُملتْ - فجعل يعدو في المقابر، ويقول: رأيتم جنازة جارية حبشية، كفنُها معي؟ وجمحت به يغلةٌ يوماً، فأخذتْ به في غير الطريق الذي أرادَه، فلقيه صديقٌ له. فقال: أينَ عزمْت يا أبا الغصنِ؟ فقال: في حاجةٍ للبغْلةِ.
وكان يأكل يوما مع أمه خُبزاً وبقلاً، فقال لها: يا أُمي، لا تأكلي الجرجيرَ فإنه يقيمُ الأير.
ومرت به جنازة، فقالَ: بارك اللهُ لنا في الموت وفيما بعدَ الموتِ. فقيل: إنها جنازةُ نَصْراني. فقال: إذنْ لا بارك اللهُ لنا في الموتِ، ولا فيما بعد الموت.
وكانتْ لهم جاريةٌ يقال لها عميرةُ، فضربتْها أمُّه ذات يوم، وصاحتِ الجاريةُ واجتمع الجيرانُ على الباب. فخرجَ إليهم، وقال: مالكُم؟ عافاكم الله. إنما هي أمي تجْلد عميرةَ.
وصلى بقوم - وفي كُمِّهِ جَرْو كلب - فلما ركَع سقط الجروُ، وصاح، وتنحنْح. فالتفتَ إليهم، وقال: إنَّه سلُوقُّي عافاكم الله.
وحمل جرةً خضراء إلى السوق يبيعُها. فقالوا: هي مثقوبةٌ. فقال: ليس تسيل، فإنَّه كان فيها قُطنٌ لوالدتي. فما سالَ منه شيءُ.
وأعطاه أبوه درهما يزنُه، فطرحَهُ في الكِفة، وطرَحَ في الكِفة الأخرى سنجة درهمين، وهو يحسبهما سَنْجةَ درهم، فلم يستويا، فطرح سنجةَ الدِّرهم على رأس الدِّرهم، فكانَ أقلَّ، فطرح حبتين أيضاً، ثم قال لأبيه: ليس في شيء، وينقُص حبتين.
ونظر يوماً إلى السَّماء، فقال: ما أخْلَقها بالمطر لو كان متغيمةً.
ورأوهُ يوماً في السوق يَعْدو فقالوا: ما شأْنُك؟ قال: مرّت بكم جاريةٌ رجل مخضوب الحية؟ واجتَازَ يوم بباب الجامع فقال: لِمنْ هذا القصر؟ قالوا له: هذا مسجد الجامع. قال: رحِمَ اللهُ جامعاً. ما أحسنَ ما بَنَي مسجدَه؟؟ وذهبتْ أمُّه في عرس، وتركتْهُ في البيْتِ، وقالتْ له: احفَظ الباب. فجلَس إلى الظهر. فلما أبطأَتْ عليه قامَ، فقلَع البابَ، وحملَه على عاتِقِه.
ونظر إلى رجل مقيَّد - وهو مغْتَم - فقال له: ما غمُّك؟ إذا نُزع عنكَ فثمنُه قائمٌ، ولبسه ربحٌ.
وماتتْ خالتُه، فقالوا: اذْهبْ، واشتر لها حَنوطاً. فقال: أخْشى ألا ألحق الجنازةَ.
وتبخَّر يوماً فأُحْرِقتْ ثيابُه. فقال: واللهِ لا تبخرتُ أبداً إلا عُرْياناً لما قَدَم أبو مسلم العراق قال ليَقْطين بن موسى: أحبُ أنْ أرى جحا.
قال: فوجَّه يقطينُ إليه فدعاهُ وقال: تهيأْ حتى تدخُل على أبي مُسلم فإذا دخلْت عليْه فَسلِّم، وإيَّاك أن تَتَعلَّقَ بشيء دونَ أنْ تشْتدَّ فإني أخشاهُ عليْكَ قال: نعمْ.
فلما كان مِنْ الغد، وجلسَ أبو مسْلم وجَّه يقْطينُ إليه فَدَعاه، فأدخلَ على أبي مسلم - وهو في صَدْر المجلس - ويقطينُ إلى جنبه، فسلَّم. ثم قال: يا يقَطينُ. أيُّكُما أبو مسلم؟ فضحك أبو مسلم حتى وضَع يده على فمه. ولم يكُن رُئي قبلَ ذلك ضاحكاً.
وأراد جحا الخروجَ إلى ضيعْةٍ، فقيلَ له: أحْسنَ الله صَحَابتَك: فقال: الموضعُ أقربُ مِنْ ذاك.

وعُجنَ في منزلِه، فطلَبوا منْه حطباً. فقالَ: إنْ لم يكُن حطبٌ فأخُبزوه فطِيرا.
ولما حذق الكتابةَ والحسابَ بعث به المعلم مع الصبيان إلى أبيه. فقال له أبوهُ كمْ عشرين في عشرين؟ فقال: أربعين ودانقين. فقال وكيف صارَ فيه دانقين؟ قال: كان فيها دِرْهم ثقيلٌ.
أكلَ جحا يوما مع قوم رؤساً، فلما فرغ من الأكل دعا للقوم، وقال: أطْعمكُم اللهُ مِنْ رؤس أهل الجنة.
وضرطَ أبوه يوماً، فقال جحا: على أيري. فقال أبوه: ويْلكَ أيش قُلْتَ؟ قال: حسبتُك أمي.
وماتتْ أمه فجعلَ يبكي، ويقولُ: رَحمك الله فلقدْ كان بابُكِ مفتوحاً، ومتاعك مبذُولاً.
دخلَ البيتَ وإذا جاريةُ أبيه نائمةٌ، فاتكأ عليْها، فانتبَهتْ، وقالتْ: من ذا؟ قال: اسكُني أنا أبي.
ورأوهُ في جنازة أبي العباس النحوي وهو يقول: يا أبا العَّباس رحمَك اللهُ مَنْ حُرْمَتُنا بعدك يا أبا العباس.
وسمع قائلاً يقول: ما أحْسنَ القمرَ؟ فقال: أي والله خاصةً بالليل.
وجاز بقوم في كُمِّه خُوخٌ، فقال لهم: مَنْ أخُبرَني بمَا في كُمي فلَه أكبر خُوخة فيه؟ قالوا: خُوخٌ. فقال: ما قال لكم إلا مَنْ أمُّه زانيةُ.
وقال له أبوه يوماً: احملْ هذا الحُب فَقَيرهُ. فذهب به، وقيرهُ مِنْ خارج. فقال أبُوه: أسْخَنَ اللهُ عينْك: رأيتَ مَنْ قير الحبَّ مِنْ خارج؟ فقال جحا: إنْ لم ترْضَ - عافاك اللهُ - فاقْلبه مثلَ الخُفِّ حتى يصيرَ القيْر مِن داخِل.
وبات ليلةً مع صبيانٍ له، فجعلوا يفُسون. فقال لامرأته: هذا - واللهِ - بليةٌ.
قالت دَعْهم يفْسون فإنَّه أدفأُ لهم. فقام وخرى وسطَ البيت، ثم قال: أنْبهى الصبيانَ حتى يصْطلُوا بهذه النار.
قيل له: ما لوجهك مستطيلاً؟ قال: ولدتُ في الصيفِ، ولولا أن الشتاء أدركهُ لسال وجهي.
ورثى يوماً مَغْمُوماً، فقيل له: مالَك؟ قال: وقعتْ أمي من السطح على مذاكيرها.
وأخذ بَوْلَه في قَارْورة، فأتى به الطبيبَ. فقال: إني أريد أنْ أنقطع إلى بعْض الملُوكِ. فانظْرْ: هل أصيبُ منه خيراً؟ وَكَانَ فِي دارهم شجرةُ تين، وكانتْ الدار لأمه. فدعا أبوه قوماً فسكِروا، وجعلوا يبولون فِي البستان. فقال لأُمه: يَا أمه:!! هو ذي يبولُون فِي أصْل تينك.
وماتت ابنةً له فذهب ليشتري لها كفناً، فلما بلغ البزازين رجع مسرعاً فقال: لا تحملُوها حتى أجيءَ أنا.
ومرَّ في الميدانِ فرأى قصرا مشرفاً، فوقف ينظر إليه، ويتأمْله طويلاً، ثم قال أتوهمُ أني رايتُه في مَجلَّةِ بني فُلان.
ودخل البستان فتعلَّق ثوبُه بشجرة، فالتفت، وقال: لولا أنك بهيمة لكسرتُ أنْفك.
وخرج يوما بقُمقم يستقي فيه مِن ماء النهر، فسقط مِنْ يده وغرِق فَقعد على شطِ النهر، فمَّر به صاحبٌ له، فقال: ما يُقعِدك ها هُنا؟ قال: قمقمٌ لي قدْ غرق وأنا أنْتظُر أنْ ينتَفخَ ويطفُو فوقَ الماء.
واشترى يوماً نفانق فانقض عليه عقابٌ، وانتسفَ بعض النفانِق فَطَار به فنظَر إليه، وقال: يا شقيُّ. ومن أين لك خَردَلٌ تأكلُه به؟؟ وأسلمتْه أمُّه في البزازين، فقالتْ له بعْد حَولين: توجهتَ في شيء؟ قال: نعمْ. تعلمت نصْفَ العمل. قيل: وما تعلَّمتَ؟ قال: تعلمتُ النشرَ، بقي الطيُّ.
وقيل له - وكان بريء من جراحة أصابته: بم تداوَيْت؟ قال: بدَم الوالدين. يُريد دمَ الأخوين.
وركب يوماً حماراً، وعقر ذنَبه. فقالوا: لِم فعلت ذلك؟ فقال: لأنه يقدِّمُ سَرجْه.
وتعلَّق بلص في بعض الليل، فصاح اللصُّ: قُرحتي. فخلاهُ حتى مر، وقال: خشيتُ أنْ أوجعهُ.
وكان نقشُ خاتمه: عَشاءُ الليل رديءُ.
وأخذهُ صاحبُ المصلحة فقدَّمه إلى الوالي، فقال: رأيتُ هذا يجْلِده عَميرة. فقال: احبسوه. فلقِيَهُ صديقٌ له، فقال: ما حالُكَ؟ قال: قصتي عجيبةُ، لا يَدَعَونا " ننيكهُم. فإذا نكنا أنفسَنا حَبَسونَا.
الباب الثامن عشر
نوادر أشعبكان يقول: كلبي كلبُ سوء، يبصبص للأضياف وينبح أصحابَ الهدايا.
وأشعبُ هذا هو الموصوفُ بالطمع. وقيل له: ما بلغ مِنْ طمعك؟ قال: لم تقُلْ هذا إلا وفي نفْسِك خيرٌ تصنعه بي.
ومِن عجيب أخباره أنه لم يمتْ شريفٌ قط من أهل المدينة إلا استعدى أشعب علي وَصيته، أو وارثه، وقال له: احلف أنه لمْ يُوصِ لي بشي قبل موته.

وقيل له: لقد لِقيتَ رجلاً من أصْحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلو حَفظتَ أحاديث تتحدَّثُ بها؟؟ قال: أنا أعلُم الناسِ بالحديث. قيل: فحدِّثنا. قال: حدثني عِكرمةُ عن ابن عباس، قال: خلَّتَان لا تجتمعان في مؤمن إلا دخلَ الجنةَ. ثم سكتَ. قيل له: هاتِ، ما الخلَّتان؟ قال: نسِي عِكرمةُ إحداهُما، ونسيُ أنا الأخرى.
قال بعضُهم: قلت له: لو تحدثتَ عند العَشيّة!! فقال: أخافُ أن يجئ إنسانٌ ثقيل: قلتُ: ليس معنا ثالثٌ. فمضَى معي. فلما صليتُ دعوتُ بالعشاء، فلم يلبثْ أنْ جاء صديقٌ يدقُّ البابَ، فقال أشْعَبُ: تُرى قد صِرنْا إلى ما نكُرهُ؟ قال: قلتُ له: عِنْدي فيه عشرُ خِصال لا يُكرهُ منها خَصْلةٌ، فإن كرهت واحدة لم آذن له. قال. هات. قلت: أولاهن أنه لا يأكل. فقال التسع الباقية لك. أدخله.
وكان أشبعُ لا يغب طعام سالم بنِ عبد الله بن عُمَر فاشتهى سالمٌ أنْ يأْكل مع بناتِه. فخرج إلى بُستان له، فجاء أشعبِ فَخُبر بالقصة فاكترى جملاً بدرهم. فلما حاذى حائطَ البستان. وثبَ، فصار عليه، فغطى سالمٌ بناتَه بثوبه. وقال: بناتي بناتي. فقال أشعبُ: إنك لتعلَم ما لنا في بناتك من حق وإنّك لتعلَم ما نُريد.
قيل: بغتْ أم أشعب، فضُربتْ، وحُلِقتْ، وحملت على بعير يُطاف بها، وهي تقول: منْ رآني فلا يزْنينَّ. فأشرفتْ عليها ظريفةٌ من أهل المدينة: فقالت لها: إنك لمطاعةٌ!! نهانا الله عنهُ، فما ندعُه، ونَدعهُ لقولك؟؟ كان زياد بنُ عبدِ الله الحارثي على شُرطةِ المدينة، وكان مبخلاً على الطعام فدعا أشعبَ في شهر رمضانَ ليفطرَ عنده، فقدِّمتْ إليه في أول ليلة بَصَليةٌ معْقُودةٌ، كانتْ تُعْجِبه، فجعل أشعبُ يُمِعنُ فيها - وزيادٌ يلمحه - فلما فَرغوا من الأكل قال زياد: ما أظُنُّ أن لأهل السجن إماماً يصلي بهم في هذا الشهر فَلُيصَلِّ بهم أشْعَبُ. فقال أشْعبُ: لو غَير ذلك - أصْلحَك الله - ؟ قال: وما هُو؟ قال: أحْلِفُ أني لا أذوق بصَلَيّةً أبَدا. فخجل زيادٌ، وتغَافل عنه.
قال أشَعب: جاءتني جاريةٌ بدينار، وقالتْ هَذِهِ ودَيعةٌ عندكَ. فجعلتُه بيْن ثِنْى الفراش. فجاءتْ بعد أيام فقالتْ: بأبي الدينارَ فقلتُ: ارفعي الفراش، وخُذي ولدّهُ. وكنتُ تركتُ إلى جَنْبه درهماً فتركت الدينارَ. وأخذت الدرهم وعادت بعد أيام فوجدتْ معهُ درهماً آخرَ، فأخذته.
وعادت في الثَالثة كذلك. فلما رأيتُها في الرابعةِ بكيتُ. فقالت: ما يُبكيكَ؟ قلتُ ماتَ دينارُك في النِّفاس. قالت: وكيف يكون للدينار نِفَاسٌ؟؟ قلتُ: يا فاسقةُ تُصدقين بالولادة، ولا تصدقين بالنفاس!! سأل سالم بنُ عبدِ الله بن عمر أشعبَ عن طمعه، فقال: قلتُ لصبيان مرَّةً: اذهبُوا. هذا سالم قد فتَح بيتَ صدَقَة عمرَ حتى يُطعمكم تمرْاً. فلمَّا احْتبسوا ظننْتُ انه كما قلتُ لهم فغدوْتُ في أثَرهم.
وقيل له: ما بلغ مِنْ طَمَعِكِ؟ قال: أرى دُخَانَ جَاري فأُرد.
وقيل له أيضاً: ما بلغَ من طمعك؟ قال: لم أر اثنين قطُّ. يتسَارانِ إلا ظننتُ أنهما يأمران لي بشيء.
وقيل أيضاً: ما بلغ من طمَعكَ؟ قال: ما رأيتُ عروساً بالمدينة تُزفُّ إلا كنستُ بيتي، ورششتُه طمَعاً في أن تُزفَّ إليَّ.
ووقف علىَ رجل خَيْزُراني - وكان يعمل طبقاً - فقال له: وسعْه قليلاً.
قال الخَيْزْراني: وما تُريد بذلك؟ كأنَّك تُريد أنْ تشتريَه؟ قال: لا، ولكن يشتريه بعضُ الأشراف، فَيْهدي إلي فيه شيئاً.
وقال له ابنُ أبي عتيق: أمَا تستحي - وعندكَ ما أرى - مِنْ أنْ تسأل الناسَ؟ قال: معي من لُطفِ المسألةِ مالا تطيبُ نفسي بترْكه.
وكان أشعبُ يحدِّث عَنْ عبد الله بن عُمر، فيقولُ: حدَّثني عبد الله، وكان يُبغضُني في الله.
وجلس يوماً في الشتاء إلى رجل من وَلدِ عُقبة بن أبي مُعَيْطٍ، فمرَّ به حسنُ بن حسن، فقال: ما يُقعِدُك إلى جَنْب هذا؟ قال: أصْطلي بناره.
ولما مات ابنُ عائشةَ المغني جعل أشْعبُ يبكي، ويقول: قلتُ لكم زوجوا ابن عائشة من الشماسيةِ حتى يخرجَ بينهما مزامير داودَ، فلم تفعلوا وكان لا يُغني حذرٌ مِنْ قَدَر:

ولما أخرجت جنازةُ الصريميةِ المغنّيةِ كان أشعبُ جالساً في نفر من قُريش، فبكى عليها، وقال: اليومَ ذهبَ الغِناءُ كلهُّ. وترحَّمَ عليها، ثُم مَسحَ عيْنَيهِ، والتفتَ إلهيمْ، وقال: وعلى ذلكَ فقد كانتْ الزانِيةُ شرَّ خلْق الله فضحكوا، وقالوا: يا أشعبُ، ليس بين بُكائِكَ عليْها، وبين لغْنِك إياها فرقٌ. قال: نعم كنا نحبوها الفاجرَة بكَبْش إذا أردْنَا أن نزورَها فتطبخ لنا في دارها ثم لا تُعشينا - يشهد الله - إلا بسلق.
وجاز به يوما سبطٌ لابن سُريج وهو جالس في فتية من قريش، فوثب إليه، وحمله على كتفه، وجعلَ يُرقْصُه ويقولُ: فُديتَ من ولَد علي عُودٍ، واستهل بغناء، وحُنِّك. بحلْوى، وقطعت سرتُه بزير وخُتِنَ بمِضْراب.
وتَبع مرةً امرأةً فقالت له: وما تصنَعُ بي ولي زوجٌ؟ قال: فتسري بين فديتك.
وقيلَ له: هل رأيتَ أطْمعَ منك؟ قال: نعمْ: كَلْب أمِّ حومل، تبعني فَرسخيْن، وأنا أمضُع كُنْدراً. ولقد حسدْتُه على ذلك.
وخفَّفَ الصلاة مرةً، فقال له بعضُ أهل المسجد: خفَفتَ الصلاةَ جداً!! قال: لأنه لم يُخالطْها رياءٌ.
وقال له رجل: ضَاعَ معْروفي عندَك. قال: لأنه جاءَ من غير محْتسب ثم وقَعَ عند غير شاكر.
قيل له: هل رأيتَ أحداً أطمعَ منك؟ قال: نعمْ. خَرجْتُ إلى الشام مع رفيق لي، فنزلنا بعض الديارات، فتلاحَيْنَا. فقلتُ: أير هذا الراهب في حر أم الكاذب. فلم نشعر إلا بالراهب قط اطلع عليْنَا، وقد أنعظ وهو يقول: أيُّكم الكَاذِبُ؟ ودخل يوماً إلى بعض الرؤساء - وهو يَحْتَجم فقال له أشعبك حَجمَك بنُوك.
كان أشعب عند الحسن بن الحسن بن علي عليهم السلام، فدخل عليهم أعرابي مشعث اللِّمة، قبيح الخلقة متنكِّباً قوساً. فقال أشعبُ للحسن: تأذنُ أنْ أسْلحَ عليه فسمعه الأعرابي، فوضع سهماً في كبير قوسه، وفوقه نحو أشعب وقال: لَئِن فَعلت ليكونَنَّ آخِر سلْح تسْلحه أبداً فقال أشعب للحسن: يا سيدي. أخذني والله القولنج.
قال رجل لأشْعبَ - وكان صديقَ أبيه - : يا بني. كان أبوك عظيمَ اللحية، فمنْ أشبهتَ أنت؟ قال: أشبهتُ أمي.
الباب التاسع عشرنوادر السُّؤَّال
قال بعضهم: رأيتُ سائلاً ببغداد في الزياتين - وهم أنصَب منْ في الأرض - يسأل، ويقول: تَصَدقوا على حُبَّا وكرامةً لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وليس يلتفتُ إليه أحد، ولا يُعطيهِ شيئاً. فدفعتُ إليه درهماً، وقلتُ في نَفْسي: إن هذا المسكين لا يعرفُ هؤلاء وبُعْضهم لعلي - عليه السلام - فأخذ الدرهمَ مني، وقال: يا صاحب الصدقَةِ، إنْ كنتَ تصدقتَ بها على وفي قلبك بُغْضٌ لأبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وفلانٍ، وفلانٍ ومعاويةَ خَالِ المؤمنين رديفِ المصْطفى، وكاتب الوحي فقطع اللهُ يديكَ ورجلَيْك وأعْمى عَيْنيكَ.
قال: فأخذتُه الدراهمُ مِنْ كل جانبٍ، وبقيتُ أنا متحيراً. ثُمَّ مضى فلحظتُه. فَعلِم ما في قلبي. فقال: يا فَتى. على رسْلكَ!! عِنْدك أن هؤلاء القَرانِنةَ لا يصَّدَّقون على إلا بمثْل هذِه الحيلةِ.
جاء سائلٌ إلى قوم فسألهم، فَردَّوا عليه، وألحَّ عليهم فردَّوا. فألحَّ، فخرجَ إليه بعضُهم فقال: عَافَاك اللهُ. أمَا سمعتَ الرَّدَّ؟ قال: ولكنكم غَممتْمُوني فأردتُ أنْ أغمّكم يا قَرانِنةُ.
وقف سائلٌ على قوم، فقال بعضُهم: يضاعتُنا واحدةٌ. فقال السائلُ: أنا أقود علي أمي.
أعطي سائلٌ كسرةً صغيرة. فقال: رحم الله من تممها لُقمةٌ.
قال بعضهم: رأيتُ ببغداد مكفوفاً: من أعطاني حَبّةً سقاهُ اللهُ من الحوض على يد معاويةً. فتبعتُه حتى خَلوتُ به، ولطمْتُه، وقلتُ: يا كذا عَزلتَ أميرَ المؤمنين عن الحْوض. فقال: أردْتَ أنْ أسْقَيهُمْ بحبة على يد أمير المؤمنين علي عليه السلام؟؟ لا، ولا كرامةَ.
سأل أبو فرعون رجلاً، فمنعهُ. فألحَّ عليْه فأعطاه فقال: اللهم أخْرنَا وإيَّاهُمْ. نسْألهم إلحافاً، ويعطوننا كُرهاً، فلا يُبَاركُ اللهُ لنا فيها، ولا يأْجرهُم عليها.
وقف سائل على باب، فقال: يأهَل الدار. فبادر صاحبُ الدار قبلَ أن يُتم السائلُ كلامه، وقال: صنَع اللهُ لك. فقال السائل: يا بنَ البَظْراء. كنتَ تصبر حتى تسمع كلامي عسى جئتُ أدعوك إلى دَعوة.
وقف أعرابي سائل على بابٍ، وسأل. فأجابه رجلٌ: ليس ها هُنا أحدٌ قال: إنَّك لاحدٌ لوْ جعل اللهُ فيك بَرَكةً.

قال الجّمازُ: سمعتُ سائلاً يقول: مَنْ يعطيني حُبَّا لأمينين: جبريل ومعاوية؟ وقف سائلٌ على بابٍ وكانت صاحبهُ الدار تبولُ على البالوعة. فحسبَ السائلُ أن صوتَ بولها نشيشُ المقلي. فقال: أطعمُونَا مِنْ هذا الذي تقْلُونه.
فضرطتْ المرأةُ، وقالتْ: حطُبنَا - وحياتِك - رطبٌ ليس يشتعل.
وكان آخر يقول منْ يعطينى قطعةً حُبًّا لهندِ حماة النبي.
ووقف سائل بباب المافروخي عامل الأهواز، وسأل فأعَطَوه لقمةً من خُبز فسكتَ ساعةً، ولم يبرح. ثم صاح، وقالَ: هذا الدّواءُ لأي شيءٍ ينفْعُني؟ وكيف آخذُه؟ وقف سائل على باب قوم فقال: تصدقُوا علي فإني جائع. قالوا: لم نَخبزْ بعدُ. قال: فكفّ سَويق؟ قالوا: ما اشترينا بعدُ. قال: فشربة ماء فإني عطشانْ. قالوا: ما أتانا السقاء بعدُ. قال: فيسيرُ دُهن أضعُه على رأسي. قالوا: ومِنْ أين لنا الدهنُ؟ فقال: يا أولادَ الزني، فما قعودُكم ها هُنا؟؟ قومُوا وسلُوا معي.
وقف سائل على باب دار فقال: تصدَّقوا علي. فقالت جاريةٌ من الدار: ما عندنَا شيءٌ نعطيكَ، وسِتى في المأتم. فقال السائلُ: أي مأتم أعظمُ من مأتمكُم إذا لم يكن عندكم شيءٌ؟؟ وقف آخر بباب دارٍ، فسأل، فقال صاحبُ الدار: أغْناكَ اللهُ، فليس صبيانُنا ها هنا. قال: إنَّما طلبْتُ كسرةً: لمْ اطلُب الجماعَ.
وقفَ آخر بباب فقال: أوسِعُوا علي مما رَزَقكم الله فإني في ضيق. فقالَ. صاحبُ الدار: إن كُنتَ في الدّهْليز في ضِيق فادخُل الدار فإنه أوسعُ لك فقال السائل: إنما قُلتُ: تأْمُر لي بشيءٍ. فقالَ: قد أمرتُك أنْ تشتري لابني قَلنسوة.
فقال السائل: أيش تريدُ مني يا هذا؟ قال: أريدُ منك عشرةَ دراهم أوديها عَن كِرا الدار. فولى السائلُ هارباً.
وقف أعرابي على قوم يسألهم، فقال أحدُهُم له: بُورك فيكَ. وقالَ آخرُ ما أكثر السُّؤَّال؟ فقال الأعرابي: تُرانا أكثَر مِنْ بورك فيك؟ والله لقد علمكُم اللهُ كلمةً ما تُبالُون ولو كُنا مثل ربيعة ومُضر.
وقف آخُر على بابٍ، فأجابتْه امرأةٌ من الدار: ما خبَزْنا اليوم. قال: فأعطني كف دقيق. قالتْ: ما اشترينا بعدُ دقيقاً. قال: فاستقْرضي منْ الجيران رغيفاً. قالت لا يقرضونا. قال قد أحْسَنُوا يا زانيةُ تستقرضين، ولا تردين. لا يُقْرضُونكِ!! وقف سائل على إنسان - وهو مقبلٌ على صديق له يحدثهُ، ويتغافلُ عن السائل - ثم قال لهُ بعد ساعة طويلة: صنع الله لك. فقال له السائل: أين كان هذا يا سيدي إلى هذا الوقت؟ كان في الصُّنْدوق؟ وكان رجل ببغداد من الشحاذين فكان دأبُه أن يترصَّد إقبال الربيع، فيطلبُ وردةً أول ما تطلُع، وقبْل أن يراها الناسُ فيأْخُذها، ويحملها إلى الحذائين ويبشِّرهم بمجيء الصيف، وحاجةِ الناس إلى النّعال، فيجبّون له شيئاً، ويعطونه. وإذا أقبل الخريفُ عَمدَ إلى جَزرة قبل أنْ يرى الناسُ الجزر، ويُهديها إلى الخفافين، ويبشرهم بمجيء الشتاء. فما زال هذا دأبه يتعيش منه طول عُمره.
وكان رجلٌ منْهم معه صحيفة، ودواةٌ، فكان يتقدم إلى الرجل منْ أهْل السُّوق وغيرهم، فيسألهُ أنْ يُعطيه شيئاً، ثم يقول له: أنا أرْضى بدرهم واحد تُعْطينيه في مثل هذا اليوم من السنة القابلة. فيستحي الرجلُ فيقولُ: أثبتْ لي خطك بهذا الدرهم الواحدِ، فيأْخُذ خطَّه، ويعود في القابل، وفي اليوم الذي يكون قدْ أرخه فيأخذ منه ذلك. فكان يجتمعُ له في كل سنة جملةٌ جَاملةٌ.
سمع رجل سائلاً في مسْجد الكوفة يقول: أسألكم بحقِّ أبي بكر وعُمَر، فما أعطاه أحدٌ شيئاً. فقال: ليسَ لهؤلاء القوم هاهنا جاهٌ. رأى أبو القمقام الهلال على وجه قصرية فقال لها: اضحكي في وجهي وخُذي هذا الدينار مني. فاستظرفته، وأخذت منهُ الدِّينار عبثاً. فقال: قد تفاءلتُ بَوجْهك، فما لي عندك؟ قالت: أردُّ دِيناراً. قال: هذا كُما كُنَّا فأينْ حلاوةُ الفأل؟ وصدقت، فأعطته ديناراً. فقال: التجارةُ بركةٌ والخديعةُ يُمْنٌ.
وكان على عصا ساسان المكري مكتوباً بالذهب: الحركة بركةٌ، الطراوة سُفتجَة، الكسل شؤْمٌ، التمييزُ جُرمٌ.
حكى بعضُهم قال: سَمِعتُ أبن سكّرة يقول: كان شرطي مع خمْرة - وهي التي يشببُ بها في شِعْره، وفيها يقولُ.
لِخَمرةَ عندي حديثٌ يطولُ ... رأتني أبولُ فكادت تبولُ

أن أعطيها على كل فرد أربعة دوانيق. فقال: فجاءتني يوماً فأعطيتُها درهمين ونكتها مرتين. ولم ينتشر علي في الثالث، فأردتُ ارتجاع قسط الواحد منها وامتْنعَتْ من ذلك. فبيْنا نحنُ في ذلك إذْ وقف سائلٌ على الباب، ودعا وسأل. فقُلْتُ له: ادخُل: فدخل. فقلْتُ: ليْس يحضُرني. ولكنْ نِكْ هذه، فقد استْوفتْ جذْرها. قال: فأخذ بيدها، ودخل البيت، وناكها. وخرجَ - وأيره في يده - وهو يقطُر، ويشيرُ إليه، ويقول لي: ثقل اللهُ بهذا مِيزانك يوم القيامةِ.
الباب العشرون
نوادر المعلمينقال بعضُهم: مررت ببعض سككِ البصرة وإذا معلمٌ قد ضرب صبياً، وأقام الصبيان صفاً، وهو يقولُ هلم: اقرءوا. ثم جاء إلى صبي بجنْب الصبي الذي ضربه، فقال: قُل لهذا يقرأُ، فإني لست أكلمه.
قال أبُو عثمان: كان ابنُ شُبرمة لا يقبلُ شهادة المعلِّم، وربما قبل شهادة المؤدِّب.
وكان يحيى بنُ أكثم أسوأ الناس رأياً فيهم.
وكان السنديُّ بنُ شاهك لا يستحلِفُ المكاري، ولا الحائكَ، ولا الملاحَ، ويجعلُ القولَ قولَ المدَّعي ويقولُ: اللَّهم إني أستَخيرُك في الحمَّال ومعلِّم الكتاب.
وصفَ بعضُهم معلِّماً فقال: هو أفْرهُ الناسِ وصيفاً، وأكثرهُم رغيفاً.
قال بعضهم: مررْتُ بمعلم وإذا صِبيانُه يلعبُون ويقتَتِلُون، فقلتُ للمعلم: ما بالُ صبيانكَ ليْسُوا يَفْرَقُون منك!! قال: وأنا أيْضاً لستُ أفُرقُ منْهم.
قال: وقال غُلام لأبيه: لا أريد هذا المعلم. فقال له أبُوه: ما لَهُ؟؟ قال: يصْنُع بي أمْراً عظيماً. قال: يسْتخدِمُك؟ قال: أشد مِنْ ذلك. قال: فيضربُك؟ قال أشد من ذاك. قال: فيعُفجُك؟ قال أشد مِن ذَاك. قال: فأيُّ شيءٍ ويلك يفعلُ بك؟ قال: يأكُل غدايَ.
قال: كان معلمٌ يُقيمُ الصبيانَ صَفَّين، ويتكئ صبيين بيديه، ويقولُ: أربعةُ وأربعةٌ: ستةٌ. فقلت له: إذا كانَ أربعةٌ وأربعةٌ ستةً، فكمْ يكونُ ثلاثةٌ وثلاثةٌ؟ قال: صدقتَ. لم آخذْ جذْره.
وكان لأبي دواد المعلِّم ابنُ، فَمرضِ، فلما نَزعَ قال: اغْسِلوه. قالوا. لم يمتْ بعد. قال: إلى أن يُفرغَ من غَسْله ما قد ماتَ.
وقال شريكُه: تعلِّم الصبيانَ - وعليك قميصٌ جديدٌ فيسودونه عليك؟ قال: قد اشتريتُ قطْناً، وقلت لأهِلنا: يغْزلُون قميصاً خَلَقاً.
قال: مررتُ يوماً بمعلِّم - والصبيانُ يحذِفُون عينَه بالقَصب - وهو ساكتٌ - فقلت: ويحْكَ!! أرى منك عَجَبا. فقال: وما هُو؟ قلتُ: أراكَ جالِساً والصبيانُ يَحْذفُون عَيْنِك بالقَصب!! فقال: اسكتْ، ودَعْهُم. فما فَرحي والله إلا أنْ يُصيبَ عَيْني شيءٌ، فأريكَ كيفَ أنتِفُ لِحَي آبائهم.
كان بحمص مُعلم يُكنى أبا جعفر يتعاطى عِلْمَ الحساب، فصارتُ إليه يوماً امرأةٌ، فقالتْ: يا أبا جعفر:؛ قفيزُ دقيق بثمانيةِ دراهم كم يُصيبُني بأربعة دراهمَ؟ فقال لها، بعد أن فكَّرَ: في هذه المسألةِ ثلاثةُ أقوال: أحدهما أنْ تُعطى الرجُل أربعةٌ أخرى، وتأْخُذي قفِيزاً، والآخر: لك قفيزٌ إلا بأربعةِ دراهم. والثالث: تدفعين دِرْهمَ درهمَ، وتأْخذين مَكُّوكَ مكُّوكَ حتى تستوفين.
وصار إليه ثلاثةُ روز جارتين قد أخذوا أجْرتَهم دِرهمين فقالوا: يا أبا جعفر، كيف نَقْتٍسم الدِّرهمين ونحنُ ثلاثةٌ؟ قال: أسْقِطوا منكم واحداً، وخُذوا دِرهماً درهما. قالوا: سبحانَ الله!! كيفَ نُسْقِط أحدَنَا وقد عمِلَ؟ قال: فزيدوا واحداً. وخذوا نِصْفَ نصف. قالوا: كيف نزيد فينَا من لم يعمل ويأْخذ كرانا؟ قال: فخذوا نِصْفاً نصْفاً واشتروا بالباقي تمراً، وكُلوه.
وسألته امرأةٌ، فقالت: أربعةُ أرطال تمر بدرهم، كم يُصيبُني بدانق ونصف؟ ففكر ساعةً طولة، وأدخلَ يديه تحت ذَيْلِه، وجعلَ يحُسِبُ بهما ثم أخْرج يديْه وقد جَمعُهما، وقال: كُتلةٌ مثلُ هذه كبيرةٌ.
وقال بعضهم مررتُ بمعلم وهو جالسٌ وحده، وليس عِنْده من الصّبيان أحدٌ، فقلتُ له: يا معلِّمُ، ما فعل صبيانُك؟ فقال: خلْف الدُّور يتصافَعون. فقلتُ: أريد أن أنظرَ إليهم. فقال: إن كان ولا بُدَّ فغط رأسكَ، لا يحسبُونك أنا فيصفعُوك.

قال: ورأيتُ مُعلِّماً وقد جاء غلامان قد تعلَّق أحدهما بالآخر، وقال: يا معلِّمُ، هذا عضَّ أذُني. فقال الآخر: واللهِ ما عضَضْتُها، وإنَّما هو عضّ أذن نفْسِه. فقال له المعلم: يا بنَ الخبيثةِ. صار جَمَلاً حتى يعضَّ أذنَ نفسِه؟ قال: رأيتُ معلماً بالكوفة - وهو شيخٌ مخضوبُ الرأس واللحْية - وهو يجلس يبكي فوقفتُ عليه، وقلتُ: يا عمّ: مِمَّ تبكي؟ فقال: سرق الصبيانُ خُبْزي.
قال: وسمعتُ معلِّماً وهو يقرئُ صبيّاً وما أمْرُنَا إلا واحدةُ كَلمح بالبصر والصبيُّ يقول: كلحم بالبَصِل فقال له: يا فاعلُ، أحسبك تشتهي بصَليَّة قال: وقرأ صبي على معلِّم " الذين يقولون لا تُنْفقُوا على مَنْ عند رسول الله " فقال المعلم: من عِند أبيك القرنَان أوْلى، فإنه كثير المال يَا بنَ الفاعلة، هو ذا؟؟ تُلْزمُ النبي نفقةً لا تجبُ عليه. أعجبكَ كثرة ماله؟؟ قال: ورأيت معلماً وقد جاء صبي، فصفعة محكمة. فقال له المعلم: أيّهما أصْلبُ: هذه أم التي صَفعْتُك أمْس؟ قال: وكان بالمدينة معلِّم يُفْرط في ضرْب الصبيان، ويشتمهُم. فلاموه على ذلك، فسألني أن أقْعدَ عنده، وأشاهدَ حاله معهم، فقعدْتُ عنده، فإذا بصبي يقول: يا معلمُ: " وإن عليك اللعنةَ إلى يوم الدين " فقال: عليكَ وعلى أبويْكَ.
وجاء آخر، فقال: يا معلِّم: " فاخرجْ منها فإنك رَجيم " قال: ذاكَ أبُوك الكَشْخَان.
وجاء آخر، فقال: يا معلِّم: إني أريد أن أنْكِحَك " قال: انكح أمَّك الفاعلة.
وقال آخر: يا معلم: " ما لنا في بَنَاتِك من حقِّ " قال: لا، ولا كرامَة، فلا يزالُ معهم في مثل هذا وهو يَضْربُهم، ويُزَنِّيهم.
قال: ومررت بمعلِّم وقد جاء صبي صغير، فصفعه. فقلت له: لمَ تَدَعُ هذا الصبي يجترئُ عليك؟ فقال: دعْهُ فإني أشكُوه غداً إلى أبيه.
قرأ غلامٌ علي معلم: " إنا وجدْنا آباءنا على " أمْك " وإنا على آثارهم " فرد عليه المعلم " على أمَّةٍ " فقال: على أمِّك. فلما تكَّررَ قال المعلِّم: قُلْ: على أمِّي. فقال على أمِّي. فقال المعلم: على أي حال إذا وجَدْتَ أباكَ على أمِّك خيراً من أن تَجدَه على أميِّ أنَا واستفتحَ غلامٌ، فقال: يا معلِّم " إن أبي يدعوكَ " فقال: هَاتُمْ نعْلِي. فقال الغلامُ: إنما استَفْتحتُ. فقال: قد أنكرتَ أن يُفْلح أبُوك.
قال معلم لغلام: قُلْ: " قد أفْلحَ مَنْ زَكَاهَّا. وقد خَابَ من دسَّاها " . فقال: وقد داس مَنْ خبَّاها. فلم يزل يكرِّرُ ذلك عليه إلى أن أعْيَتْه العِلَّةُ. فقال المعلم: وقد داسَ مَنْ خبَّاها. فقال الغلامُ " وقد خاب من دسَّاها " . فقال المعلم لأبيه: قد قلتُ لكَ إنه لا يُفْلِح.
قالوا: إذا قال المعلّم للصبيان: تَهجَّوْا ذَهبّ عقْلُهُ أربعينَ صَباحاً.
وكان بعضُ المعلمين يعلِّم صبياً، وأمُّهُ حاضرةٌ، فقال له: اقرأ وإلا قمتُ ونكتُ أمَّك. فقالت الأمُّ: إنَّه صبي، ويتيم، واليتيمُ فيه لجَاجٌ، ولا يؤمِنُ بالشيء حتى يراه.
أراد معلم أن يتزوجَ امرأةً كان ابنُها عنده، فامتنعتْ عليه، فأمر بحْمل ابنها وضرْبه، وقال: لم قلتَ لأمك إن أير المعلم كبير؟ فلما رجع الصبي إلى أمه قال: ضربني المعلمُ وقال لي: كذا، وكذا. فوجَّهتْ إلى المعلِم: احضِرْ شهودَك تتزوجُّ. وتزوجته.
قال آخر: مررت بأحدِهم وصبي يقرأ عليه: " فذلك الذي يدُعُّ اليَتِيمَ " والمعلمُ يرد عليه: يدْعُو اليتيمَ، ويضربُه. قال: فجئتُ إليه، وقلتُ: هذا من الأمْر بالمعروفِ. ففسَر.
فقلتُ: يا شيخُ، الصبي على الصَّواب، وأنت على الخطأ. وإنهما معنى يدعُّ: يدْفعُ. قال: فزبرني، وأغْلظَ لي وقالَ: إنما معْناهُ يدعُو اليتيمَ ليفْسِقَ به. قال: فوليتُ وقلتُ: أنت لا تَرْضى أن تُخطئ حتى تفسرَ.
وقال: مررتُ بمعلم وهو يضرب صَبيْانَه كلَّهم، فسألتُه عن الذَّنْب فقال: يُرْجفُون بي. قال: بماذا؟ قال: يزعُمون أني أحجُّ العامَ، وأمُّ مَنْ نوى هذا قَحبةٌ.
قال: كان يعلم معلمٌ صبيّاً: " وإذا قال لقمان لابْنهِ " " لا تقصُصْ رؤياك على إخُوتك فَيَكيدُوا لك كَيْداً " قيل: ما هذا؟ قال: أبوه يدخلُ مشاهرة شهر في شهر، وأنا أدخله مِن سورة في سورة.
وقرأ صبي على معلِّم: أريدُ أن أنكحكَ. فقال: هذا إذا قرأتَ على أمِّك الزانيةِ.
وقرأ آخر!! وأمَّا الآخرُ فتصلَبُ. فقال: هذا إذا قرأت علي أبيك القَرنَان.

قالت امرأةٌ لمعلم: إذا كان مكُّوكُ دقيق بدرهم. كم يكون بربع درهم؟ فتحير، ثم قال: ممن اشتريتِ؟ قالت: مِنْ فلان الدَّقاق. قَال: اقْنعي بما يعطيك فإنه ثِقةٌ.
قال جرابُ الدولة: كان عندنا بسجستانَ معلمٌ سخيف اجتزتُ يوماً به يقولُ لصبي بين يديه: اقرأ يا بنَ الزَّانية. فأخذت أوبِّخه، فقال: اسكتْ. فقد نكتُ أمَّه كثيراً.
قال: أبو دواد لشريكه: يا أبا الحسين، دارُ جعفر بن يحيى، خيرٌ أو دارُ وردِ؟ فأطرقَ، ثم قال: خَيُرهما عند الله أتْقاهُما.
قال بعضُهم: مررتُ بمعلِّم وهو يتلَوى، فقلتُ: ما شأْنُكَ يا شيخُ؟ قال: ما نمتُ البارحةَ من ضربان العُرُوق. فنظرْت إليه، وقلتُ: أنتَ والله صحيحٌ سليمٌ مثلُ الظلِيم. فغضِب واستشَاط، وقال: أحدُكم يضربُ عليه عِرقٌ واحد فلا ينامُ الليلة كله من الصياح، وأنا يَضْربُ على حُزمة عروق، وتريدونَ مني ألا أصِيحَ؟ فقلتُ: وأيُّ حزمة تضربُ عليك؟ فكشفَ عن أير مثل أير البغل وقال: هذا.
وقال بعضُهم: سألتُ معلماً: أنت أسَنُّ أمْ أخوك؟ فقال: إذا جاء رمضانُ استوينا.
حُكي أنه كان في بعض دُروب بغدادَ معلمٌ، فاجتازَ به أبو عمر القاضي يوماً بزينة تامَّة، وهيئة حسنة، فقال المعلم: تَرونَ هذا؟ إن خشخشةَ ثيابه، وقَعْقَعةَ مرْكبهِ هو تظْلُّم الأرامل والأيْتَام.
فبلغ ذلك أبا عُمر، فدعاهُ، وأدْنَاهُ، وأحْسنَ إليه، فكان إذا رآه بعد ذلك يقول: ما خَشْخشةُ ثيابه، وقعقعةُ مرْكبه إلا تسبيحُ الملائكةِ وتهلُيلهم.
الباب الحادي والعشروننوادر الصِّبيان
قال رجل لابنه: ما أراك تُفْلح أبداً. فقال الأبن: إلا أنْ يرزقني الله مؤدبا غيرَك.
قال بعضهم: أحضِرْتُ لتعليم المعتزّ - وهو صغير - فقلت له: بأي شيء تبدأ اليوم؟ فقال: بالانصراف.
قال بعضهم: رأيتُ أعرابياً يعاتبُ ابناً له صغيراً، ويذكر حقه عليه. فقال الصبي: يا أبهْ إنَّ عِظمَ حقِّك علي لا يُبطلُ صغيرَ حقي عليك، والذي تمتُّ به إلى أمتُّ بمثله إليك، ولست أقولُ: إنا سواءُ، ولكن لا يجْمُل الاعتداءُ.
عرْبدَ غلام على قوم، فأراد عمُّه أن يعاقبَه، ويؤدِّبَه، فقال له: يا عمِّ: إني قد أسأْتُ، وليسَ معي عقْلي، فلا تُسيء بي ومعَك عقلُك.
ونظر دَميمٌ يوماً في المرآة، وكان ذميماً، فقال: الحمدُ لله، خلقّني فأحسن خلقي وصورني فاحسن صورتي، وابن له صغيرٌ، يسمع كلامه. فلما خرج سألهُ رجلٌ - كان بالباب - عن أبيه. فقال: هو بالبيتِ يكْذبُ على الله.
كان الفتحُ بن خاقان - وهو صبي - بين يديى المعتصم، فقال له، وعرضَ عليه خاتَمّهُ: هل رأيتَ - يا فتحُ - أحسنَ من هذا الفصِّ؟ قال: نعم: يا أميرَ المؤمنين اليدُ التي هو فيها أحسنُ منه.
وعاد المعتصمُ أباه - والفتح صغيرٌ - فقال له: داري أحسنُ أم دارُ أبيك؟ قال: يا أميرَ المؤمنين، دارُ أبي ما دُمتَ فيه.
قال ابنُ أبي ليلى: رأيتُ بالمدينة صبياً قد خرجَ من دار، وبيدِه عُودٌ مكشوفٌ. فقلتُ له: غطه لا ذُعِرْتَ. قال: أو يْغطى من اللهِ شيءٌ. لا تلفتَ.
قال الفرزدقُ لغلام أعجبهُ إنشادُه: أيسرني أني أبوك؟ قال: لا، ولكنْ أمي، لُيصيبَ أبي من أطايبك.
قال البلاذُري: أدخِلَ الرّكاضُ وهو ابنُ أربع سنين إلى الرشيد ليعجبَ من فطنته، فقال له: ما تحبُّ أنْ أهَبَ لك؟ قال: جميلَ رأيك فإني أفوزُ به في الدُّنيا، والآخرة، فأمر له بدنانيرَ، ودراهمَ فصُبَّتْ بين يديه. فقال: اختر الأحبَّ إليك. قال: الأحبَّ إلى أمير المؤمنين، وهذا مِنْ هذَين، وضربَ يدَه إلى الدَّنانير فضحك الرشيدُ، وأمر أن يضم إلى ولده، ويجري عليه.
اجتازَ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بصبيان يلعبون، وفيهم عبدُ الله ابن الزُّبير فتهاربُوا إلا عبدَ الله فإنه وقفَ. فقال له عمرُ: لِمَ لمْ تَفِرّ مع أصحابك؟ قال: لم يكُن لي جُرمٌ فأفرَّ منك، ولا كان الطريقُ ضيّقاً فأُوسِّعَهُ عليك.
قال إياسُ: كان لي أخٌ، فقال لي وهو غلام صغيرٌ: مِنْ أي شيء خُلقنا قلتُ: مِنْ طين. فتناول مَدَرةً، وقال: مِنْ هذا؟ قلتُ: نعم. خلَق الله آدم من طين: قال: فيستطيع الذي خلقنا أن يُعيدنا إلى هذا الذي خلقنا منه؟ قلتُ: نعمْ. قال: فينبغي لنا أن نخافَه.
قيل لغلام: أتحبُّ أن يموتَ أبُوك؟ قال: لا، ولكنْ أحِبُّ أنْ يُقتلَ لأرثَ ديتَه فإنَّه فقير.

قَعَدَ صبي مع قوم، فقُدم شيء حارٌّ، فأخذ الصبي يبكي. فقالوا: ما يُبْكيك؟ قال: هو حارٌّ. قالوا: فاصبرُ حتى يبرَدَ. قال: أنتم لا تصبرون.
خرج صبي من بيتِ أمِّه في صَحو، وعاد في مطر شديد، فقالت له أمُّه: فَديتُك ابني هذا المطُر كلهُّ على رأسِك يجيء. قال: لا يامي. كان أكْثُره على الأرض، ولو كان كلُّه على رأسي لَغرقتُ.
وسمع آخر أمَّه تبكي في السَّحرَ، فقال: لِمَ تبكينَ؟ قالتْ: ذكرتُ أباك، فاحترق قلبي. قال الصبيُّ: صدقْتِ. هذا وقتُه.
وجهّ رجل ابنه إلى السوق ليشتري حبلاً للبئر، ويكون عشرين ذراعاً، فانصرف مِنْ بعض الطريق. وقال: يا أبي. في عرْض كَمْ ؟ قال: في عَرْض مصيبتي فيك.
وقال آخر لابنه، وهو في المكتب. في أي سُورة أنت؟ فقال: لا أقِسمُ بهذا البلد، ووالد بلا ولد. فقَال: لعمرْي. مَنْ كنتَ ولدَه فهو بلا ولد.
وقال آخر لابنه: أين بلغْتَ عند المعلِّم؟ فقال: الفرجَ. أراد الفجرَ. فقال الأبُ: أنت بعدُ في حر أمِّك.
قيلَ لبعضهم: إن ابنكَ يناك. فقال لأبنه: ما هذا الذي يُقال؟ قال: كذَبُوا وإنما أنا أنيكهم: فلما كان بعد أيام رآهُ وقد اجتمع عليه عدةٌ من الصبيان ينيكونه، فقال: مِمَّن تعلمتَ هذا النيك؟ قال: مِنْ أمي.
قال ابنُ أبي زيد الحامِض: قال لي أبي: يا بني، ليس واللهِ تُفْلحُ أبداً فقال له: يا أبه!! ليس والله أُحْنِثُك.
جاء صبي إلى أبيه، فقال: يا أبَه. قد وجدتُ فأساً قال: هاته - يا بُني. قال: ليس في رأسه حديدٌ. قال: يا مشئوم!! فقل: وجدتُ وتدا.
الباب الثاني والعشرون
نوادر للعبيد والمماليكولي بعض الأمراء مولى بعد غيبة طويلة فقال: أنت في الأحياء بعد فقال: وأنا أستخير أن أموت قبل مولاي الأمير.
قال بعضهم: رأيت في السوق غلاما يُنادي عليه، فقدمتُ واستعرضته فقال: إن أردت أن تشتريني فاعلم أني قد حلفت أن لا أنيك مولاي أبداً حتى ألقى الله، فإذا إنّه المسكين كان مُبلى بصاحب يؤذيه ويستنيكه.
استباع غلام فقيل: لم تستبيع؟ قال: لأن مولاي يُصَلي من قعود وينيكني من قيام ويلحَن إذا قرأ القرآن ويُعرب إذا زنا بي.
قال الدّارمي لغلامه: بأبي أنت وأمي لو كان العِتق مثل الطّلاق لسَررتُك بواحدة.
اعترض بعضهم غلاماً أراد شراءه فقال يا غلام: إن أشتريتك تُفلح؟ فقال: فإن لم تشتر.
قال أبو العيناء: أشتُرى للواثق عبدٌ فصيحٌ من البادية، فأتيناه وجعلنا نكتب عنه كلّ ما يقول، فلما رأى ذلك مِنّا قلّب طرفه وقال: إنّ تراب قعرها لملتْهب.
يقال ذلك للرجُل يُسَر الناس برؤيته لانتفاعهم به وأصل ذلك: أنّ الحافر يحفر فإن خرج التّراب مُرّا علم أنّ الماء مِلح وإن كان طيّباً علم أنّ الماء عذب فأنبط وإذا خرج طيّباً انتبه الصبيان.
اشترى بعضُ الهاشميّين غلاماً فصيحاً فبلغ الرشيد خبره، فأرسل إليه يطلبه. فقال يا أمير المؤمنين: لم أشتره إلا لك، فلمّا وقف الغلام بين يدي الرّشيد قال له: إنّ مولاك قد وهبك لي. فقال الغلام: يا أمير المؤمنين ما زِلْتُ ولا زُلْتُ.
قال: فَسِّر. فقال: ما زِلتُ لك وأنا في مِلكه ولا زُلتُ عن مِلكه، فأُعجب الرّشيد به وقدّمه.
قال أبو العيناء: مررت بسُوق النخّاسين بالبصرة، فإذا غلام يُنادي عليه ثلاثين ديناراً والغلام يُساوي خمسمائة دينار، فاشتريته وكنت أبني داراً فدفعت إليه عشرين ديناراً على أن يُنفقها، فلم أزل أصك عليه حتى أنفق نحو العشرة. ثم صككت بشيء آخر. فقال لي: فأين أصل المال؟ قلتك ارفع إلي حِسَابك، فرفع حِسَاباً بعشرة دنانير. فقلت: فأَين الباقي؟ قال: اشتريت ثوباً مصمتاً وقطعته. قلت: من أمرك بهذا؟

قال: إنّ أهل المُرَوَّات والأقدار لا يعيبون على غلمانهم إذا فعلوا فعلاً يعود زينة عليهم. قال: فقلتُ في نفسي: أشتريتُ الأصمعي وابن الأعرابي ولم أدر. وكانت في نفسي امرأة أردت تزوجّها فقالت يا غلام: فيك خير. قال: وهل الخير إلا في. فقلت له: قد عزمت على كذا. وتزوجتها ودفعتُ إلى الغلام ديناراً وقلتُ له: خُذ لنا سمكاً هازبي، فأبطأ واشترى مارماهي فأنكرت عليه خلافي. فقال يا مولاي: فكّرتُ فإذا بُقراط يقول: الهازبي يُولد السّوداء والمارمَاهي أقلّ غائلة. قلت: لا الذي بقُراط أنت أم جالينوس وأدخلته البيت وضربته عشرة، فلما قام أخذني وضربني سبعة وقال يا مولاي: الأدب ثلاثة وسبعة لها قِصاص، فغاظني ورميته فشججته، فمضى إلى ابنه عمي وقال لها: الدين النصيحة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منّا.
وقال: مولى القوم منهم: وأعلمك أنّ مولاي تزوّج واستكتمني، فلما أعلّمتُه أني مُعرفّك ما فعل شجنّي، فوجّهت إلى بنت عمى بغِلمان، فبطِحت في الدّار وضربت وسمتّه النّايح، فما كان يتهيأ لي كلامه. فقلت: اعتقه، فلعلّه يمضي عني، فلزمني ولذّ بي وقال: الآن وجب حقك علي، ثم إنّه أراد الحجّ، فجهزّته، فغاب عني عشرين يوماً ورجع فقلت: لم رجَعْتَ؟ فقال: قُطع علينا وفكّرتُ، فإذا الله جل وعزّ يقول: " والله على الناسِ حج البيتِ مَنِ اسْتطاعَ إليْه سبِيلاً " وكنت غير مُستطيع وإذا حقك أوجَبُ على فرَجَعْتُ، ثم إنه أراد الغزو فجهّزتُه، فلما صار على عشرة فراسخ بعتُ ما كان لي بالبصرة وخرجت عنها خوفاً أن يرجع وصرت إلى بغداد.
قال بعضهم: استعرضْتُ غلاماً فقلت له: يا غلام تحبّ أن أشتريك. فقال: حتى أسأَل عنك.
أعتق عبد الله بن جعفر غلاماً، فقال الغلام: أكتُب كما أملي.
قال: فأملِ. قال: اكتُب: كنتَ بالأمسِ لي، فوهَبْتُك لمن وهَبَكَ لي، فأنت اليوم واليوم صرت مثلي، فكتب ذلك واستحسنه وزاده خيراً.
قال حماد بن إسحاق الموصلي: كان لأبي غلام يسْتقي الماء لمن في داره على بغْلَين، فانصرف أبي يوماً وهو يَسُوقُ البغل وقد قَرُب من الحوض الذي يصُبّ فيه الماء. فقال: ما خبَرُك يا فتح؟ قال: خبري أنّه ليس في الدّار أشقي منّي ومنك.
قال: وكيف؟ قال: لأنك تُطعمهم الخُبز وأنا أسقيهم الماء، فضحك منه وقال: فما تحب أن أصنع بك؟ قال: تعتقني وتهب لي هذين البغلين، ففعل ذلك.
/الفصل السادس
بسم الله الرحمن الرحيموأنعمت فزد، الحمد لله الذي إذا أراد شيئاً قدره تقديرا، وكان خلقه عليه يسيرا، " إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون " .

خلق ورزق، وقد أبدأ وعلم، وألهم وسدد، وأرشد وبشر، وأنذر ووعد وأوعد، خلقنا بحكمته البالغة، ورزقنا من نعمته السابغة، وذرأنا بقوته القاهرة، وبرأنا بقدرته الباهرة، وعلمنا رشد الدين، وألهمنا برد اليقين، وسددنا للنهج القويم، وأرشدنا إلى الصراط المستقيم،، وبشرنا بثوابه العظيم، وأنذرنا بعقابه الأليم، ووعدنا على الطاعة خيرا دائما، وأوعدنا عن المعصية شرا لازما، وبعث إلينا رسله الداعين إليه، الدالين عليه، نادين إلى فرضه، قائمين بحقه في أرضه، واجتبى منهم محمدا صلى الله عليه وسلم وعلى آله واصطفاه واختاره لدينه وارتضاه فبعثه إلى الأسود والأحمر، والفصيح والأعجم، والمؤمن والمعاند، والمقر والجاحد، والداني والشاحط، والراضي والساخط، والبر والفاجر، والمسلم والكافر، حتى أوضح لهم الدين . وأرشدهم أجمعين، فوجبت فرية الثواب لمن استجاب فاهتدى . وحقت كلمة العذاب على من ارتاب فاعتدى . وسعد من سمع دعاءه فأقر وقر، وشقى من صم عنه فنفر وفر، وبعثه تعالى بكلمة الصدق وأرسله بالهدى ودين الحق، وأيده بالأعلام من أسرته، والنجوم من عترته، والسابقين إلى صحبته ونصرته، حجج الله على الخلق، وسيوفه على المارقين من الحق، جاهدوا في الله حق الجهاد، وأذلوا أهل الشقاق والعناد ن حتى قال عز من قائل " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " ، اللهم فضل عليه وعليهم صلاة أوجبتها لهم بإحسانك العميم، واستوجبوها منك باجتهادهم العظيم إنك أنت السميع المجيب اللهم وفقنا لاتباع أمرك، وأعنا على أعباء شكرك، ولا تحرمنا الشكر إذا أوليت، والأجر إذا أبليت، واجعل توفيقك لنا رائداً وقائدا وهاديا وحاديا وموافقا ومرافقا ومعينا وقريبا، فلا حول إلا بك ولا توفيق إلا منك، ولا عصمة إلا إذا عصمت، ولا سلامة إلا إذا سلمت، فاقرن لنا سلامة النفس بسلامة اليقين، وسعادة الدنيا بسعادة يوم الدين، وصل على السراج المنير والنور المستبين محمد خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين .
هذا هو الفصل السادس من كتاب نثر الدر ويشتمل على ستة عشر بابا الباب الأول: فيه نكت من كلام فصيح الأعراب الباب الثاني: فيه فقر وحكم للاعراب الباب الثالث: أدعية وكلام لسؤال الأعراب الباب الرابع: في أمثال العرب الباب الخامس: في النجوم وأنواعها على مذهب العرب الباب السادس: أسجاع الكهان العرب الباب السابع: أوابد العرب الباب الثامن: وصايا العرب الباب التاسع: أسامي أفراس العرب الباب العاشر: أسامي سيوف العرب الباب الحادي عشر: نوادر الأعراب الباب الثاني عشر: أمثال العامة والسفل الباب الثالث عشر: نوادر أصحاب الشراب والسكارى الباب الرابع عشر: في أكاذيب العرب وغيرهم الباب الخامس عشر: في نوادر المجان الباب السادس عشر: نوادر في الضراط والفساء
الباب الأول
نكت من فصيح كلام العرب وخطبهمحدثنا الصاحب كافي الكفاة رحمة الله عليه عن الأبجر عن ابن دريد عن عمه عن ابن الكلبي عن أبيه قال: ورد بعض بني أسد من المعمرين على معاوية فقال له: ما تذكر؟ قال: كنت عشيقاً لعقيلة من عقائل الحي أركب لها الصعب والذلول، أتهم وأنجد وأغور لاآلو مربأة في متجر إلا أتيته، يلفظني الحزن إلى السهل، فخرجت أقصد دهماء الموسم، فإذا أنا بقباب سامية على قلل الجبال مجللة بأنطاع الطائف وإذا جزر تنحر، وأخرى تساق، وإذا رجل جهوري الصوت على نشز من الأرض ينادي: يا وفد الله: الغداء، الغداء إلا من تغدى فليخرج للعشاء.
قال: فجهرني ما رأيت فدلفت أريد عميد الحي، فرأيته على سرير ساسم على رأسه عمامة خز سوداء كأن الشعرى العبور تطلع من تحتها، وقد كان بلغني عن حبر من أحبار الشام أن النبي التهامي هذا أوان مبعثه.
فقلت: عله. وكدت أفقه به.
فقلت: السلام عليك يا رسول الله. فقال: لست به، وكأن قد وليتني به، فسألت عنه فقيل: هذا أبو نضلة هاشم بن عبد مناف فقلت هذا المحبر والسناء والرفعة لا مجد بني جفنة. فقال معاوية: أشهد أن العرب أوتيت فصل الخطاب.
وصف أعرابي قوماً فقال كأن خدودهم ورق المصاحف، وكأن حواجبهم الأهلة وكأن أعناقهم أباريق الفضة.

دخل ضرار بن عمرو والضبي على المنذر بعد أن كان طعنه عامر بن مالك فأذراه عن فرسه فأشبل عليه بنوه حتى استشالوه فعندها قال: من سره بنوه ساءته نفسه، فقال له المنذر: ما الذي نجاك يومئذ؟ قال: تأخير الأجل، وإكراهي نفسي على المق الطوال.
قال معاوية: لصحار العبدي: ما هذه البلاغة التي فيكم؟ قال: شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا. فقال له رجل من عرض القوم: هؤلاء بالبسر أبصر منهم بالخطب. فقال صحار: أجل والله إنا لنعلم أن الريح لتلقحه، والبرد ليعقده، وأن القمر ليصبغه، وأن الحر لينضجه، فقال معاوية: فما تعدون البلاغة فيكم؟ قال الايجاز قال: وما الإيجاز؟ قال: أن تجيب فلا تبطئ، وتقول فلا تخطئ. قال معاوية: أو كذا لي تقول؟ قال صحار: أقلني يا أمير المؤمنين لا تبطئ ولا تخطئ.
تكلم صعصعة عند معاوية فعرق، فقال معاوية: بهرك القول؟ قال صعصعة: إن الجياد نضاحة بالماء.
قيل لبعضهم: من أين أقبلت؟ قال: من الفج العميق. قال: فأين تريد؟ قال: البيت العتيق. قالوا: وهل كان ثم من مطر؟ قال: نعم حتى عفى الأثر وأنضر الشجر، ودهده الحجر.
قال الجاحظ: ومن خطباء إياد قس بن ساعدة الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: رأيته بسوق عكاظ على جمل أحمر وهو يقول: أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. وهو القائل في هذه: " الآيات محكمات، مطر ونبات، وآباء وأمهات، وذاهب وآت، ونجوم وتمور وبحار لا تغور وهو القائل: " يا معشر إياد: أين ثمود وعاد؟ أين الآباء والأجداد؟ وأين المعروف الذي لم يشكر؟ وأين الظلم الذي لم ينكر؟ أقسم قس قسماً إن لله لديناً وهو أرضى له وأفضل من دينكم هذا.
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عن الزبرقان ابن بدر فقال: إنه لمانع لحوزته، مطاع في أدنيه قال الزبرقان حسدني يا رسول الله ولم يقل الحق. قال عمرو. وهو والله زمر المروءة، ضيق العطن، لئيم الخال. فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في عينيه فقال: يا رسول الله رضيت. فقلت: أحسن ما علمت، وغضبت. فقلت: أسوأ ما علمت وما كذبت في الأولى وصدقت في الأخرى فقال صلى الله عليه وسلم: " إن من البيان لسحرا " .
وكان عامر بن الظرب العدواني حكماً وكان خطيباً رئيساً وهو الذي قال: يا معشر عدوان، الخير ألوف عروف ولن يفارق صاحبه حتى يفارقه، وإني لم أكن حكيماً حتى اتبعت الحكماء ولم أكن سيدكم حتى تعبدت لكم.
قال بعضهم، قلت لأبي الحصين: ما أعجب ما رأيت من الخصب؟ قال: كنت أشرب رثيئة تجرها الشفتان جراً، وقارصاً إذا تجشأت جدع أنفي، ورأيت الكمأة تدوسها الإبل بمناسمها، وخلاصة يشمها الكلب فيعطس.
قيل لأعرابي: ما وراءك؟ قال: خلفت أرضاً تتظالم معزاها يقول: سمنت، وأشرت فتظالمت.
قال سعيد بن سلم: كنت والياً بأرمينيه فغبر أبو دهمان الغلابي على بابي أياماً فلما وصل مثل بين يدي قائماً بين السماطين فقال: إني والله لأعرف أقواماً لو علموا أن سف التراب يقيم من إصلاح أولادهم لجعلوه مسكة لأرماقهم إيثاراً للتنزه عن عيش رقيق الحواشي، أما والله إني لبعيد الوثبة، بطيء العطفة، إنه والله ما يثنيني عليك إلا مثل ما يصرفك عني، ولأن أكون مقلاً مقرباً، أحب إلي من أن أكون مكثراً مبعداً والله ما نسأل عملاً لا نضبطه ولا مالاً إلا ونحن أكثر منه، إن هذا الأمر الذي صار في يدك قد كان في يد غيرك، فأمسوا والله حديثاً، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً فتحبب إلى عباد الله. بحسن البشر ولين الجانب، فإن حب عباد الله موصول بحب الله، وبغضهم موصول ببغض الله وهم شهداء الله على خلقه، ورقباء على من اعوج عن سبيله.
دخل على المهدي وفود خراسان فقام رجل منهم فقال: أطال الله بقاء أمير المؤمنين، إنا قوم نأينا عن العرب، وشغلتنا الحروب عن الخطب، وأمير المؤمنين يعرف طاعتنا، وما فيه مصلحتنا، فيكتفي منا باليسير دون الكثير ويقتصر منا على ما في الضمير دون التفسير فقال أنت خطيب القوم.

قال أبو عمرو بن العلاء، رأيت أعرابياً بمكة فاستفصحته فقلت ممن الرجل؟ قال، أسدي يريد أزدي قلت، أين بلدك؟ قال، عمان قلت: صف لي بلدك. فقال: بلد صلدح، وكثيب أصبح، وفضاء صحصح قلت: ما مالك؟ قال: النخل قلت: أين أنت من الإبل؟ قال: إن النخل ثمرها غذاء، وسعفها ضياء وكربها صلاء وليفها رشاء، وجذعها بناء، وقروها إناء قلت أنى لك هذه الفصاحة؟ قال: إنا ننزل حجرة لا نسمع فيها ناجخة التيار.
وخطب بعض الأعراب فقال: إن الدنيا دار بلاغ، والآخرة دار قرار، أيها الناس خذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، واخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم ففيها حييتم ولغيرها خلفتم، اليوم عمل بلا حساب وغداً حساب بلا عمل، إن الرجل إذا هلك قال الناس: ما ترك؟ وقالت الملائكة: ما قدم؟ فلله آباؤكم قدموا بعضاً يكن لكم قرضاً، ولا تخلفوا كلاً فيكون عليكم.
قيل لبني عبس: كيف كنتم تصنعون؟ قالوا: كنا لا نبدأ أبداً بظلم، ولم نكن بالكثير فنتوكل، ولا بالقليل فنتخاذل، وكنا نصبر بعد جزع الناس ساعة.
وسئل دغفل عن المماليك فقال: عز مستفاد، وغيظ في الأكباد كالأوتاد.
قال أبو بكر لسعيد، أخبرني عن نفسك في جاهليتك وإسلامك فقال: أما جاهليتي فوالله ما خمت عن بهمة، ولا هممت بأمة ولا نادمت غير كريم، ولا رئيت إلا في خيل مغيرة أو في حمل جريرة أو في نادي عشيرة، وأما مذ خطمني الإسلام فلن أذكي لك نفسي.
قال رجل لغلامه: إنك ما علمت لضعيف قليل الغناء. قال: وكيف أكون ضعيفاً قليل الغناء، وكيف كفيتك ثمانين بعيراً نزوعاً وفرساً جروراً ورمحاً خطيا وامرأة فاركاً.
قيل لأعرابي: صف لنا خلوتك مع عشيقتك قال: خلوت بها والقمر يرينيها، فلما غاب القمر أرتنيه، قيل فما أكثر ما جرى بينكما؟ قال: أقرب ما أحل الله مما حرم، الإشارة بغير بأس، والتعرض لغير مساس، ولئن كانت الأيام طالت بعدها، لقد كانت قصيرة معها.
وذكر بعضهم مسجد الكوفة فقال: شاهدنا في هذ المسجد قوماً كانوا إذا خلعوا الحذاء، عقدوا الحبا، وقاسوا أطراف الأحاديث، حيروا السامع وأخرسوا الناطق.

دخل عبد الله بن عبد الله بن الأهتم على عمر بن عبد العزيز مع العامة فلم يفاجأ عمر إلا وهو ماثل بين يديه، فتكلم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن الله خلق الخلق غنياً عن طاعتهم، آمناً من معصيتهم، والناس يومئذ في المنازل والرأي مختلفون، والعرب بشر تلك المنازل، أهل الحجر والوبر، وأهل المدر الذين تحتار دونهم طيبات الدنيا، ورفاغة عيشها، ميتهم في النار، وحيهم أعمى مع لا يحصى من المرغوب عنه، والمزهود فيه، فلما أراد الله أن ينشر عليهم رحمته، بعث إليهم رسولاً من أنفسهم عزيزاً عليه ما عنتوا، حريصاً عليهم، بالمؤمنين رءوفاً رحيماً، فلم يمنعهم ذلك من أن جرحوه في جسمه، ولقبوه في اسمه ومعه كتاب من الله ناطق، لا يرحل إلا بأمره، ولا ينزل إلا بإذنه، واضطروه إلى بطن غار، فلما أمر بالعزيمة، انبسط لأمر الله لونه، فأفلح الله حجته، وأعلى كلمته، وأظهر دعوته، وفارق الدنيا تقيا نقياً، ثم قام بعده أبو بكر فسلك سنته، وأخذ بسبيله، وارتدت العرب، فلم يقبل منهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الذي كان قابلاً منهم، فانتضى السيوف من أغمادها، وأوقد النيران من شعلها، ثم ركب بأهل الحق إلى أهل الباطل، فلم يبرح يفصل أوصالهم، ويسقي الأرض دماءهم حتى أدخلهم في الذي خرجوا منه، وقررهم بالذي نفروا منه، وقد كان أصاب من مال الله بكراً يرتوي عليه، وحبشية ترضع ولداً له، فرأى من ذلك غصة عند موته في حلقه، فأدى ذلك إلى خليفة من بعده وبرئ إليهم منه، وفارق الدنيا تقياً نقياً على منهاج صاحبه ثم قام من بعده عمر بن الخطاب فمصر الأمصار، وخلط الشدة باللين، فحسر عن ذراعيه، وشمر عن ساقيه وأعد للأمور أقرانها، وللحرب آلتها، فلما أصابه قن المغيرة استهل بحمد الله ألا يكون أصابه ذو حق في الفيء فيستحل دمه بما استحق من حقه، فقد كان أصاب من مال الله مائة وثمانين ألفاً فكسر بها رباعه، وكره بها كفالة أولاده، فأوى ذلك إلى خليفة من بعده، وفارق الدنيا تقياً نقياً على منهاج صاحبيه، ثم إنا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ظلع، ثم إنك يا عمر ابن الدنيا ولدتك ملوكها، وألقمتك ثديها، فلما وليتها ألقيتها حيث ألقاها الله، فالحمد لله الذي جلا بك حوبتنا، وكشف بك كربتنا، امض ولا تلتفت، فإنه لا يعز على الحق شيء، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات، ولما أن قال: ثم إنا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ظلع سكت الناس إلا هشاما فإنه قال: كذبت.
قال الأصمعي: كان حبيب الروم يقول في قصصه: اتقوا لقية من خنع فقنع، واقترف فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر فبادر، أفاد ذخيرة، وأطاب سريرة، وقدم مهاداً واستظهر ذاداً.
لما وصل عبد العزيز بن زرارة إلى معاوية قال: يا أمير المؤمنين: لم أزل استدل بالمعروف عليك، امتطي النهار عليك، فإذا الوى بي الليل فقبض البصر وعفى الأثر والاجتهاد يعذر وإذا بلغتك فقطني.
قال أعرابي خرجت حين انحدرت أيدي النجوم، وشالت أرجلها فما زلت أصدع الليل، حتى انصدع الفجر.
سئل أعرابي عن زوجته - وكان حديث عهد بعرس - كيف رأيت أهلك؟ فقال: أفنان أثلة، وجنى نخلة، ومس رملة، ورطب نخلة، وكأني كل يوم آئب من غيبة.
وصف آخر مرح فرس فقال: كأنه شيطان في أشطان. وقيل لآخر: كيف عدو فرسك؟ قال: يعدو ما وجد أرضاً.
وقال الآخر لأخيه ورأى حرصه على الطلب: يا أخي، أنت طالب ومطلوب، يطلبك من لا تفوته، وتطلب ما قد كفيته، فكأن ما غاب عنك قد كشف لك، وما أنت فيه قد نقلت عنه. يا أخي: كأنك لم تر حريصاً محروماً، ولا زاهداً مرزوقاً.
ذم أعرابي رجلاً فقال: أنت والله ممن إذا سأل ألحف، وإذا سئل سوف، وإذا حدث خلف، وإذا وعد أخلف، تنظر نظرة حسود، وتعرض إعراض حقود.
قال بعضهم، مضى سلف لنا اعتقدوا منناً، واتخذوا الأيادي عند إخوانهم ذخيرة لمن بعدهم، وكانوا يرون اصطناع المعروف عليهم فرضاً وإظهار البر والإكرام عندهم حقاً واجباً، ثم حال الزمان عن نشء آخر حدثوا، اتخذوا مننهم صناعة وأياديهم تجارة، وبرهم مرابحة، واصطناع المعروف بينهم مقارضة، كنقد السوق، خذ مني وهات.
افتتح بعضهم خطبة فقال: بحمد الله كبرت النعم السوابغ، والحجج البوالغ، بادروا بالعمل، بوادر الأجل، وكونوا من الله على وجل، فقد حذر وأنذر، وأمهل حتى كأن قد أهمل.

وفد هانئ بن قبيصة على يزيد بن معاوية فاحتجب عنه أياماً ثم إن يزيد ركب يوماً يتصيد، فتلقاه هانئ فقال: إن الخليفة ليس بالمحتجب المتخلي، المتنحي، ولا بالمتطرف المتنحي ولا الذي ينزل على العدوات والفلوات، ويخلو باللذات والشهوات، وقد وليت أمرنا، فأقم بين أظهرنا، وسهل إذننا واعمل بكتاب الله فينا، فإن كنت عجزت عما هاهنا، واخترت عليه غيره، فازدد علينا بيعتنا، نبايع من يعمل بذلك فينا ونقمه، ثم عليك بخلواتك، وصيدك وكلابك. قال: فغضب يزيد وقال: والله لولا أن أسن بالشام سنة العراق لأقمت أودك. ثم انصرف وما هاجه بشيء وإذن له ولم تتغير منزلته عنده، وترك كثيراً مما كان عليه.
كان العيالمي يقول: الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس ومن الذنب للمصر، ومن الحكم للقر، وهو عندهم أرفع من السماء، وأعذب من الماء، وأحلى من الشهد، وأذكى من الورد، خطؤه صواب، وسيئته حسنة، وقوله مقبول، يغشى مجلسه، ولا يمل حديثه قال: والمفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب، ومن رؤيا الكظة، ومن مرآة اللقوة ومن سحاب تموز، لا يسأل عنه إن غاب ولا يسلم عليه إن قدم، إن غاب شتموه، وإن حضر زبروه، وإن غضب صفعوه، مصافحته تنقض الوضوء، وقراءته تقطع الصلاة، أثقل من الأمانة، وأبغض من الملحف المبرم.
قال أعرابي: خرجت في ليلة حنلس قد ألقت أكارعها على الأرض فمحت صور الأبدان فما كنا نتعارف إلا بالأذان، فسرنا حتى أخذ الليل ينفض صبغه.
بعث النعمان جيشاً إلى الحارث بن أبي شمر فقال: من يعرف عدونا الذي أنقذنا إليه جيشنا؟ فقال بعض بني عجل: أنا قلت: فصفه قال: هو قطف نطف، صلف قصف، فقام الوديم وهو عمرو بن ضرار فقال: أبيت اللعن، أو طال العشوة، هو والله حليم النشوة، جواد الصحوة شديد السطوة. فقال: هكذا ينبغي أن يكون عدونا.
سئل أعرابي من عبس عن ولده، فقال: ابن قد كهل، وابن قد رفل، وابن قد عسل، وابن قد فسل، وابن قد مثل، وابن قد فصل.
قال الأصمعي: قيل لبني عبس: كيف صبرتم، وكيف كانت حالكم فيما كنتم فيه؟ قالوا طاحت والله الغرائب من النساء، فما بقي إلا بنات عم، وما بقي معنا من الإبل إلا الحمر الكلف، وما بقي من الخيل إلا الكميت الوقاح وطاح ما سوى ذلك من الأهلين والمال.
وذم أعرابي قوماً فقال: بيوت تدخل حبواً إلى غير نمارق، وشبارق فصح الألسنة برد السائل، جذم الأكف عن النائل.
قال الأصمعي: حججت فبينا أنا بالأبطح إذا شيخ في سحق عباء، صعل الرأس أثط أخزر أزرق، كأنما ينظر من فص زجاج أخضر، فسلمت فرد علي التحية، فقلت: ممن الشيخ؟ قال: من بني حمزة ابن بكر بن عبد مناف بن كنانة. قلت: فما الاسم؟ قال خميصة ابن قارب. ثم أعرابي أنت؟ قلت: نعم قال: من أية؟ قلت: من أهل بصرة قال: فإلى من تعتزي؟ قلت: قيس بن غيلان. قال: لأيهم؟ قلت: أحد بني يعصر، وأنا أقلب ألواحاً معي. قال: ما هذه الخشبات المقرونات قلت: اكتب فيهن ما أسمع من كلامكم. قال: وإنكم مختلون إلى ذلك. قلت: نعم، وأي خلة. ثم صمت ملياً ثم قال في وصف قومه: كانوا كالصخرة الصلادة تنبو عن صفحاتها المعاول ثم زحمها الدهر بمنكبه فصدعها صدع الزجاجة مالها من جابر فأصبحوا شذر مذر أيادي سبأ، ورب يوم والله عارم قد أحسنوا تأديبه، ودهر غاشم قد قوموا صعره، ومال صامت قد شتتوا تألفه، وخطة بؤس قد حسمها إحسانهم وحرب عبوس ضاحكتها أسنتهم، أما والله يا أخا قيس لقد كانت كهولهم جحاجح، وشبابهم مراجح ونائلهم مسفوح، وسائلهم ممنوح وجنانهم ربيع وجارهم منيع. فنهضت لأنصرف فأصر بمجامع ذيلي وقال: أجلس فقد أخبرتك عن قومي حتى أخبرك عن قومك فقلت في نفسي: إن الله يشيد في قيس والله وصمة تبقى على الدهر.
فقلت: حسبي، لا حاجة لي إلى ذكرك قومي قال: بلى هم والله هضبة ململمة العز أركانها والمجد أحضانها، تمكنت في الحسب العد تمكن الأصابع في اليد فقمت مسرعاً مخافة أن يفسد علي ما سمعت.
قال أعرابي لقومه وقد ضافوا بعض أصحاب السلطان: يا قوم لا أغركم من نشاب معهم في جعاب كأنها نيوب الفيلة وقسي كأنها العتل ينزع أحدهم حتى يتفرق شعر إبطه ثم يرسل نشابه كأنها رشاء منقطع فما بين أحدكم وبين أن يصدع قلبه منزلة! قال: فصاروا والله رعباً قبل اللقاء.

ذكر أعرابي امرأة فقال: رحم الله فلانة إن كانت لقريبة بقولها بعيدة بفعلها يكفها عن الخنى أسلافها، ويدعونا إلى الهوى كلامها كانت والله تقصر عليها العين ولا يخاف من أفعالها الشين.
وصف أبو العالية امرأة فقال جاء بها والله كأنها نطفة عذبة في شن خلق ينظر إليه الظمآن في الهاجرة.
وقال أبو عثمان رأيت عبداً أسود لبني أسيد قدم علينا من شق اليمامة فبعثوه ناطوراً وكان وحشياً يغرب في الإبل فلما رآني سكن إلي، فسمعته يقول: لعن الله بلاداً ليس بها عرب قاتل الله الشاعر. حيث يقول:
حر الثرى مستغرب التراب
إن هذه العريب في جميع الناس كمقدار القرحة في جلد الفرس فلولا أن الله رق عليهم فجعلهم في حشاه، لطمست هذه العجمان آثارهم أترى الأعيار إذا رأت العتاق لا ترى لها فضلاً، والله ما أمر نبيه بقتلهم إلا لضنه بهم و لا ترك قبول الجزية منهم إلا لتركها لهم.
قال حصن بن حذيفة: إياكم وصرعات البغي وفضحات المزاح.
وقف جبار بن سلمى على قبر عامر بن الطفيل فقال: كان والله لا يضل حتى يضل النجم ولا يعطش حتى يعطش البعير، ولا يهاب حتى يهاب السيل، وكان والله خير ما يكون حين لا تظن نفس بنفس خيراً.
قيل لشيخ: ما صنع بك الدهر فقال: فقدت المطعم وكان المنعم واجمت النساء وكن الشفاء فنومي سبات وسمعي خفات وعقلي تارات.
وسئل آخر فقال: ضعضع قناتي وأوهن شواتي وجرأ علي عداتي.
صعد أعرابي منبراً فلما رأى الناس يرمقونه صعب عليه الكلام فقال: رحم الله عبداً قصر من لفظه، ورشق الأرض بلحظه، ووعى القول بحفظه قدم وفد من العراق على سليمان بن عبد الملك فقام خطيبهم فقال: يا أمير المؤمنين، ما أتيناك رهبة ولا رغبة فقال سليمان: فلم جئت لا جاء الله بك. قال: نحن وفود الشكر أما الرغبة فقد وصلت إلينا في رحالنا، وأما الرهبة فقد أمناها بعدلك، ولقد حببت إلينا الحياة، وهونت علينا الموت. فأما تحبيبك الحياة إلينا فبما انتشر من عدلك وحسن سيرتك وأما تهوينك علينا الموت فلما نثق به من حسن ما تخلفنا به في أعقابنا الذين تخلفهم عليك. فاستحيى سليمان وأحسن جائزته.
ذكر أعرابي في ظلم وال وليهم فقال: ما ترك لنا فضة إلا فضها ولا دهباً إلا ذهب به، ولا غلة إلا غلها، ولا ضيعة إلا أضاعها ولا عقاراً إلا عقره، ولا علقاً إلا اعتلقه، ولا عرضاً إلا عرض له، ولا ماشية إلا امتشها، ولا جليلاً إلا جله، ولا دقيقاً إلا دقه.
قال عمر لعمرو بن معدي كرب: أخبرني عن قومك. فقال: نعم القوم قومي، عند الطعام المأكول، والسيف المسلول.
دخل خالد بن صفوان التميمي على السفاح وعنده أخواله من بني الحارث بن كعب فقال: ما تقول في أخوالي؟ قال: هم هامة الشرف وخرطوم الكرم، وغرس الجود إن فيهم لخصالاً ما اجتمعت في غيرهم من قومهم إنهم لأطولهم أمماً، وأكرمهم شيماً، وأطيبهم طعماً، وأوفاهم ذمماً وأبعدهم همماً، هم الجمرة في الحرب، والرفد في الجدب، والرأس في كل خطب، وغيرهم بمنزلة العجب. فقال له: وصفت أبا صفوان فأحسنت، فزاد أخواله في الفخر، فغضب أبو العباس لأعمامه فقال: أفخر يا خالد؟ فقال: أعلى أخوال أمير المؤمنين؟. قال: نعم، وأنت من أعمامه. فقال: وكيف أفاخر قوماً هم بين ناسج برد وسائس قرد، ودابغ جلد، وراكب عرد. دل عليهم الهدهد، وغرقتهم فأرة، وملكتهم امرأة؟ فأشرق وجه أبي العباس وضحك.
حدث أن صبرة بن شيمان الحراني دخل على معاوية، والوفود عنده فتكلموا فأكثروا فقال صبرة: يا أمير المؤمنين، إنا حي فعال، ولسنا بحي مقال ونحن بأدنى فعالنا عند أحسن مقالهم فقال: صدقت.
يروى أن معاوية قال لدغفل: ما تقول في بني عامر بن صعصعة؟ فقال: أعناق ظباء، وأعجاز نساء. قال: فما تقول في بني تميم؟ قال: حجر أخشن إن صادفته آذاك، وإن تركته أعفاك. قال: فما تقول في اليمن؟ قال: سيود أبوك.
قال الجاحظ: رأيت رجلاً من غنى يفاخر رجلاً من بني فزارة ثم أحد بني بدر بن عمرو، وكان الغنوي متمكناً من لسانه، وكان الفزاري بكياً. فقال الغنوي: ماؤنا بين الرقم إلى كذا، وهم جيراننا فيه، فنحن أقصر منهم رشاء، وأعذب منهم ماء، لنا ريف السهول ومعاقل الجبال، وأرضهم سبخة، ومياههم أملاح، وأرشيتهم طوال، والعرب من عز بز فبعزنا ما تخيرنا عليهم، وبذلهم ما رضوا عنا بالضيم.

ذكر حجل بن نضلة بين يدي النعمان معاوية بن شكل فقال: أبيت اللعن إنه لقعو الأليتين، مقبل النعلين، مشاء بأقراء، تباع إماء قتال ظباء. فقال النعمان: أردت أن تذيمه فمدهته.
لما ظفر المهلب بالخوارج وجه كعب بن معدان إلى الحجاج فسأله عن بني المهلب فقال: المغيرة فارسهم وسيدهم، وكفى بيزيد فارساً شجاعاً، وسخيهم قبيصة، ولا يستحي الشجاع أن يفر من مدرك، وعبد الملك سم ناقع، وحبيب موت ذعاف، ومحمد ليث غاب، وكفاك بالمفضل نجدة. قال: فكيف خلفت جماعة الناس؟ قال: خلفتهم بخير، قد أدركوا ما أملوا، وأمنوا ما خافوا قال: وكيف كان بنو المهلب فيهم؟ قال: كانوا حماة السرج نهاراً، فإذا اليلوا ففرسان البيات. قال: فأيهم كان أنجد؟ قال: كانوا كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفها. قال: فكيف كنتم أنتم وعدوكم؟ قال: كنا إذا أخذنا عفونا جدوا فيئسنا منهم، وإذا اجتهدوا واجتهدنا طمعنا فيهم. فقال الحجاج: إن العاقبة للمتقين. كيف أفلتكم قطري؟ قال: كدناه ببعض ما كادنا به فصرنا منه إلى التي نحب. قال: فهلا اتبعتموه؟ قال: كان الحد عندنا أثراً من الفل. قال: فكيف كان لكم المهلب وكنتم له؟ قال: كان لنا منه شفقة الوالد، وله منا بر الولد. قال فكيف اغتباط الناس؟ قال فشا فيهم الأمن وشملهم النفل. قال: أكنت أعددت هذا الجواب؟ قال: لا يعلم الغيب إلا الله عز وجل. فقال: هكذا والله يكون الرجال، المهلب كان أعلم بك حيث وجهك.
وقال عمر لمتمم بن نويرة: إنك لجزل، فأين كان أخوك منك؟ قال: كان والله يخرج في الليلة الصنبر يركب الجمل الثفال، ومجنب الفرس الحرور، وفي يده الرمح الخطي، وعليه الشملة الفلوت وهو بين المزادتين حتى يصبح، فيصبح متبسماً.
يروى أن خالد بن صفوان دخل على يزيد بن المهلب وهو يتغدى فقال: ادن، فكل. فقال: أصلح الله الأمير لقد أكلت أكلة لست ناسيها.
قال: وما أكلت؟ قال: أتيت ضيعتي لإبان الأغراس، وأوان العمارة فجلت فيها جولة حتى إذا صحرت الشمس، وأزمعت بالركود، ملت إلى غرفة لي هفافة، في حديقة قد فتحت أبوابها، ونضح بالماء جوانبها وفرشت أرضها بألوان الرياحين من بين ضيمران نافخ، وسمسق فائح، وأقحوان زاهر، وورد ناضر، ثم أتيت بخبز أرز كأنه قطع العقيق، وسمك جراني بيض البطون، زرق العيون، سود المتون، عراض السرر: غلاظ القصر، ودقة وخلول، ومرى وبقول، ثم أتيت برطب أصفر صاف غير أكدر لم تبتدله الأيدي، ولم تهتشمه كيل المكاييل، فأكلت هذا ثم هذا، قال يزيد: يا بن صفوان لألف جريب من كلامك، خير من ألف جريب مزروع.
علم المنصور ابنه صالحاً خطبة فقام بها في الناس في مجلسه فلم يشيع كلامه أحد خوفاً من المهدي، فبدأ شبة بن عقال المجاشعي من الصف فقال: والله ما رأيتك اليوم خطيباً أبل ريقاً ولا أنبض عروقاً ولا أثبت جناباً ولا أعذب لساناً، وقليل ذلك لمن كان أمير المؤمنين أباه والمهدي أخاه، هو كما قال الشاعر:
هو الجواد فإن يلحق بشاوهما ... على تكاليفه فمثله لحقا..
أو يسبقاه على ما كان من مهل ... فمثل ما قدما من صالح سبقا
فاستحسن كلامه وعلقه المنصور بيده.
ومن الأخبار القديمة أن لقمان بن عاد ولقيم ابنه أغارا فأصابا إبلاً، ثم انصرفا نحو أهلهما، فنحرا ناقة في منزل نزلاه. فقال لقمان: أتعشى أم أعشى لك؟ فقال لقيم أي ذلك شئت. قال لقمان: اذهب فارع إبلك وعشها حتى ترى النجم قمة رأس، وحتى ترى الجوزاء كأنها قطاً نوافر وحتى ترى الشعرى كأنها نار، فإلا تكن عشيت فقد آنيت. قال له لقيم: واطبخ أنت لحم جزورك فأز ماء واغله حتى ترى الكراديس كأنها رؤوس شيوخ صلع، وحتى ترى اللحم يدعو غطيفاً أو غنياً أو غطفان، فإن لم تكن أنضجت فقد آنيت.
ذكر عند عمر الزبيب والتمر أيهما أطيب، فقال رجل: الحبلة أفضل أم النخلة؟ فقال: الزبيب إن آكله أضرس وإن أتركه أغرث ليس كالصقر في رؤوس الرقل الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل تحفة الصائم، وتحفة الكبير وصمتة الصغير وتعلة الصبي ونزل مريم ابنة عمران، وينضج ولا يعنى طابخه وتحترش به الضباب من الصلعاء.

قال: وبعث رجل بنين له يرتادون في خصب فقال أحدهم: رأيت بقلاً وماء غيلاً، يسيل سيلاً، وخوصة تميل ميلاً، يحسبها الرائد ليلاً. وقال الثاني: رأيت ديمة على ديمة في عهاد غير قديمة، تشبع منها الناب قبل الفطيمة.
وقيل لبعضهم: ما وراءك؟ قال: التراب يابس، والأرض سراب، فالمال عائس عابس.
قال خالد للقعقاع: أنافرك على أينا أعظم للسجاح، وأطعن بالرماح. وأنزل بالبراح قال: لا بل عن أينا أفضل أباً وأماً وجداً وعماً، وقديماً وحديثاً. فقال خالد: أعطيت يوماً من سأل وأطعمت حولاً من أكل، وطعنت فارساً طعنة شككت فجذبه بجنب الفرس، فأخرج القعقاع نعلين وقال: ربع عليهما أبي أربعين مرباعاً لم يثكل فيهن تميمية ولداً.
ذكر متمم بن نويرة أخاه مالكاً فقال: كان يخرج في الليل الصنبرة، عليه الشملة الفلوت، بين المزادتين النضوحتين، على الجمل الثفال، معتقل الرمح الخطي فيصبح متبسماً.
وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عن الزبرقان فقال: مانع لحوزته، مطاع في أدنيه فقال الزبرقان أما أنه قد علم أكثر مما قال ولكنه حسدني شرفي. فقال عمرو أما لئن قال ما قال فوالله ما علمته إلا الضيق العطن، زمر المروءة، لئيم الخلق، حديث الغنى، فلما رأى أنه قد خالف قوله الأول ورأى النكار في عين رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله رضيت؟ فقلت: بأحسن ما علمت وغضبت، فقلت: بأقبح ما علمت.
كانت خطبة النكاح لقريش في الجاهلية: باسمك اللهم ذكرت فلانة، وفلان بها شغوف لك ما سألت، ولنا ما أعطيت.
دخل الهذيل بن زفر على يزيد بن المهلب في حمالات لزمته، ونوائب نابته. فقال له: أصلحك الله قد عظم شأنك عن أن يستعان بك، ويستعان عليك، ولست تصنع شيئاً من المعروف وإن عظم إلا وأنت أعظم منه، وليس العجب أن تفعل وإنما العجب ألا تفعل. فقال يزيد: حاجتك؟ فذكرها، فأمر له بها وبمائة ألف درهم فقال: أما الحمالات فقد قبلتها، وأما المال فليس هذا موضعه.
وسأل عمر رضي الله عنه عمرو بن معدي كرب عن سعد فقال: خير أمير، نبطي في حبوته، عربي في نمرته أسد في تامورته يعدل في القضية، ويقسم بالسوية، ينقل إلينا حقنا، كما تنقل الذرة. فقال عمر: لسر ما تقارضتما الثناء.
قيل لواحد من العرب: أين شبابك؟ فقال: من طال أمده وكثر ولده، ودف عدده، وذهب جلده، ذهب شبابه.
وقال رجل من بني أسد: مات لرجل منا ابن، فاشتد جزعه عليه، فقام إليه شيخ منا فقال: اصبر أبا مهدية فإنه فرط أفترطته، وخير قدمته، وذخر أحرزته فقال مجيباً له، بل ولد ودفنته، وثكل تعجلته، وغيب وعدته، والله لئن لم أجزع من النقص، لم أفرح بالمزيد.
قال ابن أقيصر: خير الخيل الذي إذا استدبرته حنأ، وإذا استقللته أقعى، وإذا استعرضته استوى، وإذا مشى ردى، وإذا عدا دحا. ونظر إلى خيل عبد الرحمن ابن أم الحكم، فأشار إلى فرس منها فقال: تجيء هذه سابقة، قالوا: وكيف ذاك؟ قال: رأيتها مشت فكتفت،وخبت فوجفت وعدت فنسفت فجاءت سابقة.
قال الحجاج لرجل من الأزد: كيف علمك بالزرع؟ قال: إني لا أعلم من ذلك علماً. قال: فأي شيء خيره؟ قال: ماغلظ قصبته وأعتم نبته وعظمت حبته. قال: فأي العنب خير؟ قال: ما غلظ عموده، واخضر عوده، وعظم عنقوده. قال: فما خير التمر؟ قال: ما غلظ لحاه ودق نواه ورق سحاه.
وتكلم أهل التمر وأهل الزبيب عند عمر فقال: أرسلوا إلى أبي حثمة الأنصاري فسألوه فقال: ليس كالصقر في رؤوس الرقل الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، تعلة الصبي، ينضج ولا يعنى طابخه به، يحترش به الضب من الصلعاء، ليس كالزبيب الذي إن أكلته ضرست، وإن تركته غرثت.
وقال أبو العباس لخالد بن صفوان: يا خالد إن الناس قد أكثروا في النساء، فأي النساء أحب إليك؟ قال يا أمير المؤمنين، أحبها ليست بالضرع الصغيرة، ولا بالفانية الكبيرة وحسبي من جمالها أن تكون فخمة من بعيد، مليحة من قريب، أعلاها قضيب. وأسفلها كثيب، غذيت في النعيم، وأصابتها فاقة فأدبها النعيم، وأذلها الفقر، لم تفتك فتمجن، الهلوك على زوجها، الحصان من جارها، إذا خلونا كنا أهل دنيا، وإذا افترقنا كنا أهل آخرة.
قال عمارة بن عقيل: أصابتنا سنون ثلاث لم نحتلب فيهن رئلاً، ولم نلقح نسلاً، ولم نزرع بقلاً.

تكلم الوفود عند عبد الملوك حتى بلغ الكلام إلى خطيب الأزد فقام فقبض على قائم سيفه ثم قال: قد علمت العرب أنا حي فعال، ولسنا بحي مقال، وأنا نجزى بفعلنا عند أحسن قولهم، ونعمل السيف. فمن مال قوم السيف أوده. ومن نطق الحق أرده. ثم جلس. فحفظت خطبته دون كل خطبة.
قال الأصمعي: بلغني عن بعض العرب فصاحة فأتيته لأسمع من كلامه فصادفته يخضب فلما رآني قال: إن الخضاب لمن مقدمات الضعف، ولئن كنت قد ضعفت فطالما مشيت أمام الجيوش وعدوت على صيد الوحوش ولهوت بالنساء، واختلت في الرداء، وأرويت السيف، وقريت الضيف، وأبيت العار، وحميت الجار، وغلبت القروم، وعاركت الخصوم، وشربت الراح، ونادمت الجحجاج، فاليوم قد حناني الكبر، وضعف البصر، وجاءني بعد الصفاء الكدر.
قال: سمعت أعرابياً يعاتب أخاه ويقول: أما والله لرب يوم كتنور الطهاة رقاص بالحمامة، قد رميت بنفسي في أجيج سمومه أتحمل منه ما أكره لما نحب.
قال روح بن زنباع لمعاوية: نشدتك الله يا أمير المؤمنين أن تحط مني شرفاً أنت رفعته، أو أن تهدم مني بيتاً أنت شيدته، وأن تشمت بي عدواً أنت قمعته.
ذكر عمرو بن معد يكرب بني سليم فقال: بارك الله على حي بني سليم ما أصدق في الهيجاء لقاؤها، وأثبت في النوازل بلاؤها، وأجزل في النائبات عطاؤها، والله لقد قاتلتهم فما أجبنتهم، وهاجيتهم فما أفحمتهم وسألتهم فما أبخلتهم.
جرى بين الخوات وبين جبير والعباس بن مرداس كلام فقال خوات: أما والله لقد تعرضت لشبابي، وشبا أنيابي، وحسن جوابي، لتكرهن غيابي. فقال عباس: أنت والله يا خوات لئن استقبلت لعني وفني، وذكا سني، لتنفرن مني. أإياي توعد يا خوات، يا مأوى السوآت والله لقد استقبلك اللؤم فودعك، واستدرك فكسعك، وعلاك فوضعك، فما أنت بمهجوم عليك من ناحية إلا عن فصل أو إياي ثكلتك أمك تروم وعلي تقوم، والله ما ميطت سوأتك بعد ولا ظهرت منها. فقال عمر: أيها عنكما، إما أن تسكتا، وإما أن أوجعكما ضرباً. فصمتا وكفا.
كان الربيع بن ضبع من المعمرين ودخل على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك: وأبيك يا ربيع لقد طلبك جد غير عاثر ثم قال: فصل لي عمرك قال: عشت مائتي سنة في الفترة من عيسى بن مريم وعشرين ومائة في الجاهلية وستين في الإسلام فقال: أخبرني من فتية من قريش المتواطئ الأسماء. قال: سل عن أيهم شئت. قال: أخبرني عن عبد الله بن عباس قال: فهم وعلم وعطاء، خدم ومقرىء ضخم. قال: فأخبرني عن عبد الله بن عمر قال: حلم وعلم وطول كظم، وبعد عن الظلم.
قال: فأخبرني عن عبد الله بن جعفر قال: ريحانة طيب ريحها، لين مسها، قليل عن المسلمين ضرها. قال: فأخبرني عن عبد الله بن الزبير. قال: جبل وعر، تنحدر منه على الصخر. قال: لله درك يا ربيع ما أخبرك بهم؟ قال: يا أمير المؤمنين قرب جواري، وكثر استخباري.
كان كعب بن لؤي يقوم في الناس أيا م الحج فيقول: أيها الناس اسمعوا وأنصتوا واعلموا وتعلموا، ليل ساج، ونهار ضاح والأرض مهاد، والجبال أوتاد والنجوم أعلام، والأنثى والذكر زوج،روالآخرين كالأولين، وإلف يلي كل ما يهيج، هل رأيتم ظاعناً رجع الدار أمامكم؟ والظن غير ما تقولون، صلوا أرحامكم، واحفظوا أظهاركم، وثمروا أموالكم. حرمكم زينوه وعظموه، تمسكوا به، فسيأتي له نبأ ويبعث به نبي.
كان قابوس بن منذر ملكاً مترفاً قليل الغزو، كثير اللهو وكان له سمار، وكان يحبه أن يعري بين أصحابه ليتسابوا، فاجتمع في مجلسه أربعة من رجال العرب منهم الحصين بن ضرار الضبي، وأحمير بن بهدلة السعدي، وضمرة بن جابر النهشلي وعمارة وابن رشد العبسي فقال قابوس: يا حصين إن هذا وأشار إلى ضمرة يزعم أنك غانم الفرى صيك الذر، إنزال بالغموض، رعاء بالرفوض. فقال: أيها الملك إن زعم ذلك فإنه خبيث الزاد، لاصق الرماد، قصير العماد تباع للأذواد فقال ضمرة: والله أيها الملك إنه لوعاء خطائط، وزاد مطائط.
ولاج موارط، غير صميم لأواسط، ثم أقبل على أحيمر فقال: إن هذا وأشار إلى عمارة يزعم إنك بقاق في النزى، كل على القوى، مذموم الشيم محجل البرم.

فقال: أبيت اللعن أما إنه إن زعم ذلك فإنه لمناع للموجود سآل عن المفقود، بكاء على المعهود، فناؤه واسع، وضيفه جائع، وشره شائع، وسره ذائع. فقال عمارة. هو والله أيها الملك ذري المنظر سيء المخبر، لئيم المكسر يهلع إذا أعسر، ويبخل إذا أيسر، ويكذب إذا أخبر. إن عاهد غدر وإن أؤتمن ختر، وإن قال أهجر، وإن وعد أخلف، وإن سأل ألحف، يرى البخل حزماً، والسفاه حلما، والمرزئة كلما، فقال: قدك ألهمته.
قال رائد مرة تركت الأرض مخضرة كأنها حولا بها قصيصة رقطاء، وعرفجة خاضبة، وعوسج كأنه النعام من سواده.
وقال آخر في صفة ناقة إذا اكحالت عينها وأللت أذنها وسجح خذها وهدل مشفرها واستدارت جمجمتها فهي كريمة.
الباب الثاني
فقر وحكم للأعرابذكروا أن قوماً أضلوا الطريق، فاستأجروا أعرابياً يدلهم على الطريق، فقال: إني والله ما أخرج معكم حتى أشرط لكم وعليكم. قالوا: فهات مالك. قال: يدي مع أيديكم في الحار والقار. ولي موضع في النار موسع علي فيها، وذكر والدي محرم عليكم. قالوا: فهذا لك، فما لنا عليك إن أذنبت؟ قال: إعراضة لا تؤدي إلى عتب، وهجرة لا تمنع من مجامعة السفرة. قالوا: فإن لم تعتب؟ قال: حذفة بالعصا أصابت أم أخطأت.
كان الرشيد معجباً بخط إسماعيل بن صبح فقال لأعرابي حضره: صف إسماعيل. فقال: ما رأيت أطيش من قلمه، ولا أثبت من حلمه.
مدح أعرابي رجلاً برقة اللسان فقال: كان والله لسانه أرق من ورقة، وألين من سرقة.
وقال آخر: أتيناه فأخرج لسانه كأنه مخراق لاعب.
نظر عمر بن الخطاب إلى نهشل بن قطن وكان ملتفاً في بت في ناحية المسجد، وزاده آهبة وقلة. وعرف تقديم العرب له في الحكم والعلم فأحب أن يكشفه ويسبر ما عنده فقال: أرأيت لو تنافرا إليك اليوم لأيهما كنت تنفر، يعني علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل.
قال: يا أمير المؤمنين لو قلت فيهما كلمة لأعدتها جدعة قال عمر: لهذا العقل تحاكمت إليك العرب.
قال عامر بن الظرب: الرأي نائم، والهوى يقظان فمن هناك يغلب الهوى الداني.
قال أعرابي لهشام بن عبد الملك بن مروان: أتت علينا أعوام ثلاث، فعام أكل الشحم، وعام أكل اللحم، وعام أنتقي العظم، وعندكم فضول أموال، فإن كانت لله فأقسموها بين عباد الله، ولو كانت لكم فتصدقوا، إن الله يجزي المتصدقين. قال: هل من حاجة غير ذلك؟ قال: ما ضربت إليك أكباد الإبل، ادرع الهجير، وأخوض الدجى لخاص دون عام.
قيل لأعرابي: مالك لا تضع العمامة عن رأسك؟ قال: إن شيئاً فيه السمع والبصر لحقيق بالصون.
كان هشام يسير ومعه أعرابي إذا انتهى إلى ميل عليه كتاب، فقال للأعرابي أنظر أي ميل هذا؟ فنظر ثم رجع. فقال: عليه محجن، وحلقة، وثلاثة كأطباء الكلبة ورأس كأنه منقار قطاة فعرفه هشام بصورة الهجاء ولم يعرفه الأعرابي، وكان عليه خمسة.
قال الهيثم بن عدي: يمين لا يحلف بها الأعرابي أبداً أن يقول له: لا أورد الله لك صادراً، ولا أصدر لك وارداً، ولا حططت رحلك، ولا خلعت نعلك.
خرج عثمان من داره فرأى أعرابياً في شمله. فقال: يا أعرابي أين ربك؟ قال: بالمرصاد. وكان الأعرابي عامر بن عبد قيس وكان ابن عامر سيره إليه.
سأل الحجاج أعرابياً عن أخيه محمد بن يوسف فقال: كيف تركته؟ قال: عظيماً سينماً قال ليس عن هذا أسألك قال تركته ظلوماًغشوماً قال: أما علمت أنه أخي؟ قال: أتراه بك أعز مني بالله.
قيل لشيخ من الأعراب: قمت مقاماً ما خفنا عليك منه؟ قال: الموت أخاذ شيخ كبير، ورب غفور لا دين، ولا بنات.
وقال آخر لبعض السلاطين: أسألك بالذي أنت بين يديه، أدل مني بين يديك، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي، ألا نظرت في أمري نظر من ير براءتي، أحب إليه من سقمي.
قال إسحاق المدني: جلس إلى أعرابي فقال: إني أحب المعرفة، وأجلك عن المسألة.

حبس مروان بن الحكم رجلاً من بني عبس فأتاه بشيخ منه فكلمه فيه فأبى أن يطلقه. فقال: أما والله لئن كنت حبسته، لقد كان تقياً، ذا مروءة. قال: وما المروءة فيكم يا أخا بني عبس؟ قال: صدق الحديث وصلة الرحم، وإصلاح المال. فأعجب مروان وكان إذا أعجب الشيء دعا له ابنيه عبد الملك وعبد العزيز ليسمعاه، قال: فدعاهما ثم استعاده، فأعاد الشيخ القول، وحضر طعام مروان فدعاه إلى طعامه فلم يجبه، فدعا ابنا له كان معه فأجاب. قال مروان لشيخ. ابنك خير منك يا أخا بني عبس، دعوناك إلى طعامنا فلم تجب، ودعوناه فأجاب فقال العبسي: ما أحسبه ضر أباه إن كنت خيراً منه. فضحك مروان حتى استلقى وأطلق له صاحبه.
قال عبد الملك بن مروان لرجل من العرب: كيف علمك بالكواكب؟ قال: لو لم أعرف منها غير النجم لكفاني، - يريد نجم الثريا - فقال له: وكيف ذاك؟ قال: إذا طلعت من المشرق حصدت زرعي، وإذا توسطت السماء جردت نخلي، وإذا سقطت في الغرب دفنت بذري، هذا تدبير معيشتي. فقال عبد الملك: حسبك بها علماً.
قال هشام لأعرابي: كيف أفلت من فلان عامل له؟ قال: ببراءته وعدله.
وقال آخر: نعم أخو الشريف درهمه، يغنيه عن اللئام، ويتجمل به في الكرام.
دخل أعرابي على بعض الولاة فقال: ممن الرجل؟ فقال: من قوم إذا أحبوا ماتوا. قال: عذري ورب الكعبة.
تقول العرب:
طلع النجم غديه ... فابتغى الراعي شكيه
طلع النجم عشاء ... فابتغى الراعي كساء
يريدون الثريا، ويقولون في الهلال: ابن ليلة عتمه سخيله حل أهلها برميلة. ابن ليلتين، حديث أمتين، بكذب ومين ابن ثلاث، حديث فتيات غير جد مؤتلفات. ابن أربع عتمة ربع، غير جائع ولا مرضع. ابن خمس عشاء خلفات قعس. ابن ست سر وبت. ابن سبع، دلجة الضبع. ابن ثمان، قمر إضحيان، ابن تسع، ملتقط منه الجزع، ابن عشر يؤديك إلى الفجر.
قال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي. قيل: وكيف؟ قال: لا أفعل شيئاً حتى أشاورهم.
قال أعرابي: ورأى إبل رجل كثرت بعد قلة، فقيل له أنه قد زوج أمه فجاءته بمال. فقال: اللهم إنا نعوذ بك من بعض الرزق.
سأل أعرابي رجلاً حاجة فمنعه فقال: الحمد لله الذي أفقرني من معروفك ولم يعنك عن شكري.
قال أعرابي لابنه وتكلم فأساء: اسكت يا بني، فإن الصمت صون اللسان وستر العي.
قال آخر: ابذل لصديقك كل مودة، ولا تبذل له كل طمأنينة واعطه من نفسك كل مواساة، ولا تفض إليه بكل الأسرار.
اجتمع قوم بباب الأوزاعي يتذاكرون، وأعرابي من كلب ساكت، قال له رجل: بحق ما سميتم خرس العرب. فقال: يا هذا أما سمعت أن لسان الرجل لغيره وسمعه له.
وشتم رجل أعرابياً فلم يجبه فقيل له في ذلك فقال: أنا لا أدخل في حرب الغالب فيها شر من المغلوب.
قال أعرابي: أكثر الناس بالقول مدل وبالفعل مقل..
وقال آخر: رب بعيد لا يفقد بره، ورب قريب لا يؤمن شره.
وقال آخر: أبين العجز: قلة الحيلة، وملازمة الحليلة.
وقال آخر: ألم أكن نهيتك أن تريق ماء وجهك بمسألتك من لا ماء في وجهه؟!.
وصف آخر عبد الله بن جعفر فقال: كان إذا افتقر نفسه وإذا استغنى لم يستغن وحده.
وقال آخر: أحسن الأحوال حال يغبطك بها من دونك، ولا يحقرك بها من فوقك.
وصف آخر رجلاً: إن أتيته احتجب، وإن غبت عنه عتب وإن عاتبته غضب.
وقال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: أعجز الناس من قصر في طلب الأخوان، وأعجز منه من ظفر به منهم، ثم ضيعهم.
وقال آخر: لو عاونني الحال ما استبطأتك إلا بالصبر ولا استزدتك إلا بالشكر.
وقال آخر: إن يسير مال أتاني عفواً لم أبذل فيه وجهاً، ولم أبسط إليه كفاً، ولم أغضض له طرفاً، أحب إلي من كثير مال أتاني بالكد، واستفراغ الجهد.
وقال آخر: لا تصغر أمر من حاربت أو عاديت فإنك إن ظفرت لم تحمد وإن عجزت لم تعذر.
هنأ بعضهم فتى أراد البناء على أهله فقال: بالبركة وشدة الحركة والظفر في المعركة.
قال أعرابي وقد نظر إلى دينار: قاتلك الله ما أصغر قيمتك، وأكبر همتك.
وقال آخر: اجمعوا الدراهم فإنها تلبس اليلمق: وتطعم الجردق.
قال أبو عمرو بن العلاء: دفعت إلى ناحية فيها نفير من الأعراب فرأيتها مجدبة فقلت لبعضهم ما بلدكم هذا؟ فقال: لا ضرع ولا زرع.

قلت: فكيف تعيشون؟ قال: نحترش الضباب، ونصيد الدواب فنأكلها، قلت: كيف صبركم عليه؟ فقال: يا هناه! نسأل خالق الأرض.
هل سويت؟ فيقول: بل رضيت.
قال أعرابي: هو أمزح من المطل الواجد والظمآن الوارد، والعقيم الوالد.
قال أعرابي: العزيز منوع، والذليل قنوع، والواجد متحير. وقال آخر: عليك بالأدب فإنه يرفع العبد الملوك حتى يجلسه في مجالس الملوك.
قيل لبعضهم: ما بال فلان يتنقصك؟ قال: لأنه شقيقي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة.
وقال آخر: عباد الله، الحذر، الحذر، فوالله لقد ستر كأنه غفر.
وشكا أعرابي ركود الهواء فقال: ركد حتى كأنه أذن تسمع.
وقال آخر: كل مقدور عليه مختور أو مملوك.
لقي رجل أعرابياً لم يكن يعرفه قال له: كيف كنت بعدي؟ فقال له الأعرابي: وما بعد مالا قبل له.
قيل لأعرابي: أعطى الخليفة فلاناً مائة ألف. قال: بل أعطاه إياه الذي لو شاء لأعطاه مكانه عقلاً.
قيل لأعرابي له أمة يقال لها زهرة: أيسرك أنك الخليفة وأن زهرة ماتت؟ قال: لا والله! قيل: ولم؟ قال: تذهب الأمة، وتضيع الأمة.
أتى الحجاج بأعرابي في أمر احتاج إلى مسألته عنه، فقال له الحجاج: قل الحق وإلا قتلتك.
فقال له: اعمل أنت به فإن الذي أمر بذلك أقدر عليك منك علي. فقال الحجاج: صدق، فخلوه.
مدح أعرابي قوماً فقال: يقتحمون الحرب حتى كأنما يلقونها بنفوس أعدائهم.
قال أعرابي في حكم جليس الملوك: أن يكون حافظاً للسمر، صابراً على السهر.
وقال بعضهم: قلت لأعرابي: كيف رأيت الدهر؟ فقال: وهوبا لما سلب، سلوبا لما وهب، كالصبي إذا لعب.
وقال أعرابي: لا يقوم عن الغضب بذل الاعتذار.
ووصف آخر رجلاً فقال: ذاك ممن ينفع سلمه، ويتواصف حلمه، ولا يستمرا ظلمه.
وقال آخر: فلان حتف الأقران غداة النزال، وربيع الضيفان عشية النزول.
وقال آخر: لكل كاس حاس، ولكل عار كاس.
وقال آخر: لا أمس ليومه، ولا قديم لقومه.
وقال آخر: فلان أفصح خلق الله كلاماً، إذا حدث، وأحسنهم استماعاً إذا حدث، وأمسكهم عن الملاحاة إذا خولف، يعطي صديقه النافلة ولا يسأله الفريضة، له نفس عن العوراء محصورة وعلى المعالي مقصورة، كالذهب الإبريز الذي يعز في كل أوان والشمس المنيرة التي لا تخفى بكل مكان، هو النجم المضيء للجيران، والبارد العذب للعطشان.
وقال آخر: فلان ليث إذا عدا، وغيث إذا غدا، وبدر إذا بدا، ونجم إذا هدى، وسم إذا أردى.
وقال آخر: الفقير في الأهل مصروم، والغني في الغربة موصول.
وقال آخر: الاغتراب يرد الجدة ويكسب الجدة.
وقال آخر: أعظم لخطرك، الآ ترى عدوك أنه لك عدو.
قيل لأعرابي: كيف أبنك؟ فقال: عذاب رعف به الدهر، فليتني قد أودعته القبر، فلأنه بلاء لا يقاومه الصبر، وفائدة لا يجب فيها الشكر.
قال أعرابي: لا تضع سرك عند من لا سر له عندك.
وقال آخر: من سعى رعى، ومن لزم المنام رأى الأحلام.
قال أعرابي لرجل: ويحك! إن فلاناً وإن ضحك إليك فإن قلبه يضحك منك، ولئن أظهر الشفقة عليك، فإن عقاربه لتسري إليك فإن لم تتخذه عدواً في علانيتك، فلا تجعله صديقاً في سريرتك.
وحذر آخر رجلاً فقال: احذر فلاناً فإنه كثير المسألة حسن البحث، لطيف الاستدراج، يحفظ أول كلامك على آخره ويعتبر ما أخرت بما قدمت فباثه مباثة الأرض، وتحفظ منه تحفظ الخائف واعلم أن من يقظة المرء إظهار الغفلة مع الحذر.
قال أعرابي: حاجيتك: ما ذو ثلاث آذان تسبق الخيل بالرديان؟ يعني: سهماً.
ومدح أعرابي نفسه فقيل له: أتمدح نفسك؟ قال: أفآكلها إلى غيري.
وقال آخر: أفآكلها إلى عدو يذمني.
وقال آخر: الخيل تجري في المروج على أعراقها، وفي الحلبة على جدود أربابها، وفي الطلب على إقبال فرسانها وفي الهزيمة على آجالهم.
وقال آخر: حق الجليس إذا دنا أن يرحب به، وإذا جلس أن يوسع له، وإذا حدث أن يقبل عليه.
وقال آخر: هلاك الولي في صاحب يحسن القول ولا يحسن العمل.
وقال أعرابي في الثناء على الرشيد عام حج، قد أصبح المختلفون مجتمعين على تقريظك ومدحك، حتى أن العدو يقول اضطراراً ما يقوله الولي اختياراً، والبعيد يثق من إنعامك عاماً، بما يثق به القريب خاصاً.
وقال آخر للحسن بن سهل: قد أصبحت للخاصة عدة، وللعامة عصمة، وللإمام ثقة، وللغني جمالاً، وللفقير ثمالاً.

ومن كلامهم: اندب إلى طعامك من تدعوه إلى جفانك.
ومنه: الحيلة لعطف المتجني، أعسر من نيل المتمني.
ومنه: العقل وزير ناصح، والهوى وكيل فاضح.
وقال آخر لصاحب له: لا تقل فيما لا تعلم، فتتهم فيما تعلم.
وقال آخر: نبو النظر عنوان الشر، وقال آخر: استشر عدوك العاقل، ولا تستشر صديقك الأحمق، فإن العاقل ينفي على رأيه الزلل، كما يتقي الورع على دينه الحرج.
ومن كلامهم: الحسود لايسود. ومنه: الواقية خير من الراقية.
وقال بعضهم: لم تجتمع ضعفاً إلا قووا حتى يمتعوا، ولم يتفرقوا قويا إلا ضعفوا حتى يخضعوا.
قال أعرابي: العبوس بؤس، والبشر بشرى، والحاجة تفتق الحيلة والحيلة تشحذ الطبيعة.
وقال آخر: مجالسة الأحمق خطر، والقيام عنه ظفر.
قال الأصمعي: جلس إلى أعرابي تقتحمه العين يحمي دربه. والله ما ظننته يجمع بين كلمتين فاستنطقته، فإذا نار تأجج فقلت: أتحسن شيئاً من الحكمة تفيد منه؟ قال: نعم، الرجوع عن الصمت أحسن من الرجوع عن الكلام، والعطية بعد المنع، أجمل من المنع بعد العطية، والإقدام على العمل بعد التأني فيه، أحسن من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه.
قال فعظم في عيني حتى ملأ عيني وقلبي هيبة.
قال أعرابي: العذر الجميل أحسن من المطل الطويل، فإذا أردت الإنعام فانجح، فإن تعذرت الحاجة فأفصح.
قيل لأعرابي: ما وقوفك ها هنا؟ فقال: وقفت مع أخ لي يقول بلا علم، ويأخذ بلا شكر، ويرد بلا حشمة.
قال أعرابي لآخر: لا كل لسانك عن البيان، ولا أسكتك الزجر والهوان.
وقال آخر لرجل: حاجتي إليك حاجة الضال إلى المرشد، والمضل إلى المنشد.
وقال آخر: بالفحول تدرك الذحول.
وقال آخر: أنا أستنجدك إذا كنت مضافاً، وأسترفدك إذا كنت مضيفاً.
قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحتسب على الله الحسنة، ولا أحتسب على نفسي السيئة.
وقال آخر وقد قيل له: أيسرك أنك أحمق وأن لك مائة ألف درهم؟ قال: لا. قيل: ولم؟ قال: لأن حمقة واحدة تأتي على مائة ألف، وألفي بعدها أحمق.
قال آخر: من جاد بماله فقد جاد بنفسه، إلا يكن جاد بها فقد جاد بقوامها.
وقال آخر: من هذل جواده في الرخاء، قام به في الشدة.
ذكر رجل عند أعرابي بشدة العبادة فقال: هذا والله رجل سوء يظن أن الله لا يرحمه حتى يعذب هذا التعذيب.
قال رجل لشيخ بدوي: تمرنا أجود من تمركم. فقال: تمرنا جرد فطس، عراض كأنها ألسن الطير، تمضغ التمرة في شدقك فتجد حلاوتها في عقبك.
قال أعرابي: سألت فلانا حاجة أقل من قيمته، فردني رداً أقبح من خلقته.
وقال: مواقعة الرجل أهله من غير عبث من الجفاء.
قيل لأعرابي: ما تصنع بالبادية إذا اشتد القيظ وحمي الوطيس.
فقال: يمشي أحدنا ميلاً، حتى يرفض عرقاً ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، فكأنه في إيوان كسرى.
قال بعضهم: رأيت أعرابياً يصلي ويسيء الصلاة فقال له رجل: يا أعرابي، أحسن صلاتك. فقال: إن المطالب بها كريم.
عاب أعرابي قوماً فقال: هم أقل الناس ذنوباً إلى أعدائهم، وأكثرهم تجرماً على أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء.
وصف بعض الأعراب النساء فقال: عليك منهن بالجاليات العيون، الآخذات بالقلوب، بارع الجمال، وعظم الأكفال، وسعة الصدور ولين البشرة ورقة الأنامل وسبوطة القصب، وجزالة الأسوق، وجثولة الفروع، ونجالة العيون، وسهولة الخدود، وامتداد القوام، ورخامة المنطق، وحسن الثغور، وصغر الأفواه وصفاء الألوان.
وصف أعرابي امرأة: هي خالية إلا من ألا وليت.
قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ فقال: أجحد المخبر، وأحلف للمستخبر.
قيل لآخر: بماذا تغلب الناس؟ قال: أبهت بالكذب، وأستشهد بالموتى.
قال الأصمعي: سألت أعرابياً عن الدنيا فقال: إن الآمال قطعت أعناق الرجال، كالسراب، غر من رآه، وأخلف من رجاه، ومن كان الليل والنهار مطيته، أسرعا السير به والبلوغ. ثم أنشد يقول:
المرء يدفع بالأيام يدفعها ... وكل يوم مضى يدني من الأجل
ذكر أعرابي رجلاً بقلة الحياء فقال: لو دقت بوجهه الحجارة لرضها ولو خلا بالكعبة لسرقها.
قيل لأعرابي: بم سدت قومك؟ قال: بحسب لا يطعن عليه، ورأي لا يستغنى عنه.

قيل لآخر: بم تعرفون السؤدد في الغلام؟ قال: إذا كان سابل الغرة، طويل الغرلة، ملتاث الأزرة، وكانت فيه لوثة، فلسنا نشك في السؤدد.
وقال آخر لسنان بن سلمة الهذلي: ما أنت بأرسخ فتكون فارساً، ولا بعظيم الرأس فتكون سيداً.
وقال بعضهم: نحن لا نسود إلا من موطننا رحله، ولفرسنا عرضه ويملكنا ماله.
سأل أعرابي عن رجل فقال: أحمق مرزوق. فقال: والله ذاك الرجل الكامل.
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: تمرنا جرد فطس، يغيب فيها الضرس عراض كأنها ألسن الطير تضع التمرة في فيك فتجد حلاوتها في كعبك.
قال أعرابي لأخيه: إن لم يكن مالك لك، كنت أنت له، فإن لم تفنه، أفناك، فكله قبل أن يأكلك.
وحلف آخر فقال: لا والذي شقهن خمساً من واحد، وأشار إلى كفه، شق الرجال للخيل، والجبال للسيل.
وقال آخر في رجل: صغره في عيني، كبر الدنيا في عينه.
قيل لأعرابي: كيف حزنك على ولدك؟ قال: ما ترك لنا حب الغداء والعشاء حزناً.
قيل لرجل منهم كان يجمع بين ضرائر: كيف تقدر على جمعهن قال: كان لنا شباب يظأرهن علينا، ومال يصيرهن لنا، ثم قد بقي لنا خلق حسن، فنحن نتعايش به.
قال أعرابي: ما تم عقل أحد، إلا قل كلامه.
وقال أعرابي: إن فلاناً ليكنس على أعراض النيل من غيظه.
وقال آخر: مع الشعاب التحاب، والافراط في الزيارة ممل، والتفريط فيها مخل.
قدم أعرابي على السلطان ومعه كتاب قد كتب فيه قصته، فجعل يقول: هاؤم اقرءوا كتابيه. فقيل له: هذا يقال يوم القيامة.
قال: هذا والله شر من يوم القيامة، إنه يؤتى يوم القيامة بحسناتي وسيئاتي، وأنتم جئتم بسيئاتي، وتركتم حسناتي.
قال أبو العيناء: قلت لأعرابي: إن الله محاسبك فقال: سررتني فإن الكريم إذا حاسب تفضل.
وقال معاوية لأعرابي: ما العيش؟ قال: ركوب الهوى وترك الحيا.
قيل لأعرابي وقد عمر مائة وعشرين سنة: ما أطول عمرك؟ قال: تركت الحسد فبقيت.
حلف أعرابي بالمشي إلى بيت الله ألا يكلم ابنه فحضرته الوفاة فقيل له: كلمه قبل أن تفارق الدنيا. قال: والله ما كنت قط أعجز عن المشي إلى بيت الله منى الساعة.
قال عبد الملك لأعرابي: تمن. قال: العافية. قال: ثم ماذا؟ قال: رزق في دعة. قال: ثم ماذا؟ قال الخمول، فإني رأيت الشر إلى ذوي النباهة أسرع.
قيل لأعرابي من بني يربوع: مالكم على مثال واحد؟ قال: لأنا من بني فحل واحد.
ذم أعرابي رجلاً فقال: عليه كل يوم قسامة من فعله تشهد عليه بفسقه وشهادات الأفعال، أعدل من شهادات الرجال.
وذكر آخر رجلاً بالعي فقال: رأيت عورات الناس بين أرجلهم وعورة فلان بين فكيه.
وقال آخر لرجل دفعه: لتجدني ذا منكب مزحم، وركن مدعم، ورأس مصدم، ولسان مرجم ووطء ميثم.
قال الأصمعي: نظر أعرابي إلى الهلال فقال: لا مرحبا بك عقفان يحل الدين، ويقرب الآجال.
قيل لأعرابي: ما تلبس؟ فقال: الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس.
سئل أعرابي عن ألوان الثياب فقال: الصفرة أشكل والحمرة أجمل والخضرة أنبل والسواد أهول والبياض أفضل.
وصف أعرابي الكتاب، وقد دخل الديوان فرآهم فقال: أخلاق حلوة وسمائل معشوقة ووقار أهل العلم وظرف أهل الفهم فإن سبكتهم وجدتهم كالزبد يذهب جفاء.
وذم أعرابي رجلاً فقال: عبد البدن، خز الثياب، عظيم الرواق، صغير الأخلاق، الدهر يرفعه وهمته تضعه. قيل لأعرابي ينسج: ألا تستحي أن تكون نساجاً؟ فقال: إنما أستحي أن أكون أخرق لا أنفع أهلي.
مد المأمون يده إلى الأعرابي ليقبلها فتناولها بكمه فقال: أتتقزز منها؟ قال: لا بل أتقزز لها.
وصف أعرابي قوماً فقال: هم كلاب وفلان من بينهم سلوتي.
سئل رجل عن نسبه فقال: أنا ابن أخت فلان. فقال أعرابي: الناس ينتسبون طولاً وأنت تنتسب عرضاً.
رأى أعرابي عوداً فلما عاد إلىالبادية وصفه لأصحابه فقال: رأيت خشباً محدودب الظهر، أرسح البطن، أكلف الجلد، أجوف أغضف، جبينه في استه، وعيناه في صدره، وأمعاءه خارج بطنه، بها يتكلم، وعينه تترجم، معروك الأذن، مخنوق الحلق.
سئل آخر عن امرأته فقال: أفنان أثلة، وجنى نخلة، ومس رملة وكأني قادم في كل ساعة من غيبة.
اجتمع إعرابي مع صاحبة له فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ذكر معاده فاستعصم وقال: إن من باع جنة عرضها السموات والأرض بمقدار فتر بين رجليك، لقليل البصر بالمساحة.

اشتكى أعرابي بالحضر فقيل: ما تشتهي؟ قال: حشك فلاة، وحسي قلاة.
قال أعرابي لرجل: اكتب لابني تعويذاً. فقال: ما اسمه؟ قال: فلان قال: فما اسم أمه؟ قال: ولم عدلت عن اسم أبيه؟ قال: لأن الأم لا يشك فيها. قال: فاكتب: فإن كان ابني فعافاه الله، وإن لم يكن ابني فلا شفاه الله.
قيل لأعرابي: ما تقول في إبن العم؟ قال: عدوك وعدو عدوك.
ووعظ آخر ابناً له أفسد ماله في الشراب فقال: لا الدهر يعظك ولا الأيام تنذرك، ولا الشيب يزجرك، والساعات تعد عليك، والأنفاس تعد منك والمنايا تقاد إليك، أحب الأمرين إليك، أردهما بالمضرة عليك.
قيل لأعرابي: ما تقول في الجري. قال: تمرة نرسيانة غراء الطرف، صفراء السائر، عليها مثلها من الزبد، أحب إلي منها ولا أحرمه.
وقال آخر: كن حلو الصبر عند مر النازلة.
ومر أعرابي في أطمار رثة برجل فقال الرجل: والله ما يسرني أني كنت ضيفك في ليلتي هذه. فقال له الأعرابي: أما والله لو كنت ضيفي، لغدوت من عندي أبطن من أمك قبل أن تضعك بساعة، أما الله إنا وجدناك آكلكم للمأدوم، وأعطاكم للمحروم.
قال أعرابي: رب موثق مؤبق.
قيل لآخر: أتشرب النبيذ؟ فقال: والله ما أرضى عقلي مجتمعاً فكيف أفرقه؟.
وقيل لآخر: أما تشرب؟ قال: أنا لا أشرب ما يشرب عقلي.
قال بعضهم: رأيت أعرابياً والإبل قد ملأت الوادي فقلت: لمن هذه؟ فقال: لله في يدي.
قال أبو العيناء: أضفت أعرابياً قدم من المدينة، فلما قعدنا نأكل، جعلت أذكر غلاء السعر في تلك السنة، فرفع الأعرابي يده عن الطعام، وقال: ليس من المروءة ذكر غلاء الأسعار للضيف. فقام، فاجتهدت به أن يأكل شيئاً فأبى، وانصرف.
حكى عن حصين بن أبي الحر قال: وفدت إلى معاوية فطلبت عامر بن عبد قيس فقال لا تريه بالنهار فأتيته عند المغرب وهو يتعشى، فسلمت عليه فرد السلام، ولم يدعني إلى عشائه ولم يسألني عن أهله، فقلت: العجب منك لم تدعني إلى عشائك ولم تسألني عن أحد من أهلك، فقال: أما عشائي فخشن، وأنت قد تعودت النعمة، فكرهت أن أحملك من تجشمه على ما يشق عليك. وأما أهلي، فأنا أعرف أخبارهم، الماضي فلا يرجع إليهم، وأما الباقي فلا حق بمن مضى منهم.
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: المعتذر من غير ذنب يوجب الذنب على نفسه.
قال: وقلت لغلام عذري: ما بال العشق يقتلكم؟ قال: لأن فينا جمالاً وعفة.
قال أعرابي: بلوت فلاناً فلم يزدني اختباره إلا اختياراً له.
وقال آخر: هلاك الوالي في صاحب، يحسن القول، ولا يحسن العمل.
تكلم أعرابي فقال: لا تنكحن واحدة فتحيض، إذا حاضت، وتمرض إذا مرضت، ولا تنكحن اثنتين، فتكون بين شرتين، ولا تنكحن ثلاثاً، فيفلسنك ويهزمنك، وينحلنك ويحظرنك.
فقيل له: حرمت ما أحل الله.
وأثنى أعرابي على رجل فقال: إن خيرك لصريح، وإن منعك لمريح وإن رفدك لربيح.
قيل لأعرابي: ما أعددت للشتاء؟ فقال: جلة لبوضاً وصيصية سلوكاً، وشملة مكورة قويمصاً دفياً وناقة مجالحة.
وقيل لآخر: ما أعددت للشتاء؟ فقال: شدة الرعدة وقرفصاء القعدة، وذرب المعدة.
وقيل لآخر: كيف البرد عندكم؟ قال: ذاك إلى الريح.
سمع عمر أعرابياً يقول: اللهم اغفر لأم أوفى. فقال: ومن أم أوفى؟ قال: امرأتي وأنها لحمقاء مرغامة، أكول قامه، لاتبقى لها حامة، غير أنها حسناء فلا تفرك، وأم غلمان فلا تترك.
قال أبو مهدى: تحرشت بشجاع فخرج يطردني كأنه سهم رابح، ثم استكف كأنه كفة في ميتة، فانتظمت ثلاثة إثنان أحدهن رأسه.
قال الأصمعي: كانت العرب تستعيذ من خمشة الأسد، ونفثة الأفعى وضبطة الفالج.
قال أبو زيد: رب غيث لم يك غوثاً، ورب عجلة نهب ريثاً.
وقال آخر لرجل رآه يذم قرابته: أما سمعت ما يقول العرب، فإنها تقول: الرحم بكدرها والمودة بصفائها.
قدم هوذة بن علي، على كسرى فسأله عن بنيه، فذكر عدداً، فقال: أيهم أحب إليك؟ قال: الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يقدم، والمريض حتى يصح. فقال له كسرى: ما غداؤك في بلدك؟ قال: الخبز. قال كسرى لجلسائه: هذا عقل الخبز يفضله على عقول أهل البوادي، الذين يغتذون اللبن والتمر.

قال الأصمعي: كنت بالبادية فجاء بي أعرابي معه عبد أسود فقلال: يا حضري، أتكتب؟ قلت: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم من عرفجة التغلبي لميمون مولاه، إنك كنت عبد الله فوهبك لي، فرددتك ووهبتك لواهبك للجواز على الصراط، قد كنت أمس لي، وأنت اليوم مثلي ولا سبيل لي عليك إلا سبيل ولاء.
أتى معاوية برجل من جرهم قد أتت عليه الدهور فقال له: أخبرني عما رأيت في سالف عمرك؟ قال: رأيت بين جامع مالاً مفرقاً، ومفرق مالاً مجموعاً، ومن قوى يظلم، وضعيف يظلم، وصغير يكبر، وكبير يهرم، وحي يموت، وجنين يولد، وكلهم بين مسرور بموجود ومحزون بمفقود.
قال أعرابي: خرجنا حفاة والشمس في قلة السماء، حيث انتعل كل شيء ظله وما زادنا إلا التوكل، وما مطايانا إلا الأجل، حتى لحقنا القوم.
وصف آخر تعادى قوم، فقال: ألحاظهم سهام، وألفاظهم سمام.
وقال آخر: هبت عليهم ريح التعادي، فنسفتهم عن النوادي والبوادي.
وقال آخر: ما النار باحرق للفتيلة، من التعادي للقبيلة.
وقال آخر: مع القرابة والثروة، يكون التناكر والتحاسد ومع الغربة والخلة، يكون التناصر والتحاشد.
وقال الحجاج لأعرابي: أخطيب أنا؟ قال: نعم، لولا أنك تكثر الرد، وتشير باليد، وتقول أما بعد.
ويقول الأعرابي لراعي إبله إذا استرعاه: إن عليك أن ترد ضالتها، وتهنأ جرباتها، وتلوذ حوضها وتترك مبسوطة في الرسل، مالم تنهك حلباً أو تضر بنسل. فيقول له الراعي: ليس لك أن تذكر أمي بخير ولا شر، ولك حذفة بالعصا عند غضبك أخطأت أم أصبت، ولي مقعدين من النار موضع يدي من الحار.
ذكر أعرابي السلطان فقال: أما والله لإن عزوا في الدنيا بالجور، لقد ذلوا في الآخرة بالعدل.
وقال آخر: العاقل بخشونة العيش مع العقلاء، آنس منه بلين العيش مع السفهاء.
قال بعضهم: رأيت أعرابياً يرعى غنماً فقلت له: أنت راعي هذه الغنم؟ فقال: أنا راعيها والله يرعاها.
قال المفضل: قلت لأعرابي: ما البلاغة؟ قال: الايجاز من غير عجز، والأطناب في غير خطل.
وكان أعرابي يجالس الشعبي ولا يتكلم، فسئل عن طول صمته فقال: أسمع وأعلم، واسكت فأسلم.
وصف آخر رجلاً فقال: صغير القدر، قصير الشبر، ضيق الصدر لئيم الخبر، عظيم الكبر، كثير الفخر.
قدم وفد طيء على معاوية فقال: من سيدكم اليوم؟ قالوا: خزيم بن أوس بن حارثة بن لام، من احتمل شتمنا، وأعطى سائلنا وحلم عن جاهلنا، وأغتفر ضربنا إياه بعصينا.
حلف أعرابي على شيء فقيل له: قل إن شاء الله، فخضع نفسه حتى لصق بالأرض ثم قال: إن شاء الله تذهب بالحنث، وترضى الرب، وترغم الشيطان، وتنجح الحاجة.
قال أعرابي لابن عم له: مالك أسرع إلى ما أكره من الماء إلى قرارة ولولا ضني بإخائك، لما أسرعت إلى عتابك، فقال الآخر: والله ما أعرف تقصيراً فأقلع، ولا ذنباً فأعتب، ولست أقول لك كذبت، ولا أقر إني أذنبت.
وقال أعرابي: ما زال يعطيني حتى حسبته يردعني، وما ضاع مال أودع حمداً.
وقال أعرابي: شر المال، مالا أنفق منه، وشر الأخوان الخاذل في الشدائد وشر السلطان من أخاف البرى، وشر البلاد ما ليس فيه خصب وأمن.
وقال: سمعت آخر يقول لابنه: صحبة بليد نشأ مع الحكماء، خير من صحبة لبيب نشأ مع الجهال.
قال أعرابي لابنه: إياك يا بني وسؤال البلغاء في الرد.
قيل لإعرابي: كيف كتمانك السر؟ قال: ما جوفي له إلا قبر.
وأسر رجل إلى بعضهم، ثم قال له: أفهمت؟ قال: بل جهلت قال: أحفظت؟ قال: بل نسيت.
قال أعرابي من غطفان: لقد أحببت امرأة من بني ذهل بن شيبان، فكنت أنام وقلبي طائر، وأهب ودمعي قاطر.
قيل لأعرابي: علي من البرد أشد؟ قال: علي خلق في خلق.
قيل لطائي مرة: إن امرأتك تبغضك. فقال: ما أبالي إذا نلت منها ذو أحب، أن تنال مني ذو تكره. وذو في لغة طيء: الذي.
مدح أعرابي رجلاً قال: فهو أكسبكم للمعدوم، وآكلكم للمأدوم وأعطاكم للمحروم. قال أعرابي: ما رأيت كفلان، إن طلب حاجة، غضب قبل أن يرد عنها وإن سئل، رد صاحبها قبل أن يفهمها. وذم آخر رجلاً فقال: لم يقنع كمياً سيفاً، ولا قرى يوماً ضيفاً ولا حمدنا له شتاء ولا صيفاً.
؟؟؟
الباب الثالث
أدعية مختارة
وكلام للسؤال من الأعراب وغيرهم

وقف أعرابي في بعض المواسم فقال: اللهم إن لك حقوقاً فتصدق بها علي، وللناس تبعات قبلي فتحملها عني، وقد أوجبت لكل ضيف قرى، وأنا ضيفك فاجعل قراي في هذه الليلة الجنة.
قال آخر لرجل سأله: جعل الله للخير عليك دليلا، ولا جعل حظ السائل منك عذرة صادقة.
وقال آخر: اللهم لا تنزلني ماء سوء، فأكون امرء سوء.
وقف سائل منهم فقال: رحم الله امرء أعطى من سعة، وواسى من كفاف، وآثر من قوت.
ومن دعائهم: أعوذ بك من بطر الغنى، وذلة الفقر.
وقال آخر: أعوذ بك من سقم وعدواه، وذي رحم ودعواه، وفاجر وجدواه، وعمل لا ترضاه.
وسأل أعرابي فقال له صبي في جوف الدار. بورك فيك، فقال: قبح الفم، لقد تعلم الشر صغيراً.
ودعا آخر فقال: اللهم إني أعوذ بك من طول الغفلة، وإفراط الفطنة، اللهم لا تجعل قولي فوق عملي، ولا تجعل أسوأ عملي ما قرب من أجلي.
وقال آخر: اللهم هب لي حقك وارض عني خلقك. وقال آخر: اللهم إنك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا، فقد ظلمنا أنفسنا. فاعف عنا.
وقال آخر: اللهم امتعنا بخيارنا، وأعنا على شرارنا، واجعل الأموال في سمائحنا.
وقال آخر: اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيداً فقربه، وإن كان قريباً فيسره، وإن كان قليلاً فكثره، وإن كان كثيراً فبارك فيه.
سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يقول في دعائه: اللهم اجعلني من الأقلين. فقال له عمر: وما هذا الدعاء؟ قال سمعت الله يقول: " وقليل ماهم " وقال ذكره جل وعز: " وما آمن معه إلا قليل " .
وقال تعالى: " وقليل من عبادي الشكور " . فقال عمر: عليك من الدعاء بما يعرف.
دعا الغنوي في حبسه: أعوذ بك من السجن والدين، والغل والقيد والتعذيب والتحبيس، وأعوذ بك من الجور بعد الكور، ومن سوء الخلافة في النفس والأهل والمال، وأعوذ بك من الحزن والخوف، وأعوذ بك من الهم والرق، ومن الهرب والصلب، ومن الاستخفاء، ومن الاستخذاء، ومن الأطراد والأعراب، ومن الكذب والعيضهة، ومن السعاية والنميمة، ومن لؤم القدرة ومقام الخزي في الدنيا والآخرة: إنك على كل شيء قدير.
وكان بعضهم يقول في دعائه: اللهم احفظني من صديقي، وكان في دعاء آخر: اللهم اكفني بواثق الثقات.
قال أعرابي في دعائه: تظاهرت على بادئ منك النعم، وتكاثفت مني عندك الذنوب، فأحمدك على النعم التي لايحصيها أحد غيرك، وأستغفرك من الذنوب التي لا يحيط بها إلا عفوك.
سألت أعرابية فقالت: سنة جردت، وأيد جمدت، وحال جهدت، فهل من آمر بمير، أو دال على خير، أو مجيب بخير، رحم الله من رحم، وأقرض من لا يظلم.
قال منصور بن عمار صاحب المجالس: اللهم اغفر لأعظمنا جرماً وأقسانا قلباً، وأقربنا بالخطيئة عهداً، وأشدنا على الذنب إصراراً فقال له الخريمي وكان حاضراً. امرأتي طالق، إن كنت أردت غير إبليس.
قال: إذا دعت الأعراب لمسافر قالوا: اللهم قو ضعفته، واحرس غفلته، وشد منته، اللهم اطو عنه غول الأرض وهولها، وحببه إلى أصحابه واحمله على ركابه، سلم له عصيها وقصبها، وألق عليه السخرة والبلاغ، وادرأ عنه وعنها الأعراض والأمراض، حتى توديه سالماً إلى سالمين.
كانوا يقولون: نعوذ بالله من ضربة الجبان، وضبطة الأعمى، وبادرة الصبي، ودعوة البخيل، وضرط الرقيب، ونادرة المجنون، وذلة العالم.
قال أعرابي في دعائه: اللهم أرزقني صحة لا تلهي، وغنى لا يطغي وسريرة لا فضيحة فيها ولا شنعة، وعلانية لا رياء تطغي فيها و لا سمعة.
سأل رجل من بني كلاب معروف النسب فقال: إني رجل من بلعنبر، ولي سن، وبي فقر وعندي دعاء وشكر، وفي إعطائي أجر وذخر. فقيل له: أنت من بني كلاب وتتنسب إلى بلعنبر قال: إنه مقام خزي، وهم لنا عدو. فأحببت أن يلحقهم عاره.
دعا أعرابي فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو أضل في هداك، أو أذل في عزك، أو أضام في سلطانك، أو أضطهد والأمر لك.
قال سفيان بن عيينة: إني لواقف بعرفة وأعرابي إلى جانبي فسمعته يقول: اللهم قد أنضيت ظهري، وأبعدت مطلبي، ووقفت ببابك ضارعاً خاضعاً، فإن كنت لم تقبل تعبي ونصبي، فلا تحرمني أجر المصاب على مصابه. فلما قربت الشمس أن تغرب قال: اللهم عجت الأصوات بضروب اللغات ليسألونك الحاجات، وحاجتي إليك أن لا تنساني على طول البكاء إذا نسيني أهل الدنيا.

سأل أعرابي قوماً فقال: رحم الله امرءاً لم تمج أذنه كلامي، وقدم لنفسه معاذة من سوء مقامي، فإن البلاد مجدبة والدار مضيعة والحال مسبغة، والحياء زاجر ينهى عن كلامكم، والفقر عاذر يدعو إلى إخباركم، والدعاء إحدى الصدقتين. فرحم الله امرء آسى بمير، أو دعا بخير. فقال له رجل: ممن يا أعرابي؟ فقال: ممن لا تنفعكم معرفته ولا تضركم جهالته اللهم غفراً، إن يوم الاكتساب، يمنع من كرم الانتساب.
دعا أعرابي في الكعبة فقال: اللهم إنك عالم بحوائجي فاقضها، وعارف بذنوبي فاغفرها. فقيل له: اختصرت. فقال: لا والله بل بالغت.
وقال آخر في دعائه: اللهم إني أسألك الخوف منك، حين يأمنك من لا يعرفك، وأسألك الأمن منك، حين يخافك من يغتر بك.
ودعا آخر فقال: اللهم فما أعرف معتمداً من زيارة فاطلب، ولا أجد غنى فأترك في الحجة، فإن أطنبت في سؤالك فلفاقتي إلى ما عندك، وإن قصرت في دعائك فلما تعودت من ابتدائك.
قالت أعرابية عند الكعبة: إلهي لك أذل، وعليك أدل.
كان من دعاء شريح: اللهم إني أسألك الجنة بلا عمل عملته، وأعوذ بك من النار بلا ذنب تركته.
يقال إنه كان من دعاء يونس في الظلمات: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وإلا تغفر لي وترحمني، أكن من الخاسرين، مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.
قال أعرابي في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من حاجة إلا إليك، ومن خوف إلا منك، ومن طمع إلا فيما عندك.
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول وهو متعلق بأستار الكعبة: إلهي! من أولى بالزلل والتقصير مني وقد خلقتني ضعيفاً، إلهي! من أولى بالعفو عني منك، وقضاؤك نافذ، وعلمك بي محيط، أطعتك بإذنك، والمنة لك علي، وعصيتك بعلمك، والحجة لك علي، فبثبات حجتك وانقطاع حجتي، وبفقري إليك وغناك عني، ألا غفرت لي ذنوبي.
دعا أعرابي فقال: اللهم إنك حصيت ذنوبي فاغفرها، وعرفت حوائجي فاقضها.
وكان بعضهم يقول في دعائه: اللهم أعني على ديني بديناً، وأعني على آخرتي بتقوى.
ودعا آخر: اللهم إني أعوذ بك من الفاجر وجدواه والغريم وعدواه، وأعوذ بك من سقم، وعداوة ذي رحم، وعمل لا ترضاه، اللهم أعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك.
سأل أعرابي قوماً وهم في مصيبة فقالوا: ما ترى شغلتنا قال: ما بكم بدأت ولا إليكم انتهت.
قال الأصمعي،: مر بي يوماً أعرابي سائل فقلت له: كيف حالك؟ فقال: أسأل الناس إجحافاً، ويعطوننا كرهاً، فلا يؤخرون ما يعطون ولا يبارك لنا فيما نأخذ، والعمر بين ذلك فإن والأجل قريب والأمل بعيد.
قال الأصمعي: اعترضنا أعرابي في طريق مكة فقال: هل عائد علي بفضل، أو مواس من كفاف؟ فأمسك عنه القوم. فولى وهو يقول: اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا إلى الناس فنضيع.
وقف أعرابي على حلقة الحسن فقال: رحم الله من عاد بفضل وواسى من كفاف، وآثر من معروف فقال الحسن: ما بقي منكم أحداً.
دعا عمرو بن عتبة فقال: اللهم أعني على الدنيا بالقناعة، وعلى الدين بالعصمة، اللهم إني أعوذ بك من طول الغفلة وإفراط الفطنة.
اللهم لا تجعل قولي فوق عملي، ولا تجعل أسوأ عملي ما ولى أجلي، اللهم إني أستغفرك مما أملك، وأستصفحك لما لا أملك، اللهم لا تجعلني ممن إن مرض شجن، وإن استغنى فتن، وإن افتقر حزن.
سألت أعرابية بالبصرة فقالت: يا قوم! طرائد زمان، وفرائس نازلة، نبذتنا الرحال، ونشرتنا الحال، وأطعمنا السؤال، فهل من كاسب لأجر، أو راغب في ذخر.
سأل أعرابي رجلاً حاجة فقال: إذهب بسلام. فقال له: أنصفنا من ردنا في حوائجنا إلى الله.
وكانوا يستنجحون حوائجهم بركعتين يقولون بعدهما: اللهم إني بك استفتح، وبك استنجح، وبحمد نبيك إليك أتوجه، اللهم ذلل لي صعوبته وسهل حزونته، وارزقني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عني من الشر أكثر مما أخاف.
ودعا بعضهم فقال: اللهم إني أعوذ بك من حياة على غفلة، ومن وفاة على غرة، ومن مرد إلى حسرة، وأسألك العافية من أن أمل عافيتك وأكفر نعمتك، أو أنسى حسن بلائك، أو أستبدل بالسيئة الحسنة.
سأل أعرابي فقال: سنة حردت، وحال جهدت، وأيد حمدت، فرحم الله من يرحم.
تقول العرب في الدعاء على الرجل: لا طلبته الخيول للغارة أو يتكاره جدب الزمان وعلى هذا المعنى حمل قول الشاعر:
وجنبت الخيول أبا زنيب ... وجاد على منازلك السحاب

دعا رجل لآخر فقال لا جعل الله حظ السائل منك عذرة صادقة دعا أعرابي أبطأ عنه ابنه فخاف عليه فقال : اللهم إن كنت أنزلت به بلاء فأنزل معه صبراً، وإن كنت وهبت له عافية فافرغ، عليه الشكر، اللهم إن كان عذاباً فاصرفه، وإن كان فلاحاً، فزد فيه وهب لنا الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء.
كان قيس بن سعد يقول: اللهم ارزقني مجداً وحمداً، فلا حمد إلا بفعال، ولا مجد إلا بمال. اللهم إني أعوذ بك من فقر مكب، وضرع إلى عير مخب.
كان محمد بن المنكدر يقول: اللهم قو فرحي بأهلي، فإنه لا قوام لهم إلا به.
قال بعضهم: كنت مع سعيد بن عبد الملك فقصدت له أعرابية تريد أن نسأله فمنعت منه، فلم تزل تحتال حتى وقفت عليه، فقالت أبا عثمان:
حياك من لم تكن ترجو تحيته ... لولا الحوائج ما حياك إنسان
وسألت أعرابية المنصور في طريق مكة، فمنعها فقالت متمثلة: الطويل:
إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى ... فأبعدكن الله من شجرات
وسألته أخرى فمنعها، فقالت:
دنوك إن كان الدنو كما أرى ... علىّ وبعد الدار مستويان
زعموا أن الحسين الخادم أطال الجلوس عند الواثق فقال: ألك حاجة؟ فقال: أما إلى أمير المؤمنين فلا، ولكن إلى الله فيه، وهي أن يطيل بقاءه ويديم نعماءه.
قال الحسين بن وهب: شكرت ابن أبي داود فقال لي: أحوجك الله إلى أن تعلم مالك عند صديقك.
قال رجل لرجل: سترك الله. فقال: وإياك فستر، ولا جعل ما تحت الستر ما يكره، فكم مستور منه على ما يكرهه الله.
قال الأصمعي كان من دعاء أبي المجيب: اللهم اجعل خير عملي ما قارب أجلي. وكان يقول: اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا إلى الناس فنضيع.
وقال أبو زيد: وقف علينا أعرابي في حلقة يونس فقال: الحمد لله كما هو أهله، ونعوذ بالله أن أذكر به وأنساه، خرجنا من المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثون رجلاً ممن أخرجته الحاجة، وحمل على المكروه لا يمرضون مريضهم، ولا يدفنون ميتهم، ولا ينتقلون من منزل إلى منزل، وإن كرهوه، والله يا قوم، لقد جعت حتى أكلت النوى المحرق، ولقد مشيت حتى انتعلت الدم، وحتى خرج من قدمي لحم كثير. أفلا رجل يرحم ابن سبيل، أذل طريق، ونضو سفر، فإنه لا قليل من الأجر، ولا غنى عن الله عز وجل، ولا عمل بعد الموت، وهو يقول جل ذكره " من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه " ملي، وفي، ماجد، واجد لا يستتقرض من عوذ ولكنه يبلو الأخيار. قال فبلغني أنه لم يبرح حتى أخذ ستين ديناراً.
وقال سفيان الثوري: سمعت سوداء بعرفة تقول: يا حسن الصحبة: أسألك ستراً لا تهتكه الرياح، ولا تخرقه الرماح.
كان من دعاء ابن السماك: اللهم إنا نحب طاعتك وإن قصرنا، ونكره معصيتك وإن ركبناها، اللهم فتفضل علينا بالجنة وإن لم نكن أهلها، وخلصنا من النار وإن كنا قد استوجبناها.
ووقفت امرأة من الأعراب من هوازن على عبيد الرحمن بن أبي بكرة فقالت أصلحك الله، أقبلت من أرض شاسعة، يرفعني رافعة، ويخفضني خافضة بملمات من البلاء، وملمات من الدهور برين عظمي، وأذهبن لحمي، وتركنني ولهة أمشي بالحضيض، وقد ضاق بي البلد العريض، لا عشيرة تحميني، ولا حميم يكفيني، فسألت في أحياء العرب من المرجو سيبه، المأمون عيبه، المكفي سائله، الكريمة شمائله، المأمول نائله، فأرشدت إليك، وأنا امرأة من هوازن، مات الوالد وغاب الرافد، وأنت بعد الله غياثي، ومنتهى أملي، فاصنع إلي إحدى ثلاث: إما أن تقيم أودي، أو تحسن صفدي، أو تردني إلى بلدي. قال: بل: أجمعهن لك وحياً.
ووقفت أعرابية على قوم فقالت: بعدت مشقتي، وظهرت محارمي، وبلغت حاجتي إلى الرمق، والله سائلكم عن مقامي.
وسألت أخرى فقالت: ساءلتكم، فسؤلكم القليل الذي يوجب لكم والكثير، رحم الله واحداً أعان محقاً.
ووقفت أخرى فقالت: يا قوم، تغير بنا الدهر إذ قل منا الشكر ولزمنا الفقر، فرحم الله من فهم بالعقل، وأعطى من فضل، وآثر من كفاف، وأعان على عفاف.
كان بعضهم يقول: اللهم قني عثرات الكرام.
وكان بعض السلف يقول: اللهم أحملنا من الرجلة، وأغننا من العيلة.
وسأل أعرابي فقيل له: بورك فيك ونوالي عليه ذلك من غير مكان فقال: وكلكم الله إلى دعوة لا تحضرها نية.

وقال بعضهم: اللهم أعني على الموت وكربته، وعلى القبر وغمته، وعلى الميزان وحقته، وعلى الصراط وذلته، وعلى يوم القيامة وروعته.
وقال آخر: اللهم أغنني بالإفتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك.
وقال آخر: اللهم أعني على الدنيا بالقناعة، وعلى الدين بالعصمة.
وقال آخر: اللهم أمتعنا بخيارنا، وأعنا على أشرارنا، واجعل المال في سمحائنا.
ولما ولي مسروق السلسلة انبرى له شاب فقال له: وقاك الله خشية الفقر، وطول الأمل، ولا جعلك ذرية للسفهاء، ولا شيناً للفقهاء.
وقال أعرابي في دعائه! اللهم لا تحيني وأنا أرجوك، ولا تعذبني وأنا أدعوك، اللهم قد دعوتك كما أمرتني، فأجبني كما وعدتني.
وقالت امرأة من الأعراب: اللهم إني أعوذ بك من شر قريش وثقيف وما جمعت من اللفيف، وأعوذ بك من ملك امرأة، ومن عبد ملأ بطنه.
كان قوم في سفينة فهاجت الريح فقال رجل منهم: اللهم إنك أريتنا قدرتك، فأرنا رحمتك.
ورأى آخر رجلاً سائلاً يسأل يوم عرفة فقال: أيهذا إلام تسأل غير الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك، فاجتمع إليه الناس وقد دهمهم العدو، فأقسم على الله فمنحهم الله أكتافهم.
ودعا سعيد بن المسيب فقال رغبك الله فيما أبقى، وزهدك فيما يفنى، ووهب لك اليقين الذي لا تسكن النفوس إلا إليه، ولا تعول في الدين إلا عليه.
وكان مطرف يقول: اللهم إنك أمرتنا بأمرك، ولا نقوى عليه إلا بعونك، ونهيتنا عما نهيتنا عنه، ولا ننتهي عنه إلا بعصمتك، واقعة علينا حجتك، غير معذورين فيما بيننا وبينك، ولا منجوسين فيما عملنا لوجهك.
ودعا أعرابي فقال: اللهم إني أعوذ بك من الفقر المدقع، والذل المضرع.
وقال آخر وقد سمع صوت الصواعق: اللهم إن كان عذاباً فاصرفه، وإن كان صلاحاً فزد فيه، وهب لنا الصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، اللهم إن كانت محنة فمن علينا بالعصمة، وإن كانت عقاباً فمن علينا بالمغفرة.
قال طاووس: يكفي من الدعاء مع الورع، ما يكفي العجين من الملح.
دعا أعرابي فقال: اللهم إني أسألك البقاء، والنماء وحط الأعداء، وطيب الإتاء.
وقف أعرابي في جامع البصرة فقال: أما بعد فإنا أبناء السبيل، وأنضاء الطريق، تصدقوا علينا فإنه لا قليل من الأجر، أما والله إنا لا نقوم هذا المقام، وفي الصدور حزازة، وفي القلب غصة.
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً على باب الكعبة وهو يقول: اللهم سائلك ببابك نفدت أيامه، وبقيت آثامه، وانقطعت شهواته، وبقيت تبعاته، اللهم فاغفر لي، فإن تغفر لي، فاعف عني فربما عفا المليك عن مملوكه وهو مغضبه.
وقال وسمعت آخر وهو يقول: اللهم إني أعوذ بك من المفر منك ومن الذل إلا لك، ومن التعزز إلا بك، فأعطني الخير، واجعلني له آهلاً، وجنبني الشر، ولا تجعلني له مثلاً.
وقال: وسمعت آخر يدعو في يوم عرفة يقول: اللهم لا تحرمني خير ما عندك، لسوء ما عندي، وإن كنت لك تقبل تعبي ونصبي، فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته.
وقف أعرابي على قوم فسألهم فانتهروه فقال: اللهم إني أسألك من القناعة ما يقلل عندي المستفاد، ويهون علي الأسف على ما فات ثم أقبل على القوم وقال: وأنتم فحرمكم الله من الشكر ما تستوجبون به الزيادة.
وقف أعرابي على قوم فقال: أخ في كتاب الله، وجار في بلاد الله وطالب إليكم من رزق الله، فهل من أخ موات في ذات الله؟!.
كان يوسف بن الحسين المرازي يقول في دعائه: اللهم إنك تعلم أني نصحت الناس قولاً، وخنت نفسي فعلاً، فهب خيانتي لنفسي لنصيحتي للناس.
دع أعرابي فقال: يارب إن كنت تدع رزقي لهواني عليك، فنمروذ كان أهون مني، وإن كنت تدعه لكرامتي عليك، فسليمان كان أكرم مني.
حج رجل من الأعراب فقال: اللهم حضرني إليك الرغب والرهب فأدأبت النهار، وأسأدت الليل، غير وعد ولا رسل أصل الجعجاع، وأدمن الإيضاع، فأنقيت الخف، وبريت العظم، وأكلت السنام، لك بذلك الإمتنان، وفي قديم إلي منك الإحسان، أنا ضيفك أرجو قراك، فلينلني عفوك وليسعني فضلك، اللهم أحيني العاقبة، والغفران، يا إله الطول والإحسان.
دعا أعرابي على آخر فقال: رماك الله بليلة لا أخت لها.
ودعا آخر فقال: اللهم إني أسألك طعم الأهل، وخصب الرجل.

وكان آخر يقول: اللهم إني أعوذ بك من قرع الغناء، وكساد أيم، وغضب العاقل.
الباب الرابع
أمثال العربهذا الباب نذكر فيه صوراً من ؟أمثال العرب مما يحسن المحاضرة به في المحاورات، وإيراده في أثناء المكاتبات ومجنس أجناساً، ويتبع في تجنيسه الألفاظ دون المعاني. يقدم في كل ما جاء منها على لفظ: " أفعل " فإنها أكثر تكراراً في الكلام، والحاجة إليها أمس، والناس بها ألهج.
في أسماء الرجال وصفاتهمآبل من حنيف الحناتم.
أبخل من مادر.
أبلغ من سحبان وائل.
أبين من قس.
أبخل من ذي معذرة.
أبخل من ذي الضنين بنائل غيره.
أبر من فلحس. وهو رجل من شيبان، حمل أباه على ظهره وحج به.
أبطأ من فند: بعثته مولاته ليقتبس ناراً فعاد إليها بعد سنة.
أجمل وأجمل من ذي العمامة: وهو سعيد بن العاص بن أمية.
أجود من حاتم.
أجود من كعب بن مامة.
أجود من هرم.
أجن من دقة: هو دقة بن عباية بن أسماء بن خارجة.
أحمق من هبنقة: ذي الودعات.
أحمق من شرنبث.
أحمق من بيهس.
أحمق من حجينة، رجل من بني الصيداء.
أحمق من أبي غبشان: باع مفاتيح الكعبة لقصي بزق خمر.
أحمق من حذنة.
أحمق من شيخ: فهو بطن من عبد القيس اشترى الفسو من إياد، وكانوا يعيرون به، فيروي خيره، فعيرت بعد ذلك عبد القيس بالفسوة.
أحمق من ربيعة البكاء: هو ربيعة بن عامر بن ربيعة ابن صعصعة رأى أمه - وهو رجل - تحت زوجها، فقرر أن يقتلها فبكى، وصاح، فقيل له: أهون مقتول أم تحت زوج.
من الحكمةأحكم من لقمان.
أحكم من هرم بن قطبة.
أحمى من مجير الجراد: وهو مدلج بن سويد الطائي.
أحمى من مجير الظعن: وهو ربيعة بن مكدم.
أحلم من الأحنف.
أحلم من قيس بن عاصم.
أحزم من سنان بن أبي حارثة.
أخسر من شيخ مهو.
أخسر صفقة من أبي غبشان.
أخلى من جوف حمار: رجل من عاد وجوفه واد كان ينزل به فلما كفر أخرب الله واديه.
أخنث من هيت.
أخيب من حنين.
أخنث من طويس.
أخنث من الدلال.
أخجل من مقمور. وهو صاحب الخفين.
أخطب من قس.
أدل من حنيف الحنائم.
أدل من دعيميص بن زهير.
أدهى من قيس بن زهير.
أرمى من ابن تقن. وهو رجل من عاد.
أروى من معجل أسعد: كان رجلاً أحمق وقع في غدير فجعل ينادي ابن عم له يقال له: أسعد ويقول: ناولني شيئاً أشرب به الماء ويصيح بذلك حتى غرق.
أزنى من قرد.
أسأل من فلحس: وهو رجل من بني شيبان كان سيداً عزيزاً يسأل سهماً في الجيش وهو في بيته فيعطى لعزه فإذا أعطيه، سأل لامرأته، فإذا أعطيه سأل لبعيره، وكان له ابن يقال له زاهر فكان مثله فقيل فيه: العصا من العصية: هكذا رواه ابن حبيب، فأما أبو عبيد فإنه يقول: الفلحس: الذي يتحين طعام الناس يقال: أتانا فلان يتفلحس، كما يتطفل.
أسأل من قرثع.
أسرق من شظاظ: رجل من بني ثعلب.
أسرق من برجان.
أشأم من خوتعة.
أشأم من قدار.
أشأم من أحمر عاد.
أشأم من طويس.
أصبر من قضيب: رجل من بني ضبة.
أشد من لقمان بن عاد.
أسبل من جذل الطعان.
أضيع من دم سلاغ جبار: هو رجل من عبد القيس.
أضل من سنان: هو سنان بن أبي حارثة المري، وكان قومه عنفوه على الجود فركب ناقته، ورمى بها الفلاة، فلم ير بعد ذلك وسمته العرب: ضالة غطفان. وقالوا: إن الجن استفحلته تطلب كرم فحله.
أضبط من عائشة بن عثم: هو رجل من بني عبد شمس بن سعد من حديثه أنه كان يسقي إبله يوماً، فأنزل أخاه في الركية ليميحه، فازدحمت الإبل فهوت بكرة في البئر فأخذ ذنبها، وصاح بها أخاه: يا أخي الموت! فقال: ذلك إلى ذنب البكرة ثم اجتذبها فأخرجها.
أطمع من أشعب.
أظلم من جلندي.
أطمع من مقمور.
أعز من قنوع.
أفرس من ملاعب الأسنة.
أفرغ من حجام ساباط.
أعز من كليب وائل.
أعز من مروان القرظ.
أعدى من الشنفري.
أعدى من السليك.
أعيى من الباقل.
أغزل من امرئ القيس.
أغدر من قيس بن عاصم.
أغدر من عتيبة بن الحارث.
أغلى فداء من حاجب بن زرارة.
أغلى فداء من بسطام بن قيس.
أفتك من البراض.
أفتك من الحارث بن ظالم.
أفتك من عمرو بن كلثوم.
أكذب من حجينة.
أفلس من ابن المذلق.
أفلس من العريان: وهو العريان بن شهلة القطامي.
أكذب من المهلب بن أبي صفرة.
أكذب من قيس بن عاصم.

أقرى من زاد الركب. وهم ثلاثة نفر من قريش.
أقرى من غيث الضريك: وهو قتادة بن مسلمة الحنفي.
أقرى من مطاعيم الريح: وهم أربعة أحدهم أبو محجن الثقفي.
أقرى من أرماق المقوين: وهم كعب وحاتم وهرم.
أقرى من آكل الخبز: وهو عبد الله بن حبيب العنبري.
أكفر من ناشرة: وهو عبد الله، من كفران النعمة.
أكفر من حمار.
ألأم من ابن قرصع: رجل من أهل اليمن.
ألأم من جدرة.
ألأم من البرم القرون.
ألأم من ضبارة: وهما رجلان معروفان باللؤم. سأل بعض ملوك العرب عن ألأم الناس فذكر إليه وجاءوه بجدرة، فجدع أنفه وفر ضبارة. فقالوا في المثل: نجا ضبارة لما جدع الجدرة.
ألأم من راضع.
ألهف من قضيب: رجل من العرب كان تماراً بالبحرين وله حديث.
أمضى من سليك المقانب.
أمنع من عنز: رجل من عاد.
أمطل من عقرب: رجل تاجر بالمدينة.
أنعم من خزيم: رجل من ولد سنان بن أبي حارثة كان في زمان الحجاج.
أنعم من حيان أخي جابر.
أنوم من عبود: عبد نام في محتطبه أسبوعاً أنكح من ابن ألغز.
ألوط من راهب.
أنكح من حوثرة: رجل من قيس.
أكذب من أسير السند: رجل من عبد القيس.
أكذب من أخيذ الديلم.
أكذب من أخيذ الجيش.
أكذب من أخيذ الصبحان.
أكذب من الشيخ الغريب.
أكذب من مجرب.
أندم من أبي غبشان.
أندم من شيخ مهو.
أندم من الكسعي.
أوفى من أبي حنبل.
أوفى من الحارث: تقول مضر: هو الحارث بن ظالم. وتقول ربيعة: هو الحارث بن عباد.
أوفى من عوف بن ملحم.
أوفى من السمؤال.
أوفر فداء من الأشعث: أسرته مذحج ففدى نفسه بثلاثة ألاف بعير.
أهون من تبالة على الحجاج: تبالة: بلدة صغيرة من بلدان اليمن يقال إنها أول بلدة وليها الحجاج، فيقال إنه لما سار إليها قال للدليل: أين هي؟ قال: قد سترها هذه الأكمة عنك، فقال: أهون علي بعمل بلدة تسترها أكمة ورجع.
أهون من قعيس على عمته: رهنته على صاع من بر فلم تفكه.
أهدى من دعيميص الرمل: دليل معروف.
أجبن من المنزوف ضرطاً.
أجرأ من فارس خصاف.
أجرأ من خاصي الأسد.
أجرأ من الماشي بترج: وهي مأسدة.
سائر ما جاء من الأمثال في أسماء الرجالمواعيد عرقوب. يضرب في الخلف والمطل.
يلقى ما لالقى يسار الكواعب: يضرب لمن يطمع فيما يورطه.
لا أفعل كذا حتى يؤوب القارظان.
لا أفعل كذا حتى يؤوب المنخل: يضرب لما يكون صفقة لم يشهدها حاطب لأمر، لو شهده من غاب عنه لأنكره.
أسعد أم سعيد؟.
أنج سعد فقد هلك سعيد.
أينما أوجه ألق سعداً.
إن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
نفس عصام سودت عصاماً.
كبر عمرو عن الطوق.
أوردها سعد وسعد مشتمل.
سد ابن بيض الطريق.
جزاء سنمار.
أودى كما أودى درم.
جار كجار أبي دؤاد.
إنما سميت هانئاً لتهنأ: ويقال لتهنأ.
لا حر بوادي عوف.
هما كند ماني جذيمة.
عند جهينة الخبر اليقين.
ما وراءك يا عصام.
أنا منه فالج بن خلاوة.
لا يطاع لقصير أمر.
لأمر ما جدع قصير أنفه.
خذ من جذع ما أعطاك.
لا آتيك حتى يؤوب هبيرة بن سعد.
تجشأ لقمان من غير شبع.
إذا أتلف الناس، أخلف إلياس.
إنما خدش الخدوش أبونا أنوش. يعني بذلك أول من كتب.
من يطع عريباً يمس غريباً. عريب بن عمليق.
من يطع نمرة يفقد ثمرة.
من يطع عكباً يمس منكباً.
إن لام المعدى ونفر إذ لام ارتفع.
بمثل جارية فلتزن الزانية سراً أو علانية هو جارية بن سليمان ابن الحارث بن يربوع بن حنظلة وكان جميلاً له حديث.
إن الشقي وافد البراجم.
شاكه أبا يسار.
شدت لأسر عمرو بن عدي.
يحمل شن ويفدي لكيز.
الأمثال في النساءأبصر من الزرقاء: يريد زرقاء اليمامة وهي معروفة.
أبذى من المطلقة.
أحيى من هدى.
أحيى من فتاة.
أحلى من ميراث العمة الرقوب.
أخرق من ناكثة غزلها: وهي امرأة من قريش.
أخزى من ذات النحيين.
أحمق من دغة.
أخيل من مذالة: يعنون الأمة لأنها تهان وهي تتبختر.
أخيل من واشمة استها.
أزنى من سجاح.
أزنى من هر. وهي امرأة يهودية، وهي إحدى من قطع المهاجر يدها حين شمتت بموت النبي صلى الله عليه وسلم.
أزهى من واشمة استها.
أسرع من نكاح أم خارجة.
أشأم من البسوس.
أسرع من المهثهثة.
أشأم من منشم قيل هي النمامة.

أشأم من رغيف الحولاء.
أشأم من ورقاء.
أشغل من ذات النحيين.
أشبق من حبى المدينية.
أضل من موءودة.
أطول من طنب الحمقاء أعز من الزباء.
أعز من حليمة.
أعز من أم قرفة.
أغنج من مفنقة.
أغلم من سجاح.
أفرغ من فؤاد أم موسى.
أكذب من السالئة.
أنقى من مرآة الغريبة.
أنجب من مارية: ولدت لزرارة: حاجباً، ولقيطاً وعلقماً.
أنجب من بنت الخرشب: ولدت لزياد العبسي الكملة وعلقمة، ربيعاً الكامل، وعمارة الوهاب، وقيس الحفاظ، وأنس الفوارس.
أنجب من أم البنين: ولدت لمالك بن جعفر بن كلاب، ملاعب الأسنة: عامراً، وفارس قرزل: طفيل، وربيع المقترين: ربيعة، ونزال المضيف: سلمى، ومعوذ الحكماء: معاوية.
أنجب من خبيئة: ولدت لجعفر بن كلاب: خالداً الأصبغ ومالك الطيان وربيعة الأحوص.
أنجب من عاتكة: ولدت لعبد مناف هاشماً وعبد شمس والمطلب.
أوفى من خماعة.
أوفى فكيهة.
أوفى من أم جميل.
أقود من ظلمة: وقد قيل: أقود من الظلمة.
لن ترضى شانئة إلا بجرزة: يراد به الاستئصال.
إن العوان لا تعلم الخمرة.
قطعت جهيزة قول كل خطيب: يضرب لمن يقطع على الناس كلامهم بجمعه.
إن النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه.
كل ذات صدار خالة لي.
كل شيء مهة ومهاة ما خلا النساء وذكرهن.
أطري فإنك ناعلة.
أمر مبكانيك لا أمر مضحكاتك.
مالي ذنب إلا ذنب صحر.
إن سرارها قوم لي عنادها.
وقعت في مرتعة فعيثي.
ذري بما عندك ياليغاء.
تحسبها حمقاء وهي باخس.
توقري يا زلزة.
تعلم من أطفح: يراد تعلم لمن الذنب.
قوري وألطفي.
كالممهورة من مال أبيها: يضرب لمن يتحمد بما لم يكن فيه.
أنت كالممهورة إحدى خدمتيها.
لو ذات سوار لطمتني.
خرقاء وجدت صوفاً.
قيل لحبلى: ما تشتهين؟ فقالت التمر وواهاً ليه.
لن تعدم الحسناء ذاماً.
إسق رقاش إنها سقاية.
القول ما قالت حذام.
المرأة من المرء وكل أدماء آدم.
إن النساء شقائق الأقوام: أي لهن مثل ما عليهن.
عثرت على الغزل بأخرة فلم تدع بنجد قردة.
اطرقي وميشي: يضرب لمن يخلط في كلامه.
لا تحمد أمة عام اشترائها ولا حرة عام ابتنائها.
كل ذات ذيل تختال.
خرقاء وجدت ثلة.
لا تعدم صناع ثلة.
خرقاء ذات نيقة.
خرقاء عيابة.
لا تعظيني ولا تعظعظي.
محسنة فهيلي.
الثيب عجالة الراكب: يضرب في الحث على الرضا باليسير إذا أعوز الكثير.
كالفاخرة بحدج ربتها.
وحمى ولا حبلى.
يا عبرى مقبلة، ويا سهرى مدبرة.
جلت الهاجن عن الولد: الهاجن الصغيرة.
قد كنت مصفرة قبل عاشرينا.
وأخبرينا أخبرها دماءها.
حانية مختضبة.
إلا حظية فلا ألية.
كفا مطلقة تفت اليرمع.
جعلت ما بها بي، وانطلقت تلمز.
من حظك نفاق أيمك.
إن الحماة أولعت بالكنه وأولعت كنتها بالظنة.
الأمثال في القبائل والآباء والأمهات والشيوخوالصبيان والأخوة والأخوات والأحرار والعبيد والإماء أتيه من فقيد ثقيف: وهو الذي هوى امرأة أخيه فتاه حياً.
أتيه من أحمق ثقيف: هو يوسف بن عمر، وهو من التيه والكبر.
أذل من قيسي بحمص.
أضل من قارظ عنزة.
أفسى من عبدي.
أبطش من دوسر. كتيبة النعمان.
أحنى من الوالد.
أحنى من الوالدة.
أخرق من صبي.
أشجع من صبي.
أضبط من صبي.
أظلم من صبي.
أكذب من صبي.
أبخل من صبي.
أبكى من يتيم.
أسرع من دمعة الخصي.
القبائللا يدرى أسعد الله أكثر أم جذام.
فرق ما بين معد تحاب.
قدما كل المعدى أكل سوء.
وافق شن طبقه.
لولا وئام هلكت جذام.
بعد الدار كبعد النسب.
ارعى فزارة لا هناك المرتع.
يا شن أثخني قاسطاً.
لا تعدم من ابن عمك نصراً.
يابعضي دع بعضاً: يضرب في عطف ذي الرحم.
رب ابن عم ليس بابن عم لك.
ربضك منك وإن كان سماراً.
تباعدت العمة عن الخالة.
إلى أمه يلهف اللهفان.
لست على أمك بالدهنا تدل.
هل لك في أمك مهزولة؟ قال: إن معها إلا إخلابة، يضرب للرجل يحض على حق يلزمه فيرضى فيه بأمر مقارب.
أم فرشت فأنامت.
تنهانا أمنا عن الغي وتعدوا له فيه.
لم ولمه عصيت أمي الكلمة؟ يضرب عند الندم على معصية الشقيق.
هوت أمه وهبلته لمه: يقال في مدح الأب.
من أشبه أباه فما ظلم.
كل فتاة بأبيها معجبة.

لا أبوك نشر ولا التراب نفد.
من يكن أبوه حذاء تجدد نعلاه.
الأخرب أخ لم تلده أمك.
هذا التصافي لا تصافي المحلب.
إذا عز أخوك فهن.
اسق أخاك النمرى.
الناس إخوان وشتى في الشيم.
انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.
مكره أخوك لا بطل.
من لك بأخيك كله.
أخوك من صدقك.
إن أخاك ليسر بأن يعتقل: يقال في الذم.
من كل شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه.
إن على أختك تطردين: أي قد أعد لك قرنك.
لاتلم أخاك، واحمد رباً عافاك.
إذا ترضيت أخاك فلا إخاء لك به.
أنا عذله وأخي خذله، وكلانا ليس بابن أمه.
لا يدعى للجلى إلا أخوها.
النفس تعلم من أخوها.
الشيوخبئس مقام الشيخ أمرس أمرس.
كل امرئ سيعود مريئاً.
من العناء رياضة الهرم.
تركته تقاس بالخداع: يضرب للشيخ، أي هو شاب في جلده.
أهون هالك عجوز في عام سنة.
أهون مظلوم عجوز معقوقة.
الشاب والصبيكان ذلك من شب إلى دب.
كل امرئ في بيته صبي.
اتق الصبيان لا تصبك بأعقائها.
أدرك القويمة لا تأكلها الهويمة.
العبيدعبد صريخه أمة.
استعنت عبدي فاستعان عبدي عبده.
مساواك عبد غيرك.
ليس عبد بأخ لك.
عبد وخلى في يده.
أعطي العبد كراعاً. ومثله: عبد ملك عبداً فطلب دراعاً.
الحر يعطى والعبد يألم قلبه.
يا عبد من لا عبد له.
حبيب إلى عبد سوء محكده.
احمل العبد على فرس إن هلك، هلك، وإن عاش فلك.
لا أفعل ذلك ما أبس عبد بناقته.
عبد أرسل في سومه.
هو العبد زلمة.
الإماءلا تفش سرك إلى أمه.
لا تفاكه أمة، ولا تبل على أكمة.
كالأمة تفخر بحدج ربتها.
تركته تغنيه بحدج ربتها.
تركته تغنيه الجرادتان: أي لاهياً في إمائها.
تلقى أمه عملها.
من أضرب بعد الأمة المعارة؟ هاجت زبراء: وهي جارية أحنف.
الغلمانلا تغز إلا بغلام قد غزا.
كيف بغلام قد أعياني أبوه.
تبشرني بغلام قد أعياني أبوه.
الأحرارلا حر بوادي عوف.
تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.
أنجز حر ما وعد.
الولدولدك من دمي عقبيك.
ابنك ابن بوحك.
من سره بنوه، ساءته نفسه.
إن الموصين بنو سهوان.
زين في عين والد ولده.
هم في أمر لا ينادي وليده.
أبهذا الذين يشبهون.
يعود لما أبني فيهدمه حسل: يعني ولده.
مثل ابنة الجبل مهما يقل تقل.
أنا ابن بجدتها.
تحلب بني وأشد على يديه، يقال لمن يفتي غيره على فعل ينسبه إليه وهو فاعل.
دع بنيات الطريق: أي خدم معظم الطريق، أي الأمر.
احفظي بيتك ممن لا تنشدين.
بنت برح.
بنت طبق.
شرك على رأسك: يقال ذلك في الشيء إذا استعظموه من داهية وغيرها.
الأمثال في النفس والجسد
والأعضاء والجوارح والشعر وما يشبه ذلك:أسرع من العير.
أسرع من طرف العين.
أسرع من لمح البصر.
أوهى من طرف المؤق.
أجرد من صلعة.
أهدى من اليد إلى الفم.
أعرى من إصبع.
أقصر من اليد إلى الفم.
أهدى من الإنسان إلى فيه.
أسرع من اليد إلى الفم.
أدق من الشعر.
أهون من الشعر الساقط.
ألزم من شعرات القص.
ألزم من اليمين للشمال.
أفرغ من يد تفت اليرمع.
أقصر من أنملة.
أذل من يد في رحم.
أضعف من يد في رحم.
أعيى من يد في رحم: يراد الجنيف.
أحمق من الممتخط بكوعه.
أدنى من حبل الوريد.
أشك من ناب جائع.
أعظم كمراً من الحواثر.
آكل من الضرس.
النفس والجسدألقى عليه شراً شره: أي ألقى نفسه عليه من حبه.
ألقى عليه بعاعه. مثله: ألقى عليه أوراقه.
مثل ذلك: هجم عليه نقابا: أي بنفسه.
ضرب على ذلك الأمر حاشه: أي نفسه.
ألقى عليه أجرامه وأجرانه: أي هواه.
ضرب عليه جروته: أي وطن عليه نفسه.
صدقته الكذوب: يعني نفسه.
ما أنت بأنجاهم مرقة: يعني نفساً.
النفس أعلم من أخوك النافع.
أكذب النفس إذا حدثتها.
النفس مولعة بحب العاجل.
ما زلت أفتل في الذروة والغارب.
نفسي تعلم أني خاسر.
حتى أسمحت قرونته وقرينيه أيضاً.
النفس عروف: أي إذا نزل أمر اعترفت نفسك بما نجحجح أعلم.
الرأس والعنقهو في ملء رأسه: أي هو فيما يشغله.
جاحش عن خيط رقبته: يضرب للذي يدافع عن دمه.
أعطاه بقوف رقبته: أي بجملته.
أخذه بقوف رقبته.
وأخذه سوط رقبته.

وأخذه بظوف رقبته.
بولغ به المخنق.
في رأسه خطة.
في رأسه نعرة.
رماه بأقحاف رأسه أي بالدواهي.
هو قفا غادر شر.
من نجا برأسه فقد ربح.
وقع في سي رأسه: يريد به الخصب والخير. وسيء برأسه وسوا رأسه وسوأ رأسه.
تقطع أعناق الرجال المطامع.
رأس برأس وزيادة مائة.
رمى منه في الرأس: يضرب في البغض حتى لا ينظر إليه.
اختلفت رؤوسها فرتعت: يقال في اختلاف الأراء.
إني لا كل الرأس وأعلم ما فيه.
الوجهوجه المحرش أقبح.
أقبح في وجه المآل تعرف إمرته.
ما يعرف قطاته من لطاته.
قبل البكاء كان وجهك عابساً.
وابآ بي وجوه اليتامى: يضرب في التحنن على الأقارب.
اللحية والشعرفلم خلقت إذا لم أخدع الرجال: يعني لحيته.
أصهب السبال: من أسماء العدو.
اقشعرت منه الذوائب: يضرب في الجبان.
العيننظرت إليه عرض عين.
نظرة من ذي علق.
عينه فرارة.
أعور، عينك والحجر.
جعلته نصب عيني.
لا آتيك ما حملت عيني الماء.
ما بها عين وما بالدار عين.
وما سقت عيني الماء.
عند فلان من المال عائرة عين: يراد به الكثرة.
إذا جاء الحين، حارت العين.
أزرق العين: من أسماء العدو.
هو على حندر عينه: يضرب في البغض.
لأرينك لمحاً باصراً: يضرب في التوعد.
غره بين عيني ذي رحم.
ليس لعين ما رأت، ولكن لكف ما أخذت.
هو في مثل صدقة البعير.
وفي مثل حولاء الناقة: أي في الخصب.
عين عرفت فذرفت.
لحظ أصدق من لفظ.
هو شديد جفن العين: يقال ذلك للصبور على السهر.
احذر إذا احمرت حماليقه.
ليست لما قرت به العين ثمن.
أطلب أثراً بعد عين.
بعين ما أرينك: أي اعجل وكن كأني أنظر إليك.
الأذنلا يسمع أذناً خمشاً: أي لا يقبل نصحاً.
ليست على ذلك أذني: أي سكت عنه.
أساء سمعاً، فأساء إجابة.
بأذن السماع سميت: معناه أن فعلك يصدق.
من يسمع يخل.
جاء بأذني عناق الأرض: أي بالباطل والكذب ويقال في الداهية أيضاً.
جعلت ذلك دبر أذني.
جاء ناشراً أذنيه: أي طامعاً.
الأنفكل شيء أخطأ الأنف جلل.
أرغت حيث لا يضع الراقي أنفه.
جرحه حيث لا يضع الراقي أنفه: أي لا دواء له.
أنفك منك وإن كان أجدع.
شفيت نفسي وجدعت أنفي.
مات فلان حتف أنفه.
أنف في السماء وإست في الماء.
جدع الحلال أنف الغيرة قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كاس أنفه فيما يكره.
أفعله رغم أنفه.
لا أحب رئمان أنف وأمنع الضرع.
رب حام لأنفه وهو جادعه.
شامخ بأنفه: يعني الصلف.
لمكر ما جدع قصير أنفه.
أنفك منك وإن دن.
الأسنانإنه ليحرق عليه الأرم.
قد تحدته من بنات النواجز.
قد عض على نواجزه.
متى عهدك بأسفل فيك: أي متى أبعدت فضرب مثلاً للأمر القديم.
ما في فيه حاكه ولا تاكه.
جاء تضبب لثته: يراد به الحرص.
جاء وهو يقرع سن نادم.
أعييتني بأشر فكيف بدردر؟ أهد لجارك أشد لمضغك: يقول إذا أهديت أهدوا إليك.
الصبي أعلم بمضغ فيه.
ضرسوا فلاناً: إذا أدموه، اللسان والنطق.
كدمت غير مكدم.
أهون مرزئة لسان ممخ.
عليه من الله لسان صالحة: يقال ذلك في الثناء.
من عض على شبدعه سلم من الآثام: يريد اللسان.
سكت ألفاً ونطق خلفاً.
سرت إلينا شبادعهم: أي ذمهم وعيبهم.
مقتل الرجل بين فكيه.
الذقنذليل استعان بذقنه.
أفلتني جريعة الذقن.
لألحقن حواقنك بذواقنك.
الفمكل جان يده إلى فيه.
جرى منه مجرى اللدود.
لو وجدت إلى ذلك فاكرش لفعلته: أي لو وجدت سبيلاً.
فاهاً لفيك.
أفواهها مجاسها.
ويقال أيضاً: أخاكها مجاسها.
أراك بشر ما أحار مشفر.
حياك من خلا فوه.
ذكرني فوك حماري أهلي.
حدثني فاه إلى في.
فلان خفيف الشفة: أي قليل المسألة.
اليدأطعمتك يد شبعت ثم جاعت ثم شبعت، ولا أطعمتك يد جاعت ثم شبعت.
إذا أرجحن شاصيا فارفع يداً. وإذا ارجعن أيضاً.
حلبت بالساعد الأشد: لليدين والفم.
صفرت يداه لي عند فلان.
يد ما تحجر في عكم: أي لا تخفى ولا تستر.
بالساعد تبطش الكف.
ذهبوا أيدي سبأ.
على يدي دار الحديث.
هو على حبل ذراعك.
أراد أن يأكل بيدين.
لا تبطر صاحبك ذرعه: أي لا تحمله مالا يطيق.
ما تبل إحدى يديه الأخرى. يقال للبخيل.

اقصر بذرعك.
ارق على ظلعك.
يداك أوكتا وفوك نفخ.
تركته على أنقى من الراحة.
لقيته أول ذات يدين.
كان فلان كراعاً فصار ذراعاً.
كفا مطلقة تفت اليرمع.
اليد العليا خير من اليد السفلى.
إن الذليل ليس له عضد.
فلان على يدي عدل.
هذه يدي لك: يريد الانقياد.
فلان يقلب كفيه على كذا: يقال عند الندم.
سقط في يده: إذا ندم.
رددت يده في فيه: إذا غطته.
فلان نازع يداي عاصياً.
أعطاه عن ظهر يد.
الأيدي الواحد بعشرة.
مالي بهذا الأمر يدان.
فلان عندي باليمين وفلان عندي بالشمال.
تربت يداك.
هم عليه يد: أي مجتمعون.
أشدد يديك بغرزه: أي ألزمه.
عي أبأس من شلل.
الصدرشد للأمر حزيمه.
جاء يضرب أصدريه: إذا جاء فارغاً.
تأبى ذلك بنات لببي.
صدرك أوسع لسرك.
الجنبعركت ذلك بجنبي.
ما أبالي على أي قطريه وقع. وقتريه أيضاً.
بجنبه فلتكن الوجبة.
ما أبالي على أي قطريه وقع. وقتريه أيضاً.
بخيبة فلتكن الوجبة.
من كلا جنبيك لا لبيك.
البطن والظهرانقطع السلى في البطن: أي فات الأمر.
ما في بطنها نعرة: أي ليس بها حبل.
بطني فعطري، وسائري فذري.
نزت به البطنة.
كيف توقي ظهر ما أنت راكبه؟ قلب الأمر ظهراً لبطن.
إن كنت تشد بي أزرك فارخه.
مات ببطنته لم يتغضغض منها شيء: يقال للبخيل.
مات وهو عريض البطان.
ما أعرفني كيف يجز الظهر.
لا تجعل حاجتي منك بظهر.
ببطنه يعدو مثل ذلك الذكر.
حولها من ظهرك إلى بطنك: أي أحلها إلى قرين.
ما حك ظهري مثل يدي.
عرف بطني تربة: قيل في ذروته وغاربه.
القلب والكبديستمع المرء بأصغريه.
اجعله في سويداء قلبك.
ما أبردها على الكبد.
هو بين الخلب والكبد.
هو أسود الكبد.
الرجل والساقرماه فأشواه: من الشواء وهي القوائم.
إرق على ظلعك.
قدح في ساقه.
قرع له ساق.
قرع له ظنبوبه إذا حدا.
إن يدم أظلك فقد نقب خفى.
بق نعليك وابذل قدميك.
هلكوا على رجل فلان: أي في زمن فلان.
لا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقاً.
شر ما أجاءك إلى مخة عرقوب.
أتتك بحائن رجلاه.
لفلان قدم في الخير.
جاء فلان يجر رجليه.
لأطأنهم بأخمص رجلي.
قد شمرت ساقيها فشمري.
جاء بوركي خبر أرجلكم.
العروقأخبرته بعجري وبجري.
فتح صدرك بعلم عجرك وبجرك.
أيعيرني ببجري وينسى بجره.
إن العروق عليها ينبت الشجر.
السهالعين ذكاء السه.
إياك وكل قرن أهلب.
كالمصطاد أنت باسته.
طار باست، فزعة.
في استها مالا يرى. يضرب لمن يحيره أكثر من مرآه.
اتقى بسلحه سمره.
جاء ينفض مذرويه.
أفلت وانحص الذنب.
أفلت وله حصاص.
قبل الضراط استحصاف الأليتين.
استه البائن أعلم.
است لم تعود المجمر.
إنك لتمد بسرم كريم.
أريها استها وتريني القمر.
أضحك من ضرطه، ويضرط من ضحكي.
استه أضيق من ذلك.
أضرطاً وأنت الأعلى.
استي اخبثي.
إست في الأرض، وأنف في السماء.
الذكرنعم عوفك.
إن الكمر أشباه الكمر.
من يطل أير أبيه ينتطق به.
لو خفت خصاهم ولكنها كالمزاد.
هذا حر معروف.
لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت.
النكاحانكحيني وانظري.
كمعلمة أمها البضاع.
لقوة صادفت قبيصاً.
بالرفاء والبنين.
هنئت فلا تنكه.
قرب الوساد وطول السواد.
من ينكح الحسناء يعط مهراً.
الأمثال في الإبل والخيل والبغال والحميرأحقد من جمل.
أحسن من شنف الأنضر.
أخف حلماً من بعير.
أخيب من ناتج سقب من حائل.
أخلف من ثيل البعير.
أخلف من بول البعير.
أذل من السقبان بين الحلائب.
أذل من الحوار.
أخبط من عشواء.
أذل من بعير سانية.
أروى من بكر هبنقة.
أصول من جمل.
أصبر من عود بدفيه جلب.
أصبر من ذي ضاغط معرك.
أشرب من الهيم.
أغير من الفحل.
أغير من الجمل.
ألأم من سقب ريان.
أملخ من لحم الحوار.
أهون من ضرطة الجمل.
أثقل من حمل الدهيم.
أتخم من فصيل.
أحمق من الربع.
أنفر من أزب.
أهدى من جمل.
أشأم من قاشر: وهو فحل.
أعز من الأبلق العقوق.
أشهر من فارس الأبلق.
أشهر من راكب الأبلق.
أسمع من فرس.
أشأم من خميرة.
أطوع من فرس.
أعدى من فرس.

أقصر من ظاهرة الفرس.
أجرأ من فارس خصاف.
أجرأ من خاصي خصاف.
أتعب من رائض مهر.
أحسن من الدهم الموقفة.
أبصر من فرس.
أخلف من ولد الحمار.
أذل من عير أبي سيارة.
أذل من حمار مقيد.
أجهل من حمار.
أقصر من غب الحمار.
أعقم من بغلة.
أعقر من بغلة.
أهون من ذنب الحمار على البيطار.
أتبع من تولب.
أشأم من داحس.
أشأم من الزرقاء: قالوا هي الناقة، وربما نفرت وذهبت في الأرض.
أكذب من الأخيذ الصيحان: قالوا هذا الفصيل الذي أتخم من اللبن وقيل غير ذلك.
أشأم من سراب: وهي ناقة البسوس.
أسرع من فريق الخيل: يريد السابق الذي يفارقها.
أنشط من عير الفلاة.
أضرط من حمار.
أحمق من أم الهنبر: قالوا: هي الهنبر ولد الحمار وأمه الأتان.
الإبلصدقني سن بكره.
كانت عليهم كراغية البكر.
أكرم نجر الناجيات نجره.
كل نجار إبل نجارها.
نجارها نارها.
لا تنسبوها وانظروا ما نارها: قالوا ذلك للبعير.
أصوص عليها صوص: الأصوص الناقة الحائل السمينة والصوص الرجل اللئيم.
أخذت الإبل أسلحتها.
أعجب حياً نعمه.
يهيج لي السقام، شولان البروق في كل عام.
أصبر من عود.
إني والله لا أحسن تكذابك وتأثامك، تشول بلسانك شولان البروق.
كالمهدر في العنة.
لا يعدم الحوار من أمه حنة.
لا تعدم ناقة من أمها حنة.
تكذابك وتأثامك، تشول بلسانك شولان البرق.
كفضل ابن المغاض على الفضيل: يراد به التقارب.
استنت الفصلان حتى القريعي.
امهلني فواق ناقة.
لا آتيك ما حنت النيب إلى النيب.
لا آتيك ما أطت الإبل.
ما أفعل ذلك حتى يلج الجمل في سم الخياط.
الغاشية تهيج الآبية.
إن الغاشية تعشى النابية.
حرك لها حوارها تحن.
الفحل يحمي شوله معقولاً.
أدع لها حوارها تحن.
زاحم بعود أو دع.
الذود إلى الذود إبل.
اذهبي فلا أنده سربك.
شنشنة أعرفها من أخزم.
إن جرجر العود فزده ثقلاً، وإن أعيا فزده نوطا.
إنما يجزى الفتى ليس الجمل.
لا يضير الحوار وطء أمه.
هل تنتج الناقة إلا لمن لقحت.
أخلبت ناقتك أم أحلبت.
رئمت لفلان بو ضيم.
غلبت جلتها حواشيها.
عود يقلح.
ومثله: ومن العناء رياضة الهرم.
عود يعلم العنج.
استنوق الجمل.
جاءوا على بكرة أبيهم.
اللقوح الربعية مال وطعام.
القزم من الأفيل.
إذا زحف البعير أعيته أذناه.
اضربه ضرب غرائب الإبل.
لا ناقتي في هذا ولا جملي.
هان على الأملس ما لاقى الدبر.
هما كركبتي البعير.
ما تقرن بفلان الصعبة.
شتى تؤوب الحلبة.
أدرك أرباب النعم: أي من كان له عناية بالأمر.
لكل أناس في بعيرهم خبر.
عرض علي الأمر سوم عالة.
ما استتر من قاد الجمل.
كفى برغائها منادياً.
عرف حميقاً جمله.
اختلط المرعى بالهمل.
إن تسلم الجلة فالنيب هدر.
قودوه لي باركاً.
ضرب البعير في جهازه: إذا مات وضرب في رقبته.
اتخذ الليل جملاً تدرك.
إن الضجور قد تحلب العلبة.
كل أزب نفور.
ما أرخص الجمل لوما الهر.
كالنازي بين القرينين.
وقع القوم في سلي جمل: يراد به الشدة.
هذا أمر لا تبرك عليه الإبل. أي شديد.
وما هو في العير ولا في النفير.
يخبط خبط عشواء.
كلكم فليحتلب صعوداً.
يا إبلي عودي إلى مبارك.
أرخت مشافرها للعس والحلب.
عشمشم يغشي الشجر: وهما الأيهمان.
جل الولد عن الهاجن.
بئس العوض من جمل قيده.
عجباً تحدث أيها العود.
لا يجمل الكذب بالشيخ.
إحدى نواده البكر.
أعديتني فمن أعداك؟: يخاطب ناقته وقد تثاءبت لتثاؤب لص فتثاءب لتثاؤبها.
ناب وقد تقطع الدوية.
كلا زعمت العير لا تقاتل.
الإبساس قبل الإيناس.
لا أفعل ذلك ما أرزمت أم حائل.
آخر البز على القلوص: يعني الدهيم التي حملت رؤوس زناد الذهلى.
ماله سارحة ولا رائحة.
لا أفعل ذلك ما حنت الدهماء.
لا أفعل ذلك ما حنت النيب.
لا أفعل ذلك. ما أطت الإبل.
لقد كنت وما يقاد بي البعير.
لا تراهن على الصعبة، ولا تنشد القريض.
الحرام يركب من لا حلال له.
قد لا يقاد بي الجمل.
ضرح الشموس ناجزاً بناجز.
أوسعتهم سباً وأودوا بالإبل.
العنوق بعد النوق.
يوم بيوم الحفض المجور.
كالحادي وليس له بعير.
في مثل حدقة البعير.

هم في مثل حولاء الناقة: مثل ذلك يريدون العشب والخصب.
الخيلهذا أوان الشد، فاشتدي زيم: زيم اسم فرس.
كان جذعاً باسقاً من صوره، ما بين لحييه إلى سنوره.
إنه لحثيث التوالي وسريع التوالي: يقال للفرس، وتواليه: مآخيره.
لا يعدم شقي مهراً.
طلب الأبلق العقوق.
كان جوادي فخصي.
كل مجر بالخلاء يسر.
جرى مذك حسرت عنه الحمر.
جرى المذكيات غلاب.
مذكية تقاس بالجذاع.
الخيل تجري على مساويها.
قد تبلغ القطوف الوساع.
جاء فلان وقد لفظ لجامه.
تجري يليق وتذم: ويليق اسم فرس.
إن الجواد عينه فراره.
هما كفرسي رهان.
الخيل أعلم بفرسانها.
أحشك وتروثني.
عرفتني نسأها الله.
تقفز الجعثن بي، يا مر زدها قعبا: يعني فرسه.
شتى تؤوب الحلبة: قالوا هو في الخيل إذا عازف من الحلبة.
غضب الخيل على اللجم.
لألحقن قطوفها بالمعناق.
ترك الخداع من أجرى من مائة.
كالأشقر إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر.
اتبع الفرس ولجامها.
ما يشق غباره: أصله للخيل.
أحق الخيل بالركض المعار.
الأمثال في الحمارأكرمت فارتبط.
إذا أدنيت الحمار من الردهة فلا تقل له سأ.
إذا قربت الحمار من الوهدة فلا تقل هد وهت.
ودق العير إلى الماء: يضرب في المستسلم.
أدني حماريك فأزجري.
أنكحنا الفرا، فسوف ترى.
دون ذا أو ينفق الحمار.
قد يضرط العير والمكواة في النار.
إنك لآذى من العير إلى السهم.
اتخذوه حمار الحاجات.
هما حماري العبادي.
ما بقي منه إلا قدر ظمء الحمار.
فلأضربنه ضرب أداني الحمر.
ذكرني فوك حماري أهلي.
ضرها جد العير الصليانة: يضرب للحالف.
كان حماراً فاستأتن.
أودى العير إلا ضرطاً.
ما بالعير من قماص.
العير أوقى لدمه.
جاء كخاصي العير.
وقعا كعكمي عير.
إن ذهب عير فعير في الرباط: لمن جاء مستجيباً.
عير بعير وزيادة عشرة.
عير عاره وتده.
كل صيد في جوف الفرا.
نجى حماراً سمنه.
لا يأبى الكرامة إلا حمار.
سواسية كأسنان الحمار.
قبل عير وما جرى.
تركته جوف حمار: قيل لأنه لا ينتفع بشيء في بطنه ولا يؤكل وقيل غير ذلك.
هو عير وحده وجحيش وحده.
عير ركضته أمه، وركلته أيضاً.
قد حيل بين العير والنزوان.
معيوراء تكادم.
البغل نغل وهو لذلك أهل.
الجحش لما فاتك الأعيار.
الأمثال في البقر والغنم والظباءأعجل من نعجة إلى حوض.
أهون من ضرطة عنز.
أقفط من تيوس البياع.
أصرد من عير جرباء.
أغر من ظبي مقمر.
أصح من ظبي.
أشقى من راعي ضأن ثمانين.
أشغل من مرضع بهم ثمانين.
أقفط من تيس بني حمان.
آمن من ظبي مقمر.
أنوم من غزال.
أوقل من وعل.
أحمق من نعجة على حوض.
أسخى من لافظة.
أذل من اليعر.
أذل من النقد.
أبله من ثور.
أزهى من ثور.
الغنم والضأنلا تحبق في هذا الأمر عناق حوليه.
لا ينفط فيه عناق.
عند النطاح يقلب الكبش الأجم.
لا تنطح بها ذات قرن جماء.
لا ينتطح فيه عنزان.
لا أفعل ذلك حتى تجتمع معزى الفزر.
رمدت الضأن فربق ربق.
أضرعت المعزى فرمق رمق، ورنق أيضاً.
ماله عافطة ولا نافطة.
ماله ثاغية ولا راغية.
عنز في حبل فاستتيست.
المعزى تبهى ولا تبنى.
كل شاة تناط برجلها.
ما له هلع ولا هلعة. قالوا: هو الجري والقناص.
خير حالبيك تنطحين.
حتفها تحمل ضأن بأظلافها.
لا يعرف هراً من بر: الهر: دعاء الغنم، والبر: سوقها.
فرارة تسفهت قرارة. أي الضأن.
نزو الفرار استجهل القرارا.
أعنز بها كل داء.
هيل هيل، دري دبس. اسم شاة.
لا تنطح جماء ذات قرن.
كالخروف أينما مال اتقى الأرض بصوف.
ما لفلان أمر ولا آمرة: الأمر: الخروف. الآمرة: الرحل.
أجرى الله غنماً خيرها.
الخروف يتقلب على الصوف.
كالكبش يحمل شفرة وزناداً.
كل شاة معلقة برجلها.
باءت غرار بكحل.
الكلاب على البقر.
نزو الفرار استجهل القرارا.
ولد البقر من الوحش.
إنما أكلت يوم الثور الأبيض.
كالثور يضرب لما عافت البقر.
تركت فلاناً بملاحس البقر. أي الموضع لا أنيس به.
جاء يجر بقره.
من عيال البقر أولادها.
في الظباء تركة.
ترك ظبي ظله.
كيف الطلا وأمه.
لا أفعل ذلك ما لألأت به ظبي العرف بأذنابها.
به داء ظبي.

من لي بالسانح بعد البارح.
ما يجمع بين الأروى والنعام.
هو كادح الأروى بمثل مطرد الأوابد.
تركتهم في كصيصة الظبي.
بحازج الأروى، قليلاً ما ترى.
أول الصيد فرع.
تيس الحلب.
ضب السحاة.
قنفذ برقة.
أرنب الخلة.
شيطان الحماطة.
ذنب الحمير.
الأمثال في الأسد والسباع والوحوشأبخر من أسد.
أجرأ من خاصي أسد.
أجرأمن ذي لبد.
أجرأ من أسامة.
أجرأ من قسورة.
أجرأ من ليث بخفان.
أجوع من ذئب.
أحمى من أنف الأسد.
أخف رأساً من الذئب.
أخبث من ذئب الخمير.
أخبث من ذئب الغضى.
أختل من ذئب.
أخون من ذئب.
أخب من ذئب.
أشجع من أسامة.
أشجع من ليث عريسة.
أشجع من ليث عفرين.
أشره من أسد.
أصح من ذئب.
أشد من أسد.
أظلم من ذئب.
أعز من أست النمر.
أعز من أنف الأسد.
أعدى من الذئب.
أعتى من الذئب.
أعق من ذئبه.
أمنع من لهاة الليث.
أنشط من ذئب.
أيقظ من ذئب.
آلف من كلب.
أبصر من كلب.
أبخل من كلب.
أبخر من فهد.
أجوع من كلبة حومل.
أشجع من كلب.
أبول من كلب.
أحمق من أم الهنبر.
أحمق من جهيزة.
أحذر من ذئب.
أحول من ذئب.
أحرص من ذئب.
أخرس من كلب.
أحرس من كلبة كريز.
أخب من ثعالة.
أختل من ثعالة.
أخيل من ثعالة.
أخيل من ثعلب في استه عهنة.
أروغ من ثعالة.
أزنى من قرد.
أزنى من هجرس.
أزنى من ضيون.
أزنى من قط.
أزنى من هر.
أجبن من هجرس.
أزهى من ثعلب.
أسرع من كلب إلى ولوغه.
أعطش من ثعلب.
أسرع من لحسة الكلب أنفه.
أسمع من سمع.
أذل من صيد ليث عفرين.
أعبث من قرد.
أكسب من فهد.
أكسب من ذئب.
ألح من كلب.
ألأم من كلب على عرق.
ألوط من دب.
أوقح من ذئب.
أولغ من كلب.
أنبش من جيأل.
أنعس من كلب.
أنوم من فهد.
أجرأ من خاصي الأسد.
أسرع غدرة من الذئب.
أبقى عدواً من الذئب.
أسلط من سلقة: وهي الذئبة.
أنكد من كلب أجص.
أجوع من ذئب.
أعق من ذئبة.
أعيث من جعار.
أحمق من ضبع.
أغزل من الفرعل.
أفحش من كلب.
أجوع من زرعة وبني كلبة.
لا قرار على زأر من الأسد.
أخذه أخذ سبعة. قالوا أراد سبعة وقيل: أراد العدو وقيل هو اسم الرجل.
الذئبأبشر بغزو كولغ الذئب.
من استرعى الذئب ظلم.
الذئب يأدوا للغزال ليأكله. ويقال: يدأي أي متدارك.
الذئب يكنى أبا جعدة.
سقط العشاء به على سرحان.
الذئب خالياً أشد.
الذئب مغبوط جائعاً.
لقد كنت ما أخشى بالذئب فاليوم قيل: الذئب. ويضربون المثل ب: الذئب الخمر.
وذئب الغضا.
وسرحان القصيم.
خش ذؤاله بالحبالة. الذؤالة: الذئب.
نزلنا ببلدة يتنادى أصرماها: وهما الذئب والغراب.
ذئب الغضى.
سرحان القصيم.
ضريت فهي تخطف: وضربت أيضاً قيل أرادوا به الذئب.
الذئب أدغم: يضرب لمن يظن به الخير وليس كذلك لأن الذئاب دغم.
الذئب للضبع.
لبست له جلد النمر.
الضبعأطرقي أم عامر.
خامري أم عامر.
خامري حضاجر أتاك ما تحاذر.
عيثي جعار.
الضبع تأكل العظام ولا تدري ما قذى استها.
كمجير أم عامر.
اعرض عليه خصلتي الضبع الراكب.
أحاديث الضبع استها.
كرهت خنازير الحميم الموغر.
في الكلباستعسب فلان استعساب الكلب.
على أهلها تجني براقش. وهي كلبة وقيل إمرأة.
نعم كلب في بؤس أهله.
لا أفعل ذلك حتى ينام ظالع الكلاب.
سمن كلبك يأكلك.
لا تقتن من كلب سوء جروا.
أحب أهل الكلب إلى الكلب الظاعن.
فلان ما يعوي ولا ينبح.
كلب عس، خير من أسد ربض.
كلب عس خير من أسد أندس.
الكلب على البقر.
أجع كلبك يتبعك.
يبعث الكلاب عن مرابضها.
أحب أهل الكلب إليه خانقه.
عجلت ما عجلت الكلبة أن تلد ذا عينين.
النبح ومن بعيد، أهون من العدو من قريب.
على فلان واقية الكلاب.
لا يضر السحاب نباح الكلاب.
الثعلبإنما فلان ذئب الثعلب.
لقد ذل من بالت عليه الثعالب.
كذلك النجار يختلف: مثل ينسب إلى الثعلب.
زمان أربت بالكلاب الثعالب.
الهرإذا اعترضت كاعتراض الهرة، أوشكت أن تسقط في أفرة.
ما يعرف هراً من بر.
الأمثال في الهوام والحشراتآكل من السوس.
أجول من قطرب.
أشهر من قطرب.

أفسد من السوس.
أجوع من قراد.
أسمع من قراد.
أذل من قراد بمنسم.
أجهل من فراشة.
أضعف من فراشة.
أطيش من فراشة.
أخف من فراشة.
أخطأ من فراشة.
أجهل من عقرب.
أزب من عقرب.
أعدى من العقرب.
أجمع من الذرة.
أضبط من ذرة.
أخفى من الذرة.
أقطف من فريخ الذر.
أشم من ذرة.
أكسب من ذرة.
أجرد من جراد.
أصفى من لعاب الجراد.
أصفى من لعاب الجندب.
أصرد من جرادة.
أسرى من جراد.
أعظم من جراد.
أغوى من غوغاء الجراد.
أفسد من الجراد.
أنزى من الجراد.
أزهى من ذباب.
أشقى من الذباب بالذباب.
أندى من الذباب.
أطيش من ذباب.
أمهن من ذباب.
أهون ذباب.
أجل من الحرش: مثل يحكى عن الضب.
أشرد من ورل.
أصبر من ضب.
أضل من ضب.
أضل من ورل.
أطول ذماء من الضب.
أسمع من ضب.
أروى من ضب.
أخب من ضب.
أخدع من ضب.
أحير من ضب.
أخير من ورل.
أظلم من ورل.
أعق من ضب.
أعقد من ذنب الضب.
أعقد من بعج الضب.
أعمر من ضب.
أقصر من فتر الضب.
هو أعلم بضب من حرشه.
أقصر من إبهام الضب.
أذل من حمار قبان.
أطول ذماء من الخنفساء.
أخنس من الخنفساء.
أخس من الخنفساء.
أنحس من فاسية.
أسرع غضباً من فاسية.
ألج من الخنفساء.
ألزق من الجعل.
آكل من الحوت.
أسبح من نون.
أروى من الحوت.
أظمأ من حوت.
أعطش من حوت.
أشجع من ليث عفرين.
أصنع من سرفة.
أوهن من بيت العنكبوت.
أصنع من النحل.
أصنع من دود القز.
أضعف من بقة.
أعز من مخ البعوض.
أضبط من نملة.
أروى من النملة.
أعطش من النمل.
أكسب من النمل.
أكثر من النمل.
أقوى من النملة.
أقصر من زب النملة.
أقطف من نملة.
أسرى من جراد.
أضل من ولد اليربوع.
أسرق من زبابة.
أكسب من فأر.
أطول من الحية.
أسمع من حية.
أظلم من الحية.
أظلم من أفعى.
أعدى من الحية.
أروى من الحية.
أعرى من الأيم.
أثبت من قراد.
أظفر من برغوث.
أفحش من قالية الأفاعي.
أشهر من جرجر.
أسرى من أنقد.
أسمع من قنفذ.
أرسح من ضفدع.
أعطش من النقاقة.
أدب من قرنبي.
أخشن من الشهيم.
أجزم من حرباء.
أظلم من تمساح.
أعلق من قراد.
أغزل من عنكبوت.
أغزل من سرفة.
أفسد من أرضة.
أفسى من ظربان.
أقطف من حلمة.
ألزق من برام.
ألزق من قرنبي.
أنتن من ظربان.
أشرد من ورل الحضيض.
أسرع من تلمظة الورل.
أشرد من ورل الحضيض.
أضل من ورل.
أسمع من دلدل.
أعذر من أم أدراص.
أكثر من الدباء.
أسوأ من جرادة.
أخطأ من ذبابة.
الضبأطعم أخاك من عقنقل الضب، إنك إن تمنعه منه يغضب.
هذا أجل من الحرش.
أتعلمني بضب أنا حرشته.
ما أبالي ما نهئ من الضب وما نضج.
ما نهئ من ضبك.
كل ضب عنده مرداته.
لا أفعل ذلك سن الحسل.
خله درج الضب.
لا يكون ذلك حتى يحن الضب في أثر الإبل الصادرة.
ما هو إلا الضب كدية.
ضب قلعة.
ما هو إلا ضب كذا، وضب كلدة. أي لا يقدر عليه.
إن تك ضباً فأنا حسلة.
أخذه أخذ الضب ولده.
أنا أعلم بضب احترشته.
إذا أخذت برأس الضب أغضبته.
إذا أخذت بذنبه أغضبته.
الضب أخبث نفسه.
حتى يؤلف بين الضب والنون.
تطلب ضباً وهذا ضب مخرج رأسه.
الظربانهما يتماشيان جلد الظربان.
بينهما جلد الظربان.
فسا بينهم ظربان.
القنفذذهبوا إسراء قنفذ.
قنفذ برقة: يضرب به المثل.
الفأرسرينا ليلة ابن انقد.
أضل دريص نفقه.
سقط في أم أدراص بليل مضلل.
بات بليلة أنقد.
برز نارك، وإن هزلت فارك.
الحوتأحوتا تماقس؟
الحيةشيطان الحماطة: يضرب به المثل فهو الحية.
إنه لهتر أهتار، وصل أصلال.
صمي صمام ابنة الجبل. يراد به الحية.
هو كالأرقم إن يقتل ينقم، وإن يترك يلقم.
أطرق إطراق الشجاع.
جاء بإحدى بنات طبق.
لا يلسع المؤمن من جحر مرتين.
قد بكرت شبوة تزبئر.
سرت إلينا شبارعهم. وهي العقارب.
دبت إلينا عقاربهم.
تلدغ العقرب وتصيء الجراد.
لا أدري أي الجراد عاره.
جاء القوم كالجراد المشعل.
علقت معالقها وصر الجندب.
وقع في أم جندب.
قد بدت جنادعه.
القرادالقردان حتى الحلم.

فلانا يقرد فلاناً: أي يحتال له بخدعة.
لا يليق هذا بصفري: والصفر: حية تكون في البطن.
القرنبي في عين أمها حسنة.
ما عليها خز بصيصة: قالوا هي البقة.
ما الذباب وما مرقته.
كلفتني مخ البعوض.
لا أفعل ذلك حتى يحج البرغوث.
طامر بن طامر: قالوا: هو البرغوث.
أنا أغني عنه من التفة عن الرفة: قالوا: التفة: عتاق الأرض، الرفة: التبن.
الأمثال في الطيور ضواريها وبغاثهاآمن من حمام مكة.
آلف من حمام مكة.
أحمق من حمامة.
أخرق من حمامة.
آلف من غراب عقدة.
أبعد من بيض الأنوق.
أعز من بيض الأنوق.
أبصر من باز.
أبصر من عقاب ملاع.
أحذر من فرخ عقاب.
أحزم من فرخ عقاب.
أخطف من عقاب.
أزهى من غراب.
أعز من الغراب الأعصم.
أعز من عقاب الجو.
أبصر من نسر.
أبصر من غراب.
أخيل من غراب.
أحذر من غراب.
أبكر من غراب.
أبصر من الوطواط بالليل.
أجبن من صافر.
أجبن من صفرد.
أجبن من كروان.
أجبن من ليل.
أجبن من نهار.
أحمق من نعامة.
أحذر من ظليم.
أروى من نعامة.
أحمق من رخمة.
أحمق من الحباري.
أحمق من عقعق.
أسرع من عقعق.
ألص من عقعق.
أحذر من عقعق.
أحلم من فرخ الطائر.
أحسن من طاووس.
أحسن من الديك.
أخف رأساً من الطير.
أصفى من عين الديك.
أشجع من ديك.
أخف حلماً من العصفور.
أخيل من ديك.
أزهى من ديك.
أزهى من طاووس.
أسخى من لافظة.
أسفد من ديك.
أسفد من عصفور.
أسلح من حباري.
أسلح من دجاجة.
أشأم من طير العراقيب.
أشأم من غراب البين.
أشبه من الغراب بالغراب.
أشرد من ظليم.
أشرب من خفيدد.
أشم من نعامة.
أشم من هقل.
أصنع من تنوط.
أصدق من قطاة.
أصفى من عين الغراب.
أصغر من صعوة.
أقصر من إبهام القطاة.
أكذب من فاختة.
أكمد من حباري.
أكبر من لبد.
أمنع من عقاب الجو.
أنفر من نعامة.
أند من نعامة.
أهدى من قطا.
أهدى من حماقة.
أصح من ظليم.
أحذر من قرلي.
أحزم من قرلي.
أبخر من صقر.
أثقل من زواقي: وهي الديكة.
أموق من الرخمة.
أموق من نعامة.
أنجب من نعامة.
أشد سواداً من حنك: وهي الديكة.
أنسب من قطاة.
أشأم من الشقراق.
وجد تمرة الغراب.
أذل من بضة البلد.
أقصر من إبهام الحباري.
العنقاء والعقابحلقت به عنقاء مغرب.
طارت بهم العنقاء.
أودت بهم عقاب ملاع.
عقاب قلاع كأنه لبد.
إن البغاث بأرضنا يستنسر.
أنطقي يا رخم إنك من طير الله.
وقعت رخمته: إذا وافقه وأحبه.
النعامالأوب أوب نعامة.
ما يجمع بين الأروى والنعام.
خفت نعامته.
شالت نعامتهم.
الصقر والبازيصقر يلوذ حمامه بالعوسج.
وهل ينهض البازي بغير جناح؟! ما رأيت صقراً يرصده خرب.
تقلدها طوق حمامة.
الغرابهم في خير لا يطير غرابه.
لا يكون كذا حتى يشيب الغراب.
فلان واقع الغراب.
مثل قوله: إنه لساكن الريح وسكنت ريحه.
تفرس الأسد المشتم. وتفرق من صوت الغراب.
تركت فلاناً بوحش الإصمت.
أخاك كغراب الصرد.
هو غراب بن دأية: يقال ذلك للكذاب.
الحبارىكل شيء يحب ولده حتى الحباري.
أطرق كراً، إن النعام في القرى.
بات فلان كمد الحباري.
أطرق كراً يحلب لك.
أطرق كراً إنك لن ترى.
وعيد الحباري الصقر.
القطالو ترك القطا ليلاً لنام.
ليس قطاً مثل قطي.
لاقيت الأخيل: دعاء على المسافر.
الطيرإنه لواقع الطير. يقال للحليم.
كأن على رأسه الطير.
خلا لك الجو فبيضي واصفري.
ما يزجر الطير بأسمائها، وما يسمى البقل بأسمائه.
ليس هذا بعشك فادرجي.
لا تأكل حتى تطير عصافير نفسك.
طار أنضجها.
طار طائره.
فلان طيور فيوء.
انقطع قوى من قاوية، ويقال: قابية من قوبها.
كانت بيضة العقر.
كانت بيضة الديك.
فلان بيضة البلد. يقال في المدح والذم.
أفرخ قيض بيضها المنقاض.
أفرخوا بيضتهم.
مررت بهم الجماء الغفير. قال بعضهم: الجماء: البيضة والغفير: الريش، يريد الكثرة.
كلفتني بيض السمائم.
كلفتني بيض السماسم.
فلان ما يفقئ البيض.
فلان لا يريد الرادية.
فلان لا ينضج الكراع. يقال ذلك في الضعيف.
فلان يحمي بيضته.
الأمثال في السماء والهواء والشمس والقمر والكواكبأطول من السكاك.
أطول من اللوح.
أرفع من السماء.
أنأى من الكواكب.
أبعد من الكواكب.
أبعد من النجم.
أهدى من النجم.
أوسع من اللوح.
أبعد من مناط العيوق.
أرق من الهواء.
أشهر من الشمس.
أشهر من القمر.
أشهر من البدر.
أطول صحبة من الفرقدين.
أنكد من تالي النجم.
أبين شؤماً من زحل.
أضيع من قمر الشتاء.
السماء والهواءلا أفعل ذلك ما إن السماء سماء.
لا أفعل ذلك ما إن في السماء نجماً.
لا أفعل ذلك ما عنى في السماء نجم.
رأى فلان الكواكب ظهراً ومظهراً.
أريها السهى وتريني القمر.
جلاء الجوزاء، يضرب للذي يتوعد ولا يصنع شيئاً.
جاء بالضح والريح. الضح: الشمس.
لا أفعل ذلك ماذر شارق.
إن يبغ عليك قومك لا يبغ القمر.
لا آتيك السمر والقمر.
سر وقمر لك.
في القمر ضياء، والشمس أضوأ منه.
هل يخفى القمر؟!
في الليل والنهار والغداة والعشي والزمان والدهر والأحوالأبقى من الدهر.
أبين من وضح الصبح.
أبين من فلق الصبح.
أشهر من فلق الصبح.
أضوأ من الصبح.
أضوأ من ابن ذكاء.
أضوأ من نهار.
أطول من الفلق.
أطول من يوم الفراق.
أطول من شهر الصوم.
أطول من الدهر.
أطغى من الليل.
أطفل من ليل على نهار.
أحير من الليل.
أنم من الصبح.
أسير من الليل.
أنم من ذكاء.
أجرأ من الليل.
أظلم من الليل.
أقود من الليل.
أقود من وضح النهار.
أندى من الليل الماطر.
الليل والنهارلا أفعل ذلك ما اختلف الجديدان والملوان والفتيان.
لا أفعل ذلك ما اختلفت الصرفان.
خير ليلة بالأبد، ليلة بين الزباني والأسد.
السميرات عليك.
جرشا فتعشه: بالسين والشين، وهي الساعة.
الهوية من الليل.
باتت بليلة حرة.
باتت بليلة شتاء.
ما يوم حليمة بسر.
ليلة ليلاء.
يوم أيوم.
المكثار كحاطب الليل.
الليل أخفى للويل.
سمر ذيلاً وادرع ليلاً.
اتخذ الليل جملاً تدرك.
إن الليل طويل وأنت مقمر.
يوم النازلين بنيت سوق ثمانين.
أسائر اليوم وقد زال الظهر.
إن مع اليوم غداً يا مسعدة.
وهل يخفى على الناس النهار.
ما أشبه الليل بالبارحة.
الليل وأهضام الوادي.
يذهب يوم الغيم ولا يشعر به.
اليوم ظلم.
إحدى لياليك فهيسي هيسي.
يريك يوم برأيه.
تركته على مثل ليلة الصدر.
من ير يوماً ير به.
يوم بيوم الحفض المجور.
إحدى لياليك فهيسي.
من ابن كل جدة تبليها عدة.
الليل أعور لا يبصر فيه.
لم أر كاليوم في الحريمة.
لم أر كاليوم واقية.
لا أفعل ذلك ما حدا الليل نهاراً.
أصبح ليل.
أنا ابن جلا. يريدون النهار.
حلب فلان الدهر أشطره.
أودى به الأزلم الجذع.
ما نلتقي إلا من عفر.
لا أفعله ما جمر ابن جمير: قالوا: السمير: الدهر، والجمير مثله.
لا أفعل ذلك سجيس الأوجس.
لا أفعل ذلك سجيس عجيس.
لا أفعل ذلك دهر الدهارير.
لا أفعل ذلك أبد الأبيد.
من عتب على الدهر، طالت معتبته.
لا أفعل ذلك عوض العائضين، ولا أفعله عوضي.
قد بين الصبح لذي عينين.
أقمت عنده في ضغيغ دهره: أي قدر تمامه.
كان ذلك زمن الفطحل.
ضح رويداً.
لقيته قبل كل صيح ونفر.
لقيته صكة عمي.
أرقب لك صبحاً.
لكل صباح صبوح.
برد غداة، غر عبداً من ظمأ.
عند الصباح يحمد القوم السري.
عش ولا تغتر.
يأتيك كل غد بما فيه.
لقيته ذات العويم.
وقع الناس في قحوط.
عش رجباً تر عجباً.
الأمثال في الأرض والجبال
والرمال والحجارة والبلدانوالمواضع والماء والنار والزناد والتراب والبحر: آمن من الأرض.
أصبر من الأرض.
أوثق من الأرض.
أوطأ من الأرض.
أحفظ من الأرض.
أحمل من الأرض.
آكل من النار.
أثقل من ثهلان.
أكتم من الأرض.
أكثر من الرمل.
أتقل من نضار.
أثقل من عماية.
أثقل من شمام.
أثقل من أحد.
أثقل من دمخ الدماخ.
أسرع من الماء إلى قراره.
أرق من الماء.
أحمق من لاعق الماء.
أحمق من ماضغ الماء.
أصفى من الماء.
أحمق من القابض على الماء.
أذب من خباب الماء.
أحمق ممن لطم طم الماء.
أحمق من ترب العقد.
أحر من النار.
أحر من الجمر.

آكل من النار.
أحسن من النار.
أحقر من التراب.
أحضر من التراب.
أخفى من الماء تحت الرفة.
أخلف من نار الحباحب.
أسرع من النار في يبيس العرفج.
أسرع من شرارة في قصباء.
أطمع من قالب الصخرة.
أطول صحبة من ابني شمام.
أطول من فرسخي دير كعب.
أصلب من جندل.
أصلب من حجر.
أقضى من صخر.
أقسى من الحجر.
أجرى من الماء.
أظلم من رمل.
أعذب من ماء غادية.
أعذب من ماء المفاصل.
أعذب من ماء الحشرج.
أعرض من الدهناء.
ألذ من ماء غادية.
أعطش من رمل.
أعذب من الماء البارق.
أعمق من البحر.
ألطف من الماء.
ألهف من قالب الصخرة.
أنم من التراب.
أوجد من الماء.
أوجد من التراب.
أوسع من الدهناء.
أندى من البحر.
أيبس من الصخر.
أهول من الحريق.
أسرع من الخذروف. وهو حجر يلعب به.
ألقى من وحي في حجر.
فلان أكثر حصى من فلان: أي أكثر عدداً.
أعطش من رمل العقد.
أشرب من الهيم: قيل هي رمال بعينها واحدتها: هيماء.
أسهل من جلدان: وهو حمى من وراء الطائف إلى ناحية اليمن.
أحمق من ناطح الماء.
أحمق من ماطخ الماء: والمطخ: اللعوق.
أصفى من ماء المفاصل.
الأرضقتل أرضاً عالمها.
من سلك الجدد أمن العثار.
قتلت أرض جاهلها.
النقد عند الحافرة: قالوا: الحافرة: الأرض وقيل غير ذلك.
إنه لأريض للخير.
لقيه بين سمع الأرض وبصرها.
لقيته بوحش أصمت.
أخذت الأرض زخارفها.
تلك الأرض لاتقض بضعتها ولا تنعفر بضعها.
برح الخفاء. الخفاء: المتطأطئ من الأرض.
قالوا: أصايرا ظاهراً.
إن جانب أعياك، فالحق بجانب.
من تجنب الخبار، أمن العثار.
التقى الثريان.
لا تؤبس الثرى بيني وبينك.
جاء بالطم والرم: الطم: البحر. والرم: الثرى.
أفق قبل أن يحفر ثراك.
خذ من الرضفة ما عليها.
ما يبض حجره.
رمى فلان بحجره.
كانت وقرة في حجر.
وجه الحجر وجهة ماله، وقد بيضت وجهة وجهه.
صمت حصاة بدم.
الولد للفراش وللعاهر الحجر.
جاء فلان بالقض والقضيض.
يا حبذا الإمارة ولو على الحجارة.
كأنما ألقمه حجراً.
على ما خيلت وعث القصيم.
هل بالرمل من أوشال.
وقعوا في أم حبوكر: أم حبوكر: الرملة.
أشرق ثبير، كيما نغير.
الله أعلم ما حطها من رأس يسوم.
رماه بثالثة الأثافي.
هو إحدى الأثافي.
لكن بشعفين أنت جدود.
إن وراء الأكمة ما وراءها.
لا تفش سرك إلى أمة، ولا تبل على أكمة.
هو ابنة الجبل.
صمي ابنة الجبل.
مهما يقل تقل.
الليل يواري حضناً.
إذا قطعنا علماً بدا علم.
أنجد من رأى حضناً.
ما حللت ببطن تبالة لتحرم الأضياف.
خذمتها ما قطع البطحاء.
كلا جانبي هرشي لهن طريق.
وقع في وادي خدبات.
ألقت مراسيها بذي رمرام.
ألقت مراسيها بوادي مضلل.
ألقت مراسيها بوادي ثهلل.
تمرد مارد وعز الأبلق.
يكفيك ما بلغك المحلا.
أمرع واديه وأجني حلبه.
رويداً يعلون الجدد.
هيهات، هيهات الجناب الأخضر.
هذا ولما تردي تهامة.
بكل واد أثر من ثعلبة.
ليتك من وراء حوض الثعلب.
تركته بوحش أصمت.
جرى الوادي فطم على القرى.
سال الوادي فذره.
تركته ببلدة إصمت.
قد بل عرشه ببقة.
أبرم الأمر ببقة.
أشبه شرج شرجاً لو أن أسيمرا.
دخل ظفارحم.
ليس سلامان كعهدان.
لاهلك بواد خبر.
عسى الغوير أبؤساً.
فلان في سر قومه. يقال للأرض إذا كانت طيبة أرض سر.
قد بلغ الماء الزبى.
إن ترد الماء بماء أكيس.
ماء ولا كصدءاء.
كالقابض على الماء.
لو بغير الماء غصصت الماء: ملك الأمر.
هو يرقم في الماء.
فلان ماء مسوس.
أعطاه غيضاً من فيض.
لا أفعل ذلك ما بل البحر صوفه.
لا أفعل ذلك ما إن في الفرات قطرة.
هو أبرص من عير.
ماؤكم هذا، ماء عناق.
لتجدن نبطة قريباً.
ثأطة مدت بماء.
في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار.
ارخ يدك، واسترخ إن الزناد من مرخ.
اقدح بدخلي في مرخ، ثم شد بعد أو أرخ.
إنه لمعتلث الزناد.
فلان وارى الزناد.
وريت بك زنادي.
فلان ثاقب الزناد.
فلان كافي الزند.
صلدت زناده.
أضئ لي أقدح لك.
ويقال: أقدح الزند بعفار أو مرخ.
ليس في جفيره غير زندين.
هما زندان في وعاء.
ما يصطلي بناره.
كأنه نار حباحب.

فلان حسبه ثائب.
ما بها نافخ ضرمة.
أتانا وكأن لحيته ضرمة عرفج.
كا لمستغيث من الرمضاء بالنار.
نجارها نارها: والنار هاهنا: السمة.
هو القابس العجلان.
أي فتى قتله الدخان؟ هرق على جمرك ماء.
لو كنت أنفخ في فحم.
اقدح إن لم تؤذ ناراً ببحر.
الأمثال في السحاب والرعد والبرق
والرياح والسراب والمطر والثلج والسيل والنسيم:أبرد من ثلج.
أبرد من الغب: وهو البرد.
أبرد من عضرس.
أبرد من حبقر.
أبرد من عبقر.
أبرد من غب المطر.
أبرد من أمرد.
أخف من النسيم.
أخف من الهباء.
أرق من الهباء.
أرق من دمع الغمام.
أرق من رقراق السراب.
أسرع من الريح.
أسرع من البرق.
أسرع من السيل إلى الحدور.
أطفى من السيل تحت الليل.
أجرأ من السيل.
أجرأ من الأيهمين.
أغر من سراب.
أغشم من السيل.
أكذب من يلمع.
أكذب من اليهير.
أمضى من الريح.
أمضى من السيل تحت الليل.
أولج من ريح.
أهون من النباح على السحاب.
أهول من السيل.
أشد بياضاً من البرد.
إنما هو كبرق الخلب.
يذهب يوم الغيم ولا يشعر به.
فلان يرعد ويبرق.
رب صلف تحت الراعدة.
برق لمن لا يعرفك. ويقال: برقي بالتأنيث.
أرنيها نمرة أركها مطرة.
ذهب دمه درج الرياح.
ذهبت هيف لأديانها.
إنه لساكن الريح.
إن كنت ريحاً لقد لاقيت إعصاراً.
ريح حزاء فالنجاء.
ريحمها جنوب. يقال للمتصافيين فإذا تفرقا قيل: شملت ريحها سراب.
ليس بأول من غره السراب.
أوردته حياض عطيش: يعنون السراب.
المطر عام الربيع.
الصيف بحسب الممطور.
إن كل مطر الغيث يصلح.
الغيث مصلح ما خبل على العرفجة.
برئت منه مطر السماء: أي أبداً.
رب عجلة تهب ريثاً.
ورب غيث لم يكن غيثاً.
رب فروقة يدعى ليثاً.
قد بلغ السيل الزبى.
قد سيل به ولا يدري.
كالسيل تحت الدمن.
ما أقوم بسيل تلعتك.
إنما أخشى سيل تلعتي.
اضطره السيل إلى معطشة.
هم درج السيول.
من يرد السيل على أدراجه.
الأمثال في الشجر والروضة
والصمغ والنبات والمرعى والشوك:أذل من هرمة.
أشد حمرة من المصعة.
أطيب نشراً من روضة.
أضعف من بروقة.
أغر من الدباء.
أمر من العلقم.
أكره من العلقم.
أذل من فقع بقاع.
أمر من الدفلى.
أحمق من رجلة.
أكسى من البصل.
أبعد خيراً من قتادة.
الشجر:طمعوا بخير أن ينالوه فأصابوا سلعاً وقاراً.
ذليل عاذ بقرملة.
في عضة ما ينبتن شكيرها.
تحمل عضة جناها.
في عيصه ما ينبت العود.
عيصك منك وإن كان أشبا.
النبع يقرع بعضه بعضاً.
هذا على طرف الثمام.
عصبه عصب السلمة.
هو يدب له الخمر.
يمشي له الضراء.
كان ذلك كسل أمصوخة، وأمسوخة: بالسين.
أنا إذن كالخاتل بالمرخة.
ضغث على إبالة.
شجر يرف.
أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب.
تجنب الروضة وأحال يعدو.
وقع في روضة وغدير.
إياكم وخضراء الدمن.
النبات:لا يغرنك الدباء، وإن كان في الماء.
جذها جذ العير الصليانة.
حول الصليان الزمزمة.
مرعى ولا كالسعدان.
تسألني برامتين شلجما.
المال بيني وبينه شق الأبلمة.
دقك بالمنخار حب القلقل.
لست بخلاة بنجاة.
ليت حظي من العشب خوصه.
أوضع من ابن قوضع.
لتجدني بقرن الكلأ.
عثر بأشرس الدهر. الشرس: ما صفر من الشوك.
إنك عالم بمنابت القصيص.
كانوا مخلين فلاقوا حمضاً.
هو حواءة: يقال لمن يلزم بيته. وهو نبت.
لا ينبت البقلة إلا الحقلة.
لقد اتقيتهم حتى ما أسمي البقل بأسمائه.
أحمر كأنه الصربة.
لأقلعنك قلع الصمغة الشبوك.
لا تجن من الشوك العنب.
لا تنقش الشوكة بالشوكة فإن ضلعها معها.
لطمه لطم المنتقش.
جاء فلان بالشوك والشجر.
استغنت الشوكة عن التنقيح.
من دون ذلك خرط القتاد.
لا المرعى مرعى، ولا الوله عشب ولا بعير أخلف.
أساء رعياً فسقى.
رعى فأقصب.
شر الرعاء الحطمة.
كثر الحلبة وقل الرعاء.
أمرعت فانزل.
أصاب قرن الكلأ.
اختلط المرعى بالهمل.
الأمثال في الذهب والفضة والحديد
والسيف والرمح وأصناف السلاح:أحسن من شنف الأنضر.
أشد من الحديد.
أرق من شق الجلم.
أشد من حد الجلم.
أنفذ من الإبرة.

أضيق من خرت الإبرة.
أضيق من سم الإبرة.
أمضى من الصمصامة.
أمضى من النصل.
أنفذ من سنان.
أمضى من سنان.
أطول من الرمح.
أطول من ظل الرمح.
أضيق من ظل الرمح.
أنفذ من خازق.
أسرع من السهم.
أنفذ من السهم.
أصرد من السهم.
أمرق من السهم.
؟؟؟
الجلد:؟خذه ولو بقرطى مارية.
عنده كنز النطفة وجران الرقيق.
ما يحسن القلبان في يدي حالبة الضأن.
لو ذات سوار لطمتني.
الحديد:الحديد بالحديد يفلح.
لم أجد لشفرتي محزاً.
كالباحث عن المدية.
السيف:سبق السيف العذل.
لا يجتمع السيفان في غمد واحد.
إني لأنظر إلى السيف وإليك.
من يشتري سيفي وهذا أثره.؟ محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا.
ماز رأسك والسيف.
سلوا السيف واستللت المنتن. ويقال المنتل.
لكل صارم نبوة.
لا تأمن الأحمق وبيده السيف.
في نظم سيفك ما ترى يالقيم.
ذكرتني الطعن وكنت ناسياً.
الأمر سلكي وليس بمخلوجة.
يشج مرة ويأسو مرة.
الطعن يظأر.
لأطعنن في حوصهم.
فلان صلب القناة.
ظئار قوم طعن.
ومثله: إن الهوان للئيم مرأمة.
عاد السهم إلى النزعة.
مابها أهزع، ومثله: ومخشوب لم ينقح.
الحذر قبل إرسال السهم.
قد انصف القارة من راماها.
نعتني بدائها وانسلت.
ما بللت من فلان بأفوق ناصل.
ما بللت منه بأعزل.
رجح بأفوق ناصل.
ثار حابلهم على نابلهم.
اختلط الحابل بالنابل.
قبل الرماء تملأ الكنائن.
ويقال أيضاً: قبل الرمي يراش السهم.
إحدى حظيات لقمان.
تركته خير قوس سهماً.
وما تنهض رابضته. أي رميته.
أصمي رميته وأنمى رميته.
هو أوثق سهم في كنانتي.
ما أصبت منه أقذ ولا مريشاً.
فاق السهم بيني وبينه.
من فاز بكم فاز بالسهم الأخيب.
إعط القوس باريها.
إنباض الرمي يراش السهم.
أدركني ولو بأحد المغروين.
نبل العبد أكثرها المرامي.
إن فلاناً ليكسر على أرعاظ النبل غضباً.
ليت القسي كلها أرجلاً.
مع الخواطىء سهم صائب.
رماه بنبله الصائب.
ارجع إن شئت في فوق، ويقال في فوقي.
من أنى ترمي الأقرع تشجه.
لا خير في سهم زلج.
لا تعجل بالإنباض قبل التوتير.
كالمستتر بالغرض.
ركب فلان عوداً وأصله في السهم.
شغل عن الرامي الكنانة بالنبل.
ألقى عصاه.
شق العصا.
ما قرعت عصا على عصا إلا حزن لها قوم وسر آخرون.
عصا الجبان أطول.
لا تدخل بين العصا ولحائها.
قشرت له العصا.
العصا من العصية.
قلب له ظهر المجن.
الأمثال في الحرب والقتل والأسر
والجبن والفزع والشجاعة والغزو والصياح.ما كفى حرب جانيها.
الحرب غشوم.
الحرب خدعة.
إن أخا الهيجاء من يسعى معك.
القتل:ليس بعد الإسار إلا القتل.
سواء علينا قاتلاه وسالبه.
لا يحزنك دم هراقة أهله.
أهل القتيل يلونه.
أبى قائلها إلا تماً.
كالمتمرغ في دم القتيل.
ليس بعد السلب إلا الإسار.
قتل نفساً مخيرها.
بسلاح ما يقتلن القتيل.
الدم الدم، والهدم الهدم.
إن الجبان حتفه من فوقه.
دردب لما عضه الثقاف.
أفرخ روعك.
أغيرة وجبناً.
بصيصن إذ حدين بالأذناب.
بسلاح مايقتل الرجل.
أضرطاً وأنت الأعلى.
لا يدعى للجلى إلا أخوها.
ضرباً وطعناً أو يموت الأعجل: الشجاع.
مكره أخوك لا بطل.
الفرا بقراب أكيس.
إن رمت المحاجزة فقبل المناجزة.
التقدم قبل التندم.
أجر ما استمسكت.
رويد الغزو ينمرق.
أول الغزو ينمرق.
أول الغزو أخرق.
لا تسل الصارخ وانظر ماله.
ابدأهم بالصراخ يفروا.
بعد الهياط والمياط.
أرطي إن خيرك بالرطيط.
مثل صيحة الحبلى.
أصاخ إصاخة المنده للناشد.
أتيتك عاتاً وصاتاً وصت.
الأمثال في الثياب واللباس
والخز والأدم والقز والآنية والدل والسقاء والوعاء والعطر.هو أهون علي من طلبه ومن طلباء.
أذل من النعل.
أرجل من خف.
أكذب من صنع.
أحمق من الدابغ على التحلي.
أطيب نشراً من الصوار.
أهون من ربذة.
أهون من ثملة.
أطول من جيد الخرقاء.
ومثله: أطول من طنب الخرقاء.
أعرض ثوب الملبس.
ومثله: أعرض ظهر الملبس.
أو، عرض جنب الملبس.
أعرضت القرفة.
ما كانوا عندنا إلا ككفة ثوب.
كأنها بردة أخماس.

هو كالساقط بين الفراشين.
شمر واتزر، والبس جلد النمر.
كمش ذلاذلة.
من يطل ذيله ينتطق به.
هو الشعار دون الدثار.
جليس كثرت نفس شاغليه.
ليس عليك نسجه فاسحب وجر.
خلع الدرع بيد الزوج.
فلان نسج وحده.
غرني برداك من غدافلي.
فلان طاهر الثياب.
فلان دنس الثياب.
أم فلان في ثوب فلان.
ألبس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها.
من عز بز.
أشبه امرءاً بعض بزه.
هم كبيت الأدم.
إن الشراك قد من أديمه.
أجمع سيرين في خرزة.
إنما يعاتب الأديم ذو البشرة.
هو مؤدم مبشر.
بق نعليك وابذل قدميك.
رجع بخفي حنين.
كل الحذاء يحتذى الحافي الوقع.
زلت به نعله.
لو كنت منا لحدوناك.
رب نعل شر من الحفاء.
قد علقت دلوك دلو أخرى.
كأنما أفرغ عليه ذنوباً من ماء.
ألق دلوك في الدلاء.
هرق لها في قرقر ذنوبا.
ساجل فلان فلاناً.
أهون مظلوم سقاء مروب.
خل سبيل من وهى سقاؤه: ومن هريق بالفلاة ماؤه.
ما يقعقع له بالشنان.
هذا أمر لا تفشأ له قدري.
استعجلت قديرها فامتلت.
خير إناءيك كفأت.
كفت إلى وئية.
أدي قدراً مستعيرها.
ما أصغيت لك إناء ولا أصفرت لك فناء.
إن كنت في قوم فاحلب في إنائهم.
سمن حتى صار كأنه الخرس.
حن قدح ليس منها.
صدقني وسم قدحه.
من فاز بفلان فقد فاز بالسهم الأخيب.
ليس الهناء بالدس.
عنية تشفي الجرب.
ألقى حبله على غاربه.
رمى برسنه على غاربه.
قد أخذه برمته.
جاوز الحزام الطبيين.
التقت حلقتا البطان.
هو يحطب في حبله.
ما أنت بلحمة ولا ستاه.
وما أنت بنيرة ولا حفة.
قد عي فلان بالإسناف.
هو على حبل ذراعك.
جروا له الخطير ما انجر لكم.
ما حويت ولا تويت.
جاحش عن خيط رقبته.
النقد عند الحافر.
جاء بقرني حمار: إذا جاء بالباطل والكذب.
كطالب القرن جدعت أذناه.
وجدت الدابة ظلفها.
اجعله في وعاء غير سرب.
طويت فلاناً على بلاله، وبلوله، وبللته.
إن بينهم عيبة مكفوفة.
كلفت إليك عرق القربة، وعلق القربة.
ليت لي من فلان عرق القربة.
احفظ ما في الوعاء بشد الوكاء.
ما يحجز فلان في العكم.
لا يخصها مني في سقاء أوفر.
إذا سمعت بسرى القين فإنه مصبح.
مثل جليس السوء كالقين إلا يحرق ثوبك بشراره أو يؤذيك بدخانه.
إني صناع لو تبالي صنعتي.
أجناؤها أبناؤها.
حلأت حالية عن كوعها، ويروى: حزت حازة عن كوعها.
اعمل في عامين كرزاً من وبر.
حزت حازة عن كوعها.
هو ماعز مقروظ.
بقه وقد حلم الأديم.
ما يجعل قدك إلى أديمك.
لا يعدم جلد السوء عن عرف السوء.
أحمر كالقرف.
هذا حظ جد من المبناة.
دقوا بينهم عطر منشم.
لا مخبأ لعطر بعد عروس.
لا عطر بعد عروس. قال المفضل: عروس رجل بعينه.
الأمثال في الرحى والطعام
والأكل والشرب واللبن وسائر المأكولات والمشروبات.أقدم من الحنطة.
أشأم من رغيف الحولاء.
أدق من الشخب.
ألين من الزبدة.
أمسخ من اللحم الحوار، وأملخ...
أحلى من النشب.
أحلى من الشهد.
أحلى من السلوى.
ألذ من السلوى.
أحلى من التمر الجني.
آنس من نخلة.
أعظم بركة من نخلة مريم.
أصيغ من تمر بلاد الطائف.
أسمع جعجعة ولا أرى طحناً.
كل أداة الخبز عندي غيره.
طحنه طحن إبل لم يكن طحن قبله.
تطعم تطعم.
اعلل تحظب.
تخرسي يا نفس لا مخرسة لك اليوم.
رب أكلة تمنع الأكلات.
ليس لشبعة خير من صفرة تحفزها.
الثيب عجالة الراكب.
يلقم لقماً ويغدي زاده.
إنك لتأكل وسطاً وتربض حجرة.
يدرك الخضم بالقضم.
قد يبلغ بالقضم الخضم.
من يأكل لا يأكل قضماً، ومن يأكل قضماً لا يأكل خضماً.
تجشأ لقمان من غير شبع.
قد نهيتك عن شربة بالوشل.
لا تشرب مشرب صفو بكدر.
إنك ريان فلا تعجل بشربك.
ليس الري عن التشاف.
أكل عليه الدهر وشرب.
أحس فذق ومثله: إنه لشراب بأنقع.
أحلب حلباً لك شطرة.
لا أفعل ذلك ما اختلفت الدرة والجرة.
لا يكون أول من التبأ لبأة.
إن الرثيئة مما تفثأ الغضب.
ربضك منك وإن كان سماراً.
شخب في الإناء وشخب في الأرض.
أمهلني فواق ناقة.
صرح الحق عن محضه.
أبان الصريح عن الرغوة.
أبى الحقين العذرة.
أعن صبوح ترقق.
يسر حسواً في ارتغاء.

حال صبوحهم دون غبوقهم.
سبق درته غراره.
ليس كل حين أحلب فأشرب.
الصيف ضيعت اللبن.
أتاك ريان بلبنه.
حلبتها ثم أقلعت.
درت حلوبة المسلمين.
أثر الصرار يأتي دون الذيار.
لم تحلب ولم تغار فأودي اللبن.
شخب طمح.
لا يلبث الحلب الحوالب.
أدرها وإن أبت.
عدا القارص فحرز.
شب شوباً لك بعضه.
يشوب ويروب.
يحلب بنى وأشد على يديه.
من ير الزبد يعلم أنه من اللبن.
من ير الزبد يخله من لبن.
لو قيل للشحم: أين تذهب؟ لقال: أسوي العوج.
أنا منه كحاقن الإهالة.
اختلط الخاثر بالزابد.
ما يدري أيخثر أم يذيب.
جمل واجتمل.
لوشكان ذا إهالة. ومثله: لسرعان ذا إبانة ومثله: وشكان ذا إذابة وحقناً.
يا نفسي لا لهف لك كل بيضاء لك: يريد الشجر.
لا نجم في ذنب الكلب.
ليس الشحم باللحم ولكن من قواصيه.
شحمتي في قلعي.
سمنهم في أديمهم.
وقع على شحمة الركي. والرقي.
ما كل بيضاء شحمة ولا كل سوداء تمرة.
لكن على الأثلاث لحم لا يظلل.
شوى أخوك حتى إذا أنضج رمد.
إنه يعلم من أين تؤكل الكتف.
غثك خير من سمين غيرك.
كسؤر العبد من لحم الحوار.
من اشتوى أكل شواؤكم.
ما هو بخل ولا خمر.
اليوم خمر وغداً أمر.
هي الخمر تكنى الطلاء.
ذق تغتبط.
لا تكن حلواً فتسترط ولا مراً فتعقى.
وجد تمرة الغراب.
التمرة إلى التمرة تمر كلاهما.
التمر في البئر وعلى ظهر الجمل.
إنه لأشبه من التمر بالتمر السويق.
أحشفاً وسوء كيلة؟.
ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل.
كمستبضع التمر إلى هجر.
متى كان حكم الله في كرب النخل.
قيل للحبلى ما تشتهين؟ قالت: التمر وواهاً ليه.
ما ظلمته نقيراً ولا فتيلاً.
ما الخوافي كالقلبة ولا الخناز كالثعبة.
عرف النخل أهله.
كل حاطب على لسانه تمرة.
الأمثال في المال والغنى والفقر
والصدق والكذب، والحق والباطل، والحمق والحيلة، والإطراق والشر والظلم، والدعاء والاعتذار، والعلم والرأي:
لم يذهب من مالك ما وعظك.
خير مالك ما نفعك.
جاء فلان بالطم والرم.
من مال جعد، وجعد غير محمود.
في وجه المال تعرف إمرته.
خير مارد في أهل ومال.
جاء بالهيل والهيلمان.
لفلان كحل، ومثله: ولفلان سواد.
حسبك من غنى شبع ورى.
الغنى طويل الذيل مياس.
سوء حمل الفاقة يضع من الشرف.
المسألة آخر كسب الرجل.
الخلة تدعو إلى السلة.
سواء هو والمعدوم والعدم.
رب مكثر مستقل لما في يده.
عر فقره بفيه، لعله يلهيه.
من قنع فنع، ومن قنع شبع.
إن في المرتعة لكل كريم مقنعة.
الصدق ينبى عنك لا الوعيد.
من عرف بالصدق جاز كذبه.
عند النوى يكذبك الصادق.
من عرف بالكذب لم يجز صدقه.
إن خصلتين خيرهما الكذب لخصلتا سوء.
ليس لمكذوب رأي.
رأي الكذوب قد يصدق.
قد قيل ذلك إن حقاً وإن كذباً.
أكذب النفس إذا حدثتها.
لا يدري المكذوب كيف يأتمر.
الحق أبلج، والباطل لجلج.
أبغض حق أخيك.
ما يمعن بحقي ولا يذعن.
إذا طلبت الباطل انجح بك.
قد اتخذ الباطل دغلاً.
من خاصم بالباطل أنجح به.
أحمق لا يجأي مرغه.
أحمق بلغ.
معاداة العاقل، خير من مصادقة الجاهل.
زادك الله رعالة، كلما ازددت مثالة.
خرقاء عيابة.
إن تحت طريقتك لعند أوة.
مخرنبق لينباع.
لو كان ذا حيلة تحول.
المرء يعجز لا المحالة.
لا تنفع حيلة مع غيلة.
أمكراً وأنت في الحديد.
مجاهرة إذا لم أجد مختلاً.
ترك الخداع من أجرى من مائه.
إن لم تغلب فاخلب.
المعافى ليس بمخدوع.
أي فتى قتله الدخان.
لو كان ذا حيلة تحول.
إذا نزل بك الشر فاقعد به.
الشر يبدوه صغاره.
من شر ما ألقاك أهلك.
إن من الشر خياراً.
بعض الشر أهون من بعض.
إن حسبك من شر سماعه.
استقدمت رحالتك: يقال: للمتعجل إلى الشر.
من نجل الناس نجلوه: أي شارهم.
الشر أخبث ما أوعيت من زاد.
حلقي وثوبي: يضرب في الشر.
ادفع الشر عنك بعود أو عمود.
ليس أخو الشر كمن توقاه.
هو يكايله الشر ويحاسيه الشر.
سرق ما بينهم بشر.
أترك الشر يتركك.
أر غياً أزدد فيه.
رأيته بأخي للشر: أي بشر. ومثله: رأيته بأخي الخير.
خيرها بشرها وخيرها بخيرها.
ادفع الشر عنك بمثله إذا أعياك غيره.

الظلم مرتعه وخيم.
من أشبه أباه فما ظلم.
الشحيح أعذر من الظالم.
هذه بتلك والبادي أظلم.
لعالك عالياً.
تعساً لليدين والفم.
ماله أحال وأجرب.
عقرا حلقا.
اللهم غيظاً لا هبطاً.
هنئت فلا تنكه.
رب سامع عذرتي لم يسمع قفوتي.
رب سامع بخبري لم يسمع عذري: لعل له عذر وأنت تلومه.
ترك الذنب أيسر من الاعتذار.
المعاذير مكاذب.
أعذر من أنذر.
قد بلغ فلان في العلم أطوريه.
العالم كالحمة يأتيها البعداء، ويزهد فيها القرباء.
إذا زل العالم زل بزلته العالم.
علمان خير من علم.
الرأي الدري.
رأي فاتر وغدر حاضر.
قد أحزم لو أعزم.
الأمثال في النوم والفلك
والطب والمنية والدواهيآلف من الحمى.
أحر من القرع.
أطب من ابن حذيم. ويقال جد لم.
الحمى أضرعتني لك.
إني إذا حككت قرحة أدميتها.
غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية.
ما به قلبة.
ما به ظبظاب.
عوير وكسير وكل غير خير.
ما هو إلا شرق أو غرق.
أضاف حتى ما يشتكي السواف.
لا يعدم مانع علة.
كان مثل الذبحة على النحر.
حال الجريض دون القريض.
أغبيط أم عارض.
لو كان درءاً لم تئل.
لا علة، هذه أوتاد وأخلة، وفهرنا في الحلة.
أرق على ظلعك.
آخر الداء الكي.
يا طبيب طب لنفسك، وطب أيضاً.
القوم طبون، وقرب طب.
قرب طباً.
بقطيه بطبك.
إن دواء الفتق أن تحوصه.
دمث لجنبك قبل النوم مضجعاً.
مطله مطل نعاس الكلب.
يأكل وسطاً ويربض حجرة.
نام نومة عبود.
ظلت على فراشها تكري ويقال تكري.
لا ينام من أثير.
المنايا على الحوايا.
لم يفت من لم يمت.
الثكل أرامها ولداً.
لا أفعل ذلك ما حي حي، أو مات ميت.
المنية ولا الدنية.
الموت الأحمر.
لا عتاب بعد الموت.
لا يملك الخائن حينه.
الموت السجيح خير من الحياة الذميمة.
العقوق ثكل من لم يثكل.
ولى الثكل بنت غيرك.
إنه لداهية الغبر.
إنه لعضلة من العضل.
جاء بالداهية الدهياء.
جاء بالرقم الرقماء.
جاء بأم الربيق على أريق.
جاء بإحدى بنات الطريق.
جاء بمطفئة الرضف.
صمي صمام.
وصمي ابنة الجبل أيضاً.
إن الدواهي في الآفاق تهترش، ويقال: ترتهس.
إن الخصاص يرى في جوفه الرقم.
الأمثال الأفرادإلا ده فلا ده.
ضرب أخماساً لأسداس.
ويل للشجي من الخلي.
خذ ما طف واستطف.
ما يدري قبيلاً من دبير.
سمن فأرن.
عاد الحيس يحاس.
هما صوعان في إناء.
اعتبر السفر بأوله.
سواء لواء، وقال بعضهم: سواه لواه.
لأقيمن قذلك ولأقيمن حدلك.
اذكر غائباً يقترب.
هذه بتلك فهل جزيتك.
الحفائظ تحلل الأحقاد.
ملكت فاسجح.
المقدرة تذهب الحفيظة.
لولا الوئام هلك اللئام.
من يبغ في الدين يصلف.
استكرمت فاربط.
أنا غريرك من هذا الأمر.
على الخبير سقطت.
عاط بغير أنواط.
خذ الأمر بقوابله.
الملسى لا عهدة له.
إن السلامة منها ترك ما فيها.
افعل كذا وخلاك ذم.
صيدك لا تحرمه.
رب عجلة تهب ريثاً.
النجاح مع الشراح.
قد نفخت لو كنت تنفخ في فحم.
إن كنت تشد بي أزرك فأرخه.
رضيت من الغنيمة بالإياب.
الحريص يصيدك لا الجواد.
جاء فلان وقد لفظ لجامه.
سرق السارق فانتحر.
ذل لو أجد ناصراً.
يعود على المرء ما يأتمر.
جانيك من يجني عليك.
أنا منه فالج بن خلاوة.
وجدت الناس أخبر نقله.
لا ينفعنك من جار سوء توق.
أنت تئق وأنا مئق، فمتى نتفق؟.
عادة السوء شر من للمغرم.
همك ما همك ويقال: همك ما أهمك.
ما أباليه عبكة.
يكفيك نصيبك شح القوم.
المرء تواق إلى مالم ينل.
خلاؤك أقنى لحيائك.
تسقط به النصيحة على الظنة.
لا بقيا للحمية بعد الحرائم.
إنه لنكد الحظيرة.
رهباك خير من رغباك.
دردب لما عضه الثقاف.
أنت مرة عيش ومرة جيش.
يا حبذا التراث لولا الذلة.
لأمدن غضنك.
قد بدا نجيث القوم.
لا يحسن التعريض إلا ثلباً.
سفيه لم يجد مسافهاً.
من قل ذل، ومن أمر فل.
فلان ألوى بعيد المستمر.
من حفنا أو رفنا فليقتصد.
قد ألنا وإيل علينا.
إرض من المركب بالتعليق.
أجر الأمور على أذلالها.
ما فيها صافر.
كأنهم جن عبقر.
قال فلان قولاً ما مؤس البحر.
غمرات ثم ينجلين.

ضربك بالفطيس خير من المطرقة.
صغراها مراها.
مصى مصيصاً. يقال لمن يؤمن بالتثبت والتوقر.
الباب الخامس
النجوم والأنواء
ومنازل القمر على مذهب العربنذكر أولاً في هذا الباب منازل القمر وما قالت العرب فيها، وفي نزول القمر بها أو مصورة عنها، وطلوع كل واحدٍ وسقوط رقيبه منها، ثم نذكر الصور والبروج، والصور خاصة، وعلى موضعه من بروجه الذي هو فيه من فلك البروج عامة بعون الله تعالى.
فأما المنازل وهي ثمانية وعشرون نجماً الشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرفة والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك والغفر والزبانيان والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية وفرغ الدلو المقدم، وفرغ الدلو المؤخر، وبطن الحوت.
قالت العرب في أسجاعها عند طلوع كل نجم، إذا طلع الشرطان، ألقت الإبل أوبارها في الأعطان، ويوشك أن يشتد حر الزمان.
ثم البطين فقالت: إذا طلع البطين، طلعت الأرض بكل زين، وحسنت في كل عين. ثم الثريا - وهو النجم - إذا طلع النجم، فالبرد في هدم، والعانات في كدم، والفلاحون في ضجم، والقيظ في حذم، والبرد في حطم، والعشب في صلم.
ثم الدبران، إذا طلع الدبران توقدت الحزان، وأخمدت النيران. وبات الفقير بكل مكان.
ثم الهقعة: إذا طلعت الهقعة، انتقل الناس للقلعة.
ثم الهنعة، إذا طلعت الهنعة طلب الناس النجعة، وأحبوا إلى الوليف الرجعة.
ثم الذراع: إذا طلعت الذراع، حسرت الشمس القناع، وأشعلت في الأفق الشعاع، وترقرق السراب بكل قاع.
النثرة إذا طلعت النثرة، التقط البلح بكثرة، وأصابك من القر خضرة، ويوشك أن تظهر الخضرة. ثم الطرفة: إذا طلعت الطرفة، حسنت السعفة، وصار التمر تحفة.
ثم الجبهة، إذا طلعت الجبهة أرطبت النخلة، وحسن النخل حمله.
ثم الزبرة وهي الخراتان إذا طلعت الزبرة أرطبت البسرة وإذا طلعت الخراتان طابت أم الجرذان، وتزينت القنوان.
ثم الصرفة، إذا طلعت الصرفة احتال كل ذي حرفة، ورأيت الطير حفة، وفشت الخفة.
ثم العواء، إذا طلع العواء لم يبق في كرم جناء، واكتنس الظباء، وطاب الهواء، وضرب الخباء، وأمن على عوده الحرباء.
ثم السماك: إذا طلع السماك ولت العكاك فأجل حراك، وأصلح خباك، وصوب فناك، فكأنك بالفرقد أتاك.
ثم الغفر: إذا طلع الغفر، حسن في عين الناظر الجمر، وطاب التمر، وذهب البصر، وأتى من البرد السفر.
ثم الزبانيان إذا طلعت الزباني فاطلب ما يكفيك زماناً، واستعد لشتائك ولا تواني.
ثم الإكليل: إذا طلع الإكليل، هاجت الفحول، ووفى كل خليل، واستبان على أهليه الكثير والقليل.
ثم القلب: إذا طلع القلب. جاء الشتاء كالكلب، ووقع الثلج كالثرب وطلع على النسر كالركب، وانحجر من البرد الضب.
ثم الشولة إذا طلعت الشولة، أتاك الشتاء بصولة، وخرج النحل، وللطير عليهن دولة.
ثم النعائم: إذا طلعت النعائم، التطت البهائم من الصقيع الدائم، وخلص البرد إلى كل نائم.
ثم البلدة: إذا طلعت البلدة، أصاب الناس من البرد شدة، وفشت الرعدة وأكلت القشدة، وقيل للبرد: اهده.
ثم سعد الذابح، إذا طلع سعد الذابح، انحجزت الضوابح، ولم تهر النوابح، من البرد البارح، وأورى عوده كل قادح.
ثم سعد بلع، إذا طلع سعد بلع، شيع العاجز الهبع، وطاب الوقع، وهيئت الربع، وكأنك بالبرد قد انقشع.
ثم سعد السعود: إذا طلع سعد السعود، ذاب كل مجمود، وخضر كل عود، ووقى كل مصرود، وانتشر كل مولود، وكره عند النار القعود.
ثم سعد الأخبية: إذا طلع سعد الأخبية طابت الأفنية، وقصرت الأبنية وزقت الأسقية، وانتشرت الأخبية.
ثم فرغ الدلو المقدم: إذا طلع الدلو، شيع الضعيف الخلو، وهيب الجزو، ومن القيظ بعض الشبو.
ثم فرغ الدلو المؤخر: إذا طلع الفرغ، طلب الكلب الوغل، وشبع الفحل فلم يرع.
ثم الحوت وهو السمكة: إذا طلعت السمكة، وتعلقت بالثوب الحسكة، نصبت الشبكة، وطاب الزمان للنسكة.
وقالوا: أيضاً: طلع النجم عشاء، ابتغى الراعي كساء.
يريدون طلوع الثريا بالعشيات وذلك عند اشتداد البرد. وطلع النجم غدية، ابتغى الراعي شكية. يريدون شكوة يحمل فيها الماء لشدة الحر.

وجعلوا السنة أربعة أجزاء. فجعلوا الزمن الأول الصفرية. وسموا مطره الوسمي وحصته من السنة واحد وتسعون يوماً، وجعلوا حصته من النجوم سبعة أنجم تسقط مع الفجر إلى طلوع الشمس بين كل نجمين ثلاثة عشر يوماً، فأول الصفرية وهو أول الوسمي سقوط أول نجومه، وهي عرقوة الدلو السفلى وهو الفرغ الأسفل.
والحوت والشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة، وسقوط عرقوة الدلو السفلى يكون لعشر يمضين من أيلول، ويستوي الليل والنهار بعد ذلك بأربع عشر ليلة وهو فصل، وسقوط كل نجم أن ينظر إليه الناظر مع طلوع الفجر إذا قيد فرسه من تحت بطنها في الأفق مما يلي المغرب وكلما سقط نجم طلع نظيره من المشرق ولا يرين الطالع عند سقوط الساقط لأنه قريب من الشمس، فيفضحه ضوء النهار، ونوء كل نجم ما بعده إلى سقوط النجم الذي يليه، فإذا تم سقوطها انقطع مطر الوسمي. وجعلوا الزمن الثاني الشتاء وحصته من السنة أحد وتسعون يوماً بسقوط أول نجومه الهنعة والذراع والنثرة والطرفة والجبهة والزبرة والصرفة، فسقوط الهنعة يكون لعشر ليال تمضي من كانون فعند ذلك تسقط الهنعة وينتهي طول الليل وقصر النهار بعد ذلك بإحدى عشرة، فإذا سقطت الصرفة قالوا: انصرف الشتاء، فعند ذلك ينقطع الشتاء، ومنهم من يسمى الشتاء ربيعا. ثم جعلوا الزمن الثالث الصيف وهو زمن الربيع وحصته من السنة إحدى وتسعون يوماً وهو في آذار قالوا: إذا مضى عشر من آذار، برد ماء الآبار، وتصرم الثمار، وصور النحل الآبار، واشتهى الغلام الإزار، وشدت على المطايا الأكوار، واستوى الليل والنهار وحصته من النجوم العواء والسماك والغفر والزبانيان والإكليل والقلب والشولة، فسقوط العواء في أحد عشر يوماً من آزار ويستوي الليل والنهار بعد ذلك بإحدى عشرة ليلة فإذا تم سقوط هذه انقضى مطر الصيف وذلك عند طلوع الثريا.
وجعلوا الزمن الرابع القيظ ويسمى مطر الخريف وحصته من السنة إحدى وتسعون يوماً، بسقوط أول نجومه وذلك لعشر تمضي من حزيران ونجومه النعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية وعرقوة الدلو العليا وهي الفرغ المقدم فإذا تم سقوطها انقطع مطر الخريف وزمان القيظ وعاد زمان الصفرة. فذلك أربعة أزمنة عددها ثلاثمائة وأربعة وستون يوماً ويزاد فيها يوم الجبهة حتى يتم العدد بثلاثمائة وخمس وستين يوماً ويصح كل زمن في وقته.
ومن العرب من جعل السنة ستة أجزاء، فجعل الزمان الأول الوسمي وجعل حصته من السنة شهرين وحصته من النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن الثاني الشتاء، وجعل حصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن الثالث الربيع، وجعل حصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن الرابع الصيف وحصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن الخامس الحميم وجعل حصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن السادس الخريف وجعل حصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
ويكرهون أن يكون ابتداء مطرهم بالشرطين ويخافون أن يكون ذلك العام جدباء، ويقولون: إنه إذا أصابهم في الشرطين مطير قالوا: نخاف أن يكون أحداجا من الأنواء.
يسمونها الأنيسين ويقال للواحد الأنيس ويقال: هما كوكبان بين يدي شرطين وسقوط الجبهة هو أول الربيع، وهو انكسار البرد، وظهور مظهر الدفء، وإنهاك العشب، ونتاج الإبل، وتوليد الغنم، وحينئذ ينتجون ويولدون ويحضنون.
وقالت امرأة من العرب: لم أر كالربيع مضى، لم تقم عليه المآتم، ويقولون أن القر في بطون الإبل، فإذا ذهب القر سحت الإبل.
قال بعضهم إذا سقطت النثرة سرت الإبل وأنت قبل ذلك باركة في أعطانها، وتلقى جلالها عنها ويؤمن هربه عل المال، ويدب القراد ويطلع الضب رأسه وينضر الشجر لسخونة الأرض قبل أن يظهر الدفء. وقالوا: كفا الشتاء: الذراعان والنثرة، وقالوا: لا يورق العود حتى تنوء الجبهة، فإذا أنت سقطت الجمرة الأولى، والجمرات ثلاث: فأولها: سقوط الجبهة لأربع عشرة يمضين من شباط.
والثاني: مع سقوط الزبرة لثمان وعشرين من شباط.
والثالثة مع سقوط الصرفة لثلاث عشرة يمضين من آذار.

وفي أول الجمرات مع سقوط الجبهة ساخ الثرى وماذ المعرق، وأورق العود، واختلفت رءوس الإبل في مباركها، ولفظت الأرض ما فيها من نبت، وتزعم العرب أن نوء الجبهة أعم المطر نفعاً يصل ما قبله وما بعده. ويقال: إنه لم يمتلئ غائط قط من ماء نوء الجبهة إلا امتلأ عشباً.
ويقولون عن نوء الجبهة إنه يظهر كل ثرى كان في بطن الأرض قبله وأنه إذا اخلف نوءها لم يتم ربيع ذلك العام.
وعقارب الشتاء أربع وهي البرد ينزل بهن القمر في العشر الأواخر من الشهور العربية في ليالي الشتاء وقل ما يخلفوا أن يكون فيهن فرقاً ولهن للمجرة ينزل القمر الأول العقرب وليلة ست وعشرين من الشهر العربي وهي تشرين الآخر، ثم الثانية العقرب الهزار بقارن القمر العقرب لأربع وعشرين من شهر العرب وذلك في كانون الأول ثم العقرب الجثوم الثالثة لاثنتين وعشرين من شهر العربي وذلك في كانون الآخر. ثم عقرب الختران ليلة عشرين من شهر العربي في شباط، وسميت الأولى المخرمة لأن القمر حين يحلها ولا يخرج منها حتى يستسر.
وسميت الثانية الهرار لموافقة طلوع الهرارين قلب العقرب والنسر الواقع حين يسريان في المشرق مع طلوع الفجر، وسميت الجثوم لشدة الشتاء وجثومه، وسميت الختران لنتاج الإبل وكثرة الختران في ذلك الوقت ثم يقارن القمر الثريا بعد ذلك بخمس عشرة ليلة فيكون لخامسة تمضي من الشهر العربي وفيه قال الشاعر.
إذا ما قارن القمر الثريا ... لخامسةٍ فقد ذهب الشتاء
ثم الشهر الذي بعد هذا من شهور العرب يقارن فيه الثريا لثالثة ويقال إنها أغزر ليلة في السنة في كثرة اللبن، وذلك لأن الإبل يتكامل نتاجها، وتجلب الحملان في ذلك الوقت فتخلو ألبان الشتاء لأهلها.
وقال الشاعر:
إذا ما قارن القمر الثريا ... لثالثةٍ فقد كثر السلاء..
ثم يقارن القمر الثريا في الشهر الثالث مع اسمراره، ويقال عند سقوط السماك يخاف الناشرة. وذلك لأن المطر ينقطع قبل سقوط السماك ثم يكون مطره عند سقوطه غير متصل بما كان قبله، وقد هاجت الأرض، وذهبت الوغرات، فإذا أصابه مطر نوء السماك نشر وعاد العود أخضر، وعاد في أصوله الورق، فإذا رعته الماشية، أدراها وضرها وأصابها عنه داء يسمونه الهرار، وقد جعلوا لكل من كان نجوماً، وسموا سقوطها وطلوعها أنواء، فجعلوا السقوط علماً لنجوم الوسمي، والشتاء والربيع، وهو نصف السنة وحين البرد وما قاربه من الذي من قبله، ومن بعده، وجعلوا الطلوع علماً لنجوم الصيف والحميم والخريف، وما دنا منها من لين الزمان وهو نصف السنة.
قالوا: سقوط الفرغ للأسفل، هو ذهاب الحر ودخول البرد، واستغناء عن أكثر سقى الإبل، لأن الظمأ يطول وإنما يحتاج للإبل في الشهر إلى أن ترد مرة لا تحتاج الغنم إلى أكثر من مرتين في الشهر وإن وقعت الأمطار جرأت الماشية فإذا سقط فرغ الدلو للأسفل عدوه طلع السماك الرامح ولذلك قال الشاعر:
حتى رأيت عراقي الدلو ساقطة ... وذا السلاح مصوح الدلو قد طلعا
ورقيب الفرغ الأَسفل العواء السماك الرامح يطلع معه، وهو يطلع قبل السماك الأعزل الذي ينزل به القمر، وأراد بقوله ذو السلاح، السماك الرامح، ويزعم أهل الشام أن استواء الليل والنهار في استقبال الشتاء يكون في أيلول لست تبقى منه، في ذلك اليوم يطلع العواء ويسقط الدلو وبينه الفرغ المؤخر ويعود إلى السقوط ويدعون مؤخره أشد تقارباً لطلوع النجم والدبران ثم تسقط الهنعة، ويطلع رقيبها النعائم لأربعة وعشرين يوماً يمضي من كانون الأول فسقوطها عدوه هو أول مطر الشتاء وأنوائه. ثم تسقط الذراع ويطلع نظيرها البدرة لسبعة أيام تمضي من كانون الآخر ونوءها خمس ليال وقل ما يخلف نوء الذراع، والذراع عندهم ذراع الأسد والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء من الأسد، فما بين العواء والذراع عندهم من الأسد، ومنهم من يجعل السماك منه ثم يسقط النثرة لعشرين تمضي من كانون الآخر ويطلع رقيبها سعد الذابح ونوءها سبع ليال. قال ذو الرمة:
مرن الضُّحى طاوٍ بني صهواتِه ... لزوايا غمام النثرة المترادف

ثم يسقط الطرف، ويطلع نظيره سعد بلع، ليومين يمضيان من الشباط ونوءه لست ليال، لأن الجبهة تقترن بما قبلها وما بعدها، ونوءها غزير طويل مثل نوء الثريا، ثم يسقط الجبهة لخمسة عشر يوماً من شباط، ويطلع رقيبها سعد السعود، ونوءها سبع ليال، فإذا سقطت الجبهة انكسر الشتاء، وولد الناس، واجتنى أوائل الكمأة، وسقطت الجمرة الأولى، ثم تسقط الزبرة ليوم تبقى من شباط ويطلع رقيبها سعد الأخبية، وهي الجمرة الوسطى، ومطرها ينسب إلى الجبهة لقربها منها، ونوءها أربع ليال ثم تسقط الصرفة لثلاثة عشر يوماً تمضي من آزار، ويطلع رقيبها فرغ الدلو، ونوءه ثلاث ليال وهو آخر نجوم الشتاء، وينصرف الشتاء وتمضي نصف السنة، وفي خمسة وعشرين يوماً من آذار يسقط العواء ويطلع رقيبه فرغ الدلو المؤخر ونوءه ثلاث ليال، وتخرج الشمس من الحوت وتدخل الحمل ثم يجري مصعده نحو الشمال، ويستوي الليل والنهار، وقد مضى خط الوسمي والشتاء من السنة ثم يجئ حد الصيف، فإذا طلع النطح وهو الشرطان كان أول الصيف وأول البوارح بطلوع النجوم لا بسقوطها، وبارح كل نجم الطلوع، ونوء العواء أربع ليال وهو أول الوسمي، ويسقط الحوت لثمان يمضين من تشرين الأول، ويطلع رقيبه السماك الأعزل ونوءه ليلة، ونوء الحوت ليس نوءه بغزير ولا مشهود ولا يكاد العرب تذكره في كلامها ولا أشعارها، وذلك أنه نوء قصير عندهم لا مطر فيه، ونوء الدلو غزير طويل فهو يغترف نوء الحوت فلا يكاد يذكر، ثم يسقط الشرطان، وهو النطح ويطلع رقيبة الغفر في أحد وعشرين يوماً من تشرين الأول، وهو عند العرب أغزر من الحوت. وهم له أذكر ومطره بإذن الله من أنفع المطر لأنه خير ولي للدلو، لا يجف ثرى الدلو حتى يكون السرطان له ولياً، لأنه ينوء حين تحتاج الأرض إلى المطر.
قال ذو الرمة:
حواءُ قرحاءُ أشراطية وكفت
ثم يسقط البطين غدوة، ويطلع رقيبة الزبانيان لثلاث يمضين من تشرين الآخر، وهو عندهم شر الأنواء يكرهون المطر فيه لأنه نزر قليل، وقل ما أصابهم إلا أخطأهم نوء الثريا، ونوءها أشرف الأنواء وأغزرها وهم لا يذكرون نوء البطين في شعر ولا غيره.
ثم يسقط الثريا وهي النجم فيعترض في الأفق سبعاً في ست عشرة يوماً تمضي من تشرين الآخر، ونوءه سبعة أيام ويطلع رقيبها الإكليل، ونوء الثريا أحب الأنواء إلى العرب لأنها تنوء وقد دخلوا في البرد، فإذا أصابهم نوءها، برقت الأرض سنتها فإذا جادهم وثقوا بالحيا بإذن الله، فإذا أخطأهم فهي السنة والقحط، إلا أن يكثر مطر الجبهة، ثم يسقط الدبران ويطلع رقيبه القلب لتسعة وعشرين يوم من تشرين الآخر، ويطلع مع النسر الواقع، وتسمى العرب قلب العقرب والنسر الواقع إذا طلعا الهرارين وليس سقوط الدبران وطلوع قلب العقرب النوء، ولا غرر، لأن نوء الثريا يفترق ما قبله وما بعده، ويقال أن ليس في السماء نجماً مما ينزل به القمر ثلاثة عشر يوماً، إلى أن يطلع الذي بعده، وذلك ما كان له بارح من منازل القمر فقد يكون البارح لغير المنازل، فيكون بارحه بقدر ما بينه وبين الذي يتلوه من الكواكب، فطلوع الشرطين لاثنتي عشرة تتبقى من نيسان، ويسقط الغفر ثم يطلع البطين ليوم يمضي من آيار، ويسقط الزبانيان، ثم يطلع النجم وهو الثريا، فأول البوارح بارح الثريا، وهو أقلها بارحاً، وبارحه لين، وربما سكن وابتداؤه اليوم الرابع عشر من آيار ومعه يطلع العيوق، فيكون بارحه ثلاثة عشر يوماً، ويهيج العود ويسقط رقيبه الإكليل، ثم يطلع الدبران اليوم السابع والعشرين من آيار، وبارحه أشد من بارح النجم واضع وهو بارح طيب لا يشتد فيه الشمال ولا الحرور، ويسقط رقيبه القلب ثم يطلع الهقعة وهو أول جوزاء عند العرب لعشر يمضي من حزيران، ويسقط رقيبها الشولة ويستر بارحها، وهو أول بارح في الجوزاء، وفيه يؤكل البلح، ويدرك بعض الفواكه، ثم يطلع الهنعة وهي آخر الجوزاء لثمان تبقى من حزيران وهو أشد ريحاً وحروراً وسموماً، ويسقط رقيبها النعائم وهو أول ما يرى الأحمر والأصفر من النسر وتحرق الرمضاء. قال ذو الرمة:
حدا بارح الجوزاء أعراف مورِه ... به وعجاج العقرب المتناوح
يجعل البارح للجوزاء وجعل العجاج للعقرب وإذا استتم طلوع الجوزاء واشتد الحر وأوردوا إبلهم قالوا للراعي: صر شطور إبلك لا توردها بهلاً يقول: حتى تجود بها لبناً.

فيصر خلفين من أخلاف الناقة، ويترك اثنين للفصيل. فإذا طلعت الشعرى قيل للراعي: ثلث فيصر ثلاثة أخلاف، فإذا طلع السهيل قيل للراعي: اجمع. فيصر أخلافها كلها فلذلك قالوا: " إذا طلع سهيل فلأم الفصيل الويل " وإنما الويل للفصيل لأنهم يصرون أخلاف الناقة كلها.
وإذا طلعت الجوزاء ترقدت المعزاء وكنست الظباء فلا تزال تقيل في مكانسها حتى تطلع العذرة، وطلوعها بين طلوع الشعرى وطلوع السهيل، ثم تطلع الشعرى الغميصاء وهي الذراع، وطلوعها لخمس تمضين من تموز وذلك أشد بوارح القيظ سموماً، وفيه أول إدراك البسر، ويسقط رقيبها البلدة، ويسقط النسر والواقع وهي أشد الوغرات وهي التي يغطس فيها الإنسان بين البئر والحوض، وعندها أو بعيدها قليلاً بسط المجرة وقالوا: جنى النخل بكرة، ولم تترك ذات در قطرة ثم طلع النثرة والشعرى والعبور لثماني عشرة من تموز وذلك أشد ما يكون من الحر التهاباً، والشعرى ليس لها نوء في المطر ووغرتها مثل وغرة جوزاء، ويسقط رقيبها سعد الذابح ثم يسقط الطرف لثلاث يمضين من آب، وتطلع معها الغدرة في تلك الغداة ويا رياح وغلة وحر شديد، وعند ذلك تؤكل الرطب ويسقط رقيبها سعد بلع.
وقالت العرب: إذا طلعت الغدرة، فعلة نكرة، في بلاد البصرة. ثم تطلع الجبهة لست عشرة تمضي من آب ويومئذ يرثى أهل الحجاز سهيلاً، وفيها بارح وحرور، ويكثر الرطب ويسقط رقيبها سعد السعود.
وسبعة وعشرين يوماً من آب يرى أهل البصرة سهيلاً، وسهيل الجبهة يطلعان في يوم واحد، وقالوا: إذا طلع سهيل رفع كيل، ووضع كيل، ولاح للفصيل الويل.
يقولون يرفع كيل الحب، ويوضع كيل الزبيب والتمر، ويفصل الفصيل غرامة. وعند طلوع سهيل، يقال: يا آل سهيل في الأوعية، لأنه يفسد كثيراً مما يتخذونه من الأشربة والمري والكواميخ وأكثر ذلك أن يطيب ليلة، فعند ذلك يقال: برد ماء الخرقاء، وذلك أن الماء يبرد من غير مبرد للماء، وماء الخرقاء التي لا تبرد بمنزله.
قال الشاعر:
إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرةٍ ... سهيل أذاعت غزلها في القرائب
والعرب تستغني بذكر سهيل عن ذكر الجبهة فلا يذكرونها في أشعارهم، ثم تطلع الزبرة وهي الخراتان، ويبرد الليل لسبعة وعشرين يوماً من آب ويستقل سيهل ويسقط رقيبها سعد الأخبية.
ثم يطلع الصرفة لعشر تمضين من أيلول، ويقال: إذا طلعت الصرفة انصرف القيظ، فند ذلك ابتداء السنة ودخول الصفرية، ويسقط رقيبها فرغ الدلو الأعلى ثم يطلع العواء لثلاثة وعشرين يوماً يمضين من أيلول، ويسقط رقيبه فرغ الدلو الأسفل، ثم يطلع السماك لست تمضي من تشرين الأول، ويسقط رقيبه بطن الحوت، فعند ذلك يصرم النخل وليس من هذه الوغرات وغرة إلا ولها بارح فإن اشتد هانت، وإن هان اشتدت فاستحقاق البوارح والوغرات من طلوع النجم إلى أن تنام الجوزاء، وذلك إلى استتمام طلوع الهنعة، ثم يطلع الغفر لسبعة عشر يوماً تمضي من تشرين الأول، ويسقط رقيبه الشرطان ثم يطلع الزبانيان ليومين يمضيان من تشرين الآخر، ويسقط رقيبها البطين ثم يطلع الإكليل لخمسة عشر يوماً من تشرين الآخر، ويسقط رقيبه النجم، ثم يطلع القلب لثمانية وعشرين يوماً تمضي من تشرين الآخر ويسقط رقيبه الدبران، ويطلع النسر الواقع، ثم يطلع الشولة اليوم التاسع من كانون الأول، ويسقط رقيبها الذراع، ثم يطلع سعد الذابح لثمانية أيام تمضي من كانون الآخر، ويسقط رقيبها النثرة، ثم يطلع سعد بلع لأحد وعشرين ويوماً من كانون الآخر، ويسقط رقيبه الجبهة، ثم يطلع سعد الأخبية لخمسة عشر يوماً تمضي من شباط، ويسقط رقيبه الزبرة، ثم يطلع فرغ الدلو المقدم ليوم تبقى من شباط، ويسقط رقيبه الصرفة. ثم يطلع فرغ الدلو المؤخر لإحدى عشرة يوماً تمضي من آزار، ويسقط رقيبه العواء، ثم يطلع الحوت لأربعة وعشرين يوماً تمضي من آذار، ويطلع رقيبه السماك.

وأول منازل القمر: الشرطان ويقولون هما قرنا الحمل، وهما كوكبان مفترقان عند الأعلى، الشامي منهما كوكب صغير، وتسميان أيضاً النطح وهما عن يمين المدقق ويدعيان أيضاً الإنسانين ولسقوطهما بالغداة نوء ليلة، ولطلوعهما بالغداه بارح ليلة والله أعلم. ثم ينزل بالبطين وهو بطن الحمل، وهو ثلاثة كواكب صغار متفرقات غير نيرات وهي عن يمين المنكب، ولسقوطهما نوء ثلاثة ليال، ولطلوعهما بارح ثلاث ليال. ثم ينزل بالثريا وهي ستة كواكب مجتمعات طمس على حلقه إلية الشاة، ونوءها سبع ليال وبارحها أربع ليل، ثم ينزل بالدبران ويسمى التابع والمجدح ويسميه بعض العرب الضيقة وهو كوكب أحمر نير، ويسمى الكواكب الصغار التي مع القلائص نوء ليلة، وبارحة ليلة وهو أول بوارح الصيف ويقصر القمر أحياناً فينزل بالضيقة وهي بين النجم والدبران كوكبان صغيران متقاربان كالملتصقين وقد قال الشاعر:
بضيقةِ بين النجمِ والدبرانِ
ثم ينزل بالهقعة وهي رأس الجوزاء وتسمى تحياه وهي ثلاثة كواكب متقاربة، كما تنكت في الأرض بالإبهام والسبابة الوسطى مضمومة، ونوءها ثلاث ليال وبارحها ليلة. ثم ينزل بالهنعة وهي في المجرة وبينهما وبين الذراع المقبوضة وهما كوكبان مقترنان، وعندهما يقطع القمر المجرة شامياً ونوءها ثلاث ليال وبارحها ليلة، ثم ينزل بذراع الأسد المقبوضة، وهما كوكبان نيران بنيهما كواكب صغار يقال لها الأظفار ويبعد أحياناً فينزل بالذراع المبسوطة وهما أيضاً كوكبان أحدهما نير يقال لها الشعرى الغميصاء، والآخر أصغر منه يميل إلى الحمرة يقال له المرزم وهو مرزم الذراع، ونوءها خمس ليال، وعند ذلك يشتد البرد، وبارحها ليلة وعند طلوعها تشتد رياح الصيف ويكثر الحرور والسموم، ثم ينزل بالنثرة وهي فم الأسد ومنخراه وهي لطخة صغيرة بين كوكبين صغيرين وتدعى أيضاً باللهاة، ولسقوطها نوء ليلة ولطلوعها بارح ليلة، وهو أشد ما يكون الحر، ثم ينزل بالطرف وهما كوكبان صغيران مفترقان، وهما عينا الأسد وقدام الطرف كواكب صغار يقال لها: الأشفار ونوءه ست ليال وفيه تنق الضفادع، وتتزاوج الطير وتهب الجنائب، ولطلوعه بارح ليلة، ثم ينزل بالجبهة وهي كواكب أربعة، وهو فيها عوج أحدهما براق وهو اليماني منها، ونوءها سبع ليال وفيه ينكسر حد الشتاء، وتورق الشجر، ويزقو المكاء، بارحها ليلة وسهيل يطلع بالحجاز مع طلوع الجبهة ثم ينزل بالخراتين وهما كوكبان نيران وهما زبرة الأسد، واسقوطهما نوء ثلاث ليال ويرى فيه المطر فإن أخلف فبرد شديد، ولطلوعهما بارح ثلاث ليال، ويرى سهيل بالعراق.
ثم ينزل بالصرفة وهي كوكب أزهر، عنده كواكب صغار طمس ويسمى قنب الأسد، ونوءها ثلاث ليال وعند طلوعها، برد الليل كله، ثم ينزل بالعواء وهي خمسة كواكب مصطفة كأنها كتابة ألف وتدعى وركا الأسد وبعضهم يقول: كلاب تتبع الأسد. ونوءها ليلة وبارحها ثلاث ليال وربما كان مطر هذا البارح لأنه يوافق نوء الدلو.
ثم ينزل السماك الأعزل وهو كوكب أزهر ويقال، أحد ساقي الأسد، والسماك الرامح الساق الأخرى، ويعدل أحياناً فينزل بعجز الأسد وهي أربعة كواكب أسفل العواء يمانية وتدعى أيضاً: عرش السماك، ولسقوط السماك نوء ليلة، ولطلوعه بارح ليلة ثم ينزل بالغفر وهو ثلاثة كواكب غير زهر، ثم كوكبان مفترقان وهما قرنا العقرب ويسميهما أهل الشام يدا العقرب، ثم ينزل بالإكليل وهو رأس العقرب وهو ثلاثة كواكب مصطفة، ثم ينزل بالشولة وهي ذنب العقرب ويسميها أهل الشام الإمرة، وتقصر أحياناً فينزل بالغفر مما بين القلب والشولة، ثم ينزل بالنعائم وهي ثمانية كواكب زهر، منها أربعة وارد في المجرة، ويسمى النعام الواردة وأربعة خارجة منها تدعى النعام الصادرة، ويدعى موضع النعائم الوصل، ثم ينزل بالبلدة وهي رقعة فيما بين النعائم وسعد الذابح، موضع قفر ليس فيه كوكب إلا خفي، ويعدل القمر أحياناً فينزل بالقلادة، وهي كواكب صغار مستديرة خفية فوق البلدة، ثم ينزل سعد الذابح وهو كوكبان صغيران مقترنان أحدهما مرتفع في الشمال والأخر هابط في الجنوب، عند الأعلى منهما كوكب صغير يقال هي شاته التي يذبحها، وبين الكوكبين قدر ذراع في العين وكذلك كل سعد في السعود.
ثم ينزل بسعد بلع، وهما كوكبان صغيران مستويان في المجرى.

ثم ينزل بسعد السعود وهو ثلاثة كواكب أحدهما أنور من الآخرين ويقصر القمر أحياناً، فينزل بسعد بأثره، وهما كوكبان أسفل من سعد السعود، ثم ينزل بسعد الأخبية وهو أربعة كواكب، واحد منها في وسطها، ثم ينزل بعرقوة الدلو العليا، وهي كوكبان أزهران مفترقان يقال لهما فرغا الخريف، ويدعيان ناهزى الدلو المقدمين، والناهز الذي يحرك الدلو ليمتلئ، ثم ينزل بعرقوة الدلو السفلى وهي كوكبان أزهران مفرقان ويقال لهما فرعا الربيع ويدعيان ناهزى الدلو المؤخرين، ولسقوطهما بالغداة نوء أربع ليال، ولطلوعهما بالغداة بارح ليلة، ويقصر القمر أحياناً فينزل بالكرب، والكرب الذي في وسط العراق، وربما نزل ببلدة الثعلب وهي بين الدلو والسمكة عن يمين المرفق ثم ينزل ببطن السمكة وهو كوكب أزهر نير في وسط منها مما يلي الرأس، وصورة السمكة عن يمين المرفق ثم ينزل ببطن السمكة وهو كوكب أزهر نير في وسط منها مما يلي الرأس، وصورة السمكة التي في المجرى على حلقة السمكة كواكب تنفرج في فم السمكة فلا تزال تتسع كالجبلين إلى وسطها، ثم لا تزال تنضم إلى ذنبها ويعدل القمر أحياناً فينزل بالسمكة الصغرى وهي أعلاهما في الشمال على مثل صورتها إلا أنها أعرض وأقصر، وهي تحت نحر الناقة، ولها نوء ليلة عند العرب ولطلوعها بالغداة بارح ليلة.
قد ذكرنا منازل القمر وما قيل من العرب في الأنواء والبوارج والمنازل ونذكر الآن صور الكواكب على مذهب المنجمين، ونسب كل كوكب عرفته العرب إلى موضعه منها بعون الله وتوفيقه.
قالوا: إن جميع الكواكب المرصودة سوى الصغار التي لم ترصد ألف واثنان وعشرون كوكباً سوى الصغيرة وهي ثلاثة كواكب تجمعها ثمان وأربعون صورة، منها في النصف الشمالي إحدى وعشرون صورة وأسماؤها الدب الأَصغر، والدب الأكبر، كوكبة التنين، قيقاوس العواء الذي يقال له الصياح، الإكليل الشمالي وهو الفكة، الجاثي على ركبته، الشلياق وهو النسر الواقع، الطائر وهو الدجاجة، ذات الكرسي، برشاوش وهو حامل رأس الغول، ممسك الأعنة، الحواء الذي يمسك الحية، حية الحواء، السهم، العقاب وهو النسر الطائر، الدلفين، قطعة الفرس الثاني المسلسلة، المثلث كوكبة الفرس الأعظم.
وعدد كواكب هذه الصورة التي من نفس الصورة ثلاثمائة وواحد وعشرون كوكباً، والتي حوالي الصور تسعة وعشرون كوكباً، ومنها على فلك البروج اثنتا عشرة صورة وهي: الحمل، والثور والتوأمان، والسرطان، والأسد، والعذراء، والميزان، والعقرب، والرامي والجدي، وساكب الماء وهو الدلو، والسمكتان وهما الحوت.
وكواكبها من نفس الصور مائتان وتسعة وثمانون كوكباً وحوالي الصور سبعة وخمسون كوكباً سوى الضفيرة، ومنها في النصف الجنوبي خمس عشرة صورة وهي قيطس، والجبار وهو الجوزاء، النهر، الأرنب، الكلب الأصغر، السفينة، الشجاع، الباطئة، الغراب، قيطورس، الضبع، المجمرة، الإكليل الجنوبي، الحوت الجنوبي وكواكبها مائتا وسبعة وتسعون كوكباً، وحوالي الصور تسعة عشر كوكباً.
فأول الصور كوكبة الدب الأصغر وكواكبها من نفس الصورة سبعة منها ثلاثة على الذنب: وأربعة على مربع مستطيل. والعرب تسميه بنات نعش الصغرى، منها أربعة التي على المربع نعش والثلاثة التي على الذنب بنات وتسمى النيرين من الأربعة الفرقدين، والنير الذي على طرف الذنب الجدي، وهو الذي يتوخى به القبلة، وموضع الثلاثة التي على الذنب من قسمة البروج في الجوزاء والأربعة الأخرى في السرطان.

======================د999999999999999999===============




كتاب : نثر الدر
المؤلف : الآبي

سمع مخنّث طبيباً يذكُر الطبائع الأربعَ، فقال: الطبائعُ الأربع عندنا الأكْلُ، والشُّربُ، أن تنيك وتُناك.
جمع مخنثٌ بَيْنَ نفْسيْن، فأخذوا جميعاً، أفرج عنهُما. ورُفع المخنثُ إلى السلطان فسألهُ عن قِصَّته، فقال: هؤلاء وجدُوا طائرين فِي قفص، فَخلُّوا الطائرين وجبسوا القَفَصَ.
نظر رجلٌ قبيح الوجُه فِي المرآة، فقال: الحمد لله الَّذِي أحسن خلقي فقال مخنثٌ حَضرهَ: أم مَنْ يبهتُ ربهُ زانيةٌ.
رأى عبادة دينار بن عبد الله - وقد ولي مصر - فقال: يَا فرعونُ أرفع رأسك وانظر من نُدِب لمكانِك.
واشتكى مخنثٌ، ثُمَّ تماثل، فقيل لَهُ: كَيْفَ أنت؟ فقال جاءتني العلةُ باقاتٍ وتجيئني العافيةُ طاقات.
سمع مخنّث قول ابنة الخس لما قيل لَهَا: ما حملك عَلَى الزنى؟ فقالت: طولُ السوادِ وقُربُ الوسَاد. فقال المخنّث: وحبُّ السِّفاد.
سمع مخنث رجلاً يقرأ قراءةً قبيحة، فقال: أظنُ أن هَذَا القرآن هو الي يزْعم ابنُ أبي دواد أنه مخلُوقٌ.
سمع مخنث رجلاً يقول: اللهم اجَعل الموتَ خيرَ غائب أنتظِرهُ فقال: إذاً غيابُك غيابُ سوء.
قال المتوكل لعبادة: كَمْ سِنُّك؟ قال: والله مَا أعْرفُ الحِسابَ، ولكن تعرفُ أنت عفْرويه. قال: لا - والله - ومَنْ عَفرويه؟ قال: الَّذِي يقول فِيهِ القائل.
ضراط عَفرويْه بليلٍ طرقا احسب الآن كَيْفَ شِئت وتزوجتُ أم مخنّث، فلما كَانَ ليلة الزفاف جعل يتسمعُ عليهما فلما سمعَ الحس.
قال: يَا أمي. وذا تأكلين وحْدَكِ. لا هنأك اللهُ.
قيل لمخنّث: كَيْفَ تَرى الدُّنيا؟ قال: مِثلنَا. نخن يوماً عند الأسخياء، ويوماً عند البخلاء.
قالت امرأة لعبادة: اشتريتُ قَفيزاً بثلاثةَ عَشرَ درهماً، كم يصِيبني بثلاثة دَراهمَ؟ فقال: أنت طُولُكِ وعَرضْك لا تعرفين هَذَا!! يصيبك قَفيزٌ إلا بعشرة دراهم.
دخل عبادة الحمامَ يوماً فرأى غلاماً كبيرَ الأير، فبادر فقبض عَلَيْهِ، فقال الغلام: مَا هَذَا. عافَاك الله؟ قال: أما سَمعت قول الشاعر:
إذا مَا رايةٌ رِفُعت لمجدٍ ... تلقاها عرابةُ باليمين.
ألزَم المتوكلُ عبادةً في يوم من شهر رمضان أنْ يقرأ في المُصْحَف، فقرأ وجعل يصحَّف، ويغْلطُ. حتى بلغ إلى قوله " وبشر المخْبتين " فصحفَه، وقال وبشِّر المخنثين فطردَه.
نظر مخنث إلى إنسان وَحش الخِلْقه، فقال: هذا نموذج جَهَّنم أخْرجَ إلى الدنيا.
طلب رجل منزلاً يكتريه، فجاء إلى باب دار ودفعهُ، وقال: لكمْ منزلٌ للكِرَاء؟ وإذا في الدار مخنثٌ - وفوقَه رجلٌ - فصاح مِنْ تَحتِه: أليسَ ترانَا بعْضَنا فوق بعض منْ ضِيق المكان؟ مِنْ أين لنا مَنزلٌ يُكْرى؟؟ قال مخنْث لآخَرَ: ذهبتِ الأيور الباستانية التي كنا نَعْرفُها. فقال: ما ذَهبت الأيورُ، ولكن اتْسعنْا نحن.
رأى إنسانٌ مخنثاً ينتِف لحيتَه، فقال له: ويلكَ. لأي شيء تنْتِفُ لحيتَكَ؟ فقال: يُسرك أنَ مِثلْها في استِكَ؟ قال: لا. قال المخنثُ: فشيء تأنفُ لاستكَ منه، لا آنفُ لوجْهي منه؟؟ كان المتوكل على برْكة يصيدُ السَّمكَ - وعنده عبادةُ المخنثُ - فتحرك المتوكِّل، فضرط، وقال لعبادة: اكتمها علي فإنَّك إن ذكرْتَها ضربتُ عُنقَك. ودخل الفتحُ: أيشْ صدْتُم مِن الغَداة؟م فقال له عبادةُ: ما صِدَنا شيئاً، وما كان معنَا أيضاً أفْلتَ.
ركب المتوكل يوماً زلالا ومعه جماعةٌ، فعصفَت الريحُ، وفزعَ الناسُ. فقال عبادة. يا أميرَ المؤمنين. أما كُنيزُ دُبَّةَ فإنه لا يخافُ الغَرق. فقال المتوكّلُ: وكيفَ ذاك؟ قال: لأنه يسْبحُ على رَق. وكان كنيزٌ مخنَّثاً آدَر.
كان بعض ولد الفضل بن الربيع يتخَنّثُ، فوكَل به أبُوه غُلاماً يمنعُه من نتْف لحُيته، فبات ليلة. فلما اصبح رآه منتوفَ اللحية، فقال: أهلكْتني - والله - أين لحيتُك؟ قال: " فطاف عليها طائِفٌ مِنْ رَبِّك وهُم نائمون. فأصْبحت كالصرِيم " .
قيل لمخنث: كيف تتهجى بكمرة؟ فقال: كاف، ميم، راء، هاء قالوا: هذه كَمرة. قال: كل إنسان يتهجي ما يشْتهي.
لقى الطائفُ - وكان ماجناً - جماعةً من المخنثين، فقال: نيكُوا بني الزواني، واضربُوا بني القُحاب. فقال مخنثٌ منهم: يا سيدي. سَبقتْ رحمتُك غضَبَك.

أدْخلَ مخنثٌ على العُرْيان بن الهيثم - وهو أميرُ الكوفة - فقالوا: إنه يَفعلُ ويصَنعُ. فقال له العريان: يا عدوَّ اللهِ. لمَ تفعلُ هذا؟ قال: كذّبوا علي - أيها الأمير - كما كذَابوا عليكَ. فغضب العريانُ، واسْتوى جالساً، وقال: وما قيلَ في؟ قال: يُسمُّونك العريانَ وعليك عشرون قطعةً ثياب. فَضحِك. وخلاه.
قال مخنث: رمضَانُ بين شَوالٍ وشعْبانَ مخشلبةٌ بين دُرتين.
وقل لمخنّث: ما الذي أفدت من التخنيث؟ قال: است مخرقة، واسمٌ قبيحٌ.
قال هيتُ المخنّثُ لُعَمر بن أم سلمةَ: إن فتح الله عليكُم الطائِف فسل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يهبَ لك بادنَة بنت غيلان بن سلَمة، فإنها كحْلاءُ، سموعٌ، نَجْلاءُ، خُمصَانةٌ، هَيْفاء إنْ مشتْ تثنَّت، وإن جلَست تدنَّتْ، وإن تكلَّمتْ تغنَّت، وتُقِبلُ بأربع، وتدبرُ بثمان، وفخذَيْها كالإناء المكْفأ.
فَروِي أن كلامَه بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فمنع المخنَّثين من الدُّخول على النساء.
نظر مخنث إلى إنسان كبير الأنف، قد أشرف على فمه. فقال: انظروا إليه كأن أنفه أير يتطلَّع في بئر الخَلا.
الباب الخامس عشر
نوادر اللاطةِ
روادَ إنسانٌ متقر على الفُجور، فقَال: ما تعُطيني؟ فقال، أستغفرُ لك وأقرأ لك كل يوم آيات أعوذكُ بها، فقال الغلامُ اليوم عاجلاً " وردّ للهُ الذين كفروا بغيظِهمْ " رؤي بعضُ اللاطة مع غلام أسودَ، فقيل له في ذلك، قالَ: الأسودُ طيبُ النَكْهةِ ليِّنُ الأفْخاذِ، مُلْتهبُ الجوف، رخيص الجذر سريع الإجابة لأنك تدعوه لتنيكه فيظن أنك دعوتَه لينكيك.
قيل لبعض المتصوفةِ: أنت لُوطي. فقال: ما تقولُ في لص لا يسرق، هل يلزمه القطعُ؟ قال بعضهم: رأيت شيخاً يطاف به، وينادي عليْه: هذا جزاءُ من يلَوطُ، والشيخُ يقول: بخ بخ لِواطٌ محضٌ، لا زنى، ولا سرَقٌ.
قل لشيخ لاطَ: ألا تستحي؟ فقال: أستحي وأشتهي.
قال بعضهم: الغُلام استطاعةُ المعتزلةِ، لأنه يصلُح للضدين، يَفْعلُ ويُفْعُل به.
والمرأة استطاعة المُجبرةِ: لا تصلح إلا لعمل واحد.
قيل لأعرابي: ما تقولُ في نيك الغِلمان؟ فقال: اعُزبْ، قبَّحك اللهُ. والله إني لأعافُ الخَار أن أمر به، فكيفَ ألجُ عليه في وَكره؟ وجُد شيخٌ في مسجد، وتحتَه صبي، فلما هجمَ عليه عدَا الصبي، وقام الشيخُ متأسفاً وجعل ينظر إلى متَاعِهِ ويقولُ.
كان ببغدادَ لوطي مُوسِرٌ، فكان إذا جاءَ وقتُ الزكاة وزنَ زكاة ماله، ووضعهُ. فإذا حصَل عنده مؤاجرٌ وزَنَ جذْره منهُ، وقال: ألكَ أمُّ أوْ أختٌ تستحق الزكاة؟ فيدْفَعهُ إليه، ويقولُ: خذها مِن زَكاة مَالي، وأعْطني ما أريده منْك تفضُّلاً.
وكان بعض المؤاجِرين يتحرجُ فكان إذا أعطاهُ إنسانٌ جذْرَهُ أخْرج تُفاحةٌ أو ما يشبهُهَا، وقال للرجل: قد اشتريتَ مني هذا بهذه الدَّرَاهم. فيقول اللوطيُ: نعم.
فيقول: فأما الآن فَأُعطيك ما تريدُ من غَيْر جذْر.
قيل لوحد: لم فَضَّلتَ الغلام على الجاريةِ؟ قال: لأنهُ في الطريق صاحب ومع الإخوان نديمٌ، وفي الخلْوة أهلٌ.
قال ابنُ قريعة القاضي: مررت بشِيخ قد خَرج من خَربة، وبيده أيرُه وهو يقول: ما أعجبَ أسبابَ النّيك؟ فقلتُ له: يا هذا، إنما يقالُ: ما أعجبَ أسبابَ الرَزق؟؟ قال: خُذْ حديثي، ودخلتُ هذا الخرابَ لأبولَ، فأنعظتُ فهممتُ أن اجْلِد عميرةَ. فدخل صبيان كالقمرين، فلم يرياني، وأخذا يتبادلان فقمت إلى هذا فنكته، وإلى هذا فنكته. وخرجتُ كما تراني متعجباً بالله، ما هذا بعجب؟؟ قلت - بلى والله - وانصرف لا حَفِظك الله.
جاءُوا إلى أبي نُواسٍ بغلام ملِيح، إلا أنه أعُرجُ. فقال: ما أصنعُ به وهو أعرجُ؟ فقال الغلامُ: إنْ أردَتني لأن تضربَ علي بالصوالجةِ فلا أصلحُ لذلك وإن أردتَني للنيك فقُم.
كتب رجلٌ إلى غلام كان يعشقُه: وضعتُ على الثرى خدي لترضَى. فكتب إليه الغلام: زنْ عشرة دَراهم، وضَعْ خدَّك على خدي.
وصفُوا غلاماً عِنْد بعض اللاطة، فقيل: هو فاسدٌ. قال: في فَسادِه صَلاحي.
نظر غلام في المرآة، فرى لحيتَه قد بدتْ وقال فقال قَوَّادُه

بعث المبرِّد غلامَه، وقال بحضرة الناس: امض فإنْ رأيتَه فلا تقُلْ له، وإن لم ترَه فقل له. فذهب الغلامُ، ورجعَ فقال: لم أره، فقلتُ له، فجاءَ فلمْ يجئ فسُئِل الغلامُ بعد ذلك، فقال: انْفذَني إلى غُلام، فقال: إن رأيت مولاهُ فلا تقُلْ له شيئاً، وإن لم تره فادْعُه. فذهبُ فلم أرَ مَولاهُ، فقلتُ: فجاء الموْلى، فلم يجئ الغلام.
أدخل ابنُ سَيابةَ غلام ليفسِقَ به، فقالَ له الغُلامٌ: أنت ابنُ سَيابة الزنديقُ؟ قال: نعم. قال: أين الزندقةُ؟ ونومَه، وأدخل عليه، ثم قال: يا بُني: قيل لأبي نواس لِمَ تُؤْثر الغُلامَ الفحل على الخصى؟ فقال: لان الغلام معه بيْذقان في وسط الرقعة يدفع بهما الشاةَ.
قيل للوطي: كيف رأيت فلاناً؟ لغلام كان يتعاطَاهُ. فقال: يجعلُ البيذّقَ فِرْزَاناً.
غَمز لوطي غلام، فقال الغلامُ: أنا لا أصلُحُ لما تريدُ. فقال اللوطي: وأنا أجعلُك بحيثُ تصلُح.
قال بعضهم سمعتُ شيْخاً قد خرف بعد شطارة يقول: نكتُ غلاماً في دهليزي أمس فأردتُ أن أدخُل عليه، فقال لي: لا تفعلْ، فإني مسحُتُ على خُفي، وأكرهُ أن ينتقض وضوئي. فقلتُ: إنَّ نيك الغِلمان بين الفخذين لا ينقضُ وضُوءَهم.
وقال آخر: رأيتُ شيخاً مِنْ كبار الشُّطار، يمرُّ ومعهُ صَبي صَغيرٌ. فقلتُ: بلغنا هذه الحالَ. فقال: يا سيدي إن الأسد إذا كبر يَصيدُ الضفادع.
وجدَ شيخ مع صبي خلفَ كرَب فقالوا له يا شيخُ. أما تَسْتحي وأنت رجلٌ عاقل؟ لم لا تحصن نفْسَك؟ فأخرج من فيه قطعة فيها قيراطٌ، وقال: والله ما أملكُ غيره وقد رضى بها هذا الصبي. فهل فيكم مَنْ يزوجني بها حتى أتحصن؟ سأل بعضُهم غلاما، وإعطاء دِرْهمين، فأراد أنْ يدخُل عليه، فامتنع، وقال: لا أقْوى. فقال الرجل قد خيَّرتُك في إحدى ثلاث - وكان يعْلم أن الغلام يذْهب مذهب الجَماعةِ - إما أن تردَّ الدِّرهمين، أوْ تدعَني أدخلُه، أو تقول: القرآن مخلوق. قال الغلام: أما ردُّ شيءٍ من الدرهمين فلا سبيل إليه، وأما القرآنُ فلو ضربْت عنُقي ما قلتُ إنَّه مخْلوقٌ، وأما الثَّالثةُ فأتحمّلُها فأدخل عليه، وصاح الغلامُ وجعل يقول: صاح الصبيانُ بأبي سعيد الخرزي: يا لوطي يا لُوطي. فجعل يضحكُ فقيل له: يا شيخ. أمَا تستحي؟ يصيح بك الصبيانُ - وأنت تضحكُ؟ قال: فديتُك. إذا صدقُوا أيش يمكنني أنْ أقُول؟ غضب سعيد بن وهب يوماً على غلام له، فأمَرَ به، فبطحَ، وكشف الثوب عنه ليضربه، وقال: يا بن الفاعِلة. إنَّما غرتْك استُك هذه حتى اجترأتَ على هذه الجرْأة، وسأُريك هوانها علي. فقال الغلامُ: طالما غرتْك هذه الأستُ حتى اجترأت على اللهِ، وسوف ترى هوانك عليْه. قال سعيدٌ: فورد على مِن حالهِ ما حيرني، وسقط السوط. من يدي.
قسَم بعضُ الولاة بالمدينة قسْماً في الزَّمني، فأتاهُ أبو خزيْمَة، فقال: أعطني فإني زمِنٌ. قال: ما أرى بك زمَانةً. قال: بلى قال: ما هي؟ قال: أنا لُوطي. قال: نعم، إنَّك لزمِنٌ من عقلك، وأعْطاه.
سئل ابنُ سيابة عن مؤاجر، فقال وكان يقول: نيك وكان يترافق اثنان: أحدهما " يقود بالصِّبيان الصغار، والآخر، بالبالغين الكبار، وكلُّ واحد يعيبُ صاحبَه، ويعنِّفُه، حتى أخِذ في بعض الأيّام صَاحِبُ الصِّغار مع صبي، ورُفع إلى السُّلطان فضُرب، وحَمل الصبي على عاتِقِه ليطاف به في البَلد، فلقيّهُ رفيقُه، وهو على تلك الحال، فقال: قد كنتُ أنهاك عن الصِّغار حذراً عليك من مثْل هذا، ولو كان كبيراً لم ينكرْ كونُه معك في البيْتِ. فقال: اسكتْ يا أحمقُ. فلو قبلتُ منك وكان مكان هذا الصغير ذاك الكبير، فكان يُدَقُّ عنقب بثقِله.
وجُد آخرُ مع صبي في منارة المسْجد، وسَراويلاتُهما محلولةٌ، فقيل: ما هذا؟ فقال: أريد أن أبْدل تكتهُ بتكتي.
قال بعضهم: إذا كان للغلام أير ضخمٌ فهو فخذٌ ثالث.
قيل لبعضهم: اللواطُ إذا استحكَ صار حُلاقاً. قال: هذا مِن أراجيف الزنُّاة.
قال بعضهم: نزل بي ضيف فنومتُه في الدار، فوجدتُه في بعض الليل معي على السرير في البيت ينيكني، فقلتُ: ويحْك!! لم دَخلت البيت؟ قال: وجدتُ البرْدَ. قلتُ: فلم صعدت السريرَ؟ قال: من البراغيثِ. قلتُ فلمَ تنيكني؟ قال: ليس هذا موضع المسأَلة.

دب واحدٌ على غُلام، فانتبه الغُلامُ، وأخذ شيئاً فرمَاهُ به، وشجه. فلما أصْبحَ، قيل له: استعْدِ عليه. فقال: يا قوم أنيكُهم من غير أن أستأْذنَهم. ثم أْستعدى عليهم إذا ضربوني؟؟ هذا لا يجُوز.
كان غلامان يلعبان بالطيور، فقال أحدهما لصاحبه: إذا كان غداً وتسابقْنا تنايكنا. قال صاحبه: وإن لم نتسابقْ لم نتنايك؟ قال الجاحظُ: كان بعضُ المؤاجرين يعْطي في الشَّمال بأربعة دَراهم وفي الجنوب بدرهمين فقيل له في ذلك. فقال: في الشمال الريحُ علي، وفي الجنُوب الريحُ معي.
أراد رجل أن ينيك غلاماً بين فخذيه، فصاح، وقال: لا أنا لا أطيقُ خارج نظر رجلٌ إلى غُلام وفي وجهه وجبينه أثرٌ. فقال له الغُلام - وقد أدْمَن النظرَ إليه - : يسألُك الله عن سوء ظنِّك. قال: بل يسألُك عن سوء مصْرَعِك.
نظر بعضهم إلى غلام أمْردَ وهو يتكلَّم بقِحَة، ورقاعة. فقال: هذا وجهُ من يشمُّ التراب.
أخذ رجلٌ مع غلام، فرفع إلى صاحب الشُّرطة، فأدَّبه، ثم وجدَ بعدَ ذلك مع امرأة وعُوقب. وبعد ذلك مع مخنّث فأدِّب، ثم وجد في خربة ينيك أناناً. فقال له صاحبُ الشُّرطة: ويلك!! لم لا تعمِد أيركَ؟ قال: يا سيدي هذا غِمْده، ولكنْ لستم تتركونني أنْ أغْمده. فضحِك وخلاه.
قيل للوطي: ويحك؟؟ إن مِن الناس من يسرقُ، ويزني، ويعمل العظائمَ سنين كثيرةً، وأمْره مسْتُور، وأنت إنما لُطت منذُ شهور. وقد شُهرت وافتضحت.
فقال: من يكونُ سرهُّ عند الصِّبيان، كيف يكونُ حاله؟ نظر بعضُهم إلى غلام وأدَمنَ النظر. قال: فقال الغلامُ: لمَ هذا النَظر؟ فقلتُ: سيدي: أين منزلكم؟ قال: في النار، تطلُب أثراً بعد عين أن تؤخر اليوم لغد، وتتبعَ مالا تأْمَنُ السائِق عليه.
دخل بعضهم الحمام فرأى فيه غلاماً صبيحاً، فأرادَه على نفْسه فامتنع، فكابر، وأخذه وأفلت الغلامُ، وصاحَ، فدخل القيِّم وجماعة معه، فقالوا للرجل: ألا تستحي سوءة لك؟ قال: قلتُ له: صُب الماء علي فامتنع. قالوا: فما بالُ أيرك قائماً؟؟ قال: قام من شدة الغَضَب.
قيل للوطي: متى عهدك بالحر؟ قال: مذ خرجتُ منْه.
ذكر يونس بعضَ اللاطة فقال: يضربُ ما بين الكُركى إلى العنْدليب يقول: لا يدَعُ رجلاً ولا صبياً إلا عفَجهُ.
حكى بعضهم قال: رأيتُ بعضَ اللاطة يضربُ غلاماً له ضرْب التَّلف، ويدعى عليه فسألته عن ذنبه. قال: ليس قلبه في العمل، نكته اليوم وكان أيره نائم.
قيل الفتيان: نيك الرجل ريبةٌ. قال: هذا مِن أراجيف الزناة.
رأى يحيى بنُ أكثم غلاماً حسنَ الوجْه في دار المأْمون فقال فَرفع ذلك إلى المأْمون، فعاتبه. فقال: يا أمير المؤمنين كان انتهى درسِي إلى ذلك الموضع، فَضَحك.
استنقَع بعضُهم في الماء متكشِّفاً، فمر به غلامٌ عمَري كان يتعسفُ فأنكرَ ذلك على الرجل كالمحتْسب. فقال لهُ الرجلُ: بأبي أنتَ!! أردْتَ إماتَة منْكرٍ، فأحييْتَ أنْكرَ منه، وأوْمى إلى متاعه.
قال بعضهم: كنتُ عند يحيى بن أكْثم عشيةً، فدخل إليه عبد الملك بن عُثمان بن عبد الوهاب - وكان يُرمى به - فقال: أصلَح اللهُ القاضي، إنك أدْخلتَ علينا أميناً في وقُفِنَا، ففعلَ، وفَعلَ. فقال له: وتدعُ أنْتَ إنساناً يدخلُ عليْك؟ فما سمعتُها نهضتُ. فلمَّا كنتُ في صحْن الدار سمعتُه يقولُ له: حُلَّ حُلَّ.
وكان يحيى يقولُ بالبصرة لي رجلان أبعثُهما ليأتياني بالغِلمان، فأحدهما لا يأتيني بالغُلام حتى ينيكَ الغلامَ، وهو إسماعيل بن إسحاق. والآخر لا يأْتيني حتى ينيكهُ الغلامُ وهو صلْت بن مسعود.
قال العدلي الشِّطْرنجي: كنتُ غلاماً، فضمني المأْمونُ إلى يحيى، فإني لِعنْدَهُ يوماً إذْ جَذبَني إلى مخْدعٍ في مجلسه، وأضْجعني الفاحشةَ، ونظر مِن ورَاء الستر، فرأى ابنَ العلاء بن الوضاح - وكان مفْرط الجمال فضربَ علي جَنْبي، وقال: قُمْ.
الباب السادس عشر
نوادر البغائينقال بعضهم: قلتُ لرجل كان يتعاطى الأدبَ - وكان متهماً - : ما معنَى قولِهم: " إذا عزَّ أخُوك فَهُنْ؟ " قال: إذا لَمْ ينم لتنيكَه فنَمْ حتى ينيكَكَ.
دخل عبادة على المتوكل وهو نائمٌ، ومعه في الفراش أسود قد ظهرت رجْلاه من اللحافِ، فقال عبادة: يا أميرَ المؤمنين. بت البارحةَ فِي خُفيكَ وكان المتوكل ممن يُرمى ويتهم بذلك، وخبَره في أمر بشياط الهليوف معروفٌ.

قيل لمأْبون: إن بنتك به أبنَة فقال: قيل لابن عوْن: إن المتوكلَ قد بنَى بناءَين سماهما الشاةَ: والعروس فقال: قد فرغ من تحميل الناس على الناس حتى صار يُنايك بينْ الأبِنيَةِ فقال وقع بينَ أحمد بن السندي وبينَ غلامه كلامٌ، فَهجَرهُ الغلامُ أياماً فكادَ أن يُجَنَّ، فتحمَّل عليه بغَرسَةَ المحتِسب، فلم يُجبْه الغُلام. وكان غرسةُ أيضاً مأبوناً. فقال: يا غلامُ. لو كان أيرك مثل أير بغْل سماعةَ مَا زادَ على هذا. فقال أحمد بنُ السندي هو قريبُ منه. وتحمل عليه بإخوانه حتى صالحَهُ، واتخذ دعوة أرْعَد فيها وأبْرق. فقيلَ للحنْظلي: عِنْدَ مَنْ كنتُم أمس؟ قال: كنا في دَعْوة أير غلام أحمد بن السنْدي ومرَّ أحمدُ بنُ السندي ببغْل أبي كان الطَّحان - وقد أدْلىَ - فوقفَ بإزائه ثم تنفس الصُّعَداءَ، فقالَ: هذا الأير!! لا ما نُعللُ به استاهنا أربعين سنةً.
قيلَ: وكان هذا البغْلُ إذا أدْلى أخذ في الأرض برأس غُرْمولِه التُّرابَ، فإذا ضربَ به بطْنَه رأيتَ الغُبارَ يتطاير عن يَمينِه وشِمَاله.
قال بعضُهم: دخْلتُ إلى رجل من كبار الناس ببغداد فُجاءةً، وإذا غُلامٌ له فوقْه. فلما رآني استَحْيا وقالَ: زعمَ هذا الغلامُ أنه احتْلَم البارحةَ، فأردتُ أنْ أجرِّبه.
وقال أبو العيناء: دخلتُ على أبي العلاءَ المنْقَري - وغلامه على ظهْره - فقلتُ: ما الخَبر؟ فقال: إنَّ هذا الغُلام زعَم أنَّه قد احتْلَم، فظنْنتُ أنه يكْسَلُ عَنْ خِدْمة النِّساء، فأحُبَبْتُ أن أمتحنَه. قال: فحدثُتُ بهذا المعتصمَ فقال: لعَنهُ اللهُ تركني.
قيل لرجل من وَلد بشْر بن داود - وكان مأْبُونا - : أما تَسْتحي وأبُوك كان سيفَ السُّلطان؟ قال: فأنا جُعْبَتُه.
وقال له آخر: إنَّ أبَاك كان ينيك، وأنتَ تناك. قال: نقَضَنِي ديْنه.
قال ابنُ حمدون: بات عِندي المراكبي الشطْرنْجي - وكان مأْبُوناً - فسمِعْتُه يقولُ لغُلام كان قد بَاتَ أيضاً عِنْدي: أعْطِيكَ دينَاراً وتُبادلني، وأعطيك أنَا قبلاً. وإن صَغُرت لم أبَال؟؟ قيل لبعضهم: لوطي أنت أم صاحبُ نِسَاء؟ قال: أنَا لُوطي، وزانٍ وأميلُ إلى المخنثين، وأدبُّ بالليل أي دِباب، ويعُتريني قليلُ بغَاء.
أحْضِرتْ بصَليةٌ في منزل رجل كبير من أهل بغداد - وابنُ الهفتي حاضرٌ - وكان يعاتبه كثيراً، فتسرع ابنُ الهفتي أيضاً، فقال له: أتعِجبك بالأبنةِ قال: هي ألذُّ من طيب الطعام عنْدي. قال: خُذوهَا مِنْ بيْن أيْدينا، فإني لا أشْتهيها. قال: هذه أيضاً فضَيلةٌ مِنْ فضائل البصليَّة لا يشتهيها البغَّاءُون.
وكان الرجل مرْمياً بالأبْنة. وقال له يوماً وقد رأى له كنيفاً لا يدخُلهُ غَيْرهُ: استك عامةُ وكنيفُك خاصة.
كان بعضُ آل الجُنيد إذَا رأى إنساناً يُرْمي بالبغاء دعَا لفتُحته بأن عافية. فقال له عبادةُ ما صحتْ نيتُك في الدُّعاء، لأنك بَعْد تسألُ بان.
قيل لأبي سَوار: قد امْتهنَك غُلامك هذا الأسود. قال: ما امْتهنَني، لكني أمتهنُه. عَمدتُ إلى أكرم عِلْق فيه، واستعُملتُه في أقْذر مدْخَل فيَّ.
أشرفَت امرأةٌ مِن منْظَرة لها فرأتْ فتى جميلاً أعْجبها، فقالت لجاريتها: أدخليه فأدخلْته. فقدمتِ الطعامَ، وأكلا، أحضرتِ الشرابَ، وآنَستْه، فَلم تجد عنْده شيئاً. فقالتْ ما أحْوجَنا إلى مَنْ كان ينيكنا جميعاً. فقال: أخذتيها من فمي.
أدخَل بعضُ البغائين واحد من السقائين، وحَمَله على نفْسه، فلما واقعه قال: أوجعتني، لا تدخلْه كله. قال السقاء: فأُخُرجُه؟ قال: لا. قال فما أصنَعُ؟ قال: دعهُ مكانَه. قال السقَّاءُ: فمَنْ يحْفظُ البغْل؟ كان الناصرُ ولي واحداً عَملَ البندرة بجرجانَ، وكان يُرمي بالأبنْة، فاستقصره يوماً في سَبب مال وجَبَ لمَنْ يَجْبيه. فقال: أيُّها الناصر، إنما الصَّاحِب رحِمه الله بعضُ الكتَّاب مِن العراق مِمن كان عرَفَهُ وقْتَ مُقامه ببغداد، وشكى سوء حاله، فأحْسَن إليه، وولاه عَملاً، وأجْرى له في كل شهر خمْسَمائة درهم. وكتب صَكَّة بذلك؟َ، فحسدَه بعضُ الحَاضرين وقال للصَّاحب: إنَّ هذا رجلٌ مأْبونٌ، معروفُ الطريقة بالفَسادِ، وجَميع ما تصلُه به، وتُوصَّلُه إليه ينفقُه على مَنْ يرتكِبُ معه الفضيحةَ، وأفْرطَ في ذمَّ الرَّجل، والدَّلالةِ على قَبائحهِ حتَّى طن أنه قد أفْسدَ حاله.

فلما رُدَّ الصَّكُّ إليه للتوقيع فيه لم يشُكَّ الساعي أنه يُبْطلهُ أو يمزّقُه. فلما أخذهُ، ونظر فيه كتبَ تحْت ما كان قَدَّرَ له كلَّ شهر: ولغُلام يخدمه ويستعينُ به خمسون درهماً، ووقع في الصَّك وردَّه إليه.
كان لعبادَة غلامٌ كبير الفَقْحَة. فقيل له: أنت بغاء فَيالكَ غلام كبير الفقحة؟؟ قال: يا حْمقَى: ما يدريكم: كلما ثقلتْ المرزبَّة كانَ أشدَّ لدخول الوتَر.
؟
الباب السابع عشر
نوادر جحاحكى الجاحظُ. أنَّ اسمهُ نوحٌ، وكنيته أبو الغُصن، وأنه أربى علي المائِةِ، وفيه يقولُ عمرُ بنُ أبي ربيعة:
ولَّهتْ عَقْلي وتلقّبتْ بي ... حتى كأني مِنْ جنُوني جُحا
ثم أدْرك أبا جعْفر، ونزلَ الكوفةَ.
قيلَ لجحا: أتعلمتَ الحسابَ؟ قال: نعمْ. فما يُشكلُ على شيءٌ منه. قال له: اقْسم أربعةَ دراهَم على ثلاثة. فقال: لرجلين درهمان، درهمان، وليس للثالثِ شيءٌ وأراد المهديُّ أن يعبث به فَدَعا النطع والسَّيف، فلما أقُعد في النطع، وقام السيافُ على رأسه وهز سيفه، ورفع إليه رأسهُ. فقال: انظُر لا تُصيبُ محاجمي بالسيفِ، فإني قد احتجمتُ فضحك المهديُّ وأجَازَه.
وماتت لأبيه جاريةُ حبشية: فبعثَ به إلى السُّوق ليشتري لها كفناً، فأبطأ عليه حتى أنفذ غيره، وحمل الكفن، وحُمِلتْ جِنازتُها، فجاء جُحا - وقد حُملتْ - فجعل يعدو في المقابر، ويقول: رأيتم جنازة جارية حبشية، كفنُها معي؟ وجمحت به يغلةٌ يوماً، فأخذتْ به في غير الطريق الذي أرادَه، فلقيه صديقٌ له. فقال: أينَ عزمْت يا أبا الغصنِ؟ فقال: في حاجةٍ للبغْلةِ.
وكان يأكل يوما مع أمه خُبزاً وبقلاً، فقال لها: يا أُمي، لا تأكلي الجرجيرَ فإنه يقيمُ الأير.
ومرت به جنازة، فقالَ: بارك اللهُ لنا في الموت وفيما بعدَ الموتِ. فقيل: إنها جنازةُ نَصْراني. فقال: إذنْ لا بارك اللهُ لنا في الموتِ، ولا فيما بعد الموت.
وكانتْ لهم جاريةٌ يقال لها عميرةُ، فضربتْها أمُّه ذات يوم، وصاحتِ الجاريةُ واجتمع الجيرانُ على الباب. فخرجَ إليهم، وقال: مالكُم؟ عافاكم الله. إنما هي أمي تجْلد عميرةَ.
وصلى بقوم - وفي كُمِّهِ جَرْو كلب - فلما ركَع سقط الجروُ، وصاح، وتنحنْح. فالتفتَ إليهم، وقال: إنَّه سلُوقُّي عافاكم الله.
وحمل جرةً خضراء إلى السوق يبيعُها. فقالوا: هي مثقوبةٌ. فقال: ليس تسيل، فإنَّه كان فيها قُطنٌ لوالدتي. فما سالَ منه شيءُ.
وأعطاه أبوه درهما يزنُه، فطرحَهُ في الكِفة، وطرَحَ في الكِفة الأخرى سنجة درهمين، وهو يحسبهما سَنْجةَ درهم، فلم يستويا، فطرح سنجةَ الدِّرهم على رأس الدِّرهم، فكانَ أقلَّ، فطرح حبتين أيضاً، ثم قال لأبيه: ليس في شيء، وينقُص حبتين.
ونظر يوماً إلى السَّماء، فقال: ما أخْلَقها بالمطر لو كان متغيمةً.
ورأوهُ يوماً في السوق يَعْدو فقالوا: ما شأْنُك؟ قال: مرّت بكم جاريةٌ رجل مخضوب الحية؟ واجتَازَ يوم بباب الجامع فقال: لِمنْ هذا القصر؟ قالوا له: هذا مسجد الجامع. قال: رحِمَ اللهُ جامعاً. ما أحسنَ ما بَنَي مسجدَه؟؟ وذهبتْ أمُّه في عرس، وتركتْهُ في البيْتِ، وقالتْ له: احفَظ الباب. فجلَس إلى الظهر. فلما أبطأَتْ عليه قامَ، فقلَع البابَ، وحملَه على عاتِقِه.
ونظر إلى رجل مقيَّد - وهو مغْتَم - فقال له: ما غمُّك؟ إذا نُزع عنكَ فثمنُه قائمٌ، ولبسه ربحٌ.
وماتتْ خالتُه، فقالوا: اذْهبْ، واشتر لها حَنوطاً. فقال: أخْشى ألا ألحق الجنازةَ.
وتبخَّر يوماً فأُحْرِقتْ ثيابُه. فقال: واللهِ لا تبخرتُ أبداً إلا عُرْياناً لما قَدَم أبو مسلم العراق قال ليَقْطين بن موسى: أحبُ أنْ أرى جحا.
قال: فوجَّه يقطينُ إليه فدعاهُ وقال: تهيأْ حتى تدخُل على أبي مُسلم فإذا دخلْت عليْه فَسلِّم، وإيَّاك أن تَتَعلَّقَ بشيء دونَ أنْ تشْتدَّ فإني أخشاهُ عليْكَ قال: نعمْ.
فلما كان مِنْ الغد، وجلسَ أبو مسْلم وجَّه يقْطينُ إليه فَدَعاه، فأدخلَ على أبي مسلم - وهو في صَدْر المجلس - ويقطينُ إلى جنبه، فسلَّم. ثم قال: يا يقَطينُ. أيُّكُما أبو مسلم؟ فضحك أبو مسلم حتى وضَع يده على فمه. ولم يكُن رُئي قبلَ ذلك ضاحكاً.
وأراد جحا الخروجَ إلى ضيعْةٍ، فقيلَ له: أحْسنَ الله صَحَابتَك: فقال: الموضعُ أقربُ مِنْ ذاك.

وعُجنَ في منزلِه، فطلَبوا منْه حطباً. فقالَ: إنْ لم يكُن حطبٌ فأخُبزوه فطِيرا.
ولما حذق الكتابةَ والحسابَ بعث به المعلم مع الصبيان إلى أبيه. فقال له أبوهُ كمْ عشرين في عشرين؟ فقال: أربعين ودانقين. فقال وكيف صارَ فيه دانقين؟ قال: كان فيها دِرْهم ثقيلٌ.
أكلَ جحا يوما مع قوم رؤساً، فلما فرغ من الأكل دعا للقوم، وقال: أطْعمكُم اللهُ مِنْ رؤس أهل الجنة.
وضرطَ أبوه يوماً، فقال جحا: على أيري. فقال أبوه: ويْلكَ أيش قُلْتَ؟ قال: حسبتُك أمي.
وماتتْ أمه فجعلَ يبكي، ويقولُ: رَحمك الله فلقدْ كان بابُكِ مفتوحاً، ومتاعك مبذُولاً.
دخلَ البيتَ وإذا جاريةُ أبيه نائمةٌ، فاتكأ عليْها، فانتبَهتْ، وقالتْ: من ذا؟ قال: اسكُني أنا أبي.
ورأوهُ في جنازة أبي العباس النحوي وهو يقول: يا أبا العَّباس رحمَك اللهُ مَنْ حُرْمَتُنا بعدك يا أبا العباس.
وسمع قائلاً يقول: ما أحْسنَ القمرَ؟ فقال: أي والله خاصةً بالليل.
وجاز بقوم في كُمِّه خُوخٌ، فقال لهم: مَنْ أخُبرَني بمَا في كُمي فلَه أكبر خُوخة فيه؟ قالوا: خُوخٌ. فقال: ما قال لكم إلا مَنْ أمُّه زانيةُ.
وقال له أبوه يوماً: احملْ هذا الحُب فَقَيرهُ. فذهب به، وقيرهُ مِنْ خارج. فقال أبُوه: أسْخَنَ اللهُ عينْك: رأيتَ مَنْ قير الحبَّ مِنْ خارج؟ فقال جحا: إنْ لم ترْضَ - عافاك اللهُ - فاقْلبه مثلَ الخُفِّ حتى يصيرَ القيْر مِن داخِل.
وبات ليلةً مع صبيانٍ له، فجعلوا يفُسون. فقال لامرأته: هذا - واللهِ - بليةٌ.
قالت دَعْهم يفْسون فإنَّه أدفأُ لهم. فقام وخرى وسطَ البيت، ثم قال: أنْبهى الصبيانَ حتى يصْطلُوا بهذه النار.
قيل له: ما لوجهك مستطيلاً؟ قال: ولدتُ في الصيفِ، ولولا أن الشتاء أدركهُ لسال وجهي.
ورثى يوماً مَغْمُوماً، فقيل له: مالَك؟ قال: وقعتْ أمي من السطح على مذاكيرها.
وأخذ بَوْلَه في قَارْورة، فأتى به الطبيبَ. فقال: إني أريد أنْ أنقطع إلى بعْض الملُوكِ. فانظْرْ: هل أصيبُ منه خيراً؟ وَكَانَ فِي دارهم شجرةُ تين، وكانتْ الدار لأمه. فدعا أبوه قوماً فسكِروا، وجعلوا يبولون فِي البستان. فقال لأُمه: يَا أمه:!! هو ذي يبولُون فِي أصْل تينك.
وماتت ابنةً له فذهب ليشتري لها كفناً، فلما بلغ البزازين رجع مسرعاً فقال: لا تحملُوها حتى أجيءَ أنا.
ومرَّ في الميدانِ فرأى قصرا مشرفاً، فوقف ينظر إليه، ويتأمْله طويلاً، ثم قال أتوهمُ أني رايتُه في مَجلَّةِ بني فُلان.
ودخل البستان فتعلَّق ثوبُه بشجرة، فالتفت، وقال: لولا أنك بهيمة لكسرتُ أنْفك.
وخرج يوما بقُمقم يستقي فيه مِن ماء النهر، فسقط مِنْ يده وغرِق فَقعد على شطِ النهر، فمَّر به صاحبٌ له، فقال: ما يُقعِدك ها هُنا؟ قال: قمقمٌ لي قدْ غرق وأنا أنْتظُر أنْ ينتَفخَ ويطفُو فوقَ الماء.
واشترى يوماً نفانق فانقض عليه عقابٌ، وانتسفَ بعض النفانِق فَطَار به فنظَر إليه، وقال: يا شقيُّ. ومن أين لك خَردَلٌ تأكلُه به؟؟ وأسلمتْه أمُّه في البزازين، فقالتْ له بعْد حَولين: توجهتَ في شيء؟ قال: نعمْ. تعلمت نصْفَ العمل. قيل: وما تعلَّمتَ؟ قال: تعلمتُ النشرَ، بقي الطيُّ.
وقيل له - وكان بريء من جراحة أصابته: بم تداوَيْت؟ قال: بدَم الوالدين. يُريد دمَ الأخوين.
وركب يوماً حماراً، وعقر ذنَبه. فقالوا: لِم فعلت ذلك؟ فقال: لأنه يقدِّمُ سَرجْه.
وتعلَّق بلص في بعض الليل، فصاح اللصُّ: قُرحتي. فخلاهُ حتى مر، وقال: خشيتُ أنْ أوجعهُ.
وكان نقشُ خاتمه: عَشاءُ الليل رديءُ.
وأخذهُ صاحبُ المصلحة فقدَّمه إلى الوالي، فقال: رأيتُ هذا يجْلِده عَميرة. فقال: احبسوه. فلقِيَهُ صديقٌ له، فقال: ما حالُكَ؟ قال: قصتي عجيبةُ، لا يَدَعَونا " ننيكهُم. فإذا نكنا أنفسَنا حَبَسونَا.
الباب الثامن عشر
نوادر أشعبكان يقول: كلبي كلبُ سوء، يبصبص للأضياف وينبح أصحابَ الهدايا.
وأشعبُ هذا هو الموصوفُ بالطمع. وقيل له: ما بلغ مِنْ طمعك؟ قال: لم تقُلْ هذا إلا وفي نفْسِك خيرٌ تصنعه بي.
ومِن عجيب أخباره أنه لم يمتْ شريفٌ قط من أهل المدينة إلا استعدى أشعب علي وَصيته، أو وارثه، وقال له: احلف أنه لمْ يُوصِ لي بشي قبل موته.

وقيل له: لقد لِقيتَ رجلاً من أصْحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلو حَفظتَ أحاديث تتحدَّثُ بها؟؟ قال: أنا أعلُم الناسِ بالحديث. قيل: فحدِّثنا. قال: حدثني عِكرمةُ عن ابن عباس، قال: خلَّتَان لا تجتمعان في مؤمن إلا دخلَ الجنةَ. ثم سكتَ. قيل له: هاتِ، ما الخلَّتان؟ قال: نسِي عِكرمةُ إحداهُما، ونسيُ أنا الأخرى.
قال بعضُهم: قلت له: لو تحدثتَ عند العَشيّة!! فقال: أخافُ أن يجئ إنسانٌ ثقيل: قلتُ: ليس معنا ثالثٌ. فمضَى معي. فلما صليتُ دعوتُ بالعشاء، فلم يلبثْ أنْ جاء صديقٌ يدقُّ البابَ، فقال أشْعَبُ: تُرى قد صِرنْا إلى ما نكُرهُ؟ قال: قلتُ له: عِنْدي فيه عشرُ خِصال لا يُكرهُ منها خَصْلةٌ، فإن كرهت واحدة لم آذن له. قال. هات. قلت: أولاهن أنه لا يأكل. فقال التسع الباقية لك. أدخله.
وكان أشبعُ لا يغب طعام سالم بنِ عبد الله بن عُمَر فاشتهى سالمٌ أنْ يأْكل مع بناتِه. فخرج إلى بُستان له، فجاء أشعبِ فَخُبر بالقصة فاكترى جملاً بدرهم. فلما حاذى حائطَ البستان. وثبَ، فصار عليه، فغطى سالمٌ بناتَه بثوبه. وقال: بناتي بناتي. فقال أشعبُ: إنك لتعلَم ما لنا في بناتك من حق وإنّك لتعلَم ما نُريد.
قيل: بغتْ أم أشعب، فضُربتْ، وحُلِقتْ، وحملت على بعير يُطاف بها، وهي تقول: منْ رآني فلا يزْنينَّ. فأشرفتْ عليها ظريفةٌ من أهل المدينة: فقالت لها: إنك لمطاعةٌ!! نهانا الله عنهُ، فما ندعُه، ونَدعهُ لقولك؟؟ كان زياد بنُ عبدِ الله الحارثي على شُرطةِ المدينة، وكان مبخلاً على الطعام فدعا أشعبَ في شهر رمضانَ ليفطرَ عنده، فقدِّمتْ إليه في أول ليلة بَصَليةٌ معْقُودةٌ، كانتْ تُعْجِبه، فجعل أشعبُ يُمِعنُ فيها - وزيادٌ يلمحه - فلما فَرغوا من الأكل قال زياد: ما أظُنُّ أن لأهل السجن إماماً يصلي بهم في هذا الشهر فَلُيصَلِّ بهم أشْعَبُ. فقال أشْعبُ: لو غَير ذلك - أصْلحَك الله - ؟ قال: وما هُو؟ قال: أحْلِفُ أني لا أذوق بصَلَيّةً أبَدا. فخجل زيادٌ، وتغَافل عنه.
قال أشَعب: جاءتني جاريةٌ بدينار، وقالتْ هَذِهِ ودَيعةٌ عندكَ. فجعلتُه بيْن ثِنْى الفراش. فجاءتْ بعد أيام فقالتْ: بأبي الدينارَ فقلتُ: ارفعي الفراش، وخُذي ولدّهُ. وكنتُ تركتُ إلى جَنْبه درهماً فتركت الدينارَ. وأخذت الدرهم وعادت بعد أيام فوجدتْ معهُ درهماً آخرَ، فأخذته.
وعادت في الثَالثة كذلك. فلما رأيتُها في الرابعةِ بكيتُ. فقالت: ما يُبكيكَ؟ قلتُ ماتَ دينارُك في النِّفاس. قالت: وكيف يكون للدينار نِفَاسٌ؟؟ قلتُ: يا فاسقةُ تُصدقين بالولادة، ولا تصدقين بالنفاس!! سأل سالم بنُ عبدِ الله بن عمر أشعبَ عن طمعه، فقال: قلتُ لصبيان مرَّةً: اذهبُوا. هذا سالم قد فتَح بيتَ صدَقَة عمرَ حتى يُطعمكم تمرْاً. فلمَّا احْتبسوا ظننْتُ انه كما قلتُ لهم فغدوْتُ في أثَرهم.
وقيل له: ما بلغ مِنْ طَمَعِكِ؟ قال: أرى دُخَانَ جَاري فأُرد.
وقيل له أيضاً: ما بلغَ من طمعك؟ قال: لم أر اثنين قطُّ. يتسَارانِ إلا ظننتُ أنهما يأمران لي بشيء.
وقيل أيضاً: ما بلغ من طمَعكَ؟ قال: ما رأيتُ عروساً بالمدينة تُزفُّ إلا كنستُ بيتي، ورششتُه طمَعاً في أن تُزفَّ إليَّ.
ووقف علىَ رجل خَيْزُراني - وكان يعمل طبقاً - فقال له: وسعْه قليلاً.
قال الخَيْزْراني: وما تُريد بذلك؟ كأنَّك تُريد أنْ تشتريَه؟ قال: لا، ولكن يشتريه بعضُ الأشراف، فَيْهدي إلي فيه شيئاً.
وقال له ابنُ أبي عتيق: أمَا تستحي - وعندكَ ما أرى - مِنْ أنْ تسأل الناسَ؟ قال: معي من لُطفِ المسألةِ مالا تطيبُ نفسي بترْكه.
وكان أشعبُ يحدِّث عَنْ عبد الله بن عُمر، فيقولُ: حدَّثني عبد الله، وكان يُبغضُني في الله.
وجلس يوماً في الشتاء إلى رجل من وَلدِ عُقبة بن أبي مُعَيْطٍ، فمرَّ به حسنُ بن حسن، فقال: ما يُقعِدُك إلى جَنْب هذا؟ قال: أصْطلي بناره.
ولما مات ابنُ عائشةَ المغني جعل أشْعبُ يبكي، ويقول: قلتُ لكم زوجوا ابن عائشة من الشماسيةِ حتى يخرجَ بينهما مزامير داودَ، فلم تفعلوا وكان لا يُغني حذرٌ مِنْ قَدَر:

ولما أخرجت جنازةُ الصريميةِ المغنّيةِ كان أشعبُ جالساً في نفر من قُريش، فبكى عليها، وقال: اليومَ ذهبَ الغِناءُ كلهُّ. وترحَّمَ عليها، ثُم مَسحَ عيْنَيهِ، والتفتَ إلهيمْ، وقال: وعلى ذلكَ فقد كانتْ الزانِيةُ شرَّ خلْق الله فضحكوا، وقالوا: يا أشعبُ، ليس بين بُكائِكَ عليْها، وبين لغْنِك إياها فرقٌ. قال: نعم كنا نحبوها الفاجرَة بكَبْش إذا أردْنَا أن نزورَها فتطبخ لنا في دارها ثم لا تُعشينا - يشهد الله - إلا بسلق.
وجاز به يوما سبطٌ لابن سُريج وهو جالس في فتية من قريش، فوثب إليه، وحمله على كتفه، وجعلَ يُرقْصُه ويقولُ: فُديتَ من ولَد علي عُودٍ، واستهل بغناء، وحُنِّك. بحلْوى، وقطعت سرتُه بزير وخُتِنَ بمِضْراب.
وتَبع مرةً امرأةً فقالت له: وما تصنَعُ بي ولي زوجٌ؟ قال: فتسري بين فديتك.
وقيلَ له: هل رأيتَ أطْمعَ منك؟ قال: نعمْ: كَلْب أمِّ حومل، تبعني فَرسخيْن، وأنا أمضُع كُنْدراً. ولقد حسدْتُه على ذلك.
وخفَّفَ الصلاة مرةً، فقال له بعضُ أهل المسجد: خفَفتَ الصلاةَ جداً!! قال: لأنه لم يُخالطْها رياءٌ.
وقال له رجل: ضَاعَ معْروفي عندَك. قال: لأنه جاءَ من غير محْتسب ثم وقَعَ عند غير شاكر.
قيل له: هل رأيتَ أحداً أطمعَ منك؟ قال: نعمْ. خَرجْتُ إلى الشام مع رفيق لي، فنزلنا بعض الديارات، فتلاحَيْنَا. فقلتُ: أير هذا الراهب في حر أم الكاذب. فلم نشعر إلا بالراهب قط اطلع عليْنَا، وقد أنعظ وهو يقول: أيُّكم الكَاذِبُ؟ ودخل يوماً إلى بعض الرؤساء - وهو يَحْتَجم فقال له أشعبك حَجمَك بنُوك.
كان أشعب عند الحسن بن الحسن بن علي عليهم السلام، فدخل عليهم أعرابي مشعث اللِّمة، قبيح الخلقة متنكِّباً قوساً. فقال أشعبُ للحسن: تأذنُ أنْ أسْلحَ عليه فسمعه الأعرابي، فوضع سهماً في كبير قوسه، وفوقه نحو أشعب وقال: لَئِن فَعلت ليكونَنَّ آخِر سلْح تسْلحه أبداً فقال أشعب للحسن: يا سيدي. أخذني والله القولنج.
قال رجل لأشْعبَ - وكان صديقَ أبيه - : يا بني. كان أبوك عظيمَ اللحية، فمنْ أشبهتَ أنت؟ قال: أشبهتُ أمي.
الباب التاسع عشرنوادر السُّؤَّال
قال بعضهم: رأيتُ سائلاً ببغداد في الزياتين - وهم أنصَب منْ في الأرض - يسأل، ويقول: تَصَدقوا على حُبَّا وكرامةً لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وليس يلتفتُ إليه أحد، ولا يُعطيهِ شيئاً. فدفعتُ إليه درهماً، وقلتُ في نَفْسي: إن هذا المسكين لا يعرفُ هؤلاء وبُعْضهم لعلي - عليه السلام - فأخذ الدرهمَ مني، وقال: يا صاحب الصدقَةِ، إنْ كنتَ تصدقتَ بها على وفي قلبك بُغْضٌ لأبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وفلانٍ، وفلانٍ ومعاويةَ خَالِ المؤمنين رديفِ المصْطفى، وكاتب الوحي فقطع اللهُ يديكَ ورجلَيْك وأعْمى عَيْنيكَ.
قال: فأخذتُه الدراهمُ مِنْ كل جانبٍ، وبقيتُ أنا متحيراً. ثُمَّ مضى فلحظتُه. فَعلِم ما في قلبي. فقال: يا فَتى. على رسْلكَ!! عِنْدك أن هؤلاء القَرانِنةَ لا يصَّدَّقون على إلا بمثْل هذِه الحيلةِ.
جاء سائلٌ إلى قوم فسألهم، فَردَّوا عليه، وألحَّ عليهم فردَّوا. فألحَّ، فخرجَ إليه بعضُهم فقال: عَافَاك اللهُ. أمَا سمعتَ الرَّدَّ؟ قال: ولكنكم غَممتْمُوني فأردتُ أنْ أغمّكم يا قَرانِنةُ.
وقف سائلٌ على قوم، فقال بعضُهم: يضاعتُنا واحدةٌ. فقال السائلُ: أنا أقود علي أمي.
أعطي سائلٌ كسرةً صغيرة. فقال: رحم الله من تممها لُقمةٌ.
قال بعضهم: رأيتُ ببغداد مكفوفاً: من أعطاني حَبّةً سقاهُ اللهُ من الحوض على يد معاويةً. فتبعتُه حتى خَلوتُ به، ولطمْتُه، وقلتُ: يا كذا عَزلتَ أميرَ المؤمنين عن الحْوض. فقال: أردْتَ أنْ أسْقَيهُمْ بحبة على يد أمير المؤمنين علي عليه السلام؟؟ لا، ولا كرامةَ.
سأل أبو فرعون رجلاً، فمنعهُ. فألحَّ عليْه فأعطاه فقال: اللهم أخْرنَا وإيَّاهُمْ. نسْألهم إلحافاً، ويعطوننا كُرهاً، فلا يُبَاركُ اللهُ لنا فيها، ولا يأْجرهُم عليها.
وقف سائل على باب، فقال: يأهَل الدار. فبادر صاحبُ الدار قبلَ أن يُتم السائلُ كلامه، وقال: صنَع اللهُ لك. فقال السائل: يا بنَ البَظْراء. كنتَ تصبر حتى تسمع كلامي عسى جئتُ أدعوك إلى دَعوة.
وقف أعرابي سائل على بابٍ، وسأل. فأجابه رجلٌ: ليس ها هُنا أحدٌ قال: إنَّك لاحدٌ لوْ جعل اللهُ فيك بَرَكةً.

قال الجّمازُ: سمعتُ سائلاً يقول: مَنْ يعطيني حُبَّا لأمينين: جبريل ومعاوية؟ وقف سائلٌ على بابٍ وكانت صاحبهُ الدار تبولُ على البالوعة. فحسبَ السائلُ أن صوتَ بولها نشيشُ المقلي. فقال: أطعمُونَا مِنْ هذا الذي تقْلُونه.
فضرطتْ المرأةُ، وقالتْ: حطُبنَا - وحياتِك - رطبٌ ليس يشتعل.
وكان آخر يقول منْ يعطينى قطعةً حُبًّا لهندِ حماة النبي.
ووقف سائل بباب المافروخي عامل الأهواز، وسأل فأعَطَوه لقمةً من خُبز فسكتَ ساعةً، ولم يبرح. ثم صاح، وقالَ: هذا الدّواءُ لأي شيءٍ ينفْعُني؟ وكيف آخذُه؟ وقف سائل على باب قوم فقال: تصدقُوا علي فإني جائع. قالوا: لم نَخبزْ بعدُ. قال: فكفّ سَويق؟ قالوا: ما اشترينا بعدُ. قال: فشربة ماء فإني عطشانْ. قالوا: ما أتانا السقاء بعدُ. قال: فيسيرُ دُهن أضعُه على رأسي. قالوا: ومِنْ أين لنا الدهنُ؟ فقال: يا أولادَ الزني، فما قعودُكم ها هُنا؟؟ قومُوا وسلُوا معي.
وقف سائل على باب دار فقال: تصدَّقوا علي. فقالت جاريةٌ من الدار: ما عندنَا شيءٌ نعطيكَ، وسِتى في المأتم. فقال السائلُ: أي مأتم أعظمُ من مأتمكُم إذا لم يكن عندكم شيءٌ؟؟ وقف آخر بباب دارٍ، فسأل، فقال صاحبُ الدار: أغْناكَ اللهُ، فليس صبيانُنا ها هنا. قال: إنَّما طلبْتُ كسرةً: لمْ اطلُب الجماعَ.
وقفَ آخر بباب فقال: أوسِعُوا علي مما رَزَقكم الله فإني في ضيق. فقالَ. صاحبُ الدار: إن كُنتَ في الدّهْليز في ضِيق فادخُل الدار فإنه أوسعُ لك فقال السائل: إنما قُلتُ: تأْمُر لي بشيءٍ. فقالَ: قد أمرتُك أنْ تشتري لابني قَلنسوة.
فقال السائل: أيش تريدُ مني يا هذا؟ قال: أريدُ منك عشرةَ دراهم أوديها عَن كِرا الدار. فولى السائلُ هارباً.
وقف أعرابي على قوم يسألهم، فقال أحدُهُم له: بُورك فيكَ. وقالَ آخرُ ما أكثر السُّؤَّال؟ فقال الأعرابي: تُرانا أكثَر مِنْ بورك فيك؟ والله لقد علمكُم اللهُ كلمةً ما تُبالُون ولو كُنا مثل ربيعة ومُضر.
وقف آخُر على بابٍ، فأجابتْه امرأةٌ من الدار: ما خبَزْنا اليوم. قال: فأعطني كف دقيق. قالتْ: ما اشترينا بعدُ دقيقاً. قال: فاستقْرضي منْ الجيران رغيفاً. قالت لا يقرضونا. قال قد أحْسَنُوا يا زانيةُ تستقرضين، ولا تردين. لا يُقْرضُونكِ!! وقف سائل على إنسان - وهو مقبلٌ على صديق له يحدثهُ، ويتغافلُ عن السائل - ثم قال لهُ بعد ساعة طويلة: صنع الله لك. فقال له السائل: أين كان هذا يا سيدي إلى هذا الوقت؟ كان في الصُّنْدوق؟ وكان رجل ببغداد من الشحاذين فكان دأبُه أن يترصَّد إقبال الربيع، فيطلبُ وردةً أول ما تطلُع، وقبْل أن يراها الناسُ فيأْخُذها، ويحملها إلى الحذائين ويبشِّرهم بمجيء الصيف، وحاجةِ الناس إلى النّعال، فيجبّون له شيئاً، ويعطونه. وإذا أقبل الخريفُ عَمدَ إلى جَزرة قبل أنْ يرى الناسُ الجزر، ويُهديها إلى الخفافين، ويبشرهم بمجيء الشتاء. فما زال هذا دأبه يتعيش منه طول عُمره.
وكان رجلٌ منْهم معه صحيفة، ودواةٌ، فكان يتقدم إلى الرجل منْ أهْل السُّوق وغيرهم، فيسألهُ أنْ يُعطيه شيئاً، ثم يقول له: أنا أرْضى بدرهم واحد تُعْطينيه في مثل هذا اليوم من السنة القابلة. فيستحي الرجلُ فيقولُ: أثبتْ لي خطك بهذا الدرهم الواحدِ، فيأْخُذ خطَّه، ويعود في القابل، وفي اليوم الذي يكون قدْ أرخه فيأخذ منه ذلك. فكان يجتمعُ له في كل سنة جملةٌ جَاملةٌ.
سمع رجل سائلاً في مسْجد الكوفة يقول: أسألكم بحقِّ أبي بكر وعُمَر، فما أعطاه أحدٌ شيئاً. فقال: ليسَ لهؤلاء القوم هاهنا جاهٌ. رأى أبو القمقام الهلال على وجه قصرية فقال لها: اضحكي في وجهي وخُذي هذا الدينار مني. فاستظرفته، وأخذت منهُ الدِّينار عبثاً. فقال: قد تفاءلتُ بَوجْهك، فما لي عندك؟ قالت: أردُّ دِيناراً. قال: هذا كُما كُنَّا فأينْ حلاوةُ الفأل؟ وصدقت، فأعطته ديناراً. فقال: التجارةُ بركةٌ والخديعةُ يُمْنٌ.
وكان على عصا ساسان المكري مكتوباً بالذهب: الحركة بركةٌ، الطراوة سُفتجَة، الكسل شؤْمٌ، التمييزُ جُرمٌ.
حكى بعضُهم قال: سَمِعتُ أبن سكّرة يقول: كان شرطي مع خمْرة - وهي التي يشببُ بها في شِعْره، وفيها يقولُ.
لِخَمرةَ عندي حديثٌ يطولُ ... رأتني أبولُ فكادت تبولُ

أن أعطيها على كل فرد أربعة دوانيق. فقال: فجاءتني يوماً فأعطيتُها درهمين ونكتها مرتين. ولم ينتشر علي في الثالث، فأردتُ ارتجاع قسط الواحد منها وامتْنعَتْ من ذلك. فبيْنا نحنُ في ذلك إذْ وقف سائلٌ على الباب، ودعا وسأل. فقُلْتُ له: ادخُل: فدخل. فقلْتُ: ليْس يحضُرني. ولكنْ نِكْ هذه، فقد استْوفتْ جذْرها. قال: فأخذ بيدها، ودخل البيت، وناكها. وخرجَ - وأيره في يده - وهو يقطُر، ويشيرُ إليه، ويقول لي: ثقل اللهُ بهذا مِيزانك يوم القيامةِ.
الباب العشرون
نوادر المعلمينقال بعضُهم: مررت ببعض سككِ البصرة وإذا معلمٌ قد ضرب صبياً، وأقام الصبيان صفاً، وهو يقولُ هلم: اقرءوا. ثم جاء إلى صبي بجنْب الصبي الذي ضربه، فقال: قُل لهذا يقرأُ، فإني لست أكلمه.
قال أبُو عثمان: كان ابنُ شُبرمة لا يقبلُ شهادة المعلِّم، وربما قبل شهادة المؤدِّب.
وكان يحيى بنُ أكثم أسوأ الناس رأياً فيهم.
وكان السنديُّ بنُ شاهك لا يستحلِفُ المكاري، ولا الحائكَ، ولا الملاحَ، ويجعلُ القولَ قولَ المدَّعي ويقولُ: اللَّهم إني أستَخيرُك في الحمَّال ومعلِّم الكتاب.
وصفَ بعضُهم معلِّماً فقال: هو أفْرهُ الناسِ وصيفاً، وأكثرهُم رغيفاً.
قال بعضهم: مررْتُ بمعلم وإذا صِبيانُه يلعبُون ويقتَتِلُون، فقلتُ للمعلم: ما بالُ صبيانكَ ليْسُوا يَفْرَقُون منك!! قال: وأنا أيْضاً لستُ أفُرقُ منْهم.
قال: وقال غُلام لأبيه: لا أريد هذا المعلم. فقال له أبُوه: ما لَهُ؟؟ قال: يصْنُع بي أمْراً عظيماً. قال: يسْتخدِمُك؟ قال: أشد مِنْ ذلك. قال: فيضربُك؟ قال أشد من ذاك. قال: فيعُفجُك؟ قال أشد مِن ذَاك. قال: فأيُّ شيءٍ ويلك يفعلُ بك؟ قال: يأكُل غدايَ.
قال: كان معلمٌ يُقيمُ الصبيانَ صَفَّين، ويتكئ صبيين بيديه، ويقولُ: أربعةُ وأربعةٌ: ستةٌ. فقلت له: إذا كانَ أربعةٌ وأربعةٌ ستةً، فكمْ يكونُ ثلاثةٌ وثلاثةٌ؟ قال: صدقتَ. لم آخذْ جذْره.
وكان لأبي دواد المعلِّم ابنُ، فَمرضِ، فلما نَزعَ قال: اغْسِلوه. قالوا. لم يمتْ بعد. قال: إلى أن يُفرغَ من غَسْله ما قد ماتَ.
وقال شريكُه: تعلِّم الصبيانَ - وعليك قميصٌ جديدٌ فيسودونه عليك؟ قال: قد اشتريتُ قطْناً، وقلت لأهِلنا: يغْزلُون قميصاً خَلَقاً.
قال: مررتُ يوماً بمعلِّم - والصبيانُ يحذِفُون عينَه بالقَصب - وهو ساكتٌ - فقلت: ويحْكَ!! أرى منك عَجَبا. فقال: وما هُو؟ قلتُ: أراكَ جالِساً والصبيانُ يَحْذفُون عَيْنِك بالقَصب!! فقال: اسكتْ، ودَعْهُم. فما فَرحي والله إلا أنْ يُصيبَ عَيْني شيءٌ، فأريكَ كيفَ أنتِفُ لِحَي آبائهم.
كان بحمص مُعلم يُكنى أبا جعفر يتعاطى عِلْمَ الحساب، فصارتُ إليه يوماً امرأةٌ، فقالتْ: يا أبا جعفر:؛ قفيزُ دقيق بثمانيةِ دراهم كم يُصيبُني بأربعة دراهمَ؟ فقال لها، بعد أن فكَّرَ: في هذه المسألةِ ثلاثةُ أقوال: أحدهما أنْ تُعطى الرجُل أربعةٌ أخرى، وتأْخُذي قفِيزاً، والآخر: لك قفيزٌ إلا بأربعةِ دراهم. والثالث: تدفعين دِرْهمَ درهمَ، وتأْخذين مَكُّوكَ مكُّوكَ حتى تستوفين.
وصار إليه ثلاثةُ روز جارتين قد أخذوا أجْرتَهم دِرهمين فقالوا: يا أبا جعفر، كيف نَقْتٍسم الدِّرهمين ونحنُ ثلاثةٌ؟ قال: أسْقِطوا منكم واحداً، وخُذوا دِرهماً درهما. قالوا: سبحانَ الله!! كيفَ نُسْقِط أحدَنَا وقد عمِلَ؟ قال: فزيدوا واحداً. وخذوا نِصْفَ نصف. قالوا: كيف نزيد فينَا من لم يعمل ويأْخذ كرانا؟ قال: فخذوا نِصْفاً نصْفاً واشتروا بالباقي تمراً، وكُلوه.
وسألته امرأةٌ، فقالت: أربعةُ أرطال تمر بدرهم، كم يُصيبُني بدانق ونصف؟ ففكر ساعةً طولة، وأدخلَ يديه تحت ذَيْلِه، وجعلَ يحُسِبُ بهما ثم أخْرج يديْه وقد جَمعُهما، وقال: كُتلةٌ مثلُ هذه كبيرةٌ.
وقال بعضهم مررتُ بمعلم وهو جالسٌ وحده، وليس عِنْده من الصّبيان أحدٌ، فقلتُ له: يا معلِّمُ، ما فعل صبيانُك؟ فقال: خلْف الدُّور يتصافَعون. فقلتُ: أريد أن أنظرَ إليهم. فقال: إن كان ولا بُدَّ فغط رأسكَ، لا يحسبُونك أنا فيصفعُوك.

قال: ورأيتُ مُعلِّماً وقد جاء غلامان قد تعلَّق أحدهما بالآخر، وقال: يا معلِّمُ، هذا عضَّ أذُني. فقال الآخر: واللهِ ما عضَضْتُها، وإنَّما هو عضّ أذن نفْسِه. فقال له المعلم: يا بنَ الخبيثةِ. صار جَمَلاً حتى يعضَّ أذنَ نفسِه؟ قال: رأيتُ معلماً بالكوفة - وهو شيخٌ مخضوبُ الرأس واللحْية - وهو يجلس يبكي فوقفتُ عليه، وقلتُ: يا عمّ: مِمَّ تبكي؟ فقال: سرق الصبيانُ خُبْزي.
قال: وسمعتُ معلِّماً وهو يقرئُ صبيّاً وما أمْرُنَا إلا واحدةُ كَلمح بالبصر والصبيُّ يقول: كلحم بالبَصِل فقال له: يا فاعلُ، أحسبك تشتهي بصَليَّة قال: وقرأ صبي على معلِّم " الذين يقولون لا تُنْفقُوا على مَنْ عند رسول الله " فقال المعلم: من عِند أبيك القرنَان أوْلى، فإنه كثير المال يَا بنَ الفاعلة، هو ذا؟؟ تُلْزمُ النبي نفقةً لا تجبُ عليه. أعجبكَ كثرة ماله؟؟ قال: ورأيت معلماً وقد جاء صبي، فصفعة محكمة. فقال له المعلم: أيّهما أصْلبُ: هذه أم التي صَفعْتُك أمْس؟ قال: وكان بالمدينة معلِّم يُفْرط في ضرْب الصبيان، ويشتمهُم. فلاموه على ذلك، فسألني أن أقْعدَ عنده، وأشاهدَ حاله معهم، فقعدْتُ عنده، فإذا بصبي يقول: يا معلمُ: " وإن عليك اللعنةَ إلى يوم الدين " فقال: عليكَ وعلى أبويْكَ.
وجاء آخر، فقال: يا معلِّم: " فاخرجْ منها فإنك رَجيم " قال: ذاكَ أبُوك الكَشْخَان.
وجاء آخر، فقال: يا معلِّم: إني أريد أن أنْكِحَك " قال: انكح أمَّك الفاعلة.
وقال آخر: يا معلم: " ما لنا في بَنَاتِك من حقِّ " قال: لا، ولا كرامَة، فلا يزالُ معهم في مثل هذا وهو يَضْربُهم، ويُزَنِّيهم.
قال: ومررت بمعلِّم وقد جاء صبي صغير، فصفعه. فقلت له: لمَ تَدَعُ هذا الصبي يجترئُ عليك؟ فقال: دعْهُ فإني أشكُوه غداً إلى أبيه.
قرأ غلامٌ علي معلم: " إنا وجدْنا آباءنا على " أمْك " وإنا على آثارهم " فرد عليه المعلم " على أمَّةٍ " فقال: على أمِّك. فلما تكَّررَ قال المعلِّم: قُلْ: على أمِّي. فقال على أمِّي. فقال المعلم: على أي حال إذا وجَدْتَ أباكَ على أمِّك خيراً من أن تَجدَه على أميِّ أنَا واستفتحَ غلامٌ، فقال: يا معلِّم " إن أبي يدعوكَ " فقال: هَاتُمْ نعْلِي. فقال الغلامُ: إنما استَفْتحتُ. فقال: قد أنكرتَ أن يُفْلح أبُوك.
قال معلم لغلام: قُلْ: " قد أفْلحَ مَنْ زَكَاهَّا. وقد خَابَ من دسَّاها " . فقال: وقد داس مَنْ خبَّاها. فلم يزل يكرِّرُ ذلك عليه إلى أن أعْيَتْه العِلَّةُ. فقال المعلم: وقد داسَ مَنْ خبَّاها. فقال الغلامُ " وقد خاب من دسَّاها " . فقال المعلم لأبيه: قد قلتُ لكَ إنه لا يُفْلِح.
قالوا: إذا قال المعلّم للصبيان: تَهجَّوْا ذَهبّ عقْلُهُ أربعينَ صَباحاً.
وكان بعضُ المعلمين يعلِّم صبياً، وأمُّهُ حاضرةٌ، فقال له: اقرأ وإلا قمتُ ونكتُ أمَّك. فقالت الأمُّ: إنَّه صبي، ويتيم، واليتيمُ فيه لجَاجٌ، ولا يؤمِنُ بالشيء حتى يراه.
أراد معلم أن يتزوجَ امرأةً كان ابنُها عنده، فامتنعتْ عليه، فأمر بحْمل ابنها وضرْبه، وقال: لم قلتَ لأمك إن أير المعلم كبير؟ فلما رجع الصبي إلى أمه قال: ضربني المعلمُ وقال لي: كذا، وكذا. فوجَّهتْ إلى المعلِم: احضِرْ شهودَك تتزوجُّ. وتزوجته.
قال آخر: مررت بأحدِهم وصبي يقرأ عليه: " فذلك الذي يدُعُّ اليَتِيمَ " والمعلمُ يرد عليه: يدْعُو اليتيمَ، ويضربُه. قال: فجئتُ إليه، وقلتُ: هذا من الأمْر بالمعروفِ. ففسَر.
فقلتُ: يا شيخُ، الصبي على الصَّواب، وأنت على الخطأ. وإنهما معنى يدعُّ: يدْفعُ. قال: فزبرني، وأغْلظَ لي وقالَ: إنما معْناهُ يدعُو اليتيمَ ليفْسِقَ به. قال: فوليتُ وقلتُ: أنت لا تَرْضى أن تُخطئ حتى تفسرَ.
وقال: مررتُ بمعلم وهو يضرب صَبيْانَه كلَّهم، فسألتُه عن الذَّنْب فقال: يُرْجفُون بي. قال: بماذا؟ قال: يزعُمون أني أحجُّ العامَ، وأمُّ مَنْ نوى هذا قَحبةٌ.
قال: كان يعلم معلمٌ صبيّاً: " وإذا قال لقمان لابْنهِ " " لا تقصُصْ رؤياك على إخُوتك فَيَكيدُوا لك كَيْداً " قيل: ما هذا؟ قال: أبوه يدخلُ مشاهرة شهر في شهر، وأنا أدخله مِن سورة في سورة.
وقرأ صبي على معلِّم: أريدُ أن أنكحكَ. فقال: هذا إذا قرأتَ على أمِّك الزانيةِ.
وقرأ آخر!! وأمَّا الآخرُ فتصلَبُ. فقال: هذا إذا قرأت علي أبيك القَرنَان.

قالت امرأةٌ لمعلم: إذا كان مكُّوكُ دقيق بدرهم. كم يكون بربع درهم؟ فتحير، ثم قال: ممن اشتريتِ؟ قالت: مِنْ فلان الدَّقاق. قَال: اقْنعي بما يعطيك فإنه ثِقةٌ.
قال جرابُ الدولة: كان عندنا بسجستانَ معلمٌ سخيف اجتزتُ يوماً به يقولُ لصبي بين يديه: اقرأ يا بنَ الزَّانية. فأخذت أوبِّخه، فقال: اسكتْ. فقد نكتُ أمَّه كثيراً.
قال: أبو دواد لشريكه: يا أبا الحسين، دارُ جعفر بن يحيى، خيرٌ أو دارُ وردِ؟ فأطرقَ، ثم قال: خَيُرهما عند الله أتْقاهُما.
قال بعضُهم: مررتُ بمعلِّم وهو يتلَوى، فقلتُ: ما شأْنُكَ يا شيخُ؟ قال: ما نمتُ البارحةَ من ضربان العُرُوق. فنظرْت إليه، وقلتُ: أنتَ والله صحيحٌ سليمٌ مثلُ الظلِيم. فغضِب واستشَاط، وقال: أحدُكم يضربُ عليه عِرقٌ واحد فلا ينامُ الليلة كله من الصياح، وأنا يَضْربُ على حُزمة عروق، وتريدونَ مني ألا أصِيحَ؟ فقلتُ: وأيُّ حزمة تضربُ عليك؟ فكشفَ عن أير مثل أير البغل وقال: هذا.
وقال بعضُهم: سألتُ معلماً: أنت أسَنُّ أمْ أخوك؟ فقال: إذا جاء رمضانُ استوينا.
حُكي أنه كان في بعض دُروب بغدادَ معلمٌ، فاجتازَ به أبو عمر القاضي يوماً بزينة تامَّة، وهيئة حسنة، فقال المعلم: تَرونَ هذا؟ إن خشخشةَ ثيابه، وقَعْقَعةَ مرْكبهِ هو تظْلُّم الأرامل والأيْتَام.
فبلغ ذلك أبا عُمر، فدعاهُ، وأدْنَاهُ، وأحْسنَ إليه، فكان إذا رآه بعد ذلك يقول: ما خَشْخشةُ ثيابه، وقعقعةُ مرْكبه إلا تسبيحُ الملائكةِ وتهلُيلهم.
الباب الحادي والعشروننوادر الصِّبيان
قال رجل لابنه: ما أراك تُفْلح أبداً. فقال الأبن: إلا أنْ يرزقني الله مؤدبا غيرَك.
قال بعضهم: أحضِرْتُ لتعليم المعتزّ - وهو صغير - فقلت له: بأي شيء تبدأ اليوم؟ فقال: بالانصراف.
قال بعضهم: رأيتُ أعرابياً يعاتبُ ابناً له صغيراً، ويذكر حقه عليه. فقال الصبي: يا أبهْ إنَّ عِظمَ حقِّك علي لا يُبطلُ صغيرَ حقي عليك، والذي تمتُّ به إلى أمتُّ بمثله إليك، ولست أقولُ: إنا سواءُ، ولكن لا يجْمُل الاعتداءُ.
عرْبدَ غلام على قوم، فأراد عمُّه أن يعاقبَه، ويؤدِّبَه، فقال له: يا عمِّ: إني قد أسأْتُ، وليسَ معي عقْلي، فلا تُسيء بي ومعَك عقلُك.
ونظر دَميمٌ يوماً في المرآة، وكان ذميماً، فقال: الحمدُ لله، خلقّني فأحسن خلقي وصورني فاحسن صورتي، وابن له صغيرٌ، يسمع كلامه. فلما خرج سألهُ رجلٌ - كان بالباب - عن أبيه. فقال: هو بالبيتِ يكْذبُ على الله.
كان الفتحُ بن خاقان - وهو صبي - بين يديى المعتصم، فقال له، وعرضَ عليه خاتَمّهُ: هل رأيتَ - يا فتحُ - أحسنَ من هذا الفصِّ؟ قال: نعم: يا أميرَ المؤمنين اليدُ التي هو فيها أحسنُ منه.
وعاد المعتصمُ أباه - والفتح صغيرٌ - فقال له: داري أحسنُ أم دارُ أبيك؟ قال: يا أميرَ المؤمنين، دارُ أبي ما دُمتَ فيه.
قال ابنُ أبي ليلى: رأيتُ بالمدينة صبياً قد خرجَ من دار، وبيدِه عُودٌ مكشوفٌ. فقلتُ له: غطه لا ذُعِرْتَ. قال: أو يْغطى من اللهِ شيءٌ. لا تلفتَ.
قال الفرزدقُ لغلام أعجبهُ إنشادُه: أيسرني أني أبوك؟ قال: لا، ولكنْ أمي، لُيصيبَ أبي من أطايبك.
قال البلاذُري: أدخِلَ الرّكاضُ وهو ابنُ أربع سنين إلى الرشيد ليعجبَ من فطنته، فقال له: ما تحبُّ أنْ أهَبَ لك؟ قال: جميلَ رأيك فإني أفوزُ به في الدُّنيا، والآخرة، فأمر له بدنانيرَ، ودراهمَ فصُبَّتْ بين يديه. فقال: اختر الأحبَّ إليك. قال: الأحبَّ إلى أمير المؤمنين، وهذا مِنْ هذَين، وضربَ يدَه إلى الدَّنانير فضحك الرشيدُ، وأمر أن يضم إلى ولده، ويجري عليه.
اجتازَ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بصبيان يلعبون، وفيهم عبدُ الله ابن الزُّبير فتهاربُوا إلا عبدَ الله فإنه وقفَ. فقال له عمرُ: لِمَ لمْ تَفِرّ مع أصحابك؟ قال: لم يكُن لي جُرمٌ فأفرَّ منك، ولا كان الطريقُ ضيّقاً فأُوسِّعَهُ عليك.
قال إياسُ: كان لي أخٌ، فقال لي وهو غلام صغيرٌ: مِنْ أي شيء خُلقنا قلتُ: مِنْ طين. فتناول مَدَرةً، وقال: مِنْ هذا؟ قلتُ: نعم. خلَق الله آدم من طين: قال: فيستطيع الذي خلقنا أن يُعيدنا إلى هذا الذي خلقنا منه؟ قلتُ: نعمْ. قال: فينبغي لنا أن نخافَه.
قيل لغلام: أتحبُّ أن يموتَ أبُوك؟ قال: لا، ولكنْ أحِبُّ أنْ يُقتلَ لأرثَ ديتَه فإنَّه فقير.

قَعَدَ صبي مع قوم، فقُدم شيء حارٌّ، فأخذ الصبي يبكي. فقالوا: ما يُبْكيك؟ قال: هو حارٌّ. قالوا: فاصبرُ حتى يبرَدَ. قال: أنتم لا تصبرون.
خرج صبي من بيتِ أمِّه في صَحو، وعاد في مطر شديد، فقالت له أمُّه: فَديتُك ابني هذا المطُر كلهُّ على رأسِك يجيء. قال: لا يامي. كان أكْثُره على الأرض، ولو كان كلُّه على رأسي لَغرقتُ.
وسمع آخر أمَّه تبكي في السَّحرَ، فقال: لِمَ تبكينَ؟ قالتْ: ذكرتُ أباك، فاحترق قلبي. قال الصبيُّ: صدقْتِ. هذا وقتُه.
وجهّ رجل ابنه إلى السوق ليشتري حبلاً للبئر، ويكون عشرين ذراعاً، فانصرف مِنْ بعض الطريق. وقال: يا أبي. في عرْض كَمْ ؟ قال: في عَرْض مصيبتي فيك.
وقال آخر لابنه، وهو في المكتب. في أي سُورة أنت؟ فقال: لا أقِسمُ بهذا البلد، ووالد بلا ولد. فقَال: لعمرْي. مَنْ كنتَ ولدَه فهو بلا ولد.
وقال آخر لابنه: أين بلغْتَ عند المعلِّم؟ فقال: الفرجَ. أراد الفجرَ. فقال الأبُ: أنت بعدُ في حر أمِّك.
قيلَ لبعضهم: إن ابنكَ يناك. فقال لأبنه: ما هذا الذي يُقال؟ قال: كذَبُوا وإنما أنا أنيكهم: فلما كان بعد أيام رآهُ وقد اجتمع عليه عدةٌ من الصبيان ينيكونه، فقال: مِمَّن تعلمتَ هذا النيك؟ قال: مِنْ أمي.
قال ابنُ أبي زيد الحامِض: قال لي أبي: يا بني، ليس واللهِ تُفْلحُ أبداً فقال له: يا أبه!! ليس والله أُحْنِثُك.
جاء صبي إلى أبيه، فقال: يا أبَه. قد وجدتُ فأساً قال: هاته - يا بُني. قال: ليس في رأسه حديدٌ. قال: يا مشئوم!! فقل: وجدتُ وتدا.
الباب الثاني والعشرون
نوادر للعبيد والمماليكولي بعض الأمراء مولى بعد غيبة طويلة فقال: أنت في الأحياء بعد فقال: وأنا أستخير أن أموت قبل مولاي الأمير.
قال بعضهم: رأيت في السوق غلاما يُنادي عليه، فقدمتُ واستعرضته فقال: إن أردت أن تشتريني فاعلم أني قد حلفت أن لا أنيك مولاي أبداً حتى ألقى الله، فإذا إنّه المسكين كان مُبلى بصاحب يؤذيه ويستنيكه.
استباع غلام فقيل: لم تستبيع؟ قال: لأن مولاي يُصَلي من قعود وينيكني من قيام ويلحَن إذا قرأ القرآن ويُعرب إذا زنا بي.
قال الدّارمي لغلامه: بأبي أنت وأمي لو كان العِتق مثل الطّلاق لسَررتُك بواحدة.
اعترض بعضهم غلاماً أراد شراءه فقال يا غلام: إن أشتريتك تُفلح؟ فقال: فإن لم تشتر.
قال أبو العيناء: أشتُرى للواثق عبدٌ فصيحٌ من البادية، فأتيناه وجعلنا نكتب عنه كلّ ما يقول، فلما رأى ذلك مِنّا قلّب طرفه وقال: إنّ تراب قعرها لملتْهب.
يقال ذلك للرجُل يُسَر الناس برؤيته لانتفاعهم به وأصل ذلك: أنّ الحافر يحفر فإن خرج التّراب مُرّا علم أنّ الماء مِلح وإن كان طيّباً علم أنّ الماء عذب فأنبط وإذا خرج طيّباً انتبه الصبيان.
اشترى بعضُ الهاشميّين غلاماً فصيحاً فبلغ الرشيد خبره، فأرسل إليه يطلبه. فقال يا أمير المؤمنين: لم أشتره إلا لك، فلمّا وقف الغلام بين يدي الرّشيد قال له: إنّ مولاك قد وهبك لي. فقال الغلام: يا أمير المؤمنين ما زِلْتُ ولا زُلْتُ.
قال: فَسِّر. فقال: ما زِلتُ لك وأنا في مِلكه ولا زُلتُ عن مِلكه، فأُعجب الرّشيد به وقدّمه.
قال أبو العيناء: مررت بسُوق النخّاسين بالبصرة، فإذا غلام يُنادي عليه ثلاثين ديناراً والغلام يُساوي خمسمائة دينار، فاشتريته وكنت أبني داراً فدفعت إليه عشرين ديناراً على أن يُنفقها، فلم أزل أصك عليه حتى أنفق نحو العشرة. ثم صككت بشيء آخر. فقال لي: فأين أصل المال؟ قلتك ارفع إلي حِسَابك، فرفع حِسَاباً بعشرة دنانير. فقلت: فأَين الباقي؟ قال: اشتريت ثوباً مصمتاً وقطعته. قلت: من أمرك بهذا؟

قال: إنّ أهل المُرَوَّات والأقدار لا يعيبون على غلمانهم إذا فعلوا فعلاً يعود زينة عليهم. قال: فقلتُ في نفسي: أشتريتُ الأصمعي وابن الأعرابي ولم أدر. وكانت في نفسي امرأة أردت تزوجّها فقالت يا غلام: فيك خير. قال: وهل الخير إلا في. فقلت له: قد عزمت على كذا. وتزوجتها ودفعتُ إلى الغلام ديناراً وقلتُ له: خُذ لنا سمكاً هازبي، فأبطأ واشترى مارماهي فأنكرت عليه خلافي. فقال يا مولاي: فكّرتُ فإذا بُقراط يقول: الهازبي يُولد السّوداء والمارمَاهي أقلّ غائلة. قلت: لا الذي بقُراط أنت أم جالينوس وأدخلته البيت وضربته عشرة، فلما قام أخذني وضربني سبعة وقال يا مولاي: الأدب ثلاثة وسبعة لها قِصاص، فغاظني ورميته فشججته، فمضى إلى ابنه عمي وقال لها: الدين النصيحة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منّا.
وقال: مولى القوم منهم: وأعلمك أنّ مولاي تزوّج واستكتمني، فلما أعلّمتُه أني مُعرفّك ما فعل شجنّي، فوجّهت إلى بنت عمى بغِلمان، فبطِحت في الدّار وضربت وسمتّه النّايح، فما كان يتهيأ لي كلامه. فقلت: اعتقه، فلعلّه يمضي عني، فلزمني ولذّ بي وقال: الآن وجب حقك علي، ثم إنّه أراد الحجّ، فجهزّته، فغاب عني عشرين يوماً ورجع فقلت: لم رجَعْتَ؟ فقال: قُطع علينا وفكّرتُ، فإذا الله جل وعزّ يقول: " والله على الناسِ حج البيتِ مَنِ اسْتطاعَ إليْه سبِيلاً " وكنت غير مُستطيع وإذا حقك أوجَبُ على فرَجَعْتُ، ثم إنه أراد الغزو فجهّزتُه، فلما صار على عشرة فراسخ بعتُ ما كان لي بالبصرة وخرجت عنها خوفاً أن يرجع وصرت إلى بغداد.
قال بعضهم: استعرضْتُ غلاماً فقلت له: يا غلام تحبّ أن أشتريك. فقال: حتى أسأَل عنك.
أعتق عبد الله بن جعفر غلاماً، فقال الغلام: أكتُب كما أملي.
قال: فأملِ. قال: اكتُب: كنتَ بالأمسِ لي، فوهَبْتُك لمن وهَبَكَ لي، فأنت اليوم واليوم صرت مثلي، فكتب ذلك واستحسنه وزاده خيراً.
قال حماد بن إسحاق الموصلي: كان لأبي غلام يسْتقي الماء لمن في داره على بغْلَين، فانصرف أبي يوماً وهو يَسُوقُ البغل وقد قَرُب من الحوض الذي يصُبّ فيه الماء. فقال: ما خبَرُك يا فتح؟ قال: خبري أنّه ليس في الدّار أشقي منّي ومنك.
قال: وكيف؟ قال: لأنك تُطعمهم الخُبز وأنا أسقيهم الماء، فضحك منه وقال: فما تحب أن أصنع بك؟ قال: تعتقني وتهب لي هذين البغلين، ففعل ذلك.
/الفصل السادس
بسم الله الرحمن الرحيموأنعمت فزد، الحمد لله الذي إذا أراد شيئاً قدره تقديرا، وكان خلقه عليه يسيرا، " إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون " .

خلق ورزق، وقد أبدأ وعلم، وألهم وسدد، وأرشد وبشر، وأنذر ووعد وأوعد، خلقنا بحكمته البالغة، ورزقنا من نعمته السابغة، وذرأنا بقوته القاهرة، وبرأنا بقدرته الباهرة، وعلمنا رشد الدين، وألهمنا برد اليقين، وسددنا للنهج القويم، وأرشدنا إلى الصراط المستقيم،، وبشرنا بثوابه العظيم، وأنذرنا بعقابه الأليم، ووعدنا على الطاعة خيرا دائما، وأوعدنا عن المعصية شرا لازما، وبعث إلينا رسله الداعين إليه، الدالين عليه، نادين إلى فرضه، قائمين بحقه في أرضه، واجتبى منهم محمدا صلى الله عليه وسلم وعلى آله واصطفاه واختاره لدينه وارتضاه فبعثه إلى الأسود والأحمر، والفصيح والأعجم، والمؤمن والمعاند، والمقر والجاحد، والداني والشاحط، والراضي والساخط، والبر والفاجر، والمسلم والكافر، حتى أوضح لهم الدين . وأرشدهم أجمعين، فوجبت فرية الثواب لمن استجاب فاهتدى . وحقت كلمة العذاب على من ارتاب فاعتدى . وسعد من سمع دعاءه فأقر وقر، وشقى من صم عنه فنفر وفر، وبعثه تعالى بكلمة الصدق وأرسله بالهدى ودين الحق، وأيده بالأعلام من أسرته، والنجوم من عترته، والسابقين إلى صحبته ونصرته، حجج الله على الخلق، وسيوفه على المارقين من الحق، جاهدوا في الله حق الجهاد، وأذلوا أهل الشقاق والعناد ن حتى قال عز من قائل " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " ، اللهم فضل عليه وعليهم صلاة أوجبتها لهم بإحسانك العميم، واستوجبوها منك باجتهادهم العظيم إنك أنت السميع المجيب اللهم وفقنا لاتباع أمرك، وأعنا على أعباء شكرك، ولا تحرمنا الشكر إذا أوليت، والأجر إذا أبليت، واجعل توفيقك لنا رائداً وقائدا وهاديا وحاديا وموافقا ومرافقا ومعينا وقريبا، فلا حول إلا بك ولا توفيق إلا منك، ولا عصمة إلا إذا عصمت، ولا سلامة إلا إذا سلمت، فاقرن لنا سلامة النفس بسلامة اليقين، وسعادة الدنيا بسعادة يوم الدين، وصل على السراج المنير والنور المستبين محمد خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين .
هذا هو الفصل السادس من كتاب نثر الدر ويشتمل على ستة عشر بابا الباب الأول: فيه نكت من كلام فصيح الأعراب الباب الثاني: فيه فقر وحكم للاعراب الباب الثالث: أدعية وكلام لسؤال الأعراب الباب الرابع: في أمثال العرب الباب الخامس: في النجوم وأنواعها على مذهب العرب الباب السادس: أسجاع الكهان العرب الباب السابع: أوابد العرب الباب الثامن: وصايا العرب الباب التاسع: أسامي أفراس العرب الباب العاشر: أسامي سيوف العرب الباب الحادي عشر: نوادر الأعراب الباب الثاني عشر: أمثال العامة والسفل الباب الثالث عشر: نوادر أصحاب الشراب والسكارى الباب الرابع عشر: في أكاذيب العرب وغيرهم الباب الخامس عشر: في نوادر المجان الباب السادس عشر: نوادر في الضراط والفساء
الباب الأول
نكت من فصيح كلام العرب وخطبهمحدثنا الصاحب كافي الكفاة رحمة الله عليه عن الأبجر عن ابن دريد عن عمه عن ابن الكلبي عن أبيه قال: ورد بعض بني أسد من المعمرين على معاوية فقال له: ما تذكر؟ قال: كنت عشيقاً لعقيلة من عقائل الحي أركب لها الصعب والذلول، أتهم وأنجد وأغور لاآلو مربأة في متجر إلا أتيته، يلفظني الحزن إلى السهل، فخرجت أقصد دهماء الموسم، فإذا أنا بقباب سامية على قلل الجبال مجللة بأنطاع الطائف وإذا جزر تنحر، وأخرى تساق، وإذا رجل جهوري الصوت على نشز من الأرض ينادي: يا وفد الله: الغداء، الغداء إلا من تغدى فليخرج للعشاء.
قال: فجهرني ما رأيت فدلفت أريد عميد الحي، فرأيته على سرير ساسم على رأسه عمامة خز سوداء كأن الشعرى العبور تطلع من تحتها، وقد كان بلغني عن حبر من أحبار الشام أن النبي التهامي هذا أوان مبعثه.
فقلت: عله. وكدت أفقه به.
فقلت: السلام عليك يا رسول الله. فقال: لست به، وكأن قد وليتني به، فسألت عنه فقيل: هذا أبو نضلة هاشم بن عبد مناف فقلت هذا المحبر والسناء والرفعة لا مجد بني جفنة. فقال معاوية: أشهد أن العرب أوتيت فصل الخطاب.
وصف أعرابي قوماً فقال كأن خدودهم ورق المصاحف، وكأن حواجبهم الأهلة وكأن أعناقهم أباريق الفضة.

دخل ضرار بن عمرو والضبي على المنذر بعد أن كان طعنه عامر بن مالك فأذراه عن فرسه فأشبل عليه بنوه حتى استشالوه فعندها قال: من سره بنوه ساءته نفسه، فقال له المنذر: ما الذي نجاك يومئذ؟ قال: تأخير الأجل، وإكراهي نفسي على المق الطوال.
قال معاوية: لصحار العبدي: ما هذه البلاغة التي فيكم؟ قال: شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا. فقال له رجل من عرض القوم: هؤلاء بالبسر أبصر منهم بالخطب. فقال صحار: أجل والله إنا لنعلم أن الريح لتلقحه، والبرد ليعقده، وأن القمر ليصبغه، وأن الحر لينضجه، فقال معاوية: فما تعدون البلاغة فيكم؟ قال الايجاز قال: وما الإيجاز؟ قال: أن تجيب فلا تبطئ، وتقول فلا تخطئ. قال معاوية: أو كذا لي تقول؟ قال صحار: أقلني يا أمير المؤمنين لا تبطئ ولا تخطئ.
تكلم صعصعة عند معاوية فعرق، فقال معاوية: بهرك القول؟ قال صعصعة: إن الجياد نضاحة بالماء.
قيل لبعضهم: من أين أقبلت؟ قال: من الفج العميق. قال: فأين تريد؟ قال: البيت العتيق. قالوا: وهل كان ثم من مطر؟ قال: نعم حتى عفى الأثر وأنضر الشجر، ودهده الحجر.
قال الجاحظ: ومن خطباء إياد قس بن ساعدة الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: رأيته بسوق عكاظ على جمل أحمر وهو يقول: أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. وهو القائل في هذه: " الآيات محكمات، مطر ونبات، وآباء وأمهات، وذاهب وآت، ونجوم وتمور وبحار لا تغور وهو القائل: " يا معشر إياد: أين ثمود وعاد؟ أين الآباء والأجداد؟ وأين المعروف الذي لم يشكر؟ وأين الظلم الذي لم ينكر؟ أقسم قس قسماً إن لله لديناً وهو أرضى له وأفضل من دينكم هذا.
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عن الزبرقان ابن بدر فقال: إنه لمانع لحوزته، مطاع في أدنيه قال الزبرقان حسدني يا رسول الله ولم يقل الحق. قال عمرو. وهو والله زمر المروءة، ضيق العطن، لئيم الخال. فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في عينيه فقال: يا رسول الله رضيت. فقلت: أحسن ما علمت، وغضبت. فقلت: أسوأ ما علمت وما كذبت في الأولى وصدقت في الأخرى فقال صلى الله عليه وسلم: " إن من البيان لسحرا " .
وكان عامر بن الظرب العدواني حكماً وكان خطيباً رئيساً وهو الذي قال: يا معشر عدوان، الخير ألوف عروف ولن يفارق صاحبه حتى يفارقه، وإني لم أكن حكيماً حتى اتبعت الحكماء ولم أكن سيدكم حتى تعبدت لكم.
قال بعضهم، قلت لأبي الحصين: ما أعجب ما رأيت من الخصب؟ قال: كنت أشرب رثيئة تجرها الشفتان جراً، وقارصاً إذا تجشأت جدع أنفي، ورأيت الكمأة تدوسها الإبل بمناسمها، وخلاصة يشمها الكلب فيعطس.
قيل لأعرابي: ما وراءك؟ قال: خلفت أرضاً تتظالم معزاها يقول: سمنت، وأشرت فتظالمت.
قال سعيد بن سلم: كنت والياً بأرمينيه فغبر أبو دهمان الغلابي على بابي أياماً فلما وصل مثل بين يدي قائماً بين السماطين فقال: إني والله لأعرف أقواماً لو علموا أن سف التراب يقيم من إصلاح أولادهم لجعلوه مسكة لأرماقهم إيثاراً للتنزه عن عيش رقيق الحواشي، أما والله إني لبعيد الوثبة، بطيء العطفة، إنه والله ما يثنيني عليك إلا مثل ما يصرفك عني، ولأن أكون مقلاً مقرباً، أحب إلي من أن أكون مكثراً مبعداً والله ما نسأل عملاً لا نضبطه ولا مالاً إلا ونحن أكثر منه، إن هذا الأمر الذي صار في يدك قد كان في يد غيرك، فأمسوا والله حديثاً، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً فتحبب إلى عباد الله. بحسن البشر ولين الجانب، فإن حب عباد الله موصول بحب الله، وبغضهم موصول ببغض الله وهم شهداء الله على خلقه، ورقباء على من اعوج عن سبيله.
دخل على المهدي وفود خراسان فقام رجل منهم فقال: أطال الله بقاء أمير المؤمنين، إنا قوم نأينا عن العرب، وشغلتنا الحروب عن الخطب، وأمير المؤمنين يعرف طاعتنا، وما فيه مصلحتنا، فيكتفي منا باليسير دون الكثير ويقتصر منا على ما في الضمير دون التفسير فقال أنت خطيب القوم.

قال أبو عمرو بن العلاء، رأيت أعرابياً بمكة فاستفصحته فقلت ممن الرجل؟ قال، أسدي يريد أزدي قلت، أين بلدك؟ قال، عمان قلت: صف لي بلدك. فقال: بلد صلدح، وكثيب أصبح، وفضاء صحصح قلت: ما مالك؟ قال: النخل قلت: أين أنت من الإبل؟ قال: إن النخل ثمرها غذاء، وسعفها ضياء وكربها صلاء وليفها رشاء، وجذعها بناء، وقروها إناء قلت أنى لك هذه الفصاحة؟ قال: إنا ننزل حجرة لا نسمع فيها ناجخة التيار.
وخطب بعض الأعراب فقال: إن الدنيا دار بلاغ، والآخرة دار قرار، أيها الناس خذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، واخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم ففيها حييتم ولغيرها خلفتم، اليوم عمل بلا حساب وغداً حساب بلا عمل، إن الرجل إذا هلك قال الناس: ما ترك؟ وقالت الملائكة: ما قدم؟ فلله آباؤكم قدموا بعضاً يكن لكم قرضاً، ولا تخلفوا كلاً فيكون عليكم.
قيل لبني عبس: كيف كنتم تصنعون؟ قالوا: كنا لا نبدأ أبداً بظلم، ولم نكن بالكثير فنتوكل، ولا بالقليل فنتخاذل، وكنا نصبر بعد جزع الناس ساعة.
وسئل دغفل عن المماليك فقال: عز مستفاد، وغيظ في الأكباد كالأوتاد.
قال أبو بكر لسعيد، أخبرني عن نفسك في جاهليتك وإسلامك فقال: أما جاهليتي فوالله ما خمت عن بهمة، ولا هممت بأمة ولا نادمت غير كريم، ولا رئيت إلا في خيل مغيرة أو في حمل جريرة أو في نادي عشيرة، وأما مذ خطمني الإسلام فلن أذكي لك نفسي.
قال رجل لغلامه: إنك ما علمت لضعيف قليل الغناء. قال: وكيف أكون ضعيفاً قليل الغناء، وكيف كفيتك ثمانين بعيراً نزوعاً وفرساً جروراً ورمحاً خطيا وامرأة فاركاً.
قيل لأعرابي: صف لنا خلوتك مع عشيقتك قال: خلوت بها والقمر يرينيها، فلما غاب القمر أرتنيه، قيل فما أكثر ما جرى بينكما؟ قال: أقرب ما أحل الله مما حرم، الإشارة بغير بأس، والتعرض لغير مساس، ولئن كانت الأيام طالت بعدها، لقد كانت قصيرة معها.
وذكر بعضهم مسجد الكوفة فقال: شاهدنا في هذ المسجد قوماً كانوا إذا خلعوا الحذاء، عقدوا الحبا، وقاسوا أطراف الأحاديث، حيروا السامع وأخرسوا الناطق.

دخل عبد الله بن عبد الله بن الأهتم على عمر بن عبد العزيز مع العامة فلم يفاجأ عمر إلا وهو ماثل بين يديه، فتكلم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن الله خلق الخلق غنياً عن طاعتهم، آمناً من معصيتهم، والناس يومئذ في المنازل والرأي مختلفون، والعرب بشر تلك المنازل، أهل الحجر والوبر، وأهل المدر الذين تحتار دونهم طيبات الدنيا، ورفاغة عيشها، ميتهم في النار، وحيهم أعمى مع لا يحصى من المرغوب عنه، والمزهود فيه، فلما أراد الله أن ينشر عليهم رحمته، بعث إليهم رسولاً من أنفسهم عزيزاً عليه ما عنتوا، حريصاً عليهم، بالمؤمنين رءوفاً رحيماً، فلم يمنعهم ذلك من أن جرحوه في جسمه، ولقبوه في اسمه ومعه كتاب من الله ناطق، لا يرحل إلا بأمره، ولا ينزل إلا بإذنه، واضطروه إلى بطن غار، فلما أمر بالعزيمة، انبسط لأمر الله لونه، فأفلح الله حجته، وأعلى كلمته، وأظهر دعوته، وفارق الدنيا تقيا نقياً، ثم قام بعده أبو بكر فسلك سنته، وأخذ بسبيله، وارتدت العرب، فلم يقبل منهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الذي كان قابلاً منهم، فانتضى السيوف من أغمادها، وأوقد النيران من شعلها، ثم ركب بأهل الحق إلى أهل الباطل، فلم يبرح يفصل أوصالهم، ويسقي الأرض دماءهم حتى أدخلهم في الذي خرجوا منه، وقررهم بالذي نفروا منه، وقد كان أصاب من مال الله بكراً يرتوي عليه، وحبشية ترضع ولداً له، فرأى من ذلك غصة عند موته في حلقه، فأدى ذلك إلى خليفة من بعده وبرئ إليهم منه، وفارق الدنيا تقياً نقياً على منهاج صاحبه ثم قام من بعده عمر بن الخطاب فمصر الأمصار، وخلط الشدة باللين، فحسر عن ذراعيه، وشمر عن ساقيه وأعد للأمور أقرانها، وللحرب آلتها، فلما أصابه قن المغيرة استهل بحمد الله ألا يكون أصابه ذو حق في الفيء فيستحل دمه بما استحق من حقه، فقد كان أصاب من مال الله مائة وثمانين ألفاً فكسر بها رباعه، وكره بها كفالة أولاده، فأوى ذلك إلى خليفة من بعده، وفارق الدنيا تقياً نقياً على منهاج صاحبيه، ثم إنا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ظلع، ثم إنك يا عمر ابن الدنيا ولدتك ملوكها، وألقمتك ثديها، فلما وليتها ألقيتها حيث ألقاها الله، فالحمد لله الذي جلا بك حوبتنا، وكشف بك كربتنا، امض ولا تلتفت، فإنه لا يعز على الحق شيء، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات، ولما أن قال: ثم إنا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ظلع سكت الناس إلا هشاما فإنه قال: كذبت.
قال الأصمعي: كان حبيب الروم يقول في قصصه: اتقوا لقية من خنع فقنع، واقترف فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر فبادر، أفاد ذخيرة، وأطاب سريرة، وقدم مهاداً واستظهر ذاداً.
لما وصل عبد العزيز بن زرارة إلى معاوية قال: يا أمير المؤمنين: لم أزل استدل بالمعروف عليك، امتطي النهار عليك، فإذا الوى بي الليل فقبض البصر وعفى الأثر والاجتهاد يعذر وإذا بلغتك فقطني.
قال أعرابي خرجت حين انحدرت أيدي النجوم، وشالت أرجلها فما زلت أصدع الليل، حتى انصدع الفجر.
سئل أعرابي عن زوجته - وكان حديث عهد بعرس - كيف رأيت أهلك؟ فقال: أفنان أثلة، وجنى نخلة، ومس رملة، ورطب نخلة، وكأني كل يوم آئب من غيبة.
وصف آخر مرح فرس فقال: كأنه شيطان في أشطان. وقيل لآخر: كيف عدو فرسك؟ قال: يعدو ما وجد أرضاً.
وقال الآخر لأخيه ورأى حرصه على الطلب: يا أخي، أنت طالب ومطلوب، يطلبك من لا تفوته، وتطلب ما قد كفيته، فكأن ما غاب عنك قد كشف لك، وما أنت فيه قد نقلت عنه. يا أخي: كأنك لم تر حريصاً محروماً، ولا زاهداً مرزوقاً.
ذم أعرابي رجلاً فقال: أنت والله ممن إذا سأل ألحف، وإذا سئل سوف، وإذا حدث خلف، وإذا وعد أخلف، تنظر نظرة حسود، وتعرض إعراض حقود.
قال بعضهم، مضى سلف لنا اعتقدوا منناً، واتخذوا الأيادي عند إخوانهم ذخيرة لمن بعدهم، وكانوا يرون اصطناع المعروف عليهم فرضاً وإظهار البر والإكرام عندهم حقاً واجباً، ثم حال الزمان عن نشء آخر حدثوا، اتخذوا مننهم صناعة وأياديهم تجارة، وبرهم مرابحة، واصطناع المعروف بينهم مقارضة، كنقد السوق، خذ مني وهات.
افتتح بعضهم خطبة فقال: بحمد الله كبرت النعم السوابغ، والحجج البوالغ، بادروا بالعمل، بوادر الأجل، وكونوا من الله على وجل، فقد حذر وأنذر، وأمهل حتى كأن قد أهمل.

وفد هانئ بن قبيصة على يزيد بن معاوية فاحتجب عنه أياماً ثم إن يزيد ركب يوماً يتصيد، فتلقاه هانئ فقال: إن الخليفة ليس بالمحتجب المتخلي، المتنحي، ولا بالمتطرف المتنحي ولا الذي ينزل على العدوات والفلوات، ويخلو باللذات والشهوات، وقد وليت أمرنا، فأقم بين أظهرنا، وسهل إذننا واعمل بكتاب الله فينا، فإن كنت عجزت عما هاهنا، واخترت عليه غيره، فازدد علينا بيعتنا، نبايع من يعمل بذلك فينا ونقمه، ثم عليك بخلواتك، وصيدك وكلابك. قال: فغضب يزيد وقال: والله لولا أن أسن بالشام سنة العراق لأقمت أودك. ثم انصرف وما هاجه بشيء وإذن له ولم تتغير منزلته عنده، وترك كثيراً مما كان عليه.
كان العيالمي يقول: الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس ومن الذنب للمصر، ومن الحكم للقر، وهو عندهم أرفع من السماء، وأعذب من الماء، وأحلى من الشهد، وأذكى من الورد، خطؤه صواب، وسيئته حسنة، وقوله مقبول، يغشى مجلسه، ولا يمل حديثه قال: والمفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب، ومن رؤيا الكظة، ومن مرآة اللقوة ومن سحاب تموز، لا يسأل عنه إن غاب ولا يسلم عليه إن قدم، إن غاب شتموه، وإن حضر زبروه، وإن غضب صفعوه، مصافحته تنقض الوضوء، وقراءته تقطع الصلاة، أثقل من الأمانة، وأبغض من الملحف المبرم.
قال أعرابي: خرجت في ليلة حنلس قد ألقت أكارعها على الأرض فمحت صور الأبدان فما كنا نتعارف إلا بالأذان، فسرنا حتى أخذ الليل ينفض صبغه.
بعث النعمان جيشاً إلى الحارث بن أبي شمر فقال: من يعرف عدونا الذي أنقذنا إليه جيشنا؟ فقال بعض بني عجل: أنا قلت: فصفه قال: هو قطف نطف، صلف قصف، فقام الوديم وهو عمرو بن ضرار فقال: أبيت اللعن، أو طال العشوة، هو والله حليم النشوة، جواد الصحوة شديد السطوة. فقال: هكذا ينبغي أن يكون عدونا.
سئل أعرابي من عبس عن ولده، فقال: ابن قد كهل، وابن قد رفل، وابن قد عسل، وابن قد فسل، وابن قد مثل، وابن قد فصل.
قال الأصمعي: قيل لبني عبس: كيف صبرتم، وكيف كانت حالكم فيما كنتم فيه؟ قالوا طاحت والله الغرائب من النساء، فما بقي إلا بنات عم، وما بقي معنا من الإبل إلا الحمر الكلف، وما بقي من الخيل إلا الكميت الوقاح وطاح ما سوى ذلك من الأهلين والمال.
وذم أعرابي قوماً فقال: بيوت تدخل حبواً إلى غير نمارق، وشبارق فصح الألسنة برد السائل، جذم الأكف عن النائل.
قال الأصمعي: حججت فبينا أنا بالأبطح إذا شيخ في سحق عباء، صعل الرأس أثط أخزر أزرق، كأنما ينظر من فص زجاج أخضر، فسلمت فرد علي التحية، فقلت: ممن الشيخ؟ قال: من بني حمزة ابن بكر بن عبد مناف بن كنانة. قلت: فما الاسم؟ قال خميصة ابن قارب. ثم أعرابي أنت؟ قلت: نعم قال: من أية؟ قلت: من أهل بصرة قال: فإلى من تعتزي؟ قلت: قيس بن غيلان. قال: لأيهم؟ قلت: أحد بني يعصر، وأنا أقلب ألواحاً معي. قال: ما هذه الخشبات المقرونات قلت: اكتب فيهن ما أسمع من كلامكم. قال: وإنكم مختلون إلى ذلك. قلت: نعم، وأي خلة. ثم صمت ملياً ثم قال في وصف قومه: كانوا كالصخرة الصلادة تنبو عن صفحاتها المعاول ثم زحمها الدهر بمنكبه فصدعها صدع الزجاجة مالها من جابر فأصبحوا شذر مذر أيادي سبأ، ورب يوم والله عارم قد أحسنوا تأديبه، ودهر غاشم قد قوموا صعره، ومال صامت قد شتتوا تألفه، وخطة بؤس قد حسمها إحسانهم وحرب عبوس ضاحكتها أسنتهم، أما والله يا أخا قيس لقد كانت كهولهم جحاجح، وشبابهم مراجح ونائلهم مسفوح، وسائلهم ممنوح وجنانهم ربيع وجارهم منيع. فنهضت لأنصرف فأصر بمجامع ذيلي وقال: أجلس فقد أخبرتك عن قومي حتى أخبرك عن قومك فقلت في نفسي: إن الله يشيد في قيس والله وصمة تبقى على الدهر.
فقلت: حسبي، لا حاجة لي إلى ذكرك قومي قال: بلى هم والله هضبة ململمة العز أركانها والمجد أحضانها، تمكنت في الحسب العد تمكن الأصابع في اليد فقمت مسرعاً مخافة أن يفسد علي ما سمعت.
قال أعرابي لقومه وقد ضافوا بعض أصحاب السلطان: يا قوم لا أغركم من نشاب معهم في جعاب كأنها نيوب الفيلة وقسي كأنها العتل ينزع أحدهم حتى يتفرق شعر إبطه ثم يرسل نشابه كأنها رشاء منقطع فما بين أحدكم وبين أن يصدع قلبه منزلة! قال: فصاروا والله رعباً قبل اللقاء.

ذكر أعرابي امرأة فقال: رحم الله فلانة إن كانت لقريبة بقولها بعيدة بفعلها يكفها عن الخنى أسلافها، ويدعونا إلى الهوى كلامها كانت والله تقصر عليها العين ولا يخاف من أفعالها الشين.
وصف أبو العالية امرأة فقال جاء بها والله كأنها نطفة عذبة في شن خلق ينظر إليه الظمآن في الهاجرة.
وقال أبو عثمان رأيت عبداً أسود لبني أسيد قدم علينا من شق اليمامة فبعثوه ناطوراً وكان وحشياً يغرب في الإبل فلما رآني سكن إلي، فسمعته يقول: لعن الله بلاداً ليس بها عرب قاتل الله الشاعر. حيث يقول:
حر الثرى مستغرب التراب
إن هذه العريب في جميع الناس كمقدار القرحة في جلد الفرس فلولا أن الله رق عليهم فجعلهم في حشاه، لطمست هذه العجمان آثارهم أترى الأعيار إذا رأت العتاق لا ترى لها فضلاً، والله ما أمر نبيه بقتلهم إلا لضنه بهم و لا ترك قبول الجزية منهم إلا لتركها لهم.
قال حصن بن حذيفة: إياكم وصرعات البغي وفضحات المزاح.
وقف جبار بن سلمى على قبر عامر بن الطفيل فقال: كان والله لا يضل حتى يضل النجم ولا يعطش حتى يعطش البعير، ولا يهاب حتى يهاب السيل، وكان والله خير ما يكون حين لا تظن نفس بنفس خيراً.
قيل لشيخ: ما صنع بك الدهر فقال: فقدت المطعم وكان المنعم واجمت النساء وكن الشفاء فنومي سبات وسمعي خفات وعقلي تارات.
وسئل آخر فقال: ضعضع قناتي وأوهن شواتي وجرأ علي عداتي.
صعد أعرابي منبراً فلما رأى الناس يرمقونه صعب عليه الكلام فقال: رحم الله عبداً قصر من لفظه، ورشق الأرض بلحظه، ووعى القول بحفظه قدم وفد من العراق على سليمان بن عبد الملك فقام خطيبهم فقال: يا أمير المؤمنين، ما أتيناك رهبة ولا رغبة فقال سليمان: فلم جئت لا جاء الله بك. قال: نحن وفود الشكر أما الرغبة فقد وصلت إلينا في رحالنا، وأما الرهبة فقد أمناها بعدلك، ولقد حببت إلينا الحياة، وهونت علينا الموت. فأما تحبيبك الحياة إلينا فبما انتشر من عدلك وحسن سيرتك وأما تهوينك علينا الموت فلما نثق به من حسن ما تخلفنا به في أعقابنا الذين تخلفهم عليك. فاستحيى سليمان وأحسن جائزته.
ذكر أعرابي في ظلم وال وليهم فقال: ما ترك لنا فضة إلا فضها ولا دهباً إلا ذهب به، ولا غلة إلا غلها، ولا ضيعة إلا أضاعها ولا عقاراً إلا عقره، ولا علقاً إلا اعتلقه، ولا عرضاً إلا عرض له، ولا ماشية إلا امتشها، ولا جليلاً إلا جله، ولا دقيقاً إلا دقه.
قال عمر لعمرو بن معدي كرب: أخبرني عن قومك. فقال: نعم القوم قومي، عند الطعام المأكول، والسيف المسلول.
دخل خالد بن صفوان التميمي على السفاح وعنده أخواله من بني الحارث بن كعب فقال: ما تقول في أخوالي؟ قال: هم هامة الشرف وخرطوم الكرم، وغرس الجود إن فيهم لخصالاً ما اجتمعت في غيرهم من قومهم إنهم لأطولهم أمماً، وأكرمهم شيماً، وأطيبهم طعماً، وأوفاهم ذمماً وأبعدهم همماً، هم الجمرة في الحرب، والرفد في الجدب، والرأس في كل خطب، وغيرهم بمنزلة العجب. فقال له: وصفت أبا صفوان فأحسنت، فزاد أخواله في الفخر، فغضب أبو العباس لأعمامه فقال: أفخر يا خالد؟ فقال: أعلى أخوال أمير المؤمنين؟. قال: نعم، وأنت من أعمامه. فقال: وكيف أفاخر قوماً هم بين ناسج برد وسائس قرد، ودابغ جلد، وراكب عرد. دل عليهم الهدهد، وغرقتهم فأرة، وملكتهم امرأة؟ فأشرق وجه أبي العباس وضحك.
حدث أن صبرة بن شيمان الحراني دخل على معاوية، والوفود عنده فتكلموا فأكثروا فقال صبرة: يا أمير المؤمنين، إنا حي فعال، ولسنا بحي مقال ونحن بأدنى فعالنا عند أحسن مقالهم فقال: صدقت.
يروى أن معاوية قال لدغفل: ما تقول في بني عامر بن صعصعة؟ فقال: أعناق ظباء، وأعجاز نساء. قال: فما تقول في بني تميم؟ قال: حجر أخشن إن صادفته آذاك، وإن تركته أعفاك. قال: فما تقول في اليمن؟ قال: سيود أبوك.
قال الجاحظ: رأيت رجلاً من غنى يفاخر رجلاً من بني فزارة ثم أحد بني بدر بن عمرو، وكان الغنوي متمكناً من لسانه، وكان الفزاري بكياً. فقال الغنوي: ماؤنا بين الرقم إلى كذا، وهم جيراننا فيه، فنحن أقصر منهم رشاء، وأعذب منهم ماء، لنا ريف السهول ومعاقل الجبال، وأرضهم سبخة، ومياههم أملاح، وأرشيتهم طوال، والعرب من عز بز فبعزنا ما تخيرنا عليهم، وبذلهم ما رضوا عنا بالضيم.

ذكر حجل بن نضلة بين يدي النعمان معاوية بن شكل فقال: أبيت اللعن إنه لقعو الأليتين، مقبل النعلين، مشاء بأقراء، تباع إماء قتال ظباء. فقال النعمان: أردت أن تذيمه فمدهته.
لما ظفر المهلب بالخوارج وجه كعب بن معدان إلى الحجاج فسأله عن بني المهلب فقال: المغيرة فارسهم وسيدهم، وكفى بيزيد فارساً شجاعاً، وسخيهم قبيصة، ولا يستحي الشجاع أن يفر من مدرك، وعبد الملك سم ناقع، وحبيب موت ذعاف، ومحمد ليث غاب، وكفاك بالمفضل نجدة. قال: فكيف خلفت جماعة الناس؟ قال: خلفتهم بخير، قد أدركوا ما أملوا، وأمنوا ما خافوا قال: وكيف كان بنو المهلب فيهم؟ قال: كانوا حماة السرج نهاراً، فإذا اليلوا ففرسان البيات. قال: فأيهم كان أنجد؟ قال: كانوا كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفها. قال: فكيف كنتم أنتم وعدوكم؟ قال: كنا إذا أخذنا عفونا جدوا فيئسنا منهم، وإذا اجتهدوا واجتهدنا طمعنا فيهم. فقال الحجاج: إن العاقبة للمتقين. كيف أفلتكم قطري؟ قال: كدناه ببعض ما كادنا به فصرنا منه إلى التي نحب. قال: فهلا اتبعتموه؟ قال: كان الحد عندنا أثراً من الفل. قال: فكيف كان لكم المهلب وكنتم له؟ قال: كان لنا منه شفقة الوالد، وله منا بر الولد. قال فكيف اغتباط الناس؟ قال فشا فيهم الأمن وشملهم النفل. قال: أكنت أعددت هذا الجواب؟ قال: لا يعلم الغيب إلا الله عز وجل. فقال: هكذا والله يكون الرجال، المهلب كان أعلم بك حيث وجهك.
وقال عمر لمتمم بن نويرة: إنك لجزل، فأين كان أخوك منك؟ قال: كان والله يخرج في الليلة الصنبر يركب الجمل الثفال، ومجنب الفرس الحرور، وفي يده الرمح الخطي، وعليه الشملة الفلوت وهو بين المزادتين حتى يصبح، فيصبح متبسماً.
يروى أن خالد بن صفوان دخل على يزيد بن المهلب وهو يتغدى فقال: ادن، فكل. فقال: أصلح الله الأمير لقد أكلت أكلة لست ناسيها.
قال: وما أكلت؟ قال: أتيت ضيعتي لإبان الأغراس، وأوان العمارة فجلت فيها جولة حتى إذا صحرت الشمس، وأزمعت بالركود، ملت إلى غرفة لي هفافة، في حديقة قد فتحت أبوابها، ونضح بالماء جوانبها وفرشت أرضها بألوان الرياحين من بين ضيمران نافخ، وسمسق فائح، وأقحوان زاهر، وورد ناضر، ثم أتيت بخبز أرز كأنه قطع العقيق، وسمك جراني بيض البطون، زرق العيون، سود المتون، عراض السرر: غلاظ القصر، ودقة وخلول، ومرى وبقول، ثم أتيت برطب أصفر صاف غير أكدر لم تبتدله الأيدي، ولم تهتشمه كيل المكاييل، فأكلت هذا ثم هذا، قال يزيد: يا بن صفوان لألف جريب من كلامك، خير من ألف جريب مزروع.
علم المنصور ابنه صالحاً خطبة فقام بها في الناس في مجلسه فلم يشيع كلامه أحد خوفاً من المهدي، فبدأ شبة بن عقال المجاشعي من الصف فقال: والله ما رأيتك اليوم خطيباً أبل ريقاً ولا أنبض عروقاً ولا أثبت جناباً ولا أعذب لساناً، وقليل ذلك لمن كان أمير المؤمنين أباه والمهدي أخاه، هو كما قال الشاعر:
هو الجواد فإن يلحق بشاوهما ... على تكاليفه فمثله لحقا..
أو يسبقاه على ما كان من مهل ... فمثل ما قدما من صالح سبقا
فاستحسن كلامه وعلقه المنصور بيده.
ومن الأخبار القديمة أن لقمان بن عاد ولقيم ابنه أغارا فأصابا إبلاً، ثم انصرفا نحو أهلهما، فنحرا ناقة في منزل نزلاه. فقال لقمان: أتعشى أم أعشى لك؟ فقال لقيم أي ذلك شئت. قال لقمان: اذهب فارع إبلك وعشها حتى ترى النجم قمة رأس، وحتى ترى الجوزاء كأنها قطاً نوافر وحتى ترى الشعرى كأنها نار، فإلا تكن عشيت فقد آنيت. قال له لقيم: واطبخ أنت لحم جزورك فأز ماء واغله حتى ترى الكراديس كأنها رؤوس شيوخ صلع، وحتى ترى اللحم يدعو غطيفاً أو غنياً أو غطفان، فإن لم تكن أنضجت فقد آنيت.
ذكر عند عمر الزبيب والتمر أيهما أطيب، فقال رجل: الحبلة أفضل أم النخلة؟ فقال: الزبيب إن آكله أضرس وإن أتركه أغرث ليس كالصقر في رؤوس الرقل الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل تحفة الصائم، وتحفة الكبير وصمتة الصغير وتعلة الصبي ونزل مريم ابنة عمران، وينضج ولا يعنى طابخه وتحترش به الضباب من الصلعاء.

قال: وبعث رجل بنين له يرتادون في خصب فقال أحدهم: رأيت بقلاً وماء غيلاً، يسيل سيلاً، وخوصة تميل ميلاً، يحسبها الرائد ليلاً. وقال الثاني: رأيت ديمة على ديمة في عهاد غير قديمة، تشبع منها الناب قبل الفطيمة.
وقيل لبعضهم: ما وراءك؟ قال: التراب يابس، والأرض سراب، فالمال عائس عابس.
قال خالد للقعقاع: أنافرك على أينا أعظم للسجاح، وأطعن بالرماح. وأنزل بالبراح قال: لا بل عن أينا أفضل أباً وأماً وجداً وعماً، وقديماً وحديثاً. فقال خالد: أعطيت يوماً من سأل وأطعمت حولاً من أكل، وطعنت فارساً طعنة شككت فجذبه بجنب الفرس، فأخرج القعقاع نعلين وقال: ربع عليهما أبي أربعين مرباعاً لم يثكل فيهن تميمية ولداً.
ذكر متمم بن نويرة أخاه مالكاً فقال: كان يخرج في الليل الصنبرة، عليه الشملة الفلوت، بين المزادتين النضوحتين، على الجمل الثفال، معتقل الرمح الخطي فيصبح متبسماً.
وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عن الزبرقان فقال: مانع لحوزته، مطاع في أدنيه فقال الزبرقان أما أنه قد علم أكثر مما قال ولكنه حسدني شرفي. فقال عمرو أما لئن قال ما قال فوالله ما علمته إلا الضيق العطن، زمر المروءة، لئيم الخلق، حديث الغنى، فلما رأى أنه قد خالف قوله الأول ورأى النكار في عين رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله رضيت؟ فقلت: بأحسن ما علمت وغضبت، فقلت: بأقبح ما علمت.
كانت خطبة النكاح لقريش في الجاهلية: باسمك اللهم ذكرت فلانة، وفلان بها شغوف لك ما سألت، ولنا ما أعطيت.
دخل الهذيل بن زفر على يزيد بن المهلب في حمالات لزمته، ونوائب نابته. فقال له: أصلحك الله قد عظم شأنك عن أن يستعان بك، ويستعان عليك، ولست تصنع شيئاً من المعروف وإن عظم إلا وأنت أعظم منه، وليس العجب أن تفعل وإنما العجب ألا تفعل. فقال يزيد: حاجتك؟ فذكرها، فأمر له بها وبمائة ألف درهم فقال: أما الحمالات فقد قبلتها، وأما المال فليس هذا موضعه.
وسأل عمر رضي الله عنه عمرو بن معدي كرب عن سعد فقال: خير أمير، نبطي في حبوته، عربي في نمرته أسد في تامورته يعدل في القضية، ويقسم بالسوية، ينقل إلينا حقنا، كما تنقل الذرة. فقال عمر: لسر ما تقارضتما الثناء.
قيل لواحد من العرب: أين شبابك؟ فقال: من طال أمده وكثر ولده، ودف عدده، وذهب جلده، ذهب شبابه.
وقال رجل من بني أسد: مات لرجل منا ابن، فاشتد جزعه عليه، فقام إليه شيخ منا فقال: اصبر أبا مهدية فإنه فرط أفترطته، وخير قدمته، وذخر أحرزته فقال مجيباً له، بل ولد ودفنته، وثكل تعجلته، وغيب وعدته، والله لئن لم أجزع من النقص، لم أفرح بالمزيد.
قال ابن أقيصر: خير الخيل الذي إذا استدبرته حنأ، وإذا استقللته أقعى، وإذا استعرضته استوى، وإذا مشى ردى، وإذا عدا دحا. ونظر إلى خيل عبد الرحمن ابن أم الحكم، فأشار إلى فرس منها فقال: تجيء هذه سابقة، قالوا: وكيف ذاك؟ قال: رأيتها مشت فكتفت،وخبت فوجفت وعدت فنسفت فجاءت سابقة.
قال الحجاج لرجل من الأزد: كيف علمك بالزرع؟ قال: إني لا أعلم من ذلك علماً. قال: فأي شيء خيره؟ قال: ماغلظ قصبته وأعتم نبته وعظمت حبته. قال: فأي العنب خير؟ قال: ما غلظ عموده، واخضر عوده، وعظم عنقوده. قال: فما خير التمر؟ قال: ما غلظ لحاه ودق نواه ورق سحاه.
وتكلم أهل التمر وأهل الزبيب عند عمر فقال: أرسلوا إلى أبي حثمة الأنصاري فسألوه فقال: ليس كالصقر في رؤوس الرقل الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، تعلة الصبي، ينضج ولا يعنى طابخه به، يحترش به الضب من الصلعاء، ليس كالزبيب الذي إن أكلته ضرست، وإن تركته غرثت.
وقال أبو العباس لخالد بن صفوان: يا خالد إن الناس قد أكثروا في النساء، فأي النساء أحب إليك؟ قال يا أمير المؤمنين، أحبها ليست بالضرع الصغيرة، ولا بالفانية الكبيرة وحسبي من جمالها أن تكون فخمة من بعيد، مليحة من قريب، أعلاها قضيب. وأسفلها كثيب، غذيت في النعيم، وأصابتها فاقة فأدبها النعيم، وأذلها الفقر، لم تفتك فتمجن، الهلوك على زوجها، الحصان من جارها، إذا خلونا كنا أهل دنيا، وإذا افترقنا كنا أهل آخرة.
قال عمارة بن عقيل: أصابتنا سنون ثلاث لم نحتلب فيهن رئلاً، ولم نلقح نسلاً، ولم نزرع بقلاً.

تكلم الوفود عند عبد الملوك حتى بلغ الكلام إلى خطيب الأزد فقام فقبض على قائم سيفه ثم قال: قد علمت العرب أنا حي فعال، ولسنا بحي مقال، وأنا نجزى بفعلنا عند أحسن قولهم، ونعمل السيف. فمن مال قوم السيف أوده. ومن نطق الحق أرده. ثم جلس. فحفظت خطبته دون كل خطبة.
قال الأصمعي: بلغني عن بعض العرب فصاحة فأتيته لأسمع من كلامه فصادفته يخضب فلما رآني قال: إن الخضاب لمن مقدمات الضعف، ولئن كنت قد ضعفت فطالما مشيت أمام الجيوش وعدوت على صيد الوحوش ولهوت بالنساء، واختلت في الرداء، وأرويت السيف، وقريت الضيف، وأبيت العار، وحميت الجار، وغلبت القروم، وعاركت الخصوم، وشربت الراح، ونادمت الجحجاج، فاليوم قد حناني الكبر، وضعف البصر، وجاءني بعد الصفاء الكدر.
قال: سمعت أعرابياً يعاتب أخاه ويقول: أما والله لرب يوم كتنور الطهاة رقاص بالحمامة، قد رميت بنفسي في أجيج سمومه أتحمل منه ما أكره لما نحب.
قال روح بن زنباع لمعاوية: نشدتك الله يا أمير المؤمنين أن تحط مني شرفاً أنت رفعته، أو أن تهدم مني بيتاً أنت شيدته، وأن تشمت بي عدواً أنت قمعته.
ذكر عمرو بن معد يكرب بني سليم فقال: بارك الله على حي بني سليم ما أصدق في الهيجاء لقاؤها، وأثبت في النوازل بلاؤها، وأجزل في النائبات عطاؤها، والله لقد قاتلتهم فما أجبنتهم، وهاجيتهم فما أفحمتهم وسألتهم فما أبخلتهم.
جرى بين الخوات وبين جبير والعباس بن مرداس كلام فقال خوات: أما والله لقد تعرضت لشبابي، وشبا أنيابي، وحسن جوابي، لتكرهن غيابي. فقال عباس: أنت والله يا خوات لئن استقبلت لعني وفني، وذكا سني، لتنفرن مني. أإياي توعد يا خوات، يا مأوى السوآت والله لقد استقبلك اللؤم فودعك، واستدرك فكسعك، وعلاك فوضعك، فما أنت بمهجوم عليك من ناحية إلا عن فصل أو إياي ثكلتك أمك تروم وعلي تقوم، والله ما ميطت سوأتك بعد ولا ظهرت منها. فقال عمر: أيها عنكما، إما أن تسكتا، وإما أن أوجعكما ضرباً. فصمتا وكفا.
كان الربيع بن ضبع من المعمرين ودخل على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك: وأبيك يا ربيع لقد طلبك جد غير عاثر ثم قال: فصل لي عمرك قال: عشت مائتي سنة في الفترة من عيسى بن مريم وعشرين ومائة في الجاهلية وستين في الإسلام فقال: أخبرني من فتية من قريش المتواطئ الأسماء. قال: سل عن أيهم شئت. قال: أخبرني عن عبد الله بن عباس قال: فهم وعلم وعطاء، خدم ومقرىء ضخم. قال: فأخبرني عن عبد الله بن عمر قال: حلم وعلم وطول كظم، وبعد عن الظلم.
قال: فأخبرني عن عبد الله بن جعفر قال: ريحانة طيب ريحها، لين مسها، قليل عن المسلمين ضرها. قال: فأخبرني عن عبد الله بن الزبير. قال: جبل وعر، تنحدر منه على الصخر. قال: لله درك يا ربيع ما أخبرك بهم؟ قال: يا أمير المؤمنين قرب جواري، وكثر استخباري.
كان كعب بن لؤي يقوم في الناس أيا م الحج فيقول: أيها الناس اسمعوا وأنصتوا واعلموا وتعلموا، ليل ساج، ونهار ضاح والأرض مهاد، والجبال أوتاد والنجوم أعلام، والأنثى والذكر زوج،روالآخرين كالأولين، وإلف يلي كل ما يهيج، هل رأيتم ظاعناً رجع الدار أمامكم؟ والظن غير ما تقولون، صلوا أرحامكم، واحفظوا أظهاركم، وثمروا أموالكم. حرمكم زينوه وعظموه، تمسكوا به، فسيأتي له نبأ ويبعث به نبي.
كان قابوس بن منذر ملكاً مترفاً قليل الغزو، كثير اللهو وكان له سمار، وكان يحبه أن يعري بين أصحابه ليتسابوا، فاجتمع في مجلسه أربعة من رجال العرب منهم الحصين بن ضرار الضبي، وأحمير بن بهدلة السعدي، وضمرة بن جابر النهشلي وعمارة وابن رشد العبسي فقال قابوس: يا حصين إن هذا وأشار إلى ضمرة يزعم أنك غانم الفرى صيك الذر، إنزال بالغموض، رعاء بالرفوض. فقال: أيها الملك إن زعم ذلك فإنه خبيث الزاد، لاصق الرماد، قصير العماد تباع للأذواد فقال ضمرة: والله أيها الملك إنه لوعاء خطائط، وزاد مطائط.
ولاج موارط، غير صميم لأواسط، ثم أقبل على أحيمر فقال: إن هذا وأشار إلى عمارة يزعم إنك بقاق في النزى، كل على القوى، مذموم الشيم محجل البرم.

فقال: أبيت اللعن أما إنه إن زعم ذلك فإنه لمناع للموجود سآل عن المفقود، بكاء على المعهود، فناؤه واسع، وضيفه جائع، وشره شائع، وسره ذائع. فقال عمارة. هو والله أيها الملك ذري المنظر سيء المخبر، لئيم المكسر يهلع إذا أعسر، ويبخل إذا أيسر، ويكذب إذا أخبر. إن عاهد غدر وإن أؤتمن ختر، وإن قال أهجر، وإن وعد أخلف، وإن سأل ألحف، يرى البخل حزماً، والسفاه حلما، والمرزئة كلما، فقال: قدك ألهمته.
قال رائد مرة تركت الأرض مخضرة كأنها حولا بها قصيصة رقطاء، وعرفجة خاضبة، وعوسج كأنه النعام من سواده.
وقال آخر في صفة ناقة إذا اكحالت عينها وأللت أذنها وسجح خذها وهدل مشفرها واستدارت جمجمتها فهي كريمة.
الباب الثاني
فقر وحكم للأعرابذكروا أن قوماً أضلوا الطريق، فاستأجروا أعرابياً يدلهم على الطريق، فقال: إني والله ما أخرج معكم حتى أشرط لكم وعليكم. قالوا: فهات مالك. قال: يدي مع أيديكم في الحار والقار. ولي موضع في النار موسع علي فيها، وذكر والدي محرم عليكم. قالوا: فهذا لك، فما لنا عليك إن أذنبت؟ قال: إعراضة لا تؤدي إلى عتب، وهجرة لا تمنع من مجامعة السفرة. قالوا: فإن لم تعتب؟ قال: حذفة بالعصا أصابت أم أخطأت.
كان الرشيد معجباً بخط إسماعيل بن صبح فقال لأعرابي حضره: صف إسماعيل. فقال: ما رأيت أطيش من قلمه، ولا أثبت من حلمه.
مدح أعرابي رجلاً برقة اللسان فقال: كان والله لسانه أرق من ورقة، وألين من سرقة.
وقال آخر: أتيناه فأخرج لسانه كأنه مخراق لاعب.
نظر عمر بن الخطاب إلى نهشل بن قطن وكان ملتفاً في بت في ناحية المسجد، وزاده آهبة وقلة. وعرف تقديم العرب له في الحكم والعلم فأحب أن يكشفه ويسبر ما عنده فقال: أرأيت لو تنافرا إليك اليوم لأيهما كنت تنفر، يعني علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل.
قال: يا أمير المؤمنين لو قلت فيهما كلمة لأعدتها جدعة قال عمر: لهذا العقل تحاكمت إليك العرب.
قال عامر بن الظرب: الرأي نائم، والهوى يقظان فمن هناك يغلب الهوى الداني.
قال أعرابي لهشام بن عبد الملك بن مروان: أتت علينا أعوام ثلاث، فعام أكل الشحم، وعام أكل اللحم، وعام أنتقي العظم، وعندكم فضول أموال، فإن كانت لله فأقسموها بين عباد الله، ولو كانت لكم فتصدقوا، إن الله يجزي المتصدقين. قال: هل من حاجة غير ذلك؟ قال: ما ضربت إليك أكباد الإبل، ادرع الهجير، وأخوض الدجى لخاص دون عام.
قيل لأعرابي: مالك لا تضع العمامة عن رأسك؟ قال: إن شيئاً فيه السمع والبصر لحقيق بالصون.
كان هشام يسير ومعه أعرابي إذا انتهى إلى ميل عليه كتاب، فقال للأعرابي أنظر أي ميل هذا؟ فنظر ثم رجع. فقال: عليه محجن، وحلقة، وثلاثة كأطباء الكلبة ورأس كأنه منقار قطاة فعرفه هشام بصورة الهجاء ولم يعرفه الأعرابي، وكان عليه خمسة.
قال الهيثم بن عدي: يمين لا يحلف بها الأعرابي أبداً أن يقول له: لا أورد الله لك صادراً، ولا أصدر لك وارداً، ولا حططت رحلك، ولا خلعت نعلك.
خرج عثمان من داره فرأى أعرابياً في شمله. فقال: يا أعرابي أين ربك؟ قال: بالمرصاد. وكان الأعرابي عامر بن عبد قيس وكان ابن عامر سيره إليه.
سأل الحجاج أعرابياً عن أخيه محمد بن يوسف فقال: كيف تركته؟ قال: عظيماً سينماً قال ليس عن هذا أسألك قال تركته ظلوماًغشوماً قال: أما علمت أنه أخي؟ قال: أتراه بك أعز مني بالله.
قيل لشيخ من الأعراب: قمت مقاماً ما خفنا عليك منه؟ قال: الموت أخاذ شيخ كبير، ورب غفور لا دين، ولا بنات.
وقال آخر لبعض السلاطين: أسألك بالذي أنت بين يديه، أدل مني بين يديك، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي، ألا نظرت في أمري نظر من ير براءتي، أحب إليه من سقمي.
قال إسحاق المدني: جلس إلى أعرابي فقال: إني أحب المعرفة، وأجلك عن المسألة.

حبس مروان بن الحكم رجلاً من بني عبس فأتاه بشيخ منه فكلمه فيه فأبى أن يطلقه. فقال: أما والله لئن كنت حبسته، لقد كان تقياً، ذا مروءة. قال: وما المروءة فيكم يا أخا بني عبس؟ قال: صدق الحديث وصلة الرحم، وإصلاح المال. فأعجب مروان وكان إذا أعجب الشيء دعا له ابنيه عبد الملك وعبد العزيز ليسمعاه، قال: فدعاهما ثم استعاده، فأعاد الشيخ القول، وحضر طعام مروان فدعاه إلى طعامه فلم يجبه، فدعا ابنا له كان معه فأجاب. قال مروان لشيخ. ابنك خير منك يا أخا بني عبس، دعوناك إلى طعامنا فلم تجب، ودعوناه فأجاب فقال العبسي: ما أحسبه ضر أباه إن كنت خيراً منه. فضحك مروان حتى استلقى وأطلق له صاحبه.
قال عبد الملك بن مروان لرجل من العرب: كيف علمك بالكواكب؟ قال: لو لم أعرف منها غير النجم لكفاني، - يريد نجم الثريا - فقال له: وكيف ذاك؟ قال: إذا طلعت من المشرق حصدت زرعي، وإذا توسطت السماء جردت نخلي، وإذا سقطت في الغرب دفنت بذري، هذا تدبير معيشتي. فقال عبد الملك: حسبك بها علماً.
قال هشام لأعرابي: كيف أفلت من فلان عامل له؟ قال: ببراءته وعدله.
وقال آخر: نعم أخو الشريف درهمه، يغنيه عن اللئام، ويتجمل به في الكرام.
دخل أعرابي على بعض الولاة فقال: ممن الرجل؟ فقال: من قوم إذا أحبوا ماتوا. قال: عذري ورب الكعبة.
تقول العرب:
طلع النجم غديه ... فابتغى الراعي شكيه
طلع النجم عشاء ... فابتغى الراعي كساء
يريدون الثريا، ويقولون في الهلال: ابن ليلة عتمه سخيله حل أهلها برميلة. ابن ليلتين، حديث أمتين، بكذب ومين ابن ثلاث، حديث فتيات غير جد مؤتلفات. ابن أربع عتمة ربع، غير جائع ولا مرضع. ابن خمس عشاء خلفات قعس. ابن ست سر وبت. ابن سبع، دلجة الضبع. ابن ثمان، قمر إضحيان، ابن تسع، ملتقط منه الجزع، ابن عشر يؤديك إلى الفجر.
قال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي. قيل: وكيف؟ قال: لا أفعل شيئاً حتى أشاورهم.
قال أعرابي: ورأى إبل رجل كثرت بعد قلة، فقيل له أنه قد زوج أمه فجاءته بمال. فقال: اللهم إنا نعوذ بك من بعض الرزق.
سأل أعرابي رجلاً حاجة فمنعه فقال: الحمد لله الذي أفقرني من معروفك ولم يعنك عن شكري.
قال أعرابي لابنه وتكلم فأساء: اسكت يا بني، فإن الصمت صون اللسان وستر العي.
قال آخر: ابذل لصديقك كل مودة، ولا تبذل له كل طمأنينة واعطه من نفسك كل مواساة، ولا تفض إليه بكل الأسرار.
اجتمع قوم بباب الأوزاعي يتذاكرون، وأعرابي من كلب ساكت، قال له رجل: بحق ما سميتم خرس العرب. فقال: يا هذا أما سمعت أن لسان الرجل لغيره وسمعه له.
وشتم رجل أعرابياً فلم يجبه فقيل له في ذلك فقال: أنا لا أدخل في حرب الغالب فيها شر من المغلوب.
قال أعرابي: أكثر الناس بالقول مدل وبالفعل مقل..
وقال آخر: رب بعيد لا يفقد بره، ورب قريب لا يؤمن شره.
وقال آخر: أبين العجز: قلة الحيلة، وملازمة الحليلة.
وقال آخر: ألم أكن نهيتك أن تريق ماء وجهك بمسألتك من لا ماء في وجهه؟!.
وصف آخر عبد الله بن جعفر فقال: كان إذا افتقر نفسه وإذا استغنى لم يستغن وحده.
وقال آخر: أحسن الأحوال حال يغبطك بها من دونك، ولا يحقرك بها من فوقك.
وصف آخر رجلاً: إن أتيته احتجب، وإن غبت عنه عتب وإن عاتبته غضب.
وقال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: أعجز الناس من قصر في طلب الأخوان، وأعجز منه من ظفر به منهم، ثم ضيعهم.
وقال آخر: لو عاونني الحال ما استبطأتك إلا بالصبر ولا استزدتك إلا بالشكر.
وقال آخر: إن يسير مال أتاني عفواً لم أبذل فيه وجهاً، ولم أبسط إليه كفاً، ولم أغضض له طرفاً، أحب إلي من كثير مال أتاني بالكد، واستفراغ الجهد.
وقال آخر: لا تصغر أمر من حاربت أو عاديت فإنك إن ظفرت لم تحمد وإن عجزت لم تعذر.
هنأ بعضهم فتى أراد البناء على أهله فقال: بالبركة وشدة الحركة والظفر في المعركة.
قال أعرابي وقد نظر إلى دينار: قاتلك الله ما أصغر قيمتك، وأكبر همتك.
وقال آخر: اجمعوا الدراهم فإنها تلبس اليلمق: وتطعم الجردق.
قال أبو عمرو بن العلاء: دفعت إلى ناحية فيها نفير من الأعراب فرأيتها مجدبة فقلت لبعضهم ما بلدكم هذا؟ فقال: لا ضرع ولا زرع.

قلت: فكيف تعيشون؟ قال: نحترش الضباب، ونصيد الدواب فنأكلها، قلت: كيف صبركم عليه؟ فقال: يا هناه! نسأل خالق الأرض.
هل سويت؟ فيقول: بل رضيت.
قال أعرابي: هو أمزح من المطل الواجد والظمآن الوارد، والعقيم الوالد.
قال أعرابي: العزيز منوع، والذليل قنوع، والواجد متحير. وقال آخر: عليك بالأدب فإنه يرفع العبد الملوك حتى يجلسه في مجالس الملوك.
قيل لبعضهم: ما بال فلان يتنقصك؟ قال: لأنه شقيقي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة.
وقال آخر: عباد الله، الحذر، الحذر، فوالله لقد ستر كأنه غفر.
وشكا أعرابي ركود الهواء فقال: ركد حتى كأنه أذن تسمع.
وقال آخر: كل مقدور عليه مختور أو مملوك.
لقي رجل أعرابياً لم يكن يعرفه قال له: كيف كنت بعدي؟ فقال له الأعرابي: وما بعد مالا قبل له.
قيل لأعرابي: أعطى الخليفة فلاناً مائة ألف. قال: بل أعطاه إياه الذي لو شاء لأعطاه مكانه عقلاً.
قيل لأعرابي له أمة يقال لها زهرة: أيسرك أنك الخليفة وأن زهرة ماتت؟ قال: لا والله! قيل: ولم؟ قال: تذهب الأمة، وتضيع الأمة.
أتى الحجاج بأعرابي في أمر احتاج إلى مسألته عنه، فقال له الحجاج: قل الحق وإلا قتلتك.
فقال له: اعمل أنت به فإن الذي أمر بذلك أقدر عليك منك علي. فقال الحجاج: صدق، فخلوه.
مدح أعرابي قوماً فقال: يقتحمون الحرب حتى كأنما يلقونها بنفوس أعدائهم.
قال أعرابي في حكم جليس الملوك: أن يكون حافظاً للسمر، صابراً على السهر.
وقال بعضهم: قلت لأعرابي: كيف رأيت الدهر؟ فقال: وهوبا لما سلب، سلوبا لما وهب، كالصبي إذا لعب.
وقال أعرابي: لا يقوم عن الغضب بذل الاعتذار.
ووصف آخر رجلاً فقال: ذاك ممن ينفع سلمه، ويتواصف حلمه، ولا يستمرا ظلمه.
وقال آخر: فلان حتف الأقران غداة النزال، وربيع الضيفان عشية النزول.
وقال آخر: لكل كاس حاس، ولكل عار كاس.
وقال آخر: لا أمس ليومه، ولا قديم لقومه.
وقال آخر: فلان أفصح خلق الله كلاماً، إذا حدث، وأحسنهم استماعاً إذا حدث، وأمسكهم عن الملاحاة إذا خولف، يعطي صديقه النافلة ولا يسأله الفريضة، له نفس عن العوراء محصورة وعلى المعالي مقصورة، كالذهب الإبريز الذي يعز في كل أوان والشمس المنيرة التي لا تخفى بكل مكان، هو النجم المضيء للجيران، والبارد العذب للعطشان.
وقال آخر: فلان ليث إذا عدا، وغيث إذا غدا، وبدر إذا بدا، ونجم إذا هدى، وسم إذا أردى.
وقال آخر: الفقير في الأهل مصروم، والغني في الغربة موصول.
وقال آخر: الاغتراب يرد الجدة ويكسب الجدة.
وقال آخر: أعظم لخطرك، الآ ترى عدوك أنه لك عدو.
قيل لأعرابي: كيف أبنك؟ فقال: عذاب رعف به الدهر، فليتني قد أودعته القبر، فلأنه بلاء لا يقاومه الصبر، وفائدة لا يجب فيها الشكر.
قال أعرابي: لا تضع سرك عند من لا سر له عندك.
وقال آخر: من سعى رعى، ومن لزم المنام رأى الأحلام.
قال أعرابي لرجل: ويحك! إن فلاناً وإن ضحك إليك فإن قلبه يضحك منك، ولئن أظهر الشفقة عليك، فإن عقاربه لتسري إليك فإن لم تتخذه عدواً في علانيتك، فلا تجعله صديقاً في سريرتك.
وحذر آخر رجلاً فقال: احذر فلاناً فإنه كثير المسألة حسن البحث، لطيف الاستدراج، يحفظ أول كلامك على آخره ويعتبر ما أخرت بما قدمت فباثه مباثة الأرض، وتحفظ منه تحفظ الخائف واعلم أن من يقظة المرء إظهار الغفلة مع الحذر.
قال أعرابي: حاجيتك: ما ذو ثلاث آذان تسبق الخيل بالرديان؟ يعني: سهماً.
ومدح أعرابي نفسه فقيل له: أتمدح نفسك؟ قال: أفآكلها إلى غيري.
وقال آخر: أفآكلها إلى عدو يذمني.
وقال آخر: الخيل تجري في المروج على أعراقها، وفي الحلبة على جدود أربابها، وفي الطلب على إقبال فرسانها وفي الهزيمة على آجالهم.
وقال آخر: حق الجليس إذا دنا أن يرحب به، وإذا جلس أن يوسع له، وإذا حدث أن يقبل عليه.
وقال آخر: هلاك الولي في صاحب يحسن القول ولا يحسن العمل.
وقال أعرابي في الثناء على الرشيد عام حج، قد أصبح المختلفون مجتمعين على تقريظك ومدحك، حتى أن العدو يقول اضطراراً ما يقوله الولي اختياراً، والبعيد يثق من إنعامك عاماً، بما يثق به القريب خاصاً.
وقال آخر للحسن بن سهل: قد أصبحت للخاصة عدة، وللعامة عصمة، وللإمام ثقة، وللغني جمالاً، وللفقير ثمالاً.

ومن كلامهم: اندب إلى طعامك من تدعوه إلى جفانك.
ومنه: الحيلة لعطف المتجني، أعسر من نيل المتمني.
ومنه: العقل وزير ناصح، والهوى وكيل فاضح.
وقال آخر لصاحب له: لا تقل فيما لا تعلم، فتتهم فيما تعلم.
وقال آخر: نبو النظر عنوان الشر، وقال آخر: استشر عدوك العاقل، ولا تستشر صديقك الأحمق، فإن العاقل ينفي على رأيه الزلل، كما يتقي الورع على دينه الحرج.
ومن كلامهم: الحسود لايسود. ومنه: الواقية خير من الراقية.
وقال بعضهم: لم تجتمع ضعفاً إلا قووا حتى يمتعوا، ولم يتفرقوا قويا إلا ضعفوا حتى يخضعوا.
قال أعرابي: العبوس بؤس، والبشر بشرى، والحاجة تفتق الحيلة والحيلة تشحذ الطبيعة.
وقال آخر: مجالسة الأحمق خطر، والقيام عنه ظفر.
قال الأصمعي: جلس إلى أعرابي تقتحمه العين يحمي دربه. والله ما ظننته يجمع بين كلمتين فاستنطقته، فإذا نار تأجج فقلت: أتحسن شيئاً من الحكمة تفيد منه؟ قال: نعم، الرجوع عن الصمت أحسن من الرجوع عن الكلام، والعطية بعد المنع، أجمل من المنع بعد العطية، والإقدام على العمل بعد التأني فيه، أحسن من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه.
قال فعظم في عيني حتى ملأ عيني وقلبي هيبة.
قال أعرابي: العذر الجميل أحسن من المطل الطويل، فإذا أردت الإنعام فانجح، فإن تعذرت الحاجة فأفصح.
قيل لأعرابي: ما وقوفك ها هنا؟ فقال: وقفت مع أخ لي يقول بلا علم، ويأخذ بلا شكر، ويرد بلا حشمة.
قال أعرابي لآخر: لا كل لسانك عن البيان، ولا أسكتك الزجر والهوان.
وقال آخر لرجل: حاجتي إليك حاجة الضال إلى المرشد، والمضل إلى المنشد.
وقال آخر: بالفحول تدرك الذحول.
وقال آخر: أنا أستنجدك إذا كنت مضافاً، وأسترفدك إذا كنت مضيفاً.
قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحتسب على الله الحسنة، ولا أحتسب على نفسي السيئة.
وقال آخر وقد قيل له: أيسرك أنك أحمق وأن لك مائة ألف درهم؟ قال: لا. قيل: ولم؟ قال: لأن حمقة واحدة تأتي على مائة ألف، وألفي بعدها أحمق.
قال آخر: من جاد بماله فقد جاد بنفسه، إلا يكن جاد بها فقد جاد بقوامها.
وقال آخر: من هذل جواده في الرخاء، قام به في الشدة.
ذكر رجل عند أعرابي بشدة العبادة فقال: هذا والله رجل سوء يظن أن الله لا يرحمه حتى يعذب هذا التعذيب.
قال رجل لشيخ بدوي: تمرنا أجود من تمركم. فقال: تمرنا جرد فطس، عراض كأنها ألسن الطير، تمضغ التمرة في شدقك فتجد حلاوتها في عقبك.
قال أعرابي: سألت فلانا حاجة أقل من قيمته، فردني رداً أقبح من خلقته.
وقال: مواقعة الرجل أهله من غير عبث من الجفاء.
قيل لأعرابي: ما تصنع بالبادية إذا اشتد القيظ وحمي الوطيس.
فقال: يمشي أحدنا ميلاً، حتى يرفض عرقاً ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، فكأنه في إيوان كسرى.
قال بعضهم: رأيت أعرابياً يصلي ويسيء الصلاة فقال له رجل: يا أعرابي، أحسن صلاتك. فقال: إن المطالب بها كريم.
عاب أعرابي قوماً فقال: هم أقل الناس ذنوباً إلى أعدائهم، وأكثرهم تجرماً على أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء.
وصف بعض الأعراب النساء فقال: عليك منهن بالجاليات العيون، الآخذات بالقلوب، بارع الجمال، وعظم الأكفال، وسعة الصدور ولين البشرة ورقة الأنامل وسبوطة القصب، وجزالة الأسوق، وجثولة الفروع، ونجالة العيون، وسهولة الخدود، وامتداد القوام، ورخامة المنطق، وحسن الثغور، وصغر الأفواه وصفاء الألوان.
وصف أعرابي امرأة: هي خالية إلا من ألا وليت.
قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ فقال: أجحد المخبر، وأحلف للمستخبر.
قيل لآخر: بماذا تغلب الناس؟ قال: أبهت بالكذب، وأستشهد بالموتى.
قال الأصمعي: سألت أعرابياً عن الدنيا فقال: إن الآمال قطعت أعناق الرجال، كالسراب، غر من رآه، وأخلف من رجاه، ومن كان الليل والنهار مطيته، أسرعا السير به والبلوغ. ثم أنشد يقول:
المرء يدفع بالأيام يدفعها ... وكل يوم مضى يدني من الأجل
ذكر أعرابي رجلاً بقلة الحياء فقال: لو دقت بوجهه الحجارة لرضها ولو خلا بالكعبة لسرقها.
قيل لأعرابي: بم سدت قومك؟ قال: بحسب لا يطعن عليه، ورأي لا يستغنى عنه.

قيل لآخر: بم تعرفون السؤدد في الغلام؟ قال: إذا كان سابل الغرة، طويل الغرلة، ملتاث الأزرة، وكانت فيه لوثة، فلسنا نشك في السؤدد.
وقال آخر لسنان بن سلمة الهذلي: ما أنت بأرسخ فتكون فارساً، ولا بعظيم الرأس فتكون سيداً.
وقال بعضهم: نحن لا نسود إلا من موطننا رحله، ولفرسنا عرضه ويملكنا ماله.
سأل أعرابي عن رجل فقال: أحمق مرزوق. فقال: والله ذاك الرجل الكامل.
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: تمرنا جرد فطس، يغيب فيها الضرس عراض كأنها ألسن الطير تضع التمرة في فيك فتجد حلاوتها في كعبك.
قال أعرابي لأخيه: إن لم يكن مالك لك، كنت أنت له، فإن لم تفنه، أفناك، فكله قبل أن يأكلك.
وحلف آخر فقال: لا والذي شقهن خمساً من واحد، وأشار إلى كفه، شق الرجال للخيل، والجبال للسيل.
وقال آخر في رجل: صغره في عيني، كبر الدنيا في عينه.
قيل لأعرابي: كيف حزنك على ولدك؟ قال: ما ترك لنا حب الغداء والعشاء حزناً.
قيل لرجل منهم كان يجمع بين ضرائر: كيف تقدر على جمعهن قال: كان لنا شباب يظأرهن علينا، ومال يصيرهن لنا، ثم قد بقي لنا خلق حسن، فنحن نتعايش به.
قال أعرابي: ما تم عقل أحد، إلا قل كلامه.
وقال أعرابي: إن فلاناً ليكنس على أعراض النيل من غيظه.
وقال آخر: مع الشعاب التحاب، والافراط في الزيارة ممل، والتفريط فيها مخل.
قدم أعرابي على السلطان ومعه كتاب قد كتب فيه قصته، فجعل يقول: هاؤم اقرءوا كتابيه. فقيل له: هذا يقال يوم القيامة.
قال: هذا والله شر من يوم القيامة، إنه يؤتى يوم القيامة بحسناتي وسيئاتي، وأنتم جئتم بسيئاتي، وتركتم حسناتي.
قال أبو العيناء: قلت لأعرابي: إن الله محاسبك فقال: سررتني فإن الكريم إذا حاسب تفضل.
وقال معاوية لأعرابي: ما العيش؟ قال: ركوب الهوى وترك الحيا.
قيل لأعرابي وقد عمر مائة وعشرين سنة: ما أطول عمرك؟ قال: تركت الحسد فبقيت.
حلف أعرابي بالمشي إلى بيت الله ألا يكلم ابنه فحضرته الوفاة فقيل له: كلمه قبل أن تفارق الدنيا. قال: والله ما كنت قط أعجز عن المشي إلى بيت الله منى الساعة.
قال عبد الملك لأعرابي: تمن. قال: العافية. قال: ثم ماذا؟ قال: رزق في دعة. قال: ثم ماذا؟ قال الخمول، فإني رأيت الشر إلى ذوي النباهة أسرع.
قيل لأعرابي من بني يربوع: مالكم على مثال واحد؟ قال: لأنا من بني فحل واحد.
ذم أعرابي رجلاً فقال: عليه كل يوم قسامة من فعله تشهد عليه بفسقه وشهادات الأفعال، أعدل من شهادات الرجال.
وذكر آخر رجلاً بالعي فقال: رأيت عورات الناس بين أرجلهم وعورة فلان بين فكيه.
وقال آخر لرجل دفعه: لتجدني ذا منكب مزحم، وركن مدعم، ورأس مصدم، ولسان مرجم ووطء ميثم.
قال الأصمعي: نظر أعرابي إلى الهلال فقال: لا مرحبا بك عقفان يحل الدين، ويقرب الآجال.
قيل لأعرابي: ما تلبس؟ فقال: الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس.
سئل أعرابي عن ألوان الثياب فقال: الصفرة أشكل والحمرة أجمل والخضرة أنبل والسواد أهول والبياض أفضل.
وصف أعرابي الكتاب، وقد دخل الديوان فرآهم فقال: أخلاق حلوة وسمائل معشوقة ووقار أهل العلم وظرف أهل الفهم فإن سبكتهم وجدتهم كالزبد يذهب جفاء.
وذم أعرابي رجلاً فقال: عبد البدن، خز الثياب، عظيم الرواق، صغير الأخلاق، الدهر يرفعه وهمته تضعه. قيل لأعرابي ينسج: ألا تستحي أن تكون نساجاً؟ فقال: إنما أستحي أن أكون أخرق لا أنفع أهلي.
مد المأمون يده إلى الأعرابي ليقبلها فتناولها بكمه فقال: أتتقزز منها؟ قال: لا بل أتقزز لها.
وصف أعرابي قوماً فقال: هم كلاب وفلان من بينهم سلوتي.
سئل رجل عن نسبه فقال: أنا ابن أخت فلان. فقال أعرابي: الناس ينتسبون طولاً وأنت تنتسب عرضاً.
رأى أعرابي عوداً فلما عاد إلىالبادية وصفه لأصحابه فقال: رأيت خشباً محدودب الظهر، أرسح البطن، أكلف الجلد، أجوف أغضف، جبينه في استه، وعيناه في صدره، وأمعاءه خارج بطنه، بها يتكلم، وعينه تترجم، معروك الأذن، مخنوق الحلق.
سئل آخر عن امرأته فقال: أفنان أثلة، وجنى نخلة، ومس رملة وكأني قادم في كل ساعة من غيبة.
اجتمع إعرابي مع صاحبة له فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ذكر معاده فاستعصم وقال: إن من باع جنة عرضها السموات والأرض بمقدار فتر بين رجليك، لقليل البصر بالمساحة.

اشتكى أعرابي بالحضر فقيل: ما تشتهي؟ قال: حشك فلاة، وحسي قلاة.
قال أعرابي لرجل: اكتب لابني تعويذاً. فقال: ما اسمه؟ قال: فلان قال: فما اسم أمه؟ قال: ولم عدلت عن اسم أبيه؟ قال: لأن الأم لا يشك فيها. قال: فاكتب: فإن كان ابني فعافاه الله، وإن لم يكن ابني فلا شفاه الله.
قيل لأعرابي: ما تقول في إبن العم؟ قال: عدوك وعدو عدوك.
ووعظ آخر ابناً له أفسد ماله في الشراب فقال: لا الدهر يعظك ولا الأيام تنذرك، ولا الشيب يزجرك، والساعات تعد عليك، والأنفاس تعد منك والمنايا تقاد إليك، أحب الأمرين إليك، أردهما بالمضرة عليك.
قيل لأعرابي: ما تقول في الجري. قال: تمرة نرسيانة غراء الطرف، صفراء السائر، عليها مثلها من الزبد، أحب إلي منها ولا أحرمه.
وقال آخر: كن حلو الصبر عند مر النازلة.
ومر أعرابي في أطمار رثة برجل فقال الرجل: والله ما يسرني أني كنت ضيفك في ليلتي هذه. فقال له الأعرابي: أما والله لو كنت ضيفي، لغدوت من عندي أبطن من أمك قبل أن تضعك بساعة، أما الله إنا وجدناك آكلكم للمأدوم، وأعطاكم للمحروم.
قال أعرابي: رب موثق مؤبق.
قيل لآخر: أتشرب النبيذ؟ فقال: والله ما أرضى عقلي مجتمعاً فكيف أفرقه؟.
وقيل لآخر: أما تشرب؟ قال: أنا لا أشرب ما يشرب عقلي.
قال بعضهم: رأيت أعرابياً والإبل قد ملأت الوادي فقلت: لمن هذه؟ فقال: لله في يدي.
قال أبو العيناء: أضفت أعرابياً قدم من المدينة، فلما قعدنا نأكل، جعلت أذكر غلاء السعر في تلك السنة، فرفع الأعرابي يده عن الطعام، وقال: ليس من المروءة ذكر غلاء الأسعار للضيف. فقام، فاجتهدت به أن يأكل شيئاً فأبى، وانصرف.
حكى عن حصين بن أبي الحر قال: وفدت إلى معاوية فطلبت عامر بن عبد قيس فقال لا تريه بالنهار فأتيته عند المغرب وهو يتعشى، فسلمت عليه فرد السلام، ولم يدعني إلى عشائه ولم يسألني عن أهله، فقلت: العجب منك لم تدعني إلى عشائك ولم تسألني عن أحد من أهلك، فقال: أما عشائي فخشن، وأنت قد تعودت النعمة، فكرهت أن أحملك من تجشمه على ما يشق عليك. وأما أهلي، فأنا أعرف أخبارهم، الماضي فلا يرجع إليهم، وأما الباقي فلا حق بمن مضى منهم.
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: المعتذر من غير ذنب يوجب الذنب على نفسه.
قال: وقلت لغلام عذري: ما بال العشق يقتلكم؟ قال: لأن فينا جمالاً وعفة.
قال أعرابي: بلوت فلاناً فلم يزدني اختباره إلا اختياراً له.
وقال آخر: هلاك الوالي في صاحب، يحسن القول، ولا يحسن العمل.
تكلم أعرابي فقال: لا تنكحن واحدة فتحيض، إذا حاضت، وتمرض إذا مرضت، ولا تنكحن اثنتين، فتكون بين شرتين، ولا تنكحن ثلاثاً، فيفلسنك ويهزمنك، وينحلنك ويحظرنك.
فقيل له: حرمت ما أحل الله.
وأثنى أعرابي على رجل فقال: إن خيرك لصريح، وإن منعك لمريح وإن رفدك لربيح.
قيل لأعرابي: ما أعددت للشتاء؟ فقال: جلة لبوضاً وصيصية سلوكاً، وشملة مكورة قويمصاً دفياً وناقة مجالحة.
وقيل لآخر: ما أعددت للشتاء؟ فقال: شدة الرعدة وقرفصاء القعدة، وذرب المعدة.
وقيل لآخر: كيف البرد عندكم؟ قال: ذاك إلى الريح.
سمع عمر أعرابياً يقول: اللهم اغفر لأم أوفى. فقال: ومن أم أوفى؟ قال: امرأتي وأنها لحمقاء مرغامة، أكول قامه، لاتبقى لها حامة، غير أنها حسناء فلا تفرك، وأم غلمان فلا تترك.
قال أبو مهدى: تحرشت بشجاع فخرج يطردني كأنه سهم رابح، ثم استكف كأنه كفة في ميتة، فانتظمت ثلاثة إثنان أحدهن رأسه.
قال الأصمعي: كانت العرب تستعيذ من خمشة الأسد، ونفثة الأفعى وضبطة الفالج.
قال أبو زيد: رب غيث لم يك غوثاً، ورب عجلة نهب ريثاً.
وقال آخر لرجل رآه يذم قرابته: أما سمعت ما يقول العرب، فإنها تقول: الرحم بكدرها والمودة بصفائها.
قدم هوذة بن علي، على كسرى فسأله عن بنيه، فذكر عدداً، فقال: أيهم أحب إليك؟ قال: الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يقدم، والمريض حتى يصح. فقال له كسرى: ما غداؤك في بلدك؟ قال: الخبز. قال كسرى لجلسائه: هذا عقل الخبز يفضله على عقول أهل البوادي، الذين يغتذون اللبن والتمر.

قال الأصمعي: كنت بالبادية فجاء بي أعرابي معه عبد أسود فقلال: يا حضري، أتكتب؟ قلت: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم من عرفجة التغلبي لميمون مولاه، إنك كنت عبد الله فوهبك لي، فرددتك ووهبتك لواهبك للجواز على الصراط، قد كنت أمس لي، وأنت اليوم مثلي ولا سبيل لي عليك إلا سبيل ولاء.
أتى معاوية برجل من جرهم قد أتت عليه الدهور فقال له: أخبرني عما رأيت في سالف عمرك؟ قال: رأيت بين جامع مالاً مفرقاً، ومفرق مالاً مجموعاً، ومن قوى يظلم، وضعيف يظلم، وصغير يكبر، وكبير يهرم، وحي يموت، وجنين يولد، وكلهم بين مسرور بموجود ومحزون بمفقود.
قال أعرابي: خرجنا حفاة والشمس في قلة السماء، حيث انتعل كل شيء ظله وما زادنا إلا التوكل، وما مطايانا إلا الأجل، حتى لحقنا القوم.
وصف آخر تعادى قوم، فقال: ألحاظهم سهام، وألفاظهم سمام.
وقال آخر: هبت عليهم ريح التعادي، فنسفتهم عن النوادي والبوادي.
وقال آخر: ما النار باحرق للفتيلة، من التعادي للقبيلة.
وقال آخر: مع القرابة والثروة، يكون التناكر والتحاسد ومع الغربة والخلة، يكون التناصر والتحاشد.
وقال الحجاج لأعرابي: أخطيب أنا؟ قال: نعم، لولا أنك تكثر الرد، وتشير باليد، وتقول أما بعد.
ويقول الأعرابي لراعي إبله إذا استرعاه: إن عليك أن ترد ضالتها، وتهنأ جرباتها، وتلوذ حوضها وتترك مبسوطة في الرسل، مالم تنهك حلباً أو تضر بنسل. فيقول له الراعي: ليس لك أن تذكر أمي بخير ولا شر، ولك حذفة بالعصا عند غضبك أخطأت أم أصبت، ولي مقعدين من النار موضع يدي من الحار.
ذكر أعرابي السلطان فقال: أما والله لإن عزوا في الدنيا بالجور، لقد ذلوا في الآخرة بالعدل.
وقال آخر: العاقل بخشونة العيش مع العقلاء، آنس منه بلين العيش مع السفهاء.
قال بعضهم: رأيت أعرابياً يرعى غنماً فقلت له: أنت راعي هذه الغنم؟ فقال: أنا راعيها والله يرعاها.
قال المفضل: قلت لأعرابي: ما البلاغة؟ قال: الايجاز من غير عجز، والأطناب في غير خطل.
وكان أعرابي يجالس الشعبي ولا يتكلم، فسئل عن طول صمته فقال: أسمع وأعلم، واسكت فأسلم.
وصف آخر رجلاً فقال: صغير القدر، قصير الشبر، ضيق الصدر لئيم الخبر، عظيم الكبر، كثير الفخر.
قدم وفد طيء على معاوية فقال: من سيدكم اليوم؟ قالوا: خزيم بن أوس بن حارثة بن لام، من احتمل شتمنا، وأعطى سائلنا وحلم عن جاهلنا، وأغتفر ضربنا إياه بعصينا.
حلف أعرابي على شيء فقيل له: قل إن شاء الله، فخضع نفسه حتى لصق بالأرض ثم قال: إن شاء الله تذهب بالحنث، وترضى الرب، وترغم الشيطان، وتنجح الحاجة.
قال أعرابي لابن عم له: مالك أسرع إلى ما أكره من الماء إلى قرارة ولولا ضني بإخائك، لما أسرعت إلى عتابك، فقال الآخر: والله ما أعرف تقصيراً فأقلع، ولا ذنباً فأعتب، ولست أقول لك كذبت، ولا أقر إني أذنبت.
وقال أعرابي: ما زال يعطيني حتى حسبته يردعني، وما ضاع مال أودع حمداً.
وقال أعرابي: شر المال، مالا أنفق منه، وشر الأخوان الخاذل في الشدائد وشر السلطان من أخاف البرى، وشر البلاد ما ليس فيه خصب وأمن.
وقال: سمعت آخر يقول لابنه: صحبة بليد نشأ مع الحكماء، خير من صحبة لبيب نشأ مع الجهال.
قال أعرابي لابنه: إياك يا بني وسؤال البلغاء في الرد.
قيل لإعرابي: كيف كتمانك السر؟ قال: ما جوفي له إلا قبر.
وأسر رجل إلى بعضهم، ثم قال له: أفهمت؟ قال: بل جهلت قال: أحفظت؟ قال: بل نسيت.
قال أعرابي من غطفان: لقد أحببت امرأة من بني ذهل بن شيبان، فكنت أنام وقلبي طائر، وأهب ودمعي قاطر.
قيل لأعرابي: علي من البرد أشد؟ قال: علي خلق في خلق.
قيل لطائي مرة: إن امرأتك تبغضك. فقال: ما أبالي إذا نلت منها ذو أحب، أن تنال مني ذو تكره. وذو في لغة طيء: الذي.
مدح أعرابي رجلاً قال: فهو أكسبكم للمعدوم، وآكلكم للمأدوم وأعطاكم للمحروم. قال أعرابي: ما رأيت كفلان، إن طلب حاجة، غضب قبل أن يرد عنها وإن سئل، رد صاحبها قبل أن يفهمها. وذم آخر رجلاً فقال: لم يقنع كمياً سيفاً، ولا قرى يوماً ضيفاً ولا حمدنا له شتاء ولا صيفاً.
؟؟؟
الباب الثالث
أدعية مختارة
وكلام للسؤال من الأعراب وغيرهم

وقف أعرابي في بعض المواسم فقال: اللهم إن لك حقوقاً فتصدق بها علي، وللناس تبعات قبلي فتحملها عني، وقد أوجبت لكل ضيف قرى، وأنا ضيفك فاجعل قراي في هذه الليلة الجنة.
قال آخر لرجل سأله: جعل الله للخير عليك دليلا، ولا جعل حظ السائل منك عذرة صادقة.
وقال آخر: اللهم لا تنزلني ماء سوء، فأكون امرء سوء.
وقف سائل منهم فقال: رحم الله امرء أعطى من سعة، وواسى من كفاف، وآثر من قوت.
ومن دعائهم: أعوذ بك من بطر الغنى، وذلة الفقر.
وقال آخر: أعوذ بك من سقم وعدواه، وذي رحم ودعواه، وفاجر وجدواه، وعمل لا ترضاه.
وسأل أعرابي فقال له صبي في جوف الدار. بورك فيك، فقال: قبح الفم، لقد تعلم الشر صغيراً.
ودعا آخر فقال: اللهم إني أعوذ بك من طول الغفلة، وإفراط الفطنة، اللهم لا تجعل قولي فوق عملي، ولا تجعل أسوأ عملي ما قرب من أجلي.
وقال آخر: اللهم هب لي حقك وارض عني خلقك. وقال آخر: اللهم إنك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا، فقد ظلمنا أنفسنا. فاعف عنا.
وقال آخر: اللهم امتعنا بخيارنا، وأعنا على شرارنا، واجعل الأموال في سمائحنا.
وقال آخر: اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيداً فقربه، وإن كان قريباً فيسره، وإن كان قليلاً فكثره، وإن كان كثيراً فبارك فيه.
سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يقول في دعائه: اللهم اجعلني من الأقلين. فقال له عمر: وما هذا الدعاء؟ قال سمعت الله يقول: " وقليل ماهم " وقال ذكره جل وعز: " وما آمن معه إلا قليل " .
وقال تعالى: " وقليل من عبادي الشكور " . فقال عمر: عليك من الدعاء بما يعرف.
دعا الغنوي في حبسه: أعوذ بك من السجن والدين، والغل والقيد والتعذيب والتحبيس، وأعوذ بك من الجور بعد الكور، ومن سوء الخلافة في النفس والأهل والمال، وأعوذ بك من الحزن والخوف، وأعوذ بك من الهم والرق، ومن الهرب والصلب، ومن الاستخفاء، ومن الاستخذاء، ومن الأطراد والأعراب، ومن الكذب والعيضهة، ومن السعاية والنميمة، ومن لؤم القدرة ومقام الخزي في الدنيا والآخرة: إنك على كل شيء قدير.
وكان بعضهم يقول في دعائه: اللهم احفظني من صديقي، وكان في دعاء آخر: اللهم اكفني بواثق الثقات.
قال أعرابي في دعائه: تظاهرت على بادئ منك النعم، وتكاثفت مني عندك الذنوب، فأحمدك على النعم التي لايحصيها أحد غيرك، وأستغفرك من الذنوب التي لا يحيط بها إلا عفوك.
سألت أعرابية فقالت: سنة جردت، وأيد جمدت، وحال جهدت، فهل من آمر بمير، أو دال على خير، أو مجيب بخير، رحم الله من رحم، وأقرض من لا يظلم.
قال منصور بن عمار صاحب المجالس: اللهم اغفر لأعظمنا جرماً وأقسانا قلباً، وأقربنا بالخطيئة عهداً، وأشدنا على الذنب إصراراً فقال له الخريمي وكان حاضراً. امرأتي طالق، إن كنت أردت غير إبليس.
قال: إذا دعت الأعراب لمسافر قالوا: اللهم قو ضعفته، واحرس غفلته، وشد منته، اللهم اطو عنه غول الأرض وهولها، وحببه إلى أصحابه واحمله على ركابه، سلم له عصيها وقصبها، وألق عليه السخرة والبلاغ، وادرأ عنه وعنها الأعراض والأمراض، حتى توديه سالماً إلى سالمين.
كانوا يقولون: نعوذ بالله من ضربة الجبان، وضبطة الأعمى، وبادرة الصبي، ودعوة البخيل، وضرط الرقيب، ونادرة المجنون، وذلة العالم.
قال أعرابي في دعائه: اللهم أرزقني صحة لا تلهي، وغنى لا يطغي وسريرة لا فضيحة فيها ولا شنعة، وعلانية لا رياء تطغي فيها و لا سمعة.
سأل رجل من بني كلاب معروف النسب فقال: إني رجل من بلعنبر، ولي سن، وبي فقر وعندي دعاء وشكر، وفي إعطائي أجر وذخر. فقيل له: أنت من بني كلاب وتتنسب إلى بلعنبر قال: إنه مقام خزي، وهم لنا عدو. فأحببت أن يلحقهم عاره.
دعا أعرابي فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو أضل في هداك، أو أذل في عزك، أو أضام في سلطانك، أو أضطهد والأمر لك.
قال سفيان بن عيينة: إني لواقف بعرفة وأعرابي إلى جانبي فسمعته يقول: اللهم قد أنضيت ظهري، وأبعدت مطلبي، ووقفت ببابك ضارعاً خاضعاً، فإن كنت لم تقبل تعبي ونصبي، فلا تحرمني أجر المصاب على مصابه. فلما قربت الشمس أن تغرب قال: اللهم عجت الأصوات بضروب اللغات ليسألونك الحاجات، وحاجتي إليك أن لا تنساني على طول البكاء إذا نسيني أهل الدنيا.

سأل أعرابي قوماً فقال: رحم الله امرءاً لم تمج أذنه كلامي، وقدم لنفسه معاذة من سوء مقامي، فإن البلاد مجدبة والدار مضيعة والحال مسبغة، والحياء زاجر ينهى عن كلامكم، والفقر عاذر يدعو إلى إخباركم، والدعاء إحدى الصدقتين. فرحم الله امرء آسى بمير، أو دعا بخير. فقال له رجل: ممن يا أعرابي؟ فقال: ممن لا تنفعكم معرفته ولا تضركم جهالته اللهم غفراً، إن يوم الاكتساب، يمنع من كرم الانتساب.
دعا أعرابي في الكعبة فقال: اللهم إنك عالم بحوائجي فاقضها، وعارف بذنوبي فاغفرها. فقيل له: اختصرت. فقال: لا والله بل بالغت.
وقال آخر في دعائه: اللهم إني أسألك الخوف منك، حين يأمنك من لا يعرفك، وأسألك الأمن منك، حين يخافك من يغتر بك.
ودعا آخر فقال: اللهم فما أعرف معتمداً من زيارة فاطلب، ولا أجد غنى فأترك في الحجة، فإن أطنبت في سؤالك فلفاقتي إلى ما عندك، وإن قصرت في دعائك فلما تعودت من ابتدائك.
قالت أعرابية عند الكعبة: إلهي لك أذل، وعليك أدل.
كان من دعاء شريح: اللهم إني أسألك الجنة بلا عمل عملته، وأعوذ بك من النار بلا ذنب تركته.
يقال إنه كان من دعاء يونس في الظلمات: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وإلا تغفر لي وترحمني، أكن من الخاسرين، مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.
قال أعرابي في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من حاجة إلا إليك، ومن خوف إلا منك، ومن طمع إلا فيما عندك.
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول وهو متعلق بأستار الكعبة: إلهي! من أولى بالزلل والتقصير مني وقد خلقتني ضعيفاً، إلهي! من أولى بالعفو عني منك، وقضاؤك نافذ، وعلمك بي محيط، أطعتك بإذنك، والمنة لك علي، وعصيتك بعلمك، والحجة لك علي، فبثبات حجتك وانقطاع حجتي، وبفقري إليك وغناك عني، ألا غفرت لي ذنوبي.
دعا أعرابي فقال: اللهم إنك حصيت ذنوبي فاغفرها، وعرفت حوائجي فاقضها.
وكان بعضهم يقول في دعائه: اللهم أعني على ديني بديناً، وأعني على آخرتي بتقوى.
ودعا آخر: اللهم إني أعوذ بك من الفاجر وجدواه والغريم وعدواه، وأعوذ بك من سقم، وعداوة ذي رحم، وعمل لا ترضاه، اللهم أعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك.
سأل أعرابي قوماً وهم في مصيبة فقالوا: ما ترى شغلتنا قال: ما بكم بدأت ولا إليكم انتهت.
قال الأصمعي،: مر بي يوماً أعرابي سائل فقلت له: كيف حالك؟ فقال: أسأل الناس إجحافاً، ويعطوننا كرهاً، فلا يؤخرون ما يعطون ولا يبارك لنا فيما نأخذ، والعمر بين ذلك فإن والأجل قريب والأمل بعيد.
قال الأصمعي: اعترضنا أعرابي في طريق مكة فقال: هل عائد علي بفضل، أو مواس من كفاف؟ فأمسك عنه القوم. فولى وهو يقول: اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا إلى الناس فنضيع.
وقف أعرابي على حلقة الحسن فقال: رحم الله من عاد بفضل وواسى من كفاف، وآثر من معروف فقال الحسن: ما بقي منكم أحداً.
دعا عمرو بن عتبة فقال: اللهم أعني على الدنيا بالقناعة، وعلى الدين بالعصمة، اللهم إني أعوذ بك من طول الغفلة وإفراط الفطنة.
اللهم لا تجعل قولي فوق عملي، ولا تجعل أسوأ عملي ما ولى أجلي، اللهم إني أستغفرك مما أملك، وأستصفحك لما لا أملك، اللهم لا تجعلني ممن إن مرض شجن، وإن استغنى فتن، وإن افتقر حزن.
سألت أعرابية بالبصرة فقالت: يا قوم! طرائد زمان، وفرائس نازلة، نبذتنا الرحال، ونشرتنا الحال، وأطعمنا السؤال، فهل من كاسب لأجر، أو راغب في ذخر.
سأل أعرابي رجلاً حاجة فقال: إذهب بسلام. فقال له: أنصفنا من ردنا في حوائجنا إلى الله.
وكانوا يستنجحون حوائجهم بركعتين يقولون بعدهما: اللهم إني بك استفتح، وبك استنجح، وبحمد نبيك إليك أتوجه، اللهم ذلل لي صعوبته وسهل حزونته، وارزقني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عني من الشر أكثر مما أخاف.
ودعا بعضهم فقال: اللهم إني أعوذ بك من حياة على غفلة، ومن وفاة على غرة، ومن مرد إلى حسرة، وأسألك العافية من أن أمل عافيتك وأكفر نعمتك، أو أنسى حسن بلائك، أو أستبدل بالسيئة الحسنة.
سأل أعرابي فقال: سنة حردت، وحال جهدت، وأيد حمدت، فرحم الله من يرحم.
تقول العرب في الدعاء على الرجل: لا طلبته الخيول للغارة أو يتكاره جدب الزمان وعلى هذا المعنى حمل قول الشاعر:
وجنبت الخيول أبا زنيب ... وجاد على منازلك السحاب

دعا رجل لآخر فقال لا جعل الله حظ السائل منك عذرة صادقة دعا أعرابي أبطأ عنه ابنه فخاف عليه فقال : اللهم إن كنت أنزلت به بلاء فأنزل معه صبراً، وإن كنت وهبت له عافية فافرغ، عليه الشكر، اللهم إن كان عذاباً فاصرفه، وإن كان فلاحاً، فزد فيه وهب لنا الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء.
كان قيس بن سعد يقول: اللهم ارزقني مجداً وحمداً، فلا حمد إلا بفعال، ولا مجد إلا بمال. اللهم إني أعوذ بك من فقر مكب، وضرع إلى عير مخب.
كان محمد بن المنكدر يقول: اللهم قو فرحي بأهلي، فإنه لا قوام لهم إلا به.
قال بعضهم: كنت مع سعيد بن عبد الملك فقصدت له أعرابية تريد أن نسأله فمنعت منه، فلم تزل تحتال حتى وقفت عليه، فقالت أبا عثمان:
حياك من لم تكن ترجو تحيته ... لولا الحوائج ما حياك إنسان
وسألت أعرابية المنصور في طريق مكة، فمنعها فقالت متمثلة: الطويل:
إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى ... فأبعدكن الله من شجرات
وسألته أخرى فمنعها، فقالت:
دنوك إن كان الدنو كما أرى ... علىّ وبعد الدار مستويان
زعموا أن الحسين الخادم أطال الجلوس عند الواثق فقال: ألك حاجة؟ فقال: أما إلى أمير المؤمنين فلا، ولكن إلى الله فيه، وهي أن يطيل بقاءه ويديم نعماءه.
قال الحسين بن وهب: شكرت ابن أبي داود فقال لي: أحوجك الله إلى أن تعلم مالك عند صديقك.
قال رجل لرجل: سترك الله. فقال: وإياك فستر، ولا جعل ما تحت الستر ما يكره، فكم مستور منه على ما يكرهه الله.
قال الأصمعي كان من دعاء أبي المجيب: اللهم اجعل خير عملي ما قارب أجلي. وكان يقول: اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا إلى الناس فنضيع.
وقال أبو زيد: وقف علينا أعرابي في حلقة يونس فقال: الحمد لله كما هو أهله، ونعوذ بالله أن أذكر به وأنساه، خرجنا من المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثون رجلاً ممن أخرجته الحاجة، وحمل على المكروه لا يمرضون مريضهم، ولا يدفنون ميتهم، ولا ينتقلون من منزل إلى منزل، وإن كرهوه، والله يا قوم، لقد جعت حتى أكلت النوى المحرق، ولقد مشيت حتى انتعلت الدم، وحتى خرج من قدمي لحم كثير. أفلا رجل يرحم ابن سبيل، أذل طريق، ونضو سفر، فإنه لا قليل من الأجر، ولا غنى عن الله عز وجل، ولا عمل بعد الموت، وهو يقول جل ذكره " من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه " ملي، وفي، ماجد، واجد لا يستتقرض من عوذ ولكنه يبلو الأخيار. قال فبلغني أنه لم يبرح حتى أخذ ستين ديناراً.
وقال سفيان الثوري: سمعت سوداء بعرفة تقول: يا حسن الصحبة: أسألك ستراً لا تهتكه الرياح، ولا تخرقه الرماح.
كان من دعاء ابن السماك: اللهم إنا نحب طاعتك وإن قصرنا، ونكره معصيتك وإن ركبناها، اللهم فتفضل علينا بالجنة وإن لم نكن أهلها، وخلصنا من النار وإن كنا قد استوجبناها.
ووقفت امرأة من الأعراب من هوازن على عبيد الرحمن بن أبي بكرة فقالت أصلحك الله، أقبلت من أرض شاسعة، يرفعني رافعة، ويخفضني خافضة بملمات من البلاء، وملمات من الدهور برين عظمي، وأذهبن لحمي، وتركنني ولهة أمشي بالحضيض، وقد ضاق بي البلد العريض، لا عشيرة تحميني، ولا حميم يكفيني، فسألت في أحياء العرب من المرجو سيبه، المأمون عيبه، المكفي سائله، الكريمة شمائله، المأمول نائله، فأرشدت إليك، وأنا امرأة من هوازن، مات الوالد وغاب الرافد، وأنت بعد الله غياثي، ومنتهى أملي، فاصنع إلي إحدى ثلاث: إما أن تقيم أودي، أو تحسن صفدي، أو تردني إلى بلدي. قال: بل: أجمعهن لك وحياً.
ووقفت أعرابية على قوم فقالت: بعدت مشقتي، وظهرت محارمي، وبلغت حاجتي إلى الرمق، والله سائلكم عن مقامي.
وسألت أخرى فقالت: ساءلتكم، فسؤلكم القليل الذي يوجب لكم والكثير، رحم الله واحداً أعان محقاً.
ووقفت أخرى فقالت: يا قوم، تغير بنا الدهر إذ قل منا الشكر ولزمنا الفقر، فرحم الله من فهم بالعقل، وأعطى من فضل، وآثر من كفاف، وأعان على عفاف.
كان بعضهم يقول: اللهم قني عثرات الكرام.
وكان بعض السلف يقول: اللهم أحملنا من الرجلة، وأغننا من العيلة.
وسأل أعرابي فقيل له: بورك فيك ونوالي عليه ذلك من غير مكان فقال: وكلكم الله إلى دعوة لا تحضرها نية.

وقال بعضهم: اللهم أعني على الموت وكربته، وعلى القبر وغمته، وعلى الميزان وحقته، وعلى الصراط وذلته، وعلى يوم القيامة وروعته.
وقال آخر: اللهم أغنني بالإفتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك.
وقال آخر: اللهم أعني على الدنيا بالقناعة، وعلى الدين بالعصمة.
وقال آخر: اللهم أمتعنا بخيارنا، وأعنا على أشرارنا، واجعل المال في سمحائنا.
ولما ولي مسروق السلسلة انبرى له شاب فقال له: وقاك الله خشية الفقر، وطول الأمل، ولا جعلك ذرية للسفهاء، ولا شيناً للفقهاء.
وقال أعرابي في دعائه! اللهم لا تحيني وأنا أرجوك، ولا تعذبني وأنا أدعوك، اللهم قد دعوتك كما أمرتني، فأجبني كما وعدتني.
وقالت امرأة من الأعراب: اللهم إني أعوذ بك من شر قريش وثقيف وما جمعت من اللفيف، وأعوذ بك من ملك امرأة، ومن عبد ملأ بطنه.
كان قوم في سفينة فهاجت الريح فقال رجل منهم: اللهم إنك أريتنا قدرتك، فأرنا رحمتك.
ورأى آخر رجلاً سائلاً يسأل يوم عرفة فقال: أيهذا إلام تسأل غير الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك، فاجتمع إليه الناس وقد دهمهم العدو، فأقسم على الله فمنحهم الله أكتافهم.
ودعا سعيد بن المسيب فقال رغبك الله فيما أبقى، وزهدك فيما يفنى، ووهب لك اليقين الذي لا تسكن النفوس إلا إليه، ولا تعول في الدين إلا عليه.
وكان مطرف يقول: اللهم إنك أمرتنا بأمرك، ولا نقوى عليه إلا بعونك، ونهيتنا عما نهيتنا عنه، ولا ننتهي عنه إلا بعصمتك، واقعة علينا حجتك، غير معذورين فيما بيننا وبينك، ولا منجوسين فيما عملنا لوجهك.
ودعا أعرابي فقال: اللهم إني أعوذ بك من الفقر المدقع، والذل المضرع.
وقال آخر وقد سمع صوت الصواعق: اللهم إن كان عذاباً فاصرفه، وإن كان صلاحاً فزد فيه، وهب لنا الصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، اللهم إن كانت محنة فمن علينا بالعصمة، وإن كانت عقاباً فمن علينا بالمغفرة.
قال طاووس: يكفي من الدعاء مع الورع، ما يكفي العجين من الملح.
دعا أعرابي فقال: اللهم إني أسألك البقاء، والنماء وحط الأعداء، وطيب الإتاء.
وقف أعرابي في جامع البصرة فقال: أما بعد فإنا أبناء السبيل، وأنضاء الطريق، تصدقوا علينا فإنه لا قليل من الأجر، أما والله إنا لا نقوم هذا المقام، وفي الصدور حزازة، وفي القلب غصة.
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً على باب الكعبة وهو يقول: اللهم سائلك ببابك نفدت أيامه، وبقيت آثامه، وانقطعت شهواته، وبقيت تبعاته، اللهم فاغفر لي، فإن تغفر لي، فاعف عني فربما عفا المليك عن مملوكه وهو مغضبه.
وقال وسمعت آخر وهو يقول: اللهم إني أعوذ بك من المفر منك ومن الذل إلا لك، ومن التعزز إلا بك، فأعطني الخير، واجعلني له آهلاً، وجنبني الشر، ولا تجعلني له مثلاً.
وقال: وسمعت آخر يدعو في يوم عرفة يقول: اللهم لا تحرمني خير ما عندك، لسوء ما عندي، وإن كنت لك تقبل تعبي ونصبي، فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته.
وقف أعرابي على قوم فسألهم فانتهروه فقال: اللهم إني أسألك من القناعة ما يقلل عندي المستفاد، ويهون علي الأسف على ما فات ثم أقبل على القوم وقال: وأنتم فحرمكم الله من الشكر ما تستوجبون به الزيادة.
وقف أعرابي على قوم فقال: أخ في كتاب الله، وجار في بلاد الله وطالب إليكم من رزق الله، فهل من أخ موات في ذات الله؟!.
كان يوسف بن الحسين المرازي يقول في دعائه: اللهم إنك تعلم أني نصحت الناس قولاً، وخنت نفسي فعلاً، فهب خيانتي لنفسي لنصيحتي للناس.
دع أعرابي فقال: يارب إن كنت تدع رزقي لهواني عليك، فنمروذ كان أهون مني، وإن كنت تدعه لكرامتي عليك، فسليمان كان أكرم مني.
حج رجل من الأعراب فقال: اللهم حضرني إليك الرغب والرهب فأدأبت النهار، وأسأدت الليل، غير وعد ولا رسل أصل الجعجاع، وأدمن الإيضاع، فأنقيت الخف، وبريت العظم، وأكلت السنام، لك بذلك الإمتنان، وفي قديم إلي منك الإحسان، أنا ضيفك أرجو قراك، فلينلني عفوك وليسعني فضلك، اللهم أحيني العاقبة، والغفران، يا إله الطول والإحسان.
دعا أعرابي على آخر فقال: رماك الله بليلة لا أخت لها.
ودعا آخر فقال: اللهم إني أسألك طعم الأهل، وخصب الرجل.

وكان آخر يقول: اللهم إني أعوذ بك من قرع الغناء، وكساد أيم، وغضب العاقل.
الباب الرابع
أمثال العربهذا الباب نذكر فيه صوراً من ؟أمثال العرب مما يحسن المحاضرة به في المحاورات، وإيراده في أثناء المكاتبات ومجنس أجناساً، ويتبع في تجنيسه الألفاظ دون المعاني. يقدم في كل ما جاء منها على لفظ: " أفعل " فإنها أكثر تكراراً في الكلام، والحاجة إليها أمس، والناس بها ألهج.
في أسماء الرجال وصفاتهمآبل من حنيف الحناتم.
أبخل من مادر.
أبلغ من سحبان وائل.
أبين من قس.
أبخل من ذي معذرة.
أبخل من ذي الضنين بنائل غيره.
أبر من فلحس. وهو رجل من شيبان، حمل أباه على ظهره وحج به.
أبطأ من فند: بعثته مولاته ليقتبس ناراً فعاد إليها بعد سنة.
أجمل وأجمل من ذي العمامة: وهو سعيد بن العاص بن أمية.
أجود من حاتم.
أجود من كعب بن مامة.
أجود من هرم.
أجن من دقة: هو دقة بن عباية بن أسماء بن خارجة.
أحمق من هبنقة: ذي الودعات.
أحمق من شرنبث.
أحمق من بيهس.
أحمق من حجينة، رجل من بني الصيداء.
أحمق من أبي غبشان: باع مفاتيح الكعبة لقصي بزق خمر.
أحمق من حذنة.
أحمق من شيخ: فهو بطن من عبد القيس اشترى الفسو من إياد، وكانوا يعيرون به، فيروي خيره، فعيرت بعد ذلك عبد القيس بالفسوة.
أحمق من ربيعة البكاء: هو ربيعة بن عامر بن ربيعة ابن صعصعة رأى أمه - وهو رجل - تحت زوجها، فقرر أن يقتلها فبكى، وصاح، فقيل له: أهون مقتول أم تحت زوج.
من الحكمةأحكم من لقمان.
أحكم من هرم بن قطبة.
أحمى من مجير الجراد: وهو مدلج بن سويد الطائي.
أحمى من مجير الظعن: وهو ربيعة بن مكدم.
أحلم من الأحنف.
أحلم من قيس بن عاصم.
أحزم من سنان بن أبي حارثة.
أخسر من شيخ مهو.
أخسر صفقة من أبي غبشان.
أخلى من جوف حمار: رجل من عاد وجوفه واد كان ينزل به فلما كفر أخرب الله واديه.
أخنث من هيت.
أخيب من حنين.
أخنث من طويس.
أخنث من الدلال.
أخجل من مقمور. وهو صاحب الخفين.
أخطب من قس.
أدل من حنيف الحنائم.
أدل من دعيميص بن زهير.
أدهى من قيس بن زهير.
أرمى من ابن تقن. وهو رجل من عاد.
أروى من معجل أسعد: كان رجلاً أحمق وقع في غدير فجعل ينادي ابن عم له يقال له: أسعد ويقول: ناولني شيئاً أشرب به الماء ويصيح بذلك حتى غرق.
أزنى من قرد.
أسأل من فلحس: وهو رجل من بني شيبان كان سيداً عزيزاً يسأل سهماً في الجيش وهو في بيته فيعطى لعزه فإذا أعطيه، سأل لامرأته، فإذا أعطيه سأل لبعيره، وكان له ابن يقال له زاهر فكان مثله فقيل فيه: العصا من العصية: هكذا رواه ابن حبيب، فأما أبو عبيد فإنه يقول: الفلحس: الذي يتحين طعام الناس يقال: أتانا فلان يتفلحس، كما يتطفل.
أسأل من قرثع.
أسرق من شظاظ: رجل من بني ثعلب.
أسرق من برجان.
أشأم من خوتعة.
أشأم من قدار.
أشأم من أحمر عاد.
أشأم من طويس.
أصبر من قضيب: رجل من بني ضبة.
أشد من لقمان بن عاد.
أسبل من جذل الطعان.
أضيع من دم سلاغ جبار: هو رجل من عبد القيس.
أضل من سنان: هو سنان بن أبي حارثة المري، وكان قومه عنفوه على الجود فركب ناقته، ورمى بها الفلاة، فلم ير بعد ذلك وسمته العرب: ضالة غطفان. وقالوا: إن الجن استفحلته تطلب كرم فحله.
أضبط من عائشة بن عثم: هو رجل من بني عبد شمس بن سعد من حديثه أنه كان يسقي إبله يوماً، فأنزل أخاه في الركية ليميحه، فازدحمت الإبل فهوت بكرة في البئر فأخذ ذنبها، وصاح بها أخاه: يا أخي الموت! فقال: ذلك إلى ذنب البكرة ثم اجتذبها فأخرجها.
أطمع من أشعب.
أظلم من جلندي.
أطمع من مقمور.
أعز من قنوع.
أفرس من ملاعب الأسنة.
أفرغ من حجام ساباط.
أعز من كليب وائل.
أعز من مروان القرظ.
أعدى من الشنفري.
أعدى من السليك.
أعيى من الباقل.
أغزل من امرئ القيس.
أغدر من قيس بن عاصم.
أغدر من عتيبة بن الحارث.
أغلى فداء من حاجب بن زرارة.
أغلى فداء من بسطام بن قيس.
أفتك من البراض.
أفتك من الحارث بن ظالم.
أفتك من عمرو بن كلثوم.
أكذب من حجينة.
أفلس من ابن المذلق.
أفلس من العريان: وهو العريان بن شهلة القطامي.
أكذب من المهلب بن أبي صفرة.
أكذب من قيس بن عاصم.

أقرى من زاد الركب. وهم ثلاثة نفر من قريش.
أقرى من غيث الضريك: وهو قتادة بن مسلمة الحنفي.
أقرى من مطاعيم الريح: وهم أربعة أحدهم أبو محجن الثقفي.
أقرى من أرماق المقوين: وهم كعب وحاتم وهرم.
أقرى من آكل الخبز: وهو عبد الله بن حبيب العنبري.
أكفر من ناشرة: وهو عبد الله، من كفران النعمة.
أكفر من حمار.
ألأم من ابن قرصع: رجل من أهل اليمن.
ألأم من جدرة.
ألأم من البرم القرون.
ألأم من ضبارة: وهما رجلان معروفان باللؤم. سأل بعض ملوك العرب عن ألأم الناس فذكر إليه وجاءوه بجدرة، فجدع أنفه وفر ضبارة. فقالوا في المثل: نجا ضبارة لما جدع الجدرة.
ألأم من راضع.
ألهف من قضيب: رجل من العرب كان تماراً بالبحرين وله حديث.
أمضى من سليك المقانب.
أمنع من عنز: رجل من عاد.
أمطل من عقرب: رجل تاجر بالمدينة.
أنعم من خزيم: رجل من ولد سنان بن أبي حارثة كان في زمان الحجاج.
أنعم من حيان أخي جابر.
أنوم من عبود: عبد نام في محتطبه أسبوعاً أنكح من ابن ألغز.
ألوط من راهب.
أنكح من حوثرة: رجل من قيس.
أكذب من أسير السند: رجل من عبد القيس.
أكذب من أخيذ الديلم.
أكذب من أخيذ الجيش.
أكذب من أخيذ الصبحان.
أكذب من الشيخ الغريب.
أكذب من مجرب.
أندم من أبي غبشان.
أندم من شيخ مهو.
أندم من الكسعي.
أوفى من أبي حنبل.
أوفى من الحارث: تقول مضر: هو الحارث بن ظالم. وتقول ربيعة: هو الحارث بن عباد.
أوفى من عوف بن ملحم.
أوفى من السمؤال.
أوفر فداء من الأشعث: أسرته مذحج ففدى نفسه بثلاثة ألاف بعير.
أهون من تبالة على الحجاج: تبالة: بلدة صغيرة من بلدان اليمن يقال إنها أول بلدة وليها الحجاج، فيقال إنه لما سار إليها قال للدليل: أين هي؟ قال: قد سترها هذه الأكمة عنك، فقال: أهون علي بعمل بلدة تسترها أكمة ورجع.
أهون من قعيس على عمته: رهنته على صاع من بر فلم تفكه.
أهدى من دعيميص الرمل: دليل معروف.
أجبن من المنزوف ضرطاً.
أجرأ من فارس خصاف.
أجرأ من خاصي الأسد.
أجرأ من الماشي بترج: وهي مأسدة.
سائر ما جاء من الأمثال في أسماء الرجالمواعيد عرقوب. يضرب في الخلف والمطل.
يلقى ما لالقى يسار الكواعب: يضرب لمن يطمع فيما يورطه.
لا أفعل كذا حتى يؤوب القارظان.
لا أفعل كذا حتى يؤوب المنخل: يضرب لما يكون صفقة لم يشهدها حاطب لأمر، لو شهده من غاب عنه لأنكره.
أسعد أم سعيد؟.
أنج سعد فقد هلك سعيد.
أينما أوجه ألق سعداً.
إن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
نفس عصام سودت عصاماً.
كبر عمرو عن الطوق.
أوردها سعد وسعد مشتمل.
سد ابن بيض الطريق.
جزاء سنمار.
أودى كما أودى درم.
جار كجار أبي دؤاد.
إنما سميت هانئاً لتهنأ: ويقال لتهنأ.
لا حر بوادي عوف.
هما كند ماني جذيمة.
عند جهينة الخبر اليقين.
ما وراءك يا عصام.
أنا منه فالج بن خلاوة.
لا يطاع لقصير أمر.
لأمر ما جدع قصير أنفه.
خذ من جذع ما أعطاك.
لا آتيك حتى يؤوب هبيرة بن سعد.
تجشأ لقمان من غير شبع.
إذا أتلف الناس، أخلف إلياس.
إنما خدش الخدوش أبونا أنوش. يعني بذلك أول من كتب.
من يطع عريباً يمس غريباً. عريب بن عمليق.
من يطع نمرة يفقد ثمرة.
من يطع عكباً يمس منكباً.
إن لام المعدى ونفر إذ لام ارتفع.
بمثل جارية فلتزن الزانية سراً أو علانية هو جارية بن سليمان ابن الحارث بن يربوع بن حنظلة وكان جميلاً له حديث.
إن الشقي وافد البراجم.
شاكه أبا يسار.
شدت لأسر عمرو بن عدي.
يحمل شن ويفدي لكيز.
الأمثال في النساءأبصر من الزرقاء: يريد زرقاء اليمامة وهي معروفة.
أبذى من المطلقة.
أحيى من هدى.
أحيى من فتاة.
أحلى من ميراث العمة الرقوب.
أخرق من ناكثة غزلها: وهي امرأة من قريش.
أخزى من ذات النحيين.
أحمق من دغة.
أخيل من مذالة: يعنون الأمة لأنها تهان وهي تتبختر.
أخيل من واشمة استها.
أزنى من سجاح.
أزنى من هر. وهي امرأة يهودية، وهي إحدى من قطع المهاجر يدها حين شمتت بموت النبي صلى الله عليه وسلم.
أزهى من واشمة استها.
أسرع من نكاح أم خارجة.
أشأم من البسوس.
أسرع من المهثهثة.
أشأم من منشم قيل هي النمامة.

أشأم من رغيف الحولاء.
أشأم من ورقاء.
أشغل من ذات النحيين.
أشبق من حبى المدينية.
أضل من موءودة.
أطول من طنب الحمقاء أعز من الزباء.
أعز من حليمة.
أعز من أم قرفة.
أغنج من مفنقة.
أغلم من سجاح.
أفرغ من فؤاد أم موسى.
أكذب من السالئة.
أنقى من مرآة الغريبة.
أنجب من مارية: ولدت لزرارة: حاجباً، ولقيطاً وعلقماً.
أنجب من بنت الخرشب: ولدت لزياد العبسي الكملة وعلقمة، ربيعاً الكامل، وعمارة الوهاب، وقيس الحفاظ، وأنس الفوارس.
أنجب من أم البنين: ولدت لمالك بن جعفر بن كلاب، ملاعب الأسنة: عامراً، وفارس قرزل: طفيل، وربيع المقترين: ربيعة، ونزال المضيف: سلمى، ومعوذ الحكماء: معاوية.
أنجب من خبيئة: ولدت لجعفر بن كلاب: خالداً الأصبغ ومالك الطيان وربيعة الأحوص.
أنجب من عاتكة: ولدت لعبد مناف هاشماً وعبد شمس والمطلب.
أوفى من خماعة.
أوفى فكيهة.
أوفى من أم جميل.
أقود من ظلمة: وقد قيل: أقود من الظلمة.
لن ترضى شانئة إلا بجرزة: يراد به الاستئصال.
إن العوان لا تعلم الخمرة.
قطعت جهيزة قول كل خطيب: يضرب لمن يقطع على الناس كلامهم بجمعه.
إن النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه.
كل ذات صدار خالة لي.
كل شيء مهة ومهاة ما خلا النساء وذكرهن.
أطري فإنك ناعلة.
أمر مبكانيك لا أمر مضحكاتك.
مالي ذنب إلا ذنب صحر.
إن سرارها قوم لي عنادها.
وقعت في مرتعة فعيثي.
ذري بما عندك ياليغاء.
تحسبها حمقاء وهي باخس.
توقري يا زلزة.
تعلم من أطفح: يراد تعلم لمن الذنب.
قوري وألطفي.
كالممهورة من مال أبيها: يضرب لمن يتحمد بما لم يكن فيه.
أنت كالممهورة إحدى خدمتيها.
لو ذات سوار لطمتني.
خرقاء وجدت صوفاً.
قيل لحبلى: ما تشتهين؟ فقالت التمر وواهاً ليه.
لن تعدم الحسناء ذاماً.
إسق رقاش إنها سقاية.
القول ما قالت حذام.
المرأة من المرء وكل أدماء آدم.
إن النساء شقائق الأقوام: أي لهن مثل ما عليهن.
عثرت على الغزل بأخرة فلم تدع بنجد قردة.
اطرقي وميشي: يضرب لمن يخلط في كلامه.
لا تحمد أمة عام اشترائها ولا حرة عام ابتنائها.
كل ذات ذيل تختال.
خرقاء وجدت ثلة.
لا تعدم صناع ثلة.
خرقاء ذات نيقة.
خرقاء عيابة.
لا تعظيني ولا تعظعظي.
محسنة فهيلي.
الثيب عجالة الراكب: يضرب في الحث على الرضا باليسير إذا أعوز الكثير.
كالفاخرة بحدج ربتها.
وحمى ولا حبلى.
يا عبرى مقبلة، ويا سهرى مدبرة.
جلت الهاجن عن الولد: الهاجن الصغيرة.
قد كنت مصفرة قبل عاشرينا.
وأخبرينا أخبرها دماءها.
حانية مختضبة.
إلا حظية فلا ألية.
كفا مطلقة تفت اليرمع.
جعلت ما بها بي، وانطلقت تلمز.
من حظك نفاق أيمك.
إن الحماة أولعت بالكنه وأولعت كنتها بالظنة.
الأمثال في القبائل والآباء والأمهات والشيوخوالصبيان والأخوة والأخوات والأحرار والعبيد والإماء أتيه من فقيد ثقيف: وهو الذي هوى امرأة أخيه فتاه حياً.
أتيه من أحمق ثقيف: هو يوسف بن عمر، وهو من التيه والكبر.
أذل من قيسي بحمص.
أضل من قارظ عنزة.
أفسى من عبدي.
أبطش من دوسر. كتيبة النعمان.
أحنى من الوالد.
أحنى من الوالدة.
أخرق من صبي.
أشجع من صبي.
أضبط من صبي.
أظلم من صبي.
أكذب من صبي.
أبخل من صبي.
أبكى من يتيم.
أسرع من دمعة الخصي.
القبائللا يدرى أسعد الله أكثر أم جذام.
فرق ما بين معد تحاب.
قدما كل المعدى أكل سوء.
وافق شن طبقه.
لولا وئام هلكت جذام.
بعد الدار كبعد النسب.
ارعى فزارة لا هناك المرتع.
يا شن أثخني قاسطاً.
لا تعدم من ابن عمك نصراً.
يابعضي دع بعضاً: يضرب في عطف ذي الرحم.
رب ابن عم ليس بابن عم لك.
ربضك منك وإن كان سماراً.
تباعدت العمة عن الخالة.
إلى أمه يلهف اللهفان.
لست على أمك بالدهنا تدل.
هل لك في أمك مهزولة؟ قال: إن معها إلا إخلابة، يضرب للرجل يحض على حق يلزمه فيرضى فيه بأمر مقارب.
أم فرشت فأنامت.
تنهانا أمنا عن الغي وتعدوا له فيه.
لم ولمه عصيت أمي الكلمة؟ يضرب عند الندم على معصية الشقيق.
هوت أمه وهبلته لمه: يقال في مدح الأب.
من أشبه أباه فما ظلم.
كل فتاة بأبيها معجبة.

لا أبوك نشر ولا التراب نفد.
من يكن أبوه حذاء تجدد نعلاه.
الأخرب أخ لم تلده أمك.
هذا التصافي لا تصافي المحلب.
إذا عز أخوك فهن.
اسق أخاك النمرى.
الناس إخوان وشتى في الشيم.
انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.
مكره أخوك لا بطل.
من لك بأخيك كله.
أخوك من صدقك.
إن أخاك ليسر بأن يعتقل: يقال في الذم.
من كل شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه.
إن على أختك تطردين: أي قد أعد لك قرنك.
لاتلم أخاك، واحمد رباً عافاك.
إذا ترضيت أخاك فلا إخاء لك به.
أنا عذله وأخي خذله، وكلانا ليس بابن أمه.
لا يدعى للجلى إلا أخوها.
النفس تعلم من أخوها.
الشيوخبئس مقام الشيخ أمرس أمرس.
كل امرئ سيعود مريئاً.
من العناء رياضة الهرم.
تركته تقاس بالخداع: يضرب للشيخ، أي هو شاب في جلده.
أهون هالك عجوز في عام سنة.
أهون مظلوم عجوز معقوقة.
الشاب والصبيكان ذلك من شب إلى دب.
كل امرئ في بيته صبي.
اتق الصبيان لا تصبك بأعقائها.
أدرك القويمة لا تأكلها الهويمة.
العبيدعبد صريخه أمة.
استعنت عبدي فاستعان عبدي عبده.
مساواك عبد غيرك.
ليس عبد بأخ لك.
عبد وخلى في يده.
أعطي العبد كراعاً. ومثله: عبد ملك عبداً فطلب دراعاً.
الحر يعطى والعبد يألم قلبه.
يا عبد من لا عبد له.
حبيب إلى عبد سوء محكده.
احمل العبد على فرس إن هلك، هلك، وإن عاش فلك.
لا أفعل ذلك ما أبس عبد بناقته.
عبد أرسل في سومه.
هو العبد زلمة.
الإماءلا تفش سرك إلى أمه.
لا تفاكه أمة، ولا تبل على أكمة.
كالأمة تفخر بحدج ربتها.
تركته تغنيه بحدج ربتها.
تركته تغنيه الجرادتان: أي لاهياً في إمائها.
تلقى أمه عملها.
من أضرب بعد الأمة المعارة؟ هاجت زبراء: وهي جارية أحنف.
الغلمانلا تغز إلا بغلام قد غزا.
كيف بغلام قد أعياني أبوه.
تبشرني بغلام قد أعياني أبوه.
الأحرارلا حر بوادي عوف.
تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.
أنجز حر ما وعد.
الولدولدك من دمي عقبيك.
ابنك ابن بوحك.
من سره بنوه، ساءته نفسه.
إن الموصين بنو سهوان.
زين في عين والد ولده.
هم في أمر لا ينادي وليده.
أبهذا الذين يشبهون.
يعود لما أبني فيهدمه حسل: يعني ولده.
مثل ابنة الجبل مهما يقل تقل.
أنا ابن بجدتها.
تحلب بني وأشد على يديه، يقال لمن يفتي غيره على فعل ينسبه إليه وهو فاعل.
دع بنيات الطريق: أي خدم معظم الطريق، أي الأمر.
احفظي بيتك ممن لا تنشدين.
بنت برح.
بنت طبق.
شرك على رأسك: يقال ذلك في الشيء إذا استعظموه من داهية وغيرها.
الأمثال في النفس والجسد
والأعضاء والجوارح والشعر وما يشبه ذلك:أسرع من العير.
أسرع من طرف العين.
أسرع من لمح البصر.
أوهى من طرف المؤق.
أجرد من صلعة.
أهدى من اليد إلى الفم.
أعرى من إصبع.
أقصر من اليد إلى الفم.
أهدى من الإنسان إلى فيه.
أسرع من اليد إلى الفم.
أدق من الشعر.
أهون من الشعر الساقط.
ألزم من شعرات القص.
ألزم من اليمين للشمال.
أفرغ من يد تفت اليرمع.
أقصر من أنملة.
أذل من يد في رحم.
أضعف من يد في رحم.
أعيى من يد في رحم: يراد الجنيف.
أحمق من الممتخط بكوعه.
أدنى من حبل الوريد.
أشك من ناب جائع.
أعظم كمراً من الحواثر.
آكل من الضرس.
النفس والجسدألقى عليه شراً شره: أي ألقى نفسه عليه من حبه.
ألقى عليه بعاعه. مثله: ألقى عليه أوراقه.
مثل ذلك: هجم عليه نقابا: أي بنفسه.
ضرب على ذلك الأمر حاشه: أي نفسه.
ألقى عليه أجرامه وأجرانه: أي هواه.
ضرب عليه جروته: أي وطن عليه نفسه.
صدقته الكذوب: يعني نفسه.
ما أنت بأنجاهم مرقة: يعني نفساً.
النفس أعلم من أخوك النافع.
أكذب النفس إذا حدثتها.
النفس مولعة بحب العاجل.
ما زلت أفتل في الذروة والغارب.
نفسي تعلم أني خاسر.
حتى أسمحت قرونته وقرينيه أيضاً.
النفس عروف: أي إذا نزل أمر اعترفت نفسك بما نجحجح أعلم.
الرأس والعنقهو في ملء رأسه: أي هو فيما يشغله.
جاحش عن خيط رقبته: يضرب للذي يدافع عن دمه.
أعطاه بقوف رقبته: أي بجملته.
أخذه بقوف رقبته.
وأخذه سوط رقبته.

وأخذه بظوف رقبته.
بولغ به المخنق.
في رأسه خطة.
في رأسه نعرة.
رماه بأقحاف رأسه أي بالدواهي.
هو قفا غادر شر.
من نجا برأسه فقد ربح.
وقع في سي رأسه: يريد به الخصب والخير. وسيء برأسه وسوا رأسه وسوأ رأسه.
تقطع أعناق الرجال المطامع.
رأس برأس وزيادة مائة.
رمى منه في الرأس: يضرب في البغض حتى لا ينظر إليه.
اختلفت رؤوسها فرتعت: يقال في اختلاف الأراء.
إني لا كل الرأس وأعلم ما فيه.
الوجهوجه المحرش أقبح.
أقبح في وجه المآل تعرف إمرته.
ما يعرف قطاته من لطاته.
قبل البكاء كان وجهك عابساً.
وابآ بي وجوه اليتامى: يضرب في التحنن على الأقارب.
اللحية والشعرفلم خلقت إذا لم أخدع الرجال: يعني لحيته.
أصهب السبال: من أسماء العدو.
اقشعرت منه الذوائب: يضرب في الجبان.
العيننظرت إليه عرض عين.
نظرة من ذي علق.
عينه فرارة.
أعور، عينك والحجر.
جعلته نصب عيني.
لا آتيك ما حملت عيني الماء.
ما بها عين وما بالدار عين.
وما سقت عيني الماء.
عند فلان من المال عائرة عين: يراد به الكثرة.
إذا جاء الحين، حارت العين.
أزرق العين: من أسماء العدو.
هو على حندر عينه: يضرب في البغض.
لأرينك لمحاً باصراً: يضرب في التوعد.
غره بين عيني ذي رحم.
ليس لعين ما رأت، ولكن لكف ما أخذت.
هو في مثل صدقة البعير.
وفي مثل حولاء الناقة: أي في الخصب.
عين عرفت فذرفت.
لحظ أصدق من لفظ.
هو شديد جفن العين: يقال ذلك للصبور على السهر.
احذر إذا احمرت حماليقه.
ليست لما قرت به العين ثمن.
أطلب أثراً بعد عين.
بعين ما أرينك: أي اعجل وكن كأني أنظر إليك.
الأذنلا يسمع أذناً خمشاً: أي لا يقبل نصحاً.
ليست على ذلك أذني: أي سكت عنه.
أساء سمعاً، فأساء إجابة.
بأذن السماع سميت: معناه أن فعلك يصدق.
من يسمع يخل.
جاء بأذني عناق الأرض: أي بالباطل والكذب ويقال في الداهية أيضاً.
جعلت ذلك دبر أذني.
جاء ناشراً أذنيه: أي طامعاً.
الأنفكل شيء أخطأ الأنف جلل.
أرغت حيث لا يضع الراقي أنفه.
جرحه حيث لا يضع الراقي أنفه: أي لا دواء له.
أنفك منك وإن كان أجدع.
شفيت نفسي وجدعت أنفي.
مات فلان حتف أنفه.
أنف في السماء وإست في الماء.
جدع الحلال أنف الغيرة قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كاس أنفه فيما يكره.
أفعله رغم أنفه.
لا أحب رئمان أنف وأمنع الضرع.
رب حام لأنفه وهو جادعه.
شامخ بأنفه: يعني الصلف.
لمكر ما جدع قصير أنفه.
أنفك منك وإن دن.
الأسنانإنه ليحرق عليه الأرم.
قد تحدته من بنات النواجز.
قد عض على نواجزه.
متى عهدك بأسفل فيك: أي متى أبعدت فضرب مثلاً للأمر القديم.
ما في فيه حاكه ولا تاكه.
جاء تضبب لثته: يراد به الحرص.
جاء وهو يقرع سن نادم.
أعييتني بأشر فكيف بدردر؟ أهد لجارك أشد لمضغك: يقول إذا أهديت أهدوا إليك.
الصبي أعلم بمضغ فيه.
ضرسوا فلاناً: إذا أدموه، اللسان والنطق.
كدمت غير مكدم.
أهون مرزئة لسان ممخ.
عليه من الله لسان صالحة: يقال ذلك في الثناء.
من عض على شبدعه سلم من الآثام: يريد اللسان.
سكت ألفاً ونطق خلفاً.
سرت إلينا شبادعهم: أي ذمهم وعيبهم.
مقتل الرجل بين فكيه.
الذقنذليل استعان بذقنه.
أفلتني جريعة الذقن.
لألحقن حواقنك بذواقنك.
الفمكل جان يده إلى فيه.
جرى منه مجرى اللدود.
لو وجدت إلى ذلك فاكرش لفعلته: أي لو وجدت سبيلاً.
فاهاً لفيك.
أفواهها مجاسها.
ويقال أيضاً: أخاكها مجاسها.
أراك بشر ما أحار مشفر.
حياك من خلا فوه.
ذكرني فوك حماري أهلي.
حدثني فاه إلى في.
فلان خفيف الشفة: أي قليل المسألة.
اليدأطعمتك يد شبعت ثم جاعت ثم شبعت، ولا أطعمتك يد جاعت ثم شبعت.
إذا أرجحن شاصيا فارفع يداً. وإذا ارجعن أيضاً.
حلبت بالساعد الأشد: لليدين والفم.
صفرت يداه لي عند فلان.
يد ما تحجر في عكم: أي لا تخفى ولا تستر.
بالساعد تبطش الكف.
ذهبوا أيدي سبأ.
على يدي دار الحديث.
هو على حبل ذراعك.
أراد أن يأكل بيدين.
لا تبطر صاحبك ذرعه: أي لا تحمله مالا يطيق.
ما تبل إحدى يديه الأخرى. يقال للبخيل.

اقصر بذرعك.
ارق على ظلعك.
يداك أوكتا وفوك نفخ.
تركته على أنقى من الراحة.
لقيته أول ذات يدين.
كان فلان كراعاً فصار ذراعاً.
كفا مطلقة تفت اليرمع.
اليد العليا خير من اليد السفلى.
إن الذليل ليس له عضد.
فلان على يدي عدل.
هذه يدي لك: يريد الانقياد.
فلان يقلب كفيه على كذا: يقال عند الندم.
سقط في يده: إذا ندم.
رددت يده في فيه: إذا غطته.
فلان نازع يداي عاصياً.
أعطاه عن ظهر يد.
الأيدي الواحد بعشرة.
مالي بهذا الأمر يدان.
فلان عندي باليمين وفلان عندي بالشمال.
تربت يداك.
هم عليه يد: أي مجتمعون.
أشدد يديك بغرزه: أي ألزمه.
عي أبأس من شلل.
الصدرشد للأمر حزيمه.
جاء يضرب أصدريه: إذا جاء فارغاً.
تأبى ذلك بنات لببي.
صدرك أوسع لسرك.
الجنبعركت ذلك بجنبي.
ما أبالي على أي قطريه وقع. وقتريه أيضاً.
بجنبه فلتكن الوجبة.
ما أبالي على أي قطريه وقع. وقتريه أيضاً.
بخيبة فلتكن الوجبة.
من كلا جنبيك لا لبيك.
البطن والظهرانقطع السلى في البطن: أي فات الأمر.
ما في بطنها نعرة: أي ليس بها حبل.
بطني فعطري، وسائري فذري.
نزت به البطنة.
كيف توقي ظهر ما أنت راكبه؟ قلب الأمر ظهراً لبطن.
إن كنت تشد بي أزرك فارخه.
مات ببطنته لم يتغضغض منها شيء: يقال للبخيل.
مات وهو عريض البطان.
ما أعرفني كيف يجز الظهر.
لا تجعل حاجتي منك بظهر.
ببطنه يعدو مثل ذلك الذكر.
حولها من ظهرك إلى بطنك: أي أحلها إلى قرين.
ما حك ظهري مثل يدي.
عرف بطني تربة: قيل في ذروته وغاربه.
القلب والكبديستمع المرء بأصغريه.
اجعله في سويداء قلبك.
ما أبردها على الكبد.
هو بين الخلب والكبد.
هو أسود الكبد.
الرجل والساقرماه فأشواه: من الشواء وهي القوائم.
إرق على ظلعك.
قدح في ساقه.
قرع له ساق.
قرع له ظنبوبه إذا حدا.
إن يدم أظلك فقد نقب خفى.
بق نعليك وابذل قدميك.
هلكوا على رجل فلان: أي في زمن فلان.
لا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقاً.
شر ما أجاءك إلى مخة عرقوب.
أتتك بحائن رجلاه.
لفلان قدم في الخير.
جاء فلان يجر رجليه.
لأطأنهم بأخمص رجلي.
قد شمرت ساقيها فشمري.
جاء بوركي خبر أرجلكم.
العروقأخبرته بعجري وبجري.
فتح صدرك بعلم عجرك وبجرك.
أيعيرني ببجري وينسى بجره.
إن العروق عليها ينبت الشجر.
السهالعين ذكاء السه.
إياك وكل قرن أهلب.
كالمصطاد أنت باسته.
طار باست، فزعة.
في استها مالا يرى. يضرب لمن يحيره أكثر من مرآه.
اتقى بسلحه سمره.
جاء ينفض مذرويه.
أفلت وانحص الذنب.
أفلت وله حصاص.
قبل الضراط استحصاف الأليتين.
استه البائن أعلم.
است لم تعود المجمر.
إنك لتمد بسرم كريم.
أريها استها وتريني القمر.
أضحك من ضرطه، ويضرط من ضحكي.
استه أضيق من ذلك.
أضرطاً وأنت الأعلى.
استي اخبثي.
إست في الأرض، وأنف في السماء.
الذكرنعم عوفك.
إن الكمر أشباه الكمر.
من يطل أير أبيه ينتطق به.
لو خفت خصاهم ولكنها كالمزاد.
هذا حر معروف.
لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت.
النكاحانكحيني وانظري.
كمعلمة أمها البضاع.
لقوة صادفت قبيصاً.
بالرفاء والبنين.
هنئت فلا تنكه.
قرب الوساد وطول السواد.
من ينكح الحسناء يعط مهراً.
الأمثال في الإبل والخيل والبغال والحميرأحقد من جمل.
أحسن من شنف الأنضر.
أخف حلماً من بعير.
أخيب من ناتج سقب من حائل.
أخلف من ثيل البعير.
أخلف من بول البعير.
أذل من السقبان بين الحلائب.
أذل من الحوار.
أخبط من عشواء.
أذل من بعير سانية.
أروى من بكر هبنقة.
أصول من جمل.
أصبر من عود بدفيه جلب.
أصبر من ذي ضاغط معرك.
أشرب من الهيم.
أغير من الفحل.
أغير من الجمل.
ألأم من سقب ريان.
أملخ من لحم الحوار.
أهون من ضرطة الجمل.
أثقل من حمل الدهيم.
أتخم من فصيل.
أحمق من الربع.
أنفر من أزب.
أهدى من جمل.
أشأم من قاشر: وهو فحل.
أعز من الأبلق العقوق.
أشهر من فارس الأبلق.
أشهر من راكب الأبلق.
أسمع من فرس.
أشأم من خميرة.
أطوع من فرس.
أعدى من فرس.

أقصر من ظاهرة الفرس.
أجرأ من فارس خصاف.
أجرأ من خاصي خصاف.
أتعب من رائض مهر.
أحسن من الدهم الموقفة.
أبصر من فرس.
أخلف من ولد الحمار.
أذل من عير أبي سيارة.
أذل من حمار مقيد.
أجهل من حمار.
أقصر من غب الحمار.
أعقم من بغلة.
أعقر من بغلة.
أهون من ذنب الحمار على البيطار.
أتبع من تولب.
أشأم من داحس.
أشأم من الزرقاء: قالوا هي الناقة، وربما نفرت وذهبت في الأرض.
أكذب من الأخيذ الصيحان: قالوا هذا الفصيل الذي أتخم من اللبن وقيل غير ذلك.
أشأم من سراب: وهي ناقة البسوس.
أسرع من فريق الخيل: يريد السابق الذي يفارقها.
أنشط من عير الفلاة.
أضرط من حمار.
أحمق من أم الهنبر: قالوا: هي الهنبر ولد الحمار وأمه الأتان.
الإبلصدقني سن بكره.
كانت عليهم كراغية البكر.
أكرم نجر الناجيات نجره.
كل نجار إبل نجارها.
نجارها نارها.
لا تنسبوها وانظروا ما نارها: قالوا ذلك للبعير.
أصوص عليها صوص: الأصوص الناقة الحائل السمينة والصوص الرجل اللئيم.
أخذت الإبل أسلحتها.
أعجب حياً نعمه.
يهيج لي السقام، شولان البروق في كل عام.
أصبر من عود.
إني والله لا أحسن تكذابك وتأثامك، تشول بلسانك شولان البروق.
كالمهدر في العنة.
لا يعدم الحوار من أمه حنة.
لا تعدم ناقة من أمها حنة.
تكذابك وتأثامك، تشول بلسانك شولان البرق.
كفضل ابن المغاض على الفضيل: يراد به التقارب.
استنت الفصلان حتى القريعي.
امهلني فواق ناقة.
لا آتيك ما حنت النيب إلى النيب.
لا آتيك ما أطت الإبل.
ما أفعل ذلك حتى يلج الجمل في سم الخياط.
الغاشية تهيج الآبية.
إن الغاشية تعشى النابية.
حرك لها حوارها تحن.
الفحل يحمي شوله معقولاً.
أدع لها حوارها تحن.
زاحم بعود أو دع.
الذود إلى الذود إبل.
اذهبي فلا أنده سربك.
شنشنة أعرفها من أخزم.
إن جرجر العود فزده ثقلاً، وإن أعيا فزده نوطا.
إنما يجزى الفتى ليس الجمل.
لا يضير الحوار وطء أمه.
هل تنتج الناقة إلا لمن لقحت.
أخلبت ناقتك أم أحلبت.
رئمت لفلان بو ضيم.
غلبت جلتها حواشيها.
عود يقلح.
ومثله: ومن العناء رياضة الهرم.
عود يعلم العنج.
استنوق الجمل.
جاءوا على بكرة أبيهم.
اللقوح الربعية مال وطعام.
القزم من الأفيل.
إذا زحف البعير أعيته أذناه.
اضربه ضرب غرائب الإبل.
لا ناقتي في هذا ولا جملي.
هان على الأملس ما لاقى الدبر.
هما كركبتي البعير.
ما تقرن بفلان الصعبة.
شتى تؤوب الحلبة.
أدرك أرباب النعم: أي من كان له عناية بالأمر.
لكل أناس في بعيرهم خبر.
عرض علي الأمر سوم عالة.
ما استتر من قاد الجمل.
كفى برغائها منادياً.
عرف حميقاً جمله.
اختلط المرعى بالهمل.
إن تسلم الجلة فالنيب هدر.
قودوه لي باركاً.
ضرب البعير في جهازه: إذا مات وضرب في رقبته.
اتخذ الليل جملاً تدرك.
إن الضجور قد تحلب العلبة.
كل أزب نفور.
ما أرخص الجمل لوما الهر.
كالنازي بين القرينين.
وقع القوم في سلي جمل: يراد به الشدة.
هذا أمر لا تبرك عليه الإبل. أي شديد.
وما هو في العير ولا في النفير.
يخبط خبط عشواء.
كلكم فليحتلب صعوداً.
يا إبلي عودي إلى مبارك.
أرخت مشافرها للعس والحلب.
عشمشم يغشي الشجر: وهما الأيهمان.
جل الولد عن الهاجن.
بئس العوض من جمل قيده.
عجباً تحدث أيها العود.
لا يجمل الكذب بالشيخ.
إحدى نواده البكر.
أعديتني فمن أعداك؟: يخاطب ناقته وقد تثاءبت لتثاؤب لص فتثاءب لتثاؤبها.
ناب وقد تقطع الدوية.
كلا زعمت العير لا تقاتل.
الإبساس قبل الإيناس.
لا أفعل ذلك ما أرزمت أم حائل.
آخر البز على القلوص: يعني الدهيم التي حملت رؤوس زناد الذهلى.
ماله سارحة ولا رائحة.
لا أفعل ذلك ما حنت الدهماء.
لا أفعل ذلك ما حنت النيب.
لا أفعل ذلك. ما أطت الإبل.
لقد كنت وما يقاد بي البعير.
لا تراهن على الصعبة، ولا تنشد القريض.
الحرام يركب من لا حلال له.
قد لا يقاد بي الجمل.
ضرح الشموس ناجزاً بناجز.
أوسعتهم سباً وأودوا بالإبل.
العنوق بعد النوق.
يوم بيوم الحفض المجور.
كالحادي وليس له بعير.
في مثل حدقة البعير.

هم في مثل حولاء الناقة: مثل ذلك يريدون العشب والخصب.
الخيلهذا أوان الشد، فاشتدي زيم: زيم اسم فرس.
كان جذعاً باسقاً من صوره، ما بين لحييه إلى سنوره.
إنه لحثيث التوالي وسريع التوالي: يقال للفرس، وتواليه: مآخيره.
لا يعدم شقي مهراً.
طلب الأبلق العقوق.
كان جوادي فخصي.
كل مجر بالخلاء يسر.
جرى مذك حسرت عنه الحمر.
جرى المذكيات غلاب.
مذكية تقاس بالجذاع.
الخيل تجري على مساويها.
قد تبلغ القطوف الوساع.
جاء فلان وقد لفظ لجامه.
تجري يليق وتذم: ويليق اسم فرس.
إن الجواد عينه فراره.
هما كفرسي رهان.
الخيل أعلم بفرسانها.
أحشك وتروثني.
عرفتني نسأها الله.
تقفز الجعثن بي، يا مر زدها قعبا: يعني فرسه.
شتى تؤوب الحلبة: قالوا هو في الخيل إذا عازف من الحلبة.
غضب الخيل على اللجم.
لألحقن قطوفها بالمعناق.
ترك الخداع من أجرى من مائة.
كالأشقر إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر.
اتبع الفرس ولجامها.
ما يشق غباره: أصله للخيل.
أحق الخيل بالركض المعار.
الأمثال في الحمارأكرمت فارتبط.
إذا أدنيت الحمار من الردهة فلا تقل له سأ.
إذا قربت الحمار من الوهدة فلا تقل هد وهت.
ودق العير إلى الماء: يضرب في المستسلم.
أدني حماريك فأزجري.
أنكحنا الفرا، فسوف ترى.
دون ذا أو ينفق الحمار.
قد يضرط العير والمكواة في النار.
إنك لآذى من العير إلى السهم.
اتخذوه حمار الحاجات.
هما حماري العبادي.
ما بقي منه إلا قدر ظمء الحمار.
فلأضربنه ضرب أداني الحمر.
ذكرني فوك حماري أهلي.
ضرها جد العير الصليانة: يضرب للحالف.
كان حماراً فاستأتن.
أودى العير إلا ضرطاً.
ما بالعير من قماص.
العير أوقى لدمه.
جاء كخاصي العير.
وقعا كعكمي عير.
إن ذهب عير فعير في الرباط: لمن جاء مستجيباً.
عير بعير وزيادة عشرة.
عير عاره وتده.
كل صيد في جوف الفرا.
نجى حماراً سمنه.
لا يأبى الكرامة إلا حمار.
سواسية كأسنان الحمار.
قبل عير وما جرى.
تركته جوف حمار: قيل لأنه لا ينتفع بشيء في بطنه ولا يؤكل وقيل غير ذلك.
هو عير وحده وجحيش وحده.
عير ركضته أمه، وركلته أيضاً.
قد حيل بين العير والنزوان.
معيوراء تكادم.
البغل نغل وهو لذلك أهل.
الجحش لما فاتك الأعيار.
الأمثال في البقر والغنم والظباءأعجل من نعجة إلى حوض.
أهون من ضرطة عنز.
أقفط من تيوس البياع.
أصرد من عير جرباء.
أغر من ظبي مقمر.
أصح من ظبي.
أشقى من راعي ضأن ثمانين.
أشغل من مرضع بهم ثمانين.
أقفط من تيس بني حمان.
آمن من ظبي مقمر.
أنوم من غزال.
أوقل من وعل.
أحمق من نعجة على حوض.
أسخى من لافظة.
أذل من اليعر.
أذل من النقد.
أبله من ثور.
أزهى من ثور.
الغنم والضأنلا تحبق في هذا الأمر عناق حوليه.
لا ينفط فيه عناق.
عند النطاح يقلب الكبش الأجم.
لا تنطح بها ذات قرن جماء.
لا ينتطح فيه عنزان.
لا أفعل ذلك حتى تجتمع معزى الفزر.
رمدت الضأن فربق ربق.
أضرعت المعزى فرمق رمق، ورنق أيضاً.
ماله عافطة ولا نافطة.
ماله ثاغية ولا راغية.
عنز في حبل فاستتيست.
المعزى تبهى ولا تبنى.
كل شاة تناط برجلها.
ما له هلع ولا هلعة. قالوا: هو الجري والقناص.
خير حالبيك تنطحين.
حتفها تحمل ضأن بأظلافها.
لا يعرف هراً من بر: الهر: دعاء الغنم، والبر: سوقها.
فرارة تسفهت قرارة. أي الضأن.
نزو الفرار استجهل القرارا.
أعنز بها كل داء.
هيل هيل، دري دبس. اسم شاة.
لا تنطح جماء ذات قرن.
كالخروف أينما مال اتقى الأرض بصوف.
ما لفلان أمر ولا آمرة: الأمر: الخروف. الآمرة: الرحل.
أجرى الله غنماً خيرها.
الخروف يتقلب على الصوف.
كالكبش يحمل شفرة وزناداً.
كل شاة معلقة برجلها.
باءت غرار بكحل.
الكلاب على البقر.
نزو الفرار استجهل القرارا.
ولد البقر من الوحش.
إنما أكلت يوم الثور الأبيض.
كالثور يضرب لما عافت البقر.
تركت فلاناً بملاحس البقر. أي الموضع لا أنيس به.
جاء يجر بقره.
من عيال البقر أولادها.
في الظباء تركة.
ترك ظبي ظله.
كيف الطلا وأمه.
لا أفعل ذلك ما لألأت به ظبي العرف بأذنابها.
به داء ظبي.

من لي بالسانح بعد البارح.
ما يجمع بين الأروى والنعام.
هو كادح الأروى بمثل مطرد الأوابد.
تركتهم في كصيصة الظبي.
بحازج الأروى، قليلاً ما ترى.
أول الصيد فرع.
تيس الحلب.
ضب السحاة.
قنفذ برقة.
أرنب الخلة.
شيطان الحماطة.
ذنب الحمير.
الأمثال في الأسد والسباع والوحوشأبخر من أسد.
أجرأ من خاصي أسد.
أجرأمن ذي لبد.
أجرأ من أسامة.
أجرأ من قسورة.
أجرأ من ليث بخفان.
أجوع من ذئب.
أحمى من أنف الأسد.
أخف رأساً من الذئب.
أخبث من ذئب الخمير.
أخبث من ذئب الغضى.
أختل من ذئب.
أخون من ذئب.
أخب من ذئب.
أشجع من أسامة.
أشجع من ليث عريسة.
أشجع من ليث عفرين.
أشره من أسد.
أصح من ذئب.
أشد من أسد.
أظلم من ذئب.
أعز من أست النمر.
أعز من أنف الأسد.
أعدى من الذئب.
أعتى من الذئب.
أعق من ذئبه.
أمنع من لهاة الليث.
أنشط من ذئب.
أيقظ من ذئب.
آلف من كلب.
أبصر من كلب.
أبخل من كلب.
أبخر من فهد.
أجوع من كلبة حومل.
أشجع من كلب.
أبول من كلب.
أحمق من أم الهنبر.
أحمق من جهيزة.
أحذر من ذئب.
أحول من ذئب.
أحرص من ذئب.
أخرس من كلب.
أحرس من كلبة كريز.
أخب من ثعالة.
أختل من ثعالة.
أخيل من ثعالة.
أخيل من ثعلب في استه عهنة.
أروغ من ثعالة.
أزنى من قرد.
أزنى من هجرس.
أزنى من ضيون.
أزنى من قط.
أزنى من هر.
أجبن من هجرس.
أزهى من ثعلب.
أسرع من كلب إلى ولوغه.
أعطش من ثعلب.
أسرع من لحسة الكلب أنفه.
أسمع من سمع.
أذل من صيد ليث عفرين.
أعبث من قرد.
أكسب من فهد.
أكسب من ذئب.
ألح من كلب.
ألأم من كلب على عرق.
ألوط من دب.
أوقح من ذئب.
أولغ من كلب.
أنبش من جيأل.
أنعس من كلب.
أنوم من فهد.
أجرأ من خاصي الأسد.
أسرع غدرة من الذئب.
أبقى عدواً من الذئب.
أسلط من سلقة: وهي الذئبة.
أنكد من كلب أجص.
أجوع من ذئب.
أعق من ذئبة.
أعيث من جعار.
أحمق من ضبع.
أغزل من الفرعل.
أفحش من كلب.
أجوع من زرعة وبني كلبة.
لا قرار على زأر من الأسد.
أخذه أخذ سبعة. قالوا أراد سبعة وقيل: أراد العدو وقيل هو اسم الرجل.
الذئبأبشر بغزو كولغ الذئب.
من استرعى الذئب ظلم.
الذئب يأدوا للغزال ليأكله. ويقال: يدأي أي متدارك.
الذئب يكنى أبا جعدة.
سقط العشاء به على سرحان.
الذئب خالياً أشد.
الذئب مغبوط جائعاً.
لقد كنت ما أخشى بالذئب فاليوم قيل: الذئب. ويضربون المثل ب: الذئب الخمر.
وذئب الغضا.
وسرحان القصيم.
خش ذؤاله بالحبالة. الذؤالة: الذئب.
نزلنا ببلدة يتنادى أصرماها: وهما الذئب والغراب.
ذئب الغضى.
سرحان القصيم.
ضريت فهي تخطف: وضربت أيضاً قيل أرادوا به الذئب.
الذئب أدغم: يضرب لمن يظن به الخير وليس كذلك لأن الذئاب دغم.
الذئب للضبع.
لبست له جلد النمر.
الضبعأطرقي أم عامر.
خامري أم عامر.
خامري حضاجر أتاك ما تحاذر.
عيثي جعار.
الضبع تأكل العظام ولا تدري ما قذى استها.
كمجير أم عامر.
اعرض عليه خصلتي الضبع الراكب.
أحاديث الضبع استها.
كرهت خنازير الحميم الموغر.
في الكلباستعسب فلان استعساب الكلب.
على أهلها تجني براقش. وهي كلبة وقيل إمرأة.
نعم كلب في بؤس أهله.
لا أفعل ذلك حتى ينام ظالع الكلاب.
سمن كلبك يأكلك.
لا تقتن من كلب سوء جروا.
أحب أهل الكلب إلى الكلب الظاعن.
فلان ما يعوي ولا ينبح.
كلب عس، خير من أسد ربض.
كلب عس خير من أسد أندس.
الكلب على البقر.
أجع كلبك يتبعك.
يبعث الكلاب عن مرابضها.
أحب أهل الكلب إليه خانقه.
عجلت ما عجلت الكلبة أن تلد ذا عينين.
النبح ومن بعيد، أهون من العدو من قريب.
على فلان واقية الكلاب.
لا يضر السحاب نباح الكلاب.
الثعلبإنما فلان ذئب الثعلب.
لقد ذل من بالت عليه الثعالب.
كذلك النجار يختلف: مثل ينسب إلى الثعلب.
زمان أربت بالكلاب الثعالب.
الهرإذا اعترضت كاعتراض الهرة، أوشكت أن تسقط في أفرة.
ما يعرف هراً من بر.
الأمثال في الهوام والحشراتآكل من السوس.
أجول من قطرب.
أشهر من قطرب.

أفسد من السوس.
أجوع من قراد.
أسمع من قراد.
أذل من قراد بمنسم.
أجهل من فراشة.
أضعف من فراشة.
أطيش من فراشة.
أخف من فراشة.
أخطأ من فراشة.
أجهل من عقرب.
أزب من عقرب.
أعدى من العقرب.
أجمع من الذرة.
أضبط من ذرة.
أخفى من الذرة.
أقطف من فريخ الذر.
أشم من ذرة.
أكسب من ذرة.
أجرد من جراد.
أصفى من لعاب الجراد.
أصفى من لعاب الجندب.
أصرد من جرادة.
أسرى من جراد.
أعظم من جراد.
أغوى من غوغاء الجراد.
أفسد من الجراد.
أنزى من الجراد.
أزهى من ذباب.
أشقى من الذباب بالذباب.
أندى من الذباب.
أطيش من ذباب.
أمهن من ذباب.
أهون ذباب.
أجل من الحرش: مثل يحكى عن الضب.
أشرد من ورل.
أصبر من ضب.
أضل من ضب.
أضل من ورل.
أطول ذماء من الضب.
أسمع من ضب.
أروى من ضب.
أخب من ضب.
أخدع من ضب.
أحير من ضب.
أخير من ورل.
أظلم من ورل.
أعق من ضب.
أعقد من ذنب الضب.
أعقد من بعج الضب.
أعمر من ضب.
أقصر من فتر الضب.
هو أعلم بضب من حرشه.
أقصر من إبهام الضب.
أذل من حمار قبان.
أطول ذماء من الخنفساء.
أخنس من الخنفساء.
أخس من الخنفساء.
أنحس من فاسية.
أسرع غضباً من فاسية.
ألج من الخنفساء.
ألزق من الجعل.
آكل من الحوت.
أسبح من نون.
أروى من الحوت.
أظمأ من حوت.
أعطش من حوت.
أشجع من ليث عفرين.
أصنع من سرفة.
أوهن من بيت العنكبوت.
أصنع من النحل.
أصنع من دود القز.
أضعف من بقة.
أعز من مخ البعوض.
أضبط من نملة.
أروى من النملة.
أعطش من النمل.
أكسب من النمل.
أكثر من النمل.
أقوى من النملة.
أقصر من زب النملة.
أقطف من نملة.
أسرى من جراد.
أضل من ولد اليربوع.
أسرق من زبابة.
أكسب من فأر.
أطول من الحية.
أسمع من حية.
أظلم من الحية.
أظلم من أفعى.
أعدى من الحية.
أروى من الحية.
أعرى من الأيم.
أثبت من قراد.
أظفر من برغوث.
أفحش من قالية الأفاعي.
أشهر من جرجر.
أسرى من أنقد.
أسمع من قنفذ.
أرسح من ضفدع.
أعطش من النقاقة.
أدب من قرنبي.
أخشن من الشهيم.
أجزم من حرباء.
أظلم من تمساح.
أعلق من قراد.
أغزل من عنكبوت.
أغزل من سرفة.
أفسد من أرضة.
أفسى من ظربان.
أقطف من حلمة.
ألزق من برام.
ألزق من قرنبي.
أنتن من ظربان.
أشرد من ورل الحضيض.
أسرع من تلمظة الورل.
أشرد من ورل الحضيض.
أضل من ورل.
أسمع من دلدل.
أعذر من أم أدراص.
أكثر من الدباء.
أسوأ من جرادة.
أخطأ من ذبابة.
الضبأطعم أخاك من عقنقل الضب، إنك إن تمنعه منه يغضب.
هذا أجل من الحرش.
أتعلمني بضب أنا حرشته.
ما أبالي ما نهئ من الضب وما نضج.
ما نهئ من ضبك.
كل ضب عنده مرداته.
لا أفعل ذلك سن الحسل.
خله درج الضب.
لا يكون ذلك حتى يحن الضب في أثر الإبل الصادرة.
ما هو إلا الضب كدية.
ضب قلعة.
ما هو إلا ضب كذا، وضب كلدة. أي لا يقدر عليه.
إن تك ضباً فأنا حسلة.
أخذه أخذ الضب ولده.
أنا أعلم بضب احترشته.
إذا أخذت برأس الضب أغضبته.
إذا أخذت بذنبه أغضبته.
الضب أخبث نفسه.
حتى يؤلف بين الضب والنون.
تطلب ضباً وهذا ضب مخرج رأسه.
الظربانهما يتماشيان جلد الظربان.
بينهما جلد الظربان.
فسا بينهم ظربان.
القنفذذهبوا إسراء قنفذ.
قنفذ برقة: يضرب به المثل.
الفأرسرينا ليلة ابن انقد.
أضل دريص نفقه.
سقط في أم أدراص بليل مضلل.
بات بليلة أنقد.
برز نارك، وإن هزلت فارك.
الحوتأحوتا تماقس؟
الحيةشيطان الحماطة: يضرب به المثل فهو الحية.
إنه لهتر أهتار، وصل أصلال.
صمي صمام ابنة الجبل. يراد به الحية.
هو كالأرقم إن يقتل ينقم، وإن يترك يلقم.
أطرق إطراق الشجاع.
جاء بإحدى بنات طبق.
لا يلسع المؤمن من جحر مرتين.
قد بكرت شبوة تزبئر.
سرت إلينا شبارعهم. وهي العقارب.
دبت إلينا عقاربهم.
تلدغ العقرب وتصيء الجراد.
لا أدري أي الجراد عاره.
جاء القوم كالجراد المشعل.
علقت معالقها وصر الجندب.
وقع في أم جندب.
قد بدت جنادعه.
القرادالقردان حتى الحلم.

فلانا يقرد فلاناً: أي يحتال له بخدعة.
لا يليق هذا بصفري: والصفر: حية تكون في البطن.
القرنبي في عين أمها حسنة.
ما عليها خز بصيصة: قالوا هي البقة.
ما الذباب وما مرقته.
كلفتني مخ البعوض.
لا أفعل ذلك حتى يحج البرغوث.
طامر بن طامر: قالوا: هو البرغوث.
أنا أغني عنه من التفة عن الرفة: قالوا: التفة: عتاق الأرض، الرفة: التبن.
الأمثال في الطيور ضواريها وبغاثهاآمن من حمام مكة.
آلف من حمام مكة.
أحمق من حمامة.
أخرق من حمامة.
آلف من غراب عقدة.
أبعد من بيض الأنوق.
أعز من بيض الأنوق.
أبصر من باز.
أبصر من عقاب ملاع.
أحذر من فرخ عقاب.
أحزم من فرخ عقاب.
أخطف من عقاب.
أزهى من غراب.
أعز من الغراب الأعصم.
أعز من عقاب الجو.
أبصر من نسر.
أبصر من غراب.
أخيل من غراب.
أحذر من غراب.
أبكر من غراب.
أبصر من الوطواط بالليل.
أجبن من صافر.
أجبن من صفرد.
أجبن من كروان.
أجبن من ليل.
أجبن من نهار.
أحمق من نعامة.
أحذر من ظليم.
أروى من نعامة.
أحمق من رخمة.
أحمق من الحباري.
أحمق من عقعق.
أسرع من عقعق.
ألص من عقعق.
أحذر من عقعق.
أحلم من فرخ الطائر.
أحسن من طاووس.
أحسن من الديك.
أخف رأساً من الطير.
أصفى من عين الديك.
أشجع من ديك.
أخف حلماً من العصفور.
أخيل من ديك.
أزهى من ديك.
أزهى من طاووس.
أسخى من لافظة.
أسفد من ديك.
أسفد من عصفور.
أسلح من حباري.
أسلح من دجاجة.
أشأم من طير العراقيب.
أشأم من غراب البين.
أشبه من الغراب بالغراب.
أشرد من ظليم.
أشرب من خفيدد.
أشم من نعامة.
أشم من هقل.
أصنع من تنوط.
أصدق من قطاة.
أصفى من عين الغراب.
أصغر من صعوة.
أقصر من إبهام القطاة.
أكذب من فاختة.
أكمد من حباري.
أكبر من لبد.
أمنع من عقاب الجو.
أنفر من نعامة.
أند من نعامة.
أهدى من قطا.
أهدى من حماقة.
أصح من ظليم.
أحذر من قرلي.
أحزم من قرلي.
أبخر من صقر.
أثقل من زواقي: وهي الديكة.
أموق من الرخمة.
أموق من نعامة.
أنجب من نعامة.
أشد سواداً من حنك: وهي الديكة.
أنسب من قطاة.
أشأم من الشقراق.
وجد تمرة الغراب.
أذل من بضة البلد.
أقصر من إبهام الحباري.
العنقاء والعقابحلقت به عنقاء مغرب.
طارت بهم العنقاء.
أودت بهم عقاب ملاع.
عقاب قلاع كأنه لبد.
إن البغاث بأرضنا يستنسر.
أنطقي يا رخم إنك من طير الله.
وقعت رخمته: إذا وافقه وأحبه.
النعامالأوب أوب نعامة.
ما يجمع بين الأروى والنعام.
خفت نعامته.
شالت نعامتهم.
الصقر والبازيصقر يلوذ حمامه بالعوسج.
وهل ينهض البازي بغير جناح؟! ما رأيت صقراً يرصده خرب.
تقلدها طوق حمامة.
الغرابهم في خير لا يطير غرابه.
لا يكون كذا حتى يشيب الغراب.
فلان واقع الغراب.
مثل قوله: إنه لساكن الريح وسكنت ريحه.
تفرس الأسد المشتم. وتفرق من صوت الغراب.
تركت فلاناً بوحش الإصمت.
أخاك كغراب الصرد.
هو غراب بن دأية: يقال ذلك للكذاب.
الحبارىكل شيء يحب ولده حتى الحباري.
أطرق كراً، إن النعام في القرى.
بات فلان كمد الحباري.
أطرق كراً يحلب لك.
أطرق كراً إنك لن ترى.
وعيد الحباري الصقر.
القطالو ترك القطا ليلاً لنام.
ليس قطاً مثل قطي.
لاقيت الأخيل: دعاء على المسافر.
الطيرإنه لواقع الطير. يقال للحليم.
كأن على رأسه الطير.
خلا لك الجو فبيضي واصفري.
ما يزجر الطير بأسمائها، وما يسمى البقل بأسمائه.
ليس هذا بعشك فادرجي.
لا تأكل حتى تطير عصافير نفسك.
طار أنضجها.
طار طائره.
فلان طيور فيوء.
انقطع قوى من قاوية، ويقال: قابية من قوبها.
كانت بيضة العقر.
كانت بيضة الديك.
فلان بيضة البلد. يقال في المدح والذم.
أفرخ قيض بيضها المنقاض.
أفرخوا بيضتهم.
مررت بهم الجماء الغفير. قال بعضهم: الجماء: البيضة والغفير: الريش، يريد الكثرة.
كلفتني بيض السمائم.
كلفتني بيض السماسم.
فلان ما يفقئ البيض.
فلان لا يريد الرادية.
فلان لا ينضج الكراع. يقال ذلك في الضعيف.
فلان يحمي بيضته.
الأمثال في السماء والهواء والشمس والقمر والكواكبأطول من السكاك.
أطول من اللوح.
أرفع من السماء.
أنأى من الكواكب.
أبعد من الكواكب.
أبعد من النجم.
أهدى من النجم.
أوسع من اللوح.
أبعد من مناط العيوق.
أرق من الهواء.
أشهر من الشمس.
أشهر من القمر.
أشهر من البدر.
أطول صحبة من الفرقدين.
أنكد من تالي النجم.
أبين شؤماً من زحل.
أضيع من قمر الشتاء.
السماء والهواءلا أفعل ذلك ما إن السماء سماء.
لا أفعل ذلك ما إن في السماء نجماً.
لا أفعل ذلك ما عنى في السماء نجم.
رأى فلان الكواكب ظهراً ومظهراً.
أريها السهى وتريني القمر.
جلاء الجوزاء، يضرب للذي يتوعد ولا يصنع شيئاً.
جاء بالضح والريح. الضح: الشمس.
لا أفعل ذلك ماذر شارق.
إن يبغ عليك قومك لا يبغ القمر.
لا آتيك السمر والقمر.
سر وقمر لك.
في القمر ضياء، والشمس أضوأ منه.
هل يخفى القمر؟!
في الليل والنهار والغداة والعشي والزمان والدهر والأحوالأبقى من الدهر.
أبين من وضح الصبح.
أبين من فلق الصبح.
أشهر من فلق الصبح.
أضوأ من الصبح.
أضوأ من ابن ذكاء.
أضوأ من نهار.
أطول من الفلق.
أطول من يوم الفراق.
أطول من شهر الصوم.
أطول من الدهر.
أطغى من الليل.
أطفل من ليل على نهار.
أحير من الليل.
أنم من الصبح.
أسير من الليل.
أنم من ذكاء.
أجرأ من الليل.
أظلم من الليل.
أقود من الليل.
أقود من وضح النهار.
أندى من الليل الماطر.
الليل والنهارلا أفعل ذلك ما اختلف الجديدان والملوان والفتيان.
لا أفعل ذلك ما اختلفت الصرفان.
خير ليلة بالأبد، ليلة بين الزباني والأسد.
السميرات عليك.
جرشا فتعشه: بالسين والشين، وهي الساعة.
الهوية من الليل.
باتت بليلة حرة.
باتت بليلة شتاء.
ما يوم حليمة بسر.
ليلة ليلاء.
يوم أيوم.
المكثار كحاطب الليل.
الليل أخفى للويل.
سمر ذيلاً وادرع ليلاً.
اتخذ الليل جملاً تدرك.
إن الليل طويل وأنت مقمر.
يوم النازلين بنيت سوق ثمانين.
أسائر اليوم وقد زال الظهر.
إن مع اليوم غداً يا مسعدة.
وهل يخفى على الناس النهار.
ما أشبه الليل بالبارحة.
الليل وأهضام الوادي.
يذهب يوم الغيم ولا يشعر به.
اليوم ظلم.
إحدى لياليك فهيسي هيسي.
يريك يوم برأيه.
تركته على مثل ليلة الصدر.
من ير يوماً ير به.
يوم بيوم الحفض المجور.
إحدى لياليك فهيسي.
من ابن كل جدة تبليها عدة.
الليل أعور لا يبصر فيه.
لم أر كاليوم في الحريمة.
لم أر كاليوم واقية.
لا أفعل ذلك ما حدا الليل نهاراً.
أصبح ليل.
أنا ابن جلا. يريدون النهار.
حلب فلان الدهر أشطره.
أودى به الأزلم الجذع.
ما نلتقي إلا من عفر.
لا أفعله ما جمر ابن جمير: قالوا: السمير: الدهر، والجمير مثله.
لا أفعل ذلك سجيس الأوجس.
لا أفعل ذلك سجيس عجيس.
لا أفعل ذلك دهر الدهارير.
لا أفعل ذلك أبد الأبيد.
من عتب على الدهر، طالت معتبته.
لا أفعل ذلك عوض العائضين، ولا أفعله عوضي.
قد بين الصبح لذي عينين.
أقمت عنده في ضغيغ دهره: أي قدر تمامه.
كان ذلك زمن الفطحل.
ضح رويداً.
لقيته قبل كل صيح ونفر.
لقيته صكة عمي.
أرقب لك صبحاً.
لكل صباح صبوح.
برد غداة، غر عبداً من ظمأ.
عند الصباح يحمد القوم السري.
عش ولا تغتر.
يأتيك كل غد بما فيه.
لقيته ذات العويم.
وقع الناس في قحوط.
عش رجباً تر عجباً.
الأمثال في الأرض والجبال
والرمال والحجارة والبلدانوالمواضع والماء والنار والزناد والتراب والبحر: آمن من الأرض.
أصبر من الأرض.
أوثق من الأرض.
أوطأ من الأرض.
أحفظ من الأرض.
أحمل من الأرض.
آكل من النار.
أثقل من ثهلان.
أكتم من الأرض.
أكثر من الرمل.
أتقل من نضار.
أثقل من عماية.
أثقل من شمام.
أثقل من أحد.
أثقل من دمخ الدماخ.
أسرع من الماء إلى قراره.
أرق من الماء.
أحمق من لاعق الماء.
أحمق من ماضغ الماء.
أصفى من الماء.
أحمق من القابض على الماء.
أذب من خباب الماء.
أحمق ممن لطم طم الماء.
أحمق من ترب العقد.
أحر من النار.
أحر من الجمر.

آكل من النار.
أحسن من النار.
أحقر من التراب.
أحضر من التراب.
أخفى من الماء تحت الرفة.
أخلف من نار الحباحب.
أسرع من النار في يبيس العرفج.
أسرع من شرارة في قصباء.
أطمع من قالب الصخرة.
أطول صحبة من ابني شمام.
أطول من فرسخي دير كعب.
أصلب من جندل.
أصلب من حجر.
أقضى من صخر.
أقسى من الحجر.
أجرى من الماء.
أظلم من رمل.
أعذب من ماء غادية.
أعذب من ماء المفاصل.
أعذب من ماء الحشرج.
أعرض من الدهناء.
ألذ من ماء غادية.
أعطش من رمل.
أعذب من الماء البارق.
أعمق من البحر.
ألطف من الماء.
ألهف من قالب الصخرة.
أنم من التراب.
أوجد من الماء.
أوجد من التراب.
أوسع من الدهناء.
أندى من البحر.
أيبس من الصخر.
أهول من الحريق.
أسرع من الخذروف. وهو حجر يلعب به.
ألقى من وحي في حجر.
فلان أكثر حصى من فلان: أي أكثر عدداً.
أعطش من رمل العقد.
أشرب من الهيم: قيل هي رمال بعينها واحدتها: هيماء.
أسهل من جلدان: وهو حمى من وراء الطائف إلى ناحية اليمن.
أحمق من ناطح الماء.
أحمق من ماطخ الماء: والمطخ: اللعوق.
أصفى من ماء المفاصل.
الأرضقتل أرضاً عالمها.
من سلك الجدد أمن العثار.
قتلت أرض جاهلها.
النقد عند الحافرة: قالوا: الحافرة: الأرض وقيل غير ذلك.
إنه لأريض للخير.
لقيه بين سمع الأرض وبصرها.
لقيته بوحش أصمت.
أخذت الأرض زخارفها.
تلك الأرض لاتقض بضعتها ولا تنعفر بضعها.
برح الخفاء. الخفاء: المتطأطئ من الأرض.
قالوا: أصايرا ظاهراً.
إن جانب أعياك، فالحق بجانب.
من تجنب الخبار، أمن العثار.
التقى الثريان.
لا تؤبس الثرى بيني وبينك.
جاء بالطم والرم: الطم: البحر. والرم: الثرى.
أفق قبل أن يحفر ثراك.
خذ من الرضفة ما عليها.
ما يبض حجره.
رمى فلان بحجره.
كانت وقرة في حجر.
وجه الحجر وجهة ماله، وقد بيضت وجهة وجهه.
صمت حصاة بدم.
الولد للفراش وللعاهر الحجر.
جاء فلان بالقض والقضيض.
يا حبذا الإمارة ولو على الحجارة.
كأنما ألقمه حجراً.
على ما خيلت وعث القصيم.
هل بالرمل من أوشال.
وقعوا في أم حبوكر: أم حبوكر: الرملة.
أشرق ثبير، كيما نغير.
الله أعلم ما حطها من رأس يسوم.
رماه بثالثة الأثافي.
هو إحدى الأثافي.
لكن بشعفين أنت جدود.
إن وراء الأكمة ما وراءها.
لا تفش سرك إلى أمة، ولا تبل على أكمة.
هو ابنة الجبل.
صمي ابنة الجبل.
مهما يقل تقل.
الليل يواري حضناً.
إذا قطعنا علماً بدا علم.
أنجد من رأى حضناً.
ما حللت ببطن تبالة لتحرم الأضياف.
خذمتها ما قطع البطحاء.
كلا جانبي هرشي لهن طريق.
وقع في وادي خدبات.
ألقت مراسيها بذي رمرام.
ألقت مراسيها بوادي مضلل.
ألقت مراسيها بوادي ثهلل.
تمرد مارد وعز الأبلق.
يكفيك ما بلغك المحلا.
أمرع واديه وأجني حلبه.
رويداً يعلون الجدد.
هيهات، هيهات الجناب الأخضر.
هذا ولما تردي تهامة.
بكل واد أثر من ثعلبة.
ليتك من وراء حوض الثعلب.
تركته بوحش أصمت.
جرى الوادي فطم على القرى.
سال الوادي فذره.
تركته ببلدة إصمت.
قد بل عرشه ببقة.
أبرم الأمر ببقة.
أشبه شرج شرجاً لو أن أسيمرا.
دخل ظفارحم.
ليس سلامان كعهدان.
لاهلك بواد خبر.
عسى الغوير أبؤساً.
فلان في سر قومه. يقال للأرض إذا كانت طيبة أرض سر.
قد بلغ الماء الزبى.
إن ترد الماء بماء أكيس.
ماء ولا كصدءاء.
كالقابض على الماء.
لو بغير الماء غصصت الماء: ملك الأمر.
هو يرقم في الماء.
فلان ماء مسوس.
أعطاه غيضاً من فيض.
لا أفعل ذلك ما بل البحر صوفه.
لا أفعل ذلك ما إن في الفرات قطرة.
هو أبرص من عير.
ماؤكم هذا، ماء عناق.
لتجدن نبطة قريباً.
ثأطة مدت بماء.
في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار.
ارخ يدك، واسترخ إن الزناد من مرخ.
اقدح بدخلي في مرخ، ثم شد بعد أو أرخ.
إنه لمعتلث الزناد.
فلان وارى الزناد.
وريت بك زنادي.
فلان ثاقب الزناد.
فلان كافي الزند.
صلدت زناده.
أضئ لي أقدح لك.
ويقال: أقدح الزند بعفار أو مرخ.
ليس في جفيره غير زندين.
هما زندان في وعاء.
ما يصطلي بناره.
كأنه نار حباحب.

فلان حسبه ثائب.
ما بها نافخ ضرمة.
أتانا وكأن لحيته ضرمة عرفج.
كا لمستغيث من الرمضاء بالنار.
نجارها نارها: والنار هاهنا: السمة.
هو القابس العجلان.
أي فتى قتله الدخان؟ هرق على جمرك ماء.
لو كنت أنفخ في فحم.
اقدح إن لم تؤذ ناراً ببحر.
الأمثال في السحاب والرعد والبرق
والرياح والسراب والمطر والثلج والسيل والنسيم:أبرد من ثلج.
أبرد من الغب: وهو البرد.
أبرد من عضرس.
أبرد من حبقر.
أبرد من عبقر.
أبرد من غب المطر.
أبرد من أمرد.
أخف من النسيم.
أخف من الهباء.
أرق من الهباء.
أرق من دمع الغمام.
أرق من رقراق السراب.
أسرع من الريح.
أسرع من البرق.
أسرع من السيل إلى الحدور.
أطفى من السيل تحت الليل.
أجرأ من السيل.
أجرأ من الأيهمين.
أغر من سراب.
أغشم من السيل.
أكذب من يلمع.
أكذب من اليهير.
أمضى من الريح.
أمضى من السيل تحت الليل.
أولج من ريح.
أهون من النباح على السحاب.
أهول من السيل.
أشد بياضاً من البرد.
إنما هو كبرق الخلب.
يذهب يوم الغيم ولا يشعر به.
فلان يرعد ويبرق.
رب صلف تحت الراعدة.
برق لمن لا يعرفك. ويقال: برقي بالتأنيث.
أرنيها نمرة أركها مطرة.
ذهب دمه درج الرياح.
ذهبت هيف لأديانها.
إنه لساكن الريح.
إن كنت ريحاً لقد لاقيت إعصاراً.
ريح حزاء فالنجاء.
ريحمها جنوب. يقال للمتصافيين فإذا تفرقا قيل: شملت ريحها سراب.
ليس بأول من غره السراب.
أوردته حياض عطيش: يعنون السراب.
المطر عام الربيع.
الصيف بحسب الممطور.
إن كل مطر الغيث يصلح.
الغيث مصلح ما خبل على العرفجة.
برئت منه مطر السماء: أي أبداً.
رب عجلة تهب ريثاً.
ورب غيث لم يكن غيثاً.
رب فروقة يدعى ليثاً.
قد بلغ السيل الزبى.
قد سيل به ولا يدري.
كالسيل تحت الدمن.
ما أقوم بسيل تلعتك.
إنما أخشى سيل تلعتي.
اضطره السيل إلى معطشة.
هم درج السيول.
من يرد السيل على أدراجه.
الأمثال في الشجر والروضة
والصمغ والنبات والمرعى والشوك:أذل من هرمة.
أشد حمرة من المصعة.
أطيب نشراً من روضة.
أضعف من بروقة.
أغر من الدباء.
أمر من العلقم.
أكره من العلقم.
أذل من فقع بقاع.
أمر من الدفلى.
أحمق من رجلة.
أكسى من البصل.
أبعد خيراً من قتادة.
الشجر:طمعوا بخير أن ينالوه فأصابوا سلعاً وقاراً.
ذليل عاذ بقرملة.
في عضة ما ينبتن شكيرها.
تحمل عضة جناها.
في عيصه ما ينبت العود.
عيصك منك وإن كان أشبا.
النبع يقرع بعضه بعضاً.
هذا على طرف الثمام.
عصبه عصب السلمة.
هو يدب له الخمر.
يمشي له الضراء.
كان ذلك كسل أمصوخة، وأمسوخة: بالسين.
أنا إذن كالخاتل بالمرخة.
ضغث على إبالة.
شجر يرف.
أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب.
تجنب الروضة وأحال يعدو.
وقع في روضة وغدير.
إياكم وخضراء الدمن.
النبات:لا يغرنك الدباء، وإن كان في الماء.
جذها جذ العير الصليانة.
حول الصليان الزمزمة.
مرعى ولا كالسعدان.
تسألني برامتين شلجما.
المال بيني وبينه شق الأبلمة.
دقك بالمنخار حب القلقل.
لست بخلاة بنجاة.
ليت حظي من العشب خوصه.
أوضع من ابن قوضع.
لتجدني بقرن الكلأ.
عثر بأشرس الدهر. الشرس: ما صفر من الشوك.
إنك عالم بمنابت القصيص.
كانوا مخلين فلاقوا حمضاً.
هو حواءة: يقال لمن يلزم بيته. وهو نبت.
لا ينبت البقلة إلا الحقلة.
لقد اتقيتهم حتى ما أسمي البقل بأسمائه.
أحمر كأنه الصربة.
لأقلعنك قلع الصمغة الشبوك.
لا تجن من الشوك العنب.
لا تنقش الشوكة بالشوكة فإن ضلعها معها.
لطمه لطم المنتقش.
جاء فلان بالشوك والشجر.
استغنت الشوكة عن التنقيح.
من دون ذلك خرط القتاد.
لا المرعى مرعى، ولا الوله عشب ولا بعير أخلف.
أساء رعياً فسقى.
رعى فأقصب.
شر الرعاء الحطمة.
كثر الحلبة وقل الرعاء.
أمرعت فانزل.
أصاب قرن الكلأ.
اختلط المرعى بالهمل.
الأمثال في الذهب والفضة والحديد
والسيف والرمح وأصناف السلاح:أحسن من شنف الأنضر.
أشد من الحديد.
أرق من شق الجلم.
أشد من حد الجلم.
أنفذ من الإبرة.

أضيق من خرت الإبرة.
أضيق من سم الإبرة.
أمضى من الصمصامة.
أمضى من النصل.
أنفذ من سنان.
أمضى من سنان.
أطول من الرمح.
أطول من ظل الرمح.
أضيق من ظل الرمح.
أنفذ من خازق.
أسرع من السهم.
أنفذ من السهم.
أصرد من السهم.
أمرق من السهم.
؟؟؟
الجلد:؟خذه ولو بقرطى مارية.
عنده كنز النطفة وجران الرقيق.
ما يحسن القلبان في يدي حالبة الضأن.
لو ذات سوار لطمتني.
الحديد:الحديد بالحديد يفلح.
لم أجد لشفرتي محزاً.
كالباحث عن المدية.
السيف:سبق السيف العذل.
لا يجتمع السيفان في غمد واحد.
إني لأنظر إلى السيف وإليك.
من يشتري سيفي وهذا أثره.؟ محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا.
ماز رأسك والسيف.
سلوا السيف واستللت المنتن. ويقال المنتل.
لكل صارم نبوة.
لا تأمن الأحمق وبيده السيف.
في نظم سيفك ما ترى يالقيم.
ذكرتني الطعن وكنت ناسياً.
الأمر سلكي وليس بمخلوجة.
يشج مرة ويأسو مرة.
الطعن يظأر.
لأطعنن في حوصهم.
فلان صلب القناة.
ظئار قوم طعن.
ومثله: إن الهوان للئيم مرأمة.
عاد السهم إلى النزعة.
مابها أهزع، ومثله: ومخشوب لم ينقح.
الحذر قبل إرسال السهم.
قد انصف القارة من راماها.
نعتني بدائها وانسلت.
ما بللت من فلان بأفوق ناصل.
ما بللت منه بأعزل.
رجح بأفوق ناصل.
ثار حابلهم على نابلهم.
اختلط الحابل بالنابل.
قبل الرماء تملأ الكنائن.
ويقال أيضاً: قبل الرمي يراش السهم.
إحدى حظيات لقمان.
تركته خير قوس سهماً.
وما تنهض رابضته. أي رميته.
أصمي رميته وأنمى رميته.
هو أوثق سهم في كنانتي.
ما أصبت منه أقذ ولا مريشاً.
فاق السهم بيني وبينه.
من فاز بكم فاز بالسهم الأخيب.
إعط القوس باريها.
إنباض الرمي يراش السهم.
أدركني ولو بأحد المغروين.
نبل العبد أكثرها المرامي.
إن فلاناً ليكسر على أرعاظ النبل غضباً.
ليت القسي كلها أرجلاً.
مع الخواطىء سهم صائب.
رماه بنبله الصائب.
ارجع إن شئت في فوق، ويقال في فوقي.
من أنى ترمي الأقرع تشجه.
لا خير في سهم زلج.
لا تعجل بالإنباض قبل التوتير.
كالمستتر بالغرض.
ركب فلان عوداً وأصله في السهم.
شغل عن الرامي الكنانة بالنبل.
ألقى عصاه.
شق العصا.
ما قرعت عصا على عصا إلا حزن لها قوم وسر آخرون.
عصا الجبان أطول.
لا تدخل بين العصا ولحائها.
قشرت له العصا.
العصا من العصية.
قلب له ظهر المجن.
الأمثال في الحرب والقتل والأسر
والجبن والفزع والشجاعة والغزو والصياح.ما كفى حرب جانيها.
الحرب غشوم.
الحرب خدعة.
إن أخا الهيجاء من يسعى معك.
القتل:ليس بعد الإسار إلا القتل.
سواء علينا قاتلاه وسالبه.
لا يحزنك دم هراقة أهله.
أهل القتيل يلونه.
أبى قائلها إلا تماً.
كالمتمرغ في دم القتيل.
ليس بعد السلب إلا الإسار.
قتل نفساً مخيرها.
بسلاح ما يقتلن القتيل.
الدم الدم، والهدم الهدم.
إن الجبان حتفه من فوقه.
دردب لما عضه الثقاف.
أفرخ روعك.
أغيرة وجبناً.
بصيصن إذ حدين بالأذناب.
بسلاح مايقتل الرجل.
أضرطاً وأنت الأعلى.
لا يدعى للجلى إلا أخوها.
ضرباً وطعناً أو يموت الأعجل: الشجاع.
مكره أخوك لا بطل.
الفرا بقراب أكيس.
إن رمت المحاجزة فقبل المناجزة.
التقدم قبل التندم.
أجر ما استمسكت.
رويد الغزو ينمرق.
أول الغزو ينمرق.
أول الغزو أخرق.
لا تسل الصارخ وانظر ماله.
ابدأهم بالصراخ يفروا.
بعد الهياط والمياط.
أرطي إن خيرك بالرطيط.
مثل صيحة الحبلى.
أصاخ إصاخة المنده للناشد.
أتيتك عاتاً وصاتاً وصت.
الأمثال في الثياب واللباس
والخز والأدم والقز والآنية والدل والسقاء والوعاء والعطر.هو أهون علي من طلبه ومن طلباء.
أذل من النعل.
أرجل من خف.
أكذب من صنع.
أحمق من الدابغ على التحلي.
أطيب نشراً من الصوار.
أهون من ربذة.
أهون من ثملة.
أطول من جيد الخرقاء.
ومثله: أطول من طنب الخرقاء.
أعرض ثوب الملبس.
ومثله: أعرض ظهر الملبس.
أو، عرض جنب الملبس.
أعرضت القرفة.
ما كانوا عندنا إلا ككفة ثوب.
كأنها بردة أخماس.

هو كالساقط بين الفراشين.
شمر واتزر، والبس جلد النمر.
كمش ذلاذلة.
من يطل ذيله ينتطق به.
هو الشعار دون الدثار.
جليس كثرت نفس شاغليه.
ليس عليك نسجه فاسحب وجر.
خلع الدرع بيد الزوج.
فلان نسج وحده.
غرني برداك من غدافلي.
فلان طاهر الثياب.
فلان دنس الثياب.
أم فلان في ثوب فلان.
ألبس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها.
من عز بز.
أشبه امرءاً بعض بزه.
هم كبيت الأدم.
إن الشراك قد من أديمه.
أجمع سيرين في خرزة.
إنما يعاتب الأديم ذو البشرة.
هو مؤدم مبشر.
بق نعليك وابذل قدميك.
رجع بخفي حنين.
كل الحذاء يحتذى الحافي الوقع.
زلت به نعله.
لو كنت منا لحدوناك.
رب نعل شر من الحفاء.
قد علقت دلوك دلو أخرى.
كأنما أفرغ عليه ذنوباً من ماء.
ألق دلوك في الدلاء.
هرق لها في قرقر ذنوبا.
ساجل فلان فلاناً.
أهون مظلوم سقاء مروب.
خل سبيل من وهى سقاؤه: ومن هريق بالفلاة ماؤه.
ما يقعقع له بالشنان.
هذا أمر لا تفشأ له قدري.
استعجلت قديرها فامتلت.
خير إناءيك كفأت.
كفت إلى وئية.
أدي قدراً مستعيرها.
ما أصغيت لك إناء ولا أصفرت لك فناء.
إن كنت في قوم فاحلب في إنائهم.
سمن حتى صار كأنه الخرس.
حن قدح ليس منها.
صدقني وسم قدحه.
من فاز بفلان فقد فاز بالسهم الأخيب.
ليس الهناء بالدس.
عنية تشفي الجرب.
ألقى حبله على غاربه.
رمى برسنه على غاربه.
قد أخذه برمته.
جاوز الحزام الطبيين.
التقت حلقتا البطان.
هو يحطب في حبله.
ما أنت بلحمة ولا ستاه.
وما أنت بنيرة ولا حفة.
قد عي فلان بالإسناف.
هو على حبل ذراعك.
جروا له الخطير ما انجر لكم.
ما حويت ولا تويت.
جاحش عن خيط رقبته.
النقد عند الحافر.
جاء بقرني حمار: إذا جاء بالباطل والكذب.
كطالب القرن جدعت أذناه.
وجدت الدابة ظلفها.
اجعله في وعاء غير سرب.
طويت فلاناً على بلاله، وبلوله، وبللته.
إن بينهم عيبة مكفوفة.
كلفت إليك عرق القربة، وعلق القربة.
ليت لي من فلان عرق القربة.
احفظ ما في الوعاء بشد الوكاء.
ما يحجز فلان في العكم.
لا يخصها مني في سقاء أوفر.
إذا سمعت بسرى القين فإنه مصبح.
مثل جليس السوء كالقين إلا يحرق ثوبك بشراره أو يؤذيك بدخانه.
إني صناع لو تبالي صنعتي.
أجناؤها أبناؤها.
حلأت حالية عن كوعها، ويروى: حزت حازة عن كوعها.
اعمل في عامين كرزاً من وبر.
حزت حازة عن كوعها.
هو ماعز مقروظ.
بقه وقد حلم الأديم.
ما يجعل قدك إلى أديمك.
لا يعدم جلد السوء عن عرف السوء.
أحمر كالقرف.
هذا حظ جد من المبناة.
دقوا بينهم عطر منشم.
لا مخبأ لعطر بعد عروس.
لا عطر بعد عروس. قال المفضل: عروس رجل بعينه.
الأمثال في الرحى والطعام
والأكل والشرب واللبن وسائر المأكولات والمشروبات.أقدم من الحنطة.
أشأم من رغيف الحولاء.
أدق من الشخب.
ألين من الزبدة.
أمسخ من اللحم الحوار، وأملخ...
أحلى من النشب.
أحلى من الشهد.
أحلى من السلوى.
ألذ من السلوى.
أحلى من التمر الجني.
آنس من نخلة.
أعظم بركة من نخلة مريم.
أصيغ من تمر بلاد الطائف.
أسمع جعجعة ولا أرى طحناً.
كل أداة الخبز عندي غيره.
طحنه طحن إبل لم يكن طحن قبله.
تطعم تطعم.
اعلل تحظب.
تخرسي يا نفس لا مخرسة لك اليوم.
رب أكلة تمنع الأكلات.
ليس لشبعة خير من صفرة تحفزها.
الثيب عجالة الراكب.
يلقم لقماً ويغدي زاده.
إنك لتأكل وسطاً وتربض حجرة.
يدرك الخضم بالقضم.
قد يبلغ بالقضم الخضم.
من يأكل لا يأكل قضماً، ومن يأكل قضماً لا يأكل خضماً.
تجشأ لقمان من غير شبع.
قد نهيتك عن شربة بالوشل.
لا تشرب مشرب صفو بكدر.
إنك ريان فلا تعجل بشربك.
ليس الري عن التشاف.
أكل عليه الدهر وشرب.
أحس فذق ومثله: إنه لشراب بأنقع.
أحلب حلباً لك شطرة.
لا أفعل ذلك ما اختلفت الدرة والجرة.
لا يكون أول من التبأ لبأة.
إن الرثيئة مما تفثأ الغضب.
ربضك منك وإن كان سماراً.
شخب في الإناء وشخب في الأرض.
أمهلني فواق ناقة.
صرح الحق عن محضه.
أبان الصريح عن الرغوة.
أبى الحقين العذرة.
أعن صبوح ترقق.
يسر حسواً في ارتغاء.

حال صبوحهم دون غبوقهم.
سبق درته غراره.
ليس كل حين أحلب فأشرب.
الصيف ضيعت اللبن.
أتاك ريان بلبنه.
حلبتها ثم أقلعت.
درت حلوبة المسلمين.
أثر الصرار يأتي دون الذيار.
لم تحلب ولم تغار فأودي اللبن.
شخب طمح.
لا يلبث الحلب الحوالب.
أدرها وإن أبت.
عدا القارص فحرز.
شب شوباً لك بعضه.
يشوب ويروب.
يحلب بنى وأشد على يديه.
من ير الزبد يعلم أنه من اللبن.
من ير الزبد يخله من لبن.
لو قيل للشحم: أين تذهب؟ لقال: أسوي العوج.
أنا منه كحاقن الإهالة.
اختلط الخاثر بالزابد.
ما يدري أيخثر أم يذيب.
جمل واجتمل.
لوشكان ذا إهالة. ومثله: لسرعان ذا إبانة ومثله: وشكان ذا إذابة وحقناً.
يا نفسي لا لهف لك كل بيضاء لك: يريد الشجر.
لا نجم في ذنب الكلب.
ليس الشحم باللحم ولكن من قواصيه.
شحمتي في قلعي.
سمنهم في أديمهم.
وقع على شحمة الركي. والرقي.
ما كل بيضاء شحمة ولا كل سوداء تمرة.
لكن على الأثلاث لحم لا يظلل.
شوى أخوك حتى إذا أنضج رمد.
إنه يعلم من أين تؤكل الكتف.
غثك خير من سمين غيرك.
كسؤر العبد من لحم الحوار.
من اشتوى أكل شواؤكم.
ما هو بخل ولا خمر.
اليوم خمر وغداً أمر.
هي الخمر تكنى الطلاء.
ذق تغتبط.
لا تكن حلواً فتسترط ولا مراً فتعقى.
وجد تمرة الغراب.
التمرة إلى التمرة تمر كلاهما.
التمر في البئر وعلى ظهر الجمل.
إنه لأشبه من التمر بالتمر السويق.
أحشفاً وسوء كيلة؟.
ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل.
كمستبضع التمر إلى هجر.
متى كان حكم الله في كرب النخل.
قيل للحبلى ما تشتهين؟ قالت: التمر وواهاً ليه.
ما ظلمته نقيراً ولا فتيلاً.
ما الخوافي كالقلبة ولا الخناز كالثعبة.
عرف النخل أهله.
كل حاطب على لسانه تمرة.
الأمثال في المال والغنى والفقر
والصدق والكذب، والحق والباطل، والحمق والحيلة، والإطراق والشر والظلم، والدعاء والاعتذار، والعلم والرأي:
لم يذهب من مالك ما وعظك.
خير مالك ما نفعك.
جاء فلان بالطم والرم.
من مال جعد، وجعد غير محمود.
في وجه المال تعرف إمرته.
خير مارد في أهل ومال.
جاء بالهيل والهيلمان.
لفلان كحل، ومثله: ولفلان سواد.
حسبك من غنى شبع ورى.
الغنى طويل الذيل مياس.
سوء حمل الفاقة يضع من الشرف.
المسألة آخر كسب الرجل.
الخلة تدعو إلى السلة.
سواء هو والمعدوم والعدم.
رب مكثر مستقل لما في يده.
عر فقره بفيه، لعله يلهيه.
من قنع فنع، ومن قنع شبع.
إن في المرتعة لكل كريم مقنعة.
الصدق ينبى عنك لا الوعيد.
من عرف بالصدق جاز كذبه.
عند النوى يكذبك الصادق.
من عرف بالكذب لم يجز صدقه.
إن خصلتين خيرهما الكذب لخصلتا سوء.
ليس لمكذوب رأي.
رأي الكذوب قد يصدق.
قد قيل ذلك إن حقاً وإن كذباً.
أكذب النفس إذا حدثتها.
لا يدري المكذوب كيف يأتمر.
الحق أبلج، والباطل لجلج.
أبغض حق أخيك.
ما يمعن بحقي ولا يذعن.
إذا طلبت الباطل انجح بك.
قد اتخذ الباطل دغلاً.
من خاصم بالباطل أنجح به.
أحمق لا يجأي مرغه.
أحمق بلغ.
معاداة العاقل، خير من مصادقة الجاهل.
زادك الله رعالة، كلما ازددت مثالة.
خرقاء عيابة.
إن تحت طريقتك لعند أوة.
مخرنبق لينباع.
لو كان ذا حيلة تحول.
المرء يعجز لا المحالة.
لا تنفع حيلة مع غيلة.
أمكراً وأنت في الحديد.
مجاهرة إذا لم أجد مختلاً.
ترك الخداع من أجرى من مائه.
إن لم تغلب فاخلب.
المعافى ليس بمخدوع.
أي فتى قتله الدخان.
لو كان ذا حيلة تحول.
إذا نزل بك الشر فاقعد به.
الشر يبدوه صغاره.
من شر ما ألقاك أهلك.
إن من الشر خياراً.
بعض الشر أهون من بعض.
إن حسبك من شر سماعه.
استقدمت رحالتك: يقال: للمتعجل إلى الشر.
من نجل الناس نجلوه: أي شارهم.
الشر أخبث ما أوعيت من زاد.
حلقي وثوبي: يضرب في الشر.
ادفع الشر عنك بعود أو عمود.
ليس أخو الشر كمن توقاه.
هو يكايله الشر ويحاسيه الشر.
سرق ما بينهم بشر.
أترك الشر يتركك.
أر غياً أزدد فيه.
رأيته بأخي للشر: أي بشر. ومثله: رأيته بأخي الخير.
خيرها بشرها وخيرها بخيرها.
ادفع الشر عنك بمثله إذا أعياك غيره.

الظلم مرتعه وخيم.
من أشبه أباه فما ظلم.
الشحيح أعذر من الظالم.
هذه بتلك والبادي أظلم.
لعالك عالياً.
تعساً لليدين والفم.
ماله أحال وأجرب.
عقرا حلقا.
اللهم غيظاً لا هبطاً.
هنئت فلا تنكه.
رب سامع عذرتي لم يسمع قفوتي.
رب سامع بخبري لم يسمع عذري: لعل له عذر وأنت تلومه.
ترك الذنب أيسر من الاعتذار.
المعاذير مكاذب.
أعذر من أنذر.
قد بلغ فلان في العلم أطوريه.
العالم كالحمة يأتيها البعداء، ويزهد فيها القرباء.
إذا زل العالم زل بزلته العالم.
علمان خير من علم.
الرأي الدري.
رأي فاتر وغدر حاضر.
قد أحزم لو أعزم.
الأمثال في النوم والفلك
والطب والمنية والدواهيآلف من الحمى.
أحر من القرع.
أطب من ابن حذيم. ويقال جد لم.
الحمى أضرعتني لك.
إني إذا حككت قرحة أدميتها.
غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية.
ما به قلبة.
ما به ظبظاب.
عوير وكسير وكل غير خير.
ما هو إلا شرق أو غرق.
أضاف حتى ما يشتكي السواف.
لا يعدم مانع علة.
كان مثل الذبحة على النحر.
حال الجريض دون القريض.
أغبيط أم عارض.
لو كان درءاً لم تئل.
لا علة، هذه أوتاد وأخلة، وفهرنا في الحلة.
أرق على ظلعك.
آخر الداء الكي.
يا طبيب طب لنفسك، وطب أيضاً.
القوم طبون، وقرب طب.
قرب طباً.
بقطيه بطبك.
إن دواء الفتق أن تحوصه.
دمث لجنبك قبل النوم مضجعاً.
مطله مطل نعاس الكلب.
يأكل وسطاً ويربض حجرة.
نام نومة عبود.
ظلت على فراشها تكري ويقال تكري.
لا ينام من أثير.
المنايا على الحوايا.
لم يفت من لم يمت.
الثكل أرامها ولداً.
لا أفعل ذلك ما حي حي، أو مات ميت.
المنية ولا الدنية.
الموت الأحمر.
لا عتاب بعد الموت.
لا يملك الخائن حينه.
الموت السجيح خير من الحياة الذميمة.
العقوق ثكل من لم يثكل.
ولى الثكل بنت غيرك.
إنه لداهية الغبر.
إنه لعضلة من العضل.
جاء بالداهية الدهياء.
جاء بالرقم الرقماء.
جاء بأم الربيق على أريق.
جاء بإحدى بنات الطريق.
جاء بمطفئة الرضف.
صمي صمام.
وصمي ابنة الجبل أيضاً.
إن الدواهي في الآفاق تهترش، ويقال: ترتهس.
إن الخصاص يرى في جوفه الرقم.
الأمثال الأفرادإلا ده فلا ده.
ضرب أخماساً لأسداس.
ويل للشجي من الخلي.
خذ ما طف واستطف.
ما يدري قبيلاً من دبير.
سمن فأرن.
عاد الحيس يحاس.
هما صوعان في إناء.
اعتبر السفر بأوله.
سواء لواء، وقال بعضهم: سواه لواه.
لأقيمن قذلك ولأقيمن حدلك.
اذكر غائباً يقترب.
هذه بتلك فهل جزيتك.
الحفائظ تحلل الأحقاد.
ملكت فاسجح.
المقدرة تذهب الحفيظة.
لولا الوئام هلك اللئام.
من يبغ في الدين يصلف.
استكرمت فاربط.
أنا غريرك من هذا الأمر.
على الخبير سقطت.
عاط بغير أنواط.
خذ الأمر بقوابله.
الملسى لا عهدة له.
إن السلامة منها ترك ما فيها.
افعل كذا وخلاك ذم.
صيدك لا تحرمه.
رب عجلة تهب ريثاً.
النجاح مع الشراح.
قد نفخت لو كنت تنفخ في فحم.
إن كنت تشد بي أزرك فأرخه.
رضيت من الغنيمة بالإياب.
الحريص يصيدك لا الجواد.
جاء فلان وقد لفظ لجامه.
سرق السارق فانتحر.
ذل لو أجد ناصراً.
يعود على المرء ما يأتمر.
جانيك من يجني عليك.
أنا منه فالج بن خلاوة.
وجدت الناس أخبر نقله.
لا ينفعنك من جار سوء توق.
أنت تئق وأنا مئق، فمتى نتفق؟.
عادة السوء شر من للمغرم.
همك ما همك ويقال: همك ما أهمك.
ما أباليه عبكة.
يكفيك نصيبك شح القوم.
المرء تواق إلى مالم ينل.
خلاؤك أقنى لحيائك.
تسقط به النصيحة على الظنة.
لا بقيا للحمية بعد الحرائم.
إنه لنكد الحظيرة.
رهباك خير من رغباك.
دردب لما عضه الثقاف.
أنت مرة عيش ومرة جيش.
يا حبذا التراث لولا الذلة.
لأمدن غضنك.
قد بدا نجيث القوم.
لا يحسن التعريض إلا ثلباً.
سفيه لم يجد مسافهاً.
من قل ذل، ومن أمر فل.
فلان ألوى بعيد المستمر.
من حفنا أو رفنا فليقتصد.
قد ألنا وإيل علينا.
إرض من المركب بالتعليق.
أجر الأمور على أذلالها.
ما فيها صافر.
كأنهم جن عبقر.
قال فلان قولاً ما مؤس البحر.
غمرات ثم ينجلين.

ضربك بالفطيس خير من المطرقة.
صغراها مراها.
مصى مصيصاً. يقال لمن يؤمن بالتثبت والتوقر.
الباب الخامس
النجوم والأنواء
ومنازل القمر على مذهب العربنذكر أولاً في هذا الباب منازل القمر وما قالت العرب فيها، وفي نزول القمر بها أو مصورة عنها، وطلوع كل واحدٍ وسقوط رقيبه منها، ثم نذكر الصور والبروج، والصور خاصة، وعلى موضعه من بروجه الذي هو فيه من فلك البروج عامة بعون الله تعالى.
فأما المنازل وهي ثمانية وعشرون نجماً الشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرفة والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك والغفر والزبانيان والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية وفرغ الدلو المقدم، وفرغ الدلو المؤخر، وبطن الحوت.
قالت العرب في أسجاعها عند طلوع كل نجم، إذا طلع الشرطان، ألقت الإبل أوبارها في الأعطان، ويوشك أن يشتد حر الزمان.
ثم البطين فقالت: إذا طلع البطين، طلعت الأرض بكل زين، وحسنت في كل عين. ثم الثريا - وهو النجم - إذا طلع النجم، فالبرد في هدم، والعانات في كدم، والفلاحون في ضجم، والقيظ في حذم، والبرد في حطم، والعشب في صلم.
ثم الدبران، إذا طلع الدبران توقدت الحزان، وأخمدت النيران. وبات الفقير بكل مكان.
ثم الهقعة: إذا طلعت الهقعة، انتقل الناس للقلعة.
ثم الهنعة، إذا طلعت الهنعة طلب الناس النجعة، وأحبوا إلى الوليف الرجعة.
ثم الذراع: إذا طلعت الذراع، حسرت الشمس القناع، وأشعلت في الأفق الشعاع، وترقرق السراب بكل قاع.
النثرة إذا طلعت النثرة، التقط البلح بكثرة، وأصابك من القر خضرة، ويوشك أن تظهر الخضرة. ثم الطرفة: إذا طلعت الطرفة، حسنت السعفة، وصار التمر تحفة.
ثم الجبهة، إذا طلعت الجبهة أرطبت النخلة، وحسن النخل حمله.
ثم الزبرة وهي الخراتان إذا طلعت الزبرة أرطبت البسرة وإذا طلعت الخراتان طابت أم الجرذان، وتزينت القنوان.
ثم الصرفة، إذا طلعت الصرفة احتال كل ذي حرفة، ورأيت الطير حفة، وفشت الخفة.
ثم العواء، إذا طلع العواء لم يبق في كرم جناء، واكتنس الظباء، وطاب الهواء، وضرب الخباء، وأمن على عوده الحرباء.
ثم السماك: إذا طلع السماك ولت العكاك فأجل حراك، وأصلح خباك، وصوب فناك، فكأنك بالفرقد أتاك.
ثم الغفر: إذا طلع الغفر، حسن في عين الناظر الجمر، وطاب التمر، وذهب البصر، وأتى من البرد السفر.
ثم الزبانيان إذا طلعت الزباني فاطلب ما يكفيك زماناً، واستعد لشتائك ولا تواني.
ثم الإكليل: إذا طلع الإكليل، هاجت الفحول، ووفى كل خليل، واستبان على أهليه الكثير والقليل.
ثم القلب: إذا طلع القلب. جاء الشتاء كالكلب، ووقع الثلج كالثرب وطلع على النسر كالركب، وانحجر من البرد الضب.
ثم الشولة إذا طلعت الشولة، أتاك الشتاء بصولة، وخرج النحل، وللطير عليهن دولة.
ثم النعائم: إذا طلعت النعائم، التطت البهائم من الصقيع الدائم، وخلص البرد إلى كل نائم.
ثم البلدة: إذا طلعت البلدة، أصاب الناس من البرد شدة، وفشت الرعدة وأكلت القشدة، وقيل للبرد: اهده.
ثم سعد الذابح، إذا طلع سعد الذابح، انحجزت الضوابح، ولم تهر النوابح، من البرد البارح، وأورى عوده كل قادح.
ثم سعد بلع، إذا طلع سعد بلع، شيع العاجز الهبع، وطاب الوقع، وهيئت الربع، وكأنك بالبرد قد انقشع.
ثم سعد السعود: إذا طلع سعد السعود، ذاب كل مجمود، وخضر كل عود، ووقى كل مصرود، وانتشر كل مولود، وكره عند النار القعود.
ثم سعد الأخبية: إذا طلع سعد الأخبية طابت الأفنية، وقصرت الأبنية وزقت الأسقية، وانتشرت الأخبية.
ثم فرغ الدلو المقدم: إذا طلع الدلو، شيع الضعيف الخلو، وهيب الجزو، ومن القيظ بعض الشبو.
ثم فرغ الدلو المؤخر: إذا طلع الفرغ، طلب الكلب الوغل، وشبع الفحل فلم يرع.
ثم الحوت وهو السمكة: إذا طلعت السمكة، وتعلقت بالثوب الحسكة، نصبت الشبكة، وطاب الزمان للنسكة.
وقالوا: أيضاً: طلع النجم عشاء، ابتغى الراعي كساء.
يريدون طلوع الثريا بالعشيات وذلك عند اشتداد البرد. وطلع النجم غدية، ابتغى الراعي شكية. يريدون شكوة يحمل فيها الماء لشدة الحر.

وجعلوا السنة أربعة أجزاء. فجعلوا الزمن الأول الصفرية. وسموا مطره الوسمي وحصته من السنة واحد وتسعون يوماً، وجعلوا حصته من النجوم سبعة أنجم تسقط مع الفجر إلى طلوع الشمس بين كل نجمين ثلاثة عشر يوماً، فأول الصفرية وهو أول الوسمي سقوط أول نجومه، وهي عرقوة الدلو السفلى وهو الفرغ الأسفل.
والحوت والشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة، وسقوط عرقوة الدلو السفلى يكون لعشر يمضين من أيلول، ويستوي الليل والنهار بعد ذلك بأربع عشر ليلة وهو فصل، وسقوط كل نجم أن ينظر إليه الناظر مع طلوع الفجر إذا قيد فرسه من تحت بطنها في الأفق مما يلي المغرب وكلما سقط نجم طلع نظيره من المشرق ولا يرين الطالع عند سقوط الساقط لأنه قريب من الشمس، فيفضحه ضوء النهار، ونوء كل نجم ما بعده إلى سقوط النجم الذي يليه، فإذا تم سقوطها انقطع مطر الوسمي. وجعلوا الزمن الثاني الشتاء وحصته من السنة أحد وتسعون يوماً بسقوط أول نجومه الهنعة والذراع والنثرة والطرفة والجبهة والزبرة والصرفة، فسقوط الهنعة يكون لعشر ليال تمضي من كانون فعند ذلك تسقط الهنعة وينتهي طول الليل وقصر النهار بعد ذلك بإحدى عشرة، فإذا سقطت الصرفة قالوا: انصرف الشتاء، فعند ذلك ينقطع الشتاء، ومنهم من يسمى الشتاء ربيعا. ثم جعلوا الزمن الثالث الصيف وهو زمن الربيع وحصته من السنة إحدى وتسعون يوماً وهو في آذار قالوا: إذا مضى عشر من آذار، برد ماء الآبار، وتصرم الثمار، وصور النحل الآبار، واشتهى الغلام الإزار، وشدت على المطايا الأكوار، واستوى الليل والنهار وحصته من النجوم العواء والسماك والغفر والزبانيان والإكليل والقلب والشولة، فسقوط العواء في أحد عشر يوماً من آزار ويستوي الليل والنهار بعد ذلك بإحدى عشرة ليلة فإذا تم سقوط هذه انقضى مطر الصيف وذلك عند طلوع الثريا.
وجعلوا الزمن الرابع القيظ ويسمى مطر الخريف وحصته من السنة إحدى وتسعون يوماً، بسقوط أول نجومه وذلك لعشر تمضي من حزيران ونجومه النعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية وعرقوة الدلو العليا وهي الفرغ المقدم فإذا تم سقوطها انقطع مطر الخريف وزمان القيظ وعاد زمان الصفرة. فذلك أربعة أزمنة عددها ثلاثمائة وأربعة وستون يوماً ويزاد فيها يوم الجبهة حتى يتم العدد بثلاثمائة وخمس وستين يوماً ويصح كل زمن في وقته.
ومن العرب من جعل السنة ستة أجزاء، فجعل الزمان الأول الوسمي وجعل حصته من السنة شهرين وحصته من النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن الثاني الشتاء، وجعل حصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن الثالث الربيع، وجعل حصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن الرابع الصيف وحصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن الخامس الحميم وجعل حصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن السادس الخريف وجعل حصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
ويكرهون أن يكون ابتداء مطرهم بالشرطين ويخافون أن يكون ذلك العام جدباء، ويقولون: إنه إذا أصابهم في الشرطين مطير قالوا: نخاف أن يكون أحداجا من الأنواء.
يسمونها الأنيسين ويقال للواحد الأنيس ويقال: هما كوكبان بين يدي شرطين وسقوط الجبهة هو أول الربيع، وهو انكسار البرد، وظهور مظهر الدفء، وإنهاك العشب، ونتاج الإبل، وتوليد الغنم، وحينئذ ينتجون ويولدون ويحضنون.
وقالت امرأة من العرب: لم أر كالربيع مضى، لم تقم عليه المآتم، ويقولون أن القر في بطون الإبل، فإذا ذهب القر سحت الإبل.
قال بعضهم إذا سقطت النثرة سرت الإبل وأنت قبل ذلك باركة في أعطانها، وتلقى جلالها عنها ويؤمن هربه عل المال، ويدب القراد ويطلع الضب رأسه وينضر الشجر لسخونة الأرض قبل أن يظهر الدفء. وقالوا: كفا الشتاء: الذراعان والنثرة، وقالوا: لا يورق العود حتى تنوء الجبهة، فإذا أنت سقطت الجمرة الأولى، والجمرات ثلاث: فأولها: سقوط الجبهة لأربع عشرة يمضين من شباط.
والثاني: مع سقوط الزبرة لثمان وعشرين من شباط.
والثالثة مع سقوط الصرفة لثلاث عشرة يمضين من آذار.

وفي أول الجمرات مع سقوط الجبهة ساخ الثرى وماذ المعرق، وأورق العود، واختلفت رءوس الإبل في مباركها، ولفظت الأرض ما فيها من نبت، وتزعم العرب أن نوء الجبهة أعم المطر نفعاً يصل ما قبله وما بعده. ويقال: إنه لم يمتلئ غائط قط من ماء نوء الجبهة إلا امتلأ عشباً.
ويقولون عن نوء الجبهة إنه يظهر كل ثرى كان في بطن الأرض قبله وأنه إذا اخلف نوءها لم يتم ربيع ذلك العام.
وعقارب الشتاء أربع وهي البرد ينزل بهن القمر في العشر الأواخر من الشهور العربية في ليالي الشتاء وقل ما يخلفوا أن يكون فيهن فرقاً ولهن للمجرة ينزل القمر الأول العقرب وليلة ست وعشرين من الشهر العربي وهي تشرين الآخر، ثم الثانية العقرب الهزار بقارن القمر العقرب لأربع وعشرين من شهر العرب وذلك في كانون الأول ثم العقرب الجثوم الثالثة لاثنتين وعشرين من شهر العربي وذلك في كانون الآخر. ثم عقرب الختران ليلة عشرين من شهر العربي في شباط، وسميت الأولى المخرمة لأن القمر حين يحلها ولا يخرج منها حتى يستسر.
وسميت الثانية الهرار لموافقة طلوع الهرارين قلب العقرب والنسر الواقع حين يسريان في المشرق مع طلوع الفجر، وسميت الجثوم لشدة الشتاء وجثومه، وسميت الختران لنتاج الإبل وكثرة الختران في ذلك الوقت ثم يقارن القمر الثريا بعد ذلك بخمس عشرة ليلة فيكون لخامسة تمضي من الشهر العربي وفيه قال الشاعر.
إذا ما قارن القمر الثريا ... لخامسةٍ فقد ذهب الشتاء
ثم الشهر الذي بعد هذا من شهور العرب يقارن فيه الثريا لثالثة ويقال إنها أغزر ليلة في السنة في كثرة اللبن، وذلك لأن الإبل يتكامل نتاجها، وتجلب الحملان في ذلك الوقت فتخلو ألبان الشتاء لأهلها.
وقال الشاعر:
إذا ما قارن القمر الثريا ... لثالثةٍ فقد كثر السلاء..
ثم يقارن القمر الثريا في الشهر الثالث مع اسمراره، ويقال عند سقوط السماك يخاف الناشرة. وذلك لأن المطر ينقطع قبل سقوط السماك ثم يكون مطره عند سقوطه غير متصل بما كان قبله، وقد هاجت الأرض، وذهبت الوغرات، فإذا أصابه مطر نوء السماك نشر وعاد العود أخضر، وعاد في أصوله الورق، فإذا رعته الماشية، أدراها وضرها وأصابها عنه داء يسمونه الهرار، وقد جعلوا لكل من كان نجوماً، وسموا سقوطها وطلوعها أنواء، فجعلوا السقوط علماً لنجوم الوسمي، والشتاء والربيع، وهو نصف السنة وحين البرد وما قاربه من الذي من قبله، ومن بعده، وجعلوا الطلوع علماً لنجوم الصيف والحميم والخريف، وما دنا منها من لين الزمان وهو نصف السنة.
قالوا: سقوط الفرغ للأسفل، هو ذهاب الحر ودخول البرد، واستغناء عن أكثر سقى الإبل، لأن الظمأ يطول وإنما يحتاج للإبل في الشهر إلى أن ترد مرة لا تحتاج الغنم إلى أكثر من مرتين في الشهر وإن وقعت الأمطار جرأت الماشية فإذا سقط فرغ الدلو للأسفل عدوه طلع السماك الرامح ولذلك قال الشاعر:
حتى رأيت عراقي الدلو ساقطة ... وذا السلاح مصوح الدلو قد طلعا
ورقيب الفرغ الأَسفل العواء السماك الرامح يطلع معه، وهو يطلع قبل السماك الأعزل الذي ينزل به القمر، وأراد بقوله ذو السلاح، السماك الرامح، ويزعم أهل الشام أن استواء الليل والنهار في استقبال الشتاء يكون في أيلول لست تبقى منه، في ذلك اليوم يطلع العواء ويسقط الدلو وبينه الفرغ المؤخر ويعود إلى السقوط ويدعون مؤخره أشد تقارباً لطلوع النجم والدبران ثم تسقط الهنعة، ويطلع رقيبها النعائم لأربعة وعشرين يوماً يمضي من كانون الأول فسقوطها عدوه هو أول مطر الشتاء وأنوائه. ثم تسقط الذراع ويطلع نظيرها البدرة لسبعة أيام تمضي من كانون الآخر ونوءها خمس ليال وقل ما يخلف نوء الذراع، والذراع عندهم ذراع الأسد والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء من الأسد، فما بين العواء والذراع عندهم من الأسد، ومنهم من يجعل السماك منه ثم يسقط النثرة لعشرين تمضي من كانون الآخر ويطلع رقيبها سعد الذابح ونوءها سبع ليال. قال ذو الرمة:
مرن الضُّحى طاوٍ بني صهواتِه ... لزوايا غمام النثرة المترادف

ثم يسقط الطرف، ويطلع نظيره سعد بلع، ليومين يمضيان من الشباط ونوءه لست ليال، لأن الجبهة تقترن بما قبلها وما بعدها، ونوءها غزير طويل مثل نوء الثريا، ثم يسقط الجبهة لخمسة عشر يوماً من شباط، ويطلع رقيبها سعد السعود، ونوءها سبع ليال، فإذا سقطت الجبهة انكسر الشتاء، وولد الناس، واجتنى أوائل الكمأة، وسقطت الجمرة الأولى، ثم تسقط الزبرة ليوم تبقى من شباط ويطلع رقيبها سعد الأخبية، وهي الجمرة الوسطى، ومطرها ينسب إلى الجبهة لقربها منها، ونوءها أربع ليال ثم تسقط الصرفة لثلاثة عشر يوماً تمضي من آزار، ويطلع رقيبها فرغ الدلو، ونوءه ثلاث ليال وهو آخر نجوم الشتاء، وينصرف الشتاء وتمضي نصف السنة، وفي خمسة وعشرين يوماً من آذار يسقط العواء ويطلع رقيبه فرغ الدلو المؤخر ونوءه ثلاث ليال، وتخرج الشمس من الحوت وتدخل الحمل ثم يجري مصعده نحو الشمال، ويستوي الليل والنهار، وقد مضى خط الوسمي والشتاء من السنة ثم يجئ حد الصيف، فإذا طلع النطح وهو الشرطان كان أول الصيف وأول البوارح بطلوع النجوم لا بسقوطها، وبارح كل نجم الطلوع، ونوء العواء أربع ليال وهو أول الوسمي، ويسقط الحوت لثمان يمضين من تشرين الأول، ويطلع رقيبه السماك الأعزل ونوءه ليلة، ونوء الحوت ليس نوءه بغزير ولا مشهود ولا يكاد العرب تذكره في كلامها ولا أشعارها، وذلك أنه نوء قصير عندهم لا مطر فيه، ونوء الدلو غزير طويل فهو يغترف نوء الحوت فلا يكاد يذكر، ثم يسقط الشرطان، وهو النطح ويطلع رقيبة الغفر في أحد وعشرين يوماً من تشرين الأول، وهو عند العرب أغزر من الحوت. وهم له أذكر ومطره بإذن الله من أنفع المطر لأنه خير ولي للدلو، لا يجف ثرى الدلو حتى يكون السرطان له ولياً، لأنه ينوء حين تحتاج الأرض إلى المطر.
قال ذو الرمة:
حواءُ قرحاءُ أشراطية وكفت
ثم يسقط البطين غدوة، ويطلع رقيبة الزبانيان لثلاث يمضين من تشرين الآخر، وهو عندهم شر الأنواء يكرهون المطر فيه لأنه نزر قليل، وقل ما أصابهم إلا أخطأهم نوء الثريا، ونوءها أشرف الأنواء وأغزرها وهم لا يذكرون نوء البطين في شعر ولا غيره.
ثم يسقط الثريا وهي النجم فيعترض في الأفق سبعاً في ست عشرة يوماً تمضي من تشرين الآخر، ونوءه سبعة أيام ويطلع رقيبها الإكليل، ونوء الثريا أحب الأنواء إلى العرب لأنها تنوء وقد دخلوا في البرد، فإذا أصابهم نوءها، برقت الأرض سنتها فإذا جادهم وثقوا بالحيا بإذن الله، فإذا أخطأهم فهي السنة والقحط، إلا أن يكثر مطر الجبهة، ثم يسقط الدبران ويطلع رقيبه القلب لتسعة وعشرين يوم من تشرين الآخر، ويطلع مع النسر الواقع، وتسمى العرب قلب العقرب والنسر الواقع إذا طلعا الهرارين وليس سقوط الدبران وطلوع قلب العقرب النوء، ولا غرر، لأن نوء الثريا يفترق ما قبله وما بعده، ويقال أن ليس في السماء نجماً مما ينزل به القمر ثلاثة عشر يوماً، إلى أن يطلع الذي بعده، وذلك ما كان له بارح من منازل القمر فقد يكون البارح لغير المنازل، فيكون بارحه بقدر ما بينه وبين الذي يتلوه من الكواكب، فطلوع الشرطين لاثنتي عشرة تتبقى من نيسان، ويسقط الغفر ثم يطلع البطين ليوم يمضي من آيار، ويسقط الزبانيان، ثم يطلع النجم وهو الثريا، فأول البوارح بارح الثريا، وهو أقلها بارحاً، وبارحه لين، وربما سكن وابتداؤه اليوم الرابع عشر من آيار ومعه يطلع العيوق، فيكون بارحه ثلاثة عشر يوماً، ويهيج العود ويسقط رقيبه الإكليل، ثم يطلع الدبران اليوم السابع والعشرين من آيار، وبارحه أشد من بارح النجم واضع وهو بارح طيب لا يشتد فيه الشمال ولا الحرور، ويسقط رقيبه القلب ثم يطلع الهقعة وهو أول جوزاء عند العرب لعشر يمضي من حزيران، ويسقط رقيبها الشولة ويستر بارحها، وهو أول بارح في الجوزاء، وفيه يؤكل البلح، ويدرك بعض الفواكه، ثم يطلع الهنعة وهي آخر الجوزاء لثمان تبقى من حزيران وهو أشد ريحاً وحروراً وسموماً، ويسقط رقيبها النعائم وهو أول ما يرى الأحمر والأصفر من النسر وتحرق الرمضاء. قال ذو الرمة:
حدا بارح الجوزاء أعراف مورِه ... به وعجاج العقرب المتناوح
يجعل البارح للجوزاء وجعل العجاج للعقرب وإذا استتم طلوع الجوزاء واشتد الحر وأوردوا إبلهم قالوا للراعي: صر شطور إبلك لا توردها بهلاً يقول: حتى تجود بها لبناً.

فيصر خلفين من أخلاف الناقة، ويترك اثنين للفصيل. فإذا طلعت الشعرى قيل للراعي: ثلث فيصر ثلاثة أخلاف، فإذا طلع السهيل قيل للراعي: اجمع. فيصر أخلافها كلها فلذلك قالوا: " إذا طلع سهيل فلأم الفصيل الويل " وإنما الويل للفصيل لأنهم يصرون أخلاف الناقة كلها.
وإذا طلعت الجوزاء ترقدت المعزاء وكنست الظباء فلا تزال تقيل في مكانسها حتى تطلع العذرة، وطلوعها بين طلوع الشعرى وطلوع السهيل، ثم تطلع الشعرى الغميصاء وهي الذراع، وطلوعها لخمس تمضين من تموز وذلك أشد بوارح القيظ سموماً، وفيه أول إدراك البسر، ويسقط رقيبها البلدة، ويسقط النسر والواقع وهي أشد الوغرات وهي التي يغطس فيها الإنسان بين البئر والحوض، وعندها أو بعيدها قليلاً بسط المجرة وقالوا: جنى النخل بكرة، ولم تترك ذات در قطرة ثم طلع النثرة والشعرى والعبور لثماني عشرة من تموز وذلك أشد ما يكون من الحر التهاباً، والشعرى ليس لها نوء في المطر ووغرتها مثل وغرة جوزاء، ويسقط رقيبها سعد الذابح ثم يسقط الطرف لثلاث يمضين من آب، وتطلع معها الغدرة في تلك الغداة ويا رياح وغلة وحر شديد، وعند ذلك تؤكل الرطب ويسقط رقيبها سعد بلع.
وقالت العرب: إذا طلعت الغدرة، فعلة نكرة، في بلاد البصرة. ثم تطلع الجبهة لست عشرة تمضي من آب ويومئذ يرثى أهل الحجاز سهيلاً، وفيها بارح وحرور، ويكثر الرطب ويسقط رقيبها سعد السعود.
وسبعة وعشرين يوماً من آب يرى أهل البصرة سهيلاً، وسهيل الجبهة يطلعان في يوم واحد، وقالوا: إذا طلع سهيل رفع كيل، ووضع كيل، ولاح للفصيل الويل.
يقولون يرفع كيل الحب، ويوضع كيل الزبيب والتمر، ويفصل الفصيل غرامة. وعند طلوع سهيل، يقال: يا آل سهيل في الأوعية، لأنه يفسد كثيراً مما يتخذونه من الأشربة والمري والكواميخ وأكثر ذلك أن يطيب ليلة، فعند ذلك يقال: برد ماء الخرقاء، وذلك أن الماء يبرد من غير مبرد للماء، وماء الخرقاء التي لا تبرد بمنزله.
قال الشاعر:
إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرةٍ ... سهيل أذاعت غزلها في القرائب
والعرب تستغني بذكر سهيل عن ذكر الجبهة فلا يذكرونها في أشعارهم، ثم تطلع الزبرة وهي الخراتان، ويبرد الليل لسبعة وعشرين يوماً من آب ويستقل سيهل ويسقط رقيبها سعد الأخبية.
ثم يطلع الصرفة لعشر تمضين من أيلول، ويقال: إذا طلعت الصرفة انصرف القيظ، فند ذلك ابتداء السنة ودخول الصفرية، ويسقط رقيبها فرغ الدلو الأعلى ثم يطلع العواء لثلاثة وعشرين يوماً يمضين من أيلول، ويسقط رقيبه فرغ الدلو الأسفل، ثم يطلع السماك لست تمضي من تشرين الأول، ويسقط رقيبه بطن الحوت، فعند ذلك يصرم النخل وليس من هذه الوغرات وغرة إلا ولها بارح فإن اشتد هانت، وإن هان اشتدت فاستحقاق البوارح والوغرات من طلوع النجم إلى أن تنام الجوزاء، وذلك إلى استتمام طلوع الهنعة، ثم يطلع الغفر لسبعة عشر يوماً تمضي من تشرين الأول، ويسقط رقيبه الشرطان ثم يطلع الزبانيان ليومين يمضيان من تشرين الآخر، ويسقط رقيبها البطين ثم يطلع الإكليل لخمسة عشر يوماً من تشرين الآخر، ويسقط رقيبه النجم، ثم يطلع القلب لثمانية وعشرين يوماً تمضي من تشرين الآخر ويسقط رقيبه الدبران، ويطلع النسر الواقع، ثم يطلع الشولة اليوم التاسع من كانون الأول، ويسقط رقيبها الذراع، ثم يطلع سعد الذابح لثمانية أيام تمضي من كانون الآخر، ويسقط رقيبها النثرة، ثم يطلع سعد بلع لأحد وعشرين ويوماً من كانون الآخر، ويسقط رقيبه الجبهة، ثم يطلع سعد الأخبية لخمسة عشر يوماً تمضي من شباط، ويسقط رقيبه الزبرة، ثم يطلع فرغ الدلو المقدم ليوم تبقى من شباط، ويسقط رقيبه الصرفة. ثم يطلع فرغ الدلو المؤخر لإحدى عشرة يوماً تمضي من آزار، ويسقط رقيبه العواء، ثم يطلع الحوت لأربعة وعشرين يوماً تمضي من آذار، ويطلع رقيبه السماك.

وأول منازل القمر: الشرطان ويقولون هما قرنا الحمل، وهما كوكبان مفترقان عند الأعلى، الشامي منهما كوكب صغير، وتسميان أيضاً النطح وهما عن يمين المدقق ويدعيان أيضاً الإنسانين ولسقوطهما بالغداة نوء ليلة، ولطلوعهما بالغداه بارح ليلة والله أعلم. ثم ينزل بالبطين وهو بطن الحمل، وهو ثلاثة كواكب صغار متفرقات غير نيرات وهي عن يمين المنكب، ولسقوطهما نوء ثلاثة ليال، ولطلوعهما بارح ثلاث ليال. ثم ينزل بالثريا وهي ستة كواكب مجتمعات طمس على حلقه إلية الشاة، ونوءها سبع ليال وبارحها أربع ليل، ثم ينزل بالدبران ويسمى التابع والمجدح ويسميه بعض العرب الضيقة وهو كوكب أحمر نير، ويسمى الكواكب الصغار التي مع القلائص نوء ليلة، وبارحة ليلة وهو أول بوارح الصيف ويقصر القمر أحياناً فينزل بالضيقة وهي بين النجم والدبران كوكبان صغيران متقاربان كالملتصقين وقد قال الشاعر:
بضيقةِ بين النجمِ والدبرانِ
ثم ينزل بالهقعة وهي رأس الجوزاء وتسمى تحياه وهي ثلاثة كواكب متقاربة، كما تنكت في الأرض بالإبهام والسبابة الوسطى مضمومة، ونوءها ثلاث ليال وبارحها ليلة. ثم ينزل بالهنعة وهي في المجرة وبينهما وبين الذراع المقبوضة وهما كوكبان مقترنان، وعندهما يقطع القمر المجرة شامياً ونوءها ثلاث ليال وبارحها ليلة، ثم ينزل بذراع الأسد المقبوضة، وهما كوكبان نيران بنيهما كواكب صغار يقال لها الأظفار ويبعد أحياناً فينزل بالذراع المبسوطة وهما أيضاً كوكبان أحدهما نير يقال لها الشعرى الغميصاء، والآخر أصغر منه يميل إلى الحمرة يقال له المرزم وهو مرزم الذراع، ونوءها خمس ليال، وعند ذلك يشتد البرد، وبارحها ليلة وعند طلوعها تشتد رياح الصيف ويكثر الحرور والسموم، ثم ينزل بالنثرة وهي فم الأسد ومنخراه وهي لطخة صغيرة بين كوكبين صغيرين وتدعى أيضاً باللهاة، ولسقوطها نوء ليلة ولطلوعها بارح ليلة، وهو أشد ما يكون الحر، ثم ينزل بالطرف وهما كوكبان صغيران مفترقان، وهما عينا الأسد وقدام الطرف كواكب صغار يقال لها: الأشفار ونوءه ست ليال وفيه تنق الضفادع، وتتزاوج الطير وتهب الجنائب، ولطلوعه بارح ليلة، ثم ينزل بالجبهة وهي كواكب أربعة، وهو فيها عوج أحدهما براق وهو اليماني منها، ونوءها سبع ليال وفيه ينكسر حد الشتاء، وتورق الشجر، ويزقو المكاء، بارحها ليلة وسهيل يطلع بالحجاز مع طلوع الجبهة ثم ينزل بالخراتين وهما كوكبان نيران وهما زبرة الأسد، واسقوطهما نوء ثلاث ليال ويرى فيه المطر فإن أخلف فبرد شديد، ولطلوعهما بارح ثلاث ليال، ويرى سهيل بالعراق.
ثم ينزل بالصرفة وهي كوكب أزهر، عنده كواكب صغار طمس ويسمى قنب الأسد، ونوءها ثلاث ليال وعند طلوعها، برد الليل كله، ثم ينزل بالعواء وهي خمسة كواكب مصطفة كأنها كتابة ألف وتدعى وركا الأسد وبعضهم يقول: كلاب تتبع الأسد. ونوءها ليلة وبارحها ثلاث ليال وربما كان مطر هذا البارح لأنه يوافق نوء الدلو.
ثم ينزل السماك الأعزل وهو كوكب أزهر ويقال، أحد ساقي الأسد، والسماك الرامح الساق الأخرى، ويعدل أحياناً فينزل بعجز الأسد وهي أربعة كواكب أسفل العواء يمانية وتدعى أيضاً: عرش السماك، ولسقوط السماك نوء ليلة، ولطلوعه بارح ليلة ثم ينزل بالغفر وهو ثلاثة كواكب غير زهر، ثم كوكبان مفترقان وهما قرنا العقرب ويسميهما أهل الشام يدا العقرب، ثم ينزل بالإكليل وهو رأس العقرب وهو ثلاثة كواكب مصطفة، ثم ينزل بالشولة وهي ذنب العقرب ويسميها أهل الشام الإمرة، وتقصر أحياناً فينزل بالغفر مما بين القلب والشولة، ثم ينزل بالنعائم وهي ثمانية كواكب زهر، منها أربعة وارد في المجرة، ويسمى النعام الواردة وأربعة خارجة منها تدعى النعام الصادرة، ويدعى موضع النعائم الوصل، ثم ينزل بالبلدة وهي رقعة فيما بين النعائم وسعد الذابح، موضع قفر ليس فيه كوكب إلا خفي، ويعدل القمر أحياناً فينزل بالقلادة، وهي كواكب صغار مستديرة خفية فوق البلدة، ثم ينزل سعد الذابح وهو كوكبان صغيران مقترنان أحدهما مرتفع في الشمال والأخر هابط في الجنوب، عند الأعلى منهما كوكب صغير يقال هي شاته التي يذبحها، وبين الكوكبين قدر ذراع في العين وكذلك كل سعد في السعود.
ثم ينزل بسعد بلع، وهما كوكبان صغيران مستويان في المجرى.

ثم ينزل بسعد السعود وهو ثلاثة كواكب أحدهما أنور من الآخرين ويقصر القمر أحياناً، فينزل بسعد بأثره، وهما كوكبان أسفل من سعد السعود، ثم ينزل بسعد الأخبية وهو أربعة كواكب، واحد منها في وسطها، ثم ينزل بعرقوة الدلو العليا، وهي كوكبان أزهران مفترقان يقال لهما فرغا الخريف، ويدعيان ناهزى الدلو المقدمين، والناهز الذي يحرك الدلو ليمتلئ، ثم ينزل بعرقوة الدلو السفلى وهي كوكبان أزهران مفرقان ويقال لهما فرعا الربيع ويدعيان ناهزى الدلو المؤخرين، ولسقوطهما بالغداة نوء أربع ليال، ولطلوعهما بالغداة بارح ليلة، ويقصر القمر أحياناً فينزل بالكرب، والكرب الذي في وسط العراق، وربما نزل ببلدة الثعلب وهي بين الدلو والسمكة عن يمين المرفق ثم ينزل ببطن السمكة وهو كوكب أزهر نير في وسط منها مما يلي الرأس، وصورة السمكة عن يمين المرفق ثم ينزل ببطن السمكة وهو كوكب أزهر نير في وسط منها مما يلي الرأس، وصورة السمكة التي في المجرى على حلقة السمكة كواكب تنفرج في فم السمكة فلا تزال تتسع كالجبلين إلى وسطها، ثم لا تزال تنضم إلى ذنبها ويعدل القمر أحياناً فينزل بالسمكة الصغرى وهي أعلاهما في الشمال على مثل صورتها إلا أنها أعرض وأقصر، وهي تحت نحر الناقة، ولها نوء ليلة عند العرب ولطلوعها بالغداة بارح ليلة.
قد ذكرنا منازل القمر وما قيل من العرب في الأنواء والبوارج والمنازل ونذكر الآن صور الكواكب على مذهب المنجمين، ونسب كل كوكب عرفته العرب إلى موضعه منها بعون الله وتوفيقه.
قالوا: إن جميع الكواكب المرصودة سوى الصغار التي لم ترصد ألف واثنان وعشرون كوكباً سوى الصغيرة وهي ثلاثة كواكب تجمعها ثمان وأربعون صورة، منها في النصف الشمالي إحدى وعشرون صورة وأسماؤها الدب الأَصغر، والدب الأكبر، كوكبة التنين، قيقاوس العواء الذي يقال له الصياح، الإكليل الشمالي وهو الفكة، الجاثي على ركبته، الشلياق وهو النسر الواقع، الطائر وهو الدجاجة، ذات الكرسي، برشاوش وهو حامل رأس الغول، ممسك الأعنة، الحواء الذي يمسك الحية، حية الحواء، السهم، العقاب وهو النسر الطائر، الدلفين، قطعة الفرس الثاني المسلسلة، المثلث كوكبة الفرس الأعظم.
وعدد كواكب هذه الصورة التي من نفس الصورة ثلاثمائة وواحد وعشرون كوكباً، والتي حوالي الصور تسعة وعشرون كوكباً، ومنها على فلك البروج اثنتا عشرة صورة وهي: الحمل، والثور والتوأمان، والسرطان، والأسد، والعذراء، والميزان، والعقرب، والرامي والجدي، وساكب الماء وهو الدلو، والسمكتان وهما الحوت.
وكواكبها من نفس الصور مائتان وتسعة وثمانون كوكباً وحوالي الصور سبعة وخمسون كوكباً سوى الضفيرة، ومنها في النصف الجنوبي خمس عشرة صورة وهي قيطس، والجبار وهو الجوزاء، النهر، الأرنب، الكلب الأصغر، السفينة، الشجاع، الباطئة، الغراب، قيطورس، الضبع، المجمرة، الإكليل الجنوبي، الحوت الجنوبي وكواكبها مائتا وسبعة وتسعون كوكباً، وحوالي الصور تسعة عشر كوكباً.
فأول الصور كوكبة الدب الأصغر وكواكبها من نفس الصورة سبعة منها ثلاثة على الذنب: وأربعة على مربع مستطيل. والعرب تسميه بنات نعش الصغرى، منها أربعة التي على المربع نعش والثلاثة التي على الذنب بنات وتسمى النيرين من الأربعة الفرقدين، والنير الذي على طرف الذنب الجدي، وهو الذي يتوخى به القبلة، وموضع الثلاثة التي على الذنب من قسمة البروج في الجوزاء والأربعة الأخرى في السرطان.

====================ج10.------========ج 10 10 10 ============


كتاب : نثر الدر

المؤلف : الآبي

قيل لأرسطاطاليس: ما بال الحسدة يحزنون أبداً؟ فقال: لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من الشر فقط، بل لما ينال الناس أيضاً من الخير.
وقال: الإفلال حصن للعاقل من الرذائل، وطريق إليها للجاهل.
قيل لفيلسوف: ما صناعة الخطيب؛ قال: أن يعظِّم شأن الأشياء الحقيرة، ويصغِّر شأن الأشياء العظيمة.
قال آخر: الدنيا لذات معدودة: منها لذة ساعة، ولذة يوم، ولذة ثلاثة، ولذة شهر، ولذة سنة، ولذة الدهر، فأما لذة ساعة فالجماع، وأما لذة يوم فمجلس شراب، وأما لذة ثلاثة فلين البدن بعد الاستحمام، وأما لذة شهر فالفرح بالعرس، وأما لذة سنة بالفرح بالمولود الذكر، وأما لذة الدهر فلقاء الإخوان مع الجدة.
قال آخر: التفكر في الخير يدعو إلى العمل به، والتفكر بالشر يدعو إلى تركه.
قال آخر: العشق جهل عارض وافق قلباً فارغاً.
قال أرسطاطاليس للإسكندر: احفظ عني ثلاث خصال، قال: وما هن؟ قال: صل عجلتك بتأنيك، وسطوتك برفقك، وضرك بنفعك، قال: زدني، قال: انصر الحق على الهوى تملك الأرض ملك الاستعباد.
قال أفلاطون: تُعرف خساسة المرء بكثرة كلامه بما لا ينفعه، وإخباره بما لا يسأل عنه.
وقال: لا تؤخر إنالة المحتاج إلى غد، فإنك لا تدري ما يعرض في غد.
وقال: أعن المبتلى إذا لم يكن سوء عمله ابتلاه.
وقال: إن تعبت في البر فإن التعب يزول والبر يبقى، وإن التذذت بالآثام فإن اللذة تزول والآثام تبقى.
وقال: أجهل الجهال من عثر بحجر مرتين.
وقال: كفاك موبخاً على الكذب علمك بأنك كاذب، وكفاك ناهياً عنه خوفك إذا كذبت.
كان على خاتم فيثاغورس " شر لا يدوم خير من خير لا يدوم " .
قال آخر: العالم يعرف الجاهل؛ لأنه كان جاهلاً، والجاهل لا يعرف العالم؛ لأنه لم يكن عالماً.
قال آخر: الهالك على الدنيا رجلان: رجل نافس في عزها، ورجل آنف من ذلها.
قال آخر: " من زاد أدبه على عقله كان كالراعي الضعيف مع غنم كثير " .
قال آخر: أعجب ما في الإنسان أن ينقص ماله فبقلق، وينقص عمره فلا يقلق.
قال آخر: الشكر محتاج إلى القبول، والحسب محتاج إلى الأدب، والسرور محتاج إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودة، والمعرفة محتاجة إلى التجارب، والشرف محتاج إلى التواضع، والنجدة محتاجة إلى الجد.
قال رجل لسقراط، ورآه يأكل العشب: لو خدمت الملك لم تحتج أن تأكل الحشيش، فقال له: لو أكلت الحشيش لم تحتج أن تخدم الملوك.
قال بعضهم لولده يحثهم على الكسب: لا تتكلوا على البخت؛ فإنه ربما لم يكن وربما كان وذهب، فأما الحسب فرأيته بلاءً على أهله، فإنه يقال للناقص: هذا ابن فلان فيتضاعف غمه وعاره، ولو لم يكن في العلم إلا أن العالم يكرم وإن لم يكسب لكفاه.
حكي عن الإسكندر أنه لما احتضر كتب إلى أمه وهي بالإسكندرية: إذا قرأت كتابي يا أمه فاصنعي طعاماً كثيراً وأطعميه للناس، ولا تطعمي منه إلا من لم تصبه مصيبة، فعرفت موته.
قال بعضهم لسقراط: ذكرتك لفلان فلم يعرفك، فقال: لا يضرني ألا يعرفني هو، ويضره ألا يعرفني ولا أعرفه، لأني لا أعنى بمعرفة خسيس، ولا يجهل مثلي إلا خسيس.
قيل لبعضهم: ما بالكم لا تأنفون من التعلم من كل أحد؟ قال: لأنا قد علمنا أن العلم نافع من حيث أصيب.
قيل لآخر ألا تخوض معنا في حديثنا؟ فقال: الحظ للمرء في أذنه، والحظ في لسانه لغيره.
قيل لآخر: أي الحيوان لا يشبع؟ قال: الذي يربح.
قيل لأفلاطون: ما بالكم إذا أصبتم الشيء الذي يسركم تسرون به، وإذا أصابكم الشيء الذي يغم لم يغمكم؟ قال: لأن الشيئين جميعاً إما أن يتركانا أو نتركهما.
وقيل له: فلان يخضب بالسواد، فقال: لأنه يكره أن يؤخذ بحنكة الشيخ.
قال آخر: لتلميذ له فهمه شيئاً: أفهمت؟ قال: نعم، قال: كذبت؛ لأن دليل الفهم السرور، ولم أرك سررت.
قيل لآخر: متى يحمد الكذب؟ قال: إذا قرب بين المتقاطعين، قيل: فمتى يذم الصدق؟ قال: إذا كان غيبة، قال فمتى يكون قليل البذل أحمد؟ قال: إذا كان قليله في الحقوق، وكثيره في الفسوق، قيل: فمتى يكون الصمت خيراً؟ قال: عند النساء.
قيل لإيدجانس: ألك بيت تستريح فيه؟ قال: حيث أستريح فهو بيتي.
ونظر رجل إلى حكيم يجامع فقال له: أي شيء تعمل؟ قال: إنساناً إن تم.
قيل لسقراط: أي السباع أحسن؟ قال: المرأة.

صعد إيدجانس إلى موضع عال ثم صاح، معاشر الناس، فاجتمعت العامة إليه من كل جانب، فقال: ما بالكم؟ لم أدعكم، إنما دعوت الناس.
قال سولون: أصلح ما عوشر به الملوك قلة الخلاف وتخفيف المؤونة.
وسئل: ما أصعب الأشياء على الإنسان؟ فقال: أن يعرف نفسه، ويكتم سره.
سقراط: استشاره فتى في التزوج فقال له: احذر من أن يعرض لك ما يعرض للسمك في المصيدة، فإن الخارج عنها يطلب الدخول فيها والداخل فيها بطلب الخروج منها.
دخل أرسطاطاليس إلى الإسكندر ليعزيه بفجيعة فتأخر عن المعزين ثم قال: لم أدخل إليك لأعزيك، ولكن لأرى صبرك على المصائب فأقتني ذلك منك.
رأى ديوجانس تعلّم الكتابة فقال: سهم يسقى سماً.
وسئل عن وقت الغداء فقال: لمن أمكنه إذا احتاج، ولمن لا يمكنه إذا وجد.
وقيل له: ما الغنى؟ فقال: الكف عن الشهوات.
وسئل ما الذي ينبغي للرجل أن يتحفظ منه؟ قال: يتحفظ من حسد إخوانه، ومكر أعدائه.
قال قراطيس: " إن أحببت ألا تفوتك شهوتك فاشته ما يمكنك " .
جلس الإسكندر يوماً فلم يسأله أحد حاجة، فقال لجلسائه، إني لا أعد هذا اليوم من أيام ملكي.
قال سولون: " الجواد من جاد بماله، وصان نفسه عن مال غيره " .
قال أفلاطون: لا ينبغي للعاقل أن يتمنى لصديقه الغنى فيزهو عليه، ولكن يتمنى أن يساويه في الحال.
سأل الإسكندر حكماء أهل بابل: أيما أبلغ عندكم الشجاعة أو العدل؟ قالوا: إذا استعملنا العدل استغنينا عن الشجاعة.
كتب أرسطاليس إلى الإسكندر: املك الرعية بالإحسان فإنها إذا قدرت أن تقول قدرت أن تفعل، فاجتهد ألا تقول تسلم من أن تفعل.
قال بعضهم لا سر إلا في مكيدة تحاول، أو منزلة تزاول، أو سريرة مدخولة تكتم، ولا حاجة في ظهور شيء من ذلك.
وقال: " ما كتمته عدوك فلا تظهر عليه صديقك " .
سئل بعضهم: أي شيء أولى أن يتعلمه الأحداث؟ فقال: الأشياء التي إذا صاروا رجالاً احتاجوا إليها.
هم الإسكندر بأن يوجه رسولاً إلى الفرس ثم تخوَّف أن يغدر به، فقال له الرسول: أيها الملك إن نفسي طيبة بأن أُقتل فيما تحب، فقال له الإسكندر: والواجب أن أشفق على مثلك.
سئل أرسطاطاليس: أي شيء أصعب على الإنسان تحملاً؟ فقال: السكوت.
سئل ديوجانس عن رجل يعرفه هل هو غني؟ فقال: أنا أعلم أن له مالاً، ولكني لا أعلم أغنيٌّ هو أم لا؟ لأني لست أدري كيف عمله في ماله.
سئل بعضهم ملوكهم أين أموالك وكنوزك؟ فالتفت إلى أصحابه و قال: عند هؤلاء.
قيل لبعض الحكماء: إنه يصعب أن ينال الإنسان ما لا يشتهي، فقال: أصعب من ذلك أن يشتهي ما لا يناله.
لتز أفلاطون على الزهد في المال فقال: كيف يرغب فيما يُنال بالبخت لا بالاستحقاق، ويأمر البخل والشَّرَهُ بحفظه، والجود والزهد بإتلافه؟.
وسئل ما أصلح حالات المدن؟ فقال: أن يتفلسف ملوكها، ويملك فلاسفتها.
و قال: ينبغي إذا عوقب الحدث أن يترك له موضع من ذنبه لئلا يحمله الإحراج على المكابرة.
وسئل بماذا ينتقم الإنسان من عدوه؟ قال: بأن يتزيد فضلاً في نفسه.
قال أرسطاطاليس: لا ينبغي للملك أن يرغب في الكرامة التي ينالها من العامة طوعاً أو كرهاً، ولكن في التي يستحقها بحُسن الأثر، وصواب التدبير.
أُهدي إلى الإسكندر أوانٍ من فخار فاستحسنها ثم أمر بكسرها، فسئل عن ذلك فقال: علمت أنها تُكسر على أيدي الخدم واحداً واحدا فيهيج في الغضب، فأرحت نفسي منها مرةً واحدة.
قيل لجادوسيس الصقلي: إنك من مدينة خسيسة، فقال أما أنا فيلزمني العار من قبل بلدي، وأما أنت فعار لازم لأهل بلدك.
وعيّر آخر سقراط بنسبه فقال سقراط: نسبي مني ابتدأ، ونسبك إليك انتهى.
قيل لأفلاطون: لم لا نكاد تجتمع الحكمة والمال؟ فقال: لعزة وجود الكمال.
قيل لبعضهم: ما الشر المحبوب؟ فقال: الغنى.
قيل لبعضهم: إن فلاناً يشتمك بالغيب، فقال: لو ضربني بالغيب لم أبال.
قيل لأرسطاطاليس: ما بال الحسدة يحزنون أبدا؟ قال: لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من الشر فقط، بل لما ينال الناس من الخير أيضاً.
وقال: " كيف يرجو العقل النجاه، والهوى والشهوة قد اكتنفاه " .
قال الإسكندر لبعض حكماء بابل: أوصني، فقال: " لا تكثر القنية فإنها ينبوع الأحزان " .
قال سقراط إذا كان العالم غير معلم قل غناء علمه كما يقل غناء المكثر البخيل.

وقال أرسطاطاليس: يمنع الجاهل أن يجد ألم الحمق المستقر في قلبه ما يمنع السكران من أن يجد مس الشوكة تدخل في يده.
كان سقراط يقول: " القنية مخدومة ومن خدم غير نفسه فليس بحر " .
وقيل له: بأي خصلة تتفضل على أهل زمانك؟ فقال: بأن غرضهم في الحياة أن يأكلوا، وغرضي في الأكل أن أحيا.
تزوج بعضهم امرأة نحيفة، فقيل له في ذلك، فقال: اخترت من الشر أقله.
وقيل لآخر أراد سفراً: تموت في الغربة، فقال: ليس بين الموت في الوطن والموت في الغربة فرق؛ لأن الطريق إلى الآخرة واحد.
رأى أفلاطون مدعياً للصراع - ولم يكن صرع أحداً قط - تحول طبيباً، فقال: الآن أحكمت الصراع، يتهيأ لك أن تصرع من شئت.
وصف للإسكندر حسن بنات دارا وجمالهن، فقال: من القبيح أن نغلب رجال قوم، ويغلبنا نساؤهم.
تحاكم إلى الإسكندر رجلان من أصحابه فقال لهما: الحكم يرضي أحدكما ويسخط الآخر، فاستعملا الحق ليرضيكما جميعاً.
قال سقراط: " العامة إذا رأت منازل الخاصة حسدتها عليها، وتمنت أمثالها، فإذا رأت مصارعها تُدالها " .
وقال: " العفو يفسد من اللئيم بقدر ما يصلح من الكريم " .
وسافر مرة مع بعض الأغنياء، فقيل له: في الطريق صعاليك يأخذون سلب الناس ويطالبونهم بالمال، فقال الغني: الويل لي إن عرفوني، فقال سقراط: الويل لي إن لم يعرفوني.
قال الإسكندر لأرسطاطاليس: أوصني في عمالي خاصة، فقال: انظر من كان له عبيد فأحسن سياستهم فولّه الجند، ومن كانت له ضيعة فأحسن تدبيرها فوله الخراج.
قيل لحكيم: ما الشيء الذي لا يُستغنى عنه؟ قال: التوفيق.
كتب فيلسوف على بابه لا يدخل هذا المنزل شر، فقال له ديوجانس: فمن أين تدخل امرأتك إذن؟.
رأى ديوجانس رجلين لا يفترقان، فسأل عنهما، فقيل: إنهما صديقان، فقال: فما بال أحدهما فقير والآخر غني؟.
قيل لأفلاطون: لم يخضب فلان بالسواد؟ قال: يكره أن يؤخذ بحنكة الشيخ.
نظر فيلسوف إلى رجل يرمي، وسهامه تذهب يميناً وشمالا، فقعد موضع الهدف، فقيل له في ذلك، فقال: لم أر موضعاً أسلم منه.
قال سقراط: ليس ينبغي أن يقع التصديق إلا بما يصح، ولا العمل إلا بما يحل، ولا الابتداء إلا بما تحمد فيه العاقبة.
دخل رجل على بعضهم وهو يأكل خبزاً يابساً قد بله في الماء فقال: كيف تشتهي هذا؟ قال: أدعه حتى أشتهيه.
حكي عن الإسكندر أنه قال: علم النجوم ضربان: غامض دقيق لا يُدرى غوره وظاهر جليل لا يؤمن خطاؤه.
قيل لبقراط: مالك لا تشاهد الناس؟ قال: لأني وجدت الانفراد بالخلوة أجمع لدواعي السلوة، وعز في الوحدة خير من ذل في الجماعة، والوحدة أسهل من مداراة الخلطة.
قصد الإسكندر موضعاً لمحاربة أهله، فحاربه النساء فكف عنهن، وقال: هذا جيش إن غلبناه لم يكن فيه فخر، وإن غلبوا كانت الفضيحة.
قال سقراط: " اللين جوهر الكرم، والشدة جوهر اللؤم " .
وقال أرسطاطاليس: " لكل شيء صناعة، وحسن الاختيار صناعة العقل " .
وقال بقراط: " من ضر نفسه لنفع غيره فهو أحمق " .
وقال: " للمرأة ستران: بعلها وقبرها " .
وقال: " من حسدك لم يشكرك على إحسانك إليه " .
وقال الإسكندر: " البغي آخر مدة الملوك " .
وقال: " الاستطالة تهدم الصنيعة " .
قال بقراط: " لأن يكون الحر عبداً لعبيده خير من أن يكون عبداً لشهواته " .
قال بعض الفلاسفة: " أنقص الناس عقلاً من ظلم من دونه " .
قيل لبعضهم: لم تخالط السفل؟ فقال: لأن الحكماء قد فقدوا.
وقيل لآخر: أي العلوم أفضل؟ قال: ما العامة فيه أزهد.
قال فيلسوف لأهل مدينته: ليت طبيبكم كان صاحب جيشكم فإنه قد قتل الخلق وليت صاحب جيشكم كان طبيبكم؛ فإنه لم يقتل أحداً قط.
قال أفلاطون: من جهل الشيء ولم يسأل عنه جمع على نفسه فضيحتين.
وقال: أشرف الناس من بذل مع الإضاقة، وصدق عند الغضب.
قال بقراط: ينبغي للعاقل إذا أصبح أن ينظر في المرآة، فإن كان وجهه حسناً لم يشنه بقبيح، وإن كان قبيحاً لم يجمع بين قبيحين.
ذكر المال عند أفلاطون فقال: ما أصنع بما يعطيه الحظ، ويحفظه اللؤم، ويهلكه الكرم.
قال بعضهم لسقراط: ما أفقرك! فقال: لو عرفت راحة الفقر لشغلك التوجع لنفسك عن التوجع لي، فالفقر ملك ليس عليه محاسبة.
كتب الإسكندر من بلاد فارس إلى أرسطاطاليس: من الإسكندر الملك إلى الأرسطاطاليس الحكيم، عليك منا السلام. أما بعد:

فإن دوائر الأسباب ومواقع العلل وإن كانت أسعدتنا بالأمور التي أصبح الناس لنا بها دائنين، فإنا جد واجدين لمس الاضطرار إلى حكمتك، غير جاحدين للإقرار بفضلك، والاستتامة إل مشورتك، والاجتباء لرأيك، والاعتقاد لأمرك ونهيت، لما بلونا من جداء ذلك علينا، وذقنا من جنى منفعته، حتى صار ذلك بنخوعه فينا، وترشيحه لعقولنا، كالغذاء لنا، فما ننفك نعول عليه، ونستمد منه، كاستمداد الجداول من البحور، وتحويل الفروع على الأصول، وقوة الأشكال بالأشكال.
وقد كان فيما سبق إلينا من النصر والفلج، وأتيح لنا من الظفر والقهر، وبلغناه من العدو من النكاية، ما يعجز القول عن وصفه، ويقصر الشكر للمنعم على الإنعام به.
وإنه كان من ذلك أنا جاوزنا أرض سرية والجزيرة وبابل إلى أرض فارس، فلما حللنا بعقوة أهلها وساحة بلادهم لم يكن ذلك إلا ريثما أن تلقانا نفر منهم برأس ملكهم هدية إلينا، وطلباً للحظوة عندنا، فأمرنا بصلب من جاء به وشهرته؛ لسوء بلائه، وقلة ارعوائه ووفائه.
ثم أمرنا بجمع من كان هنالك من أبناء ملوكهم وأحرارهم وذوي الشرف منهم، فرأينا رجالاً عظيمة أجسامهم وأحلامهم، حاضرة ألبابهم وأذهانهم، رائعة مناظرهم ومناطقهم، دليلاً ما ظهر من روائهم أن وراءه من قوة أيديهم، وشدة بأسهم وتحديهم، ما لم يكن ليكون لنا معه سبيل إلى غلبتهم، وإعطابهم بأيديهم، لو لا أن القضاء أدالنا منهم، وأظفرنا بهم، وأظهرنا عليهم، ولم نر بعيداً من الرأي في أمرهم أن نستأصل شأفتهم، ونجتث أصلهم، ونلحقهم بمن مضى من أسلافهم، لنسكن القلوب بذلك إلى الأمن من جرائرهم وبوائقهم، فرأينا ألا نعجل بإسعاف بادي الرأي في قتلهم، دون الاستظهار عليهم بمشورتك فيهم، فارفع إلينا مشورتك فيما استشرناك فيه بعد صحته عندك، وتقليبك إياه على نظرك. وسلام أهل السلام فليكن علينا وعليك.
فأجابه أرسطاطاليس: للإسكندر المؤيد بالنصر على الأعداء المهدي الظفر بالملوك من أصغر عبيده وأوضع خوله أرسطاطاليس الخنوع بالسجود، والتذلل في السلام، والإذعان بالطاعة. أما بعد: فإنه لا قوة بالنطق - وإن احتشد الناطق فيه، واجتهد في تثقيف معانيه، وتأليف حروفه - على الإحاطة بأقل ما يناله العذر من بسطة علو الملك، وسمو ارتفاعه عن كل قول، وإيتائه على كل وصف، واغترابه لكل إطناب.
وقد تقرر عندي من مقدمات أعلام فضل الملك في مهلة سبقه، وبروز شأوه، ويمن نقيبته - منذ أدت إلى حاسة بصري صورة شخصه، واضطرب في حس سمعي صوت لفظه ووقع وهمي على تعقب مخارج رأيه، أيام كنت أؤدي إليه من تعليمي إياه - ما أصبحت قاضياً على نفسي بالحاجة إلى تعلمه منه.
ومهما يكن مني إليه في ذلك فإنما هو عقل مردود إلى عقله، مستنبطة أوائله وتواليه من علمه وحكمته، وقد حكى لي كتاب الملك مخاطبته إياي ومسألته لي عما لا يتخالجني الشك في أن لقاح ذلك ونتاجه من عنده صدر، وعليه كان ورد.
وأنا فيما أشير به على الملك - وإن اجتهدت فيه، واحتشدت له، وتجاوزت حد الوسع والطاقة مني في استنظافه - كالعدم مع الوجود، بل كما لا يتجزى في جنب أعظم الأشياء، ولكني غير ممتنع من إجابة الملك إلى ما سأل على يقيني تعظيم غناه عني وشدة فاقتي إليه، وأنا راد إلى الملك ما أفدته منه، ومشير عليه بما أخذته عنه، فقائل له: إن لكل تربة لا محالة قسماً من كل فضيلة، وإن لفارس قسمتها من النجدة والقوة، وإنك إن تقتل أشرافهم تخلّف الوضعاء بأعقابهم، وترث سفلتهم منازل عليتهم، ويغلب أدنياؤهم على مراتب ذوي أخطارهم، ولم يبتل الملوك قط ببلاء هو أعظم عليهم، وأشدتوهيناً لسلطانهم من غلبة السفلة وذل الوجوه، فاحذر الحذر كله أن تمكن تلك الطبقة من الغلبة والحركة، وإن نجم منهم بعد اليوم على جندك وأهل بلدك ناجم دهمهم منه مالاً روية فيه ولا بقية معه.

فانصرف عن هذا الرأي إلى غيره، واعمد إلى من قبلك من أولئك العظماء والأحرار فوزع بينهم مملكتهم، وألزم اسم الملك كل من وليته منهم ناحية، واعقد التاج على رأسه، وإن صغر ملكه، فإن المتسمي بالملك لازم لاسمه، والمعتقد التاج لا يخضع لغيره، ولا ينشب ذلك أن يوقع بين كل ملك منهم وبين صاحبه تدابراً وتقاطعاً وتغالباً على المُلك، وتفاخراً بالمال حتى ينسوا بذلك أضغانهم عليك، وأوتارهم قبلك، وتعود حربهم لك حرباً بينهم، وحنقهم عليك حنقا منهم على أنفسهم، ثم لا يزدادون في ذلك بصيرة إلا أحدثوا بها لك استقامة، فإن دنوت منهم دانوا لك، وإن نأيت عنهم تعززوا بك، حتى يثبت كل ملك منهم على جاره باسمك، ويسترهبه بجندك، وفي ذلك شاغل لهم عنك، وأمان لأحداثهم بعدك، ولا أمان للدهر، ولا ثقة بالأيام.
قد أديت إلى الملك ما رأيته لي حظاً، وعليّ حقاً من إجابتي إياه إلى ما سألني عنه، مع أدائي النصيحة إليه فيه، والملك أعلى عينا، وأنفذ رويةً، واصل رأيا، وأبعد همة فيما استعان بي عليه، وكلفني تبيينه له، والمشورة به، فلا زال الملك متغرفاً من فوائد النعم، وعواقب الصنع، وتوطد الملك، وتنقل الأجل، ودرك الأمل، ما تأتي فيه مقدرته على غاية قصوى ما ينال البشر، والسلام الذي لا انقضاء له ولا انتهاء ولا مدة فليكن على المُلك والمَلك.
الباب الثالث
حكم ونوادر للفرسفي رسالة كسرى إلى الهرمزان: اما بعد: فإنه لو كان الملوك يعرفون من حاجتهم إلى ذوي الرأي مثل الذي يعرف أهل الرأي من حاجتهم إلى الملوك لم يكن عجباً أن ترى مواكب الملوك على أبواب العلماء، كما ترى مواكب العلماء على أبواب الملوك، ولذلك قال الأولون: " إذا أراد الله بأمة خيراً جعل المُلك في علمائهم والعلم في ملوكهم " .
قال كسرى: أنا على ما لم أقل أقدر مني على رد ما قد قلته.
وقال: اجتماع المال عند الأسخياء أحد الحصبين واجتماعه عند البخلاء أحد الجدبين.
وقال: من عمل عمل أبيه كفي نصف التعب.
قال بزرجمهر: التذلل للغلبة في حينها خير من الظفر في غير حينه.
نظر ملك منهم يوماً إلى مُلكه فأعجبه فقال: إن هذا لمُلك إن لم يكن بعده هلك! وإنه لسرور لولا أنه غرور، وإنه يوم لو كان يوثق له بغد.
قيل لبزرجمهر: هل تعرف نعمة لا يحسد صاحبها عليها؟ قال: نعم، التواضع.
قيل: فهل تعرف بلاء لا يرحم صاحبه؟ قال: نعم، العُجب.
وقال: ما أحسن الصبر لولا أن النفقة عليه من العمر.
قال له أنوشروان: متى يكون العي فصيحاً؟ قال: إذا وصف حبيباً.
قال بعضهم: الصدق زين إلا أن يكون سعايةً، فإن الساعي أخبث ما يكون إذا صدق.
وقال بعضهم: من زعم أنه لا يحب المال فهو عندي كاذب حتى يثبت صدقه، فإذا ثبت صدقه فهو عندي أحمق.
سئل بزرجمهر عن الرزق قال: إن كان قد قسم فلا تعجله، وإن كان لم يقسم فلا تتعبه.
وقال: المصطنع إلى اللئيم كمن طوق الخنزير ثبرا، وقرّط الكلب دُرّا، وألبس الحمار وشيا،وألقم الحية شهدا.
وقال: من قوي فليقو على طاعة الله، ومن ضعف فليضعف عن محارم الله.
وكان يقول: السعيد يتبع الرزق، والشقي يتبع مسقط الرأس.
وقيل له: أي العيوب أقبح؟ قال: قلة معرفة الرجل بنفسه.
كتب رجل من الخاصة إلى أنوشروان: إن رجلاً من العامة دعاه إلى منزله فأطعمه من طعام الخاصة وسقاه من شرابها، وقد كان الملك نهى عن ذلك وأوعد فيه، فأحببت ألا أطوي عنه خبراً. فوقّع في كتابه: أحمدنا نصيحتك، وذممنا صاحبك لسوء اختياره الإخوان.
قال بزرجمهر لكسرى، وعنده أولاده: أي أولادك أحب إليك؟ قال: أرغبهم في الأدب، وأجزعهم من العار، وأنظرهم إلى الطبقة التي فوقه.
وقال: من عيب الدنيا أنها لا تعطي أحداً استحقاقه، إما أن تزيده وإما أن تنقصه.
وقال بزرجمهر: الحازم إذا أشكل عليه الرأي بمنزلة من أضل لؤلؤة فجمع ما حول مسقطها من التراب ثم التمسها حتى وجدها، فكذلك الحازم يجمع وجوه الرأي في الأمر المشكل ثم يضرب بعضه ببعض حتى يخلص الرأي.
رفع إلى أنوشروان إن عامل الأهواز قد جبى من المال ما يزيد على الواجب في وقته، وأن ذلك أجحف بالرعية، فوقّع: رد هذا المال إلى هؤلاء الضعفاء؛ فإن تكثير الملك لماله بظلم رعيته بمنزلة من حصّن سطوحه بما اقتلعه من قواعد بنيانه.

قال بزرجمهر: " الملوك تعاقب بالهجران ولا تعاقب بالحرمان " .
قال أردشير: " الدين أس، والملك حارس، وما لم يكن له أس فمهدوم، وما لم يكن له حارس فضائع " .
كان على عهد كسرى رجل يقول: من يشتري ثلاث كلمات بألف دينار؟ فيُطنز منه، إلى أن اتصل البريد فأنهى خبره إلى كسرى، فأحضره وسأله عنها. فالتمس إحضار المال فأحضر، فقال الرجل: ليس في الناس كلهم خير، فقال كسرى: هذا صحيح، ثم قال: ولا بد منهم، فقال: صدقت، والثالث أي شيء؟ قال: فالبسهم على قدر ذلك، فقال له كسرى: قد استوجبت المال فخذه، قال: لا حاجة لي به، قال: فلم طلبته؟ قال: لأني أردت أن أرى من يشتري الحكمة بالمال، فاجتهد به كسرى في قبوله، فأبى أن يقبل.
قال كسرى لبعض عماله: كيف نومك بالليل؟ قال: أنامه كله، قال: أحسنت لو سُرقت ما نمت هذا النوم!.
وقال لأصحابه: أي شيء أضر على الإنسان؟ قالوا: الفقر، فقال كسرى: الشح أضر منه؛ لأن الفقير إذا وجد اتسع، والشحيح لا يتسع وإن وجد.
وكان ملوك الفرس إذا بلغهم أن كلباً مات في قرية لا يعرف لموته سبب أمروا بأخذ أهل القرية بالبينة بأن الكلب مات حتف أنفه لم يمت جوعاً.
قال بزرجمهر: لا شرف إلا شرف العقل، ولا غنى إلا غنى النفس.
قال أنوشروان: العطلة تهيج الفكرة، والفكرة تهيج الفتنة.
وكان على خاتمه " لا يكون عمران بحيث بجور السلطان " .
قال بزرجمهر: أخيب الناس سعياً من أقام في دنياه على غير سداد، وارتحل إلى آخرته بغير زاد.
ورأى فقيراً جاهلاً فقال: بئسما اجتمع على هذا: فقر ينغص دنياه، وجهل يفسد آخرته.
قال أبرويز لابنه شيرويه: لا توسعن على جندك فيستغنوا عنك، ولا تضيقنّ عليهم في العطاء فيضجوا منك، أعطهم عطاءً قصداً، وامنعهم منعاً جميلاً، ووسع عليهم في الرجاء، ولا توسع عليهم في العطاء.
قال بزرجمهر: الإخوان كالسلاح فمنهم كالرمح تطعن به من بعيد، ومنهم كالسهم الذي ترمي به ولا يعود إليك، ومنهم كالسيف الذي لا يفارقك.
قال كسرى: لا تظهر إنكار مالا عدة معك أن تدفعه.
وقال لبزرجمهر: ما بال معاداة الصديق أقرب مأخذاً من مصادقة العدو؟ فقال: لأن إنفاق المال أهون من كسبه، وهدم البناء أهون من رفعه، وكسر الإناء أهون من إصلاحه.
وقال بزرجمهر: يستحب من الخريف الخصب، ومن الربيع الزهر، ومن الجارية الملاحة، ومن الغلام الكيس، ومن الغريب الانقباض.
قيل لكسرى: أي الناس أحب إليك أن يكون عاقلاً؟ قال: عدوي، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأنه إذا كان عاقلاً فأنا منه في عافية.
سئل بزرجمهر في نكبته عن حاله، فقال: عولت على أربعة أشياء قد هونت على ما أنا فيه: أولها، أني قلت: القضاء والقدر لا بد من جريانهما. والثاني، أني قلت: إن لم أصبر فما أصنع؟ والثالث، أني قلت: قد كان يجوز أن يكون أشد من هذا، والرابع، قلت: لعل الفرج قريب وأنت لا تدري.
قال أنوشروان: جميع أمر الدنيا منقسم إلى ضربين لا ثالث لهما، واحد في دفعه حيلة فالاصطبار دواؤه، والآخر لا حيلة في دفعه فالاضطرار شفاؤه.
وكان إذا ولى رجلاً وقّع في كتابه: " سس خيار الناس بالمحبة، وامزج للعامة الرغبة بالرهبة، وسس سفلة الناس بالإخافة " .
وسمع الموبذ في مجلسه ضحك الخدم فقال: أما يمنع جلالة الملك وهيبته هؤلاء الغلمان من الضحك؟ فقال أنوشروان: إنما يهابنا أعداؤنا.
ولما قُتل بزرجمهر بعث إلى ابنته فجاءته مكشوفة الرأس، فلما رأته غطت رأسها، فقال أنوشروان: سلوها عن ذلك فقالت: ما رأيت أحداً حتى رأيته.
قال سابور: " لم أهزل في أمر ولا نهى قط، ولم أخلف وعداً ولا وعيداً قط، وولّيت للغناء لا للهوى، وضربت للأدب لا للغضب، وأودعت في قلوب الرعية المحبة من غير جرأة، والهيبة من غير ضغينة، وعممت بالقوت، ومنعت الفضول " .
سئل أنوشروان أي الأشياء أحق بالتقاء؟ قال: أعظمها مضرةً، قيل: فإن جُهل قدر المضرة؟ قال: أعظمها من الهوى نصيباً.
وقال: " لا تنزلن ببلد ليس فيه خمسة أشياء: سلطان قاهر، وقاض عادل، وسوق قائمة، وطبيب عالم، ونهر جار " .
وسأل كسرى موبذه: أيما أكثر الشياطين أو الناس؟ فقال: إن حسبت الأكراد والرعاة والعامة وأهل الأسواق من الناس فإن الناس له كثير.

ويقال: إن كسرى أنزل الكتّاب كلواذي، وكانوا يأتون في كل يوم فيعملون عملهم ثم ينصرفون إلى منازلهم، وفرّق إذنهم، فكان يأذن لهم في أوقات مختلفة؛ ليشغلهم ببعد المسافة، ولئلا يجتمعوا فيدبّروا على الملك.
وكانوا يقولون: " كل عزيز دخل تحت القدرة فهو ذليل، وكل مقدور عليه مملوك محقور " .
قال بزرجمهر: " من أحبك نهاك ومن أبغضك أغراك " .
وقيل له: هل من أحد لا عيب فيه؟ قال: الذي لا عيب فيه الذي لا يموت.
وقال كسرى: أي شيء أضر؟ فأجمعوا على الفقر، فقال: الشح أضر منه؛ لأن الفقير قد يصيب الفرجة.
وسئل أنوشروان عن منفعة الولد الصالح قال: يستلذ به العيش، ويهون به الموت.
سألت امرأة بزرجمهر عن مسألة فقال: لا أعرف جوابها، فقالت: أنت تأخذ من الملك ما تأخذ ولا تعرف جواب مسألة لي؟ فقال: إن الملك يعطيني على ما أعلمه ولو أعطاني على ما لا أعلمه لم يسعني بيت ماله ليوم واحد.
وقالوا: من قدر أن يحترس من أربع خصال لم يكن في تدبيره خلل: الحرص، والعُجب واتباع الهوى، والتواني.
قيل لأنوشروان: اصطنعت فلاناً ولا نسب له، فقال: اصطناعنا إياه نسبه.
دخل دهقان على المهلب فقال: أصلح الله الأمير: ما أشخصتني إليك الحاجة، ولا قنعت بالمقام على الغنى، ولا أرضى إذ قمت هذا المقام بالنصفة منك، فقال: ويحك ما تقول؟ قال: أصلحك الله، الناس ثلاثة: فقير، وغني ومستزيد، فالفقير من مُنع حقه، والغني من أعطي ما يستحقه، والمستزيد من طلب الفضل بعد درك الغنى، وإنك - أعزك الله - لما أنصفتني بإدائك لي حقي، تطلعت نفسي إلى استزادتك فوق حقي، فإن منعتني فقد أنصفتني، وإن زدتني زادت منتك عظماً عليّ، فأحسن جائزته، وأمره بلزومه، وأعجبه ما رأى من ظرفه.
قال كسرى: النبيذ صابون الغم.
حكى المعلّى بن أيوب عن بعض حكماء فارس أنه قال: تعجب الجاهل من العاقل أكثر من تعجب العاقل منه.
من وصية كسرى: " لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدو ولا تحبوا الاحتكار فيشملكم القحط، وكونوا لأبناء السبيل مأوى تؤووا غداً في المعاد، وتزوجوا في الأقارب، فإنه أثبت للنسب، وأقرب للسبب، ولا تركنوا إلى الدنيا. فإنها لا تدوم، ولا ترفضوها مع ذلك؛ فإن الآخرة لا تنال إلا بها " .
وقال: " الحرب سوق، وتجارتها الغلبة، فمن لم يكن له بضاعة لم يكن له تجارة " .
وقال: من حارب بأجرة فهو يعرض هزيمة؛ لأن حربه بلا غضب ولا نية ولا أنفة ولا حمية.
قال بزرجمهر: " أدنى الأنفس نفس تكرى للحرب " .
قال اسفنديار: أفره ما يكون من الدواب لا يستغني عن السوط، وأعف من تكون من النساء لا تستغني عن الزوج، وأعقل من يكون من الرجال لا يستغني عن مشاورة ذوي الألباب.
وقال عمرو بن العاص لدهقان نهر تيري: بم ينبل الرجل عندكم؟ فقال: بترك الكذب؛ فإنه لا يشرف إلا من يوثق بقوله، وبقيامه بأمر أهله، فإنه لا ينبل من يحتاج أهله إلى غيره، وبمجانية الريب؛ فإنه لا يعز من لا يؤمن أن يصادف على سوأة، وبالقيام بحاجات الناس؛ فإنه من رجي الفرج لديه كثرت غاشيته.
وقال بزرجمهر: من كثر ادبه كثر شرفه وإن كان قبل وضيعا، وبعُد صوته وإن كان خاملاً، وساد وإن كان غريباً، وكثرت الحاجات إليه وإن كان مقتراً، وقال بعض ملوكهم لوزيره، وأراد محنته: ما خير ما يرزقه العبد؟ قال: عقل يعيش به، قال: فإن عدمه؟ قال: فمال يستره، قال: فإن عدمه؟ قال: فأدب يتحلى به، قال: فإن عدمه؟ قال: فصاعقة تحرقه.
وقال أردشير: " من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه كان حتفه في أغلب خلال الخير عليه " .
لما مات قُباذ قال المُوبذ: كان الملك أمس أنطق منه اليوم، وهو اليوم أوعظ منه أمس.
وقيل لبعض أشرافهم في علته التي مات فيها: ما بك؟ فقال: فكر عجيب، وحسرة طويلة. فقيل له: مم ذاك؟ فقال: ما ظنكم بمن يقطع سفراً قفراً بلا زاد، ويسكن قبراً موحشاً بلا مؤنس، ويقدم على حكم عدل بلا حجة؟.
وقال أردشير: إن للآذان مجةً، وللقلوب مللاً، ففرقوا بين الحكمتين بلهو يكن ذلك استجماما.
وكان أنوشروان يقول: القلوب تحتاج إلى أقواتها من الحكمة كاحتياج الأبدان إلى أقواتها من الغذاء.
وقال أردشير: " الداء في كل مكتوم " .

قال سابور: لما رأيت تأتّي الأشياء لذوي الجهل على جهلهم وانصرافها عن ذوي الألباب والعقول، علمت أن المدبّر غيرهما، وأنها جارية بغير تدبير العاقل والأحمق.
قال أردشير: اشغل النفس بما يحسن قطعاً لها عما لا يحسن.
كان كسرى إذا غضب على بعض حاشيته هجره ولم يقطع عنه خيره، فقيل له في ذلك، فقال: " نحن نعاقب بالهجران لا بالحرمان " .
وقال أنوشروان: إياك وما يعتذر أو يستحيا منه؛ فإنما يعتذر من الذنب، ويستحيا من القبيح.
قال أردشير: " الابتداء بالمعروف، نافلة وربه فريضة " .
قال بزرجمهر: إذا اشتبه عليك أمران فانظر أحبهما إلى نفسك فاجتنبه، وإذا أعياك فشاور امرأةً وخالفها.
قيل لأردشير: هل ندمت على شيء قط؟ قال: نعم، على معروف أمكنني فأخرته.
قيل لأنوشروان: أي شيء أحق أن نجتهد فيه في الصبا وفي الشباب وفي كل حين؟ قال: أما في الصبا فالتأدب، وأما في الشباب فالعمل، وأما في كل حين فاجتناب الذنوب.
قيل لمزدك: ما الفرق بين الحزن والغضب؟ قال: إذا كان الأمر ممن فوقك أحزنك، وأما إذا كان ممن دونك أغضبك.
جلس كسرى للمظالم فتقدم إليه رجل قصير وجعل يصيح أنا مظلوم، وهو لا يلتفت إليه، فقال له الموبَذ: انظر في أمره، قال كسرى: القصير لا يظلمه أحد، فقال الرجل: أيها الملك، الذي ظلمني هو أقصر مني، فضحك ونظر في أمره.
وقال بزرجمهر: الفراغ يهيّج الفكرة، والفكرة تهيّج الفتنة.
قال أنوشروان: الناس ثلاث طبقات، تسوسهم ثلاث سياسات: طبقة من خاصة الأبرار، يسوسهم العطف واللين والإحسان، وطبقة من خاصة الأشرار تسوسهم الغلظة والشدة والعنف، وطبقة هم العامة، يسوسهم اللين والشدة، لئلا تحرجهم الشدة، ولا يبطرهم اللين.
وقالوا: التقاط الرشى وضبط الملك لا يلتقيان.
كانت الفرس تقول: نحن لا نملك من يحتاج أن يشاور، فقال بعضهم: نحن لا نملك من يستغني عن المشورة.
قيل لأنوشروان: ما وثائق الحزم؟ قال: أن يختل الأعداء من المال، فإن الناس أتباعه.
قال بعض ملوكهم: يكاد الملك أن يكون مستغنياً عن كل شيء إذا كان حكيماً إلا عن شيء واحد وهو المشورة.
قالت أم بزرجمهر: يا بني ركوب الأهوال يأتي بالغنى، وهو أوثق أسباب الفناء.
وأوصى بعض ملوكهم ابنه فقال: أطلق من الناس عقد كل حقد، واقطع عنهم سبب كل وتر، وتغاب عن كل دنية، ولا تركبن شبهة، ولا تعجل إلى تصديق ساع، فإن الساعي غاش، وإن قال قول النصيح.
قال بزرجمهر: إذا كان القدر حقاً فالحرص باطل، وإذا كان الغدر في الناس طباجاً فالثقة بكل أحد عجز، وإذا كان الموت لكل أحد راصداً فالطمأنينة إلى الدنيا حمق.
قال أردشير: " إصلاح الشيم بالقناعة، ونمو العقل بالعلم " .
كتب أنوشروان إلى مرازبة خراسان: عليكم بأهل الشجاعة والسخاء فإنهم أهل حسن الظن بالله.
وقال بعض حكمائهم: لو كان الإفراط محموداً في شيء ما كان إلا في الحلم والجود، ولو تلاحى فيهما الإفراط والاعتدال لكان الاعتدال أولاهما بالذم؛ لسلامة الجود من جميع العيوب.
كتب أبرويز من حبسه إلى ابنه: إن كلمةً منك تسفك دماً، وإن أخرى منك تحقن دماً، وإن سخطك سيوف مسلولة على من سخطت عليه، وإن رضاك بركة مستفيضة على من رضيت عنه، وإن نفاذ أمرك مع ظهور كلامك، فاحترس في غضبك من قولك أن يخطئ، ومن لونك أن يتغير، ومن جسدك أن يخف؛ فإن الملوك تعاقب قدرة، وتعفو حلماً، وما ينبغي للقادر أن يستخف ولا للحليم أن يزدهى، فإذا رضيت فابلغ بمن رضيت عنه يحرض سواه على رضاك، وإذا سخطت فضع من سخطت عليه يهرب من سواه من سخطك، وإذا عاقبت فانهك لئلا يتعرض لعقوبتك، واعلم أنك تجل عن الغضب، وأن الغضب يصغر عن ملكك، وقدّر لسخطك من العقاب كما تقدّر لرضاك من الثواب.
وكتب إليه رسالة: لا زالت النعمة عند الأجواد، والسلطان في أهل العلم، والعدل في الحكّام؛ لأن بنعمة الأجواد يعم الدنيا الخصب، وبعلم الملك يشمل الناس الأمن، وبعدل الحكّام تخلو الدنيا من الظلم.

وفي عهد سابور إلى ابنه: وزيرك فليكن مقبول القول عندك، رفيع المنزلة لديك، يمنعه مكانه منك، وما يثق به من لطافة منزلته عندك، من الخنوع لأحد والضراعة إلى أحد، والمداهنة لأحد في شيء مما تحت يديه؛ لتبعثه الثقة بك على محض النصيحة لك، والمنابذة لمن أراد غشك وانتقاصك حقك، وإذا أورد عليك رأياً يخالفك ولا يوافق الصواب عندك، فلا تجتهد جهد الظنين، ولا ترده عليه بالتجهم، فيفتّ في عضده ذلك، ويقبضه إثباتك كل رأي يلوح له صوابه، با اقبل ما رضيت من رأيه وقوله، وعرفه ما تخوفت من ضرر الرأي الذي انصرفت عنه، لينتفع بأدبك فيما يستقبل النظر فيه، واحذر كل الحذر من أن تنزل بهذه المنزلة سوى وزيرك ممن يطيف بك من خاصتك وخدمك، أو أن تسهّل لأحد منهم السبيل إلى الانبساط بالنطق عندك، والإفاضة في أمر رعيتك وعملتك، فإنه لا يوثق بصحة رأيهم، ولا يؤمن الانتشار فيما ائتمنوا عليه من السر المكتوم من سواهم.
وفي هذا العهد: واعلم أن قوام أمرك بدرور الخراج، ودرور الخراج بعمارة البلاد، وبلوغ الغاية في ذلك باستصلاح أهله بالعدل عليهم، والمعاونة لهم؛ فإن بعض ذلك لبعض سبب، وعوّام الناس لخواصهم عدة، وبكل صنف منهم إلى الآخر حاجة، فاختر لذلك أفضل من تقدر عليه من كتّابك، وليكونوا من أهل البصر والعفافا والكفاية، وأسند إلى كل امرئ منهم شقصاً يضطلع به، ويمكنه تعجيل الفراغ منه، فإن اطلعت على أن أحداً منهم خان أو تعدى فنكّل به، وبالغ في عقوبته، واحذر أن تستعمل على الأرض الكثير خراجها إلا البعيد الصوت، العظيم شرف المنزلة، ولا توايّنّ أحداً من قواد جندك الذين هم عدة للحروب، وجنة من الأعداء خراجاً؛ فلعلك تهجم من بعضهم على خيانة الأموال، وتضييع للعمل، فإن سوّغته المال وأغضبت له عن التضييع كان ذلك إهلاكاً وإضراراً بالرعية وداعية إلى فساد غيره، وإن أنت كافأته فقد استفدته وأضغنت صدره، وهذا أمر توقّيه حزم، والإقدام عليه خرق، والتقصير فيه عجز.
وفيه: واعلم أن من أهل الخراج من يلجئ بعض أرضه وضياعه إلى خاصة الملك وبطانته لأحد أمرين، أنت حري بكراهتهما: إما للامتناع من جور العمال وظلم الولاة، فتلك منزلة يظهر بها سوء أثر العمال وضعف الملك وإخلاله بما تحت يده، وإما للدفع بما يلزمهم من الحق، والكسر له، فهذه خلة يفسد بها أدب الرعية، وتنتقص بها الأموال، فاحذر ذلك، وعاقب الملجئين والملجأ إليهم.
وفي كتاب للموبذ إلى هرمز بن سابور: فأما وزراء الملك فيجب أن يختارهم من أهل بيت الوزارة والحسب والعقل والصلاح والتجربة والأناة ومحض الطاعة وشدة الاهتمام بصلاح الخاصة والعامة، وقلة الشره والحرص على الدنيا.
ولا يؤثر على الملك قريباً ولا بعيداً، ولا يمالئ عليه لرغبة ولا رهبة، ولا يلتمسه شيئاً يرجو به نفعاً، أو يخاف به ضراً، وأن يطيع آراءهم، ويتهم بعضهم على بعض، وألا يُطمع أحداً في أعمالهم، ولا في الإصغاء إليه، فإن الوزير: الناصح أكثر الناس له عامة وبطانة الملك قرابته خاصة، وما شيء أزين للملك ولا أنفع ولا أعود عليه من الوزير الناصح.
وقال أبرويز لوزيره: اكتم السر، واصدق في الحديث، واجتهد في النصيحة، واحترس بالحذر، فعلي ألا أعجل عليك حتى أستأني، ولا أقدم عليك حتى أستيقن ولا أطمع فيك فأغتالك.
وقال لكاتبه: إنما الكلام أربعة أقسام: سؤالك الشيء، وسؤالك عن الشيء، وامرك بالشيء، وخبرك عن الشيء، فهذه دعائم المقالات، إن التمس إليها خامس لم يوجد، وإن نقص منها واحد لم تتيم، فإذا طلبت فأسجح، وإذا سألت فأوضح، وإذا أمرت فاحتم، وإذا خبّرت فحقق.
وصف رجل أنوشروان فقال: كان والله من أصبر الناس، قيل: وما بلغ من صبره؟ فقال: كان له كاتب بليد فكان يكتب له تذكرة بحوائجه فينسى التذكرة.
يقولون: للوزير على الملك، وللكاتب على الصاحب ثلاث خصال: رفع الحجاب عنه، واتهام الوشاة عليه، وإفشاء السر إليه.

وحُكي أن سابور استشار وزيرين كانا له، فقال أحدهما: " لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحداً إلا خالياً به، فإنه أصون للسر، وأحزم في الرأي، وأدعى إلى السلامة، وأعفى لبعضنا من غائلة بعض؛ لأن الواحد رهن بما أفشي إليه، وهو أحرى ألا يظهره رهبة للملك، ورغبة إليه، وإذا كان عند اثنين فظهر، دخلت على الملك الشبهة، واتسعت على الرجلين المعاريض، فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن اتهمهما اتهم بريئاً بجناية مجرم، وإن عفا عنهما عفا عن واحد لا ذنب له، وعن الآخر ولا حجة عليه " .
نسخة عهد أردشير بن بابك إلى من يخلفه من بعدهمن ملك الملوك أردشير بن بابك إلى من يخلفه بعقبه من ملوك فارس السلام والعافية.
أما بعد: فإن صنيع الملوك على غير صنيع الرعية، فالملك يطيعه العز والأمن والسرور والقدرة على طباع الأنفة والجرأة والعبث والبطر. ثم له، كلما ازداد في العمر تنفساً وفي الملك سلامةً، زيادة في هذه الطبائع الأربعة حتى تسلمه إلى " سُكر السلطان الذي هو أشد من سكر الشراب " فينسى النكبات والعثرات والغِير والدوائر. ويحين تسلط الأيام ولؤم غلية الدهر، فيرسل يده بالفعل ولسانه بالقول. وقد قال الأولون منا: " عند حسن الظن بالأيام تحدث الغير " . وقد كان من الملوك من يذكره عزه الذل، وأمنه الخوف، وسروره الكآبة، وقدرته العجز، فإذا هو قد جمع بهجة الملوك، وفكرة السوقة، ولا حزم إلا في جمعهما.
اعلموا أن الذي أنتم لاقوه بعدي هو الذي لقيني من الأمور، وهي بعدي واردة عليكم بمثل الذي وردت به عليّ، فيأتيكم السرور والأذى في الملك من حيث أتياني، وأن منكم من سيركب الملك صعباً فيُمنى من شماسه وجماحه وخبطه واعتراضه بمثل الذي منيت به، وأن منكم من سيرث الملك عن الكفاة المذللين له مركبه، وسيجري على لسانه ويلقى في قلبه أن قد فرّغ له وكفي واكتفى وفرّغ للسعي في العبث والملاهي، وأن من قبله من الملوك إلى التوطيد له أجروا، وفي التمكين له سعوا، وأن قد خص بما حرموا، وأُعطي ما مُنعوا، فيكثر أن يقول مسرّاً ومعلناً، خصوا بالعمل وخصصت بالدعه، وقدّموا قبلي إلى الغرر وخُلّفت في الثقة.
وهذا الباب من الأبواب التي يكسر بها سكور الفساد، ويهاج بها دواهم البلاء، ويعمى البصير عن لطيف ما يُنتهك من الأمور في ذلك.
فإنا قد رأينا الملك الرشيد السعيد المنصور المكفي المظفر الحازم في الفرضة، البصير بالعورة، اللطيف للشبهة، المبسوط له العلم والعمر، يجتهد فلا يعدو إصلاح ملكه حياته إلا أن يتشبه به متشبه. ورأينا الملك القصير عمره، القريبة مدته، إذا كان سعيه بإرسال اللسان بما قال، واليد بما عملت، بغير تدبير يدرك، أفسد جميع ما قُدم له من الصلاح قبله، ويُخلّف المملكة خراباً على من بعده.
وقد علمت أنكم ستبلون مع الملك بالأزواج والأولاد والقرناء والوزراء والأخدان والأنصار والأصحاب والأعوان والمتنصحين والمتقربين والمضحكين والمزينين، وكل هؤلاء، إلا قليلاً، أن يأخذ لنفسه أحب إليه من أن يعطى منها، وإنما عمله لسوق يومه وحياة غده، فنصيحته الملوك نصيحة لنفسه، وغاية الصلاح عنده صلاح نفسه، وغاية الفساد عنده فساد من يجعل نفسه هي العامة، والعامة هي الخاصة، فإن خُص بنعمة دون الناس فهي عنده نعمة عامة، وإذا عُم الناس بالنصر على العدو والعدل في البيضة والأمن على الحريم والحفظ للأطراف والرأفة من الملك والاستقامة من الملك ولم يخصص من ذلك بما يُرضيه سمى تلك النعمة نعمة خاصة، ثم أكثر شكيته الدهر ومذمته الأمور، بقيم للسلطان سوق المودة ما أقام له سوق الأرباح، ولا يعلم ذلك الوزير القرين أن في التماس الريح على السلطان فساد جميع الأمور. وقد قال الأولون منا: " رشاد الوالي خير للرعية من خصب الزمان " .

واعلموا أن الملك والدّين توأمان، لا قوام لأحدهما إلا بصاحبه لأن الدين أس الملك وعماده، ثم صار الملك بعد حارس الدين، فلا بد للملك من أسه ولا بد للدين من حارسه، فإن ما لا حارس له ضائع، وإن ما لا أس له مهدوم، وأن رأس ما أخاف عليكم مبادرة السفلة إياكم إلى دراسة الدين وتأويله والتفقه فيه فتحملكم الثقة بقوة الملك على التهاون بهم فتحدث في الدين رياسات مستسرات فيمن قد وترتم وجفوتم وحرمتم وأخفتم وصغّرتم من سفلة الناس والرعية وحشو العامة. ولم يجتمع رئيس في الدين مسر ورئيس في الملك معلن في مملكة واحدة إلا انتزع الرئيس في الدين ما في يد الرئيس في الملك، لأن الدين أس، والمُلك عماد، وصاحب الأس أولى بجميع البنيان من صاحب العماد. وقد مضى قبلنا ملوك كان الملك منهم يتعهد الجملة بالتفتيش، والجماعات بالتفصيل، والفراغ وكانوا بالأشغال، كتعهده جسده بقص فضول الشعر والظفر، وغسل الدرن والغمر ومداواة ما ظهر من الأدواء وما بطن.
وقد كان من أولئك الملوك من صحة ملكه أحب إليه من صحة جسده، وكان بما يخلّفه من الذكر الجميل المحمود أفرح وأبهج منه بما يسمعه بأذنه في حياته، فتتابعت تلك الأملاك بذلك كأنهم ملك واحد، وكأن أرواحهم روح واحدة، يمكّن أولهم لآخرهم، ويصدّق آخرهم أولهم، تجتمع أنباء أسلافهم ومواريث آرائهم وصياغات عقولهم عند الباقي منهم بعدهم، فكأنهم جلوس معهم يحدثونه، ويشاورونه، حتى كان على رأس دارا بن دارا ما كان من غلبة الإسكندر على ما غلب عليه من مُلكنا، فكان إفساده أمرّنا، وتفريقه جماعتنا، وتخريبه عمران مملكتنا أبلغ له فيما أراد من سفك دمائنا، فلما أذن الله في جمع مملكتنا ودولة أحسابنا كان من ابتعاثة إيانا ما كان " بالاعتبار يتّقى العثار " ومن يخلفنا أوجد للاعتبار منا، لما استدبروا من أعاجيب ما مرّ علينا.
اعلموا أن سلطانكم إنما هو على أجساد الرعية، وأنه لا سلطان للملوك على القلوب.
واعلموا أنكم إن غلبتم الناس على ما في أيديهم فلن تغلبوهم على عقولهم.
واعلموا أن العاقل المحروم سال عليكم لسانه، وهو أقطع سيفيه، وإن أشد ما يضر بكم من لسانه ما صرف الحيلة فيه إلى الدين، فكان بالدين يحتج، وللدين فيما يظهر، يغضب فيكون للدين بكاؤه، وإليه دعاؤه، ثم هو أوجد للتابعين والمصدقين والمناصحين والموالين والمؤازرين منكم، لأن بغضة الناس موكلة بالملوك، ومحبتهم ورحمتهم موكلة بالضعفاء والمغلوبين.
وقد كان من قبلنا من الملوك يحتالون لعقول من يحذرون، بتخريبها، فإن العاقل لا تنفعه جودة تجربة إذا صير عقله خرابا، وكانوا يحتالون للطاعنين بالدين على الملوك فيسمونهم بالمبتدعين، فيكون الدين هو الذي يقتلهم ويربح الملوك منهم.
ولا ينبغي للملك أن يعترف للعبّاد والنسّاك والمتبتلين أن يكونوا أولى بالدين ولا أحدب عليه ولا أغضب له منه.
ولا ينبغي للملك أن يدع النسّاك بغير الأمر والنهي لهم في نسكهم ودينهم، فإن خروج النساك وغير النساك من الأمر والنهي عيب على الملوك وعيب على المملكة، وثلمة يستبينها الناس بينة الضرر للملك ولمن بعده.
واعلموا أن تصبر الوالي على غير أخدانه وتقريبه غير وزرائه فتح لأبواب محجوب عنه علمها. وقد قيل: " إذا استوحش الوالي ممن لم يوطن نفسه عليه أطبقت عليه ظلم الجهالة " . وقيل: " إن أخوف ما يكون العامة آمن ما يكون الوزراء " .
اعلموا أن دولتكم تؤتى من مكانين: أحدهما، غلبة بعض الأمم المخالفة لكم، والآخر فساد دينكم، ولن يزال حريمكم من الأمم محروساً ودينكم من غلبة الأديان محفوظاً ما عظّمت فيكم الولاة، وليس تعظيمهم بترك كلامهم، ولا إجلالهم بالتنحي عنهم ولا المحبة لهم بالمحبة لكل ما يحبون، ولكن تعظيمهم تعظيم أديانهم وعقولهم، وإجلالهم إجلال منزلتهم من الله جل وعز، ومحبتهم محبة إصابتهم وحكاية الصواب عنهم.
واعلموا أنه لا سبيل إلى أن يعظّم الوالي إلا بالإصابة في السياسة، ورأس إصابة السياسة أن يفتح الوالي لمن قبله من الرعية بابين: احدهما، باب رقة ورحمة ورأفة وبذل وتحنن وإلطاف ومواتاة ومواساة وبشر وتهال وانبساط وانشراح، والآخر، باب غلظة وخشونة وتعنت وشدة وإمساك ومباعدة وإقصاء، ومخالفة ومنع وقطوب وانقباض ومحقرة إلى أن يبلغ القتل.

واعلموا أني لم أسم هذين البابين باب رفق وباب عنف، ولكني سميتهما جميعاً بابي رفق؛ لأن فتح باب المكروه مع باب السرور هو أوشك لإغلاقه حتى لا يبتلى به أحد.
واعلموا أن في الرعية من الأهواء الغالية للرأي، والفجور المستثقل للدين، والسفلة الحنقة على الوجوه بالنفاسة والحسد ما لا بد معه أن يقرن بباب الرأفة باب الغلظة، وبباب الاستبقاء باب القتل.
واعلموا أن الوالي قد يفسد بعض الرعية من حرصه على صلاحها، أو قد يغلظ عليها من شدة رقته لها، وقد يقتل منها من حرصه على حياتها.
واعلموا أن قتالكم الأعداء من الأمم قبل قتالكم الأدب من أنفس رعيتكم ليس بحفظ ولكنه إضاعة، وكيف يجاهد العدو بقلوب مختلفة وأيد متعادية؟ وقد علمتم أن الذي بني عليه الناس وجبلت عليه الطباع حب الحياة وبغض الموت، وإن الحرب تباعد من الحياة، وتدني من الموت، فلا دفع ولا منع ولا صبر ولا محاماة مع هذا إلا بأحد وجهين: إما بنية، والنية ما لا يقدر عليه الوالي عند الناس بعد النية التي تكون في أول الدولة، وإما بحسن الأدب وإصابة السياسة.
واعلموا أن بدء ذهاب الدولة إنما يبدأ من قبل إهمال الرعية بغير أشغال معروفة ولا أعمال معلومة، فإذا فشا الفراغ تولّد منه النظر في الأمور والفكر في الأصول، فإذا نظروا في ذلك نظروا فيه بطبائع مختلفة، فتختلف بهم المذاهب، ويتولد من اختلاف مذاهبهم تعاديهم وتضاغنهم، وهم في ذلك مجتمعون في اختلافهم على بغض الملوك؛ لأن كل صنف منهم إنما يجري إلى فجيعة الملك الذي يملكه، ولكنهم لا يجدون سلماً إلى ذلك أوثق من الدين، ولا أكثر أتباعاً، وأعز امتناعا، ولا أشد على الناس صبراً، ثم يتولد من تعاديهم أن الملك لا يستطيع جمعهم على هوىً واحد، فإذا انفرد ببعضهم فهو عدو لبعض.
ثم يتولد من تعاديهم وعداوتهم للملك كثرتهم، فإن من شأن العامة الاجتماع على الاستثقال للولاة والنفاسة عليهم، لأن في الرعية المحروم والمضروب والمقام عليه وفيه وفي حميمه الحدود، والداخل عليه بعز الملك الذل في نفسه وخاصته، فكل هؤلاء يجري إلى متابعة أعداء الملك، ثم يتولد من كثرتهم أن يجبن الملك على الإقدام عليهم؛ فإن إقدام الملك على جميع الرعية تغرير بملكه ونفسه، ويتولد من جبن الولاة عن تأديب العامة تضييع الثغور التي فيها الأهم من ذوي الدين وذوي البأس؛ لأن الملك إذا سد الثغور بخاصة المناصحين له وخلت به العامة الحاسدة والمعادية، لم يعد بذلك تدريبهم في الحرب وتقويتهم في السلاح، وتعليمهم المكيدة مع البغضة، فهم عند ذلك أقوى عدو وأخفره وأخلفه للظفر، ولا بد من استطراد هذا كله إذا ضيّع أوله.
فمن ألغى منكم الرعية بعدي وهي على حال أقسامها الأربعة - التي هي: أصحاب الدين والحرب والتدبير والخدمة. من ذلك: الأساورة صنف، والعبّاد والنسّاك وسدنة النيران صنف، والكتّاب والمنجمون صنف والأطباء صنف، والزرّاع والمهّان والتجار صنف.
فلا يكونن بإصلاح جسده أشد اهتماماً منه بإحياء تلك الحال، وتفتيش ما يحدث فيها من الدخلات؛ فلا يكونن لانتقاله عن الملك بأجزع منه لانتقال صنف من هذه الأصناف إلى غير مرتبته؛ لأن تنقل الناس عن مراتبهم سريع في نقل الملك عن ملكه، إما إلى خلع وإما إلى قتل؛ فلا يكونن من شيء من هذه الأشياء بأوحش منه من رأس صار ذنباً، وذنب صار رأساً، أو يد مشغولة أُحدثت فراغاً، أو كهيم صار ضريرا، أو لئيم مرج.
فإنه يتولد من تنقل الناس عن حالاتهم أن يلتمس كل امرئ منهم فوق مرتبته، فإذا انتقل عنها أوشك أن يرى أشياء أرفع مما انتقل إليه فيغبط أو ينافس فيه.
وقد علمتم أن من الرعية أقواماً هم أقرب الناس إلى الملوك حالاً، وفي تنقل الناس عن حالاتهم مطمعة للذين يلون الملوك في الملك، ومطمعة للذين دون الذين يلون الملوك في تلك الحال، وهذا لقاح بوار الملك.

ومن ألغى منكم الرعية وقد أضيع أول أمرها فألفاها في اختلاف من الدين، واختلاف من المراتب وضياع من العامة، وكانت به على المكاثرة قوة فليكاثر بقوته ضعفهم، وليبادر بالأخذ بأكظامهم قبل أن يبادروا بالأخذ بكظمه، ولا يقولن أخاف العسف، فإنما يخاف العسف - من يخاف جريرة العسف - على نفسه، وأما إذا كان العسف لبعض الرعية صلاحاً لبقيتها، وراحة له ولمن بقي معه من الرعية من النغل والدغل والفساد فلا يكونن إلى شيء بأسرع منه إلى ذلك، فإنه ليس نفسه يعسف، ولا أهل موافقته يعسف ولكنما يعسف عدوه.
ومن ألغى منكم الرعية في حال فسادها، ولم ير بنفسه عليها قوة في صلاحها، فلا يكونن لقميص قمل بأسرع خلعاً منه لما لبس من ذلك الملك، وليأته البوار، إذا أتاه، وهو غير مذكور بشؤم ولا منوّه به في دناءة، ولا مهتوك به ستر ما في يديه.
واعلموا أن فيكم من يستريح إلى اللهو والدعة ثم يديم من ذلك ما يورّثه خلقاً وعادة فيكون ذلك لقاح جد لا لهو فيه، وتعب لا خفض معه، مع الهجنة في الرأي، والفضيحة في الذكر، وقد قال الأولون منا: " لهو رعية الصدق بتقريظ الملوك ولهو ملوك الصدق بالتودد إلى الرعية " .
واعلموا أنه من شاء منكم ألا يسير بسيرة إلا قُرّظت عليه فعل، ومن شاء منكم بعث العيون على نفسه فأزكاها فلم يكن الناس بعيب نفوسهم بأعلم منهم بعيبه فعل.
ثم أنه ليس منكم ملك إلا كثير الذكر لمن يلي الأمر بعده.
ومن فساد الرعية نشر أمور ولاة العهود، فإن في ذلك من الفساد أن أولّه دخول عداوة ممضة بين الملك ووليّ عهده، وليس يتعادى متعاديان بأشد من أن يسعى كل واحد منهما في قطع سؤل صاحبه، وهكذا الملك ووليّ عهده، لا يسر الأرفع أن يعطي الأوضع سؤله في فنائه، ولا يسر هذا الأوضع أن يعطي الآخر سؤله في البقاء، ومتى كان فرح أحدهما في الراحة من صاحبه تدخل في كل واحد وحشة من صاحبه في طعامه وشرابه، ومتى تباينا بالتهمة يتخذ كل واحد أحباء وأخداناً وأهلاً، ثم يدخل كل واحد منهما وغر على أحباء صاحبه، ثم تنساق الأمور إلى إهلاك أحدهما لما لا بد له من الفناء، فتفضي الأمور إلى الآخر وهو حنق على جيل من الناس يرى أنه موتور إن لم يحرمّهم ويضعهم وينزل بهم التي كانوا يريدونها به، لو ولوّا، فإذا وضع بعض الرعية وأسخط بعضاً على هذه الجهة تولّد من ذلك ضغن وسخط من الرعية، ثم ترامى ذلك إلى بعض ما أحذر عليكم بعدي.
ولكن لينظر الوالي منكم لله تعالى ثم للرعية ثم لنفسه، ثم لينتخب ولياً للعهد من بعده، ثك يكتب اسمه في أربع صحائف فيختمها بخاتمه فيضعها عند أربعو نفر من خيار أهل المملكة، ثم لا يكون منهم في سر ولا علانية أمر يستدل به على وليّ ذلك العهد، لا في إدناء وتقريب يعرف به، ولا في إقصاء وتنكب يستراب له، وليتق ذلك في اللحظة والكلمة، فإذا هلك جُمعت تلك الكتب التي عند الرهط الأربعة إلى النسخة التي عند الملك، ففضضن جميعاً ثم نوّه بالذي وضح اسمه في جميعهن.
يلقى الملك، إذا لقيه، بحداثة عهده بحال السوقة، فيلبس ذلك الملك، إذا لبسه، على بصر السوقة وسمعها ورأيها - أذنه - ، فإن في سكر السلطان الذي يناله ما يُكتفى به له من سكر ولاية العهد مع سكر الملك، فيصم ويعمى قبل لقاء الملك كصم الملوك وعماهم، ثم يلقى الملك فيزيده صماً وعمى مع ما يلقى في ولاية العهد من بطر السلطان وحيلة العتاة وبغي الكذابين وترقية النمامين، وتحميل الوشاة بينه وبين من فوقه.
ثم اعلموا أنه ليس للملك أن يكذب؛ لأنه لا يقدر أحد على استكراهه. وليس له أن يلعب ولا يعبث، لأن العبث واللعب من عمل الفراغ، وليس له أن يفرغ، لأن الفراغ من عمل السوقة، وليس له أن يحسد؛ لأن الحسد لا يجب أن يكون إلا على ملوك الأمم على حسن التدبير، وليس له أن يخاف، لأن الخوف من المعوز. وليس له أن يتسلط إن هو أعوز.
واعلموا أن زين الملك في استقامة الحال ألا تختلف منه ساعات العمل والمباشرة وساعات الفراغ والدعة وساعات الركوب والنزهة، فإن اختلافها منه خفة، وليس للملك أن يخف.
واعلموا انكم لن تقدروا على ختم أفواه الناس من الطعن والإزراء عليكم، ولا قدرة بكم على أن تجعلوا القبيح حسنا.

واعلموا أن لباس الملك ومطعمه مقارب للباس السوقة ومطعمهم، وبالحري أن يكون فرحهما بما نالا من ذلك واحدا، ولبس فضل الملك على السوقة إلا بقدرته على اقتناء المحامد واستفادة المكارم، فإن الملك إذا شاء أحسن وليس السوقة كذلك.
واعلموا انه يحق على الملك منكم أن يكون ألطف ما يكون نظراً، أعظم ما يكون خطراً، وألا يذهب حسن أثره في الرعية خوفه لها، وألا يستغني بتدبيره اليوم عن تدبير غد، وأن يكون حذره للملاقين أشد من حذره للمباعدين وأن يتقي بطانة السوء أشد من اتقائه عامة السوء. " ولا يطمعنّ ملك في إصلاح العامة إذا لم يبدأ بتقويم الخاصة " .
واعلموا أن لكل ملك بطانة، وأن لكل رجل من بطانته بطانة، ثم لكل امرئ من بطانة البطانة بطانة، - حتى يجتمع في ذلك جميع أهل المملكة، فإذا أقام الملك بطانته - على حال الصواب أقام كل امرئ منهم بطانته على مثل ذلك، حتى تجتمع على الصلاح عامة الرعية.
واعلموا أن الملك منكم قد تهون عليه العيوب؛ لأنه لا يُستقبلُ بها، وإن عملها، حتى يرى أن الناس يتكاتمونها بينهم كتكاتمهم إياه تلك العيوب، وهذا من الأبواب الداعية إلى طاعة الهوى، وطاعة الهوى داعية إلى غلبته " فإذا غلب الهوى اشتد علاجه من السوقة المغلوبة فضلاً عن الملك الغالب " .
اتقوا باباً واحداً طالما أمنته فضرني، وحذرته فنفعني، احذروا إفشاء السر عند الصغار من أهليكم وخدمكم؛ فإنه لا يصغر أحد منهم عن حمل ذلك السر إلا ضيّع منه شيئاً يضعه حيث تكرهون، إما سقطاً وإما عبثاً، والسقط أكثر ذلك.
اجعلوا حديثكم لأهل المراتب، وحباءكم لأهل الجهاد، وبشركم لأهل الدين، وسركم عند من يلزمه خير ذلك وشره، وزينة وشينة.
واعلموا أن " صحة الظنون مفاتيح اليقين " وأنكم ستستيقنون من بعض رعيتكم بخير وشر، وستظنون ببعضهم خيراً وشراً، فمن استيقنتم منه الخير والشر فليستيقن منكم بهما. ومن ظننتموهما به فليظنهما بكم في أمره، فعند ذلك يبدو من المحسن إحسانه، فيخالف الظن به فيغتبط ومن المسيء إساءته فيصدّق الظن به فيندم.
واعلموا أن للشيطان في ساعات من الدهر طمعاً في السلطان عليكم: منها ساعة الغضب والحرص والزهو، فلا تكونوا له في شيء من ساعات الدهر أشد قتالاً منكم عندهن حتى تنقشعن. وكان يقال: " اتق مقارفة الحريص القادر؛ فإنه إن رآك في القوت رأى منك أخبث حالاتك، وإن رآك في الفضول لم يدعك وفضولك " .
استعينوا بالرأي على الهوى فإن ذلك تمليك للرأي على الهوى.
واعلموا أن من شأن الرأي الاستخذاء للهوى، إذا جرى الهوى على عادته، وقد عرفنا رجالاً كان الرجل منهم يؤنس من قوة طباعه ونبالة رأيه ما تريه نفسه أنه على إزاحة الهوى عنه - وإن جرى على عادته، ومعاودته الرأي وإن طال به عهده - قادر، لثقة يجدها بقوة الرأي، فإذا تمكن الهوى منه فسخ عزم رأيه، حتى يسميه كثير من الناس ناقصاً في العقل، فأما البصراء فبستبينون من عقله عند غاية الهوى عليه ما يستبان من الأرض الطيبة الموات.
واعلموا أن في الرعية صنفاً من الناس هم بإساءة الوالي أفرح منهم بإحسانه وإن كان الوالي لم يترهم، وكان الزمان لم ينكبهم، وذلك لاستطراف حادثات الأخبار فإن استطراف الأخبار معروف من أخلاق حشو الناس، ثم لا طرفة عندهم إلا فيما اشتهر؛ فجمعوا في ذلك سرور كل عدو لهم ولعامتهم مع ما وتروا به أنفسهم وولاتهم. فلا دواء لأولئك إلا بالأشغال.
وفي الرعية صنف وتروا الناس كلهم، وهم الذين قووا على جفوة الولاة، ومن قوي على جفونهم فهو غير ساد ثغرا، ولا مناصح إماماً، ومن غش الإمام فقد غش الناس طرا وإن ظن أنه للعامة مناصح. وكان يقال: " من لم ينصح عملاً من غش عامله " .
وفي الرعية صنف تركوا إتيان الملوك من قبل أبوابهم وأتوهم من قبل وزرائهم، فليعلم الملك منكم أنه من أتاه من قبل بابه فقد آثره بنصيحة إن كانت عنده، ومن اتاه من قبل وزرائه فهو مؤثر للوزير على الملك في جميع ما يقول ويفعل.
وفي الرعية صنف دعوا إلى أنفسهم الجاه بالأياء والرد له ووجدوا ذلك عند المغفلين نافقاً، وربما قرّب الملك الرجل من أولئك لغير نبل في رأي، ولا إجزاء في العمل، ولكن الأياء والرد أغرباه.

وفي الرعية صنف أظهروا التواضع واستشعروا الكبر، فالرجل منهم يعظ الملوك زارياً عليهم بالموعظة، يعتد ذلك تقربّاً إليهم، ويتخذ ذلك أسهل طريقي طعنه عليهم: ويسمّى ذلك هو وكثير ممن معه تحرياً للدين؛ فإذا أراد الملك هوانهم لم يعرف لهم ذنباً يهانون عليه، وإذا أراد إكرامهم فهي منزلة حبوا بها أنفسهم على رغم الملوك، وإن أراد إسكاتهم كان السماع في ذلك أنه استثقل ما عندهم من حفظ الدين، وإن أمروا بالكلام قالوا: إنما نفسد ولا نصلح، فأولئك أعداء الدول وآفات الملوك: فالرأي للملوك تقريبهم من الدنيا، فإنهم إليها أجروا، وفيها عملوا، ولها سعوا، وإياها أرادوا، فإذا تلوثوا بها بدت فضائحهم، وإن امتنعوا مما في أيدي الملوك فإن فيما يحدثون ما يجعل للملوك سلّماً إلى سفك دمائهم. وكان بعض الملوك يقول: " القتل أقل للقتل " .
وفي الرعية صنف أتوا الملوك من قبل النصائح لهم، والتمسوا إصلاح منازلهم بإفساد منازل الناس، فأولئك أعداء الناس، وأعداء الملوك " ومن عادى الملوك وجميع الناس والرعية فقد عادى نفسه " .
واعلموا أن الدهر حاملكم على طبقات: منهن حال السخاء حتى تدنو من السرف، ومنهن حال التقدير حتى تقرب من البخل، ومنهن حال الأناة حتى تصير إلى البلادة، ومنهن حال المناهزة للفرصة حتى تدنوا من الخفة، ومنهن حال الطلاقة في اللسان حتى تدنو من الهذر، ومنهن حال الأخذ بحكم الصمت حتى تدنو من العي. فالملك منكم جدير أن يبلغ من كل طبقة من محاسنها حدها، فإذا وقف على الحدود التي وراءها سرف ألجم نفسه عما وراءها.
واعلموا أن الملك منكم ستعرض له شهوات في غير ساعاتها، والملك إذا قدّر ساعة العمل، وساعة الفراغ وساعة المشرب، وساعة المطعم، وساعة الفضلة، وساعة اللهو، كان جديراً ألا يعرف منه الاستقدام بالأمور ولا الاستئخار بها عن ساعاتها، فإن اختلاف ذلك يورث مضرتين: إحداهما، السخف، وهي أشد الأمرين، والأخرى، نقض الجسد بنقض أقواته وحركاته.
واعلموا أن من ملوككم من سيقول: لي الفضل على من كان من قبلي من آبائي وعمومتي ومن ورثت عنه هذا الأمر؛ لبعض الإحسان يكون منه، فإذا قال ذلك سوعد عليه بالمتابعة له، فليعلم ذلك الملك أنه والمتابعين له إنما وضعوا أيديهم وألسنتهم في قصب آبائه من الملوك وهم لا يشعرون، وبالحري أن يشعر بعض المتابعين له فيغمض على ما لا يحزنه من ذلك.
واعلموا أن ابن الملك وأخاه وابن أخيه وعمه وابن عمه يقول: كدت أكون ملكاً، وبالحري ألا أموت حتى أكون ملكاً، فإذا قال ذلك قال ما لا يسر الملك، فإن كتمه " فالداء في كل مكتوم " وإن أظهره كلم ذلك في قلب الملك كلما يكون لقاحاً للتباين والتعادي، وسيجد ذلك القائل، من المتابعين والمحتملين والمنمنمين ما تمنى لنفسه ما يزيده إلى ما اشتاق إليه شوقاً، فإذا تمكن في صدره الأمل لم يرج النيل إلا في اضطراب من الحيل وزعزة تدخل على الملك وأهل المملكة، فإذا تمنى ذلك فقد جعل الفساد سلّماً إلى الصلاح، ولم يكن الفساد سلّماً إلى صلاح قط: وقد رسمت لكم في ذلك مثالاً لا مخرج لكم من هذا إلا به.
اجعلوا الملك لا ينبغي إلا لأبناء الملوك من بنات عمومتهم، ولا يصلح من أولاد بنات العم إلا كامل غير سخيف العقل، ولا عازب الرأي، ولا ناقص الجوارح، ولا معتوب عليه في الدين؛ فإنكم إذا فعلتم ذلك قلّ طلاب الملك، وإذا قلّ طلابه استراح كل امرئ إلى ما يليه، ونزع إلى جديلته، وعرف حاله، وغض بصره، ورضي بمعيشته، واستطاب زمانه.
واعلموا أنه سيقول قائل من عرض رعيتكم أو من ذوي قرابتكم: ما لأحد عليّ فضل لو كان لي ملك، فإذا قال ذلك فقد تمنى الملك وهو لا يشعر، ويوشك أن يتمناه بعد ذلك وهو يشعر، فلا يرى ذلك من رأيه خطلاً، ولا من فعله زللا، وإنما يستخرج ذلك فراغ القلب واللسان مما يكلف أهل الدين والكتّاب والحسّاب، أو فراغ اليد مما يكلف الأساورة، أو فراغ البدن مما يكلّف التجار والمهنة والخدم.
واعلموا أنا على فضل قوتنا، وإجابة الأمور إياناً، وجدة دولتنا، وشدة بأس أنصارنا، وحسن نية وزرائنا لم نستطع إحكام تفتيش الناس حتى بلغنا من الرعية مكروهاً، ومن أنفسنا مجهودها.
واعلموا أن الملك ورعيته جميعاً يحق عليهم ألا يكون للفراغ عندهم موضع " فإن التضييع في فراغ الملك، وفساد المملكة في فراغ الرعية " .

واعلموا أنه لا بد من سخط سيحدث منكم على بعض إخوانكم المعروفين بالنصيحة لكم، ولا بد من رضىً سيحدث لكم على بعض أعدائكم المعروفين بالغش لكم، فلا تُحدثوا، عندما يكون من ذلك، انقباضاً عن المعروف بالنصيحة، ولا استرسالاً إلى المعروف بالغش.
وقد خلّفت لكم رأيي إذ لم أستطع تخليف بدني، وقد حبوتكم بما حبوت به نفسي، وقضيت حقكم فيما آسيتكم به من رأيي، فاقضوا حقي بالتشفيع لي في صلاح أنفسكم والتمسك بعهدي إليكم، فإني قد عهدت إليكم عهدي وفيه صلاح جميع ملوككم وعامتكم وخاصتكم، ولن تضيعوا ما احتفظتم بما رسمت لكم ما لم تضعوا غيره، فإذا تمسكتم به كان علامةً في بقائكم ما بقي الدهر.
ولو لا اليقين بالبوار النازل على رأس الألف من السنين لظننت أنت قد خلّفت فيكم ما إن تمسكتم به كان علامةً في بقائكم ما بقي الدهر، ولكن الفناء إذا جاءت أيامه أطعتم أهواءكم، واستثقلتم ولاتكم، وأمنتم، وتنقلتم عن مراتبكم، وعصيتم خياركم، وكان أصغر ما تخطئون فيه سلّماً إلى أكبر منه حتى تفتقوا ما رتقنا، وتُضيعوا ما حفظنا.
والحق علينا وعليكم ألا تكونوا للبوار أغراضاً، وفي الشؤم أعلاما، فإن الدهر إذا أتى بالذي تنتظرون اكتفى بوحدته.
ونحن ندعو الله تعالى لكم بنماء المنزلة، وبقاء الدولة، دعوة لا يفنيها فناء قائلها، ولا يُميتها موت داعيها حتى المُنقلب، ونسأل الله الذي عجّل بنا وأخّركم، وقدّمنا وخلّفكم، أن يرعاكم رعايةً يرعى بها من تحت أيديكم، وأن يرفعكم رفعةً يضع بها من عاداكم، وأن يكرمكم كرامةً يُهين بها من ناوأكم، ونستودعكم الله العظيم وديعةً يكفيكم بها الدهر الذي يُسلمكم وباله وغيره وعثراته وغدراته والسلام على أهل الموافقة ممن يأتي عليه العهد من الأمم الكائنة بعدي.
الباب الرابع
مواعظ ونكت للزهادقال عمر بن عبد العزيز لبعضهم: " إني أخاف الله مما دخلت فيه " قال: لست أخاف عليك أن تخاف، إنما أخاف عليك ألا تخاف.
قال بعضهم: لا تجعل بينك وبين الله منعماً، وعد النعم منه عليك مغرماً.
دخل سالم بن عبد الله على هشام في البيت فقال له هشام: سل حاجتك، قال: " أكره أن أسأل في بيت الله غير الله " .
وقيل لرابعة القيسية: لو كلّمت أهلك أن يشتروا لك خادماً يكفيك مؤونة بيتك! فقالت: " إني أستحي أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟ " .
قال بكر بن عبد الله: " أطفئوا نار الغضب بذكر نار جهنم " .
ولما خبّر أبو حازم سليمان بن عبد الملك أبو عبد الله للمذنبين، قال: فأين رحمة الله؟ قال: " قريب من المحسنين " .
كان بلال بن سعد يقول: " زاهدكم راغب، ومجتهدكم مقصر، وعالمكم جاهل، وجاهلكم مغتر " .
وقال عامر بن عبد قيس: " الدنيا والدة للموت، ناقضة للمبرم، مرتجعة للعطية، وكل من فيها يجري إلى ما لا يدري، وكل مستقر فيها غير راض بها، وذلك شهيد على أنها ليست بدار قرار " .
باع عبد الله بن عتبة بن مسعود أرضاً له بثمانين ألفاً فقيل له: لو اتخذت لولدك ذُخراً من هذا المال! قال: أنا أجعل هذا المال ذخراً لي، وأجعل الله ذخراً لولدي.
رأى إياس بن قتادة العبشمي شيبةً في لحيته فقال: " أرى الموت يطلبني، وأراني لا أفوته، أعوذ بك من فُجاءة الأمور. يا بني سعد قد وهبت لكم شبابي فهبوا لي شيبتي " ولزم بيته فقال له أهله: تموت هُزلاً، قال: " لأن أموت مؤمناً مهزولاً أحب إليّ من أن أموت منافقاً سميناً " .
قال بكر بن عبد الله: وما الدنيا؟ أما ما مضى منها فحلم، وما بقي منها فأماني.
قال مُوّرق: خير من العجب بالطاعة ألا تأتي بطاعة.
وقال: ضاحك معترف بذنبه خير من باك مدلّ على ربه.
وقال بكر بن عبد الله: اجتهدوا في العمل فإن قصر بكم ضعف فكفوا عن المعاصي.
قال: أوحى الله إلى الدنيا من خدمني فاخدميه، ومن خدمك فاستخدميه.
قيل لرابعة: هل عملن عملاً ترين أنه يُقبل منك؟ قالت: إن كان شيء فخوفي أن يُرد عليّ.
قيل لرجل مريض: كيف تجدك؟ قال: لم أرض حياتي لموتي.
نظر حبيب يوماً إلى مالك بن دينار وهو يقسم صدقةً له علانية فقال له: يا أخي إذا ركزت كنزاً فاستره.
دخل الأوزاعي على المهدي فقال له: إن الله قد أتاك فضيلة الدنيا، وكفاك طلبها؛ فاطلب فضيلة الآخرة فقد فرّغك لها.

قال عمرو بن عبيد للمنصور: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها؛ فاشتر نفسك منه ببعضها، وإن هذا الذي أصبح بيدك لو بقي في يد من كان قبلك لم يصر إليك، فاحذر ليلة تمخّض بيوم هو آخر عُمرك، قال: فبكى المنصور، وقال له: سل حاجةً، قال: نعم، يا أمير المؤمنين، لا تعطني حتى أسألك، ولا تدعُني حتى أجيئك.
قيل: ليس من قدر الدنيا أن تُعطي أحداً ما يستحقه، إما أن تزيده وإما أن تنقصه.
قيل لخالد بن صفوان: من أبلغ الناس؟ قال: الحسن، لقوله: فضح الموت الدنيا.
وقيل لزاهد: كيف سخت نفسك عن الدنيا؟ قال: أيقنت أني خارج منها كارهاً فأحببت أن أخرج منها طوعا.
سمع بعضهم سائلاً يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون فيما عند الله فقال: اقلب وضع يدك على من شئت.
قيل لأبي حازم: كيف الناس يوم القيامة؟ فقال: أما العاصي فآبق قدم به على مولاه، وأما المطيع فغائب قدم على أهله.
ومر إبراهيم بن أدهم بباب المنصور فنظر إلى السلاح والحرس فقال: المريب خائف.
قيل لراهب: ما أصبرك على الوحدة؟ قال: أنا جليس ربي إذا شئت أن يناجيني قرأت كتابه، وإن شئت أن أناجيه صلّيت.
كان يقال: " خف الله لقدرته عليك، واستحي منه لقربه منك " .
قالوا: " احذر أن يصيبك ما أصاب من ظلمك " .
قال الرشيد للفضيل بن عياض: ما أزهدك! قال الفضيل: أنت أزهد مني؛ لأني زهدت في الدنيا وهي فانية، وزهدت أنت في الآخرة وهي باقية.
قال الفضيل: يا رب إني لأستحي أن أقول: توكلت عليك، لو توكلت عليك لما خفت ولا رجوت غيرك.
قال بعضهم: من اكتسب غير قوته فهو خازن غيره.
عوتب بعضهم على كثرة الصدقة فقال: لو أراد رجل أن ينتقل من دار إلى دار ما ترك في الأولى شيئاً.
بعث ملك إلى عابد: مالك لا تخدمني وأنت عبدي. فقال: لو اعتبرت لعلمت أنك عبد لعبدي؛ لأني أملك الهوى، فهو عبدي، وأنت تتبع الهوى فأنت عبده.
حكيم: أمسك ماض، ويومك منتقل، وغدك متهم.
قال أبو حازم: إنما بيني وبين الملوك يوم واحد؛ أما أمس فلا يجدون لذته، ولا أجد شدته، وأما غد فإني وإياهم منه على خطر، وإنما هو اليوم فما عسى أن يكون؟.
دخل متظلم على سليمان بن عبد الملك فقال: اذكر يا أمير المؤمنين يوم الأذان، فقال: وما يوم الأذان؟ قال: اليوم الذي قال الله فيه: " فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين " . فبكى سليمان، وأزال ظلامته.
سئل الفضل عن الزهد قال: هو رفان في كتاب الله " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " .
كتب محبوس إلى الرشيد إنه ما مر يوم من نعيمك إلا مر يوم من بؤسي والأمر قريب والسلام.
قيل لبعضهم: ما الخبر؟ قال: طاب الخبر " كتب ربكم على نفسه الرحمة " .
وقيل: المحسن في معاده كالغائب يقدم على أهله مسروراً، والمسيء: كالآبق يُرّد إلى أهله مأسورا.
وقف أعرابي على قبر هشام، وخادم له يقول: ما لقينا بعدك! فقال: إيهاً عليك، أما إنه لو نشر لأخبرك أنه لقي أشد مما لقيتم.
كتب طاوس إلى مكحول: أما بعد، فإنك قد أصبت بما ظهر من علمك عند الناس منزلةً وشرفا، فالتمس بما بطن من عملك عند الله منزلةً وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين ستزيد الأخرى والسلام.
قال ابن المعتمر: الناس ثلاثة أصناف: أغنياء، وفقراء، وأوساط، فالفقراء موتى إلا من أغناه الله بعز القناعة، والأغنياء سكارى إلا من عصمه الله بتوقع الغير، وأكثر الخير مع أكثر الأوساط، وأكثر الراحة مع الفقراء، والأغنياء تستخف بالفقر من بطر الغنى.
قيل لحاتم: علام بنيت أمرك؟ قال: على أربع خصال: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فلم أهتم به، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتةً فأنا مبادره، وعلمت أني بعين الله في كل حال فاستحييت منه.
قال بعض السلف: أنت في طلب الدنيا مع الحاجة إليها معذور، وأنت في طلبها مع الاستغناء عنها مغرور.
دخل سفيان الثوري على المهدي وهو بمكة فقال له: حدثنا أبو عمران أيمن بن نابل عن قدامة بن عبد الله الكلابي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة يوم النحر: " لا ضرب، ولا طرد، ولا إليك إليك " فقد رأيت الناس يضربون بين يديك.

وجاء عن عمر بن الخطاب أنه أنفق في حجة حجها بضعة عشر ديناراً و قال: ما أحسب هذا إلا سرفاً في أموال المسلمين، وما أراك تدري كم أنفقت؟ فقال له المهدي: لو كان المنصور حياً ما احتمل هذا الكلام منك، فقال سفيان: لو كان المنصور حياً ثم أخبرك بما لقي ما تقاربك مجلسك.
نظر بعضهم إلى رجل يُفحش فقال له: يا هذا إنك إنما تُملي على حافظيك كتاباً إلى ربك، فانظر ما تقول.
قيل لبعضهم: ولي فلان ولايةً، فلو أتيته! فقال: والله ما فرحت له فأهنيه، ولا ساءته فأعزّيه.
قال إبراهيم النخعي: كم بينكم وبين أقوام أقبلت الدنيا عليهم فهربوا منها، وأدبرت عنكم فتبعتموها؟.
قال أبو حازم: إذا تتابعت عليك نِعمُ ربك وأنت تعصيه فاحذره.
وقال له سليمان بن عبد الملك: عظني، قال: عظّم ربك أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك.
قال مطرّف: لأن يسألني ربي ألا فعلت؟ أحب إلي من أن يسألني لمَ فعلت؟.
قيل لحكيم: صف الدنيا وأوجز، قال: ضحكة مستعبر.
قال آخر لبعض الصالحين بالبصرة: أنا خارج إلى بغداد فهل لك من حاجة؟ قال: ما أحب أن أبسط أملي حتى تذهب إلى بغداد وتجيء.
قيل للعتابيّ: إن فلاناً بعيد الهمة، قال: إذن لا يقنع بدون الجنة.
وقيل له: إن فلاناً بعيد الهمة عالم، قال إذن لا يفرح بالدنيا.
كان وهب بن منبّه يقول: " مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرّتان إن أرضى أحدهما أسخط الأخرى " .
وقف رجل على قبر بعض الجبابرة فقال: أيها الجبار، كم من نفس قتلتها طلباً للراحة منها أصبحت اليوم وهي أكثر شغلك.
قال الفضل الرقاشي: إنا والله ما نعلّمكم ما تجهلون ولكنا نذكركم ما تعلمون.
كان الفضيل، وهو يعظ ابنه علياً، كثير الزهد ويقول: يا بني ارفق بنفسك.
وكان يوماً خلف الإمام يصلي، وقرأ سورة الرحمن، فجعل يتلو إلى قوله تعالى: " حور مقصورات في الخيام " فلما سلّم الإمام سمع أباه ينادي: يا علي، أما سمعت ما قرأ الإمام؟ فيقول ابنه: يا أبة شغلني ما كان قبلها: " يُعرف المجرمون بسماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام " .
قيل لابن عيينة: إن فلاناً ينتقصك: فقال: نطيع الله فيه على قدر ما عصى الله فينا.
قيل لبعضهم: ما مثل الدنيا؟ قال: هي أقل من أن يكون لها مثل.
عوتب سهل بن عبد الله على كثرة الصدقة فقال: لو أراد الرجل أن ينتقل من دار إلى دار أكان يترك في الأولى شيئاً؟ لا والله.
دخل لص على بعض الزهاد فلم ير في داره شيئاً: فقال: يا هذا أين متاعك؟ قال حوّلته إلى دار أخرى.
قيل للربيع بن خثيم: يا ربيع، أنا ما رأيتك تذم أحداً، قال: ويلك! ما أنا عن نفسي راض فأتحول من ذمي إلى ذم الناس؛ إن الناس خافوا الله على ذنوب العباد؛ وأمنوه على ذنوبهم.
قال عيسى بن موسى، وهو أمير الكوفة لأبي شيبة قاضي الري: لم لا تغشانا فيمن يغشانا؟ قال: لأني إن جئتك فقربتني فتنتني، وإن أقصيتني حزنتني؛ وليس عندي ما أخافك عليه، ولا عندك ما أرجوك له.
قال بعض الزهاد: تأمل ذا الغنى، ما أدوم نصبه، وأقل راحته، وأخس من ماله حظه، وأشد من الأيام حذره، ثم هو بين سلطان يهتضمه، وعدو يبغي عليه، وحقوق تلزمه، وأكفاء يسوءونه، وولد يود فراقه، قد بعث عليه الغنى من سلطانه العنت، ومن أكفائه الحسد، ومن أعدائه البغي، ومن ذوي الحقوق الذم، ومن الولد الملامة!!.
قال سفيان: يا ابن آدم، إن جوارحك سلاح الله عليك بأيها شاء قتلك.
قال بعضهم: رأيت صوفياً في البادية فقلت له: أين الزاد؟ قال: قدّمته إلى المعاد.
قال بعضهم: ما تبالي حسّنت جوراً أو دخلت فيه، وقبّحت عدلاً أو خرجت منه؟.
قال ميمون بن هارون: في قوله تعالى: " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون " تعزية للمظلوم ووعيد للظالم.
دخل عبد الوارث بن سعيد على رجل يعوده فقال: كيف أنت؟ قال: ما نمت منذ أربعين ليلة، فقال: يا هذا، أحصيت أيام البلاء، فهل أحصيت أيام الرخاء؟.
قال آخر: العجب لمن يغتر بالدنيا، وإنما هي عقوبة ذنب.
قال ابن السماك: " خف الله حتى كأنك لم تطعه، وارج الله كأنك لم تعصه " .
قال آخر: العالم طبيب هذه الأمة والدنيا داؤها، فإذا كان الطبيب يطلب الداء فمتى يبرئ غيره؟.
دخل قوم منزل عابد فلم يجدوا شيئاً يقعدون عليه، فلما خرجوا قال: لو كانت الدنيا دار مقام لاتخذنا لهم أثاثا.

قال بعض الزهاد: قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لست آكل من رزقه شيئاً، قال آخر: يا ابن آدم، مالك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت، وتفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت.
قال إبراهيم بن ادهم: نحن نسل من نسل الجنة سبانا إبليس منها بالمعصية، وحقيق على المسبي ألا يهنأ بعيشه حتى يرجع إلى وطنه.
قيل لمحمد بن واسع: فلان زاهد فقال: وما قدر الدنيا حتى يحمد من يزهد فيها؟.
كتب زاهد إلى آخر: صف لي الدنيا والآخرة. فكتب إليه: " الدنيا حلم، والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الوت، ونحن في أضغاث ننقل إلى أجداث " .
قيل لآخر: مالك تدمن المشي على العصا، ولست بكبير ولا مريض؟ قال: لأعلم أني مسافر، وأنها دار قُلعة، فإن العصا من آلة السفر.
قيل لآخر: أتعبت نفسك، قال: راحتها أطلب.
كتب آخر إلى عابد: بلغني تفرغك للعبادة فما سبب المعاش؟ فكتب إليه: يا بطال يبلغك عني أني منقطع إلى الله وتسألني عن المعاش؟.
قال الرشيد لابن السمّاك: عظني وأوجز. فقال: اعلم أنك أول خليفة يموت.
قيل لأبي حازم: ما مالك؟ قال: شيئان لا عدم لي معهما: الرضى عن الله، والغنى عن الناس.
شتم رجل زاهداً، فقال له: هي صحيفتك أمل فيها ما شئت.
قال سفيان: إذا أردت أن تعرف الدنيا فانظر عند من هي.
وقال غيره: " كل شيء فاتك من الدنيا فهو غنيمة " .
وقال معدان: اعمل للدنيا على قدر مكثك فيها، وللآخرة كذاك.
مر عبد الله بن المبارك برجل واقف بين مقبرة ومزبلة فقال: يا رجل، إنك بين كنَزين: كنزِ الأموال، وكنز الرجال.
دخل الإسكندر مدينة فتحها، فسأل عن أولاد الملوك بها، فقال أهلها: بقي رجل منهم يسكن المقابر، فدعا به فأتاه، فقال له: ما دعاك إلى لزوم المقابر؟ قال: أحببت أن أميز بين عظام ملوكهم وعظام عبيدهم، فوجدتهما سواء، فقال له الإسكندر: هل لك أن تتبعني فأحيي شرفك وشرف آبائك إن كانت لك همة؟ فقال: همتي عظيمة، فقال: وما هي؟ قال: حياة لا موت معها وشباب لا هرم معه، وغنىً لا فقر معه، وسرور لا مكروه فيه، قال: ليس عندي هذا، قال: فدعني ألتمسه ممن هو عنده.
قال مطرف: إني لأستلقي بالليل على فراشي فأتدبر القرآن كله، فأعرض نفسي على أعمال أهل الجنة فأرى أعمالهم شديدة " كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون " . " يبيتون لربهم سجداً وقياما " . " أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائما " . " تتجافى جنوبهم عن المضاجع " . فلا أرى صفتي فيهم. ثم أعرض نفسي على أعمال أهل النار " ما سلككم في سقر " . " وأما إن كان من المكذبين الضالين " فلا أراني فيهم. ثم أمرّ بهذه الآية " وآخرون اعترفوا بذنوبهم " فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا إخواننا منهم.
قال يحيى بن معاذ: الوعد حق الخلق على الله، فهو أحق من وفى، والوعيد حقه على الخلق، فهو أحق من عفا.
مات ابن لعمر بن ذر فقال: أي بني شغلني الحزن لك عن الحزن عليك.
وقالوا: من هوان الدنيا على الله ألا يُعصى إلا فيها، ولا يُنال ما عنده إلا بتركها.
قال عبد الله بن شداد: أرى دواعي الموت لا تُقلع، وأرى من مضى لا يرجع، لا تزهدوا في معروف؛ فإن الدهر ذو صروف، كم راغب قد كان مرغوباً إليه، وطالب أصبح مطلوباً إليه، والزمان ذو ألوان، من يصحب الزمان ير الهوان، وإن غلبت يوماً على المال، فلا تغلبنّ على الحيلة على حال، وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالاً أقل ما تكون في الباطن مالاً.
قال شبيب بن شيبة لأبي جعفر: إن الله لم يجعل فوقك أحداً، فلا تجعلن فوق شكرك شكرا.
وقال عمرو بن عبيد للمنصور: إن الله قد وهب لك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك من الله ببعضها.
قال خالد الربعي: كنا نحدّث " إن مما يُعجّل الله عقوبته، أو قال: لا نؤخر عقوبته: الأمانة تخان، والإحسان يُكفر، والرحم تُقطع، والبغي على الناس " .
كان بعض الزهاد يقول: ابن آدم تكلأ بحفظه وتُصبح عازماً على معصيته؟.
دخل المبارك بن فضالة على المنصور وهو بالجسر فقال: يا أمير المؤمنين، حدثني فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش من كان له على الله دالة فليقم، فلا يقوم إلا أهل العفو " فقال أبو جعفر: قد عفوت، ورجع من الجسر ولم يدخل البصرة.

نسب محمد بن كعب نفسه إلى القُرظي فقيل له: ولمَ لم تقل: الأنصاري؟ قال: " أكره أن أمن على الله بما لم أفعله " .
مر محمد بن واسع بقوم فقيل له: هؤلاء زهاد، فقال وما قدر الدنيا خحتى يحمد الزاهد فيها؟.
كان شعبة يقول لأصحابه: " لو أردت الله ما خرجت إليكم، ولو أردتم الله ما جئتموني " .
كان الربيع بن خثيم يقول: " لو كانت الذنوب تفوح ما جلس أحد إلى أحد " .
قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ قال: آسفاً على أمسي كارهاً ليومي: متهماً لغدي " .
وقيل لآخر: لك تركت الدنيا؟ قال: لأني أُمنع من صافيها وأمتنع من كدرها.
وقيل لآخر: ما الذي تطلب؟ فقال الراحة، قيل: فهل وجدتها؟ قال: قد وجدت أني لا أجدها في الدنيا.
وقيل لآخر: لم تركت الدنيا؟ قال: أنفت من قليلها، وأنف مني كثيرها.
قال أبو هفان: كان مزين يخدم رئيساً وكان الرئيس قد خالطه بياض، فكان يأمر المزين بلقطه، فلما انتشر البياض قال المزيّن: يا سيدي قد ذهب وقت اللقّاط وجاء وقت الصرام، قال: فبكى الرئيس من قوله.
دخل سفيان بن عيينة على الرشيد وهو يأكل بملعقة فقال: يا أمير المؤمنين، حدثني عبيد الله بن يزيد عن جدك ابن عباس في قوله جل وعز: " ولقد كرمنا بني آدم " قال: جعلنا لهم أيدياً يأكلون بها، فكسر الملعقة.
قيل لميمون بن مهران: إن رقيّة امرأة هشام ماتت فأعتقت كل مملوك لها، فقال ميمون: يعصون الله مرتين: يتجملون به وهو في أيديهم بغير حق. فإذا صار لغيرهم أسرفوا فيه.
عزّى رجل الرشيد فقال: آجرك الله في الباقي، ومتّعك بالفاني: فقال: ويحك، ما تقول؟ وظن أنه غلط، فقال: ألم تسمع الله يقول: " ما عندكم ينفد وما عند الله باق " فسرّي عنه.
دخل عمر بن ذر على ابنه وهو يجود بنفسه فقال: يا بني إنه ما علينا من موتك غضاضة، ولا بنا إلى أحد سوى الله حاجة، فلما قضى نحبه، وصلى عليه، وواراه، وقف على قبره فقال: يا ذر، إنه قد شغلنا الحزن لك عن الحزن عليك؛ لأنا لا ندري ما قلت وما قيل لك، اللهم إني قد وهبت له ما قصّر فيه مما افترضت عليه من حقي، فهب لي ما قصّر فيه من حقك، واجعل ثوابي عليه له، وزدني من فضلك إني إليك من الراغبين.
قال بعض الصالحين: لو أنزل الله عز وجلّ كتاباً أنه معذّب رجلاً واحداً لخفت أن أكونه، وأنه راحم رجلاً واحداً لرجوت أن أكونه، وأنه معذبي لا محالة ما ازددت إلا اجتهاداً. لئلا أرجع على نفسي بلائمة.
وقال مطرّف بن عبد الله لابنه: " يا عبد الله، العلم أفضل من العمل، والحسنة بين السيئتين كقول الحق بين فعل المقصر والغالي " .
ومن كلامه: " خير الأمور أوساطها، وشر السير الحقحقة، وشر القراءة الهذرمة " .
وكان ابن السمّاك يقول: إذا فعلت الحسنة فافرح بها واستقللها؛ فإنك إذا استقللتها زدت عليها، وإذا فرحت بها عدت إليها.
ويروى عن أويس القرني أنه قال: " حقوق الله لم تدع عند مسلم درهماً " .
قال يحيى بن معاذ الرازي: إن لله عليك نعمتين: السراء للتذكير، والضراء للتطهير، فكن في السراء عبداً شكوراً، وفي الضراء حراً صبورا " .
دخل ابن السمّاك يوماً على الرشيد فدعا الرشيد بماء ليشربه فقال: ماء! ناشدتك الله، أرأيت لو مُنعت من شربه ما الذي كنت فاعله؟ فقال: كنت أفتديه بنصف ملكي، فقال: اشرب هنيئاً لك، فلما فرغ من شربه قال: ناشدتك الله، أرأيت لو منعت من خروجه ماك نت تفعل؟ قال: كنت أفتديه بنصف ملكي، فقال: إن ملكاً يفتدى بشربة ماء لخليق بألا ينافس عليه.
كان يحيى بن معاذ يقول للناس: لا تكونوا ممن يفضحهم يوم موتهم ميراثه، ويوم القيامة ميزانهز قال المنصور لعمرو بن عبيد: عظني، فقال: أعمّا رأيت أو ما سمعت؟ فقال: بل عظني بما رأيت، فقال له: مات عمر بن عبد العزيز فخلّف أحد عشر ابناً وبلغت تركَتُه سبعة عشر دينارا، كُفّن منها بخمسة دنانير، واشترى موضع قبره بدينارين، وأصاب كل واحد من ولده ثمانية عشر قيراطا، ومات هشام فخلّف أحد عشر ابناً وأصاب كل واحد من ولده ألف ألف دينار، فرأيت رجلاً من ولد عمر بن عبد العزيز قد حمل في يوم واحد على مائة فرس في سبيل الله، ورأيت رجلاً من ولد هشام يسأل الناس ليتصدق عليه.
قال بعضهم: الدنيا دار تجارة، فويل لمن تزوّد منها الخسارة.
قال بعضهم: اصبروا عباد الله على عمل لا غنى بكم عن ثوابه، واصبروا عن عمل لا صبر لكم على عقابه.

قال أبو حازم: ما كرهت أن يكون معك غداً فاتركه اليوم، وما أحببت أن يكون معك غداً فقدمه اليوم.
قال إبراهيم التيمي: مثّلت في نفسي الجنة آكل من ثمارها وأعانق أزواجها، وألبس حللها: ومثلت في نفسي النار أعالج أغلالها، وآكل من زقومها، فقلت: يا نفس، أي شيء تريدين الآن؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل، فقلت: الآن أنت في الأمنية فافعل.
كان بعض التابعين إذا قيل له: كيف أصبحت؟ يقول: في أجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من ورائنا، ولا ندري ما الله يفعل بنا.
وكان روح بن مدرك يقول في موعظته: الآن قبل أن تسقم فتضنى، وتهرم فتفنى ثم تموت فتُنسى، ثم تُقبر فتُبلى، ثم تُنشر فتحيا، ثم تُبعث فتشقى، ثم تُحضر فتدعى، ثم توقف فتُجزى بما قدمت فأمضيت، وأذهبت فأفنيت، من موبقات سيئاتك، وسالفات شهواتك، وملفقات فعلاتك، الآن سالمون، الآن وأنتم مستعتبون.
قال أبو حازم: عجباً لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كل يوم مرحلة، ويتركون أن يعملوا لدار يرحلون إليها كل يوم مرحلة.
قيل لمحمد بن واسع: كيف حالك؟ فقال: كيف حال من لا يدري كيف حاله؟.
أراد رجل الحج فقال لامرأته: إني عازم على الحج، فقالت: بسم الله، قال: فكم أخلّف عليك من النفقة؟ قالت: بقدر ما تُخلّف عليّ من الحياة.
يُروى عن خالد بن صفوان أنه قال: ملأت البحر الأخضر بالذهب الأحمر، فإذا الذي يكفيني من ذاك رغيفان وكوزان وطمران.
دخل مالك بن دينار على بلال بن أبي بردة - وهو أمير البصرة - فقال: إني قرأت في بعض الكتب: " من أحمق من السلطان؟ ومن أجهل ممن عصاني؟ ومن أغرّ ممن اغترّ بي؟ أيا راعي السوء دفعت إليك غنماً سماناً سماحا، فأكلت اللحم وشربت اللبن، وائتدمت بالسمن، ولبست الصوف، وتركتها عظاماً، ما تقعقع " .
قيل: طاف الرشيد بالبيت فوطئ جرادة، فلم يدر ما عليه فيها، فبعث المأمون إلى الفضيل بن عياض، فسلّم عليه وقال: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: لنا إليك حاجة فأحب أن تصير إلينا، فلم يُجب الفضيل بشيء، فرجع المأمون وقال: رأيت رجلاً ليست به إليك حاجة، فقام الرشيد مغضباً حتى تخوّفنا على الفضيل منه، قال: فوقف عليه وسلّم، فوسّع الفُضيل، أورد السلام عليه، فلما جلس أقبل على الفضيل فقال: رحمك الله، قد كان الواجب أن تأتينا، وتعرف حقّنا؛ إذ ولاّنا الله أموركم، وصيرنا الحكُام في دمائكم، والذابين عن حريمكم، وإذ لم تأتنا فقد أتيناك، إني وطئت الآن في الطواف على جندبة فما ديتها؟ قال: فبكى الفضيل بكاءً شديداً حتى علا صوته، وقال: إذا كان الراعي يسأل الغنم هلكت الغنم، وإنما يجب على الراعي أن يرتاد لغنمه الرعى وجيد الكلأ وعذب الماء، فإذا كنت يا أمير المؤمنين غافلاً عن معالم الدين فبأي شيء تسوس رعيتك؟ قال: فخجل الرشيد حتى عرق وانصرف.
اختلفوا بحضرة الزهري في معنى قول القائل: فلان زاهد، فقال الزهري: الذي لا يغلب الحرام صبره ولا الحلال شكره.
قال عمر بن ذر: الحمد لله الذي جعلنا من أمة تُغفر لهم السيئات ولا تُقبل من غيرهم الحسنات.
قال يونس بن عبيد: سمعت ثلاث كلمات لم أسمع بأعجب منهن: قول حسان ابن أبي سنان: ما شيء أهون من ورع، إذا رابك شيء فدمه. وقول ابن سيرين: ما حسدت أحداً على شيء قط. وقول موّرق العجلي: لقد سألت الله حاجة أربعين سنة ما قضاها ولا يئست منها، قيل: وما هي؟ قال: ترك ما لا يعنيني.
قال أبو حازم الأعرج: إن عوفينا من شر ما أُعطينا لم يضرنا فقد ما زوي عنا.
وقال: الدنيا غرّت أقواماً فعملوا فيها بغير الحق ففاجأهم الموت فخلّفوا ما لهم لمن لا يحمدهم، وصاروا إلى من لا يعذرهم، وقد خلفنا بعدهم فينبغي لنا أن ننظر إلى الذي كرهنا منهم فنجتنبه، والذي غبطناهم به فنستعمله.
قال قتادة: يُعطي الله العبد على نية الآخرة ما شاء من الدنيا والآخرة، ولا يعطيه على نية الدنيا إلا الدنيا.
قال مطرّف بن عبد الله: لا تنظروا إلى خفض عيشهم، ولين لباسهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم، وسوء منقلبهم.
لقى ناسك ناسكاً ومعه خف، فقال له: ما تصنع بهذا؟ قال: عدة للشتاء، قال: كانوا يستحيون من هذا.
رأى ناسك ناسكاً في المنام فقال: كيف وجدت الأمر يا أخي؟ قال: وجدنا ما قدّمنا، وغرمنا ما أنفقنا، وخسرنا ما خلّفنا.

قال أبو حازم: نحن لا نريد أن نموت حتى نتوب، ونحن لا نتوب حتة نموت.
قالوا: ليس في النار عذاب أشد على أهلها من علمهم بأنه ليس لكربهم تنفيس، ولا لضيقهم ترفيه، ولا لعذابهم غاية، وليس في الجنة نعيم أبلغ من علمهم بأن ذلك الملك لا يزول.
سمع مطرّف رجلاً يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، فأخذ بذراعه وقال: لعلك لا تفعل! من وعد فقد أوجب.
قال رجل من الزهاد: إذا ابتليت أن تدخل مع الناس إلى سلطان فإذا أخذوا في الثناء فخذ في الدعاء.
روي أن عبد الملك قال حين ثقل ورأى غسالاً يلوي ثوباً بيده: وددت أني كنت غسالاً لا أعيش إلا بما أكسب يوماً فيوماً فذكر ذلك لأبي حازم فقال: " الحمد لله الذي جعلهم عند الموت يتمنون ما نحن فيه، ولا نتمنى عند الموت ما هم فيه " .
كان الربيع بن خشيم إذا قيل له: كيف أصبحت أبا يزيد؟ قال: مذنبين نأكل أرزاقنا وننظر آجالنا.
قال بعض الملوك لبعض الزهاد: اذمم الدنيا، فقال: أيها الملك، هي الآخذة لما تُعطي، الموّرثة بعد ذلك الندم، السالبة ما تكسو، الوارثة بعد ذلك الفضوح، تسد بالأراذل مكان الأفاضل، والعجزة مكان الحزمة، تجد في كل من كل خلفا، وترضى بكل من كل بدلا، تُسكن دار كل قرن قرنا، وتُطعم سؤر كل قوم قوما.
ذكر أنه كان للنعمان بن المنذر إخوة ثلاثة يقال لأحدهم: مالك، وللآخر عمرو، هو محرّق، والثالث علقمة، وكان مالك ذا فضل بيّن، ورأى جزل، فهلك مالك فأعظم ذلك عمرو وكربه - وكان عمرو مرجوّاً عند عامة مملكته لبوائق الدهر، وحوادث الأيام - فلما رأى المنذر بن النعمان بن المنذر ما بعمه عمرو من الوجد على مالك أفظعه ذلك وكربه، وكسف باله وغير حاله، ودخل عليه من ذلك ما كاد أن يكون شبيهاًَ بموت مالك فسأل المنذر بن النعمان أباه أن يجمع له رؤساء أهل مملكته وعلماءهم وخطباءهم وحلماءهم وذوي الشرف منهم، ثم يأذن له في الكلام والقيام في أمر مالك، والتعزية بعمه. فأجابه أبوه النعمان إلى ذلك، وأعجبه ما دعاه إليه، فلما توافت الرجال احتفل النعمان - يعني حفّل المجلس، وحشدهم، وأنزلهم على قدر منازلهم - فلما أخذوا مجالسهم قام المنذر ابن النعمان فثنيت له نمرقة الشرف على منبر الكرامة عن يمين النعمان - وهو كبير المتكلمين في جسيم الأمور - فرفع صوته فقال: يا عمرو، يا ابن ثمرة الرأي ومعدن الملك، إنما الخلق للخالق، والشكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولا بد مما هو كائن.
يا عمرو، إنه لا أضعف من مخلوق، ولا أقوى من خالق، ولا أقوى ممن طلبته في يديه، ولا أعجز ممن هو في يد طالبه.
يا عمرو، إن التفكر نور، والغفلة ظلمة والجهالة ضلالة، وقد ورد الأول، والآخر مسوق متعبد، وفي الأسى عزاء، والسعيد من وعظ بغيره.
يا عمرو، إنه قد جاءك ما لا يرد، وذهب عنك ما ليس براجع، فما الحيلة لبقاء ما سيذهب؟.
يا عمرو، إنما الشيء من مثله، وقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها، فما بقاء فرع بعد أصله.
يا عمرو، انظر إلى طبقات حالاتك من لدن في صلب أبيك إلى أن بلغت منزلة الشرف، وحد العقل، وغاية الكرامة، فهل قدرت - أو قدروا - على أن ينقلوك أو تنتقل عن طبقة قبل انقضائها، أو بتعجيل نعمة قبل أوان تحيّنها؟ وانظر إلى آبائك الذين كانوا أهل الملك والأخلاق المحمودة، هل وجدوا سبيلا - أو وجدت لهم - إلى بقاء ما أحبّوا أو بقوا بعده؟.
يا عمرو، فلأي أيام الدهر ترتجي؟ أيوم لا يجيء بما في غيره، أو يوم لا يستأخر ما فيه عن أوان مجيئه؟ وانظر إلى الدهر تجده أياماً ثلاثةً: يوماً مضى لا ترجوه، ويوماً بقي لا بد منه، ويوماً يأتي لا تأمنه.
يا عمرو أمس موعظة، واليوم غنيمة، وغداً لا تدري من أهله: فأمس شاهد مقبول شهادته، وحكيم مؤدب، قد فجعك بنفسه، وخلّف في يديك حكمته؛ واليوم صديق مودّع، كان طويل الغيبة، وهو سريع الظعن، أتاك ولم تأته، وقد مضى قبله شاهد عدل، فإن كان ما فيه لك فأتبعه بمثله، واتق اجتماع شهادتهما عليك؛ وغداً يجيء بما فيه.
يا عمرو، إن أكمل الأداة الصبر عند المصائب، واليقين، فأين المهرب مما هو كائن؟ إنما تنقلب في كف الطالب.
يا عمرو، إن أهل هذه الدار سفر لا يحلّون عقد الرحال إلا في غيرها، وإنما يتبلغون فيها بالعواري، فما أحسن الشكر للمنعم، والتسليم للمُعير!.

يا عمرو، من أحق بالتسليم ممن لا يجد مهربا من طالبها إلا إليه، ولا معيناً له إلا عوناً إليه؟.
يا عمرو، انظر مما جزعت، وما استنكرت، وما تحاول؟ فإن كان الجزع ردك إلى ثقة من درك الطلبة، وكنت قوياً على رد ما كرهت، فكيف تعجز من الغلبة على ما أحبهت؟ فإن كنت حاولت - مغلوبا - فمن أفنى القرون الأولى قبلك؟.
يا عمرو، إنه من يتناول ثمرة ما لا يكون استقرت في يديه الخيبة. أفمن هذا المعدن ترجو درك الغنيمة؟.
با عمرو، " إن أعظم المصيبة سوء الخلف منها " .
يا عمرو، " إن العلم لا ينال إلا بالتعلم " فمن رأيت تعلم ما لا يعلم، وأدرك ما لا يكون فيمن كان قبلك؟.
يا عمرو، فما غناؤك في طلب من في طلبك أم كيف رجوت رجعة مالك إليك وأنت تساق إليه؟ وما جزعك على الظاعن عنك اليوم وأنت مرتحل في طلبه غداً؟ وما طمعك في رد ما هو كائن بما لا يكون، فأفق فإن المرجع قريب، ولا تمعن فيضر بك العمى، وتنوهك الجهالة، وأنت ذو الحظ الكثير من الدنيا في قسمك، وأخو ذي الملك في قرابتك، وابن الملوك المتبعن في نسبك، قد أتاك الخبر في كل ما قالوا، وأنت غافل، فلا تكونن في الشكر دون الحق عليك.
يا عمرو، إنما ابتلاك بالمصيبة المنعم، وأخذ منك العطية المعطي، وما يريد أكثر، فإن نسيت الصبر فلا تغفل الشكر، وكلا فلا تدع.
يا عمرو، إنه لا أغنى من منعم، ولا أحوج من منعم عليه واحذر من الغفلة استلاب النعم وطول الندامة. واعلم أنه لا أضيع ممن غفل عن نفسه ولا يغفل عنه طالبه.
يا عمرو، إن أخاك قد برز لعظيم صلتك، ولاستكمال كرامتك ولطف بما تراه لموعظتك.
يا عمرو، فهذا يوم ثناؤه عظيم، وبقاء ما فيه بعدنا طويل، وسيحظى به اليوم السعيد، ويتذكر من منافعه اللبيب.
يا عمرو، إنما جمعت منافع هذا اليوم وجنوده لدفع ضر الجهالة عنك، وإنما أوقدت مصابيح الهدى لتيه تحيرك وسهلت سبل الخير لرجاء رجعتك، فلم أر كاليوم ضل مع نوره متحير، ولا أعيا مداويه سقيم.
يا عمرو، ما أصغر المصيبة مع فائدة أهل الغنيمة غدا، وكثر فيه خيبة الخائب.
يا عمرو، إن أبت نفسك إلا علم رأى من جميع التجارب فقد كفيت فاسمع جوابهم: زعم فرسان الحروب وقادة الجنود أنه غلب على مالك غالب آبائك أهل التتويج والملك الكبير، وزعم حفظة الخزائن أنها عوار عند كم أهل البيت، وانها لا تقبل في فكاك الأسارى، وزعم رؤساء الأطباء أن مالكاً هلك بداء معلميهم الذين ماتوا به، ولا دواء لدائهم ذلك، وزعم أهل التجارب والحيلة الكبرى أن صاحب مالك قد شغلهم بأنفسهم عنك، فإن فرغوا أتوك.
يا عمرو، وقد أسرع فيك الداعي، وأعذر فيك الطالب، وانتهى الأمر بك إلى حد الرجاء، ولا أحد أعظم رزية في عقله ممن ضيع اليقين واعطى الأمل قياده.
قال: ثم أقبل المنذر على الملك أبيه النعمان فقال: أيها الملك المنعم، إن أعظم العظة اليوم ما أعطيتها بجمعك إيانا وإذنك لنا في الكلام، وخير الهدية للغائب ما حملتنا، وإنا أيها الملك الرفيع جده - مع معرفتنا بفضلك - لن نرفعك فوق منزلتك، وبحسبك ألا يكون فوقك إلا الخالق، ونعم المخلوق أنت، ترد المدبر إلى حظه وتكف المتتايع عن حمقه، وتدل مبتغي الخير على هيئته، ومثل دوائك شفاء السقيم.
قال: ثم أقبل المنذر على الناس بالموعظة فقال: أيها الناس، إنما البقاء بعد الفناء، وقد خلقنا ولم نك شيئاً ثم نعود، ألا إنما العوارى اليوم، والهبات غدا، وقد رزئنا من قبلنا، ولنا وارثون، قد حان الرحيل عن محل النازل، ألا وقد تقارب تسلب فاحش، أو عطاء زل، فاستصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه، واسلكوا سبل الخير، ولا تستوحشوا فيها لقلة أهلها، واذكروا حسن صحابة الله إياكم.
أيها الناس، إني أعظكم وأبدأ بنفسي، فاستبدلوا العوارى بالهبات، وارضوا بالباقي خلفاً، من الفاني تلفاً، واحتملوا المصائب بالحسبة تستجلبوا بها النعماء واستديموا الكرامة بالشكر تستوجبوا الزياجة، واعرفوا الفضل في البقاء في النعمة، والغنى في السلامة قبل المثلة الفاحشة، أو المثلات السيئة، وقبل انتقال النعم، ودول الأيام، وتصرف الخطوب.

أيها الناس، إنما أنتم في هذه الدنيا أغراض تنضل فيكم المنايا، وما أنتم فيه نهب للمصيبات: مع كل جرعة لكم شرق، وفي كل أكلة لكم غصص، لا تنالون نعمةً إلا بفراق أخرى، ولا يستقبل معمر منكم يوماً من عمره إلا بهدم آخر من أجله، ولا تجدد له زيادة في أكله إلا بإنفاد ما قبله من رزقه، ولا يحيا له أثر إلا مات له أثر، فأنتم أعوان الحتوف على أنفسكم، وفي معايشكم أسباب مناياكم، لا يمنعكم شيء منها، ولا يغيبكم شيء عنها، لها بكل سبب منكم صريع يحتزز، ومقرب ينتظر، لا ينجو من حبائلها الحذر، ولا يدفع عن مقاتله الأريب، وهذه أنفسكم تسوقكم إلى الفناء، فلمن تطلبون البقاء؟ وهذا الليل والنهار لم يرفعا شيئاً شرفاً إلا أسرعا الكرة على هدم ما شرفا بتفريق ما جمعا.
أيها الناس، اطلبوا الخير ووليه، واحذروا الشر ووليه. واعلموا " أن خيراً من الخير معطيه، وشراً من الشر فاعله " .
ذكر أن قس بن ساعدة كان يخطب متوكئاً على عصا فيقول: مطر ونبات، وآباء وأمهات، وذاهب وآت، وآيات في إثر آيات، وأموات بعد أموات، وضوء وظلام، وليال وأيام، وفقير وغني، وسعيد وشقي، ومحسن ومسيء. أين الأرباب الفعلة، ليصلح كل عامل عمله، كلا بل هو الله إله واحد، ليس بمولود ولا والد، اعاد وأبدى، وإليه المآب غدا.
أما بعد: يا معشر إياد، أين ثمود وعاد، وأين الآباء والأجداد، أين الحسن الذي لم يشكر، والظلم الذي لم ينقم؟ كلا ورب الكعبة ليعودن ما بدا، ولئن ذهب يوماً ليعودن يوماً ما، افهموا ما سمعتم، واحفظوا وعوا.
تمنى قوم عند يزيد الرقاشي فقال: أتمنى أنا كما تمنيتم، فقالوا: تمن، فقال: ليتنا لم نخلق، وليتنا إذ خلقنا لم نعص، وليتنا إذ عصينا لم نمت، وليتنا إذ متنا لم نبعث، وليتنا إذ بعثنا لم نحاسب، وليتنا إذ حوسبنا لم نعذب، وليتنا إذ عذبنا لم نخلد.
قالوا إن رأس مال أبي خزيمة كان درهماً واحداً ستين سنة، كان يشترى صوفاً فيغزله ويبيعه.
قال محمد بن سلام: قال لنا يونس ذا صباح: إني فكرت في أمر فاسمعوا، قلنا: هات، قال: كل من أصبح على وجه الأرض في النار، فقلنا ما تزيد؟ قال: إلا أمتنا هذه، فإذا صرت إلى أمتنا فالسلطان ومن يطيف به هلكي إلا القليل، وإذا قطعت هذه الطبقة حتى تبلغ الشاش والبطائح، فأكلة رباً وباعته وشربة خمر وباعتها إلا القليل، وإذا خلفت هذا الخندق حتى تأتي رمل يبرين وأعلام الروم، فلا غسل من جنابة ولا إسباغ وضوء، ولا إتمام صلاة ولا علم بحدود ما أنزل الله على رسوله إلا قليل، فإذا صرت إلى الأمصار فأصحاب هذه الكراسي من أهل السوق والكلأ فليس إلا ذئب مُستد فر بذئبة، يختلك عن دينارك ودرهمك، يكذب في المرابحة، ويطفف في المكيال، ويخسر في الميزان، إلا قليل، فإذا صرت إلى أصحاب هذه الغلات الذين كفوا المؤونة وأنعم اللع عليهم، فيُمسى أحدهم سكران، ويصبح مخموراً إلا قليل، والله الرحمن إن في هذه الدار معب لقطيعاً، فإذا صرت إلى قوم دون هؤلاء لم يُنعم عليهم بما أُنعم على هؤلاء فواحد طرّار وآخر يستقفي، فإذا صرت إلى أصحاب هذه السواري فهذا يشهد على هذا بالكفر، وهذه على هذا بالبراءة، فوالله لئن لم يعمنا الله بالمغفرة إنها للفضيحة.
دخل عمرو بن عبيد على بعض الأمراء وهو يجود بنفسه فقال له: إن الله تعبّدك في حال الصحة بالعمل، ووضع عنك في هذه الحال عمل الجوارح، ولم يُكلّفك إلا عملاً بقلبك، فأعطه بقلبك ما يجب له عليك.
كتب ناسك إلى آخر يستوصفه الدنيا والآخرة، فكتب إليه: الدنيا حلم، والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، ونحن في أضغاث ننقل إلى أجداث.
رأى دهثم وهو أحد العبّاد، رجلاً يضرب غلامه، فوعظه ونهاه، فقلب السوط وأخذ يضرب دهثما، وتسارع الناس، فقال دهثم دعوه فقد أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأحتاج الآن أن أصبر على ما أصابني، فبذلك نطق الكتاب.
وكان معروف الكرخي يقول: ليكن الله جليسك وأنيسك وموضع شكواك، فإن الناس لا ينفعون ولا يضرون، ولا يعطون ولا يحرمون، و " إن شفاء ما ينزل بك من المصائب كتمامه " .
الباب الخامس
نكت من كلام العلماء والأدباء

حكى الصاحب رحمه الله عن الإيجي عن ابن دريد قال: سمعت أبا حاتم يقول: فاتني نصف العلم، فقلت: وكيف ذاك؟ قال: تصدرت ولم أكن للتصدر أهلاً، واستحييت أن أسأل من دوني، واختلف إلى من فوقي، فذلك الجهل إلى اليوم في نفسي.
وحكى عن ابن المنجم قال: كنت أحضر وأنا صغير مجلس ثعلب فأراه ربما سئل عن خمسين مسألة وهو يقول: لا أدري، لا أعلم، لم أسمع.
وحكي عن ابن كامل عن أبي العيناء قال: سمعت أبا زيد يقول: يا أهل البصرة، جئتكم بالقليل الصحيح.
مد الشعبي يده على مائدة قتيبة بن مسلم يلتمس الشراب، فلم يدر صاحب الشراب أأللبن يريد أمِ العسل أم الماء، فقال له: أي الأشربة أحب إليك؟ قال: أعزها مفقوداً، وأهونها موجوداً، قال قتيبة: اسقه ماءً.
قال أبو عمرو بن العلاء: لو كانت ربيعة فرساً لكان شيبان غرتها.
قيل لأبي عبيدة: إن الأصمعي قال: بينا أبي يساير سلم بن قتيبة على فرس له، فقال أبو عبيدة: سبحان الله! " المتشبع بما لم يؤت كلابس ثوبي زور " والله ما كان يملك أبوه دابة إلا في ثيابه.
وقال رجل بين يدي أبي عبيدة: إن الأصمعي دعيٌّ، فقال أبو عبيدة: كذبت، لا يدّعي أحد إلى أصمع.
قال أبو عمرو: غاية المدح أن يمدحك من لا يريد مدحك، وغاية الذم أن يذمك من لا يريد أن يذمك.
وقال أبو عمرو: لا يزال الإنسان بخير ما اشتد ضرسه وأيره.
قال بعضهم: كنت أمشي مع الخليل فانقطع شسع نعلي، فخلع نعله، فقلت: ما تصنع؟ فقال: " أواسيك في الحفاء " .
قيل للمفضل: لم لا تقول الشعر وأنت من العلماء به؟ قال: علمي به يمنعني منه.
قال الخليل: أشتهي أن أكون عند الله من أرفع الناس، وعند الناس من أوسط الناس، وعند نفسي من أسفل الناس.
قال رجل للمبرّد: أسمعني فلان في نفسي فاحتملته، ثم أسمعني فيك فجعلتك أسوتي واحتملته، فقال له: ليسا سواءً، احتمالك في نفسك حلم، وفي صديقك غدر.
قال الخليل: أخرج من منزلي فألقى رجلاً من أربعة: رجلاً أعلم مني فهو يوم فائدتي، أو رجلاً مثلي فهو يوم مذاكراتي، أو تعلماً مني فهو يوم ثوابي، أو رجلاً دوني في الحقيقة، وهو يرى أنه فوقي، يحاول أن يتعلم مني وكأنه يعلّمني، فذاك لا أهتم به ولا أنظر إليه.
قال محمد بن مناذر: كنت مع الخليل فلقي صديقاً له قد ولي عملاً، فعذله وقال له: أمكنت هؤلاء من خلاقك يرتكضون فيه، ومن دينك يترامون به، فاعتذر إليه الرجل، فما مضت الأيام حتى ولي الخليل ضياع يزيد بن حاتم فلقيه الرجل فقال: نهيتني عن شيء وأوتيته! فقال الخليل:
اعمل بعلمي وإن قصّرت في عملي ... ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري
لما عزم الرشيد على الحج قال لجلسائه، وفيهم الأصمعي، من يُعادلني على ألا يسكت؟ فصكتوا إلا الأصمعي، فإنه ضمن معادلته على الوفاء بهذه الشريطة، فلما استويا في القبة أخذ في كتاب المبتدأ، فلم يزل يسوقه حتى استتمه في آخر معادلته إياه.
قال الخليل: من استعمل الجزم في وقت الاستغناء عنه استغنى عن الاحتيال في وقت الحاجة إليه.
كان يونس يقول: " إذا شهر لك الأحمق سيفاً فتوقه بجنة الرفق " .
قال أبو عمرو بن العلاء: الغبن غبنان: الغلاء والرداءة، فإن استجدت الشرى ذهب أحد الغبنين.
قال جحظة: قال لي ثعلب: " المرأة الصالحة كالغراب الأعصم " ، وهو الأبيض الرجلين، ولا يكاد يوجد.
قال الصولي: كنا عند ثعلب فغضب على واحد، ثم سكن بعد إفراط فقال: حدثنا من رأى العتابي يخاصم - وقد زاد في القول فعوتب - فقال: " إذا تشاجرت الخصوم طاشت الحلوم، ونُسيت العلوم " .
قال أبو موسى الحامض قرئ على ثعلب من كتاب بخط ابن الأعرابي خطأ، فقيل: أفنغير؟ قال: دعوه ليكون عذراً لمن أخطأ " .
وقف رجل حسن الشارة، جميل البزة حلو الإشارة، على المبرد فسأله عن مسألة، فأحال ولحن وتسكع، فقال له المبرد: يا هذا أنصفنا من نفسك إما أن تلبس على قدر كلامك، وإما أن تتكلم على قدر بزتك.
قال المبرد: كانت في أخلاق الحسن بن رجاء شراسة، وفي كفه ضيق، فكتبت إليه: الناس - أعز الله الأمير - رجلان: حر وعبد، فثمن الحر الإكرام، وثمن العبد الإنعام، فأصلحه هذا القول - لي ولغيري - مدة ثم رجع إلى طبعه.
وقال المبرد: إذا عمل الرجل كتاباً أو قال شعراً فقد استهدف، فإن أحسن فقد استشرف، وإن أساء فقد استقذف.

قال أبو العيناء: ما رأيت مثل الأصمعي قط، أنشد بيتاً من الشعر فاختلس الإعراب ثم قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: كلام العرب الدرج.
وحدثني عبد الله بن سوار أن أباه قال: العرب تجتاز بالإعراب اجتيازاً.
وحدثني عيسى بن عمران أن أبي إسحاق قال: العرب ترفرف على الإعراب ولا تتفيهق فيه.
وسمعت يونس يقول: العرب تشام الإعراب ولا تحققه.
وسمعت الخشخاش بن جناب يقول: العرب تقع بالإعراب وكأنها لم ترده.
وسمعت أبا الخطاب يقول: إعراب العرب الخطف والحذف، قال: فتعجب كل من حضر منه.
قال أحمد بن المعذل: لما جاءنا الأخفش ليؤدبنا قال: جنبوني ثلاثة أشياء: أن تقولوا: بس، وأن تقولوا: هم، وليس لفلان بخت.
قال الصولي: قال لي محمد بن أحمد بن إسحاق وقد تذاكرنا فضل المبرد فقال: ما رأى مثل نفسه؛ دخل إلى عيسى بن فرخانشاه - وقد رضي له بعد أن غضب عليه - فقال له: أعزك الله، لو لا تجرع مرارة الغضب ما التذت حلاوة الرضى، ولا يحس مدح الصفو إلا عند ذم الكدر، ولقد أحسن هذا البحتري في قوله:
ما كان إلا مكافأة وتكرمةً ... هذا الرضى، وامتحاناً ذلك الغضب
وربما كان مكروه الأمور إلى ... محبوبها سبباً ما مثله سبب
فقال له عيسى: أطال الله بقاءك، وأحسن عنا جزاءك، قائل كما قال أبو نواس:
من لا يعد العلم إلا ما عرف ...
كنا متى نشاء منه نغترف ...
روايةً لا تُجتنى من الصحف ...
وأنا أصل البحتري لتمتلك بشعره، ووصله بنحو صلته.
قال أبو عبيدة: ألأم الناس الأغفال الذين لم يهجوا ولم يمدحوا.
قال أبو حاتم: قال أبو عبيدة: لا تردن على أحد خطأً في حفل؛ فإنه يستفيد منك: ويتخذك عدواً.
قال الخليل: قولهم: " أرسل حكيماً ولا توصه " هو الدرهم.
صار أبو العيناء إلى الأصمعي فقال له: ما معك؟ قال: شعر المجنون، قال: ليس له عندي إسناد، فلما كان في اليوم الثاني أتاه فقال: ما معك؟ قال: شعر المخبلّ، قال: أمس معك المجنون، واليوم المخبل، إذا كان غداً تعال أنت وحدك.
سئل أبو العباس المبرد لما سميت المبرد؟ قال: كان سبب ذلك أن صاحب الشرطة طلبني للمنادمة والمذاكرة، فكرهت ذلك، فدخلت يوماً إلى أبي حاتم السجستاني، فجاء رسول الوالي يطلبني، فقال لي أبو حاتم: ادخل في هذا، يعني غلاف مزملة فارغاً، فدخلت فيه، وغطى رأسه، ثم خرج إلى الرسول، فقال: ليس هو عندي، فقال: أُخبرت أنه دخل إليك، قال: فادخل الدار وفتشّها، فدخل وطاف في كل موضع من الدار، ولك يفطن للغلاف ثم خرج، فجعل أبو حاتم يصفق ويقول: المبرد المبرد، وتسامع الناس بذلك فلهجوا به.
قال اليوسفي الكاتب كنت يوماً عند أبي حاتم السجستاني إذا أتاه شاب من أهل نيسابور فقال: يا أبا حاتم، إني قدمت بلدكم، وهو بلد العلم والعلماء، وأنت شيخ أهل المدينة، وقد أحببت أن أقرأ عليك كتاب سيبويه، فقال له: الدين النصيحة، إذا أردت أن تنتفع بما تقرأه فاقرأ على هذا الغلام - محمد بن يزيد - فتعجبت من ذلك.
قال المبرد: الغيبة جهد العاجز.
وكتب يوماً كتاباً إلى الطائي يعتذر فيه ثم أخره و قال: الكتاب إلى الطائي بمنزلة الديكبريكة إن أقللت خلّها صارت قلبّة، وإن زدت فيها صارت سكباجاً، وأكره أن أعرب فلا يفهم أو أقصّر فيستخف بالكتاب.
قال أبو عمرو بن العلاء: الغبن في شيئين الغلاء والرداءة، فإن استجدت الشّرى أحرزت أحد الغبنين.
قال الأصمعي: رأيت فرس أبي النجم الذي قال فيه:
فجاءت الخيل ونحن نشكله ...
فقومته أربعين درهماً.
ورؤي بعض العلماء، وهو يكتب - من فتىً - حديثاً، فقيل له، مثلك يكتب عن هذا؟ فقال: أما إني أحفظ له منه، لكني أردت أن أذيقه كأس الرياسة ليدعوه ذلك إلى الازدياد من العلم.
سأل كيسان خلفاً فقال: يا أبا محرز، علقمة بن عبيدة جاهلي أو من بني ضبة؟ فقال: يا مجنون، صحح المسألة حتى يصح الجواب.
قال بعضهم: التعليق في حواشي الكتب كالشنوف في آذان الأبكار.
قال أبو إسحاق الكلابزي: تخرّق كتاب سيبويه في كم المازني نيفاً وعشرين مرة.

ذكر شعبة بن الحجاج عند أبي زيد الأنصاري فقال: هل العلماء إلا شعبة من سعبة؟ أخبرنا بذلك الصاحب رحمه الله قال: أخبرنا أحمد بن خلف قال: أخبرنا محمد بن القاسم أبو العيناء عن أبي زيد.
قال الخليل: كن على مدارسة ما في قلبك أحرص منك على حفظ ما في كتبك.
وقال أيضاً: اجعل ما في كتبك رأس مال، وما في صدرك للنفقة.
قال الأصمعي: كان يقال: ثلاثة يحكم لهم بالنبل حتى يُدرى من هم، وهم: رجل رأيته راكباً، أو سمعته يعرب، أو شممت منه طيبا، وثلاثة يحكم عليهم بالاستصغار حتى يدرى من هم، وهم: رجل شممت من رائحة نبيذ في محفل، أو سمعته في مصر عربي يتكلم بالفارسية، أو رجل رأيته على ظهر طريق يُنازع في القدر.
قال الخليل بن أحمد: الأيام ثلاثة: معهود ومشهود وموعود، فالمعهود أمس، والمشهود اليوم، والموعود غداً، قال أبو عبيدة: كنا نكتب عن أعرابي فصيح أرجوزةً ومعنا كيسان، فطالت حتى نفدت ألواح كيسان فجعل يمحو ما كتب في أول ألواحه منها، فقلت: ويحك لم تفعل هذا؟ فقال: حتى تكون الأرجوزة عندي بتمامها.
قال أبو عبيدة: أدخلني الفضل بن يحيى على الرشيد، فقال لي: يا معمر، بلغني أنك وضعت كتاباً في الخيل حسناً، وأنا أشتهي أن أسمعه، قال: وكان عنده الأصمعي فقال: يا أمير المؤمنين، وما تصنع بكتاب؟ نجيء بفرس الساعة فنصفه، فقال الرشيد: هاتوا فرساً، فما كان أسرع أن جيء به، فقال الأصمعي فأخذ بأذنه ثم قال: هذا كذا وقال فيه الشاعر: كذا، وهذا كذا وقال فيه الشاعر: كذا، قال: فأقبل عليّ الرشيد فقال: ما تقول يا معمر فيما قال؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، أصاب في بعض، وأخطأ في بعض، فأما ما أصاب فيه فمني تعلّمه، وأما ما أخطأ فيه فلا أدري من أين جاء به، والرشيد يضحك.
قال أبو عبيدة: العارضة كناية عن البزا.
قال يونس: المفحم يأتيه دون ما يرضى، ويطلب فوق ما يقوى.
قال الأصمعي: قال لي أبو عمرو بن العلاء: من عرف فضل من فوقه عرف فضله فإن جَحد جُحد.
وقال أبو عمرو: لا تأت إلا من ترجو نائله، أو تخاف سطوته، أو ترجو بركة دعائه أو تقتبس من عمله.
الباب السادس
الكبر المستحسن والمستقبحقال أبو عثمان: من الكبر المستحسن قول وكيع بن أبي سود لعدي بن أرطاة حين قال: سو عليّ ثوبي فقال له: أذكرتني ضيق خفّي، أيها الأمير، خذ خفّي، فضحك عدي و قال: يا أبا مطرف، إن الجليس ليلي من جليسه أكثر من هذا. فقال: إذا عُزلت فكلفنا ما أحببت، ثم ركب الحسن البصري فأخذ وكيع - متبرعاً - بركابه حتى ركب، فاستحسن ذلك الكبر مع هذا التواضع.
دخل عمارة بن حمزة على المنصور فقعد في مجلسه، وقام رجل فقال: مظلوم يا أمير المؤمنين، قال: من ظلمك؟ قال: عمارة غصبني ضيعتي، فقال المنصور: يا عمارة قم فاقعد مع خصمك، فقال: ما هو لي بخصيم؛ إن كانت الضيعة له فلست أنازعه فيها، وإن كانت لي فهي له، ولا أقوم من مجلس قد شرفني أمير المؤمنين بالرفعة إليه لأقعد في ادنى منه بسبب ضيعة.
لما عزل الحجاج أمية بن عبد الله عن خراسان أمر رجلاً من بني تميم فعابه بخراسان وشنّع عليه، فلما قفل لقيه التميمي فقال: أصلح الله الأمير لا تلمني فإني كنت مأموراً فقال: يا أخا بني تميم، وحدثتك نفسك أني وجدت عليك؟ قال: قد ظننت ذلك، قال: إن لنفسك عندك قدرا.
جرى بين الرشيد وزبيدة نزاهة نفس عمارة بن حمزة وكبره، فقالت له: ادع به وهب له سبحتى هذه، فإن شراءها خمسون ألف دينار، فإن ردها عرفنا نزاهته، فوجّه إليه فحضر، فحادثه وأعطاه السبحة، فجعلها عمارة بين يديه، فلما قام تركها، فقالت: أنسيها؟ فأتبعوه خادماً بالسبحة، فقال للخادم: هي لك، فرجع وقال: وهبها لي عمارة، فأعطت زبيدة بها الخادم ألف دينار وأخذتها. وقد روي أن هذا الخبر كان مع أبي العباس السفاح وزوجته أم سلمة.

كان مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب، أحد بني قيس بن ثعلبة، وإليه تنسب المسامعة، سيد بكر بن وائل في الإسلام، وهو الذي قال - لعبيد الله بن زياد بن ظبيان، أحد بني تيم اللات بن ثعلبة، وكان حدثه أمر مسعود بن عمرو من الأزد ولم يعلمه فقال له عبيد الله، وهو أحد فتاك العرب، وقاتل مصعب بن الزبير - : أيكون مثل هذا الحديث ولا تعلمني؟ لقد هممت أن أضرمها عليك نارا، فقال مالك: اسكت أبا مطر، فوالله إنك في كنانتي سهم أنا أوثق به منك، فقال له عبيد الله: أنا في كنانتك! فوالله لو قمت فيها لطلتها، ولو قعدت فيها لخرقتها، فقال مالك - وأعجبه - : أكثر الله في العشيرة مثلك، فقال: سألت ربك شططاً.
خطب عبد الملك بن مروان إلى عقيل بن علّفة ابنته على أحد بنيه - وكانت لعقيل إليه حاجات - فقال: أما إذ كنت فاعلاً فجنبني هجناءك.
وحدث الجاحظ قال: أتيت أبا الربيع الغنوي، وكان من أفصح الناس وأبلغهم، ومعي رجل من بني هاشم فناديت: أبو الربيع ها هنا؟ فخرج إلي وهو يقول: خرد إليك رجل كريم، فلما رأى الهاشمي استحيا من الفخر بحضرته فقال: أكرم الناس رديفاً، وأشرفهم حليفا! فتحدث ملياً، ونهض الهاشمي، فقلت: يا أبا الربيع من خير الخلق؟ قال: الناس والله، قلت فمن خير الناس؟ قال: العرب والله، قلت فمن خير العرب؟ قال: مضر والله، قلت: فمن خير مضر؟ قال: قيس والله، قلت: فمن خير قيس؟ قال: يعصر والله، فقلت: فمن خير يعصر؟ قال: غني والله، قلت: فمن خير غني؟ قال: المخاطب لك والله، قلت: فأنت خير الخلق؟ قال: إي والله، قلت: أيسرّك أن تكون ابنة يزيد بن المهلب تحتك؟ قال: لا والله، قلت: ولك ألف دينار، قال: لا والله، قلت: فألفا دينار، قال: لا والله، قلت: ولك الجنة، فأطرق ملياً ثم قال: على ألا تلد مني.
قوله: أكرم الناس رديفاً وأشرفهم حليفا، فإن أبا مرئد الغنوي كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحليف حمزة بن عبد المطلب رحمه الله.
يروى عن الأصمعي أنه رأى رجلاً يختال في أزيرة في يوم قر فقال له: ممن أنت يا مقرور؟ قال: أنا ابن الوحيد، أمشي الخير لي، ويدفئني حسبي.
وقيل لآخر في مثل هذه الحال: أما يوجعك البرد؟ قال: بلى، ولكنني أذكر حسبي فأدفأ.
كان عوف ابن القعقاع بن معبد بن زراة من أتيه الناس وأشدهم وأجفاهم، قال له رجل مرةً: الطريق يا عبد الله، فقال: أعبد الله أنا؟ فكان الحجاج يقول: لو أدركته لقتلته تقرباً إلى الله عز وجلّ.
كان جذيمة الأبرش لا ينادمه أحد تعظماً ويقول: إنما ينادمني الفرقدان ونظن أن قول الشاعر:
وكنا كندماني جذيمة حقبةً ...
أراد به الفرقدين، وليس كما ذكرته الرواة من حديث مالك وعقيل، فإنهما كان يجوز عليهما الافتراق ولا يجوز ذلك لفرقين.
حكى ابن ثوابة أنه قال لغلامه: اسقني ماء فقال: نعم، إنما تقوا: من يقدر أن يقول: لا، وأمر بصفعه.
ودعا يوماً أكارا وكلمه، فلما فرغ دعا بماء وتمضمض استقذاراً لمخاطبته.
الباب السابع
نوادر في الجود والسخاء ومحاسن الأخلاقكان هرم بن سنان آلي على نفسه ألا يسلّم عليه زهير إلا أعطاه، فقلّ مال هرم فأبقى عليه زهير، فكان يمر بالنادي، وفيه هرم، فيقول: أنعموا صباحاً ما خلا هرماً وخير القوم تركت.
آتى الحسن بن شهريار الحسن بن سهل فكلّمه في رجل فقال له: العيال متوافرون، والضياع متحيّفة، والوظائف قائمة، وذو العادة لا يرضيه دون عادته، وقد أمرت له بثلاثين ألف درهم، فقال له الحسن بن شهريار: إنما مقدار الرجل الذي سألتك أن يُعطى ألفاً وألفين، فقال: يا حسن، إن لكل شيء زكاة، وزكاة الجاه بذله، فإذا أجرى الله لإنسان على يدك خيراً فلا تعترض فيه.
كان طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري أجود قريش في زمانه، فقالت له امرأته: ما رأيت قوماً الأم من إخوانك، قال لها، لمه وأني قلت؟ قالت: أراهم إذا أيسرت أتوك، وإن أعسرت تركوك، قال: هذا والله من كرمهم، يأتوننا في حال القوة عليهم، ويتركوننا في حال العجز عنهم.
بعث روح بن حاتم بن المهلب إلى رجل بثلاثين ألف درهم، وكتب إليه: قد وجّهت إليك بما لا أقلله تكبراً، ولا أكثره تمنناً، ولا أستثيبك عليه ثناء، ولا أقطع لك به رجاء.

وصف رجل خالد بن عبد الله القسري بالشجاعة، ورد عليه بعض من حضر و قال: إن خالداً لم يشهد حرباً قط، فقال له صاحبه: اسكت فإن الصبر عند الجود أعظم من الصبر عند البأس.
لما قُتل جعفر بن يحيى قال أبو النواس: مضى والله الكرم والجود والأدب والعقل، فقيل له: ويحك! تهجوه في حياته وتمدحه في مماته؟ فقال: ذاك والله لجهلي، وشقاء جدي. وركوبي هواي، أيكون في الدنيا أكرم من جعفر، ولقد رفع إليه صاحب الخبر أني هجوته. وقلت:
لقد غرني من جعفر حسن بابه ... ولم أدر أن اللؤم حشو إهابه
ولست وإن أطنبت في مدح جعفر ... بأول إنسان خرى في ثيابه
فوقع في رقعته: يُدفع إليه عشرة آلاف درهم يغسل بها ثيابه؟ حُدّث أن رجلاً شيخاً أتى سعيد بن سلم وكلّمه في حاجة وما شاه، فوضع زج عصاه التي يتوكأ عليها على رجل سعيد حتى أدماها، فما تأوّه لذلك، وما نهاه، فلما فارقه قيل له: كيف صبرت منه على هذا؟ قال: خفت أن يعلم جنايته فينقطع عن ذكر حاجته.
مر عبد العزيز بن مروان بمصر فسمع امرأةً تصيح بابنها يا عبد العزيز، فوقف فقال: من المسنى باسمنا؟ ادفعوا إليه خمسمائة دينار، قال: فما ولد في أيامه مولود بمصر إلا سمي عبد العزيز.
مرض قيس بن سعد بن عبادة، فاستبطأ عواده، فقال لمولىً له: ما بال الناس لا يعودونني؟ قال: للدين عليهم، قال: بادر فيهم: من كان عليه شيء فهو له، فكسروا درجته من تهافتهم عليه.
كان عبد الله بن جدعان حين كبر أخذت بنو تيم على يده ومنعوه أن يُعطى شيئاً من ماله، فكان الرجل إذا أتاه يطلب منه قال له: ادن مني، فإذا دنا منه لطمه، ثم قال: اذهب فاطلب بلطمتك أو تُرضى فترضيه بنو تيم من ماله، وفيه يقول الشاعر:
والذي إن أشار نحوك لطما ... تبع اللطم نائل وعطاء
وكان سعيد بن العاص إذا سأله سائل فلم يكن عنده ما يعطيه قال: اكتب علي سجلاً إلى أيام يسرى.
اشترى عبد الله بن أبي بكر جارية بستين ألف درهم فطلبت دابة تحمل عليها، فلم توجد، فجاء رجل بدابته فحملها، فقال له عبد الله: اذهب إلى منزلك ووهبها له.
أرتج على عبد الله بن عامر بالبصرة يوم أضحى، فمكث ساعةً ثم قال: لا أجمع عليكم عياً وبخلاً، من أخذ شاةً من السوق فهي له، وعليّ ثمنها.
أهدى رجل إلى مالك هديةً، فأظهر الغم بها، فقال له جلساؤه في ذلك، فقال: فكيف وهي لا تخلو من أن تكون من مبتد أي من رجل أتقلد له يداً، أو من رجل قلّدته نعمة، فأكون قد أخذت على نعمتي ثمناً.
قصد رجل طلحة الطلحات بسجستان واستأذن الحاجب فقال هل: بم تمت؟ قال: إن لي عند الأمير يداً، قال: فخبرني أرفع إليه، قال: لا أقول إلا له، فدخل الحاجب وعرفه، فأذن له، فمثل بين يديه فقال: ما هذه اليد التي لك عندنا؟ قال: كنت يوماً مع الأمير جالساً فأماط عن لحيتي أذىً، قال: فهذه يدي لا يدك، قال: صدقت أيها الأمير جئت لتربها، قال: حباً ونعمةً، وأحسن إليه.
استحمل رجل معن بن زائدة فقال معن: يا غلام أعطه بعيراً وبغلاً وبرذونا وفرساً وجارية، ولو وجدنا مركوباً غير هذا لأعطيناه.
طلب رجل من أبي العباس خطراً فلم يعطه، فبلغ ذلك معن بن زائدة - وهو باليمن - فأرسل إليه بجراب خطر فيه ألف دينار وكتب إليه: اختضب بالخطر وانتفع بالنخالة.
باع أبو الجهم داره، فلما أرادوا الإشهاد عليه قال: بكم تشترون من جوار سعيد ابن العاص؟ قالوا: سبحان الله! وهل رأيت أحداً يشتري جوارأحد أو يبيعه؟ قال: لا تشترون مني جوار إنسان إن أسأت إليه أحسن؟ لا أريد أن أبيعكم شيئاً، ردوا عليّ داري، فبلغ ذلك سعيداً فبعث إليه بألف دينار.
قال رجل لآخر: اثت فلاناً فإنه لم ينظر إلى قفا محروم قط.
أراد الرشيد أن يخرج إلى القاطول فقال يحيى بن خالد لرجاء بن عبد العزيز - وكان على نفقاته - : ما عند وكلائنا من المال؟ قال: سبعمائة ألف درهم، قال: فاقبضها إليك يا رجاء، فلما كان من الغد غدا غليه رجاء فقبّل يده - وعنده منصور بن زياد - فلما خرج قال المنصور: قد ظننت أن الرجل قد توهم أنا وهبنا المال له وإنما أمرناه بقبضه من الوكلاء ليحفظها علينا؛ لحاجتنا إليها في وجهنا هذا، قال منصور: فأنا أُعلمه ذلك، قال: إذن يقول لك قل له: يُقبّل يدي كما قبلت يده فلا تقل شيئاً فقد تركتها له.

استلب رجل رداء طلحة بن عبيد اللهفذهب رجل يتبعه فقال له طلحة: دعه، فما فعل هذا إلا من حاجة.
كان خالد بن عبد الله القسري يُكثر الجلوس ثم يدعو بالبدر ويقول: إنما هذه الأموال ودائع لابد من تفريقها، فقال ذلك مرةً، وقد وفد عليه أخوه أسد بن عبد الله من خراسان، فقام فقال: هدأت أيها الأمير، إن الودائع تجمع لا تفرق، قال: ويحك! إنها ودائع للمكارم وأيدينا وكلاؤها، فإذا أتانا المملق فأغنيناه، والظمآن فأرويناه، فقد أدينا فيه الأمانة.
وكان طلحة الطلحات يقول: من كان جواداً فليعط ماله أخول أخول، إن المال إذا كثر زيّن وأحب صاحبه صحبته.
قالوا: حد السخي أن يُعطى ما يحتاج إليه في الوقت الذي يحتاج إليه.
وسئل عمرو بن عبيد عن السخاء فقال: أن تكون بمالك متبرعاً، وعن مال غيرك متورعا.
قيل لإسحاق بن الموصلي صف لنا سخاء أولاد يحيى بن خالد، فقال: أما الفضل فيرضيك بفعله، وأما جعفر فيرضيك بقوله، وأما محمد فيفعل بحسب ما يجد، وأما موسى فيفعل بما لا يجد.
قرع رجل باب بعضهم، فقال لجاريته: أبصري من القارع، فقالت: من ذا؟ قال: أنا صديق لمولاك، قال الرجل: قولي: والله إنك لصديق؟ فقلت له، فقال: والله إني لصديق، فنهض الرجل، وبيده سيف وكيس، يسوق جاريته وفتح الباب و قال: ما شأنك؟ قال: راعني أمر، قال: لا بك ما ساءك، فإني قد قسمت أمرك بين نائبة فهذا المال، وبين عدوّ فهذا السيف، أو أيمة فهذه الجارية.
أولم عدي بن حاتم وليمةً فقال لابن له حدث: كن بالباب فأذن لمن تعرف، وامنع من لا تعرف، فقال له مرتجلاً:
أنا في الطاعة أمضي ... لك من سيف حسام
لا يكن أول ما ول ... ليتني منع الطعام
فضمّه إليه و قال: نزعك عرق جدك.
مر يزيد بن المهلب بأعرابية في خروجه من سجن عمر بن عبد العزيز يريد البصرة فقرته عنزاً فقبلها، ثم قال لابنه معاوية: ما معك من النفقة؟ قال: ثمان مائة دينار، قال: فادفعها إليها، فقال له ابنه: إنك تريد الرجال، ولا تكون الرجال إلا بالمال، وهذه يرضيها اليسير، وهي بعد لا تعرفك. قال: إن كانت ترضى باليسير فإني لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فإني أعرف نفسي، ادفعها إليها.
قال الأحنف: كثرت عليّ الديات بالبصرة لما قتل مسعود، فلم أجدها في حاضرة تميم فخرجت نحو يبرين فسألت عن المقصود هناك، فأرشدت إلى قبة، فإذا شيخ جالس بفنائها مؤزر بشملة محتب بحبل فسلّمت عليه، وانتسبت له. فقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: توفي، قال: فما فعل عمر بن الخطاب الذي كان يحفظ العرب ويحوطها؟ قلت: مات. قال: فأي خير في حاضرتكم بعدهما؟ قال: فذكرت الديات التي لزمتنا للأزد وربيعة، فقال: أقم، فإذا راع قد أراح عليه ألف بعير فقال: خذها، ثم أراح عليه آخر مثلها، فقال: خذها، قلت: لا أحتاج إليها، فانصرفت بالألف، ووالله ما أدري من هو إلى الساعة.
كان يقال لطلحة بن عبيد الله: طلحة الخير، وطلحة الجود.
ورُوي أنه باع ضيعةً له بخمسة آلاف ألف درهم، فقسّمها في الأطباق، وأنه منعه أن يخرج إلى المسجد حتى لُفق له بين ثوبيه.
ويقال: إن شاعراً أتى أبا البختري وهب بن وهب - وكان جواداً - فمدحه فهشّ إليه وثنى له الوسادة ورفده وحمله وأضافه، فلما أراد الرجل الرحلة لم يخدمه أحد من غلمان أبي البحتري، ولا عقد له ولا حل، فأنكر الرجل ذلك مع جميل فعله به، فعاتب بعضهم، فقال له الغلام: إنا إنما نعين النازل على الإقامة، ولا نعين الراحل على الفراق، فبلغ هذا الكلام جليلاً من القرشيين فقال: والله لفعل هؤلاء العبيد على هذا المقصد أحسن من رفد سيدهم.
قال أبو يعقوب الخطابي: قدمت على السري بن عبد الله فتحرّك، فرأيت عليه إزاراً قوّمته خمسة دراهم فأبدرته بصري فقال: هذا إزاري، وقد فرقت في قومك العام أربعين ألف دينار؟!.
قال معن بن زائدة: قاتلنا ابن هبيرة بواسط فظفرنا وغنمنا، وأصابني عشرة آلاف درهم فرّقتها في زوّاري وأضيافي، وأحرز أصحابي ما كان لهم، فلما كان الغد ظفر بنا وأخذ ما كان مع أصحابي، وبقي ما كان لي منناً في أعناق الرجال.

باع حكيم بن حزام من معاوية داره بستين ألف دينار، فقيل له: غبنك معاوية. فقال: والله ما أخذتها في الجاهلية إلا بزقّ خمر، وأشهدكم أنها في سبيل الله فانظروا أينا المغبون؟.
قال بعض العرب: " حدّث عن البحر ولا حرج، وحدّث عن بني إسرائيل ولا حرج، وحدّث عن معن ولا حرج " .
ذُكر عند سفيان بن عيينة سخاء عبد الله بن جعفر وتُعُجب منه، فقال: كيف يُتعجب من سخائه وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر أن يخلفه الله في ولده - بأفضل ما خلف به أحداً من عباده الصالحين - السخاء؟.
أخذ سليمان بن عبد الملك بن هبيرة بألف ألف درهم، فأتى يزيد بن المهلب فقال: زاد الله في توفيقك وسرورك، أُخذت بما لم يسعه مالي، فقلت: ما لما نزل بي إلا السيد الكريم، مدره العرب، ووزير الخليفة، وصاحب المشرق. فقام رجل من قوم ابن هبيرة فقال: أيها الأمير، إنه ما خص هذا عمّنا، وقد أتيناك فيما شكا، فإن تكفه فليس بأعجب ما فيك، وإن تدفعه فليس له غيرك. وقام آخر فقال: لو أصبنا أحدً فوقك اخترناه، أو دونك انحططنا إليه، وقد أتيناك فيما فدحه فإن تستقلله فقد تُرجى لأكثر، وإن تستكثره فقد تضطلع دونه، فوالله ما الدخان بأدل على النار، والعجاج على الريح، من ظاهر أمرك على باطنه. وقام آخر فقال: عظم شأنك أن يستعان عليك أو يستعان بك، ولست تأتي شيئاً من المعروف إلا صغر عنك، وعظمت عنه، ولا غاية بلغها أحد من العرب إلا بلغتها، فحظك فيها مقدم، وحقك فيها معظم، لا نقيسك بأحد من الملوك إلا عظمت عنه، ولا نزنك بأحد منهم إلا رجحت به، والله ما العجب أن تفعل، ولكن العجب ألا تفعل. فقال يزيد: مرحباً بكم، وأهلا، إن خير المال ما قضي به الحق، وابتُني به المكرمة، وإنما لي من مالي ما فضل عن الناس، وأيم الله أن لو أعلم أحداً أهلاً لحاجتكم مني أرشدتكم إليه، فاحتكموا وأكثروا، فقال ابن هبيرة: النصف أصلحك الله، فقال: آغد على مالك فاقبضه، فدعوا له وقاموا فمضوا غير بعيد، فندموا، فظن ذلك بهم يزيد، فقال: ردوهم، فرجعوا فقالوا: أقلنا أصلحك الله، قال: قد فعلت، وتحملها كلها عنه.
قال ابن عباس قدم علينا الوليد بن عتبة المدينة والياً كأن وجهه ورقة مصحف، فوالله ما ترك فينا عانياً إلا فكّه، ولا غريماً إلا أدى عنه، ينظر إلينا بعين أرق من الماء ويكلمنا بكلام أحلى من الجنى، ولقد شهدت منه مشهداً لو كان من معاوية لذكرته منه أبدا: تغدينا عنده، فأقبل الخباز بالصحفة، فعثر بوسادة، وبدرت الصحفة من يده، فوالله ما ردّها إلا ذقنه، وصار ما فيها في حجره، ومثُل الغلام وما فيه من الروح إلا ما يُقيم رجله، فقام فدخل فغير ثيابه، ثم أقبل تبرق أسارير وجهه، فأقبل على الخبّاز فقال: يا بائس ما أرانا إلا وقد روّعناك، أنت وأولادك أحرار لوجه الله. فهذا هو التواضع الجميل، والبذل الحسن، والكبر المحض.
قال سلم بن زياد لطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي: إني أريد أن أصل رجلاً له عليّ حق وصحبة بألف ألف درهم فما ترى؟ قال: أرى أن تجعل هذه لعشرة، قال: فأصله بخمس مائة ألف درهم؟ قال: كثير، فلم يزل به حتى وقف على مائة ألف درهم، قال: أفترى مائة ألف يُقضى بها ذمام رجل له انقطاع وصحبة ومودة وحق واجب؟ قال: نعم، قال: هي لك، وما أردت غيرك، قال: فأقلني، قال: لا أفعل والله.
قبض غريم للحسن بن سهل - بعد محنته - عليه، وصار به إلى مجلس أحمد بن أبي داود أراد أن يضع منه حسداً له، وركب أحمد، وجلس الحسن ينتظره فدخل كاتب للحسن فقال له: بعت الضيعة؟ قال: نعم، قال: بكم؟ قال: بثلاثين ألف دينار، قال: وقبضت الثمن؟ قال: نعم، قال: زن لهذا الغريم ما له، وسأل جميع من كان حضر للحكم، وكان بعضهم يطالب بعضاً، وهم ينتظرون عود ابن أبي داود، فأدّى عن كل مطالب ما عليه، ورجع ابن أبي داود فلم يجد في مجلس الحكم أحداً، فسأل عن الخبر فأخبر بالقصة، فكان بعد ذلك من الواصفين لجلالة الحسن بن سهل وكرمه.
دخل رجل على خالد بن عبد الله القسري فقال: السلام عليك يا مفلح، قال: وكيف قلت ذلك؟ قال: لأن الله عز وجلّ قال في كتابه: " ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " وقد وقاك الله شح نفسك.
قال المأمون لمحمد بن عباد المهلبي: بلغني عنك سرف في إعطائك، فقال: يا أمير المؤمنين " منع ما يوجد سوء ظن بالله " .

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله، أُتي بأسرى من بني العنبر، فأمر بقتلهم وأفرد منهم رجلاً، فقال علي عليه السلام: الرب واحد، والدين واحد، والذنب واحد، فما بال هذا من بينهم؟ فقال: " نزل عليّ جبريل فقال: اقتل هؤلاء واترك هذا، فإن الله شكر له سخاءً فيه " .
وقال صلى الله عليه وسلم وآله لآخر: " لولا سخاء فيك ومقك الله عليه لشردت بك أف لك من وافد قوم " .
وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام " لا تقتل السامريّ فإنه سخيّ " .
أنفذ جبلة بن الأيهم من الروم مالاً إلى حسان بن ثابت، فلما أتاه الرسول وأقرأه السلام عن جبلة، قال له: هات ما بعث معك من المال، قال: وما علمك بأنه بعث معي بشيء؟ قال: ما أرسل إلي بالسلام قط إلا ومعه مال.
كان المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في جيش مسلمة حين غزا الروم في خلافة عمر بن عبد العزيز إلى أن بلغ فيها القسطنطينية فتشابها فسامه مسلمة بماله الذي يعرف بالمعرضة فأبى المغيرة أن يبيعه، ثم أصابت أهل تلك الغزاة مجاعة فباعه إياه بخمسة عشر ألف دينار فنقده مسلمة الثمن، فبعث المغيرة بذلك المال مع من اشترى له إبلاً من كلب، واشترى له دقيقاً وزيتاً وقباطيّ، وحمل ذلك على الإبل، وكانوا لا يقدرون على الحطب، فأمر بالقباطي فأُدرجت بالزيت وأوقدها، ونحر الإبل واطّبخ واختبز وأطعم الناس، وكان في تلك الغزاة أخوه أبو بكر بن عبد الرحمن فقيل له: نرى ناراً في العسكر، فقال: لا تجدونها إلا في رحل المغيرة من طعامه. فلما قفل الناس من غزاتهم تلك وبلغ الخبر عمر بن عبد العزيز قال عمر لمسلمة: أنت كنت أقوى وأولى بإطعام الناس من المغيرة، وذلك لك ألزم؛ لأنك إنما كنت تطعمهم من بعض مالك، وهو أطعمهم بحطمة ماله، فاقصمه البيع، فإنه بيع ضغطة لا يجوز، فعرض ذلك مسلمة على المغيرة فأبى، وقال: قد أنفذت البيع. فأمر عمر بن عبد العزيز بتلك الضيعة فردت على المغيرة، وأمر بالمال يدفع إلى مسلمة من بيت المال، فتصدّق المغيرة بالمعرضة، أو أمر أن يُطعم الحاج منها يوم عرفة وثلاثة منى، فهو السويق والسمن والتمر الذي يُطعم بمنى من صدقة المغيرة.
الباب الثامن
الشجاعة والجبنقيل لبعضهم: ما الشجاعة؟ قال: صبر ساعة.
حُكي عن ابن أبي عتيق قال: نظرت إلى عبد الله بن الزبير و عبد الله بن صفوان، وقد ذهب الناس عنهما، فلم يبق معهما أحد، وهما نائمان يغطان في الليلة التي قتلا في صبيحتها.
قيل لبني الحارث: كيف كنتم تفعلون؟ قالوا: كنا لا نبدأ أحداً بظلم، ولم نك بالكثير فنتواكل، ولا بالقليل فنتخاذل وكنا نصبر بعد الناس ساعةً.
قال بعض الشجعان لرفيق له، وقد أقبل العدو: اشدد قلبك، قال: أنا أشده ولكنه يسترخي.
اجتاز كسرى في بعض حروبه بشيخ قد تمدد في ظل شجرة ونزع سلاحه وشد دابته فقال له: أنا في الحرب وأنت على مثل هذه الحال؟! فقال الشيخ: أيها الملك، إنما بلغت هذه السن باستعمالي هذا التوقي، فقال كسرى: زهٍ.
خرج المعتصم إلى بعض متصيّداته فظهر له أسد، فقال لرجل من أصحابه أعجبه قوامه وسلاحه وتمام خلقه: هل فيك خير؟ فقال بالعجلة: لا يا أمير المؤمنين، فضحك المعتصم و قال: قبّحك الله وقبّح طللك؟ .
لما ذُهب بهدبة ليقتل انقطع قبال نعله، فجلس يصلحه، فقيل له: تصلحه وأنت على ما أنت عليه؟ فقال:
أشد قبال نعلي لن يراني ... عدوّي للحوادث مستكينا
كان الحارث بن هشام المخزومي في وقعة اليرموك، وبها أصيب، فاثبتته الجراح، فاستسقى ماءً، فأُتي به، فلما تناوله نظر إلى عكرمة بن أبي جهل صريعاً في مثل حاله، فردّ الإناء على الساقي وقال: امض إلى عكرمة ليشرب أولاً فإنه أشرف مني، فمضى به إليه، فأبى أن يشرب قبله، فرجع إلى الحارث فوجده ميتاً، ورجع إلى عكرمة فوجده أيضاً ميتاً، لم يشرب أحد منهما الماء.

قال الموصلي: حدثني رجل من أهل الأدب قال: كان لفتىً من قريش وصيفة نظيفة جميلة الوجه حسنة الأدب، وكان بها معجباً، فأضاق، فاحتاج إلى ثمنها، فحملها إلى العراق، زمن الحجاج، فباعها فوقعت إلى الحجاج، فكانت تلي خدمته، فقدم عليه فتىً من ثقيف أحد بني أبي عقيل، فأنزله قريباً منه وألطفه، فدخل عليه يوماً والوصيفة تقمز رجل الحجاج، وكان للفتى جمال وهيئة، فجعلت الوصيفة تسارق الثقفي النظر، وفطن الحجاج فقال للفتى: ألك أهل؟ قال: لا، قال: خذ بيد هذه الوصيفة فاسكن إليها واستأنس بها، إلى أن أنظر لك بعض بنات عمك، فدعا له وأخذها مسروراً، وانصرف إلى رحله، فباتت معه ليلتها وهربت بغلس فأصبح، لا يدري أين هي، وبلغ الحجاج ذلك فأمر منادياً فنادى برئت الذمة ممن آوى وصيفةً من صفتها وأمرها كيت وكيت، فلم يلبث أن أتي بها فقال لها: يا عدوة الله، كنت عندي من أحب الناس، واخترت لك ابن عمي شاباً حسن الوجه، ورأيتك تسارقينه النظر، فدفعتك إليه، وأوصيته بك، فما لبثت إلا سواد ليلتك حتى هربت. قالت يا سيدي اسمع قصتي ثم اصنع ما أحببت، قال: هات، قالت: كنت لفلان القرشي، وكان بي معجباً، فاحتاج إلى ثمني، فحملني إلى الكوفة، فلما صرنا قريباً منها دنا مني فوقع عليّ، فلم يلبث أن سمع زئير الأسد فوثب عني إليه، واخترط سيفه، ثم حمل عليه فضربه وقتله، ثم أقبل إليّ وما برد ما عنده، فقضى حاجته. وقالت: ابن عمك هذا الذي اخترته لي، لما أظلم الليل قام إليّ، فإنه لعلى بطني إذ ةقعت فأرة من السقف عليه فضرط ثم وقع مغشياً عليه، فمكث زماناً طويلاً أقلّبه وأرش على وجهه الماء وهو لا يفيق، فخفت أن تتهمني به فهربت فزعاً من القتل، فما ملك الحجاج نفسه وقال: ويحك! لا تُعلمي بهذا أحداً فإنه فضيحة، قالت: يا سيدي على ألا تردني إليه، فقال لها: لك ذاك.
سمعت عائشة الناس يوم الجمل يكبرون فقالت: لا تكبّروا فإن كثرة التكبير عند القتال من الفشل.
قال عمر لعمرو بن معدي كرب: أخبرني عن الحرب، قال: مرة المذاق، إذا قلصت عن ساق، من صبر فيها عُرف. ومن ضعف عنها تلف.
حدّث جار لأبي حية النميري قال: كان لأبي حية سيف ليس بينه وبين الخشب فرق، وكان يسمّيه " لعاب المنية " ، فأشرقت عليه، وانتضاه واستذفره، وهو واقف على باب بيت في داره، وقد سمع حسّاً وهو يقول: أيها المغتر بنا، والمجترئ علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، خير قليل، وسيف صقيل، لعاب المنية الذي قد سمعت به، مشهورة: ضربته، لا تُخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك، قبل أن أدخل بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيساً تملا الفضاء خيلاً ورجلاً، فيا سبحان الله! ما أكثرها وأطيبها، ثم فتح الباب على وجل، فإذا كلب قد خرج، فقال: الحمد لله الذي مسخك كلباً، وكفاني حرباً، قال رجل من العرب انهزمنا من قطريّ وأصحابه، فأدركني رجل على فرس، فسمعت حساً منكراً خلفي، فالتفت فإذا أنا بقطري، فيئست من الحياة، فلما عرفني قال: أوجع خاصرتها، واشدد عنانها، قطع الله يدك، قال: ففعلت ومضيت.
قال عمير بن الحباب: إذا رأيت سواداً بليل فلا تكن أشد السوادين فرقاً؛ فإنه يهابك كما تهابه، ولو صدمت الأسد لحاد عنك.
قيل لعمرو بن معدي كرب: إن الآثار في ظهرك لكثيرة، قال: لأني كُفيت أمامي ولم يكفني أحد ما وراء ظهري.
قيل لعباد بن الحصين الحبطي: في أي جنة تحب أن تلقي عدوك؟ قال: في اجل مستأخر.
سئل المهلب عن رجل في شجاعته فقدّمه، فقال له: فأين ابن الزبير: وابن خازم؟ فقال: إنما سألتني عن الإنس ولم تسأل عن الجن.

كان عمير بن الحباب السلمي فارس الإسلام، وكان مع ابن زياد لما حارب ابن الأشتر فقال: لما كان في الليلة التي يريد ابن الأشتر أن يواقع في صبيحتها خرجت إليه، وكان لي صديقاً، ومعي رجل من قومي، فصرت في عسكره فرأيته وعليه قميص هروي وملاءة وهو متوشح بالسيف يجوس عسكره فيأمر فيه وينهى، فالتزمته من ورائه، فوالله ما التفت إليّ ولكن قال: من هذا؟ قلت: عمير بن الحباب، فقال: مرحباً بأبي المغلّس كن بهذا الموضع حتى أعود إليك، فقلت لصاحبي: أرأيت أشجع من هذا قط؟ يحتضنه رجل من عسكر عدوّه ولا يدري من هو فلا يلتفت! ثم عاد إليّ فقال: ما الخبر؟ - وكان في أربعة آلاف - فقلت: القوم كثير، والرأي أن تناجزهم، فإنه لا صبر بهذه العصابة على مطاولة هذا الجمع الكثير، فقال: نصبح إن شاء الله فنحاكمهم إلى ظبات السيوف وأطراف القنا، قلت: فأنا منخزل عنك بثلث الناس غداً.
سأل ابن هبيرة عن مقتل عبد الله بن خازم فقال رجل ممن حضر مجلسه: سألت وكيع بن الدورقية كيف قتلته؟ فقال: غلبته بفضل فتاء كان لي عليه، فصرعته وجلست على صدره، وقلت: يا لثارات الدويلة - يعني أخاه من أمه - فقال من تحتي: قتلك الله، تقتل كبش مضر بأخيك وهو لا يساوي كف نوى؟ ثم تنخّم فملأ وجهي نخاما، فقال ابن هبيرة هذه والله البسالة. استدل عليها بكثرة ريقه في ذلك الوقت.
كان حبيب بن مسلمة الفهري يغزو الترك، فخرج ذات مرة إلى بعض غزواته فقالت له امرأته: أين موعدك؟ قال: سرادق الطاغية أو الجنة، قالت: إني أرجو أن أسبقك إلى أي الموضعين كنت فيه، فجاء فوجدها في السرادق: سرادق الطاغية تقاتل الترك.
قال: عرض الأسد لأهل قافلة، فخرج رجل، فلما رأى الأسد سقط وركبه الأسد، فشدوا عليه بأجمعهم واستنقذوه، فتنحى الأسد، فقالوا: ما حالك؟ قال: لا بأس ولكن الأسد خري في سراويلي.
قال المهلب: أشجع الناس ثلاثة: ابن الكلبية، وأحمر قريش، وراكب البغلة: فابن الكلبية: مصعب بن الزبير، أفرد في سبعة وأُعطي الأمان، وأحمر قريش: عمر بن عبيد الله بن معمر، ما لقي خيلاً قط إلا كان في سرعانها، وراكب البغلة: عباد بن حصين الحبطي، ما كنا في كربة قط إلا فرّجها، قال: فقال الفرزدق وكان حاضراً: فأين أنت من عبد الله بن الزبير، و عبد الله بن خازم السلمي؟ فقال: ويحك! إنما ذكرنا الإنس فأما الجن فلم نذكرهم بعد.
الباب التاسع
الأسماء الحسنة والقبيحةتقدّم رجلان إلى شريح فقال أحدهما: ادع أبا الكويفر ليشهد، فردّه شريح ولم يسأل عنه وقال: لو كنت عدلاً لم ترضها.
سأل عمر رجلاً - أراد أن يستعين به على أمر - عن اسمه، فقال: ظالم بن سرّاق، فقال: تظلم أنت ويسرق أبوك!!ولم يستعن به.
وسمع عمر بن عبد العزيز رجلاً ينادي آخر: يا أبا العقلين، فقال: لو كان عاقلاً لكفاه أحدهما.
قيل لبعضهم: قد رُزقت ابناً فاختر له كنيةً، فقال: كنّوه أبا عبد رب السموات السبع ورب العرش العظيم.
نادى منادي معاوية وهو يعرض الجند: أين فيشلة بن الرّهاز؟ فأقبل فتى شاب، فقال معاوية: ويلك! ما هذا الاسم؟ قال: سماني به أبي، قال: فهلاّ غيّرت بالكنية؟ قال: قد فعلت، قال: ما الكنية؟ قال: أبو اليقّاط، فنفاه.
قال هشام: خرج عمر إلى حرّة واقم، فلقي رجلاً من جهينة فقال له: ما اسمك؟ قال: شهاب، قال: ابن من؟ قال: ابن جمرة، قال: وممن أنت؟ قال: من الحرقة، قال: ثم ممن؟ قال: من بني ضرام، قال: وأين منزلك؟ قال: بحرّة ليلى، قال: فأين تريد؟ قال: لظي - وهو موضع - فقال عمر: أدرك أهلك فما أراك تدركهم إلا وقد احترقوا، قال: فأدركهم وقد أحاطت بهم النار.
سأل رجل أبا عبيدة عن اسم رجل، فقال: ما أعرف اسمه. فقال حسان: أنا أعرف الناس به، وهو خراش أو خداش أو رياش أوشيء آخر، فقال أبو عبيدة: ما أحسن ما عرفته، فقال: إي والله هو من قريش أيضاً، قال: وما يدريك؟ قال: أما ترى احتواءه على الشين من كل جانب؟.
كان لأبو العتاهية ابن يسمّى عتاهية، وابن آخر اسمه عبد إلهي، يعني الله، وبنت اسمها بهاء الله، وكان له أختان: اسم إحداهما سر الله، والأخرى حسبها الله.

استعرض المعلّى بن أيوب الجند، فقال لواحد: مااسمك؟ قال: برادة، قال: ابن من؟ قال: بريد، قال: وممن أنت؟ قال: من البردان، قال: وأين منزلك؟ قال: في درب الثلج، فصاح المعلّى يا غلام دواج وبرجد، والله كُززنا.
وشبيه بهذه الحكاية قولهم: لقي المبرد برد الخيار في سوق الثلج، في كانون الثاني فسأله عن قولهم: ثلج صدره، أو ثلج.
لقي واحداً أعرابياً فقال له: ما اسمك؟ قال: قوّاد، قال: قبّح الله أباك، ضُيّقت عليه الأسامي حتى سماك قواداً؟ فقال: إن كان ضيّق الاسم فقد وسّع الكنية، قال: أبو من؟ قال: أبو الصحاري.
وسمّى رجل جاريته مائة ألف أو يزيدون.
وقف أعرابيّ على قوم فسألهم عن أسمائهم، فقال أحدهم: اسمي محرز، وقال آخر: اسمي وثيق، وقال آخر: منيع، وقال آخر: ثابت، وقال آخر: شديد، فقال الأعرابي: قبحكم الله! ما أظن الأقفال عُملت إلا من أسمائكم.
كنى بعضهم ابنه أبا عبد رب السموات السبع ورب العرش العظيم.
وُلد لبعضهم ابن، فقال: سمّوه عمر بن عبد العزيز؛ فإنه بلغني أنه كان رجلاً صالحاً.
قيل لرجل: أبو من؟ فقال: أبو عبد الملك الكريم الذي يُمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فقال: مرحباً بك يا نصف القرآن، ارتفع.
قال السفاح للسيد الحميري: أأنت السيد؟ قال: أنا ابن فلان وأمير المؤمنين السيد.
قال ابن أبي البغل لرجل: ولد لي مولود فما اسميه؟ فقال: لا تخرج من الإصطبل وسمّه ما شئت.
قال برصوما الزامر لأبيه: لم تجد اسماً تسميني أحسن من هذا؟ فقال: لو علمت أنك تجالس الخلفاء باسمك لسميتك يزيد من مزيد.
رفع رجل قصةً إلى محمد بن عبد الله وعليها حريث ابن الفراس فصيّره خريت في الفراش، ووقّع تحته بئس ما فعلت.
كان للفرزدق عدة بنين أسماؤهم لبطة وعبطة وسبطة.
وسمعت الصاحب رحمه الله يقول: كان علي بن عيسى يلّقب بسكتكت، وله أخ بكلملم، والآخر يلقب بعرمرم.
كتب رجل كتاب عناية لابن عبد الله العاقل، فعنون الكتاب لأبي الفياض بحر ابن الفرات فقال له: زن بي الزورق وإلا غرقت ولم أصل إليه.
كان أبو العاج على جوالي البصرة فأُتي برجل من أهل الذمة فقال: ما اسمك؟ فقال: بندار بن بندار، فقال اسم ثلاثة وجزية واحد؟ لا والله العظيم، وأخذ منه ثلاث جزيات.
قال أبو مسمع البصري: كنا نجالس أبا الهذيل في مجلسه، فجاءنا شاب له رواء ومنظر وسمت، فقعد فأجللناه لظاهره، فقال أبو الهذيل: ليس للعجم كتاب أجلّ من الكتاب المترجم بجاودان كرد، وقد استفتح مؤلّفه بثلاث كلمات وليس لهنّ نظير، منها أنه قال: من أخبرك أن عاقلاً لم يصبر على مضض المصيبة فلا تصدقه، ومن أخبرك أن عاقلاً أساء إلى من أحسن إليه فلا تصدقه.ومن أخبركأن حماة أحبت كنة فلا تصدقه فانبرى الغلام وجثا و قال: حدثني أبي عن جدي بثلاث هن أحسن منهن، فقال أبو الهذيل: مُنّ علينا بهنّ فقال: قال جدي - رحمة الله عليه - من أخبرك أن الجائع كالشبعان فلا تصدقه، ومن أخبرك أن النائم كاليقظان فلا تصدقه، ومن أخبرك أن الراضي كالغضبان فلا تصدقه. فقلنا له: أمن العرب أنت أم من العجم؟ قال: من بينهما، قلنا: فمن أي بلد أنت؟ قال: من دوين السماء وقويق الأرض فقال له الجاحظ: ما اسمك؟ قال: لجام، قال: فالكنية؟ قال: أبو السرج، فقال له: فمالك لا تنهق وأنت حمار؟ فقام مغضباً يجر إزاره وهو يقول: ليس الذنب لكم، إنما الذنب لي حين أجالس أمثالكم وأنتم لا تدرون ما طحاها.
قال الحسن بن شهويار: قالت وصيفتي لواحد: ما اسمك؟ قال: عبدان، قالت: ابن من؟ قال: عذار، قالت: فلذلك سمي أبوك عذار؟.
قال أبو بكر بن دريد: قلت لابن شاهين مابال الحسين بن فهم يشتمك؟ قال: ما أدري، غير أني سمعت أن أباه حدث عن أبيه قال: كان إذا ولد لأبي مولود فتح المصحف فقرأ أول الورقة فيسمى ذلك المولود به، رضي أم سخط، فولد له مولود ففتح المصحف فقرأ " فهم لا يعلمون " ففتح المصحف ثانياً فقرأ " فهم لا يبصرون " فسماه فهماً.
كان محمد بن المتنبية على واسط فتقدم إليه رجل مع خصمه فقال: ادع بيّنتك، فقال: تعال يا أبا الذئب، تعال يا أبا زعفران، تعال يا أبا الياسمين، تعال يا أبا الصلابة، فقال: انطلق، ما هؤلاء بشهود.

نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة على كلثوم فدعا غلامية يا يسار ويا سالم، فقال النبي عليه السلام لأبي بكر: " سلمت لنا الدار في يُسر " .
كان أبو ثور الفقيه يمشي في السوق فإذا براكب خلفه يقول: الطريق الطريق! فلم يتنبه له، فقال: يا ثور، الطريق! فرفع إليه رأسه وقال: ما أقرب ما وقعت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سمّوا أولادكم أسماء الأنبياء، وأحسن الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها الحارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة " .
وروي عن ريطة بنت مسلم عن أبيها قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حنيناً فقال: ما اسمك؟ قلت: غراب، قال: أنت مسلم، كأنه كره أن يكون اسمه غراباً.
كما قال لقوم - قالوا له: نحن بنو زينة - : " أنتم بنو رشدة " ، وكما قال لحزن جد سعيد بن المسيب: " أنت سهل " .
ذُكر أنه كان لمعاوية بنت اسمها أمة رب المشارق.
وسمّى رجل بأذربيجان ابنه: عبد من الأرض جميعاً قبضته، والسموات مطويات بيمينه.
كانت امرأة لها زوج يقال له: موسى، فكانت تسميه إذا خاطبته، فكره ذلك منها، فحلف بالطلاق إن سمّته باسمه، فكانت بعد ذلك تقول: أبو الصبيان، فلما كانت ذات ليلة صلّت صلاة الوتر، فقرأت " سبح اسم ربك الأعلى " فلما انتهت إلى آخر السورة خافت إن هي قالت " صحف إبراهيم وموسى " أن تطلق، فقالت: صحف إبراهيم وأبو الصبيان، الله أكبر.
ومثل ذلك أمر عليّة بنت المهدي فإنها كانت تشبّب في شعرها بخادم لها اسمه طلّ، فنهاها الرشيد عن ذلك وعن أن تسميه أو تذكره، فتسمّع يوماً عليها وهي تقرأ القرآن، فلما بلغت قوله تعالى: فإن لم يصبها وابل فطل " قالت: فإن لم يصبها وابل فالذي نهانا عنه أمير المؤمنين.
خاصم إلى إياس بن معاوية رجل فادّعى دعوى قال: أحضرني شهوداً، فنادى الرجل شاهداً يا أبا الرازقي، فقال إياس: ادع غير هذا وقل لهذا ينصرف.
قال ابن المبارك: كان عندنا رجل يكنّى أبا خارجة، فقلت له: لم كنوك أبا خارجة؟ فقال: لأني ولدت يوم دخل سليمان بن عليّ البصرة.
دخل شيخ على هشام بن عبد الملك فقيل له: ما اسمك؟ فقال: أبو الحسن وإليها، فقيل له: أما يكفيك واحدة؟ فقال: إن ضاعت واحدة كانت الأخرى.
قيل وكان بحمص قاض كنيته أبو العمشليق.
قال رجل لابنه: يا بني، أتدري لم سميتك معروفا؟ قال: لا، قال: لئلا يُنسى اسمك.
؟
الباب العاشر
التعريضاتحُكي أن بشر بن مروان قال يوماً: من يدّلني على فرس جواد سابق؟ فقال عكرمة ابن ربعي: قد أصبته - أصلحك الله - عند حوشب بن يزيد، نجا عليه يوم الرّيّ.
يعرّض بانهزامه عن أبيه فذلك قول الشاعر:
نجّى حليلته وأسلم شيخه ... لما رأى وقع الأسنة حوشب
فضحك بشر، واضطغنها حوشب. فقال بشر بعد أيام من يعلم مكان بغلة قوية؟ فقال حوشب: بغلة واصل بن مساور: فإنه بلغني قوّته، يحمل واصلاً وعكرمة، وكان عكرمة يُتّهم بامرأة واصل.
اجتمع الشعراء بباب أمير من أمراء العراق، فمرّ رجل بباز، فقال رجل من بني تميم لآخر من بني نمير: هذا البازي! فقال النميري: إنه يصيد القطا. عرّض الأول بقول جرير:
أنا البازي المطلّ على نمير ... أُتيح من السماء لها انصبابا
وأراد الآخر قول الطرمّاح:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... وإن سلكت طرق المكارم ضلّت
قال عبد الملك لثابت بن عبد الله بن الزبير: أبوك أعلم بك حيث كان يشتمك. فقال: يا أمير المؤمنين، أتدري لم كان يشتمني؟ قال: لا، قال: نهيته أن يقاتل بأهل مكة وأهل المدينة؛ فإن الله لا ينصره بهما قال: وكيف؟ قال: أما أهل مكة فأخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخانوا، ثم جاءوا إلى المدينة فأخرجهم منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيّرهم، يعرّض بالحكم بن أبي العاص.
وأما أهل المدينة فخذلوا عثمان حتى قُتل بينهم. فقال: عليك لعنة الله قد علمتُ ما تريد.
وقال له مرةً: ما ثابت من الأسماء، ليس باسم رجل ولا امرأة. قال: يا أمير المؤمنين، لا ذنب لي، لو كان اسمي إليّ ما سميت نفسي إلا زينباً. يعرّض بأنه كان يعشق زينب بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وخطبها فقالت: لا أدع نفسي بأبي الذبان.

وقال عبد الملك لخالد بن يزيد - وقد ابيضّت عنفقته - : مالك كأنك عاض على صوفة؟ فقال خالد: إنهنّ يلثمنني لا يكرهن ذلك ولا يُعرضن عنّي. يعرض ببخر عبد الملك وشيب عارضه.
عرض معاوية أفراسه على عبد الرحمن بن الحكم، فقال له عبد الرحمن: هذا أجش، وهذا هزيم. يعرّض بمعاوية. فقال معاوية: لكنه لا يُشبّب بكنائنه. يعرض به، وذلك أنه كان يُشبّب بأم أبان بنت عثمان، وبقطيّة بنت بشر بن عامر بن مالك ملاعب الأسنة. وكانتا عند أخيه مروان. وأراد عبد الرحمن قول الشاعر:
ونجّى ابن هند سابح ذو علالة ... أجش هزيم والرماح دواني
دخل مطيع بن إياس على قوم، وعندهم قينة فقالوا: اسقوه - ولم يكن أكل - فاستحيا وشرب، فلما أوجعه النبيذ قال لها: تُغنين:
خليليّ داويتما ظاهراً ... فمن ذا يداوي جوى باطنا؟
فعلم أنه يُعرض بالجوع. فأطعموه.
نظر الفرزدق إلى ابن هبيرة وعليه ثياب تقعقع، فقال: تُسبح. أراد بذلك قول الشاعر:
إذ ألبست قيس ثياباً لزينة ... تُسبّج من لؤم الجلود ثيابها
لما عُزل إسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة عن البصرة شيعوه فقالوا: عففت عن أموالنا وعن دمائنا. فقال: وعن أبنائكم. يُعرّض بيحيى بت أكثم في اللواط.
كان جعفر بن يحيى يكني الفضل بن الربيع أبا روح - وهي كنية الفرخ - وأهل المدينة يسمون اللقيط فرخا، وكان الربيع لقيطاً مجهول الأب، فختلفاً في نسبه، فكان جعفر يأكل مع الرشيد يوماً، فوُضعت بين أيديهم ثلاثة أفراخ، وقال الرشيد لجعفر يمازحه: قاسمني هذه نستوفي أكلها. قال: قسمة عدل او قسمة جور؟ فقال: قسمة عدل. فأخذ جعفر فرخين وترك فرخاً واحداً. فقال الرشيد: أهذا العدل؟ قال: نعم. معي فرخان، ومعك فرخان. قال: فأين الآخر؟ قال: هذا، وأومأ إلى الفضل، فتبسم الرشيد وقال: يا فضل، لو تمسكت بولائنا لسقط هذا عنك. ولم يفهم الفضل ما قالا.
قال بعضهم: حضرت عند بعض الكتّاب الأجلاّء، وقد ناظره رجل في شيء فغصّصه الحجة، فغاظه، فقال له: يا مأبون، فاعتمد الرجل بيديه على الأرض يقوم وأنشد:
كلانا يرى الجوزاء يا جًمل إن بدت ... ونجم الثريا والمزار بعيد
قال المأمون لقارئ: اقرأ، فقرأ: " فسوّلت له نفسه قتل اخيه فقتله " فأمر بحبسه.
قال الجاحظ: كان عندنا أناس من الأزد ومعهم ابن حزن، وابن حزن هذا عدوي، وكان يتعصب لأصحابه من بني تميم، وكانوا على النبيذ، فسقط ذباب في قدح بعضهم، فقال بعضهم: غط التميمي، ثم سقط آخر في قدح آخر، فقال: غطّ التميمي، فلما كان في الثالثة قال ابن حزن: غطّه فإن كان تميمياً رسب وإن كان أزدياً طفا. يُعرّض بأن أزد عُمان ملاحون.
نظر ابن الهفتي إلى دستيجة فيها من كل فاكهة أطيبها، ومن كل ريحان أحسنه فرمقها، ولحظها، وشره إليها، وكانت في منزل بخيل يعلم أنه يمنعه منها فقال للمغنى: بالله غنّني - تعريضاً بما رآه - .
أيا زينة الدنيا التي لا ينالها ... مُناي، ولا يدنو لقلبي صريمها
دخل رجل من محارب قيس على عبد الله بن يزيد الهلالي - وهو بأرمينية فقال له عبد الله: ماذا لقينا البارحة من شيوخ محارب؟ ما تركونا ننام - يعني الضفادع - فقال المحاربي: أصلحك الله، إنهم أضلوا برقعا لهم فكانوا في بغائه. أراد الأول قول الشاعر:
تكش بلا شيء شيوخ محارب ... وما خلتها كانت تريش ولا تبرى
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدلّ عليها صوتها حيّة البحر
وأراد الآخر قول الشاعر:
لكل هلاليّ من اللؤم برقع ... ولابن يزيد برقع وجلال
قال أبو عبيدة: بينا أشراف الكوفة بالكناسة إذ أقبل أسماء بن خارجة الفزاري، فوقف، وأقبل ابن المكعبر فوقف متنحياً عنه، فأخذ أسماء خاتماً كان في يده، فصّه فيروزج فدفعه إلى غلام، وقال: اذهب إلى ذاك فادفعه إليه. يعني ابن المكعبر، فأخذ ابن المكعبر شسع نعله، فربطه في الخاتم وردّه. أراد الفزاري قول الشاعر:
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر ... كما كل ضبيّ من اللؤم أزرق
وأراد الضبيّ قول الشاعر:
لا تأمننّ فزاريّاً خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار

قال رجل لآخر: مرحباً بأبي المنذر، فقال: ليست هذه كنيتي، فقال: نعم، ولكنها كنية مُسيلمة. يعرّض بأنه كذاب.
أسرت طيّء غلاماً من العرب، فقدم أبوه ليفديه فاشتطّوا عليه، فقال أبوه: لا والذي جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبل طيّء ما عندي غير ما بذلته، ثم انصرف وقال: لقد أعطيته كلاماً إن كان فيه خير فهمه. كأنه قال: الزم الفرقدين على جبل طيّء، ففهم الابن تعريضه، وطرد إبلاً لهم من ليلته ونجا.
قال عمر بن هبيرة الفزاري لأيوب بن ظبيان النميري، وهو يسايره: غضّ من بغلتك. فقال: إنها مكتّبة. أراد ابن هبيرة قول جرير:
فغض الطرف إنك ...
وأراد النميري قول ابن دارة:
لا تأمنن فزاريا خلوت به ...
ومر الفرزدق بمضّرس وهو ينشد قوله:
تحمّل من وادي أشيقر حاضره ...
وقد اجتمع عليه الناس، فقال الفرزدق، يا أخا بني فقعس، متى عهدك بالقنان؟ قال: تركته تبيض فيه الحمّر أراد الفرزدق قول نهشل بن حرى:
ضمن القنان لفقعس سوآتها ... إن القنان لفقعس لمعمّر
وأراد مضرس قول أبي المهوّش الأسدي - يرد عليه - :
قد كنت أحسبكم أسود خفيّة ... فإذا لصاف تبيض فيه الحمّر
وإذا تسّرك من تميم خصلة ... فلما يسوؤك من تميم أكثر
مر أبو خليفة المحاربي على أبي عمرو العدوي - عديّ تيم الرباب - وعندهم بقرة قد ذُبحت، وكانت غثّةً، فقال أبو خليفة: يا أبا عمرو، ما ننفي عن دارنا جيفةً إلا صارت إليكم. فقال أبو عمرو: يا أبا خليفة، إنما هي سحابة تمر فتغسل ذلك كله.
أراد أبو خليفة قول الشاعر:
إذا ما نفينا جيفةً عن ديارنا ... رأيت عديّاً حول جيفتنا تسري
وأراد أبو عمرو قول الشاعر:
إذا كنت ندماني على الخمر فاسقني ... بماء سحاب لم يخضه محارب
عرض ابن هبيرة على ضبيّ كان يمازحه فصّ فيروزج. يعرّض بقول الشاعر:
ألا كل ضبيّ من اللؤم أزرق
دخل أبو الحسن بن طباطبا العلويّ على أحمد بن عثمان، قاضي أصبهان - وكان قد هجاه بأهاج كثيرة - فأراد أن ينتصف منه، فقال له: بلغني أنك تشعر وتُجيد. فقال: كذا يقول الناس. فقال تعريضاً بنسبه: أشعرت أن قريشاً لم تكن تجيد الشعر؟ قال رجل متّهم في النسب لآخر مثله: يا دعيّ، فأنشد تعريضاً به:
عبد شمس أبوك وهو أبونا ... لا نناديك من مكان بعيد
قال بعضهم: اكتريت من جمّال فكان يحدو بنا في الطريق بقول الشاعر:
أبلج بين حاجبيه نوره ...
ولا يزيد عليه، فلما بلغنا المقصد قال:
إذا تغدّى رُفعت ستوره ...
فقلنا: هلاّ حدوت به مع البيت الأول؟ قال: خشية أن تحسبوا أني أعرّض بزادكم.
قيل لابن مجاهد: إن الصّولي قد صنّف كتاباً في القرآن سمّاه " الشامل " فقال هو جيد الدّست. يُعرّض بأنه شطرنجي، لا يحسن غيره.
خرج المأمون يوماً ومعه رقعة مكتوب فيها: يا موسى. فقال: هل تعرفون له معنىً؟ فقالوا: لا، فقال إسحاق بن إبراهيم الطاهري: يا أمير المؤمنين، هذا إنسان يُحدّر إنساناً، أما سمعت قوله تعالى: " قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين " ؟ فقال المأمون: صدقت، هذه صرف جاريتي كتبت إلى أختها مُتيّم جارية عليّ بن هشام: أني عازم على قتله، فحذّرته.
قال رجل من بني هاشم لأبي العيناء: يا حلقي، فقال: مولى القوم منهم. يعرض بولائه فيهم.
كان هشام بن عمرو التغلبي على نصيبين، فخرج يشيّع أبا مسلم، فقال أبو مسلم: كيف يقول عمك مهلهل:
إني لأذكر ميتتي، ونجيبتي ... تحتي، فأدفعها تخبّ ذميلا
إني لأكره أن أعيش مظّلماً ... طول الحياة، وأن أعيش ذليلا
فقال هشام لكاتبه: اكتب إلى أمير المؤمنين، وعرّفه أن أبا مسلم قد خلع الطاعة.
قيل: دخل الحسن بن سهل إلى المأمون فحلف عليه أن يشرب عنده فأخذ القدح بيده، فقال له: بحقّي عليك إلاّ أمرت من شئت أن يغنّيك فأومأ الحسن إلى إبراهيم ابن المهدي. فقال له المأمون: غنّه يا إبراهيم، فاندفع وغنّى:
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت ... كما استعان بريح عشرق زجل

فغضب المأمون، ووثب عن مجلسه، ودعا بإبراهيم فقال له: لا تدع كيدك وغلّك؟ أنفت من إيمائه إليك، فغنيته - معرّضاً بما يعرّض له من السواد - بشعر فيه ذكر الوسواس؟ والله لقد كنت أقدمت على قتلك حتى قال لي: إن قتلته فعلت ما فعله الناس قبلك، وإن عفوت عنه فعلت ما لم يفعله أحد قبلك فعفوت عنك لقوله، فلا تعد.
قالوا: ما فتح قتيبة بن مسلم سمرقند أفضى إلى أثاث لم ير مثله وآلات لم ير مثلها، فأراد أن يري الناس عظيم ما فتح الله عليهم، فأمر بدار ففرشت له، وفي صحنها قدور يرتقى إليها بالسلاليم، فإذا بالحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشي قد أقبل - والناس جلوس على مراتبهم، والحضين شيخ كبير - فلما رآه عبد الله بن مسلم قال لقتيبة: ائذن لي في معاتبته؟ قال: لا ترده فإنه خبيث الجواب، فأبى عبد الله إلا أن يأذن له، وكان عبد الله يُضعّف، وكان تسوّر حائطاً إلى امرأة قبل ذلك، فأقبل على الحضين فقال: أمن الباب دخلت يا أبا ساسان؟ قال: أجل. أسنّ عمّك عن تسوّر الحيطان، يعرض به، قال: أرأيت هذه القدور؟ قال: هي أعظم من ألا ترى. قال: ما أحسب بكر بن وائل رأى مثلها؟ قال: أجل، ولا عيلان لو كان رآها سُمّي شبعان، ولم يُسمّ عيلان، قال له عبد الله: يا أبا ساسان: أتعرف الذي يقول:
عزلنا وأمرنا وبكر بن وائل ... تجر خصاها تبتغي من تحالف
قال: أعرفه، وأعرف الذي يقول:
وخيبة من يخيب على غنيّ ... وباهلة من يعصر والركاب
يريد يا خيبة من يخيب. قال: أفتعرف الذي يقول:
كنا فقاح الأزد حول ابن مسمع ... إذا عرقت أفواه بكر بن وائل
قال: نعم و أعرف الذي يقول:
قوم قتيبة أمهم وأبوهم ... لولا قتيبة أصبحوا في مجهل
قال: أما الشعر فأراك ترويه، فهل تقرأ من القرآن شيئاً؟ قال: أقرأ منه الأكثر الأطيب " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا " قال: فأغضبه، فقال والله لقد بلغني أن امرأة الحضين حُملت عليه وهي حامل من غيره. قال: فما تحرك الشيخ عن هيئته الأولى، ثم قال على رسله: وما يكون؟ تلد غلاماً على فراشي فيقال: فلان ابن الحضين، كما يقال: عبد الله بن مسلم. فأقبل قتيبة على عبد الله وقال: لا يُبعد الله غيرك.
بعث بشّامة بن الأعور العنبري إلى أهله بثلاثين شاةً ونحى صغير فيه سمن، فسرق الرسول شاةً واحدةً وأخذ من رأس النحي شيئاً من السمن. فقال لهم الرسول، ألكم إليه حاجة أخبره بها؟ قالت امرأته: أخبره، أن الشهر محاق، وأن جدينا الذي كان يطالعنا وجدناه مرثوما. فاسترجع منه الشاة والسمن.
مر ابن أبي علقمة بمجلس بني ناجية، فكبا حماره لوجهه، فضحكوا، فقال: ما يضحككم؟ رأى وجوه قريش فسجد. عرّض بنسبهم.
كان البراء بن قبيصة صاحب شراب، فدخل إلى الوليد بن عبد الملك وبوجهه أثر. فقال: ما هذا؟ قال: فرس لي أشقر ركبته فكبا بي. فقال: لو ركبت الأشهب لما كبا بك. يريد الماء.
الباب الحادي عشر
حكم ونوادر للهندفي كليلة ودمنة: قد قد تصل النضال إلى الأجواف، فتستخرج وتندمل جراحها، والقول إذا وصل إلى القلب لم يُستخرج.
قالوا: كان في سنّة الهند، إذا أُصيب أحدهم بمصيبة تعظم عليه، أن يلبسوا السلاح ويحتشدوا، ويبلغوا الطاقة في العدّة، ثم يصيروا إلى بابه، فيقولوا: بلغنا أنك سُلبت شيئاً بلغ منك، فاستعددنا وجئنا لنحارب من سلبك، ونرد عليك ما سُلبت. فيقول لهم: إنكم لا تقدرون على ذلك، والذي سلبنيه لا يُقاتل ولا يُغالب. فيقولون له: فإذا كان الأمر هكذا فلا تجزع على فائت لا حيلة في رده، ثم يتفرقون عنه.
في كتاب كليلة ودمنة: لا يطمع الملك الضعيف الوزير في ثبات ملكه.
وفيه: الدنيا كالماء المالح التي متى يزدده شاره شُرباً يزدد به ظمأً وعطشا.
الأدب يذهب عن العاقل السكرة ويزيد الأحمق سُكرا، كالنهار يزيد البصر بصراً ويزيد الخفاش سوء بصر.
صحبة الأخيار تُورث الخير، وصحبة الأشرار تُورث الشر، كالريح إذا مرّت على النتن حملت نتنا، وإذا مرت على الطيب حملت طيبا.
من نصح لمن لا شكر له، كان كمن ينثر بذره في السباخ، أو كمن أشار على معجب أو كمن سارّ الأصم.
لا يردّ يأس العدو القوي مثل التذلل والخضوع، كما أن الحشيش يسلم من الريح العاصفة بلينه لها وانئنائه معها.

ليس العدو بموثوق به، ولا مفتقر إليه، وإن أظهر جميلا؛ فإن الماء لو أطيل إسخانه لم يمنعه ذلك من إطفاء النار إذا صبّ عليها.
تقول الهند: الشارب تعتريه أربع أحوال: تعتريه أولاً طاوسيّة، ثم قردية، ثم سبعية، ثم خنزيرية.
وفي بعض كتبهم: الكرام أصبر نفوسا، واللئام أصبر أبدانا.
قالوا: شرّ السلطان من خافه البريئ، وشر البلاد ما ليس له خصب ولا أمن، وشر الإخوان الخاذل، وشر المال ما لا ينفق منه.
وقالوا: من التمس الرخصة من الإخوان عند المشورة، ومن الأطباء عند المرض ومن الفقهاء عند الشبهة، أخطأ الرأي، وازداد مرضاً، وحُمّل الوزر.
الحازم يحذر عدوّه على كل حال، يرهب المواثبة إن قرب والغارة إن بعد، والكمين إن انكشف، والاستطراد إن ولّى، والمكر إن رآه وحيدا، ويكره القتال ما وجد منه بُدّاً، لأن النفقة فيه من الأنفس، والنفقة في غيره من المال.
جانب الموتور وكن أحذر ما تكون منه، ألطف ما يكون بك، فإن السلامة بين الأعداء وحشة بعضهم من بعض، ومع الأُنس والثقة حضور آجالهم.
ثلاثة أشياء لا تُنال إلا بارتفاع همّة، وعظيم خطر: عمل السلطان، وتجارة البحر، ومناجزة العدو.
بعض المقاربة حزم، وكل المقاربة عجز، كالخشبة المنصوبة في الشمس، تُمال فيزيد ظلها، ويفرط في الإمالة فينقص الظل.
ليس من خلة يمدح بها الغني إلا والفقير يُذم بها، فإن كان شجاعاً قيل: أهوج، وإن كان وقوراً قيل: بليد، وإن كان لسناً قيل: مهذار، وإن كان زمّيتاً قيل: عيّ.
قالوا: لا ثناء مع كبر. وستة أشياء لا ثبات لها: ظل الغمام، وخلّة الأشرار، وعشق النساء، والمال الكثير، والسلطان الجائر، والثناء الكاذب.
قال أبو الأشعث: سألت بهلة الهندي، ما البلاغة فيكم؟ فأخرج إليّ صحيفةً كانت ترجمتها: " أول البلاغة اجتماع آلة البلاغة، وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش، ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخيّر اللفظ، لا يكلم سيّد الأمة بكلام الرعية، ولا الملوك بكلام السوقة، وأن يكون في قواه فضل للتصرف في كل طبقة، ولا يدّقق المعاني كل التدقيق، ولا ينقّح الألفاظ كل التنقيح، ولا يصفّيها كل التصفية، ولا يهذبها غاية التهذيب. ولا يفعل ذلك حتى يصادف حكيماً، أو فيلسوفاً عليماً، ومن قد تعوّد حذف فضول الكلام، وإسقاط مشتركات الألفاظ.
قال بعض حكمائهم لابنه: يا بنيّ، عليك بالحكمة والأدب، فلان يذم الزمان فيك خير من أن يعاب بك.
الباب الثاني عشر
في الرؤيا والفأل والزجر والعيافة والأوهاملما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن حسن، عليهم السلام، على المنصور رأى المنصور فيما يراه النائم كأنه قد صارع محمداً، وأن محمداً صرعه، وقعد على صدره فهمّه ذلك، ونفى راحته. وجمع العاربين، فكلّ وقف. فسأل جد أبي العيناء، فقال: إنك تغلبه، وتظهر عليه، قال: وكيف؟ قال: لأنك كنت على الأرض، والأرض لك، وكان هو فوقك، والسماء له. فسرّي عنه.
اتفقت القافة من بني مُدلج أنهم لم يروا قدماً أشبه بالقدم التي في المقام من قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. روت الكافّة عن الكافة ذلك.
وروى المدائني عن أشياخه قالوا: بعث صاحب الروم إلى النبي عليه السلام، رسولاً، وقال له: انظر أين تراه، ومن إلى جنبه، وانظر ما بين كتفيه، حتى ترى الخامة أو الشامة. فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، على نشز، واضعاً قدميه في الماء، عن يمينه عليّ عليه السلام، فلما رآه النبي عليه السلام، قال: تحوّل فانظر إلى ما أُمرت به، فنظر، ثم رجع إلى صاحبه فأخبره الخبر. فقال: ليعلونّ أمره، وليملكنّ ما تحت قدميّ. قال: تفاءل بالنشز العلوّ، وبالماء الحياة.
وأخبر عن أشياخه أن شيرويه بعث إلى النبي عليه السلام، مصوّراً وزاجراً، فأتياه، وصوّر المصوّر صورته، ولم يجد الزاجر شيئاً يزجر به فرجع، فلما دخلا على شيرويه أخذ الصورة فوضعها على وسادته، وقال للزاجر: ما زجرت، قال: لم أر هناك شيئاً أزجر عليه وقد زجرت ها هنا، والرجل قاهر، مظفّر، وذلك أنك أخذت صورته فوضعتها على وسادتك.

قيل: لما توارى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد الهجرة خرجت قريش بمعقل ابن أبي كرز الخزاعي، فوجدوا أثره، عليه السلام، فقال معقل: لم أر وجه محمد قط، ولكن إن شئتم ألحقت لكم هذا الأثر؟ قالوا: قل. قال: هو من الذي في مقام إبراهيم فبسط أبو سفيان بن حرب ثوبه عليه وقال: قد خرفت، وذهب عقلك.
قال: والقافة بنو كرز من خزاعة، وهم أفوف الناس.
قال: اختلف رجلان من القافة يوم الصدر في أثر بعير فيما بين مكة ومنى، فقال أحدهما: جمل، والآخر: ناقة. فاتّبعا الأثر، يبدو مرةً ويخفى أخرى، فلم يزالا كذلك حتى دخلا شعب بني عامر، فإذا بعير واقف، فاستدارا به، فقال أحدهما لصاحبه: أهوهو؟ قال: نعم. فنظر فإذا هو خنثى، وقد أصابا جميعاً.
روى المدائني: أن علياً، عليه السلام، بعث معقل بن قيس الرياحيّ من المدائن في ثلاثة آلاف، وأمره أن يأخذ على الموصل، ويأتي نصيبين ورأس العين، حتى يأتي الرقّة فيقيم بها، فسار معقل حتى نزل الحديثة، فبينا معقل ذات يوم جالس إذ نظر إلى كبشين ينتطحان، حتى جاء رجلان، وأخذ كل واحد منهما كبشاً فذهب به. فقال شداد بن أبي ربيعة الخثعمي - وكان زاجراً - ينصرفون من وجهكم هذا، لا يغلبون ولا تغلبون. قالوا: وما علمك؟ قال: أو ما رأيت الكبشين انتطحا حتى حُجز بينهما، ليس لواحد على صاحبه فضل؟.
وأخبر، قال: خرج زاجر يزجر لغائب قد طالت غيبته، ومعه تلميذ له، فتلقاهما قوم يحملون جنازة، ويد الميّت على صدره، فقال الزاجر للتلميذ: مات الرجل، فقال: لا، ما مات، ألا ترى يد الميت على صدره يُخبر أنه هو الميت. والرجل حي؟ فرجعا، وقدم الغائب.
وأخبر عن ابن أبي ليلى: تمارت الجن، أهم أعيف أم بنو أسد؟ فأتوا بني أسد، فوجودوا الحيّ خلوفاً، فقالوا: ابعثوا معنا من يُخبرنا عن لقاح ذهبت لنا.
فقال النساء: ليس عندنا غير هذا الغلام، فإن وثقتم لنا أن تردّوه علينا بعثنا به معكم. ففعلوا. فلما خرجوا ورأى الغلام عُقاباً، فبكى. فقالوا: ما يبكيك؟ قال: رفعت جناحاً، وخفضت جناحا، وحلفت بالله صُراحا، ما أنتم بإنس ولا تطلبون لقاحاً، فردّوه.
قال: كان عامل بالسواد يكذّب زاجراً عندهم، وأراد امتحانه يوماً، فسأله عن غم له قد أُخرجت إلى ناحية، هل وصلت؟ فأخرج الزاجر غلامه؛ ليستمع ما يزجر به - وقد كان العامل أمر غلامه أن يكمن في ناحية، ويصيح صياح ابن آوى - فعاد غلام الزاجر فأخبره بما سمع، فقال للعامل: قُطع على الغنم، وسيقت، فضحك العامل، وقال ما أراها إلا وقد وصلت، وكان الصائح غلامي. قال: إن كان الصائح ابن آوى فقد ذهبت، وإن كان غلامك فقد قُتل راعيها قبل ذهابها. فبلغهم بعد ذلك قتل الراعي وذهاب الغنم.
ولما دعا ابن الزبير إلى نفسه قال عبد الله بن مطيع ليبايع، فقبض ابن الزبير يده، وقال لعبيد الله بن علي بن أبي طالب: قم فبايع. فقال عبيد الله: قم يا مصعب فبايع، فقام فبايع، فقال الناس: منع ابن مطيع أن يبايع، وبايع مصعباً، ليتعرفنّ في أمره صعوبة وشرا.
وهذا مثل ما قاله رجل من بني أسد، وقد نظر إلى طلحة بن عبيد الله يبايع أمير المؤمنين علياً، عليه السلام، وكان أول من بايع، فقال: يد شلاء، وبيعة لا تتم. وكانت يد طلحة أُصيبت يوم أُحد.
قال سلم بن قتيبة: إني لأعجب ممن يتطيّر. ذهبت لي ناقة فخرجت في طلبها، فأدركني هانئ بن عبيد يركض وهو يقول:
فلايق إن بعثت لها بُغاة ... وجدّك، ما البُغاة بواجدينا
ثم لحقني آخر، وهو يقول:
والشرّ يلقى مطالع الأكم ...
قال: ثم لقيني رجل قد ذهبت معالم وجهه بالنار، فقلت: هل أحسست من ناقة؟ ووصفتها له. فقال: هاهنا، وأشار بيده، وإذا أبيات، فأتيتهم فوجدتها عندهم.

قالوا: خرج رجل في حاجة له، ومعه سقاء من لبن فسار صدر يومه ثم عطش، فأناخ ليشرب. فإذا غراب ينعب، فأثار راحلته ثم سار، فلما أظهر أناخ ليشرب، فنعب الغراب، فأثار راحلته ثم سار، فلما عطش أنا خليشرب، فنعب الغراب وتمرّغ في التراب، فضرب الرجل السقاء بسيفه فإذا فيه أسود ضخم، فمضى، فإذا غراب واقع على سدرة، فصاح به، فوقع على سلمة، فصاح به، فوقع على صخرة، فانتهى إليها، فأثار كنزاً وذهب. فلما رجع إلى أبيه قال له: إيه، ما صنعت؟ قال: سرت صدر يومي، ثم أنخت لأشرب، فنعب الغراب. فقال أثره. قال: أثرته. ثم أنخت لأشرب، فنعب الغراب قال: أثره. قال أثرته. ثم أنخت لأشرب فنعب الغراب وتمرّغ في التراب. قال: اضرب السقاء وإلا فلست بابني. قال: فعلت، فإذا أسود ضخم. قال: ثم مه؟ قال: ثم رأيت غراباً واقعاً على سدرة. قال: أطره وإلا فلست بابني. قال: أطرته، فوقع على سلمة. قال: أطره وإلا فلست بابني. قال: فعلت، فوقع على صخرة. قال: أحذني يا بني. قال: أفعل، وأحذاه.
قال بعضهم: كنا مع يزيد بن الوليد، وهو متبدّ قبل خلافته، فخرج يوماً لحاجة، ثم رجع متغيراً، فقال: إني سائلكم عن نفسي فاصدقوني. قلنا: ما كنا لنقول شيئاً تكرهه. فقال: أنشدكم الله إلا قلتم: هل تعلمون مني شؤماً؟ قلنا: معاذ الله، أنت أيمن الناس نقيبة. قال: فإن رجلاً لقيني فقال: يا ذا الخال، أترى هذا الخال الذي بوجهك؟ قلت: لا، وأنا والله أراه. قال: لو كنت تراه ما كان على وجه الأرض أشأم منك على أهل بيته، ومضى. قال المدائني: فكان كما قال. قُتل الوليد بن يزيد، ووقع بأسهم بينهم، وذهب مُلكهم.
وقيل: إن الخال إذا كان على الفم كان صاحبه مهبوطاً به أبدا، وإذا كان بين العينين لم يمت صاحبه حتى يجوز بإنسان يقتله، وإذا كان على الحاجب والأشفار لم يزل صاحبه ينظر في خير أبدا، وإن كان على الشفة كان صاحب شراب، وإن كان في الحلق كان معظّماً، وإن كان في العضد لم يزل ذا عضد من مال وقرابة قوية، وإذا كان في الظهر كان ذا ظهر من مال وولد، وإن كان في البطن كان مبطوناً ذا أولاد. وإذا كان على الكشح لم يزل بإزائه كاشح خبيث ينظر إليه، وإذا كان على ظهر الكف كان ممسكاً، وإن كان في بطنها كان متلافاً، وإن كان في الأرفاغ والمذاكير فهو كثير الجماع، وإن كان في الألية لم يزل مخمولاً، وإن كانت تحت القدم فكذلك.
وكان على لسان سلم بن قتيبة شامة سوداء، فكان الحسن يقول: ليلغنّ دما. قال المدائني: فكان من أمره بالبصرة ما كان مع سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب.
قال أبو عبيدة: استعمل عمر بن الخطاب حابس بن سعد الطائي على قضاء حمص، ودفع إليه عهده فأتاه من الغد فقال: يا أمير المؤمنين، إني رأيت رؤيا، فأتيتك؛ لأقصّها عليك. قال: وما هي؟ قال: رأيت الشمس والقمر اقتتلا. قال: فمع أيهما كنت؟ قال: مع القمر. قال: كنت مع الآية الممحوة اردد عليّ عهدي. فقتل بصفين مع معاوية.
كان سعيد بن المسيب يعبر الرؤيا، فرأى عبد الملك بن مروان كأنه قد بال في الكعبة أربع مرات - وكان سعيد يلعن عبد الملك وآل مروان: الظلم منهم - فدسّ إليه رجلاً، فقال له: قصّ عليّ الرؤيا، ولا تخبره أني أنا رأيتها. فلما قصّها عليه الرجل قال: لعل هذا اللعين، رأى هذه الرؤيا. إنه سُملّك لصلبه أربعة. فملك الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام.
أتى رجل عنبسة بن سعيد فقال له: إني رأيت الحجاج في النوم فقلت: ما صنعت وما صنع بك؟ فقال: ما أنت وذاك يا عاضّ أير أبيه؟ فقال: أشهد أنك رأيت أبا محمد حقا.
شخص أبو الشمقمق مع خالد بن يزيد بن مزيد، وقد تقلّد الموصل، فلما أراد الدخول إليها اندقّ لواؤه فثي أول درب منها، فتطيّر من ذلك وعظم عليه، فقال أبو الشمقمق:
ما كان مندق اللواء لريبة ... تُخشى، ولا أمر يكون مبدّلا
لكن هذا الرمح ضعف متنه ... صغر الولاية فاستقلّ الموصلا
فسرّي عن خالد، وكتب صاحب البريد بذلك إلى المأمون، فزاده ولاية ديار ربيعة، وكتب إليه: هذا التضعيف لوصل متن رمحك. فأعطى خالد أبا الشمقمق عشرة آلاف درهم.

جاء رجل فوقف بباب المهدي، وأعلم الربيع أنه قد رأى للمهدي رؤيا يريد أن يقصّها عليه مشافهةً، فاستأذن له، فدخل، وكان الرجل ذا رواء وهيئة فقال: إني رأيت كأن آتياً أتاني، فقال: أخبر أمير المؤمنين أنه يعيش ثمانين سنة والعلامة أنه يرى في منامه في هذه الليلة ثمانين فصّاً يواقيت قد وُهبت له. قال: تُمتحن هذه الليلة، فإن صدقت رؤياك أعطيناك، وإن كان الأمر بخلاف ذلك لم نعاقبك. لأن الرؤيا تصدق وتكذب. فقال الرجل: فما تقول لي عيالي وصبياني إذا علموا أني وصلت إلى الخليفة وبشّرته وخرجت هكذا. فيعجّل إليّ أمير المؤمنين شيئاً من صلته، وانا أحلف بالطلاق أني ما كذبت، فأمر له بعشرة آلاف درهم، وأخذ منه كفيلاً ليحضر في غد، فلما كان تلك الليلة رأى المهدي في المنام ما قاله الرجل، وأصبح متعجباً، وحضر الرجل، فلما رآه قال: ما رأيت شيئاً. فقال الرجل: امرأته طالق إن لم تكن رأيت ذلك فقال: ويلك! أحلف لك بالطلاق قد والله رأيت ذلك. فقال: الله أكبر، يجب أن تفي بما وعدتني. فأمر له بثلاثة آلاف دينار، وأخذها وانصرف. فقيل للرجل بعد ذلك: هل صدقت؟ قال: لا، ولكني لما ألقيت إليه ذلك أخطره بباله، وحدّث به نفسه، وشغل به فكره، فرآه في المنام، فحلفت بالطلاق، وطلّقتُها واحدةً، وزدت في مهرها عشرة دراهم، وأخذت خمسين ألف درهم.
لما انصرف أبو مسلم من حرب عبد الله بن عليّ رأى كأنه على فيل والشمس والقمر في حجره، فأرسل إلى عابر كان يألفه، وقصّ عليه - فقال: الرسم، فقبض عشرة آلاف درهم، وقال: قل، فقال: اعهد عهدك فإنك هالك قال الله: " ألم تر كبف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل " ؟ وقال: " وجُمع الشمس والقمر. يقول الإنسان يومئذ أين المفر " .
اضطر الناس في قديم الدهر إلى ملك، فجاءوا بواحد، ووضعوا التاج على رأسه. فقال: هذا ضيق، فتطيروا من ذلك، وجاءوا بتاج واسع وطمعوا أن يقول: هذا واسع فيكون ضد قوله الأول، فقال: أريد أضيق من هذا، فنفوه.
جاء رجل إلى عابر فقال: رأيت في النوم كأني راكب دابةً أشهب له ذنب أخضر قال: إن صدقت رؤياك استدلجت فُجلةً.
قال أبو عمرو بن العلاء: خرجنا حُجاجا، واكترينا من رجل فجعل في طريقه يرتجز إذا حدا بنا ولا يزيد على قوله:
يا ليت شعري، هل بغت عُليّه؟ ...
فلما انصرفنا من مكة قالها في بعض الطريق، فأجابه صوت في ظُلمة:
نعم نعم، وناكها حُجّييه ...
أحمر، ضخم في قفاه كيّه ...
فأسكت الرجل، فلما صرنا إلى البصرة أخبرنا، قال: دخل عليّ جيراني يًسلّمون، فإذا فيهم رجل ضخم أحمر، قلت لأهلي: من هذا؟ قالوا: هذا رجل كان ألطف جيراننا بنا، وأحسنهم تعهداّ لنا، فجزاه الله خيرا، فلما ولّى إذا أثر كيّ في قفاه، قلت للمرأة: ما اسمه؛ قالت: حُجيّة. قلت: الحقي بأهلك فقد أتانا خبر حُجية.
بينما كان أبو الحسن بن الفرات في أيامه الأولى يشرب في يوم ثلاثاء - وهو اليوم الذي قُيض عليه في غده - ويعمل في خلال شربه، إذ مرّت به رقعة فيها:
إن كان ما أنتم فيه يدوم لكم ... ظننت ما أنا فيه دائماً أبدا
لكن سكنت إلى أني وأنكم ... سنستجدّ خلاف الحالتين غدا
فكأنه اغتم بذلك، ثم أخذ في شأنه، وقال لجارية كانت في المجلس كان يألف غناءها، ويتفاءل بما لا تزال تغنيه: غنّي، فابتدأت وغنت:
أمنعيّة بالبين ليلى ولم تمت ... كأنك عمّا قد أظلّك غافل
ستعلم إن جدّت بكم غُربة النوى ... ونادوا بليلى أن صبرك زائل
فكأنه تنغّص والتاث، ووافته بدعة الصغيرة، فقام إلى دار له جديدة، ودعا بالشراب، وتناول قدحاً، والتمس من بدعة صوتاً فتطلّبت له صوتاً تتفاءل به بسبب الدار الجديدة فغنت:
أمرت لي منزلاً لأسكنه ... فصرت عنه المعبّد القاسي
ولم تحفظ البيت الثاني، فلما كان من غد حدثت عليه الحادثة.

قال إبراهيم بن المهدي: لما حصر طاهر الأمين في المدينة كنت معه، فدعاني ليلةً، فقال: ما ترى طيب هذه الليلة، وحسن القمر، وضوءه في الماء؟ فقلت: إنه لحسن، فاشرب، فشرب رطلاً، وسقاني مثله، وابتدأت فغنيت بما يشتهيه عليّ. فقال: هل لك فيمن يضرب عليك؟ فقلت: ما أستغني عن ذلك. فدعا بجارية متقدمة يقال لها: ضعف فتطيرت من اسمها: فلما جاءت قال: غنّي، فغنت:
كليب لعمري كان أكثر ناصراًوأيسر ذنباً منك، ضُرّج بالدم
فاشتد ذلك عليه، وعليّ أني لم أره. فقال لها: غنيني غير هذا، فغنت:
أبكي فراقهم عيني وأرّقها ... إن التفرق للأحباب بكاء
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا، وريب الدهر عدّاء
فقال: لعنك الله، أما تعرفين من الغناء غير هذا؟ فقالت: ما تغنّيت إلا بما كنت تُحبّه، ثم غنّت:
أما وربّ السكون والحرك ... إن المنايا كثيرة الشرك
ما اختلف الليل والنهار ولا ... دارت نجوم السماء والفلك
إلا لنقل السلطان من ملك ... عان بحب الدنيا إلى ملك
فقال لها غضبة الله عليك، قومي، فقامت. وكان له قدح بلّور حسن يحيّه، فعثرت به فكسرته، فقال لي، أما ترى؟ أظن أمري قد قرب فقلت: بل يطيل الله بقاءك، ويكبت عدوّك. فسمعنا قائلاً يقول: " ٌُضي الأمر الذي فيه تستفيان " .
فقال أما سمعت يا إبراهيم؟ قلت: ما سمعت شيئاً، وكنت قد سمعت. وكان ذلك آخر عهدي به.
دخل رجلان على عائشة، فقالا: إن أبا هريرة يُحدّث أن النبي، عليه السلام، قال: " إنما الطيرة في المرأة والدار والدابة " . فطارت شفقاً. فقالت: كذب. والذي أنزل القرآن على أبي القاسم، عليه السلام، إنما قال: " كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار " ثم قرأت: " ما أصتب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها " .
جاء رجل إلى مُعبّر، فقال: رأيت في المنام كأني - هوذا - أقلى بعر الجمل على مقلاة. قال المُعبّر: هات قطعةً حتى أًعبّرها لك. قال: لو كانت معي قطعة كنت اشتريت باذنجان وأقليه ولا أقلى البعر.
قال بعضهم: كنت في بعض الأوقات مُصاعداً من البصرة إلى بغداد، فلما بلغت البطائح رأيت ضريراً يريد أن يصاعد، فسألته عن حاله ومعاشه، فقال: أنا أًعبّر الرؤيا. فقلت له: ويحك! فلم اخترت بغداد مع كثرة المعبّرين بها على هذا المكان الذي ليس فيه ينازعك في صناعتك؟ فقال: هؤلاء النبط بنو البظر لا يدعهم البقّ أن يناموا، وإذا لم يناموا كيف يرون الرؤيا؟ فضحكت منه.
قال بعضهم: رأيت في المنام الحجاج بن يوسف، كأني قلت له: ما فعل ربك بك؟ فقال: قتلني بكل رجل قتلته قتلةً، ثم رأيته بعد ذلك بمدة في النوم، وكأني أقول له: ما فعل بك ربك؟ فقال: أليس قد قلت مرةً يا ابن الفاعله؟ جاء رجل إلى سعيد بن المسيّب، فقال: رأيت كأن حديّاً: جاءت فوقفت على شرفة من شرفات المسجد. فقال: إن صدقت رؤياك تزوّج الحجاج في أهل هذا البيت. فتزوج الحجاج أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر.
قال بعض بني أسد: لا يخطئ الرجل عن أبيه خصلةً من ثلاث: رأسه أو صوته أو مشيه.
قال بعضهم: رأيت بعض المُجّان المتنادرين بعد موته، في النوم، فقلت له: يا فلان، ما فعل بك ربك؟ فقال: يا أحمق، تُرى صاهرني؟ فعل بي ما يفعله بكل أحد.
يروى أن رجلاً قال: حضرت الموقف مع عمر بن الخطاب فصاح به صائح يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا أمير المؤمنين، فقال رجل من خلفي: دعاه باسم ميت، مات، والله، أمير المؤمنين، فالتفت فإذا رجل من لهب، ولهب من بني نصر من الأزد. فلما وقفنا لرمي الجمار، إذا حصاة قد صكّت صلعة عمر، فقال قائل: أُشعر، والله، أمير المؤمنين، والله لا يقف هذا الموقف أبداً. فالتفت فإذا ذلك اللّهبي بعينه، فقتل عمر قبل الحول.

وزعم أبو عبيدة أن فاطمة بنت خرشب الأنمارية أُريت في المنام قائلاً يقول: أعشرة هدرة أحب إليك، أم ثلاثة كعشرة؟ فلم تقل شيئاً، فعاد لها في الليلة الثانية، فلم تقل شيئاً، ثم قصّت ذلك على زوجها زياد بن عبد الله بن ناشب العبسي، فقال: إن عاد الليلة فقولي: ثلاثة كعشرة، فولدتهم كلهم غايةً: ولدت ربيع الحُفّاظ، وعُمارة الوهّاب، وأنس الفوارس، فهي إحدى المنجبات من العرب.
يروى عن حسان المعروف بالنبطي قال: رأيت الحجاج فيما يرى النائم، فقلت: أصلح الله الأمير! ما فعل بك ربك؟ قال: أتشتمني؟ قال: يا نبطيّ، أهذا عليك! قال: فقصصت هذه الرؤيا على ابن سيرين، فقال: لقد رأيت الحجاج بالصحة.
رأى الحجاج في منامه أن عينيه قُلعتا، فطلق الهند - ين: هند - بنت المهلب، وهند بنت أسماء بن خارجة، فلم يلبث أن جاءه نعيّ أخيه من اليمن في اليوم الذي مات فيه ابنه محمد فقال: هذا - والله - تأويل رؤياي.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " رأيت كأني في دار عقبة بن رافع، فأُتيت برطب ابن طاب، فأوّلت أن العاقبة - قال: أو الرفعة - لنا، في الدنيا والآخرة، وأن ديننا قد طاب " .
قال سعيد بن المسيّب: إني رأيت موسى النبي، عليه السلام، يمشي على البحر حتى صعد إلى قصر، ثم أخذ برجلي شيطان فألقاه في البحر، وإني لا أعلم نبياً هلك على رجله من الجبابرة ما هلك على رجل موسى، عليه السلام، وأظن هذا قد هلك، يعني عبد الملك. قال: فأتى نعيه بعد أربع.
ورأى ابن سيرين في منامه كأن الجوزاء تقدمت الثريا، فجعل يُوصي، وقال: يموت الحسن، وأموت بعده، وهو أشرف مني، فمات الحسن، ومات محمد بعده بمائة يوم.
قيل للصادق، عليه السلام: كم تتأخر الرؤيا؟ فقال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن كلباً أبقع يلُغ في دمه، فكان شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين، عليه السلام، ذلك الكلب، وكان أبرص، فكان تأويل الرؤيا بعد ستين سنةً.
روى مصعب قال: قال لي رجل: شردت لنا إبل، فأتيت حلبسا الأسدي، فسألته عنها، فقال لبنيّة له: خُطي له، فخطّت ونظرت، ثم تقبّضت وقامت، ونظر إليها حلبس فضحك وقال: أتدري لم قامت؟ قلت: لا. قال: رأت أنك تتزوجها، وتجد إبلك، فاستحيت فقامت. قال: فخرجت، فأصبت إبلي، ثم تزوجتها بعد.
وروى المدائني عن شريح بن الأقعس العنبري قال: عزبت لي إبل، فأتيت رجلاً من بني أسد، فقلت: انظر. قال: فخطّط خطوطاً، فقال: تُصيب إبلك بكُناسة الكوفة. قلت: بيّن. قال: وتذهب عينك. قلت: زدني. قال: وتُزوج امرأة أشرف منك، قال: فخرجت وما شيء أبغض إليّ من أن أُصيب إبلي؛ ليكذب فيما قال. قال: فأتيت الكُناسة فأصبت إبلي، وخرجت مع ابن الأشعث فذهبت عيني. وحججت مع ابنة قيس بن الحسحاس العنبريّ فقالت لي مولاة لها في الطريق: هل لك أن تزوّج؟ قلت: وددت، قالت: فاخطبها إذا قدمت. ففعلت، فأبوا ذلك، فلم أزل حتى زوّجونيها.
قال سلم بن قتيبة: لقيني إياس بن معاوية، وأنا لا أعرفه ولا يعرفني، فقال: أنت ابن قتيبة؟ قلت: نعم، قال: عرفتك بشبه عمك عمرو بن مسلم. قلت: وأين أنا من عمّي؟ وعمّي ضخم أمعر، وأنا آدم نحيف الجسم. فقال: ليس القياس على هذا.
خرج عمرو بن عبيد الله بن معمر، ومعه مالك بن خداش الخزاعي، غازيين، فمرّا بامرأة، وعليها جماعة، وهي تخط لهم، فنظر إليها مالك. فضحك منها هزؤاً. فقالت أيها الضاحك، أما والله لا تخرج من سجستان حتى تموت، ويتزوّج هذا الرجل امرأتك، وأشارت إلى عمر. فمات سجستان، فتزوّج عمر امرأته. وهي رملة بنت عبد الله الخزاعي.
ولّى المنصور الحسن بن زيد المدينة، ثم غضب عليه فعزله، وبيعت أمواله فاشترى رجل من أهل الربذة أمةً له، فقالت: إن ابن زيد قد وقع بي فحملت. فكفّ عنها، فوضعت غلاماً، فخرج به إلى ولد الحسن، فخرجواجميعاً به. فأتوا والي مكة، فبعث إلى شيخ من القافة، فقالوا له: إن هذا الغلام له نسب يلحقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ينفيه منه. قال: فخرج الشيخ يتخطّى الناس ويقوف، فأخذ بيد الغلام وقال: هذا عمه، فصيح به فتركه، ثم أتى آخر فقال: عمّه، فصيح به فتركه، حتى عدّد ولد الحسن غير أبيه، وكان متكئاً فرفع رأسه، فقال الشيخ: الله أكبر، هذا أبو الغلام. فألحق به.

جاء رجل إلى معبّر، فقال: رأيت في المنام كأن على حر امرأتي كلبين يتهارشان. فقال: تأويله أنها طلبت دبقاً تنتفه به فلم تجده، فجزّته بمقراض. فكان الأمر كما قال.
جاء رجل إلى ابن سترين فقال: إني رأيت في منامي كأني أشد الزقاق شداً شديداً - وكان مع الرجل جراب - فقال له ابن سيرين: أنت رأيت هذا؟ قال: نعم. فقال لمن حوله: ينبغي أن يكون هذا الرجل يخنق الصبيان، وينبغي أن يكون في جرابه آلة الخنق. فوثبوا إلى الجراب، فوجدوا فيه أوتاراً وحلقاً، فسلموه إلى السلطان.
رأى عبد الله بن الزبير أنه صارع عبد الملك بن مروان، فصرعه عبد الله وغرز فيه أربعة أوتاد في يديه ورجليه، فأرسل فسأل سعيد بن المسيب. فقال: إن صدقت رؤياه غلبه عبد الملك، وخرج من صلبه أربعة كلهم يكون خليفةً.
روي عن محمد بن عمار بن ياسر قال: والله إني لبسوق من أسواق المدينة، بعدما ذهب نصف الليل، إذ سمعت صائحاً يقول:
رب خير ومير، ودينار كحافر عير ...
قال: فصاح به صائح آخر فقال: ويلك! ضلّك ضلّك. فقال:
بشرقيّ غربيّ بيت أم عمير ...
قال: فأتيت بيت أم عمير، فجلست عند جدار خرب، فوجدت عنده ديناراً مثل القرص، فبعته بتسعين درهماً، وغُبنت فيه.
خرج هشام بن عبد الملك يوماً، فلقي أعور، فتشاءم به، وأمر بضربه. فقال الأعور: إن الأعور شؤمه على نفسه، والأحوال شؤمه على الناس. وكان هشام أحول، فاستحيا وخلاّه.
وكان عمرو بن الليث أعور، وكان يتطيّر، فخرج يوماً مبكراً للصيد، فلقي رجلاً أعور، فتطيّر منه، وأمر بضربه، فقال الرجل: لم تضربني؟ فقال: لأنك أعور، وقد تشاءمت بك، وأنا خارج إلى الصيد. فقال الأعور: انظر الآن أي الأعورين أشأم على صاحبه؟ فضحك وخلاّه.
؟
الباب الثالث عشرمن قال شعراً فانتُصف منه بنثر
هجا الأخطل سويد بن منجوف، فقال:
وما جذع سوء خرّق السوس جوفه ... لما حمّلته وائل بمطيق
فقال له سويد: والله يا أبا مالك، ما تحسن تهجو ولا تمدح، أردت هجائي فمدحتني، جعلت وائلاً تحمّلني امورها، وما طمعت في بني تغلب، فضلاً عن بكر.
طعن عامر بن الطفيل ضُبيعة بن الحارث. فقال ضُبيعة:
لولا اعتراض في الأغرّ وجرأة ... لفعلت فاقرةً بجيش سعيد
فقال عامر: يعجز عن فرسه ويتوعدني!! أنشد بعضهم:
يا مسمع ابن مالك يا مسمع ...
اصنع كما كان أبوك يصنع ...
فقال قائل: إذا ينيك أمّه.
أنشد الأحوص جريراً:
يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها ... وأفضل شيء ما به العين قرت
فقال جرير: يقر بعينها أن يولج فيها مثل ذراع البكر، أفيقر ذلك بعينك؟.
لما قال مسكين الدرامي:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تُنزل القدر
قالت امرأته: صدق، لأنها ناره وقدره.
دخل عبد الله بن الحويرث على بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان، فأنشده:
إني رحلت إلى بشر لأعرفه ... إذ قيل بشر ولم أعدل به أحدا
فقال: لو قلت: ليعرفني، لأعطيتك ما سألت، ليس المدح كما قلت.
أنشد جرير قول الأخطل:
وإني لقوّام مقاوم لم يكن ... جرير ولا مولى جرير يقومها
فقال: صدق، أنا لا أقوم بين يدي قسّ لأخد القربان، ولا بين يدي سلطان لأداء الجزية.
سمع أبو الهذيل رجلاً ينشد:
يُغشون حتى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل
فقال: يوشك أن تكون هذه دار قوّاد أو خمّار.
سأل جعفر بت سليمان نُدماءه عن قول جرير:
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
فقال أعرابي من أخر المجلس: أنا أعلم ما كان يفعل: كان ينيكها. فضحكوا، وقالوا: أصبت.
أنشد رجل يحي بن خالد:
إني امرؤ في أعالي بيت مكرمة ... إذا تمزّق ثوبي أرتدي حسبي
فقال يحيى: ما أقلّ غناء هذا الرداء في كانونين.
وقف أعرابي من بني فقعس على جماعة يسألهم، وهو عريان، فأنشد:
كساني فقعس وكسا بنيه ... عطاف المجد إن له عطافا
فقال بعضهم: لو كساك خرقة تواريك كانت أصلح لك من هذا العطاف.

قصد بعض الشعراء أبا دلف، فقال له: ممن أنت؟ فقالك من بني تميم. فقال أبو دلف: من الذين يقول فيهم الشاعر:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا؟ ...
فقال: نعم، بتلك الهداية جئتك. فخجل أبو دلف، واستكتمة، وأحسن جائزته.
قال بعضهم في الصاحب رحمه الله:
وردنا لنشكر كافي الكفاة ... ونسأله الكفّ عن برّنا
فقال له بعضهم: قد كُفيت، فليس يُعطى أحداً شيئا.
ولما قال إبراهيم بن هُرمة:
لا أُمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل
قال مزبّد: صدق ابن الخبيثة؛ فإنه لا يشتري إلا شاة الأضحى التي يذبحها من ساعته.
سمع بعضهم منشداً ينشد:
وما طبخوها غير أن غلامهم ... سعى في نواحي كرمهم بشهاب
فقال: أحرقوها أحرقهم الله.
أُنشد المأمون قول العباس بن الأحنف:
هم كتموني سيرهم ثم أزمعوا ... وقالوا: اتّعدنا للرواح وبكّروا
فقال: سخروا بأبي الفضل أعزه الله.
لما قال أرطاة بن سُهيّة للربيع بن قعنب:
لقد رأيتك عرياناً ومؤتزراً ... فما علمت أأنثى أنت أم ذكر؟
قال له: لكن سهيّة قد علمت، وسهيّة أمه، فغلبه.
حضر أعرابي حلقة يونس، فأنشد قول جرير:
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا
فقال: ما أراد - والله - إلا البراغيث.
عمّى أبو الحسين الصوفي على الأستاذ أبي الفضل ابن العميد بيتاً على طريق الترجمة، وهو:
أنا إن لم أك أهوا ... ك فرأسي في حرمّي
فأخرجه، ووقّع تحته: وإن هويت؟ قال إسحاق بن إبراهيم: أنشدني ابن الأعرابي يوماً:
وأصبح من حيث التقينا عشيةً ... سوار، وخلخال ورد، ومطرف
ومنقطعات من عقود تركنها ... كجمر الغضا في بعض ما تتخطرف
قال: فقلت له: يا أبا عبد الله، لا والله، ولا في معترك الرشيد وأم جعفر يكون هذا.
قال أبو العباس: أنشدت أبا الهذيل:
وإذا توّهم أن يراها ناظر ... ترك التوّهم وجهها مكلوما
فقال ينبغي أن تناك هذه بأير من خاطر.
وأنشدت النظام:
غذا همّ النديم له بلحظ ... تمشّت في مفاصله الكلوم
فقال: ما ينبغي أن ينادم هذا إلا الأعمى.
لما قتل مسلمة بن عبد الملك يزيد بن المهلب قال ثابت قطنة يرثيه:
يا ليت أسرتك الذين تغيّبوا ... كانوا ليومك بالعراق شهودا
فقال مسلمة: وأنا - والله - وددت حتى أسقيهم بكأسه.
أنشد عبد الملك قول بعض الخوارج:
ومنا سنان الموت وابن عويمر ... ومرّة فانظر أي ذاك تعيب؟
فقال عبد الملك: كل ذاك أعيب.
لما أسلمت رملة ابنة شيبة بن ربيعة قالت هند بنت عتبة فيها:
تدين لمعشر قتلوا أباها ... أقتل أبيك جاءك باليقين؟
فقالت: نعم، قتله جاءني باليقين.
وقف أعرابي من بني فقعس على جماعة يسألهم - وعلى عنقه جراب - وعليه خرقة لا تواري عورته، وأنشد:
كساني فقعس وكسا بنيه ... عطاف المجد إن له عطافا
فقال له ابن أبي حصين: أفلا كساك خرقة تُواري بها عورتك؟ لما قال جرير:
صارت حنيفة أثلاثاً فثلثهم ... من العبيد وثلث من مواليها
قيل لرجل من بني حنيفة: من أي الأثلاث أنت؟ قال: من الثلث الملغيّ.
أنشد ابن أبي عتيق قول عمر بن أبي ربيعة:
حبذا أنت يا بغوم وأسما ... ء وليل بضمّنا وخلاء
فقال: وقمقم يسخّن فيه الماء.
أنشد عبد الملك قول بعض الخوارج:
فمنّا يزيد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب
ومنا سنان الموت وابن عويمر ... ومرّة فانظر أي ذاك تعيب
فقال عبد الملك: كل ذاك أعيب.
عُرض على بلال بن أبي بردة الجند، فمر به رجل من بني نمير معه رمح قصير، فقال له بلال: يا أخا بني نمير، ما أنت كما قال الشاعر:
لعمرك ما رماح بني نمير ... بطائشة الصدور ولا قصار
فقال أصلح الله الأمير، ماهو لي، إنما استعرته من رجل من الأشعريين.
ولما قال إسماعيل بن يسار في قصيدته التي يفتخر فيها بالفرس على العرب:
إذ نربي بناتنا وتدسّو ... ن سفاهاً بناتكم في التراب

قال له العربيّ: لأن حاجتنا للبنات غير حاجتكم. يعني أن الفرس تنكح بناتهم.
كتب علي بن الجهم إلى جارية كان يهواها:
خفي الله فيمن قد تبلت فؤاده ... وتيمته حتى كأن به سحرا
دعي البخل لا أسمع به منك إنما ... سألتك شيئاً ليس يُعري لكم ظهرا
فكتبت إليه على ظهر الرقعة: إن لم يعر لنا ظهراً فإنه يملأ لنا بطنا.
قال محمد بن الحارث: كان علوّية بعيد الخجل، صفيق الوجه، لا يكاد يخجله شيء، فاجتمعنا يوماً عند المعتصم ومعنا إبراهيم بن المهدي، فلما خرجنا قال إبراهي لعلوية: هل أحدثت شيئاً من الغناء؟ قال: صنعت:
إذا كان لي شيئان يا أم مالك ... فإن لجاري منهما ما تخيّرا
وفي واحد إن لم يكن غير واحد أراه له أهلاً وإن كنت معسرا
فقال إبراهيم: وإن كان امرأتك كانت؟ فانقطع علوية انقطاعاً قبيحاً، وخجل حتى لم ينفع نفسه ذلك اليوم.
أنشد الرشيد قول ابن عيينة:
لقد قُنّعت قحطان خزياً بخالدفهل لك فيه يخزك الله يا مضر؟
فقال: لا، بل تؤثرون به وتكرمون.
سمع محمد بن موسى المنجم قول عديّ بن الرقاع:
وعلمت حتى لست أسأل واحداً ... عن علم واحدة لكي أزدادها
فقال محمد: أني رأيته فاعرض عليه أصناف العلوم، فكلما مر به ما لا يُحسنه صفعته.
سمعت سكينة بنت الحسين - عليه السلام - قول العرجي:
يقعدن في التطواف آونةً ... ويطفت أحياناً على فتر
فنزعن عن سبع وقد جثهدت ... أحشاؤهنّ: موائل الخمر
فقالت للجارية: قولي له: ويحك! لو طاف الفيل بهذا البيت لجهدت أحشاؤه.
بصر الفرزدق بجرير محرماً فقال: والله لأفدنّ على ابن المراغة حجّه، ثم جاء مستقبلاً له فجهره بمشقص كان معه، ثم قال:
إنك لاق بالمشاعر من منىً ... فخاراً فخبّرني بمن أنت فاخر؟
فقال جرير: لبيك اللهم لبيك. ولم يجبه.
ولما قال جرير:
أعياش قد ذاق القيون مواسمي ... وأرقدت ناري فادن دونك فاصطل
قال عياش: إني إذاً لمقرور، فغلب عليه.
وقام عبد الله بن الحجاج الثعلبي إلى عبد الملك، فقال:
أدنو لترحمني، وتجبر خلّتي ... وأراك تدفعني، فأين المدفع؟
فقال عبد الملك: إلى النار.
قال إسحاق الموصلي: أنشدني ابن كُناسة لنفسه:
لقد كان فيها للأمانة موضع ... وللكف مرتاد، وللعين منظر
فقلت: ما بقي شيء. قال: فأين الموافقة؟.
قال صالح بن حسان للهيثم بن عدي: أعلمت أن النابغة كان مخنثاً؟ فقال: كيف ذاك؟ قال: لقوله:
سقط النصيف ولم تُرد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد
والله ما يحسن هذه الإشارة إلا مخنث. فسمع ذلك رجل من قيس، فقال: بل صاحبك الأعشى هو المخنث حيث يقول:
قالت هريرة لما جئت زائرها :ويلي عليك، وويلي منك يا رجل
قال يزداد بن المتطبب: أبو العتاهية أشعر الناس في قوله:
فتنقّست ثم قلت: نعم، حُب ... باً جرى في العروق عرقاً فعرقا
فقال له بعض الظرفاء: صار عندك أشعر الناس من طريق المحبة والعروق.
الباب الرابع عشر
أمثال ونوادر على لسان البهائمقالوا: عيّر ثعلب لبؤةً بأنها إنما تلد في عمرها جرواً واحداً. فقالت: نعم، إلا أنه أسد.
قالوا: يقول الأرنب: أنا أسرع عدواً من كل كلب، ولولا أني ألتفت - فأرى اللحي التي تركض أصحابها خلفي، وأسمع صياحهم، وأرى اجتهادهم، فيقع عليّ الضحك تعجباً من عقولهم، فأسترخي - لما لحقني قط كلب.
قالوا: صحب ذئب وثعلب أسداً، فاصطادوا عيراً وظبياً وأرنبا، فقال الأسد للذئب: اقسم هذا بيننا. فقال: العير لك، والظبي لي، والأرنب للثعلب. فغضب الأسد، وأخذ الذئب حتى قطع رأسه، وقال للثعلب: اقسمه أنت. فقال: العير لغدائك، والظبي لعشائك، والأرنب تتفكّه به في الليل. فقال: من علّمك هذه القسمة العادلة؟ فقال: رأس الذئب الذي بين يديك.
قالوا: وجد بعير وأرنب وثعلب جبنة، فاصطلحوا على أن تكون لأكبرهم سنّاً، فقال الأرنب: أنا ولدت قبل أن خلق الله السماوات والأرض. فقال الثعلب: صدق فإن حضرت وقت ولادته، فأخذ البعير الجبنة بفيه، ورفع رأسه وقال: من رآني يعلم أني لم أولد البارحة.

قيل للثعلب: تحمل كتاباً إلى الكلب وتأخذ مائة دينار؟ فقال: أما الكراء فوافر، ولكن الطريق مخوف.
وقع في شرك صياد ثعلبان، فقال أحدهما لصاحبه: يا أخي، أين نلتقي؟ قال: في الفرّائين بعد ثلاثة أيام.
دخل كلب مسجداً خرابا، فبال على المحراب، وفي المسجد قرد نائم، فقال للكلب: أما تخاف الله؟ تبول في المحراب! قال الكلب: ما أحسن ما صورك حتى تتعصب له!.
قالوا: إن جدياً وقف على سطح يشتم ذئباً في الأرض. فقال له الذئب: لست الذي يشتمني، ولكن مكانك يفعل ذلك.
وقالوا: إن ثعلباً تعلّق بعوسجة ليصعد حائطاً، فعقرته، فأقبل يلومها. فقالت: يا هذا، لم تفسك في التعلق بما يتعلق بكل شيء.
كان رجل من بني أسد يساير عاملاً للبند نيجين، فمرّا بدار خربة عليها بومتان تصفران، فقال العامل: ليت شعري ما يقولان؟ فقال الأسدي: إن أمّنتني أخبرتك.
قال: فأنت آمن. قال: خطب أحدهما، وهو الذكر، الأخرى، وهي الأنثى، على ابنه. فقالت: قد زوجتك على مائتي خربة. قال: ومن أين لي مائتا خربة؟ فقالت: إن بقي هذا العامل علينا إلى آخر السنة فأنا أُعطيك خمسة آلاف خربة. فغضب العامل لذلك، وقال: لولا الأمان لقتلتك.
عدا كلب خلف ظبي، فقال له الظبي: إنك لا تلحقني. قال: لم؟ قال: لأني أعدو لنفسي، وأنت تعدو لصاحبك.
قالوا: قالت الخنفساء لأمها: ما أمرّ بأحد إلا بزق عليّ. قالت: من حُسنك تُعوّذين.
قالوا: قبض كلب على أرنب، فقال الأرنب: والله ما فعلت بي هذا لقوتك، ولكن لضعفي.
وقالوا: صاد رجل قُنبرةً، فلما صارت في يده قالت: ما تريد أن تصنع بي؟ قال: أريد أن أذبحك وآكلك. قالت: فإني لا أُشفي من قرم، ولا أُشبع من جوع، وإن تركتني علّمتك ثلاث كلمات هي خير لك من أكلي، أما الأولى فأُعلّمك وأنا في يدك، وأما الثانية فأعلمك وأنا على الشجرة، والثالثة إذا صرت على الجبل. فقال: هاتي. فقالت: لا تلهفنّ على ما فاتك. فتركها وصارت على الشجرة، ثم قالت: لا تُصدقنّ بما لا يكون، ثم قالت: يا شقيّ، لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درّتين هما خير لك من كنز. فعضّ على شفتيه متلهفاً، ثم قال: علميني الثالثة. فقالت: أنت قد أُنسبت الثنتين، فكيف أعلّمك الثالثة؟ ألم أقل لك: لا تتلهفنّ على ما فاتك، ولا تُصدقنّ بما لا يكون؟ أنا وريشي ولحمي لا أكون زنة درّتين، فكيف يكون في حوصلتي ذاك؟ ثم طارت فذهبت.
كان أبو أيوب الموريانيّ وزير المنصور إذا دعاه المنصور يُصفرّ ويرعد مع مكانه منه، ومحلّه عنده - فقيل له في ذلك. فقال: - مثلي ومثلكم في هذا مثل باز وديك تناظرا، فقال البازي: ما أعرف أقل وفاء منك. قال: وكيف؟ قال: تؤخذ بيضةً، فيحضنك أهلك وتخرج على أيديهم، فيطعمونك بأكفهم، ويحسنون إليك، حتى إذا وجدت منهم غفلة طرت، وصحت وعلوت الحيطان، وفارقت الدار التي كبرت فيها إلى غيرها، وأنا أوخذ من الجبال، فأوثق، وتُحاط عينيّ، وأُطعم الشيء اليسير، وأؤنس يوماً أو يومين، ثم أُطلق على الصيد، فأطير وحدي، وآخذه لصاحبي، وأُمسكه عليه، وأعود إلى مكاني. فقال له الديك: ذهب عليك الصواب، أنت والله لو رأيت على السفافيد من البزاة اليسير من الكثير الذي أراه من الديكة، ما عدت عليهم قط - ولكن لو عرفتم من المنصور ما أعرفه لكنتم أسوأ حالاً مني عند طلبه لكم.
وقال الثعلب: إذا كان البخت مُقبلاً كان الكرم حاملاً، وحافظ الكرم نائماً، والنهر مادّا، والقمر زاهرا.
وقالوا: لو كان عنب الثعلب حُلواً ما تركته الثعالب في الصحارى.
الباب الخامس عشر
نوادر ونكت للمتكلمينحكى الصاحب - رحمه الله - أنه كان في أصحاب أبي الهذيل غلام يعرف بعبد الله الفارسي، فدعاه يوماً يحيى بن أصفح - وكان رأس المُجبرة - إلى دعوته، فأكلا، ودعاه إلى الشراب فأجابه وشرب معه، وأراد يحيى أن يُسكر الغلام ويعدّه، فسكر قبل الغلام، فقام إليه الغلام، وفعل ما أراد يحيى أن يفعله. وأخذ قطعة رقّ، وكتب عليها:
فعلة جاءت لعمري مُنكرهنيك شيخ من شيوخ المجبر
قدرة أوجبت الفعل ولم ... يكن الله ليأبى قدره
وألصقها بجبهته، فلما أفاق ورأى ذلك قال: لعن الله القدرية جئنا ننيكهم، ناكونا.

قال رجل لعمرو بن عبيد: إني لأرحمك مما يقول الناس فيك. قال: فما تسمعني أقول؟ قال: ما أسمعك تقول إلا خيراًز قال: فإياهم فارحمم.
ومرّ بجماعة عكوف فقال: ما هذا؟ قالوا: سارق يُقطع. فقال: لا إله إلا الله! سارق السر يقطعه سارق العلانية.
قال رجل لثمامة: لم كفر الكافر؟ فقال: الجواب عليه.
وقال هشام بن الحكم - وكان يقول بالجسم - لأبي الهذيل: ما الدليل على أن الباري - عز وجلّ - ليس بجسم؟ قال: لأنه لا نصف له.
قال أبو شمر: ما شككت في شيء قط. قال النظام: لكني ما شيء إلا شككت فيه. ففضّل الناس قول النظام.
ناظر بختويه الجند يسابوري عافية بن شبيب البصريّ، فقال بختويه: ما دليلك على إثبات الخالق؟ فقال: شعرة أمك التي تحلقها فتنبت، فلو لم يكن لها منبت لم تنبت. قال بختويه: فينبغي أن يكون بظر أمك حين قُطع فلم ينبت دليلاً على أنه لا منبت.
قال بعض ولاة البصرة بينا أنا في مجلسي إذ سمعت صحيحة عظيمة ظننت أنها فتنة، فإذا شيخ قد لبّب رجلاً شاباً، فلما دنيا مني قلت للشيخ: ما شأنك؟ قال: شتمني وشتم أبويّ، قال: كانا يجمعان بين الزاني والزانية. قال: فقلت للشاب: ما تقول؟ قال: صدق، وقد فعلت ذلك، وكانت خطيئةً، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه، فإن عفا وإلا فأنا بين يديك، خذ له بحقه مني. قال الشيخ: قد عفوت عنه.
فلما أراد الشيخ أن يقوم سأله الشاب أن يجلس. فقلت: ما بالك؟ قال: قد قلت في أبويه ما قلت، واستغفرت الله من ذلك، وهو يزعم أن الله يجمع بين الزاني والزانية، فليستغفر الله من ذلك. قال: فجهدنا بالشيخ أن يستغفر منه فأبى. وإذ أن الكلام قد جرى بينهما في العدل والجبر، وكان الشيخ مجبرا.
قال رجل من المجبرة: ما سرق حماري بعد الله إلا فلان. فقال له آخر: قد وقعت على أحد السارقين، فخذ في طلب الآخر.
قيل لمحمد بن واسع: ما تقول في القدر؟ فقال: إن الله تعالى إذا جمع الخلائق يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم، ولم يسألهم عما قضى عليهم.
وقال آخر: إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة سألهم عما فعلوه، ولم يسألهم عما فعل هو بهم.
قال الشغافيّ: كان عندنا نصراني خبيث يتكلم ويناظر، فكان إذا أتاه مجبر ليناظره قال: أنت تزعم أن الله خلق كُفري، وأني لا أقدر على الإسلام. فما معنى مناظرتي؟ وإذا أتاه معتز لي قال: خذ سلاحك حتى آخذ سلاحي؛ فإن الأمر بيني وبينك جد.
قال بعضهم: سمعت مجبراً يقول - وقد احتج عليه بالقرآن، واحتج هو أيضاً بالقرآن. فقيل له: أترى الذي تلونا عليك ينقضه ما تلوته علينا؟ - فقال: لا، ولكن إذا خلط ربنا علينا فلا بد من أن يخلّط عليكم.
وقال الشغافيّ: حضر أبو عبد الرحمن الحبلي عند بعض الولاة بالبصرة، وحضر رجل من المجبرة، فأتي الوالي بطرّاز أحول. فقال الوالي للمجبر: ما ترى فيه؟ قال: أرى أن تضربه عشرين درّة. فقال لأبي عبد الرحمن: ما ترى؟ قال: أرى أن تضربه أربعين: عشرين لطرّه، وعشرين لحوله. فقال: يا أبا عبد الرحمن، أأضربه على الحول؟ قال: نعم، إذا كانا جميعاً من خلق الله: الطر والحول، فما جعل الله الضرب على أحدهما أحق منه على الثاني.
قال داود الأصبهاني للموفق: أصلح الله الأمير، لقد أهلك أبو مخالد الناس. فقال له: الله أم أبو مخالد أهلكهم؟ سأل رجل أبا الهذيل، فقال: أفعال العباد مخلوقة؟ قال: لا، قال: فمن خلقها؟ قال أبو الهذيل: أنت مشجوج؟ قال: لا، قال: فمن شجك؟ قيل للنظام: أتناظر أبا الهذيل؟ قال: نعم، وأطرح له رخاء من عقلي.
سئل بعض المتكلمين عن النفس فقال: هي النفس. وسئل عن الروح فقال: هي الريح. فقال السائل: فعلى هذا كما تنفس الرجل خرجت نفسه، وكلما ضرط خرجت روحه، فانقلب المجلس ضحكاً.
قال عثمان الطويل: جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء فقال: هل تعرف في كلام العرب أن أحداً فرّط فيما لا يثدر عليه؟ قال: لا، قال: فأخبرني عن قول الله تعالى: " يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله " أفرّط فيما قدر عليه، أو فيما لا يقدر عليه؟ قال أبو عمرو لأصحابه: قد أبان لكم أبو عثمان القدر بحرفين.
سأل بعض المجبرة أبا الهذيل العلاف: من يجمع بين الزاني والزانية؟ فقال: أما عندنا بالبصرة فالقوّادون.

اجتمع محمد بن جرير الطبريّ مع أبي القاسم البلخي المتكلم عند الداعي، أو الناصر، فقال له محمد بن جرير: كم في خمس من الإبل؟ قال أبو القاسم: ليس هذا من صناعتي.
ولكني مع ذلك أقول: فيها شاة. قال: فأسألك عن صناعتك. أخبرني عن هذا العالم بأسره، أليس هو ملك الله عز وجلّ؟ قال: نعم. قال: فيملك ما لم يخلقه؟ - يريد أفعال العباد - قال أبو القاسم: فأخبرني عن هؤلاء القيام من العبيد، أليس هم ملك الناصر؟ قال: نعم. قال: فخلقهم؟ فانقطع ابن جرير وخجل. فقال له الناصر: هلاّ برئت إليه من صناعته كما برئ إليك من صناعتك ولم يزاحمك فيها؟.
كان أبو عمرو بن العلاء يقول: كان لبيد مجبراً، وكان الأعشى عدلّيا وأنشد للبيد:
من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال، ومن شاء أضلّ
وللأعشى:
استأثر الله بالوفاء وبال ... عدل، وولّى الملامة الرجلا
قال بعض المتكلمين: دخانا على فينون النصراني، وجرى ذكر ابن كلاب المتكلم، فقال: رحمه الله، عني أخذ مذهبه في تلك الرواية ولو عاش نصّرنا المسلمين.
قال رجل من أهل الكوفة لهشام بن الحكم: أترى الله جل ثناؤه في فضله وعدله وكرمه كلفنا ما لا نطيق ثم يعذبنا عليه؟ قال: قد فعل، ولكن لا نستطيع أن نتكلم.
قال أبو عثمان: كان أبو إسحاق النظام أضيق الناس صدراً بحمل سر، وكان شر ما يكون إذا يؤكد عليه صاحب السر، وكان إذا لم يؤكد عليه نسي القصة، فيسلم صاحب السر.
وقال له مرةً قاسم التمار: سبحان الله! ما في الأرض أعجب منك، أودعنّك سراً فلم تصبر عن نشره يوماً واحداً؟ والله لأشكونّك في الناس. فقال: يا هؤلاء سلوه، نممت عليه مرة ومرتين وثلاثاً وأربعا فلمن الذنب الآن؟ فلم يرض أن يُشاركه في الذنب حتى صيّر الذنب كلّه لصاحب السر.
كان واصل بن عطاء طويل العنق، فيروى عن عمرو بن عبيد أنه نظر إليه من قبل أن يكلمه فقال: لا يفلح هذا ما دامت عليه هذه العنق.
وكان واصل ألثغ، قبيح اللثغة في الراء، فحذفها من كلامه؛ لاقتداره.
ومما حُكي عنه أنه ذكر بشاراً فقال: أما لهذا الأعمى المُكتني بأبي معاذ من يقتله؟ أما والله لولا أن الغيلة خلق من أخلاق الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه، ثم لا يكون إلا سدوسيّاً أو عُقيليّاً!.
فقال: الأعمى ولم يقل: الضرير، وقال: المكتني ولم يقل: بشار، وقال: الغالية ولم يقل: المغيرية ولا المنصورية، وقال لبعثت ولم يقل: لأرسلت، وقال: على مضجعه ولم يقل: على فراشه، وذكر بني عقيل؛ لأن بشاراً كان يتوالى إليهم.
قال محمد بن الجهم للمكي صاحب النظام: أراك مستبصراً في اعتقاد الجزء الذي لا يتجزأ، فينبغي أن يكون عندك حقاً حقا. قال: أما أن يكون عندي حقاً حقا فلا، ولكنه عندي حق.
وكان محمد بن الجهم قد ولاّه موضعاً في كسكر، فكان المكي لا يُحسن أن يسمّي ذلك المكان ولا يتهجاه ولا يكتبه ولا يقرأه، وكان اسم الموضع شاتمشنا.
قال الحجاج يوماً: عليّ بعدوّ الله: معبد الجهمي - وكان في حبسه، قد حبسه في القدر - فأُتي بشيخ ضعيف فقال له: تثكذّب بقدر الله؟ قال: أيها الأمير، ما أحب لك أن تكون عجولاً. إن أهل العراق أهل بهت وبُهتان، وإني خالفتهم في أمر فشهّروا عليّ. قال: وفيم خالفتهم؟ قال: زعموا أن الله قدّر عليهم وقضى قتل عثمان، وزعمت أنا أنهم كذبوا في ذلك. قال: صدقت أنت وكذبوا. خلّوا سبيله.
الباب السادس عشر
نوادر أبي العبرقيل له: قد أمر أمير المؤمنين بردّ المظالم. قال: فقولوا له: يردّ على سورة براءة بسم الله الرحمن الرحيم.
عهد لأبي العبر

من أبي العبر الرقيع ذي الحسب الرفيع لأبي العجل الوضيع: إني ولّيتك خراج ضياع الهواء، ووكّلت بك البلاء، وفوّضت إليك مساحة سحاب الهواء، وعدّ ثمار الأشجار، وكيل ماء الأنهار، وحفظ طراز الأوقار، وإحصاء حُمام الفار، وحدقات البوم، وورق الزقّوم، وقسمة الشوم بين الهند والروم. وأجريت في ذلك لك من الأرزاق بُغض أهل الحمص لأهل العراق، وأمرتك أن تجعل ديوانك بالمغرب ومجلسك بإفريقية، وعيالك بميسان، وإصطبلك بأصبهان، ومطبخك بحرّان، وبيت مالك بسجستان. وخلعت عليك خفّي حُنين، وقميصاً من الدين، وسيفاً من حين، وسراويل من شين، وعمامةً من سُخنة عين، وحملتك على حمار مقطوع الذنب والأذنين، مكوّر الرجلين. وأمرتك أن تطوف على عملك في كل يوم مرتين. وكتب الأربعاء غداة الأحد بعد العصر لست مضت من شهر ربيع الأول سنة ثمانين إلا مائتين.
وقال له أبو العباس ثعلب: الظبي معرفة أو نكرة؟ قال: إن كان مشويّاً موضوعاً على المائدة فهو معرفة، وإن كان في الصحراء فهو نكرة.
قال أبو العبر: سألت أبا الجحش فقلت: أيها الحكيم، لم صار الديك بالغدوات يرفع إحدى رجليه دون الأخرى؟ فقال: لأنه لو رفعهما جميعاً لسقط.
قال: وقلت له: أي شيء لا يمكن أن تلحم به؟ فقال: الهاون.
دخل أبو العبر إلى مالك بن طوق، ومالك لا يعرفه، فقال: أبو من؟ قال: أبو كل بصل. قال: وما هذا من الكنى؟ قال: وما أنكرت؟ كم بين كل ثوم وبين كل بصل؟ فغضب مالك - وكانت كنيته أبو كلثوم - و قال: أظنك شارباً. قال: بل إني صاحب الكيلجة. قال: خذوا منه كفيل حتى ننظر في أمره. فقال: أنا - أصلحك الله - إنسان فقير، فخذ مني كشاة. قال مالك: ويلكم! من هذا؟ خذوه. قيل: هذا أبو العبر. فسكن وعانقه.
قال: أما قبل: فإنا وجدنا في حكمة أهل الشام أنه لا يأكل إنسان الفاكهة إلا شرىً أو صدقةً أو هديةً أو سرقة. ومن كان في البيت لم ير الناس ولم يروه إلا أن يدخلوا إليه، أو يخرج إليهم. وما أقلّ ما تجد في مائة يهودي واحداً مسلماً.
ويروى عن أبي الزنبور بأن أول من يدخل الجنة من البهائم الطنبور. قال: وكيف ذاك يرحمك الله؟ قال: لأنه في دار الدنيا يُعصر حلقه، ويُعرك أذناه، ويُضرب بطنه فيقال له يوم القيامة: خذوا برجله ألقوه في الجنة فإنه متعوب.
وحدّث لبادة عن أبي سوادة قال: أول من يدخل النار من البهائم البرادة، لأنها تشرف على حرم الجيران السادة فتُحشر مع المنجنيق والعرادة.
وقيل له، لم صارت دجلة أكبر من الفرات؟ قال: لأن القلم يكون في الدواة.
وقيل له: لم صار الجمل إذا ضُربت استه صاح رأسه؟ قال: لأن الأرزّ إذا طبخوه أكلوه بسُكر، وإذا خبزوه أكلوه بمالح.
قيل له: فلم صار كل أعرج يجمع؟ والحب لا يُشترى حتى يُصفع؟ قال: لأن المرآه ترى وجهك فيها، والسمكة لا تأكلها حتى تشويها.
قال: إذا أردت أن تعلّم ابنك السباحة حتى تموت أنت وجيرانك من العطش، فخذ رطل داذي، وأوقيتين حبك، وثلاثة أرباع نهر كرخايا، وثلّثه بتسع ساعات من ليلة الميلاد، فيجيك خف واسع.
وإذا أردت أن تعلّم ابنك رمي النشاب فلا تعرف القوس من الطباطب في سيته، فخذ رطل نورة، وشمعة مربعة، وما أدري ما أقول، وقد - والله - تعلّمت، فإن أردتها حامضةً فاصرح فيها شيا من مصل.
رقية الزنبورإذا رأيته فاهرب منه، فإن لسعك فقد لسعك، وإن لم يلسعك فخذه وسل حُمته وطيّره. حيلة مجربة.
خطبة نكاحالحمد لله المفرّق بين الأحبة، ومعيدهم إلى التربة، خالق الموت. ومبدّد الشمل، ومبعّد الآمال من الأهل والأولاد، ومدني الآجال، إلى من كثرت عنده الأموال. أحمده وأستعينه، وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً، صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، وأشهد أن كل شيء - لا محالة - زائل، وما شاء كان من قضائه، وقد جعل الله لكل شيء سبباً، وجعل سبب الطلاق غضباً، وقد قال عز وجلّ: " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلّقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ " . وقال: " يا أيها النبي إذا طلّقتم النساء فطلّقوهنّ لعدتهنّ " . فعليكم بالاقتداء بمن كان قبلكم من الحمقى فقد سنّوا للحرّة حولا، وللأمة شهراً، فطلقوهن من بعد سنة وأخرجوهن من بيوتكم، فقد قال الأول:
اذهبي قد قضيت منك مرادي ... فمتى شئت أن تبيني فبيني

واستبدلوا بهنّ في كل حول مرتين؛ فإن ذلك أذهب للمال، وأسخن للعين. واحذروا كيدهنّ ومكرهنّ وخلافهنّ وعقوقهنّ، وعاملوهنّ بالسب، وتعاهدوهن بالضرب، إن الله تعالى يقول: " واهجروهن بالمضاجع واضربوهنّ " وهذا فلان بن فلان.
قال أبو العبر: كنا نختلف - ونحن أحداث - إلى رجل يعلّمنا الهزل فكان يقول: أول ما تريدون قلب الأشياء. فكنا نقول إذا أصبح: كيف أمسيت؟ وإذا أمسى: كيف أصبحت؟ وإذا قال لأحدنا: تعال إليّ تأخر إلى خلف، وإذا قال اذهب سعى بين يديه. وكانت له أرزاق يعمل كتابتها في كل سنة، فعملها مرة - وأنا معه - فلما فرغ من التوقيع فيها، وبقي الختم قال لي: أتربها وهاتها. قال: فمضيت وصببت عليها ماءً، فبطلت، فلما رآها قال لي: ويلك! ما صنعت؟ قلت: ما نحن فيه طول النهار من عكس الأشياء. فقال: والله لا صحبتني، أنت أجهل مني وأحمق.
الباب السابع عشر
نوادر أبي العنبسكان يقول: أنا أقطع المجبر بمسألة واحدة، أرفع يدي بحذاء قفاه وأقول له: هل أقدر على صفعك؟ فإن قال: بلى، فقد رجع عن مذهبه، وإن قال: لا، أعلمته اني قادر على ذلك.
قال أبو العنبس: رأيت رجلاً يعرج، فقلت له: مالك؟ قال: غداً يريد أن يدخل في رجلي شوك.
وقال: أنا وأخي توأمان، وخرجت أنا وهو من الصيمرة في يوم واحد وساعة واحدة، ودخلت أنا وهو سر من رأى في وقت واحد، فولي هو القضاء وصرت أنا صفعانا، فمتى يصح أمر النجوم؟.
قال أبو العنبس: سمعت حمدويه بنت الخراساني في ليلة كسوف وهي تبكي، وتتضرّع وتقول: يا رب، عذّبني بكل شيء ولا تعذبني بالنار، اضربني بالفالج، ارمني بقاصمة الظهر، كل شيء ولا النار، أصرخ - والله - وأصيح إن احترقت ثيابي أبقى مجردة!!. قال: وكانت مثل ياسمينة نقيّة أو فضة مصفّاة إلا أنها كانت بلهاء.
قال أبو العنبس: سألت أبا الفضل بن الراشدية الحنبلي المتصوف، فقلت: يا أبا الفضل، صف لي المؤمنين. فقال: قوم أحرزوا براهينهم في الهرر، واستعملوا قبل ذلك الحذر، وعلموا ان الأمور بقضاء وقدر. قلت: رحمك الله، فصف لي أهل التوكل. قال: نعم، قوم تركوا سعة الطريق، وسلكوا سبل المضيق، واستعملوا الحركة بالشهيق، فخرجت براهينهم ولها بهيق. قلت: رحمك الله. فما علامة حب الآخرة؟ قال: أن ترى أعينهم ساهرة، وقلوبهم طائرة، حتى يضعوا البراهين في المواضع الغائرة. قلت: رحمك الله، فما علامة صدق المودة؟ قال: تراهم إذا انكشفت حقائق الظهور، وبلغت البراهين الصدور، واشتد الاضطراب المقدور، ظهر الكيد المستور، فإنه خرج من التنور. قلت: رحمك الله، فما علامة الرفق؟ قال: اللطف لإخراج الكيد من الحقيقة، إذا كانت الطبيعة رقيقة. قلت: فما علامة المؤيدين؟ قال: إذا كان أول ليلة من رجب، رأيتهم قد جثوا على الركب، فوضعوا البراهين في الثقب، بلا كد ولا تعب. قلت: فما علامة التقى؟ قال: أن ترى أعينهم نائمة، وقلوبهم هائمة، وبراهينهم قائمة. قلت: فصف لي أهل الإخلاص؟ قال: نعم، اعلم أن لله عباداً عاينوا الحقائق بمكنون الإضمار، فصارت الكمرات منهم كالمنار، وطلبوا الطريق إلى الاعتبار، فالتفت الساق بالساق، وتبدت الأفخاذ بالزاق، فيا حسنهم في الشهيق والحنين، والزفير والأنين، حتى إذا صبّوا ماء الصفاء، على حافات أنهار الوفاء، وانتزعوا الأعور الغريق، على رأسه شيء أحمر رقيق، فذاك علامة التوفيق. قلت: فعلامة الأمانة؟ قال: قوم أخرجوا الكيد من السيدانة، وهو أحمر مثل الرمانة. قلت: فعلامة الخيانة؟ قال: إذا وضع أحدهم الدرهم في الشدق والمرديّ في البثق، ثم انتزعه برفق، رأيت على رأسه مثل الدبق. قلت: كيف الطريق إلى المصر؟ قال: أن تأخذ الشوذر بالقهر، فتضع البيرم في الحفر، وتُظهر الاضطراب عند المتر، تنجو بذلك من أهوال يوم الحشر. قلت: فعلامة ضعف اليقين؟ قال: أن تخرج البراهين من الورا، وهي مخضوبة بالخرا. قلت: فعلامة الصابرين؟ قال: قوم أخذوا براهين العارفين بأيمانهم، وأودعوها في مكنون حقائقهم، فجالت في الظلمات، بفنون الحركات. فلما دنا تدفق ماء المحبة، في عيون رياض المودة، ظهر الكيد المستور، وهو أحمر مسرور. قلت: فعلامة أهل الحزن؟ قال: إذا رأيتهم في أوقات السحر، قد أُولجت البراهين في الهرر، وتحركت الجوارح بقدر، ثم ظهر ما استتر، شممت من القوم رائحة القذر.

قال أبو العنبس: سمعت رجلاً طويل اللحية يقول لآخر: ليس شعري من كان القاضي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له الآخر: كان هو، عليه السلام، القاضي بين المسلمين، والناظر في أمورهم. فقال الألحى: اسكت يا أحمق، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتقى خلق الله، وأعقل من أن يدخل في عمل السلطان.
قال أبو العنبس: كنت إذا لقيت حجاجاً الكاتب أقول له: حيّا الله وجهاً أراك به. فقيل له: إن أبا العنبس يطنز بك يقول إذا لقيك: حيّا الله وجهاً أراك به، وإنما يريد وجه نفسه. فقال: أنا له العاضّ حر أمّه. قال: فلما لقيني بعد ذلك قلت له: - وأنا لا أعلم أنه قد فطن - حيّا الله وجهاً أراك به. فقال لي: ولكن لا حيّا الله وجهاً أراك به. فقلت: ولا بيّاه.
الباب الثامن عشر
نوادر لأصحاب الخطب والأذان والصلاةجاز شيخ بباب مسجد، والمؤذن يقيم الصلاة، فدخل يستغنم الجماعة، فلما نظر المؤذن إلى شيهته ووقاره سأله أن يتقدم ويصلي بهم، فامتنع، وتقدم المؤذن فصلى بهم، فلما فرغ أقبل على الشيخ وقال: ما منعك أن تصلي بنا وتكتسب أجراً مع محلّك من السن؟ فقال: أنا - وحقّك - إذا كنت على غير طهر لا أؤم بالناس.
قيل لأعرابي: ما قرأ إمامكم البارحة؟ فقال: أوقع بين موسى وهارون شراً وشمرّاً.
قرأ إمام في صلاته " ومن يكن الشيطان له قريناً فساء.. " وركع.
وقرأ آخر: " قل إن كان للرحمن ولد فأنا... " وركع.
كان بعض المغفلين يؤذن في مسجد، فكان إذا فرغ من أذانه يقول: لا إله إلا الله، سبحانك، هذا بهتان عظيم.
استأجر أهل ضيعة مؤذناً بعشرة دراهم كل شهر، فاستزادهم فقالوا: لا نزيدك، ولكن نسامحك حيّ على الفلاح.
كان ابن مكرم يسجد سجدتيّ السهو قبل الصلاة، فقيل له في ذلك، فقال: إذا لم أشك في أني أسهو فلم لا أقدّم سجدتي السهو؟ رأى أبو حنيفة رجلاً يصلي ولا يركع، فقال: يا هذا، لا صلاة لك بغير ركوع. فقال: إني رجل عظيم البطن، فإذا ركعت ضرطت، فأيما خير: صلاة بلا ركوع، أو ركوع بضراط.
قال بعضهم: رأيت مؤذناً قد أذن ثم عدا، فقلت له: إلى أين؟ فقال: أحب أن أسمع أذاني من بعيد.
وفعل آخر مثل ذلك، فسئل عنه فقال: أردت أن أنظر إلى أين يبلغ أذاني؟.
قال: ورأيت مؤذناً يؤذن من رقعة من في يده، فسقطت الرقعة واحتملها الريح، فجعل يعدو ويقول: خذوا أذاني، خذوا أذاني.
قال: ورأيت آخر يؤذن من رقعة، فقلت له: لم لا تحفظه؟ فقال: لا أدري، ولكن سل القاضي. فجئت إليه وهو في المسجد، فدخلت وسلّمت عليه. فعدا إلى بيته وأخرج دفتراً وتصفّحه ثم قال: وعليك السلام. فعذرت المؤذن لما رأيت سخنة عين القاضي.
بينا إمام يصلي بقوم التراويح في شهر رمضان، وهو يقرأ سورة يوسف، إذ عرضت له في بطنه ريح، وقد كان بلغ قوله تعالى: " قالت امرأة العزيز " وقدّر أنه قد غلط فركع، وأفلتت منه ضرطة عظيمة، فقال واحد من خلفه: " الآن حصحص الحق " .
وأحدث إمام في الصلاة، فتأخر وقدم رجلاً، وذهب يجدد الوضوء، فقدّر الإمام الثاني أنه لا يجوز أن يصلّي له، فوقف ينتظر صاحبه، فلما طال قيامه تنحنحوا من خلفه، فالتفت إليهم وقال: مالكم؟ إنما قدمني رجل فأنا أحفظ مكانه إلى أن يرجع ويعمل ما يرى.
وقيل ليونس النحوي - وكان لهم إمام يقنت ويطيل - : يا أبا عبد الرحمن، لو قلت لإمامنا: يُخفف من قنوته؟ فقال: قد سألته فلم يفعل. قالوا: فهل عندك من الدعاء ما تدعو به في طول قيامه؟ قال: لا، ولكني إذا فرغت من دعائي لم أزل أدعو عليه حتى يركع.
قرأ إمام في الصلاة سورة القارعة، فلما بلغ قوله تعالى: " وأما من خفّت موازينه. فأمه هاوية " قال: فأمه زانية. فقطع القوم صلاتهم، وأنكروا ذلك. فقال: يا قوم، تمنعوني من شتم الكفار؟! قال بشر المريسي لأبي العتاهية: لا تصلّ خلف إمام مسجدكم فإنه مُشبّه. قال كلا، إنه قرأ بنا البارحة في الصلاة " قل هو الله أحد " .
صعد عديّ بن أرطاة المنبر، فلما رأى جمع الناس حصر فقال: الحمد لله الذي يُطعم هؤلاء ويسقيهم.
خطب مصعب بن حيان خطبة نكاح، فحصر فقال: لقّنوا موتاكم قول: لا إله إلا الله. قالت أم الجارية: عجل الله موتك، ألهذا دعوناك؟.

ولما حصر عبد الله بن عامر على منبر البصرة، فشقّ ذلك عليه، قال له زياد: أيها الأمير، إنك إن أقمت عامة من ترى أصابه أكثر مما أصابك، فقيل لرجل من الوجوه: قم فاصعد المنبر وتكلّم، فلما صعد حصر وقال: الحمد لله الذي يرزق هؤلاء، وبقي ساكتاً، فأنزلوه، وصعد آخر، فلما استوى قائماً وقابل بوجهه وجوه الناس وقعت عينه على صلعة رجل، فقال: اللهم العن هذه الصلعة.
وقيل لوازع اليشكري: قم فاصعد وتكلّم، فلما رأى جمع الناس قال: لولا أن امرأتي حملتني على إتيان الجمعة اليوم ما جمّعت، وأنا أشهدكم أنها طالق ثلاثا. ولذلك قال الشاعر:
وما ضرّني ألا أقوم بخطبة ... وما رغبتي في ذا الذي قال وازع؟
خطب وال قلم تسمع خطبته، فسئل من كان قريباً منه: ما قال الأمير؟ قال: سار أهل عمله بشيء لم أفهمه.
حكى الصاحب عن الطبراني قال: كان لأبي خليفة الفضل بن حباب ابن رقيع يركب مع أمراء البصرة، يضرب الصوالجة، ويدّعي الفروسية ويحتل مكان أبيه، إلى أن ورد عليهم أمير غريب، فركب معه على عادته، وتبرّم الأمير به، فتقدم إلى حاجبه بتنفيره. فتقدم الحاجب إلى أصحاب الغواشي فداروا عليه دورةً، وأخذت الغواشي قفاه فهرب وعاد إلى منزله، وسبق الخبر إلى أبيه. وكان يصلّي الابن بأبيه وأصحابه، فلما حان وقت الصلاة وابتدأ بالركعة الأولى، فقرأ فاتحة الكتاب، ثم ابتدأ فقرأ " هل أتاك حديث الغاشية " ؟ وتذكر القصة فأُرتج عليه، فأعاد ذلك ثلاث مرات، فصاح أبوه من خلفه: نعم، قد أتاني حديث الغاشية، ما تتخلف. مرّ في صلاتك.
اختصم بعض التجار في جارية، فجعلوها على يدي المؤذن وسألوه أن تبيت عنده إلى غد، فلما أصبح المؤذن قال: ذهبت الأمانة من الناس. فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: ذكروا أنها بكر، وقد جرّبتها فوجدتها ثيّباً.
صعد وكيع بن أبي سود المنبر بخراسان، فقال في خطبته: إن الله تعالى يقول في كتابه:
ليس شيء على المنون بباق ... غير وجه المسبّح الخلاق
فقال له رجل: أصلح الله الأمير، هذا شعر قاله عديّ بن زبد. قال: أحسن - والله - عدي وأجمل، ثم قال: فتى حروب لا فتى منابر.
وولي آخر اليمامة، فلما صعد المنبر أُرتج عليه، فقال: حيّا الله هذه الوجوه السارّة، وجعلني فداءها، قد أمرت طائفي بالليل لا يرى أحداً إلا أتاني به ولو كنت أنا، ثم نزل.
نظر رجل إلى آخر يُصلّي، فقال الآخر: ما أحسن صلاته! فقطع الرجل الصلاة وقال: وأنا مع هذا صائم.
كان بعضهم إذا فرغ من صلاته وضع خدّه على الأرض وقال:
المستغيث بعمرو عند كربته ... كالمستغيث من الرمضاء بالنار
وهو يقدّر أنه يستجير بالله من النار.
قال بعضهم: دخلت الشام فرأيت جماعةً يتنقّصون أمير المؤمنين علياً - عليه السلام - ومنهم من يشتمه، فأنكرت ذلك، وجزعت له، ولجأت إلى مسجد كان مني بالقرب، فشكوت ذلك إلى المؤذن، فقال: ما أنكرت؟ قد كان ها هنا منذ أيام رجل يتنقّص أبا محمد الحجاج بن يوسف!.
وقال: رأيت بالشام حانوتاً تحت مسجد، يُباع فيه الخمر.
كان سعيد بن حميد يهوى غلاماً؛ فزاره يوماً وأقام عنده، فلما كان وقت المغرب أراد أن ينصرف، فقال له: حين سررنا بك أردت أن تُكدّره؟ لا أقلّ من أن تقيم إلى العشاء؟ فحلف الغلام أنه إذا سمع أذان العتمة لم يقعد. فقال سعيد: رضيت، ثم عمد إلى الدواة فكتب إلى مؤذن المحلّة:
قل لداعي الفراق: أخّر قليلا ... قد قضينا حق الصلاة طويلا
ليس في ساعة تؤخّرها وز ... ر تجازى به، وتأتي جميلا
وتُراعى حق الفتوة فينا ... وتُعافى من أن تكون ثقيلا
فلما قرأ الرقعة لم يؤذن تلك الليلة، ومر القوم في سرورهم، والفتى يترقب الأذان إلى أن سمع صوت الحارس، فقال له: إذا شئت؟ قال أخاف نكير الحارس. قال: يا غلام، افرش له، فبات عنده.

قال المتوكل لعبادة: رُفع إليّ أنك ضربت إمام مسجد، وإن لم تأت بعذر أدّبتك. قال: يا أمير المؤمنين، كنت قد خرجت في بعض الأيام لحاجة لي غلسا، فمررت بمسجد قد أُذّن فيه لصلاة الفجر، فقلت: أقضي هذه العبادة، ثم أتوجه لحاجتي، فدخلت، فاقام المؤذن، ودخلنا في الصلاة، فابتدأ الإمام فقرأ الفاتحة، وافتتح سورة البقرة، فقلت: لعله يريد أن يقرأ آيات من هذه السورة فانتهى إلى آخرها في الركعة الأولى، ثم قام إلى الثانية، فلم أشك في أنه يقرأ مع الفاتحة سورة الإخلاص. فافتتح سورة آل عمران حتى أتمها، ثم أقبل بوجهه على الناس، وقد كادت الشمس تطلع. فقال: أعيدوا صلاتكم - رحمكم الله - فإني لم أكن على طهارة، فقمت إليه وصفعته. فضحك المتوكل من ذلك.
خطب عتّاب بن ورقاء، فقال: هذا كما قال الله تعالى: إنما يتفاضل الناس بأعمالهم، وكلّ ما هو آت قريب. قالوا له: إن هذا ليس من كتاب الله. قال: ما ظننت إلا أنه من كتاب الله.
قرأ إمام سورة ق في صلاة الفجر، وخلفه أعرابي له حاجة فلما بلغ الإمام قوله تعالى: " هل من محيص " ؟ قال الأعرابي: لا والله أو أخرى في ثيابي.
صعد بعض الولاة المنبر ليخطب في يوم الجمعة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم حصر، فلم يدر ما يقول، ثم قال: معاشر المسلمين، تدرون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: لا، قال: فإذا لم تدروا فلماذا أتعب نفسي؟ ونزل. فلما كان في يوم الجمعة الثانية اجتمع الناس وقالوا: نقول له: نعم، إن قال لنا ما قال في الجمعة الأولى. فصعد المنبر وقال: معاشر الناس، تدرون ما أقول لكم؟ قالوا: نعم. قال: فإذا كنتم تدرون فلماذا أرذي نفسي؟ ونزل. فلما كانت في الجمعة الثالثة قال مثل قوله. فقال بعض الناس: لا. وقال بعضهم: نعم. قال فليقل من يعلم لمن لا يعلم، ونزل.
صلّى الرشيد ليلةً فقرأ " ومالي لا أعبد الذي فطرني " ؟ وأُرتج عليه، فكرّر مراراً، وابن أبي مريم يصلي خلفه، فصاح: لا أدري والله! فضحك الرشيد حتى قطع صلاته.
الباب التاسع عشر
نوادر أصحاب المهن والصناعات الخسيسةحج رجل من أهل العراق، فتقدم إلى مزيّن وقال له: احلق رأسي حلقاً جيدا، واستقبل الشعر بالموسى، وأقبل يصف له كيف يعمل. فقال له: حسبك! هوذا، أحلق رأسك حلقاً لا يراه أحد إلا اشتهى أن يصفعك.

حدّث بعضهم قال: نكب بعض ندماء الخليفة نكبةً اضطر معها إلى الاستتار، فاستتر وطال شعره، فقال للرجل الذي كان مستتراً عنده: قد كان لي غلام سنديّ مزين أعتقته ولا أعرف خبره منذ حين، واذهب إلى موضع كذا واطلبه، واجلس إليه، ثم اذكرني له؛ فإن رأيته يتوجع لي فعرفّه مكاني، وخذ به معك، وإن رأيته يذمني أو يشكوني فدعه ولا تذكرني له. فذهب الرجل حتى لقيه وجاراه في خبر مولاه. فقال: يا سيدي، ومن أين تعرفه؟ فإني - والله - تالف شوقاً إليه، واغتماماً له، أحسن الله صحبته حيث كان. فقال الرجل: هو عندي، وقد استدعاك، فنهض السندي وقبّل يد الرجل، وصار معه إليه، فلما دخل إليه أظهر سروراً به، وقبّل الأرض بين يديه، وأخذ شعره وحجمه، فأعطاه دينارا. فلما خرج لقي ابناً له، فقال له: ويحك! أليس وجّه إليّ فلان مولاي وهو مستتر في دار فلان في الموضع الفلاني، فصرت إليه وخدمته وحجمته النقرة وأعطاني ديناراً؟ فقال له ابنه ذلك: حجمته النقرة بلا أخدعين؟ قتلته! وليس هذا حقّه علينا، وما عرّج على شيء حتى قصد الدار التي وصفها له أبوه، ودقّ الباب، وقال: أنا فلان ابن خادمك المزيّن، ففتحوا له، وقبّل يديه ورجليه، واظهر من الاغتمام بأمره، مثل ما أظهره أبوه، ثم قال: عرّفني غلامك أبي أنه حجمك النقرة وحدها، وهذا وقت حار، وقد ثار الدم. والوجه أن تُحجم الأخدعين. فقال لم يكن بي إلى هذا حاجة، والآن وقد أشرت به، فاستخر الله، فحجمه الأخدعين، وأعطاه ديناراً وأخرجه. فلقي أخاً له، فقال ذلك: كان من الأمر كذا وكذا، فمر مبادراً، وقال مثل قوله، وفعل مثل فعله حتى حجمه على الساقين، وأخذ ديناراً وخرج. فلقي صهراً له فأخبره بالقصة، فبادر مسرعاً حتى صار إلى باب الدار ودخل، وفعل مثل فعلهما، وقال: لا بد مع حجامة الساقين والأخدعين من قطع الجهارك. فقال الرجل: نعم، لا أدري أيش ذنبي إليكم يا بني القحاب، اجلس. فأجلسه وقام وجلس في سمارية، وانحدر إلى دار الخليفة، فلما رآه الحجاب يستأذن تعجبواودخلوا فاستأذن له فلما دخل انكب بين يدي الخليفة فقبّل الأرض، ثم قال: يا سيدي، يا أمير المؤمنين، اسمع قصتي وحالي، وقص عليه خبر الحجامين وما لقي منهم، وقال: هؤلاء أولاد القحاب هوذا، يأخذون دمي بالمحاجم، خذه أنت بالسيف دفعةً واحدةً، وارحمني مما أنا فيه. فضحك، ورجع له، ورده إلى منزله.
جاء حائك إلى الأعمش فقال: ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟ قال: لا بأس بها على غير وضوء. قال: فما تقول في شهادته؟ قال: تقبل شهادته مع شاهدين عدلين. فقال الحائك: فهذا ولا شيء واحد.
تنبّى حائك بالكوفة، فقالوا: ما رأينا نبيّاً حائكاً. فقال: وهل رأيتم نبيّاً صيرفيّاً؟.
وقيل لحائك: لو كنت خليفةً أي شيء كنت تشتهي؟ قال: تمر وكسب. قيل لابنه: ولو كنت ابن خليفة ما كنت تشتهي؟ فقال: وهل ترك هذا من اللذات شيئاً حتى أشتهيه؟ ارتفع رجل كان في الأصل حائكاً حتى ولي ولايةً، فقال له يوماً مغنّ له - وقد كان قرُب العيد - : هب لي أيها الأمير عمامةً أتعمم بها يوم العيد. فقال له: هات الغزل حتى أرد عليك العمامة قبل العيد بثلاثة أيام.
روي عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: " واتّبعك الأرذلون " . قال: الحاكة.
وروي عنه أنه قال: عقل سبعين امرأةً عقل رجل واحد، وعقل سبعين حائكاً عقل امرأة واحدة.
وقال ميمون بن مهران: السلام على الحائك يوهن العقل الركين.
وقال فيهم: إنهم سرقوا نعل النبي - عليه السلام - وعمامة يحيى بن زكريا، وجراب الخضر، وعصا موسى، وغزل سارةً، وشاة دانيال، وقصعة هود، وفأس عمر، وسمكة عائشة من التنور.
واستدلتهم مريم فدلّوها على غير الطريق، فدعت عليهم أن الله يجعلهم سخرية الناس، وألا يبارك في كسبهم.
جاء رجل به وجع الضرس إلى قلاّع ليقلعه، فقال: أريد درهماً فقال له: أحسن. فقال: أقلع ضرساً آخر - إن أردت - ولا أنقص من الدرهم شيئاً.
استدعى بعضهم قلاّعاً ليقلع ضرساً له، وكان الرجل أبخر، فلما فتح فاه قام القلاع وقال: ليس هذا من عملي، هذا من عمل الكناسين.

دعا حجام جماعةً من الكناسين يكسحون له بئراً، فقال أحدهم لصاحبه: اسقني ماء. فقال الآخر: تدري عند من نعمل نحن!؟ قال: لا، قال: إنا نعمل عند حجّام. قال: إنا لله، الحمد لله حيث علمنا به قبل أن نشرب في كيزانهم، أردت، والله، أن أرمي بكل ما في جوفي.
قال: وسمعت واحداً يقول للآخر: إن كنت كناس بن كناس فقل لي: كم رجل لابنة وردان.
قال بعضهم: نظرت إلى كناسين في داري، وهم يتغدّون، فلما رأوني من بعد صاح أحدهم: إن كنت تريد أن تأكل معنا فاغسل يدك أولاً؟.
جاءت امرأة إلى صفّار بمرجل مثقوب ليصلحه، فسدّ الثقب بقليل طين، وسوّده، وردّه عليها. فلما صبّت فيه الماء ابتل الطين، وسال الماء، فجاءت إليه وقالت له: ويلك! ألست قلت: قد أصلحت المرجل؟ وها هو بعد مثقوب كما كان. قال: لعلك صببت فيه ماء؟ قالت: نعم، لأيش نريده إلا لماء؟ قال: ظننت أنك تجعلين فيه نوىً أو نخالة أو صوفا، فأما ما يصبّ فيه الماء فأنا لا أحسن أن أصلحه.
نظر ملاّح إلى رجل قد وثب على ظهر فرسه فقال: لا إله إلا الله! ما أحسن ما استوى على كوثله!! قيل لملاح: كم بيننا وبين العصر؟ قال: مُرديّ شمس.
قيل للمجّدر القرّاد: كيف أصبحت؟ فقال: كيف يصبح من يرجو خير هذا؟ وأشار إلى قرده.
قال الأصمعي: مررت بكنّاس في بعض الطرق، وهو ينقل على ظهره وينشد:
وأُكرم نفسي إنني إن أهنتهاوحقك لم تُكرم على أحد بعدي
فقلت: عن أي شيء أكرمتها وهذه الجرة على رقبتك؟ فقال: من الوقوف بباب مثلك.
قال الواقدي: رأيت بقّالاً بالمدينة، وقد أشعل بين يديه سراجاً بالنهار، فقلت له: ما هذا؟ قال: أرى الناس يبيعون ويشترون حولي، ولا يدنو مني أحد، فقلت: عسى لا يروني، فأسرجت لهم حتى يروني.
وقف رجل على صاحب له، وهو ينادي: هذا عسل، هذا سكر، هذا قند. فتقدم إليه رجل وقال: عندي عليل يشتهي بطيخة حامضة، فقال له: خذ ولا تلتفت إلى قولي فإنه خلّ.
قال بعضهم: رأيت ثلاثةً من الهراسين على بقعة واحدة، وهم يتكايدون في مدح هرائسهم، فرأيت واحداً وقد أخرج من هريسته قطعةً على المغرفة وأشالها وهو يقول: انزلي ولك الأمان. فقال الثاني: يا قوم، أدركوني، الحقوني، أنا أجذبها وهي تجذبني والغلبة لها. فقال الثالث: أنا لا أدري ما يقولون. من أكل من هريستي أسرج ببوله شهراً.
خاصم حجّام مرة حذّاءً فقال للحذاء: أنت تمشّط وتسرّج وأنا أمشّط وأسرّج، وأنت تحذف وأنا أحذف وأنت تشقّ الجلد بشفرة وأنا أشقه بمشراط، فأي فضل لك عليّ؟.
تخاصم رجلان، وكان أحدهما ندّافاً. فقال الآخر: والله لو وضعت إحدى رجليك على حراء والأخرى على ثبير، ثم اخذت قوس قزح وندفت الغيم على جباب الملائكة، ما كنت إلا ندّافاً.
قدّمت امرأة رزام الطحّان إلى صاحب الشرطة؛ فادّعت عليه شيئاً، فجحدها، وقال: أصلح الله الأمير، إن كانت صادقة فحريت سيفاً بالعرض.
قال بعضهم: مررت بجماعة من الكنّاسين قد وقفوا على بئر لينقّوه فقالوا لأحدهم: انزل، فتجرّد، فنزل وهو يقول:
لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا ... وأخو الحرب من أطاق النزولا
قال بعضهم: وردت القرما - وهي على أربعة فراسخ من الرملة - مع رُفقاء لي، فإذا بصائح يصيح بالغداة: الهريسة الهريسة. فأنفذنا من يشتريها، فرجع وقال: الهرّاس يقول: اثردوا، فثردنا، وعاد إليه. قال: ففتح بُزالا من قدر، فإذا بماء صاف قد انحدر منها، فبعد حين خرجت حبّات حنطة، فضرب بيده على منكبي وقال: بختك مقبل، فإنها اليوم ثخينة.
جاء رجل إلى صديق له من أهل السوق، فشكا إليه إضاقةً، وسأله أن يُقرضه دراهم. فقال نعم، وكرامةً، يا غلام، هات الكيس والميزان والمرآة، ووزن له ما التمسه، فأخذه الرجل وأثنى عليه، وقام ليقبّل رأسه فقال: يا أخي، لا أحب أن تُقبّل رأسي، ولكن لي إليك حاجة. قال: وما هي؟ قال: انظر في هذه المرآة، كيف تُبصر وجهك من الفرح ناضراً مُشرقاً؟ فأُحبّ أن يكون وجهك إذا سألتك ردّ ما قبضت مثلما هو الساعة.

أحب الرشيد أن ينظر إلى أبي شعيب القلاّل كيف يعمل القلال، فأدخلوه القصر وأتوه بجمع ما يحتاج إليه من آلة العمل، فبينا هو يعمل إذ هو بالرشيد قائماً فوق رأسه، فلما رآه نهض قائماً. فقال له الرشيد: دونك ما دُعيت له، فإني لم آت بك لتقوم لي، وإنما أتيت بك لتعمل بين يدي. قال: وأنا لم آتك ليسوء أدبي، وإنما أتيتك لأزداد بك في كثرة صوابي. قال له الرشيد: بلغني أنك إنما تعوّضت بي حين كسدت صنعتك.
فقال أبو شعيب: يا سيد الناس، ما كساد عملي في جلال وجهك؟ فضحك الرشيد حتى غطى وجهه. ثم قال: ما رأيت - والله - أنطق منه أولاً، ولا أعيا آخراً. ينبغي أن يكونر هذا أعقل الناس أو أجن الناس.
هاج بأبي علقمة الدم، فأتوه بحجام يحجمه، فقال له: أنق غسل المحاجم، واشدد قصب الملازم، وأرهف ظبات المشارط، وأسرع الوضع، وعجل النزع، وليكن شرطك وخزاً، ومصك نهزا، ولا تكرهن أبيا، ولا تردن أتيا. فوضع الحجام محاجمه في جونته وقال: اسقوا هذا شربة، فإنه إلى الدواء أحوج منه إلى الحجامة.
قال بعضهم: رأيت بمكة زنجياً قد خرج من كنيف يكنسه، وعل عنقه حرة، وفي رجله لبنة، وهو يقول:
جنباني ديار هند وسعدى ... لم أكن راضياً بدار هوان
قال: فقلت: ويحك! وأي هوان أعظم مما أنت فيه؟ فقال: تنح عني، ولا تقذرني.
قال بعضهم: رأيت سماكاً بين يديه حرى منتن، وهو يقول: من يشتري الشنة حزافا؟.
قال أبو هفان: سمعت في بعض أصحاب السماد بالبصرة من يقول: اشتريت في ضيعتنا هذه سماداً بألف وستمائة دينار ما كان في جميعه جعس تأخذه العين.
قال: دعا حجام كناسين.
كانوا يسمون الحائك أخضر العين والأكار أخضر النواجذ.
استحضر عبيد الله بن سليمان الوزير حجاماً غريباً وقال: قد تبرمت بحجامي لكثرة فضوله، فأحضروه شيخاً، فلما أخذ آلته قال عبيد الله: " أعط القوس باريها " فقال: أيها الوزير، ما أول هذا البيت؟ فقال عبيد الله: الله أكبر! هربنا من فضولي ووقعنا فيما هو شر منه، هات أنت، ما أوله؟ فقال الحجام: أنشدنا الرياشي بمكة:
يا باري القوس برياً ليس يحسنه ... أفسدت قوسك أعط القوس باريها
قيل للحجام: قبيس، لأن المسان التي لهم تحمل من جبل أبي قبيس: كان بالبصرة رئيس للكناسين يقال له: أبو إبراهيم، فقال له محمد بن سليمان يوماً: احمل مائة سفينة إلى النخل وخذ ثمنها مع المائة التي كنت حملتها فقال: تلك المائة كنت جعلتها طمعةً للأمير.
قال الأصمعي: شر الناس الدلالون، لأن أول من دلّ إبليس، حيث قال لآدم: " هل أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى " .
وقال غيره: نعم المعين على البيع والابتياع وعلى الألفة والاجتماع الدلالون.
استأجر رجل حمالاً ليحمل قفصاً فيه قوارير على أن يعلّمه ثلاث خصل ينتفع بها، فلما بلغ ثلث الطريق قال: هات الخصلة الأولى؟ فقال: من قال لك إن الجوع خير من الشبع فلا تصدقه، فقال: نعم، فلّما بلغ نصف الطريق قال: هات الثانية؟ فقال: من قال لك: المشي خير من الركوب فلا تصدقّه. قال: نعم، فلما انتهى إلى باب الدار قال: هات الثالثة؟ قال: من قال لك: إنه يوجد حمّال أرخص منك فلا تصدقه. فرمى الحمال بالقفص وقال: من قال لك: بقي في القفص قارورة صحيحة فلا تصدقه.
الباب العشرون
نوادر ابن أبي عتيقدخل على عائشة - وكانت عمّته - في مرضها الذي ماتت فيه، فقال: كيف أصبحت؟ جعلني الله فداك، قالت: أجدني ذاهبة. قال: فلا إذن.
كانت له جارية، ولها صديق، فكان يجيء كل عشية فيصيح من الباب: اقدحوا لنا ناراً، فتخرج إليه الجارية. فخرجت الجارية مرة إلى البستان، وجاء الرجل على العادة فقال: اقدحوا لنا نارا. فصاح ابن أبي عتيق: يا هذا، قدّاحنا في هذه الليلة في البستان.
قال: بينا هو مرّة على سطحه، وجارية له تعشّيه، إذ مطرت عليه حجارة من فوق السطح، فأشرف فإذا فتىً يرمي بها ويؤذن الجارية بمجيئه. فقال له: عافاك الله. الساعة تعشّيني وتنزل إليك.

وقالت له جاريته يوماً: إن فلاناً القارئ - وكان يُظهر التنسك - قد قطع عليّ الطريق وآذاني ويقول لي: أنا أحبك. فقال لها: فقولي له: وأنا أيضاً أحبك ثم واعديه المنزل، ففعلت، وأدخلته المنزل، وكان قد واعد جماعة من أصحابه؛ ليضحكوا من الرجل. ودخلت الجارية إلى البيت الذي فيه الرجل، فدعاها، فاعتلت عليه، فوثب إليها، فاحتمالها، وضرب بها الأرض. فدخل عليه ابن أبي عتيق وأصحابه، وقد تورّكها، فخجل وقام، وقال: يا فساق، ما تجمّعكم هنا إلا لريبة. فقال ابن أبي عتيق وأصحابه: استر علينا، ستر الله عليك.
تغدّى يوماً عند عبد الله بن جعفر، في عدّة من قريش، وإذا الكريم رثّ الثياب، فقال ابن أبي عتيق: أصلحك الله، ما تُطعمنا إلا في كفارة يمين.
وقع بين حيّين من قريش منازعة، فخرجت عائشة على بغلة، فلقيها ابن أبي عتيق فقال: إلى أين؟ جُعلت فداك. فقالت: أُصلح بين هذين الحيين. قال: والله ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل، فكيف إذا قيل يوم البغل!؟ فانصرفت.
ولما بلغه قول نُصيب:
وُلدت ولم أُخلق من الطير إن بدا ... سنا بارق نحو الحجاز أطير
قال: قل: غاق غاق وطر، أي أنك غراب، لأنه كان أسود.
ولقي ابن أبي عتيق عبد الله بن عمر فقال له: ما تقول في إنسان هجاني، فقال لي:
أذهبت مالك غير مُترك ... في كل مومسة وفي الخمر
ذهب الإله بما تعيش به ... وبقيت وحدك غير ذي وفر؟
فقال: أرى أن تأخذ بالفضل وتصفح. فقال له ابن أبي عتيق: أنا، والله أرى غير ذلك. قال: وما هو؟ قال: أرى أن أنيكه. فقال عبد الله: سبحان الله!! ما تترك الهزل؟ وافترقا، ثم لقيه ابن أبي عتيق بعدما ظن أن ابن عمر قد نسي ذلك، فقال له: أتدري ما فعلت بذلك الإنسان؟ قال: أي إنسان؟ قال الذي أعلمتك أنه هجاني. قال: ما فعلت به؟ قال: كل مملوك لي فهو حر إن لم أكن قد نكته، فأعظم ذلك ابن عمر، واضطرب. فقال له ابن أبي عتيق: امرأتي - والله - هي التي قالت الشعر وهجتني. قال: وامرأته أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله.
كان ابن أبي عتيق يتعشّى، ومعه رجل من الأنصار، فوقع حجر في الدار، ووقع آخر، وثالث. فقال لجاريته: اخرجي فانظري أذنّوا للمغرب؟ فخرجت وجاءت بعد ساعة وقالت: قد أذنّوا وصلّوا. فقال له الرجل الذي كان عنده: أليس قد صلينا قبل أن ندخل؟ قال: بلى، ولكن لو لم أرسلها تسأل عن ذلك لرُجمنا إلى الغداة، أفهمت؟ قال: نعم قد فهمت.
ولما سمع قول عمر بن أبي ربيعة:
من رسولي إلى الثريا فإني ... ضقت ذرعاً بهجرها والكتاب
ركب بغلته من المدينة يريد مكة، فلما بلغ قيل له: أحرم. قال: إن ذا الحاجة لا يحرم. وجاء حتى دخل على الثريا، فقال: ابن عمّك يقول:
ضقت ذرعاً بهجرك والكتاب ...
ثم ركب بغلته وعاد.
وقال مروان بن الحكم يوماً إني مشغوف ببغلة للحسن بن عليّ - عليهما السلام - فقال له ابن أبي عتيق: إن دفعتها إليك أتقضي لي ثلاثين حاجة؟ ومروان يومئذ أمير بالمدينة. قال: نعم، قال: إذا اجتمع الناس عندك العشية فإني آخذ في مآثر قريش، وأمسك عن ذكر الحسن، فلُمني على ذلك، فلما أخذ القوم مجالسهم أفاض في أوليّة قريش. فقال له مروان: ألا تذكر أوليّة أبي محمد، وله في هذا ما ليس لأحد؟ قال: إنما كنا في ذكر الأشراف، ولو كنا في ذكر الأنبياء لقدّمنا لأبي محمد ماله. فلما خرج ليركب تبعه ابن أبي عتيق، فقال له الحسن - عليه السلام، وتبسّم - ألك حاجة؟ فقال ذكرت البغلة، فنزل الحسن ودفعها إليه.

ولما ولي عثمان بن حيان المُرّيّ المدينة اجتمع إليه الأشراف من قريش والأنصار، فقالوا: إنك لا تعمل عملاً أجدى ولا أولى من تحريم الغناء والزنا. ففعل، وأجلّهم ثلاثاً، فقدم ابن أبي عتيق في الليلة الثالثة، فحطّ رحاله بباب سلاّمة الزرقاء، وقال لها: بدأت بك قبل أن أصير إلى منزلي. فقال: أو ما تدري ما حدث؟ وأخبرته الخبر. فقال: أقيمي إلى السحر حتى ألقاه. قالت: إني أخاف ألاّ نغني. قال: إنه لا بأس عليك. ثم مضى إلى عثمان بن حيّان، فاستأذن عليه وأعلمه أن أجدّ ما أقدمه حب التسليم عليه، ثم قال: إن أفضل ما عملت تحريم الغناء. فقال: إن أهلك أشاروا عليّ بذلك. فقال: إنك قد وُقّفت، ولكني رسول امرأة إليك، تقول: قد كانت هذه صناعتي، فتبت إلى الله منها، وأنا أسألك أيها الأمير أن لا تحول بينها وبين مجاورة قبر النبي عليه السلام. فقال عثمان: إذا أدعها لك. قال: إذن لا يدعك الناس. ولكن تدعو بها فتنظر إليها، فإن كانت ممن يُترك تركتها. قال: فادع بها. فأمرها ابن أبي عتيق فتقشّفت وأخذت بيدها سبحةً، وصارت إليه، فحدثته عن مآثر آبائه، ففكه لها، فقال لها ابن أبي عتيق: اقرئي للأمير، فقرأت، فأُعجب بذلك. فقال لها: احدى للأمير. فحّركه حُداؤها. فقال له ابن أبي عتيق: فكيف لو سمعتها في صناعتها؟ فقال: قل لها فلتقل، فأمرها فغنت:
سددن خصاص الخيم لما دخلنه ... بكل لبان واضح وجبين
فنزل عثمان عن سريره حتى جلس بين يديها، وقال: لا والله، ما مثلك يخرج عن المدينة. فقال ابن أبي عتيق: يقول الناس: أذن لسلامة في المقام، ومنع غيرها. قال عثمان: قد اذنت لهم جميعا.
وقيل لابن أبي عتيق لما خُصي المخنثون: إن الدلال قد خُصي. فقال: إنا لله، أما والله لئن فُعل ذلك به لقد كان يحسن:
لمن ربع بذات الجي ... ش أمسى دارساً خلقا
ثم استقبل القبلة يُصلّي، فلما كبّر سلّم ثم التفت إلى أصحابه وقال: اللهم كان يُحسن خفيفه، فأما ثقيله فلا، الله أكبر.
وجاء إليه رجل: فقال: جئتك خاطباً موّدتك. قال: فهلاّ سفاحاً فهو ألذ؟ وجلس يوماً مع أبي بكر حزم في مجلس القضاء - وأبو بكر يومئذ على المدينة وعلى قضائها - فخاصمت إليه امرأة متنقبة، لها عين حسنة حوراء، فأقبل أبو بكر على ابن أبي عتيق فقال: ما تقول في أمر هذه المرأة؟ فقال: لها عين مظلومة، إلى أن طالت الخصومة وأزلفتها، فكشفت وجهها، فإذا أنف ضخم قبيح، فقال ابن أبي عتيق: لها أنف ظالمة.
وجلس يوماً يتغدّى، ومعه أولاده، فجعلوا يتناولون اللحم من بين يديه. فقال: يا بني، إن الله أوصى بالوالدين، فقال: " فلا تقل لهما أفّ " والله لأن تقولوا لي: أفّ ثلاثين مرةً أيسر عليّ من أخذكم اللحم من بين يديّ.
وكان يخاصم القاسم بن محمد في صدقة أبي بكر ليليها معه، فوكّل القاسم عبد الرحمن ابنه بخصومته، وكانت دار يزيد بن عبد الملك تُبنى بالمدينة بالّلعابين الدفوف، والزمر، والصنج. فتقدّم ابن أبي عتيق يوماً من ذاك إلى القاضي، وهو في رحبة القضاء، فجعل عبد الرحمن يُخاصمه ويحتج عليه، وابن أبي عتيق نفسه وعينه في ذلك اللعب، فعلاه عبد الرحمن يومئذ. فقيل لابن أبي عتيق: ما كانت قصّتك؟ ما قُمت اليوم له، ولا قعدت، ولا احتججت عليه؟ فقال: " ألوى بحُجّتي الزامر " .
وكان يوماً مع عروة بن الزبير، وهم يجمع، إذ ترنم ابن أبي عتيق بقول الشاعر:
ألم ترها لا يبعد الله دارهاإذا ما مشت في مشيها كيف تصنع؟
فقال عروة: سبحان الله!! أفي هذا الموضع وعلى هذه الحال؟ فقال: أما والله لو سمعته من جارية حسنة الوجه والخلق ما أدركت ذكائك! ومرّ بصبيان يلعبون، فقال: يا أصحابي، ما ذقنا عيشاً منذ فارقناكم.
اشتاق عبد الله بن عروة إلى حديث ابن أبي عتيق، فبعث إليه يسأله أن يجيئه. فقال للرسول: قل له: موعدك الحوض. فقال عبد الله بن عروة: هذا موعد مغمّس، ارجع إليه فقل له: أيّ حوض؟ فقال: حوض القيامة. فرجع الرسول وأخبره. فضجر عبد الله وقال: قل له: يا سفيه، أتعدني حوضاً لا ترده؟
الباب الحادي والعشرون
نوادر اللصوص ومن سرق له شيءسرق لرجل دراهم. فقيل له: هي في ميزانك. قال: مع الميزان سرقت.

وسرق خرج آخر وفيه ثيابه وأسبابه، فقيل له: وجب أن تقرأ عليه سورة يس، وتعوّذه بها. فقال: كان جامع القرآن كله في الخرج.
أُخذ طرّار كان قطع طرفاً من مركب لنصر بن هارون النصراني وزير عضد الدولة. فقيل له: تجسر على هذا في مثل هذه الأيام، ومع سيّد الملك وهيبة وزيره؟ فقال: إن الله تعالى هو أجلّ من الملك، وأمره أعلى من أمره، ولست أترك ما أنزل الله في القرآن لرجل كافر نصراني، ولا خوفاً من الملك، فقالوا: وما الذي أنزل الله في القرآن بما يرخص ذلك؟ قال: قوله تعالى: " ليقطع طرفاً من الذين كفروا " .
لقي اللصوص رجلاً، فلما أرادوا نزع ثيابه قال لهم: لا تأخذوا ثيابي؛ فإني أبعث إليكم بثمنها. فقال كبيرهم: سبحان الله!! ما أقبح قطع طريق بنسيئة.
كان بعض اللصوص لا يسرق إلا الحمير، فقيل له في ذلك. فقال: قد روي أنه إذا كان يوم القيامة أحيا الله الناس والبهائم كلها فأنا أسرق الحمير حتى إذا جاءني أربابها يوم القيامة وطالبوني بها قلت: هوذا حمارك خذه وانصرف.
أخذ قوم لصّاً ومعه كارة من ثياب قد سرقها، فجهدوا به أن يخلّي عنها فلم يفعل، وجعل يقول: أنا تائب على أيديكم. قالوا: فدع الثياب. فقال: يا غُفلاً، فبأي شيء أستعين على التوبة؟ دخل لص على رجل ليس في بيته إلا قطعة باريّة، وهو نائم عليها، فلم يزل اللص يطوف في البيت، ويطلب شيئاً، وصاحب البيت ينظر إليه، فلما طال عليه ضحك وقال: كوّر - فديتك - كوّر!! وسمع اللص ضحكه، فقال: نعم، اضحك يا حسن المروّة اضحك.!! ودخل اللصوص على آخر ليس في بيته شيء، وجعلوا يطلبون ويفتشون، فانتبه الرجل، ورآهم، فقال: يا فتيان، هذا الذي تطلبونه بالليل، قد طلبناه في النهار فلم نجده.
قدم رجل من سفر، فحكى أن لصين خرجا عليهم فقطعا الطريق، فقيل له: وكم كنتم؟ قال: كنّا ستين رجلاً، قال: فوُبّخ، فقال: اسكتوا، إذا أحاط بنا واحد، وسلبنا الآخر، كيف كنا نصنع؟.
سرق مصحف لمالك بن دينار، فكان إذا وعظ بعد ذلك فبكوا يقول بصوت شج: كلنا نبكي، فالمصحف من سرقه؟ سُرق لرجل عنز، فقال: ما أخذها إلا من أمه زانية، فلما يئس منها قال: اللهم أنت أعطيت وأنت أخذت.
سرق لص ثياب رجل، فقال الرجل: هذا يوم مشوم، فقال اللص: ليس على كل أحد.
دخل لص دار قوم، فلم يجد فيها شيئاً إلا دواة فكتب على الحائط: عزّ عليّ فقركم وغناي.
سُرق لبعضهم دنانير، واتّهم بذلك ابناً له، فجعل الناس يدخلون إليه، ويسألونه، فقال له بعضهم: الخلف عند الله وهو يرده. فقال الرجل: بل الدنانير عند الخلف وليس يردّها.
دخل لص على رجل، فلم يجد عنده شيئاً، وجعل يطوف، وصاحب البيت يضحك، ويقول: كوّر - فديتك - كوّر. فقال اللص: اضحك يا حسن المروّة اضحك.
سُرق لبعضهم بغل، فقال بعض إخوانه: الذنب لك لإهمالك أمرك، فقال الآخر: الذنب لغلامك لقلة تفقده لمنزلك، وقال الآخر: الذنب لسائسك حين غاب عن إصطبلك. فقال صاحب البغل: فاللص إذا أبرؤنا من الذنب! سرق رجل حماراً، ودفعه إلى آخر ليبيعه، فسُرق منه، فعاد إلى الأول فقال له: بعت الحمار؟ قال: نعم. قال بكم. قال: برأس المال.
دخل على بعضهم اللصوص، فأخذوا كل شيء كان في منزله، فلما مضوا أخذ صاحب المنزل الباريّة ومضى في أثرهم. فقالوا له: ما تصنع معنا؟ قال: نطلب بيتاً نتحوّل إليه بالكلّية.

================ج11.==============ج11.-------


كتاب : نثر الدر

المؤلف : الآبي

كان بالريّ شيخ من العلوية مستهتر بالشراب، لا يفيق منه ساعة واحدة، وكان ضعيف الحال جداً، لا يملك على وجه الأرض شيئاً، وكان يحتال في كل سنة، ويتخذ شيئاً من الشراب يدخره لنفسه، ويضطرب من بعد في طلب قوته، وكان في حجرة بكراء. واتفق أنه دخل عليه لص، فطاف الحجرة، فلم يجد شيئاً، ودخل البيت فوجد فيه حُبّين مملوئين شراباً، وقصعةً كان يشرب فيها صاحب المنزل من الحُبّ، فاغتنم ذلك، وشرب من ذلك الشراب حتى سكر ونام، وانتبه العلويّ من نومه، فرأى الرجل طريحاً من السكر فأخذ منديله وباعه في السوق، واشترى به طعاماً وأكله، وترك للص فضلةً، وشرب حتى سكر ونام، وأفاق اللص فوجد الطعام فقال: هذا رجل فتىً قد زلّ لي من طعامه زلّةً، فأكل وشرب ونام. وأفاق العلويّ في اليوم الثاني، ففعل بجمشك اللص مثل ما فعله بمنديله، ثم بعد ذلك بمئزر كان معه، عساه أراد أن يكوّر فيه، ولم يزل ذلك دأبه في كل يوم ودأب اللص إلى أن انتبه اللص ذات يوم، وهو عريان ليس عليه ما يواري عورته، فصاح بالعلويّ وقال: أين ثيابي؟ فقام وقال: خُذ الحساب: المنديل أكلته اليوم الأول، والقميص أكلته اليوم الثاني، وجعل يعدّد عليه. فصبر اللص إلى أن أظلم الليل، فخرج عرياناً.
ذُكر أن سليمان بن عبد الملك كتب إلى أبي بحر بن نافنّة: أن ابن لي قصراً بالجرف أنزله إذا قدمت المدينة. فبنى له قصرأ ضيقاً، ودأب في عمله الليل والنهار فرقاً من قدوم سليمان، وعمل فيه أيام الجُمع، وراح إلى الصلاة متخفيّاً، وقد خلت الطريق فلقيه أبو علي الأسود - وكان يقطع الطريق - فقال: يا أبا بحر، ضع ثوبيك. قال: يا أبا علي، رقيقي أحرار لوجه الله إن كنت أخذتهما إلا بخمسة دنانير، وهم أحرار إن لم أردّهما إليك أو خمسة دنانير. قال: فأنغض أبو عليّ رأسه، وقال: يا أبا بحر، أرأيت أحداً قطع قط بنسيئة؟ ضع ثوبيك. فوضعهما ورجع عرياناً. وقد يعقب ذلك سليمان بن عبد الملك، فنظر إلى القصر وإلى ضيقه فقال: عليك لعنة الله، لقد سرّني ما صنع بك أبو علي، يا عاضّ كذا من أمه.
بات رجل في منزله، وليس له فيه شيء، فطرقه لص في الليل وأحسّ الرجل به، فقال: يا غلام، ودعاه ببعض أسماء العبيد، تعال وغمزّني. فقال اللص: الرجل سكران، وهوذا يحسبني بعض غلمانه وإذا غمّزته ساعةً غلبه النوم، وقمت فكوّرت جميع ما في البيت، فجعل يغمّزه، ومد الرجل يده إلى اللص فجذبه إلى نفسه، وناكه، واللص ساكت لا يجسر أن يتكلم، ولا يشك أن الرجل قد غلط، وكلما أراد أن يقوم وقدّر أن الرجل قد نام عاوده وناكه مرةً أخرى، حتى فعل ذلك مراراً، ومضى الليل، وخاف اللص أن يفضحه الصبح فقام ليتسلق الحائط ويهرب. فصاح به الرجل: متى نشطت للعود فعد. فصاح اللص: أما أنا فأجد موضعاً أسرق منه شيئاً ولكن الشأن فيك حين لا تجد نيكاً إلا إذا أتاك لص.
الباب الثاني والعشرون
نوادر الحمقى والمغفلينكان للمهدي ابن يقال له: يعقوب يُحمّق، وكان إذا خطر بباله الشيء فيشتهيه دعا بدفتر فيه ثبت ما في خزانته فيكتبه هناك. فضجّ خازنه وقال: يا سيدي، تُئبت عليّ ما ليس في الخزانة؟ فكان بعد ذلك يُثبت الشيء ثم يُثبت تحته: ليس عنده ذلك، وإنما أثبتّه ليكون ذكره عنده إلى أن نملكه.
ووُصف ذلك للمأمون فكذّب به حتى أحضر دفتراً له فيه ثبت ثياب بخطه، وفيه: ومن الثياب المثّقلة الإسكندرانية لا شيء، أستغفر الله، بل عندنا زر من جبة كان للمهدي رحمه الله، ومن الفصوص الياقوت الأحمر البهرمان الصافية لا شيء، أستغفر الله، بل عندنا درج كان فيه للمهدي خاتم هذه صفته، وأشياء تشبه هذا. فلما قرأ المأمون استفرغ ضحكاً، وقال: ما ظننت أن مثل هذا يُخلق ولا سمعت بمثله فيما مضى.
ويعقوب هذا هو الذي كان يتبخر بمثلثة، وفسا والمجمر تحته، فقال: ليست هذه المثلثة بطيّبة، فقالت دايته: كانت طيبةً وهي مثلّثة فلما ربّعتها أنت فسدت.
قال إسحاق الموصلي: تذاكر قوم من نزار واليمن أصنام الجاهلية فقال رجل من الأزد عندي - والله - الحجر الذي كان قومنا يعبدونه. قالوا: وما ترجو به؟ قال: لا أدري ما يكون! وقال إسحاق: سمعت كيسان يسأل خلفاً يقول له: يا أبا محرز، علقمة بن عبدة جاهلي أو من بني ضبة؟ فقال: يا مجنون، صحّح المسألة حتى يصحّ الجواب.

حضر القطيعي مع قوم جنازة رجل، فنظر إلى أخيه فقال: أهذا هو الميت؟ من أخوه؟ نظر ابن عتّاب إلى وجهه في المرآة، فقهقه، فقيل له: ما يُضحكك؟ قال: كيف لا أضحك من وجه لو كان على غيري لضحكت حتى أخرى؟ قال عدنان التاجر، وكان من وجوه بغداد، لبعض الفقهاء: إني قد عزمت - لما أصبت به من موت ولدي - على قتل نفسي، فهل تخاف عليّ من السلطان شيئاً؟ قال الجاحظ: كان لنا جار مغفل جداً، وكان طويل اللحية، فقالت له امرأته يوماً: من حُمقك طالت لحيتك، فقال: من عيّر عُيّر.
ووُلد له ولد، فقيل له: ما تُسميه؟ فقال: عمر بن عبد العزيز.
وهنئوه به فقال: هو من الله ومنكم.
أكل بعضهم مع أمه بزماورد، فيه رأس، فقال: يا أمي، كلي فإنه للجماع.
قال المأمون لمحمد بن عبد الله الطوسي: ما حال غلّتنا بالأهواز، وما أتاك من خبر سعرها؟ فقال: أما متاع أمير المؤمنين فقائم على سوقه، وأما متاع أم جعفر فمُسترخى. فقال: اغرب لعنك الله.
قيل لجامع الصيدلاني: لا تكثر من أكل الملح؛ فإنه يضر بالبصر، قال لا أزيد على أن أمصه وأرمي بثُفله.
كان شذرة بن الزبرقان بن بدر من الحمقى، فدخل يوم الجمعة المسجد الجامع فقام وأخذ بعضادتي الباب، ثم قال: السلام عليكم، أألج؟ فقالوا: هذا يوم لا يستأذن فيه. فقال: أيلج مثلي على جماعة مثل هؤلاء وهو لا يعرف مكانه؟! كان إسماعيل بن علّية يُصلّي الليل أجمع، وإلى جانبه جارة له تضرب بالطنبور، فلما أصبح قال لوكيله: جارتنا هذه أراها فقيرةً، الليل أجمع كانت تندف، فأعطاها مائة درهم.
عاد رجل مريضاً، وقد كان مات لأهل المريض رجل فلم يُعلموه بموته فقال: يهون عليكم إذا مات هذا ألاّ تعلموني به أيضاً؟.
قال أبو خيثمة اشتريت لعمّار بن محمد فرواً. فقال: أرى شعره قصيراً تراه ينبت؟ قال قبيصة - ورأى جراداً يطير - ، لا يهولنّكم ما ترون، فإن عامتها موتى.
وتغدّى أبو السرايا عند سليمان بن عبد الملك، وهو يومئذ ولي عهد، وقُدّامه جدي. فقال: كل من كليته، فإنها تزيد في الدماغ. فقال: لو كان هذا هكذا كان رأس الأمير رأس البغل.
وكتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلب: إنك - والله - ما أنت بصاحب هذا الأمر، صاحب هذا الأمر مغمور موتور، وأنت مشهور غير موتور. فقال له رجل من الأزد يقال له عثمان بن المفضل: قدّم ابنك مخلداً حتى يُقتل فتصير موتوراً.
ولقي رجل رجلاً، ومعه كلبان، فقال له: هب لي أحدهما. قال: أيّهما تريده؟ قال: الأسود. قال: الأسود أحب إليّ من الأبيض. قال: فهب لي الأبيض. قال: الأبيض أحب إليّ من كليهما.
قال الجاحظ: وقع بين جار لنا وجار له يُكنى أبا عيسى كلام، فقال: اللهم خذ مني لأبي عيسى. قالوا: تدعو الله على نفسك؟ قال: فخذ لأبي عيسى مني.
شرد بعير لهبّنقة القيسي، قال: من جاء به فله بعيران. فقيل له: أتجعل في بعير بعيرين؟ قال: إنكم لا تعرفون فرحة الوجدان، وكنيته أبو نافع، واسمه يزيد بن ثروان.
ولما خلع قتيبة بن مسلم سليمان بن عبد الملك بخراسان وقام خطيباً قال: يا أهل خراسان، أتدرون من وليكم؟ يزيد بن ثروان، كناية عن هبنقة القيسي قال: وذلك أن هبنقة كان يُحسن من إبله إلى السمّان ويدع المهازيل ويقول: إنما أُكرم ما أكرم الله، وأُهين من أهان الله، وكذلك كان سليمان، كان يعطي الأغنياء، ولا يعطي الفقراء ويقول: أُصلح ما أصلح الله، وأفسد ما أفسد الله.
دخل كردم على بلال فدعاه إلى الغداء فقال: قد أكلت. قال: وما أكلت؟ قال: قليل أرزّ فأكترت منه.
ودخل عكابة دار بلال فرأى ثوراً مجللاً فقال: ما أفرهه من بغل لولا أن حوافره مشقوقة!.
قال الهيثم: خطب قبيصة، وهو خليفة أبيه على خراسان، فأتاه كتابه فقال: هذا كتاب الأمير، وهو - والله - أهل أن أطيعه، وهو أبي، وهو أكبر مني.
واستعمل معاوية رجلاً من كلب، فذكر يوماً المجوس وعنده الناس فقال: لعن الله المجوس ينكحون أمهاتهم، والله لو أُعطيت مائة ألف درهم ما نكحت أمي. فبلغ ذلك معاوية فقال: قاتله الله، أترونه لو زادوه على مائة ألف فعل؟! وعزله.
وكان معاوية بن مروان محمّقاً، وهو الذي قال لأبي امرأته: ملأتنا بنتك البارحة بالدم. قال: إنها من نسوة يخبأن ذلك لأزواجهن.

وكان عبد الملك بن هلال الهُنائي عنده زبيل حصاً، فكان يُسبّح بواحدة واحدة، فإذا مل شيئاً طرح ثنتين ثنتين، ثم ثلاثاً ثلاثاً، فإذا مل قبض قبضتين وقال: سبحان الله بعدد هذا، وإذا ضجر أخذ بعرى الزبيل وقلبه وقال: الحمد لله وسبحان الله بعدد هذا وإذا بكر لحاجة لحظ الزبيل وقال: سبحان الله عدد ما فيه.
قال أبو شجاع الحمصي لحجّام رآه يختن غلاماً له به عناية: ارفق به - فديتك - فإنه لم يختن قط.
ولد رجل طويل اللحية ابن، فجاء بمنجّم يعمل له مولداً، فقال له: أحب أن تجعل عطارد في طالعه، فإنه بلغني أنه يُعطي الكتبة.
قيل للبكراوي: أبا مرأتك حبل؟ قال: شيء يسير ليس بشيء.
وحكى يوماً عن الفرس شيئاً فقال: ونادى كسرى: الصلاة جامعه.
قال أبو عثمان: إن عمرو بن هدّاب لما ذهب بصره ودخل عليه الناس يُعزّونه دخل عليه إبراهيم بن جامع، وكان كالجمل المحجوم وله صوت جهير فقال له: يا أبا أسيد، لا يسوءنك ذهابهما؛ فإنك لو رأيت ثوابهما في ميزانك تمنّيت أن الله قطع يديك ورجليك ودق ظهرك وأدمى ضلعك.
كان فزارة على مظالم البصرة - وكان مغفّلاً - فسمع يوماً صياحاً، فقال: ما هذا الصياح؟ قالوا: قوم تكلموا في القرآن. فقال: اللهم أرحنا من القرآن.
واجتاز به صاحب دراج فقال له فزارة: كيف تبيع هذا الدراج؟ قال: واحداً بدرهم. قال: لا، أحسن إلينا. قال: كذا بعت. قال: نأخذ منك اثنين بثلاثة دراهم. قال: خذ. قال: يا غلام، أعطه ثمن اثنين فإنه سهل البيع.
نظر عامر بن كُريز إلى ابنه عبد الله يخطب على منبر البصرة وأعجبه قال: فأشار إلى أيره وقال للناس: أميركم خرج من هذا.
كان عبد الرحمن بن أبي حاتم شيخ أصحاب الحديث بالرّي. وكان ذا سلامة، ذُكر عنده محمد بن الحسن الفقيع فقيل: مات بالرّي. فقال: دخل إلى الري دخلتين لا أدري في أيهما مات.
وذُكر أنه دخل إلى الحمّام وقد بُخّر بالكندر، وظن الدخان غباراً فقال للقيّم: قد قلت لكم غير مرة: إذا دخلت أنا الحمّام فلا تغبّروا.
كتب بعضهم على خاتمه أنا فلان بن فلان. رحم الله من قال آمين.
قيل لبعضهم: حمارك قد سُرق قال: الحمد لله الذي لم أكن فوقه.
نظر بعضهم إلى السماء فقال: يا ربّ، ما أحسن سماءك! زادك الله مزيد كل خير.
قال الجاحظ: قلت يوماً لعبدوس بن محمد - وقد سألته عن سنّه - ، لقد عجّل عليك الشيب. فقال: وكيف لا يعجل علي؟ وأنا محتاج إلى من لو نفذ فيه حكمي لسرّحته مع النعاج، والقطّه مع الدجاج، وجعلته قيم السراج، ووقاية يد الحلاج. هذا أبو ساسان أحمد بن العباس العجلي، له ألف ألف درهم في كل سنة فعطس فقلت له يرحمك الله فقال لي: يعرفكم الله.
قال الجاحظ: قلت لأبي الجسيم: إن رأيت أن ترضى عن فلان فافعل - قال: لا، والله، حتى يبلغني أنه قد قبّل رجلي.
وكان عبدون بن مخلد أخو صاعد إذا قبض يده عن الطعام يقول: الحمد لله الذي لا يُحلف بأعظم منه.
كان أزهر الحمار أحد قواد عمرو بن الليث بين يدي عمرو يوماً يأكل البطيخ. فقال له عمرو: كيف طعمه يا أزهر؟ قال: يا أيها الأمير، أكلت الخراقط؟.
وكان أزهر هذا - قبل بلوغ عمرو بن الليث وأخيه ما بلغا مكاناً بسجستان، كان - أكرى عشرةً من الحمر إلى بعض المواضع، فلما رجع ركب أحدها وعدّ الحمير ولم يعد الذي تحته فكانت تسعةً فاضطرب وقال: كانت حميري عشرة، ثم نزل فعدّها فكانت عشرة، وركب وعدّها فكانت تسعة، ولم يزل هذا دأبه إلى أن قال: أمشي أنا وأربح حماراً، فنزل ومشى على رجليه فسُمّي الحمار لذلك.
قال ابن قريعة: دخل بعض هؤلاء الحمقى الخلاء وأراد أن يحلّ سراويله، فغلط وحلّ إزاره، وخرى في السراويل.
مات لأبي العطوف ابن - وكان يتفلسف - فلما دلّوه في القبر قال للحفار: أضجعه على شقّه الأيسر؛ فإنه أهضم للطعام.
عرض هشام بن عبد الملك الجند فأتاه رجل من حمص بفرس كلما قدّمه نفر، فقال هشام: ما هذا عليه لعنة الله؟ قال الحمصي: يا سيدي، هو فاره، ولكن شبهك ببيطار كان يعالجه، فنفر.
صارت عجوز إلى قوم تعزيهم في ميت، فرأت عندهم عليلاً، فلما أرادت أن تقوم قالت: والحركة تغلظ عليّ في كل وقت، فأعظم الله أجركم في هذا العليل، فلعله يموت.
قُدّمت إلى بنت السلط عصيدة، فلما ذاقت قالت: مساكين، أرادوا أن يسوّوا عصيدة فأفسدوها.

ومن حمقى قريش بكّار بن عبد الملك بن مروان، طار له باز فقال لصاحب الشرطة: أغلق باب المدينة حتى لا يخرج البازي.
قال بعضهم: رأيت بالبصرة رجلين يتنازعان في العنب الرازقي والنيروزي أيهما أحلى؟ فجرى بينهما الافتراء والقذف، ثم تواثبا، وقطع الكوفي إصبع البصري وفقأ البصري عين الكوفي، ثم رأيتهما متصافيين بعد ذلك، متنادمين.
أجريت الخيل مرة فطلع فيها فرس سابق، فجعل رجل من النظارة يكثر الفرح ويثب، فقال له آخر: يا فتى، هذا الفرس لك؟ قال: لا، ولكن اللجام لي.
قيل لرجل من أهل حمص - وقد أملك بنته - كم كان لابنتك من سنة حين زوّجتها؟ قال: لا، والله ما أدري؟ إلا أني زوّجتها حين اسودت شعرتها.
كان رجل يختلف إلى الأعمش فيؤثره، وكان أصحاب الأعمش يسوؤهم ذلك، ففتشوا الرجل فإذا هو حمار، وكان سكوته للعي. فقالوا: سل الأعمش كما نسأله نحن وخاطبه. فقال له: يا أبا محمد، متى يحرم على الصائم الطعام؟ قال: إذا طلع الفجر، قال: فإن طلع الفجر نصف الليل؟ فقال الأعمش: عد إلى ما كنت عليه من الخرس.
كان أبو يوسف ولّى الفضل بن غانم قضار الري، وكان الناس يختلفون إليه، ويقرأون كتب الفقه عليه، فجاؤا يوماً وأخذتهم السماء. فقال: ألم أقل لكم: إذا رأيتم الغيم فتعالوا قبل ذلك بيوم؟.
سئل بعضهم عن أخوين أيهما أسن؟ قال: هما توأمان، وهما على ما أظن من أم واحدة.
نقش رجل على فص خاتمه اللهم أرخص الحنطة، ونقش ابنه آمين.
أُخذ رجل ينكح شاةً، فرُفع إلى الوالي، فقال: يا قوم، أليس الله يقول: " أو ما ملكت أيمانكم " ؟ والله ما ملكت يميني غيرها فخلّى عنه وحدّ الشاة. وقال: الحدود لا تُعطّل، فقيل: إنها بهيمة. فقال: ولو وجب حكم على بهيمة وكانت أمي أو أختي لحددتها.
قال بعضهم: قرأت قصة أهل طوس إلى المأمون يسألونه تحويل مكة إلى طوس.
لقي الطائف رجلاً فغمّض عينيه فأخذه فقال: يا ابن الخبيثة، أنا قد غمضّت عيني فكيف أبصرتموني؟ كان أبو ضمضم على شرطة الكوفة، فلم يحدث في عمله شيء، فأخذ رجلاً من الطريق، وجرّده للسياط، واجتمع الناس، فقال الرجل: ما ذنبي أصلحك الله؟ قال: أحب أن تجملنا بنفسك ساعة.
ومدح بعض الشعراء محمد بن عبدوس صاحب الشرقية فقال له: أما أن أعطيك شيئاً من مالي فلا، ولكن اذهب فاجن جناية حتى لا أحدك فيها.
ورفع رجل فقالوا: إنه قد وجد في الحمام يجلد عميرة، فقال: في حمام الرجال أو في حمام النساء؟ قالوا: في حمام الرجال. قال: قد أحسن، ليته قتلها، مرة في حمام الرجال أيش تصنع؟! كان بعضهم يزرع قراحاً له، ويتعيش فيه، فبينا هو يوماً يسقي أرضه - وقد أعجبه الماء في زرعه وفرح به، وأراد أن يحمد الله عليه - جعل يقول: يا رب كم لك من أجر فيما أسقيتنا من هذا الماء.
قال بعضهم: قد رأيت واحداً قد جلس يبول، فإذا أيره أير حمار. فقلت: ويلك! ما أنت إلا حمّال، كيف تقدر أن تحمل هذا وتمشي به؟ فقال: أسألك الله أهو كبير؟ قلت: نعم، قال: فإن أهل بيتنا يستصغرونه.
قال بعض المؤدبين: كنت أؤدب ابناً لمحمد بن الحجاج فخرج يوماً، وابنه يدرس كتاب الصفات للأصمعي، فسألني عن معناه، فقلت له: أعزّك الله يعرف به صفات الناس والوحوش والسلاح والمطر وغير ذلك، فلما كان بعد أيام نشأت سحابة فخرج إليّ محمد مغضباً فقال: أنت في أضيق الحرج على ما أخذت مني في تأديب ابني، قلت: ولم؟ قال: سألته الساعة عن هذه السحابة أتمطر أم لا؟ فقال: لا أعلم الغيب.
قال: وبلغني عن شيخ أن ابنه سأله فقال: يا أبة، ما الرمادية وما مذهبهم؟ قال: قوم يبولون في الرماد، قوم سوء أشر ما يكون. فقال الصبي: قد عرفت القدرية من غير أن تقول لي. قال من هم يا سيدنا؟ قال: الذين يخرون في القدور، فضمّه إليه وقبّله وقال: أحسنت يا أبا العباس، أشهد أنك فرخ جماعي.
قال بعضهم: رأيت ابن خلف الهمذاني في صحراء يطلب شيئاً، فقلت له: ما تبغي هاهنا؟ قال: دفنت شيئاً ولست أهتدي إليه، فقلت: هلاّ علّمت عليه بشيء؟ قال: جعلت علامتي قطعةً من الغيم كانت فوقه وما أراها الساعة.
ونظر مرةً في الحب وهو الزير فرأى في وجهه، فعدا إلى أمّه وقال: يا أمي، في الحب لص، فجاءت الأم وتطلعت فيه وقالت: إي والله ومعه قحبة.
وقال: إنما سمّي السكنجيين بهذا الاسم؛ لأن الإنسان يشتكي جبينه فإذا شربه سكن.

قال بعضهم: سمعته يقول في كلام جرى في ذكر رجل: وهو - والله - ألوط من لوط.
وذكر بين يديه رجل فقال: هو رجل سوء. قيل له: ومن أين علمت؟ قال: قد أفسد بعض أهلنا. قيل: ومن هو؟ قال: أمي صانها الله.
ومات له ابن فقيل: هاتوا فلاناً ليغسله، فقال: لا أريده، فإنه عسوف وأخاف أن يقتله.
وزار يوماً قوماً فأكرموه، وغلّفوه بطيبة وطيبوه، فحكته شفته العليا، وخشي إن حكها أن تأخذ إصبعه الغالية فأدخل إصبعه تحت الشفة العليا وحكّها من داخل.
وقيل له: كم بين همذان وروذراور؟ فقال: سبعة ذاهب، وثلاثة جاي.
ودخل يوماً إلى إصطبله، فرأى فراريج كثيرة فقال: يا فراريج، متى تحّم حتى نأكلكم.
وحكى من رآه يعدو وسط داره عدواً شديداً ويقول شيئاً بصوت عال، قال: فسألته عن قصته فقال: أردت أن أسمع صوتي من بعيد.
واستُعير منه سرج فقال: والله ما نزلت عنه إلا الساعة.
دخل على رجل يعزيه فقال: عظّم الله مصيبتك، وأعان أخاك على ما يرد عليه من يأجوج ومأجوج، فضحك من حضر، فقال: لم تضحكون؟ إنما أردت هاروت وماروت.
وقال يوماً لصديق له: أريد أن أشرب على عورة وجهك عشرة أرطال نبيذ مريق، يريد غرة وجهك، ونبيذ مروق.
وقال يوماً لمغنية كان يحبّها: أنا - والله - لك مائق، يريد وامق فقالت: ليس لي وحدي أنت مائق، أنت - والله - مائق للخلق.
أخذ الطلق امرأته فدخل فقال للقابلة: أخرجيه بالله ابناً ولك دينار، ولك ما شئت، بالله لا أحتاج إلى وصيتك.
كان منصور بن زياد خال المهدي، ووالي خراسان من جهته يُحمّق، وكان نقش خاتمه يا حنّان يا منّان تحنن تمنن على عبدك الأمين منصور بن زياد.
لما مات المكتنجي حزن المتوكل عليه، وقال: من ينشطني إذا كسلت؟ ويسلّيني إذا حزنت، فقيل له: قد خلّف ابنين مليحين، فأمر بإحضارهما وكلمهما فرضيهما، وجُعلت أرزاق أبيهما للأكبر منهما، وجعل للأصغر أيضاً رزق دون ما لأخيه. فقال الصغير: هذا يا سيدي خلاف ما يجب فينا قال: وما الذي يجب؟ قال: إنما نتقدم نحن، وتقدم أبونا قبل بالحماقة، ومن شأن العقلاء إذا مات الرجل منهم أن يجعل ابنه الكبير مكانه، فأما الحمقى فإنهم يجعلون الصغير مكان أبيه، ومع هذا أنا أحمق من أخي بكثير. قال: وما الدليل على ذلك؟ قال: ههنا أدلة كثيرة، أقربها أن أبي حج في العام الماضي فلما قرب قدومه خرج أخي من سر من رأى إلى الكوفة لتلقيّه، ومضيت أنا إلى حلوان؛ لأني كنت أشد شوقاً منه إليه، فلما قدم وجاءني كتابه من سرّ من رأى إلى حلوان جئت، وإنما فعلت هذا لشدة شوقي إليه، فسرّ أبي بما كان مني سروراً عظيماً. فقال المتوكل: صدقت، أنت أحمق من أخيك بكثير، اجعلوا الرئاسة له، واجعلوا أخاه مكانه.
اعترض أبو الجندب الأرمني دوابّه فأصاب فيها واحداً مهزولاً قال: هاتوا الطباخ فبطحه وضربه خمسين مقرعةً، فقال له: يا سيدي، أنا طبّاخ لا أعرف أمر الدواب. قال: فلم لم تقل لي؟ اذهب الآن فإذا أذنبت ذنباً ضربت السائس ستين مقرعة، زيادة عشرة.
وقال يوماً - وقد ركب إلى العيد - لبعض غلمانه: أرسل إلى المزين حتى يكون حاضراً، وتقدّم إليه ألاّ يمس من شعر رأسي شيئاً حتى أعود من الصلاة؛ فإن الحجّامين كثيرو الفضول.
واجتاز به رجل يبيع الثلج فقال: أرنا ما معك؟ فكسر له قطعة ثلج وناوله، فقال أريد أبرد من هذا. فكسر له من الجانب الآخر فقال: نعم، هذا أبرد، فكيف سعر هذا وسعر ذاك؟ فقال: هذا رطل بدرهم، ومن الأول رطل ونصف بدرهم. فقال: أحسن حتى نأخذ من هذا لنا، ومن ذاك للحاشية.
جاز إبراهيم المصلحي يوماً بطين مبلول في شارع باب الشام فقال لهم: السلطان يريد أن يركب، فإن أنا رجعت ورأيت هذا الطين مكانه ضربته بالنار ولا تنفعكم شفاعة أحد.
وقال الطبيب مرة لأزهر الحمار: خذ رمانتين فاعصرهما بشحمهما واشرب ماءهما، فعمد إلى رمّانتين وقطعة من شحم الغنم فدقهما في موضع واحد وشرب ماءهما.
واشترى بعضهم جاريةً، فغضبت امرأته، فحلف أنه لا يجامعها سنةً ولا يترك غيره يُجامعها بسببه.
ونظر جامع الصيدلاني في المرآة، فضحك، فقالوا: يا أبا محمد، مالك تضحك؟ قال: من وجهي، وهو من بعيد أحسن منه من قريب.
وقيل له يوماً: كم سنةً لك؟ قال: إحدى وسبعون سنة. قيل: فمن تذكر من خلفاء بني العباس؟ قال: إيتاخ.

مضى إلى السوق ليشتري لابنه نعلاً فقالوا: كم سنّه؟ فقال: لا أدري، ولكنه ولد أول ما جاء العنب الرازقي. ومحمد ابني - أستودعه الله - أكبر منه بشهرين ونصف سنة.
وأُتي بصك دار ليشهد فيه فقال: لا أشهد حتى أرى الدار، فلما رأى الدار، رمى بالصك وقال: والله لا شهدت، قيل له: ولم ذاك؟ قال: لأنها سرقة، وأنها أول أمس كانت في ذلك الجانب وهي اليوم هاهنا.
وكان بعضهم يقول في تسبيحه: لا إله إلا الله جملة كافية.
وحلف بعضهم فقال: لا والقبر الذي تضمّن محمداً وجبريل عليهما السلام.
ورث بعضهم نصف دار فقال يوماً: قد عزمت على بيع نصف الدار الذي لي وأشتري به النصف الآخر لتصير كلّها إليّ.
وكتب المنصور إلى زياد بن عبيد الله الحارثي ليقسم مالاً بين القواعد والعميان والأيتام. فدخل عليه أبو زياد التميمي - وكان مغفلاً - فقال: أصلحك الله، اكتبني في القواعد، فقال: عافاك الله، القواعد هن النساء اللاتي قعدن عن أزواجهن. فقال: اكتبي في العميان، قال: اكتبوه؛ فإن الله تعالى يقول: " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " قال أبو زياد: واكتب ابني في الأيتام فقال: نعم، من كنت أباه فهو يتيم.
ووجّه بعضهم بلحم إلى بيته فقال الرسول: قل لهم: اطبخوه سكباجاً، فقال: ليس عندهم. فقال له: يا بغيض، فاطبخوه إذا كشكية.
ووقعت لبعضهم ابنة في البئر، فاطلع في البئر فرآها وناداها، فأجابته فقال لها: لا تبرحي من موضعك حتى أذهب أجيء بمن يخرجك.
وكان منهال إذا انكسف القمر يقول: ارحم تُرحم، فإذا انجلى قال: تهنؤك العافية.
قال ابن الماجشون: كان لي صديق من أهل المدينة ففقدته أياماً ثم رأيته فسألته عن حاله، فقال: نزلت بالكوفة فقلت: وكيف صبرت بها وهم يسبون أبا بكر وعمر؟ فقال: يا ابن أمي، قد والله صبرت لهم على ما هو أعظم من هذا، إنهم يُفضّلون الكناسي على معبد في الغناء. فحدّثت المهدي بذلك فضحك حتى استلقى.
قيل لبعضهم: قد جاء الذباب. فقال: ما ذقته بعد.
وسئل بعضهم عن مولده فقال: ولدت رأس الهلال النصف من شهر رمضان بعد العيد بثلاثة أيام، احسبوا الآن كيف شئتم.
قال: وسمعت بعضهم يدعو ويقول: اللهم اغفر لأمي ولأختي ولامرأتي فقلت له: كيف تركت ذكر أبيك؟ قال: لأنه مات وأنا صبي لم أدركه ولم أعرفه.
لقي رجل رجلاً فقال له متى قدمت؟ قال: غدا، فقال: لو قدمت اليوم لسألتك عن صاحب لي، فمتى تخرج؟ فقال: أمس. قال: لو أدركتك لكتبت معك كتاباً.
ونظر بعضهم إلى جرادة في أول ما يجيء الجراد فقبّلها ووضعها على عينه، يريد أنها باكورة.
وانكسرت خشبة في منزل بعضهم، فمضى إلى الخشّابين يشتري بدلها. فقالوا: كم تريد طولها؟ فقال: سبع في ثمان.
وخلا بعضهم بمناجاة ربه وجعل يدعو ويقول: اللهم ارزقني خمسة آلاف درهم حتى أتصدق منها، وإن لم تُصدقني فادفع إليّ ثلاثة آلاف درهم واحبس الباقي عندك، فإن تصدّقت وإلاّ تصدق بها على ما شئت.
اعتلّ الهبيري والي البصرة، فدخل إليه بعض عوّاده فقال له: ما تشكو؟ قال: حرارة، قال: فما اكلت؟ قال: شويت خوامزكه فمصصت متوضاها يريد خوامزكها وزماكها. وقال بعضهم: سقط ابني في الدكان فوطئ كلب على لسانه فسقطت لهاته فعالجته بدم الأبوين.
وكتب بعضهم إلى أبيه: كتابي إليك من فوق فرسخ بدورقين يوم الجمعة عشية الأربعاء لأربعين ليلة خلت من جمادى الأوسط، وأُعلمك - أعزك الله - أني مرضت مرضةً لو كان غيري لكان قد مات. فكتب إليه أبوه: أمك طالق ثلاثاً بتاتاً لو مت ما كلمتك أبدا.
قيل لبعضهم: دخلت الكتّاب فأي شيء تعلمت؟ قال: الحساب. قال: فأربعة بين ثلاثة أنفس كم يصيب كل واحد منهم؟ قال: لنفسين درهميم درهمين ولا يُصيب الثالث شيئاً.
خرج رجل من منزله ومعه صبي عليه قميص أحمر، فحمله على عاتقه ثم نسيه، فجعل يقول لكل من لقيه: رأيت صبياً عليه قميص أحمر؟ فقال له إنسان: لعله الذي على عاتقك، فرفع رأسه ولطم الصبي وقال: يا ماصّ كذا، ألم أقل لك: إذا كنت معي لا تفارقني ولا تبرح؟.

وكان بعضهم في يده ثلاثة عشر درهماً، وركب زورقاً فرأى على عنق واحد كان بجنبه برغوثاً، فأخذه بالسبابة والإبهام من اليد التي فيها الدراهم ثم توّجه نحو الماء ليرمي البرغوث فرمى بالدراهم وبقي البرغوث في يده، ثم التفت إلى أصحابه فقال: رأيتم مثل هذا البرغوث تقوّم عليّ بثلاثة عشر درهماً.
وقال بعضهم: رأيت خميصاً متعلّقاً بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم هب لها العافية وفرّح قلبها، وافعل بها واصنع، ولم يدع لنفسه ولا لأحد غيرها. فقلت: من هذه التي تخصّها بالدعاء؟ قال: امرأتي. قلت: ما أوجب أن تجعل دعاءك كله لها حتى لا تدعو لنفسك ولا لأبويك؟ فقال: أًخبرك يا أخي، اعلم أني صحبت الخلق، وعاشرت الناس، وطفت البلدان فما وجدت إنساناً أنيكه غيرها. فقلت له: يحق لك إن كان هذا يا شيخ.
وقال رجل لحمصي: إذا كان يوم القيامة يؤتى بالذي فجر بامرأة جاره، فيؤخذ من سيئات الجار إلى حسنات جاره. فقال الحمصي: والله إن كان هذا فما في يوم القيامة أحسن من الكشاخنة بعد المخنثين.
وحمل بعضهم بولاً في طست إلى الطبيب وقال: هذا بول امرأتي. فقال: هلا جئت به في قارورة؟! قال: جُعلت فداك إحليلها أوسع من ذاك.
ونظر حمصي إلى منارة المسجد، فقال لآخر: ما كان أطول أولئك الذين بنوا هذه المنارة! فقال له: اسكت ما أجهلك! ترى أن في الأرض أحداً يطول هذه المنارة؟ وإنما بنوها على الأرض ثم أقاموها، أو حفروا بئراً وقلبوها.
حضر جماعة من أهل زنجان باب السلطان فشكوا ثقل أصولهم، وتضاعف المؤن عليهم، فأجيبوا إلى حطيئة، فقالوا: نحب أن نقتصر منها على الأخماس بدل الأعشار، فصار ذلك رسماً عليهم.
قال بعضهم: رأيت شيخاً طويل اللحية يعدو، فقلت مالك؟ قال: مر بك رجل أخضر عليه كساء أصلع؟.
قال: ورأيت رجلاً طويل اللحية راكباً حماراً، وهو يضربه. فقلت له: يا هذا، ارفق. فقال: إذا لم يقر يمشي فلم صار حماراً؛.
تفاخر أحمقان: مصري ويمني، فقال المصري: هلكت - والله - اليمن؛ إن لم يكن النبي عليه السلام منها لا تدخل الجنة والله أبدا. فقال اليمني: فابن المهلب وأولاده يحاربون عليها أبداً وزيادة حتى يدخلوها بسلام بالسيف،.
ولما دخل الأكراد مدينة السلام مع أبي الهيجاء، واجتازوا بباب الطاق قال بعض المشايخ من التجار: هؤلاء الذين قال الله تعالى في كتابه: الأكراد أشد كفراً ونفاقا. فقال له إنسان: يا هذا، إنما قال الله " الأعراب " . قال الشيخ: يا سبحان الله!! يقطع علينا الأكراد، ونكذب على الأعراب؟.
قال بعضهم: دخلت حمّاماً بهيت، وأهلها عامتهم قلف، فإذا أنا برجل قد دخل، وهو آخذ برأس إحليله، وقد أشاله إلى فوق، ثم تمكن جالساً، وصب من إحليله شيئاً ودلك به رأسه ولحيته، وفعل ذلك مراراً. فقلت له: ويلك! ما هذا؟ قال: دهن يا سيدي، طلبت من عند العطّار قارورةً فلم تكن عنده، فأخذت الدهن في هذا الموضع، وهو ذا استعمله.
قدّم رجل ابناً له إلى القاضي ليحجر عليه. فقال: فيم تحجر عليه؟ قال الأب: أصلحك الله، إن كان يحفظ آيتين من كتاب الله فلا تحجر عليه. فقال له القاضي: اقرأ. فقال:
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فقال الأب: أصلحك الله، إن قرأ أخرى فلا تحجر عليه. فحجر عليهما جميعاً.
قال بعضهم: جالسني رجل فغبر لا يكلمني ساعةً، ثم قال: هل جلست قط على رأس تنور فخريت فيه آمناً مطمئناً؟ قال: قلت: لا. قال: فإنك لم تعرف شيئاً من النعيم قط.
وقال هشام بن عبد الملك ذات يوم لأصحابه: أي شيء ألذ؟ فقال له الأبرش بن حسان: أصابك جرب قط فحككته؟ قال: مالك؟ أجرب الله جلدك، ولا فرج عنك، وكان آنساً به.
دخل كردم الدارع أرض قوم يذرعها، فلما انتهى إلى زنقة منها لم يحسن أن يذرعها. فقال: هذه ليست لكم. قالوا: هي لنا ميراث، وما نازعنا فيها أحد قط. قال: لا، والله ما هي لكم. قالوا: فحصّل لنا حساب ما لا نشك فيه. فقال: عشرون في عشرين عشرون. قالوا: من أجل هذا الحساب صارت الزنقة ليست لنا.
وقال قاسم النمار: التوى مني عرق حين قعدت منها مقعد الرجل من الغلام.

مات رجل من جند أهل الشام عظيم القدر، فحضر جنازته الحجاج، فصلّى عليه وجلس على شفير قبره وقال: لينزل قبره بعض إخوانه، فنزل أحدهم فقال وهو يسوّي عليه: يرحمك الله أبا قنان، إن كنت - ما علمت - لتجيد الغناء، وتسرع رد الكأس، لقد وقعت في موضع سوء لا تخرج - والله - منه إلى يوم الدكة. فما تمالك الحجاج أن ضحك فاكثر وكان لا يكثر الضحك في جد ولا هزل. فقال له: هذا موضع هذا لا أم لك؟ قال: أصلح الله الأمير، فرسه حبيس في سبيل الله لو سمعته يتغنّى:
يا لُببني أوقدي النارا ...
لانتشر الأمير على سعنة - وكان الميت يلقب سعنة، وكان من أوحش الخلق صورةً وأدّمهم - فلم يبق أحد إلا استفرغ ضحكاً. وقال الحجاج: أخرجوه، إنا لله! يا أهل الشام، ما أبين حجة أهل العراق في جهلكم!.
خرج رجل من المغفلين فرأى في زرعه فساداً فقال: يا رب أنت تنهى عن الفحشاء، فهذا حسن هو؟ قال بعضهم: رأيت رجلاً محموماً مصدعاً، وهو يأكل التمر، ويتكرّهه. فقلت له: ويحك! لم تأكل هذا في حالك هذه؟ هذا يقتلك. فقال: عندنا شاة تُرضع، وليس لها نوىً، فأنا آكل هذا التمر مع كراهيتي له؛ لأطعمها النوى. قال: فقلت: فأطعمها التمر بالنوى. قال: أو يجوز هذا؟ قلت: نعم. قال: قد - والله - فرّجت عني، لا إله إلا الله، ما أحسن العلم!.
أخرج صبي رأسه من منظرة، فوقعت عليه بردة فأوجعته، فشتم من رمى، فاطّلع أبوه من الكوة لينظر من رمى فلما رأى البردة رفع رأسه إلى السماء وقال: ارم سيدي ما عرفك الصبي.
الباب الثالث والعشرون
نوادر ابن الجصاصكان ابن الجصاص يتّجر في الجواهر، وكانت له ثروة عظيمة، ومحلّ عند الخلفاء.
ونُكب في أيام المقتدر، فبلغت مصادرته التي أداها ثمانية آلاف ألف دينار، وكان مغفّلاً.
وهو الذي كانت في فمه درة وأراد أن يبصق، فبصق على الخليفة ورمى بالدرة في دجلة، وهو يظن أنه قد ناول الخليفة الدرة وبصق في الماء.
وعرض على بعض الخلفاء عقداً مثمّناً فقال: هل رأيت في عرس أمك مثله؟ وكان إذا قنت يقول في دعائه: يا أويس القرني، يا كعب الأحبار بحقّ محمد وجرجيس إلا وسعت أمتك على الدقيق.
وكان يقول أيضاً في دعائه: اللهم اغفر لي من ذنوبي ما تعلم وما لا تعلم.
ودخل يوماً على ابن الفرات فقال: يا سيدي، عندنا في الجزيرة كلاب لا يتركونا ننام من الصياح والقتال. قال: أحسبهم جراءً. قال: لا تظن ذلك أيها الوزير، كل كلب مثلي ومثلك.
ونظر يوماً في المرآة فقال: اللهم سوّد وجوهنا يوم تسودّ الوجوه، وبيّضها يوم تبيض الوجوه.
وقال بعضهم: اطلعت عليه وهو يقرأ في المصحف ويبكي وينتحب ويشهق، فقلت له: مالك؟ قال: أكلت اليوم مع الجواري المخيض بالبصل فآذاني، فلما رأيته في المصحف " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض " قلت: ما أعظم قدرة الله! قد بيّن كل شيء حتى أكل اللبن مع الجواري.
وأراد مرة أن يدنو من بعض جواريه فمنعته وتشاجت عليه، فقال: قد - والله - أغضبتني، أُعطى الله عهداً إن قربتك سنة، ولا قربك أحد بسببي.
وقرأ مرةً في المصحف، فجعل يقول: رخيص، فقيل له في ذلك. فقال: ويحك! أما ترى تفضّل الله جلّ وعزّ، يقول: " ذرهم يأكلوا ويتمتعوا " أما هذا رخيص؟ وعزّاه إنسان عن ميّت له وقال: لا تجزع واصبر. فقال: نحن قوم لم نتعوّد الموت.
وقال يوماً: أنا أشتهي بغلة مثل بغلة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسميها دلدل.
وقال يوماً: قد خريت على يدي، لو غسلتها ألف مرة لم تتنظف حتى أغسلها مرتين.
ونظر في المرآة ثم قال لإنسان عنده: ترى لحيتي قد طالت؟ فقال له ذلك الحاضر: المرآة في يدك. فقال: صدقت، ولكن يرى الشاهد ما لا يرى الغائب.
ودخل عليه بعضهم، ومعه ابن له، فقال له: هذا ابنك؟ قال: نعم. قال: وليس لأمه غيرك؟ قال: ويصلح في دينكم لامرأة زوجين؟! قال: لا، ولكني اردت صحة أمرها منك، وكيف جاء هذا الولد الذي لا يشبهك.
وسمع رجلاً ينشد شعراً في هند. فقال: لا تذكروا حماة النبي إلا بخير.

وقال بعضهم: كنت عند أبي إسحاق الزجاج النحوي أعزيه بأمه وعنده الرؤساء إذ أقبل ابن الجصاص ودخل ضاحكاً، وهو يقول: الحمد لله يا أبا إسحاق. قد - والله - سرّني. فدهش الزجاج ومن حضر، فقال بعضهم: يا هذا، كيف سرّك ما غمّه وغمنا له؟ قال: ويحك! إنه بلغني أنه هو الذي، فلما صح عندي أنها هي التي، سرني. فضحك الناس.
وقرأ يوماً في المصحف: " أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرّطت في جنب الله " فقال: فديت جنبك يا سيدي، أيش أصاب جنبك يا مولاي؟ عز عليّ، ليت بي ما بك يا سيدي.
كان يكسر مرة بين يديه لوز، فطفرت لوزة، وأُبعدت، فقال: لا إله إلا الله! تعجباً من كل شيء هرب من الموت حتى في البهائم.
ومن دعائه: اللهم أرخص السوق على الدقيق، اللهم إنك تجد من تغفر له غيري، ولا أجد من يعذبني سواك، حسبي الله! اللهم امسخني حورية وزوجني من عمر بن الخطاب. فقالت زوجته له: سل أن يزوجك من النبي عليه السلام، إن كان ولا بد فقال: لا أحب أن أصير ضرة عائشة.
وصلّى خلف الإمام، فلما قال: " ولا الضالين " قال ابن الجصاص: أي لعمري أراد آمين.
وقرأ يوماً في المصحف " ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته " ثم قال: يحق له أن يخري - والله - من أدخل النار، يخرى ثم يخرى.
وقال لابن الفرات يوماً: أعز الله الوزير، امنع هؤلاء الزنادقة من الاجتماع؛ فإنه بلغني أنهم يتكلمون بالكبائر. قال: وما الذي يقولون؟ قال: بلغني أنهم يقولون: إن الصور ليس هو من قرن.
وأتاه غلامه يوماً بفرخ وقال: انظر هذا الفرخ، ما أشبهه بأمه! قال: أمه ذكر أم أنثى؟.
وقال يوماً أتبّرك بكتب أحمد بن حنبل، وما أعمل كل يوم شيئاً حتى أمرّها على وجهي. قيل له: فأين أنت من القرآن؟ قال: أما هذا فقد جربته.
وسمع آية من القرآن في بعض المجالس، فقال: حسن والله، هاتوا دواةً وقرطاساً اكتب هذا. قالوا له: هذا من القرآن، وفي دارك خمسون مصحفاً. فكتبها وقال: لكل جديد لذة، وبعث بها إلى معلّم ولده وأمره أن يحفّظهم ذلك.
وبنى ابنه دارا، فأدخل أباه إليها ليبصرها، وقال: انظر يا أبة، هل ترى عيباً؟ فطافها حتى دخل المستراح، فاستحسنه، وقال: فيه عيب واحد، وهو ضيق بابه فإن المائدة لا تدخله.
وكتب إلى وكيل له بأن يحمل إليه مائة مناً قطناً، فحملها فلما حُلجت استقل الحليج وكتب إلى وكيله: إنه لم يحصل من هذا القطن إلا ربعه، فلا تزرع بعدها قطناً بحبه، وازرع الحليج، ويكون معه أيضاً شيء من الصوف.
وقال مرة لمغنية غنّي:
خليليّ هُبّا نصطبح بسماد
يريد: بسواد. فقالت له: إذا عزمت على هذا فاصطبح وحدك.
وقال يوماً: ينبغي للإنسان أن يصير إلى المقابر ليغتاظ. يريد: ليتعظ.
وقال يوماً لصديق له: وحياتك الذي لا إله إلا هو.
واستأذن يوماً على بعض الوزراء، وعرض عليه شيئاً من الجوهر وقال: وقع هذا في السيق. فضحك الوزير. فقال: أعز الله الوزير، إن في تحفض ما بعدها.
وتردد إلى بعض النحوين ليصلح لسانه، فقال له بعد مدة: الفرس بالسين أو بالصين؟ وقال يوماً: قمت البارحة إلى المستراح، وقد طُفئ القنديل، فما زلت أتلمّظ المقعدة حتى وجدتها.
وقال يوماً لعبيد الله بن سليمان: أيها الوزير، أنت سيف الله في أرضه، فلا تقع على شيء إلا هرّيته، ولا يقع عليك شيء إلا هرّاك، فأنت مثل الشوك لا يمشي عليه إنسان إلا دخل في رجله، ولا يدخل في رجل إنسان إلا أوجعه.
وانبثق له كنيف، فقال لغلامه:بادر وأحضر من يُصلحه حتى نتغدّى به قبل أن يتعشّى بنا.
وأهدى إلى العباس بن الحسن الوزير نبقاً وكتب إليه:
تفيّلت بأن تبقى ... فأهديت لك النبقا
فكتب في جوابه: لم تتفيل يا أبا عبد الله، ولكنك تبقّرت.
الباب الرابع والعشروننوادر أصحاب المذاهب والجُهال من المتعصبين
كان بعض ولد روح بن حاتم يتشيّع، وكان لا يشتم من الصحابة إلا طلحة، فقيل له يوماً: كيف وقعت على طلحة؟ أتعرفه وتعرف قدمه في الإسلام؟ فقال: وكيف لا أعرفه؟ طلحة امرأة الزبير.
قال رجل من أهل الكوفة لهشام بن الحكم: أترى الله - جلّ ثناؤه - في فضله وعدله وكرمه كلّفنا ما لا نطيق ثم يعذّبنا عليه؟ قال: فعل ولكن لا نستطيع أن نتكلم.

قال الأخفش: سمعت أبا حية النميري يقول: أتدري ما يقول القدريون؟ قلت: ما يقولون؟ قال: يقولون: إن الله لم يكلّف العباد ما لا يطيقون، وصدق - والله - القدريون، ولكنا لا نقول كما يقولون.
قال بعضهم: مررت بجماعة قد أخذوا رجلاً وضربوه ضرب التلف، وهم يجرّونه إلى السلطان. فقلت لبعضهم: ما تريدون منه؟ قال واحد: هو زنديق، لا يؤمن بالقيسيّ.
دخل بعض العامة على جعفر بن سليمان، يشهد على رجل، فقال: أصلح الله الأمير هو رافضيّ قدري جهمي مرجيّ، يشتم الحجاج بن الزبير الذي هدم الكعبة على عليّ بن أبي سفيان. قال له جعفر: ما أدري علام أحسدك!! على علمك بالأنساب، أو معرفتك بالمقالات؟ قال: والله ما خرجت من الكتّاب حتى تعلمت هذا كله.
قال الجاحظ: كان عند الرستمي قوم من التجار، فحضرت الصلاة فنهض الرستمي ليصلّي، فنهضوا معه. فقال: مالكم ولهذا؟ إنما فرض الله عز وجلّ هذا ليذلّ به المتكبرين مثلي ومثل فرعون وهامان ونمروذ وكسرى.
حج خراساني من أهل السنّة، فلما حضر الموسم أخذ دليلاً يدلّه على المناسك، فلما فرغ أعطاه شيءاً يسيراً لا يرضيه، فأخذه منه، ثم جاء إلى بعض الأركان فنطح الركن برأسه. فقال الخراساني: ما هذا؟ قال: كان معاوية يأتي هذا الركن فينطحه برأسه، وكلما كانت النطحة أشدّ كان الأجر أعظم. فشد الخراساني على الركن ونطحه نطحة سالت الدماء منها على وجهه وسقط مغشياً عليه فتركه الرجل ومر.
قيل لبعضهم: ما تقول في معاوية؟ قال: رحمه الله ورضي عنه. قيل: فما تقول في يزيد؟ قال: لعنه الله ولعن أبويه.
قال بعضهم لأبيه: يا أبة، قد علمت أن الرمادية هم الذين يبولون في الرماد، فما القدرية؟ قال: الذين يخرؤون في القدور.
قال بعض بني هاشم، وقد ذكرت الصحابة عنده، قال: أنا لا أعرف إلا الشيخين الله والنبي.
تشاجر نفسان من العوام: أحدهما يتشيّع والآخر ناصبي، فقال المتشيع: إن مولاي علياً عليه السلام يوم القيامة على الحوض يسقيني ولا يسقيك. قال الآخر: إن لم يسقني سقاني أبو بكر شربةً، وعمر شربةً، وعثمان، وطلحة، والزبير، حتى عدّ التسعة، فقال له صاحبه: يا ماص بظر أمه، أكلت كربج حتى تشرب هذا الماء كله؟.
كان بعض الشيعة من أهل قزوين له ضيعة تسمى " شيذكين " فلحقه جور السلطان وأجحف به ثقل الخراج حتى خربت الضيعة، وحج الرجل، فبينا هو في الموقف إذ قام إنسان عمريّ فجعل يقول: أنا ابن الذي خرّج الخراج، ودوّن الدواوين، وفعل وصنع. فقال القزويني، وقال له: اسكت يا مشئوم فإن بشؤم جدّك خربت " شيذكين " .
حدّث أن ثلاثة من المشايخ حضروا الجامع. فقال واحد لآخر: جُعلت فداك، أيهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان أم عيسى بن مريم؟ فقال: لا والله ما أدري. فقال الثالث: يا كشخان، تقيس كاتب الوحي إلى نبيّ النصارى؟.
قال بعضهم: رأيت بالقادسية أيام الحجاج إنساناً يصيح ويقول: ما يبغض العيون إلا عين، فقلت له: ما معنى قولك: العيون؟ قال: أبو بكر، اسمه عبد الله، وعمر، وعثمان، وعلي، لا يبغضهم إلا عين معناه: إلا عاضّ بظر أمه.
وعظ واحد منهم آخر فقال له: الزم السُنّة، فإنك إن لزمت السُنّة دخلت الجنة. فقال له الآخر: وما السنّة؟ قال: حب أبي بكر بن أبي طالب وعمر بن أبي قحافة، وعثمان بن سفيان؟ وأستاذهم كلهم معاوية بن أبي سفيان. قال: ومن معاوية هذا؟ قال: ويلك ألا تعرفه؟ هذا كان من حملة العرش، فزوّجه النبي صلى الله عليه وسلم بنته عائشة.
قال أبو العيناء: مر بنا واحد ينادي على جرّيّ، فاستقذرناه. فقال هل شيخ كان إلى جنبي: علمت يا أبا عبد الله أني لا آكله إلا مرةً واحدةً في السنة من أجل السُنّة لا غير؟ قلت: وأي سنّة في أكل الجرى؟ قال: سبحان الله! كان علي بن أبي طالب يكرهه.
الباب الخامس والعشرون
نوادر الأطباءقالوا: مر ماسروجيه الطبيب ببعضهم، فقال: ويلك يا ماسروجيه! إني أجد في حلقي بححاً. قال: هذا من عمل بلغم. فلما جاوزه قال: أنا أحسن أن أقول: بلغم، ولكن كلّمنا بالعربية، فكلمته بالعربية.
قال الصولي: عدت بعض الرؤساء من علّة وسمعته يقول للطبيب: أكلت فراريج. فقال له: كان يكفيك فروج واحد. فقال: إن الفراريج لا تضر. فقال الطبيب: يا سيدي: إذا لبس الإنسان عشر غلائل قصب فقد لبس لُبّادةً.

قال ابن ماسويه لرجل شكا إليه قصوره عن الباءة: عليك بالكباب والشراب، وشعر أبي الخطاب، يعني عمر بن أبي ربيعة؛ لغزله.
قال أبو علقمة للطبيب: إني أجد في بطني قرقرةً ومعمعةً. فقال: أمّا القرقرة فضراط لم ينضج. وأما المعمعة فلا أدري ما هي.
قال المتوكل لبختيشوع: ما أخفّ النُّقل على الشراب؟ قال: نقل أبي نواس. قال: وما هو؟ قال:
مالي في الناس كلّهم مثل ... مائي خمر، ونقلي القُبل
قيل لطبيب: ما يذهب بشهوة الطين؟ قال: زاجر من عقل.
قال بعضهم: اعلم أنك تأكل ما تستمرئه، ومالا تستمرئه، فهو يأكلك.
قال جالينوس: صاحب الجماع مقتبس من نار الحياة، فإن شاء فليقلل، وإن شاء فليكثر.
قيل لابن ماسويه: الباقلّي بقشره أصحّ في الجوف؟ قال: هذا من طب الجياع.
يقال: إن أردشير ومن تقدّمه من ملوك الفرس كانوا لا يثبتون في ديوانهم الطبيب إلا بعد أن يُلسعوه أفعى، ثم يقال له: إن شفيت نفسك فأنت طبيب حقّاً، وإن مت كانت التجربة عليك لا علينا.
وكان ملوك الروم إذا اعتلّ طبيب أسقطوه من ديوانهم، وقالوا له: أنت مثلنا.
وكان بعض ملوك العرب إذا جاءه طبيب قدّم إليه مائدةً، وأمره أن يُركّب منها غذاءً لتقوية أبدان المجاهدين، وعلاجاً للمرضى، وتدبيراً للناقهين، وتفكّهاً للمترفين، وسبباً ممرضاً، وسمّاً قاتلاً للأعداء، فإذا فعل ذلك أثبته، وإلا صرفه.
حكي عن بعض الأطباء أنه قال لإنسان شكا إليه علّة، فقال: خذ من البنفسج المربّى قدر روثة، وصبّ عليه ماء حاراً قدر محجمة ثم دوفه حتى يصير كأنه مخاط، ثم اشربه. فقال المريض: أمّا دون أن أُضرب بالسياط فلا.
قال ابن ماسويه: قال لي أخ لعبيد الله بن يحيى: أخبرني عن الطبائع الأربع، هي من عقاقير الجبل؟ فضحكت. فقال: مم تضحك؟ قلت: أخو وزير لا يعرف الطبائع؟ فقال لي: ما أنا طبيب.
قال رجل لطبيب: يا سيدي، إن أمي تجد في حلقها ضيقاً ويبساً وحرارة. قال الطبيب: ليت الذي في حلق أمك في حر امرأتك، وأن على حلق أمك السكين.
وجاء ماجن إلى طبيب فقال: أجد في أطراف شعري شبه المغص، وفي بطني ظلمة، وإذا أكلت الطعام تغيّر في جوفي. قال الطبيب: أما ما تجده من المغص في أطراف شعرك فاحلق رأسك ولحيتك، فإنك لا تجد منه شيئاً، وأما الظلمة التي في بطنك فعلّق على باب استك قنديلاً حتى لا تجدها، وأما تغيّر الطعام في بطنك فكل خرا واربح النفقة.
دخل رجل حماماً فسرقت ثيابه، فخرج وهو عريان، وعلى باب الحمّام طبيب. فقال له: ما قصتك؟ قال: سرقوا ثيابي. قال: بادر ونفسّ الدم، حتى يخف عنك الغم.
قيل لبعض الأطباء: أي وقت للطعام أصلح؟ فقال: أمّا لمن قدر فإذا جاع، ولمن لم يقدر فإذا وجد.
مر طبيب بابن عبد الواسع المازني، فشكا إليه ريحاً في بطنه. فقال: خذ كف صعتر. قال: يا غلام، الدواة والقرطاس، ثم قال: أصلحك الله، ما كنت قلت؟ قال: قلت: خذ كف صعتر، ومكوك شعير. قال: لم لم تذكر الشعير أولاً؟ قال: ولا علمت أنك حمار إلا الساعة.
مرض أحمق، فدخل إليه الطبيب، فساءله عن حاله. فقال: أنا اليوم صالح، وقد قرمت إلى الثلج. فقال الطبيب: الثلج رديء يزيد في رطوبتك، وينقص من قوتك. فقال: أنا إنما أمصه وأرمي بثفله.
ذكر زرقان المتكلم قال: أقمت عند ابن ماسويه يوماً، فقدّمت المائدة وجيء عليها بسمك ولبن، فامتنعت من أحدهما. فقال لي: لم امتنعت؟ فقلت: خوفاً من أن أجمع بينهما. فقال لي: أنت رجل من أهل النظر وتقول هذا القول! ليس يخلو أن يكون كل واحد منهما ضدّاً لصاحبه، أو موافقاً له؛ فإن كان ضداً له فقد أدخلنا على الشيء ضده، وإن كان موافقاً فاعمل على أنّا وددنا سمكاً أكلناه.
جاء رجل إلى بعض الأطباء، فشكا إليه وجع بطنه. فقال له: ما أكلت؟ قال: خبزاً محترقاً. فدعا الطبيب بذرور ليكحله. فقال الرجل: إنما أشكو بطني. قال: قد علمت، ولكني أكحلك لتبصر الخبز المحترق فلا تأكله بعد هذا.
قال شيخ من الأطباء: الحمد لله، فلان يزاحمنا في الطب ولم يختلف إلى البيمارستان تمام خمسين سنةً.
قال بعضهم لطبيب ناوله دواءً: قدر كم آخذ منه؟ قال: تأخذ منه قدر بعرة وتدوفه بقدر محجمة ماء وتضربه.
قال بعضهم: قال لي طبيب: إياك ومجالسة الثقلاء؛ فإنا نجد فيما تقدم من كتب الطب أن في مجالستهم تُخم الأرواح.

قيل: دخل بعض الهاشميين على أبي جعفر، فسلّم عليه. فقال له أبو جعفر: كيف المولود؟ قال: في عافية. قال: كم له؟ قال: سبعة أيام. قال: فقال متطبب أبي جعفر: كيف عقله؟ قال: أما سمعتني قلت لأمير المؤمنين: إنما له سبعة أيام؟ قال الطبيب إن المولود إذا كان حادّ النظر قليل البكاء كان عاقلاً.
ترك لافس التصوير وتطبب، فقيل له في ذلك. فقال: الخطأ في التصوير تدركه العيون، وخطأ الطب تواريه القبور.
سئل طبيب عن دواء المشي. فقال: سهم ترمي به في جوفك أخطأ أم أصاب.
وسئل آخر فقال: هو كالصابون في الثوب يُنقّيه، ولكن يخلقه ويبليه.
شكا رجل إلى طبيب سوء انهضام طعامه، فقال: كلّه مهضوماً.
قال طبيب لمريض: لا تأكل السمك واللحم. فقال: لو كان عندي ما اعتللت.
أصاب بعضهم صداع، فضمّد رأسه بدار صيني، وفلفل. فقال له الطبيب: عزمت على أن تضعه في التنور؟.
الباب السادس والعشرون
اتفاقات عجيبة في الجد والهزلقال حمّاد بن الزبرقان: حفظت ما لم يحفظ أحد، ونسيت ما لم ينس أحد. كنت لا أحفظ القرآن، فأنفت أن أجيء بمن يعلّمني، فحفظته من المصحف في شهر واحد. ثم قبضت يوماً على لحيتي لأقص ما فضل عن قبضتي فنسيت أني أحتاج أن أقصّ ما دون القبضة فقصصت أعلاها، فاحتجت أن أجلس في البيت سنةً إلى أن استوت.
حدّث أبو عاصم النبيل بحديث فقال: حدثني أبو بكر ابني عني. وكان الابن كتبه عنه ونسيه الأب فذكّره.
وفي ضد ذلك، ما حكاه الصاحب رحمه الله عن بعضهم، قال: كان يقول: حدثني ابني عني كأنه أعلم به مني، على معنى قولهم: " كمعلمة أمّها البضاع " .
قال بعضهم: من طرائف المحبان أني بت ليلة عند قوم، وحركتني الطبيعة في بعض الليل، ولم أعرف موضع الخلاء، فوقعت على بيت فيه مهد، وفيه صبي نائم وليس عنده أحد، فعمدت إلى الصبي فأخرجته من المهد، وجعلته في حجري، وجمعت عليه ذيلي، وحوّلت استي على المهد وخريت فيه، وقمت أرد الصبي، فإذا به قد وضع في حجري أضعاف ما خريت في مهده، فبقيت متحيّراً في محنة، ما أعلم أن أحداً دُفع إلى مثلها.
وحكي أنه فعل مثل ذلك إنسان آخر ببستوقة فيها صحناة، في دار رجل كان قد أضافه، وأنه قدّم إليه ذلك في طعامه من غد.
قال عبد الملك بن عمر الليثي: دخلت على عبد الملك بن مروان وهو جالس في بهو على سرير، وقد وضع بين يديه رأس مصعب بن الزبير. قلما رأيته قلت متعجباً: لا إله إلا الله!! لقد رأيت اليوم عجباً تذكرت به عجائب. قال: وما ذاك؟ قلت: رأيت عبيد الله بن زياد في هذا البهو جالساً على هذا السرير، وبين يديه رأس الحسين بن علي، عليه السلام. ثم دخلت بعد ذلك على المختار في هذا البهو جالساً على هذا السرير، وبين يديه رأس عبيد الله بن زياد. ثم دخلت على مصعب في هذا البهو على هذا السرير، وبين يديه رأس المختار. وقد دخلت عليك يا أمير المؤمنين في هذا البهو على هذا السرير، وبين يديك رأس مصعب. فبادر عبد الملك ونزل عن السرير، وخرج من البهو، وأمر بهدمه.
قُرئ في أخبار البرامكة: أنه وجد في بعض الأوارجات السلطانية في أولها: وما حُمل إلى الأمير أبي الفضل جعفر بن يحيى أعزه الله لهدية النيروز من العين الطرز مائة ألف دينار. وفي آخر الحساب: وما أُخرج لثمن النفط والبواري والحطب لإحراق جثة جعفر بن يحيى بضعة عشر درهماً.
ركب يزيد بن نهشل النهشلي بعيراً له، فلما استوى في غرزه قال: اللهم إنك قلت: " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " . اللهم إني أشهدك أني له مقرن. فنفر البعير، وتعلّقت رجله في الغرز، والبعير يجمز به حتى مات.
قال ثعلب: قال السدّيّ: أتيت كربلاء أبيع البزبها، فعمل لنا شيخ من طيّ طعاماً فتعشينا عنده، فذكرنا قتل الحسين، رضي الله عنه، فقلت: ما شرك في قتله أحد إلا مات بأسوأ ميتة. فقال: ما أكذبكم يا أهل العراق! فأنا فيمن شرك في ذلك. فلم نبرح حتى دنا من المصباح وهو يتّقد بنفط، فذهب يُخرج الفتيلة بإصبعه، فأخذت النار فيها، فجعل يطفئها بريقه، فأخذت النار في لحيته، فعدا فألقى نفسه في الماء، فرأيته كأنه حممة.

قالوا: كان بمدينة السلام رجل ذو يسار، فبينا هو ذات يوم في منزله - وقد جلس ليأكل مع امرأته، وبين يديه سكباجة قد فاحت رائحتها - إذ دنا سائل من الباب، وكان ممن امتحن بنكبة بعد نعمة، فقال: أطعموني من فضل ما رزقكم الله. فقامت المرأة وغرفت له من القدر، وأخذت رغيفين لتناوله. فلما رأى الزوج ذلك حلف عليها ألاّ تدفع إليه شيئاً، ومضى السائل خائباً حزيناً، واستوفى الرجل طعامه، وصعد السطح لبعض حوائجه فعثر بشيء وانتكس، فسقط في الأرض، ووقص ومات.
وحازت المرأة ميراثه وتصرفت فيه، وفرقّت شيئاً من أسبابه الرثّة في المساكين، فكان في جملتها مضرّبة خلقة وقعت إلى هذا الرجل السائل ففتّها ليغسلها ويجعلها قميصاً يلبسه، فوجد فيها ألف دينار، فأخذها وغيّر بها حاله. وضرب الدهر، وأتت على ذلك الأيام، فطلب امرأة يتزوجها. فقالت له بعض الدلاّلات: هاهنا امرأة صالحة قد ورثت، فما تقول في مواصلنها؟ فأنعم لها. فسعت الدلالة بينهما حتى اتفقا واجتمعا، فلما دخل بها تحدثا ذات يوم فقالت المرأة: فاعلم أن هذه الدار التي وقفت عليها، وأنا تلك المرأة، وأن زوجي صعد في ذلك اليوم السطح فسقط ومات. وقد أورثك الله ماله ومسكنه وزوجته، فسجد الرجل شكراً، وحدّث إخوانه تعجّباً.
قال بعض تجار البحر: حملنا مرةً متاعاً إلى الصين من الأبلة - وكان قد اجتمع ركب فيه عشر سفن، قال: ومن رسمنا إذا توجهنا في مثل هذا الوجه أن نأخذ قوماً ضعفاء، ونأخذ بضائع قوم - فبينا أنا قد أصلحت ما أريد إذ وقف عليّ شيخ، فسلّم، فرددت، فقال: لي حاجة قد سألتها غيرك من التجار فلم يقضها. قلت: فما هي؟ قال: اضمن لي قضاءها حتى أقول. فضمنت، فأحضرني رصاصةً فيها نحو من مائة منّا، وقال لي: تأمر بحمل هذه الرصاصة معك، فإذا صرتم في لجّة كذا فاطرحها في البحر. فقلت: يا هذا، ليس هذا مما أفعله. قال: فقد ضمنت لي. وما زال بي حتى قبلته، وكتبته في رزنامجي. فلما صرنا في ذلك الموضع عصفت علينا ريح فنسينا أنفسنا وما معنا، ونسيت الرصاصة، ثم خرجنا من اللجة وسرنا حتى بلغنا موضعاً، فبعت ما صحبني. وحضر بي رجل فقال لي: أمعك رصاص؟ فقلت ليس معي رصاص، فقال لي غلام: معنا رصاص. قلت: لم أحمل رصاصاً معي. قال: بلى، الشيخ سلّم إليك، فذكرت فقلت: خالفناه وبلغنا هاهنا وما عليّ أن أبيعه، فإن ذلك فيه ما أراد. فقلت للغلام: أحضرها، وساومني الرجل بها، فبعتها بمائة وثلاثين دينارا. وابتعت بها للشيخ من طرائف الصين. وخرجنا فوافينا المدينة، وبعت تلك الطرائف فبلغت سبعمائة دينار، وصرت إلى البصرة إلى الموضع الذي وصفه الشيخ، ودققت باب داره، وسألت عنه، فقيل: قد توفي قلت: فهل خلّف أحداً يرثه؟ قالوا: لا نعلم إلا ابن أخ له في بعض نواحي البحر. قال: فتحيّرت، وقيل لي: إن داره موقوفة في يد أمين القاضي، فرجعت إلى الأُبُلّة والمال معي. فبينا أنا ذات يوم جالس إذ وقف على رأسي رجل فقال: أنت فلان؟ قلت: نعم. قال: أكنت خرجت إلى الصين؟ قلت: نعم. قال: وبعت رجلاً هناك رصاصا؟ قلت: نعم. قال: أفتعرف الرجل وتأملته؟ قلت: أنت هو. قال: نعم. إني قطعت من تلك الرصاصة شيئاً لاستعمله، فوجدتها مجوفة، ووجدت فيها اثني عشر ألف دينار، وقد جئت بالمال، فخذ، عافاك الله. فقلت له: ويحك!! والله ما المال لي، ولكنه كان من خبره كذا وكذا، وحدثته. قال: فتبسم الرجل، ثم قال: أتعرف الشيخ؟ قلت: لا. قال: هو عمي، وأنا ابن أخيه، وليس له وارث غيري، وأراد أن يزوي هذا المال عني، وهو هرّ بني من البصرة سبع عشرة سنةً، فأبى الله إلا ما ترى على رغمه. قال: فأعطيته الدنانير كلّها ومضى إلى البصرة وأقام بها.
قال بعضهم: جلس رجل إلى قوم، فصاح به إنسان من خلفه، فالتفت إليه فمات. فقيل لابنه: كيف مات أبوك؟ فحكى لهم كيف مات أبوه والتفت ومات هو أيضاً.
قال يحيى بن اليمان: رأيت رجلاً بات أسود الرأس واللحية شابّاً ملء العين، نام ليلةً فرأى في منامه كأن الناس قد حُشروا، وإذا بنهر من لهب النار، وإذا بجسر يجوز الناس عليه، يُدعون بأسمائهم. فإذا نودي الرجل أجاب، فنجا أو هلك. قال: فدُعي باسمي، فدخلت الجسر، فإذا هو كحدّ السيف يمور بي يميناً وشمالاً. قال: فأصبحت أبيض الرأس واللحية.

قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: حدثنب أبو محمد الرباطي - رباط خاوة من عمل جرجان - قال: كنت قباراً، فبينا أنا في منزلي إذ طرقني ليلاً ركب مستعجلين فركبت، فإذا أنا بشموع وخدم، فأمروني بالحفر، فحفرت قبراً، وأدعوه تابوتاً، وعفيت عليه بالتراب، وأجالوا خيلهم عليه، تغويراً للموضع فانصرفوا. فظننت أنه كنز، فأسرعن فانتشته، وكشفت عن التابوت فإذا فيه رجل فوضعت يدي على أنفه، فإذا هو قريب من التلف، فاستخرجته وأعدت التراب إلى ما كان عليه، واحتملته إلى منزلي. وعاد القوم حذراً أن يكون قد تُنُبّه على ما في التابوت، ونفضوا الصحراء التي كان فيها، فلم يجدوا أثراً ولا حسّاً لأحد، وأنا مشرف من منزلي أرى ما يصنعون. فلما أمنوا مما توهمّوا انصرفوا. وترادّت نفس الرجل، فسألته عن حاله. فقال: أنا محمد ابن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ، رضي الله عنهم، فأقام عندي إلى أن قويت نفسه وتراجعت، ثم شخص إلى العراق، ثم إلى الحجاز، وظهر باليمن، وبويع له بأمير المؤمنين، ودخل مكة، ثم خرج على عهدهم وبايع المؤمنون لابن أخيه عليّ بن موسى بالعهد، فخرج محمد إلى المأمون بخراسان. وأدركته منيته بجرجان، فاحتفرت له ودفنته، فكان بين الدفنين عشر سنين.
قالوا: كانت في عبد الصمد بن عليّ عجائب: منها أنه مات بأسنانه التي ولد بها ولم يثّغر وكانت أسنانه قطعةً واحدةً.
ومنها أنه كان في قعدد يزيد بن معاوية، هما في النسب إلى عبد مناف سواء.
وقام على منبر قام عليه يزيد وبينهما مائة سنة.
وحج بالناس في سنة مائة وسبعين وحجّ يزيد بالناس في سنة خمسين وبينهما مائة وعشرون سنةً.
ومنها أنه دخل سربا فيه ريش فطارت ريشتان فلصقتا بعينيه فذهب بصره.
ومنها أنه كان يوماً عند الرشيد، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مجلس فيه أمير المؤمنين، وعمّه، وعم عمّه وعم عم عمه يعني سليمان بن أبي جعفر عم الرشيد، والعباس بن محمد عم أبيه، وعبد الصمد عم جده. ويقال: إن أم عبد الصمد هي كثيرة التي يقول فيها ابن قيس الرقيات:
عاد له من كثيرة الطرب ...
ومن الاتفاقات العجيبة، ما كان من المعتصم وإبراهيم بن المهدي. قال الصولي: لا نعرف خليفة قبل يد خليفة ثم قبل ذلك الخليفة بعينه يده، إلا ما كان من فعل المعتصم بإبراهيم ثم فعل إبراهيم بالمعتصم. وحدّث قال: كان المعتصم في فتنة الأمين يمضي مع علي بن الجنيد إلى إسكاف فيقيم عنده، ولا يقصر علي في خدمته وإكرامه والنفقة عليه. وكان علي أكثر الناس مزاحاً، واحسنهم كلاماً. فآذاه المعتصم في شيء فقال علي: والله لا تفلح أبداً - على المزح - فحفظها المعتصم، فلما دخل بغداد خليفةً، أمر وصيفاً بإحضار عليّ، فأحضروه، وكان عدوّاً للفضل بن مروان فقال له: يا عليّ، زعمت أني لا أفلح أبدا، هل بعد هذا الفلاح شيء من أمر الدنيا؟ فقال له: الذي أفلح عندي الفضل بن مروان، فضحك المعتصم - وكان يقول: من ذلك اليوم اعتقدت أن أنكب الفضل - ثم قال: يا عليّ، أتذكر حيث وقفت لإبراهيم بن المهدي بمرّبعة الخرسيّ فنزلت فقبّلت يده، ثم أدنيت ابني هارون فقبّل يده، وقلت: عبدك هارون ابني، فأمر له بعشرة آلاف درهم؟ قال عليّ: أذكر لك. قال: فإنه ترجّل لي اليوم وقبّل يدي في ذلك الموضع بعينه، ثم قال لي: عبدك هبة الله ابني، وأدناه وقبّل يدي، فأمرت له بعشرة آلاف درهم، ولم تطب له نفسي بغيرها. فقال: بئس والله ما فعل أمير المؤمنين. قال: وكيف؟ ويلك! قال: إبراهيم أمر لهارون بعشرة آلاف درهم وليس في يده إلا بغداد وحدها. وفي يد أمير المؤمنين الشرق والغرب. قال: صدقت، أعطوه عشرة آلاف دينار. وفرّق المعتصم في أهله ثلاثين ألف درهم.
دخل إيتاخ إلى الواثق وهو بآخر رمق لينظر هل مات أم لا، فلما دنا منه نظر إليه الواثق بمؤخر عينه ففزع إيتاخ ورجع القهقري إلى أن وقع سيفه في ملبن الباب فاندق، وسقط إيتاخ على قفاه هيبةً لنظرة الواثق. قيل: فلم تمض ساعةً حتى مات الواثق فعُزل في بيت ليُغسل، واشتغلوا عنه، فجاءت هرّة فأكلت عينه التي نظر بها إلى إيتاخ فتراجع وسقط واندق سيفه هيبةً منها، فعجب الناس من ذلك. وكان إيتاخ زعيماً لسبعين ألف غلام تركيّ.

ومثله لسان مروان بن محمد، فإنه لمّا قُتل، وأخذ رأسه وأرادوا إنفاذه إلى أبي العباس أمروا بتنظيفه، فجاء كلب فأخذ لسانه وجعل يمضغه. فقال عبد الله بن عليّ: " لو لم يرنا الدهر من عجائبه إلا لسان مروان في فم كلب لكفانا ذلك " .
قيل: إنه كان سبب موت المنتصر، أنه وجد حرارةً، فقصد بمبضع مسموم فمات. وأن الطبيب الذي فعل به ذلك احتاج إلى الفصد بعد ايام، فأخرج لتلميذه دست مباضع ليفصده، وفيها ذلك المبضع، وقد أُنسيه، فقصده به تلميذه فمات الطبيب.
وحُكي عن المستعين أنه قال: كان المنتصر قد جعلني في ناحية أخيه موسى الأحدب - وكان لأبيه وأمه - وأحسن إليّ، فلما ثقل اغتممت، ورأيت موسى مسروراً طامعاً في الخلافة، فانصرفت إلى بيتي مغموماً فطرقني رسول أتامش ففزعت لذلك، وودّعت أمي وخرجت مع جماعة من الموالي حتى أُدخلت حجرةً، وجاءني كاتب فسكّن مني، وجعل يؤنسني ويحدثني ويخدمني، فأصبحت يومي صائماً. وأخرجوني في عشيّة ذلك اليوم، فبايعوني.
قال أحمد بن أبي الأصبغ: لما ولى المستعين الخلافة، دعاني أحمد بن الخصيب - وقد استوزره - فقال لي: أكتب الساعة في إشخاص أبي صالح عبد الله بن محمد بن يزداد، من فارس بأسرع من عندك وأفرههم. فورد أبو صالح بعد شهر، فمكث جمعة ودب في أمر أحمد بن الخصيب حتى ولّي مكانه ونفي أحمد بن الخصيب إلى أقريطش. قال: فدعاني أبو صالح حين ولّي فقال: اكتب الساعة إلى همذان في إشخاص شجاع بن القاسم إلى الحضرة، ووجّه إليه بالذي جاء بي من فارس، قال: ففعلت ذلك، فوافى شجاع، فتقلد كتبة أوتامش، فلما تمكن نكب أبا صالح وقام مكانه.
خرج أبو العيناء - وهو ضرير له نيّف وتسعون سنة - إلى البصرة في سفينة فيها ثمانون نفساً، فغرقت فلم يسلم غيره، فلما صار إلى البصرة توفي بها وذلك في سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
كان الواقدي شيخاً سمحاً، وأظله شهر رمضان، ولم تكن عنده نفقة، فاستشار امرأته بمن ينزل خلّته من إخوانه؟ فقالت: بفلان الهاشمي. فأتاه فذكر له خلته فأخرج له صرة فيها ثلاثمائة دينار فقال: والله ما أملك غيرها. فأخذها الواقدي. فساعة دخل منزله جاءه بعض أخولته وشكا إليه، خلته فدفع إليه الصرة بختمها، وعاد صاحب الصرة إلى منزله. فجاءه الهاشمي فشكا خلته فناوله الصرة فعرفها الهاشمي، فقال له: من أين لك هذه؟ فحدثه بقصته، فقال: قم بنا إلى الواقدي، فأتوه. فقال له الهاشمي: حدثني عنك وعن إخراج الصرة فحدثه الحديث على وجهه فقال الهاشمي: فأحق ما يعمل في هذه الصرة أن نقتسمها ونجعل فيها نصيباً للمرأة التي وقع اختيارها عليه، ففعلوا.
جاء وفد من اليمن فقالوا: يا رسول الله، لقد أحيانا الله تعالى ببيتين من شعر امرئ القيس.قال: وما ذاك؟ قالوا: أقبلنا نريدك حتى إذا كنا بموضع كذا وكذا أخطأنا الماء، فمكثنا ثلاثاً لا نقدر عليه، فانتهينا إلى موضع طلح وسمر، فانطلق كل رجل منا إلى أصل شجرة ليموت في ظلها. فبينا نحن في آخر رمق، إذا راكب قد أقبل معتم، فلما رآه بعضنا تمثل:
لما رأت أن الشريعة همها ... وأن البياض من فرائصها دامي
تيممت العين التي عندها ضارج ... يفيء عليها الظل عرمضها طامي
فقال الراكب: من يقول هذا الشعر، فقال بعضنا: امرؤ القيس. قال: هذه والله ضارج عنكم - وقد رأى ما بنا من الجهد - فزحفنا إليها فإذا بيننا وبينه نحواً من خمسين ذراعاً؛ وإذا هي كما وصف امرؤ القيس يفيء عليها الظل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذاك رجل مشهور في الدنيا خامل في الآخرة، مذكور في الدنيا منسي في الآخرة، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار " .
قالوا: بينا حذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي يتذاكران عجائب الزمان وتغير الأيام - وهما في عرصة إيوان كسرى، وكان أعرابي من غامد يرعى شويهات له نهاراً، فإذا كان الليل صيرهن إلى داخل العرصة، وفي العرصة سرير رخام كان ربما عليه جلس كسرى، فصعدت شويهات الغامدي إلى ذلك السرير - فقال سلمان: " ومن أعجب ما تذاكرنا صعود غنيمات الغامدي إلى سرير كسرى " .

قال بعضهم: دخلت على صابح مولى منارة في يوم شات وهو في قبة طارمة مغشاة بالسمو، مفروشة بالسمور، وبين يديه كانون من فضة، وهو يوقد عليه بعود. ثم مرت سنيات فرأيت صابحاً على حمار بإكاف يقف على الناس على الجسر فيقول: أنا صابح مولى منارة، تصدقوا علي رحمكم الله، فلا يطيعه كثير من الناس، وإن أعطاه إنسان، أعطاه درهماً واحداً فما دونه.
قال الجاحظ: نصب ابن لمحمد بن إبراهيم - كاتب ابن أبي داود - فخاً على ظهر الطريق إلى جانب حائط. فجاء بعض الأتراك فبال في موضعه، فلما أراد أن يتمسح، نظر إلى نبكة مرتفعة فتمسح بها، فوقع الفخ في ذكره وخصييه وظن التركي أنه أفعى، فمر يعدو، وابن محمد يعدو خلفه ويصيح: فخي، فخي. والتركي يقول: فخ إيش؟ ويلك! فاجتمع الناس فخلصوا خصيي تركي من الفخ. وكتب بذلك صاحب البريد إلى المعتصم، فلما دخل ابن أبي داود، قال له: من كاتبك هذا الذي يصيد ابنه خصى الأتراك بالفخاخ؟ فقال: والله ما أعرفه يا أمير المؤمنين، فلما انصرف سأل عن الخبر، وأخرج الغلام من داره.
قال بعض الأعراب: أضللت بعيراً لي فخرجت في طلبه، فبينا أنا أسير إذ رأيت خباء فإذا فيه جارية جميلة. فاستضفتها فأضافتني، وقدمت إلي طعاماً، فلما مددت يدي إليه، طلع بعلها فقال: ما هذا؟ قالت: ضيف استقرانا فقريناه. فقال: وإنما تزوجت لتقرين الضيف؟ اخرج عافاك الله، فخرجت من الخباء وركبت بعيري وتركته يذهب حيث شاء، قال: فأضاء لي الفجر عن فتى كأن وجهه فلقة قمر، قلت: هل من مضافة، قال: انزل فقدم إلي طعاماً، فلما شرعت في الأكل إذا زوجته قد طلعت فقالت: ما هذا؟ قال: ضيف استضافنا فأنزلناه. فقالت: إنما تزوجتك على أن تقري الأضياف؟ قم عافاك الله واخرج. قال: فضحكت. فقال لي: مم ضحكت؛ قلت: نزلت في أول الليل على جارية كان من قصتها كيت وكيت، ثم نزلت عليك فكان من قصتك ما رأيت. قال: أفلا أخبرك بأعجب من ذلك؟ قال: بلى. قال: تلك والله أختي لأبي وأمي، وهذه أخت الرجل لأبيه وأمه.
وصلى الله على محمد وآله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق