جاري فوري

موقع المناعة وعناصرها

السبت، 28 مارس 2020

كتاب : ربيع الأبرار المؤلف : الزمخشري {من ج1 الي ج5.}

 
كتاب : ربيع الأبرار {من ج1 الي ج5.}
المؤلف : الزمخشري

بسم الله الرحمن الرحيم
  هو حسبي ونعم الوكيل الحمد لله الذي استحمد الى عباده بموجبات المحامد، مما اسبغ عليهم من نعمه البوادي العوائد، حمدا ملء ذات الرجع، وطلاع ذات الصدع، إلى أن يبلغ رضاه، ويقضي موجب حقه ومقتضاه.
والصلاة على النبي المرسل رحمة للعالمين المبتعث قدوة للعالمين ادحض بآياته حجج المبطلين، ومحق بمعجزاته شبه المعطلين، والرضوان على من طاب وطهر من عشيرته وأهل قرابته، وهاجر ونصر من أحبته وصحابته، ومن كاشف دونه العجم والعرب، حتى كشف عن وجهه الكرب، والرحمة على من اتبعهم بإحسان، وعلى علماء الملة الحنيفية في كل زمان.
وهذا كتاب قصدت به اجمام خواطر الناظرين في الكشاف عن حقائق التنزيل، وترويح قلوبهم المتعبة باجالة الفكر في استخراج ودائع علمه وخباياه، والتنفيس عن أذهانهم المكدودة باستيضاح غوامضه وخفاياه، وأن تكون مطالعته ترفيها لمن مل، والنظر فيه أحماضا لمن اختل، فأخرجته لهم روضة مزهرة وحديقة مثمرة، متبرجة بزخارفها، مياسة برفارفها، وتمتع برايع زهرها، وتلهي بيانع ثمرها، وتقر العيون بآنق مرآها، وتفعم الأنوف بعبق رياها، وتلذ الأفواه بطيب جناها، وتستنصت الآذان إلى خرير مائها الفياض، وتطبي النفوس إلى برد ظلها الفضفاض، وتميل الأعطاف بغصونها ألاماليد، وطيورها المستملحة الأغاريد، نزهة المستأنس، ونهزة المقتبس، من خلا به استغنى عن كل جليس، ومن أنس به سلا عن كل أنيس. أين من طيب ندامه نديما مالك وعقيل، وأين من ذل غزله كثير عزة وجميل. أن أردت السمر فياله من سمير، وان طلبت الخبر فقد سقطت على خبير، وان بغيت العظات المبكية ففيه ما يشرق بالدمع أجفانك أو الملح المضحكة ففيه ما يفر بضاحكه أسنانك.
مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن اربع ساعات، فساعة فيها يناجي ربه، وساعة فيها يحاسب نفسه، وساعة فيها يفضي إلى أخوانه الذين يصدقونه عن عيوب نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عونا لتلك الساعات وأجماما للقلوب.
وعن علي رضي الله عنه: أجموا هذه القلوب وأبتغوا لها طرائف الحكمة فأنها تمل كما تمل الأبدان، وفي رواية: أن هذه النفوس تمل، وهذه القلوب تدثر، فابتغوا لها طرائف الحكم وملاهيها.
وعن ابن عباس أنه كان يقول عند ملله: أحمضوا فيخوضون عند ذلك في الأخبار والأشعار.
وعن قسامة بن زهير: روحوا القلوب تع الذكر.
وعن سلمان الفارسي: أنا احتسب نومتي كما أحتسب قومتي وعن أردشير بن بابك: أن للآذان مجة، وللقلوب ملة، ففرقوا بين الحكمتين بلهو يكن ذلك استجماما.
وعن بعض العرب: روحوا الأذهان كما تروحون الأبدان.
وعن آخر: نفسك راحلتك، أن رفهتها اضطلعت وأن نفهتها انقطعت.
أسأل الله أن يجعل جميع ما تصوره أفكارنا في النفوس، وتسطره أيدينا في الطروس، مبتغي به وجهه، متوخي فيه رضوانه، مأمونا معه سخطه، مرجوا عنده غفرانه، أنه المولى المولي كل حظ جسيم، الموري زناد كل خير عميم.
باب
الأوقات وذكر الدنيا والآخرةالحسن: يا ابن آدم إلى متى هذا التسويف، فإنك ليومك ولست لغدك، فإن يكن غد لك فكس، كما كست في يومك، وأن لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطته في يومك. لقد أدركت أقواما ما كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه ولا ديناره.
ولا تزج فعل الصالحات إلى غد ... لعل غداً يأتي وأنت فقيد
فرعون التميمي: قل من احتلب خلف الزمان ألا رمح بقدم الحدثان.
نزل النعمان بن المنذر تحت شجرة ليلهو، فقال له عدي: أيها الملك أتدري ما تقول هذه الشجرة، ثم أنشأ يقول:
رب ركب قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال
ثم أضحوا عصف الدهر بهم ... وكذاك الدهر حالا بعد حال
فتنغص على النعمان يومه.
قيل لبعضهم أيما أطيب الخريف أم الربيع؟ قال: الربيع للعين والخريف للفم.
أنشد ابن الأعرابي:
يا سبعة كلهم أخوان ... ليسوا يموتون وهم شبان
لم يرهم في موضع أنسان هي أيام الجمعة.
الخليل: الأيام ثلاثة، معهود، ومشهود، وموعود، أراد الامس واليوم والغد.
أعرابي: من أفاده الدهر أفاد منه.
ابن السماك: الدنيا من نالها مات منها، ومن لم ينلها مات عليها.

موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي:
إذا أنا لم أقبل من الدهر كلما ... تكرهت منه طال عتبي على الدهر
قيل لابن جريج كم صيفكم بمكة، قال ثلاثة عشر شهراً.
وأني رأيت الدهر منذ صحبته ... محاسنه مقرونة بمعايبه
إذا سرني في أول الأمر لم أزل ... على حذر من غمه في عواقبه
عن علي رضي الله عنه: من وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع.
حكيم: الدنيا تطلب لثلاثة أشياء: للغنى، والعز، والراحة، فمن زهد فيها عز، ومن قنع استغنى، ومن قل سعيه استراح.
قال الحسن لعلي: أما ترى حب الناس للدنيا، قال: هم أولادها، أفيلام المرء على حب والدته؟ علي رضي الله عنه: الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب، إذا قربت من أحدهما بعدت من الآخر.
وعن علي رضي الله: من وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع في عقله.
بكر بن عبد الله المزنى: المستغني عن الدنيا بالدنيا كالمطفي النار بالتبن.
ابراهيم بن اسماعيل: العجب لمن يغتر بالدنيا وإنما هي عقوبة ذنب.
الاصمعي: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: كنت أدور في ضيعة لي سمعت من يقول:
وأن امرءاً دنياه أكبر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور
فجعلته نقش خاتمي.
ناسك: صاح الدنيا مسكين يأكلها لماً، ويوسعها ذماً.
الحسن: قال: لرجل كيف طلبك للدنيا؟ قال: شديد. قال: فهل أدركت منها ما تريد؟ قال: لا. قال: فهذه التي تطلبها لم تدرك منها ما تريد فكيف التي لم تطلبها؟ أعرابي: أطيب الزمان ما قرت به العينان.
وهب: بينما ركب يسيرون هتف بهم هاتف:
ألا إنما الدنيا مقيل لرائح ... قضى وطراً من حاجة ثم هجرا
قييل لحكيم: ما مثل الدنيا؟ قال: هي أقل من أن يكون لها مثل.
أعرابي: خرجت في ليلة حندس قد ألقت على الأرض أكارعها، فمحت صور الأبدان فما كنا نتعارف إلا بالأذان، فسرنا حتى أخذ الليل ينفض ضبعيه، قال رجل:
تطاول الليل لا تسري كواكبه ... أم حار حتى رأيت النجم حيرانا
فأجابه آخر:
ما طال ليل ولا حارت كواكبه ... ليل المحب طويل كيف ما كانا
قال شاعر
كأنما الليل الطويل بها ... قصراً وطيبا قبلة الخلس
علي بن عبيدة: عين الدهر تطرف بالمكاره والخلائق بين أجفانه.
قيل لراهب: متى عيدكم؟ قال: كل يوم لا أعصي الله فيه فهو يوم عيد.
قيل لزاهد: أي خلق الله أصغر؟ قال: الدنيا إذ كانت لا تعدل عنده جناح بعوضة. فقال السائل: ومن عظم هذا الجناح كان أصغر منه.
أراد بعض الاعراب السفر في أول السنة فقال: أن سافرت في المحرم كنت جديراً أن أحرم، وأن رحلت في صفر خشيت على يدي أن تصفر، فأخر السفر إلى شهر ربيع. فلما سافر مرض ولم يحظ بطائل، فقال: ظننته من ربيع الرياض فإذا هو من ربع الامراض.
وأن امرء قد جرب الدهر لم يخف ... تقلب عصريه لغير لبيب
الآن أدبني الزمان ومن يكن ... مستمليا أخباره يتأدب
الدهر لم تركد رحاه ساعة ... متلون ذو ألسن ووجوه
يقولون أن العام خلف نوؤه ... وما كل عام روضة وغدير
عن أبي زيد الانصاري: دخلت على أبي الدقيش وهو مريض، فقلت: كيف تجدك؟ قال: أجد ما لا أشتهي، وأشتهي ما لا أجد، وأنا في زمان سوء من وجد لم يجد، ومن جاد لم يجد.
قيل للحسن: يا أبا سعيد أما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزداد الزمان إلا شدة، ولا تقوم الساعة إلا على شرار خلقه؟ قال: بلى قيل فما بال زمن عمر بن عبد العزيز؟ قال: لا بد للناس من تنفيس.
قد اغتدي والليل في حريمه ... معسكراً في الغر من نجومه
والصبح قد نشم في أديمه ... يدعه بضفتي حيزومه
دع الوصي في قفا يتيمه الجاحظ: يوم النيروز أسن من يوم المهرجان بعمر طويل، لأن النيروز قبل الطوفان في ملك جم، وهو اليوم الذي ابتدأ فيه في كيس موضع باصبهان كان عميقا جداً، كل من وقع فيه لم يقدر على الخروج منه، والمهرجان في زمان أفريدون، وهو اليوم الذي قيد فيه الضحاك في جبل دنيا ند فاتخذه عيداً.
أبو السمط في المتوكل:

بدولة جعفر حسن الزمان ... لنا في كل يوم مهرجان
جعلت هويتى لك فيه وشياً ... وخير الوشي ما نسج اللسان
جحظة البرمكي:
وليل في كواكبه حران ... فليس لطول مدته انتهاء
عدمت تبلج الاصباح فيه ... كأن الصبح جود أو وفاء
النبي صلى الله عليه وسلم: من أصبحت الدنيا همه وسدمه نزع الله الغنى من قلبه، وصير الفقر بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له. ومن أصبحت الآخرة همه وسدمه نزع الله الفقر من قلبه، وصير الغنى نصب عينيه، وأتته الدنيا وهي راغمة.
مثل الدنيا والآخرة مثل رجل له ضرتان، أن أرضى أحداهما أسخط الآخرى.
المسيح عليه السلام: أنا الذي كفأت الدنيا على وجهها، فليس لي زوج تموت، ولا بيت يخرب.
وهب بن منبه: الدنيا غنيمة الاكياس، وحسرة الحمقى.
يحيى بن معاذ: الدنيا حانوت الشيطان، فلا تسرق من حانوته شيئاً فيجىء في طلبك فيأخذك. وعنه: الدنيا دار خراب، وأخرب منها قلب من يعمرها، والآخرة دار عمران، وأعمر منها قلب من يطلبها.
النبي عليه السلام: ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا الآخرة للدنيا، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه.
علي بن الحسين السجاد: الدنيا سبات، والآخرة يقظة، ونحن بينهما أضغاث.
كان الحسن يتمثل كثيرا بقول نهشل بن حري:
وما الدنيا بباقية لحي ... ولا حي على الحدثان باقي
قيل لمحمد بن واسع أنك لترضى بالدون. قال إنما رضي بالدون من رضي بالدنيا.
فرقد: اتخذوا الدنيا ظئرا، واتخذوا الآخرة أماً، ألم تروا إلى الصبي إذا ترعرع وعقل رمى بنفسه على أمه، وترك ظئره.
هرم بن حبان: ما آثر الدنيا على الآخرة حكيم، ولا عصى الله كريم.
شاعر:
ولم أر مثل الليل جنة فاتك ... إذا هم أمضى أو غنيمة ناسك
آخر:
ماذا يريني الليل من أهواله ... أنا ابن عم الليل وابن خاله
إذا دجا دخلت في سرباله ... لست كمن يغرق من خياله
يزيد الرقاشي: أيامك ثلاثة، يومك الذي ولدت فيه، ويوم نزولك قبرك، ووم خروجك إلى ربك، فياله من يوم قصير خبىء له يومان طويلان.
اجتمعت عند رابعة عدة من الفقهاء والزهاد، فذموا الدنيا، وهي ساكتة، فلما فرغوا قالت لهم: من أحب شيئا أكثر من ذكره، أما بحمد وأما بذم، فإن كانت الدنيا في قلوبكم لا شيء فلم تذكرون لا شيء؟ شاعر:
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر
كان زبيد اليامي وعلقمة وجماعة من الزهاد إذا كان يوم النيروز أو المهرجان اعتكفوا في مساجدهم، وقالوا: اللهم أن هؤلاء اعتكفوا على كفرهم وجورهم، اللهم وأنا اعتكفنا على إيماننا فاغفر لنا.
أهدى النعمان بن المرزبان جد أبي حنيفة الفالوذج إلى علي رضي الله عنه يوم النيروز، فقال: نورزونا كل يوم. وقيل يوم المهرجان، فقال: مهرجونا كل يوم.
داود الطائي: إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة بعد مرحلة، حتى تنتهي بهم إلى آخر سفرهم، فان استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب، والأمر أعجل من ذاك، وكأنك قد بغتك. وعنه: لا تمهر الدنيا دينك، فإن من أمهر الدنيا دينه زفت إليه الندم. وسأله رجل أراد أن يتعلم الرمي، فقال: أن الرمي حسن، ولكنها أيامك فانظر بم تقطعها.
الثوري: إذا أردت أن تعرف الدنيا، فانظر في يد من هي.
عمر بن ذر الهمداني: أمس واليوم أخوان نزل بك أحدهما، فاسأت نزله وقراه فرحل عنك وهو ذام، ثم نزل بك أخوه، فقال: امح إساءتك إلى أخي باحسان إلي، فما أخلقك أن ألحقتني في الاساءة بأخي أن تعطب بشهادتنا عليك.
محمد بن سوقة: مثل الدنيا والآخرة ككفتي الميزان بقدر ما ترجح احداهما تخف الاخرى.
شاعر:
صبحتهم والفجر ينفض رأسه ... قد هم بالاسفار أو لم يسفر
والليل منهزم الظلام يشله ... ضوء كناصية الحصان الاشقر
البعيث:
تطاول هذا الليل حتى كأنه ... إذا ما مضى تثنى عليه أوائله
ابن الدمنية:
نهاري نهار الناس حتى إذا دنا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالأحاديث والمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع

ابن دريد:
يا ليل لا تبح الاصباح حوزتنا ... ولتحم جانبه أعناقك السود
بنى ملك من بني اسرائيل مدينة فتنوق في بنائها، ثم صنع للناس طعاما، ونصب على باب المدينة من يسأل عنها، فلم يعبها أحد، إلا ثلاثة عليهم الأكسية، فانهم قالوا: رأيا عيبين، فسألهم، فقالوا: تخرب ويموت صاحبها. فقال: هل تعلمون داراً تسلم من هذين العيبين؟ قالوا: نعم، الآخرة، فخلى ملكه وتعبد معهم زمانا، ثم ودعهم، فقالوا: هل رأيت منا ما تكرهه؟ قال: لا، ولكن عرفتموني فأنتم تكرمونني،، فأصحب من لا يعرفني.
ابن السماك: من جرعته الدنيا حلاوتها بميله إليها، جرعته الآخرة مرارتها بتجافيه عنها.
مجاهد: ما من يوم من أيام الدنيا يمضي إلا قال: الحمد لله أراحني من الدنيا وأهلها، ثم يطوى ويختم حتى يكون الله هو الذي يفض خاتمه.
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عظمت أمتي الدنيا نزع منها هيبة الاسلام الفضيل: لو أن الدنيا بخحذافيرها عرضت علي حلالاً لا أحاسب عليها في الآخرة، لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها، يخاف أن تعيب ثوبه.
وعنه: تجيء الدنيا يوم القيامة تتبختر في زينتها وبهجتها، فتقول: يا رب أجعلني لاخس عبادك. فيقول: لا أرضاك له داراً، لست بشيء، فكوني هباء منثوراً.
وعنه: لو كانت الدنيا لك، فقيل: دعها ويوسع لك في قبرك أما كنت فاعلا؟ أو قيل لك: دعها وتسقى شربة في عطش يوم القيامة، أما كنت فاعلا؟ وعنه: جمع الخير كله في بيت، جعل مفتاحه الزهد في الدنيا. وجمع الشر كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الدنيا.
وعنه: لأن أطلب الدنيا بالطبل والمزمار أحب إلي من أن أطلبها بديني.
وعنه: لأن يطلب الرجل الدنيا بأقبح ما تطلب به أحسن من أن يطلبها بأحسن ما تطلب به الآخرة.
في الحديث: قال الله تعالى يا دنيا مري لعبدي المؤمن، ولا تحلولي له.
كان ابن عيينة يتمثل بهذين البيتين:
دنيا تناولها العباد ذميمة ... شيبت باكره من نقيع الحنظل
وبنات دهر لا تزال صروفها ... فيها وقائع مثل وقع الجندل
احتضر عابد فقال: ما تأسفي على دار الاحزان والهموم والخطايا والذنوب، وإنما تأسفي على ليلة نمتها، ويوم أفطرته، وساعة غفلت فيها عن ذكر الله.
ابراهيم بن أدهم: فرغ قلبك من ذكر الدنيا، يفرغ عليك الرضا افراغا.
هذه الدنيا وان سر ... ت قليل من قليل
إنما العيش جوار الل ... ه في ظل ظليل
حيث لا تسمع ما يؤ ... ذيك من قال وقيل
كفاك منغصا للدنيا أن الله يعصي فيها.
وقفت أعرابية على قوم فقالت: تيسروا للقاء الله فان هذه الأيام تدرجنا ادراجاً.
اسماعيل بن عبد الله القسري: اعتذر الي رجل في آخر يوم من شعبان فقال: والله فاني في غبرة يوم عظيم، وتلقاء ليلة تغبر على أيام عظام، ما كان ما بلغك.
الموصلي: قال لي جعفر بن يحيى البرمكي: بكر علي فقلت: أنا والصبح فرسا رهان.
المستورد: عن النبي صلى الله عليه وسلم ما الدنيا في الآخرة الا كما يغمس أحدكم اصبعه في اليم فلينظر بم ترجع.
خطب الحجاج فقال: ان الله أمرنا بطلب الآخرة، وكفانا مؤونة الدنيا، فليته كفانا مؤونة الآخرة، وأمرنا بطلب الدنيا، فقال الحسن: ضالة المؤمن عند فاسق فليأخذها.
أبو العتاهية:
اصبحت والله في مضيق ... هل من دليل على الطريق
أف لدنيا تلعبت بي ... تلعب الموج بالغريق
كان علي رضي الله عنه يتمثل:
ومن يصحب الدنيا يكن مثل قابض ... على الماء خانته فروج الأصابع
أنس رضي الله عنه: أن الله جعل الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبي فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.
الحسن: أهينوا الدنيا فانها أهنأ ما تكون لكم أهون ما تكون عليكم.
ابن عيينة: أوحى الله إلى الدنيا: من خدمك فأتعبيه، ومن خدمني فاخدميه.
قال رجل للحسن: يا أبا سعيد إذا جعت ضعفت، وإذا شبعت وقع على البهر فقال: يا ابن أخي، هذه دار ليست توافقك، فاطلب داراً غيرها.
علي رضي الله عنه: الدنيا دار ممر إلى دار مقر، والناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل ابتاعها فأعتقها.

وعنه: أنتم في هذه الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا، مع كل جرعة شرق، وفي كل أكلة غصص، لا تنالون منها نعمة إلا بفراق أخرى.
أنس، رفعه: أن الله يعطي الدنيا على نية الآخرة ولا يعطي الآخرة على نية الدنيا..
علي بن الحسين: من هوان الدنيا على الله أن يحيى بن زكريا أهدي رأسه إلى بغي من بغايا بني اسرائيل في طست من ذهب. فيه تسلية لحر فاضل يرى الناقص الدنىء يظفر من الدنيا بالحظ السني، كما أصابت تلك الفاجرة تلك الهدية العظيمة.
سئل زاهد عن الدنيا فقال: جمة المصائب، رنقة المشارب، لا تمتع صاحبا بصاحب.
علي رضي الله عنه: وأن جانب منها اعذوذب وحلا، أمر منها جانب فأوبأ.
ثابت بن معبد: الدنيا كذنب العقرب في آخرها سمها وحمتها.
المأمون: لو سئلت الدنيا عن نفسها، لما وصفتها إلا بما قال ابو نواس:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق
عيسى عليه السلام: من ذا الذي يبني على موج البحر دارا؟ تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا.
محمد بن يحيى الواسطي: ما عرف الله حق معرفته من آثر طاعة الشيطان على طاعته، وما عرف الآخرة حق معرفتها من آثر الدنيا عليها.
بشر بن الحارث: اجعل الآخرة رأس مالك، فما أتاك من الدنيا فهو ربح.
ابن مسعود: عنه عليه السلام: لا تسبوا الدنيا، فنعم مطية المؤمن عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر.
وعنه عليه السلام: إذا قال الرجل لعن الله الدنيا، قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه.
ومنه قول الشاعر
يقولون الزمان زمان سوء ... وهم فسدوا وما فسد الزمان
ابن الرومي:
انظر إلى الدهر هل فاتته بغيته ... في مطمح النسر أو في مسبح النون
محمد بن بشير:
أرى كل مغرور تمنيه نفسه ... إذا ما مضى عام سلامة قابل
الحسن: لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج، قيل: وأن كلام الحجاج ليقذك؟ قال: نعم، سمعته يقول على هذه الاعواد: ان امرءاً ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحري أن يطول عليها حزنه.
أنس: عنه عليه السلام: عرضت علي الايام، فإذا يوم الجمعة كهيئة المرآة، وإذا فيها نكتة سوداء، فقلت لجبريل: ما هذه؟ قال: هي الساعة تقوم يوم الجمعة.
في حديث عبد الرحمن الانصاري: ان من اقتراب الساعة كثرة المطر وقلة النبات، وكثرة القراء وقلة الفقهاء، وكثرة الأمراء وقلة الأمناء. وفي حديث أنس: وأن تتخذ المساجد طرقاً.
وفي حديث أبي هريرة: لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي الذي أنجو.
الحسن: ما ظنك بأقوام قاموا لله على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشا، واحترقت أجوافهم جوعا، صرف بهم إلى النار، فسقوا من عين آنية، قد أنى مرها، واشتد نضجها.
وعن الخدري: أنه قال: ما أطوله؟ فقال عليه السلام: والذي نفسي بيده أنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاته المكتوبة.
وعن أبي هريرة، رفعه: يهون ذلك على المؤمن كتدلي الشمس إلى أن تغرب.
داود بن أبي هند: للعبد من الله يوم القيامة خمسون موقفاً، كل موقف ألف سنة.
ان الليل والنهار خزانتان ما اودعتهما ادتاه، وانهما يعملان فيك، فاعمل فيهما.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ساهل الدهر ما ذل قعوده.
وعنه رضي الله عنه: الدنيا قد نعت إليك نفسها، وتكشفت لك عن مساؤئها، فاياك ان تغتر بما ترى من أخلاد أهلها إليها، وتكالبهم عليها، فأنهم كلاب عاوية، وسباع ضارية، يهر بعضها على بعض، ويأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها صغيرها، نعم معقلة، وأخرى مهملة، قد أضلت عقولها، وركبت مجهولها.
كتب عبد الملك إلى الحجاج أن صف لي الدهر، فكتب إليه: أمس كأن لم يكن، وغد كأن قد، ويوم يستطيله البطالون فيقصرونه بالملاهي وفيه يتزود العاقل لمعاده.
عيسى عليه السلام: أني أرى الدنيا في صورة عجوز هتماء، عليها من كل زينة، قيل لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحصيهم كثرة، قيل: أماتوا عنك أم طلقوك؟ قالت: بل قتلتهم كلهم، قيل: فتعسا لازواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين، كيف لا يكونون منك على حذر!! ابن أبي عيينة:

ما راح يوم على حي ولا ابتكرا ... إلا رأى عبرة فيه أن اعتبرا
كان الحسن بن علي عليه السلام كثيرا ما ينشد:
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها ... أن اغتراراً بظل زائل حمق
النبي صلى الله عليه وسلم: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له، ويطلب شهواتها من لا فهم له، وعليها يعادي من لا علم له، وعليها يحسد من لا فقه له، ولها يسعى من لا يقين له.
مالك بن دينار: اتقوا السحارة، فأنها تسحر قلوب العلماء.
من كان في قلبه شعبة من الايمان فلا يركن إلى التسويف،.
شاعر:
المرء مرتهن بسوف وليتنى ... وهلاكه في السوف والليت
آخر:
أتت دون ذاك الدهر أيام جرهم ... وطارت بذاك العيش عنقاء مغرب
غنوا زمناً مثل الثريا اجتماعهم ... فقد بددوا في كل شرق ومغرب
من كان دنياه همه، كثر في الدنيا والآخرة غمه.
أن يوما أسكر الكبار، وشيب الصغار لشديد.
الدهر تنهس أراقمه، وتفرس ضراغمه، وتوثق حبائله، وتوبق مخاتله.
ديك الجن:
وأني رأيت الدهر يلعب بالفتى ... يقلبه حالان مختلفان
فأما الذي يمضي فأحلام نائم ... وأما الذي يبقى له فأماني
علي رضي الله عنه: ما أسرع الساعات في اليوم، وأسرع الأيام في الشهر، وأسرع الشهور في السنة، وأسرع السنين في العمر!! أنس: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأيام فقال: يوم السبت يوم مكر وخديعة، لأن قريشاً مكرت فيه في دار الندوة. ويوم الاحد يوم غرس وعمارة، لأن الله ابتدأ فيه خلق الدنيا. ويوم الاثنين يوم سفر وتجارة لأن شعيبا عليه السلام سافر فيه واتجر فربح. ويوم الثلاثاء يوم دم، لأن حواء حاضت فيه، وأراق ابن آدم دم أخيه، ويوم الاربعاء يوم نحس مستمر، لأن الله غرق فيه فرعون، وأهلك عاداً وثمود. ويوم الخميس يوم قضاء الحوائج، والدخول على السلاطين، لأن ابراهيم عليه السلام دخل فيه على الملك فأكرمه وقضى حوائجه وأهدى إليه هاجر، ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح لأن الأنكحة كانت تعقد فيه.
النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على ساعة من ساعات الجنة، الظل فيها ممدود، والرزق فيها مقسوم، والرحمة فيها مبسوطة، والدعاء فيها مستجاب؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
علي رضي الله عنه: مر النبي عليه السلام بعائشة قبل طلوع الشمس وهي نائمة، فحركها برجله وقال: قومي لتشاهدي رزق ربك، ولا تكوني من الغافلين. أن الله يقسم أرزاق العباد بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
أنس: عنه عليه السلام: لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى بعد صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق نسمة من ولد اسماعيل.
ابن مسعود: عنه عليه السلام: مالي وللدنيا، أنما مثلها ومثلي كمثل راكب قال في ظل شجرة في يوم صائف، ثم راح وتركها.
النبي صلى الله عليه وسلم: واحذروا الدنيا فانها أسحر من هاروت وماروت.
الحسن: والذي نفسي بيده لقد أدركت اقواما كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه، لا يبالون أشرقت الدنيا أم غربت، أذهبت إلى ذا أم ذهبت إلى ذا.
ابن الرومي:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد
والا فيما يبكيه منها وأنها ... لأوسع مما كان فيه وأرغد
إذا أبصر الدنيا استهل كأنه ... بما سوف يلقى من أذاها يهدد
أعرابي: يا بني أن الدنيا تسعى على من يسعى لها، فالهرب منها قبل العطب فيها، فقد والله آذنت ببين، وانطوت على حين.
سئل ابن عباس كيف كان يعرف نوح أوقات الصلاة في السفينة؟ فقال: أعطاه الله خرزتين: بيضاء كبياض النهار، وسوداء كسواد الليل، فإذا أمسوا غلب سواد هذه بياض هذه، وإذا اصبحوا غلب بياض هذه سواد تلك، على قدر الساعات الاثنتي عشرة.
قبيصة بن جابر رضي الله عنه: ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب.
يحيى بن معاذ الرازي: الدنيا خمر الشيطان، فمن شرب منها لم يفق من سكرتها إلا في عسكر الموتى نادماً خاسراً.
لقمان: بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا.

ليلة المتوكل مثل في ليلة سرور يصاب منها صاحبها، وكانت ليلة الاربعاء لثلاث خلون من شوال سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. قتله باغر التركي بمواطأة ابنه المنتصر في مجلس الشرب.
قال أبو القاسم الزعفراني:
كم آمن متحصن في جوسق ... قد يات منه بليلة المتوكل
زمن البرامكة مثل في الحسن وكثرة الخير والخصب، قال الجماز: أتونا بمائدة كأنها زمن البرامكة. وقال صالح بن طريف:
يا بني برمك واها لكم ... ولأيامكم المقتبلة
كانت الدنيا عروساً بكم ... فهي اليوم ثكول ارملة
وقال آخر:
ولى عن الدنيا بنو برمك ... فلو تولى الخلق ما زادا
كأنما أيامكم كلها ... كانت لأهل الأرض أعيادا
وقال أبو منصور الثعالبي في أبي العباس خوارزم شاه:
رعى الله مأمون بن مأمون الذي ... رعاياه منه في زمان البرامك
ولا برحت أيامه بفعاله ... وانعامه المنشور غر المضاحك
لما قال عبد الملك بن مروان: تمكنا من أم خنورن لم يعش بعدها إلا أسبوعاً، وهي كنية الدنيا، وأصلها في الضبع فشبهت بها لأكلها الناس، كما قيل للسنة الضبع، وخنور عند الكوفيين كسفود، وعند البصرين خنور كعجول.
لابن الرومي:
لابني سمير صروف غير غافلة ... يحسن نقصاً كما أحسن امرارا
هما الملوان.
توفيت خديجة رضي الله عنها وأبو طالب في عام واحد لسنة ست من الوحي، فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك العام عام الحزن.
في عام ثمانين من الهجرة وقع بمكة سيل عظيم، ذهب بالابل عليها الحمولة فقيل له عام الجحاف.
ركوب الكوسج عبارة عن دخول آذرماه. وأصله أن أنسانا كوسجاً كان يتناول في أول يوم من هذا الشهر بعض الأدوية المسخنة، ويطلى ببعض الأطلية الحارة، ويخرج في ثوب واحد، وهي عادة في بغداد وفارس، قال المرادي:
قد ركب الكوسج يا صاح ... فانزل على المزمر والراح
وانعم بآذرماه عينا وخذ ... من لذة العيش بمفتاح
وقال غيره:
قد ركب الكوسج فانزل على ... غمس لحى الفتيان بالراح
يا صاح آذار يقول انتظر ... أن أذر الدنيا بلا صاحى
أردشير بن بابك: لا تتركنن إلى الدنيا فانها لا تبقى على أحد، ولا تتركها فان الآخرة لا تنال إلا بها.
علي رضي الله عنه: أهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيام.
شاعر:
ما الدهر في صرفه وجاري ... طوريه الا أبو براقش
يجني على أهله كما قد ... جنت على أهلها براقش
علي رضي الله عنه: وأحذركم الدنيا فانها منزل قلعة، وليست بدار نجعة، دار هانت على ربها، فخلط خيرها بشرها، وحلوها بمرها، لم يصفها لأوليائه، ولم يضن بها على أعدائه.
ابن الحنفية: من كرهت عليه نفسه هانت عليه دنياه.
ابن يوسف البصري المعروف بالخاطىء:
دنيا دنت من جاهل وتباعدت ... عن كل ذي أدب له حجر
بالت على أربابها حتى إذا ... وصلت إلي أصابها الأسر
ذم الدنيا رجل عند علي رضي الله عنه، فقال علي: الدنيا دار صدق لمن صدقها، دار نجاة لمن فهم عنها، دار غنى لمن تزود منها، مهبط وحي الله، ومصلى ملائكته ومسجد أنبيائه، ومتجر أوليائه. رجوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة، فمن ذا الذي يذمها، وقد آذنت بينها، ونادت بفراقها، ونعت نفسها، وشبهت بسرورها السرور، وببلائها البلاء، ترغيبا وترهيبا. فيا أيها الذام لها، المعلل نفسه، متى خدعتك الدنيا؟ ومتى استذمت إليك؟ أبمصارع آبائك في البلى، أم بمضاجع أمهاتك في الثرى؟.
شاعر:
إذا نلت يوماً صالحاً فانتفع به ... فأنت ليوم السوء ما عشت واجد
عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
كفاك عن الدنيا الدنية مخبراً ... علو مواليها وحط كرامها
وأن رجال العز تحت مداسها ... وأن عبيد الغز فوق سنامها
سمت العرب سنة المائة من التاريخ سنة الحمار من حديث حمار عزير.
وقيل لمروان بن محمد: مروان الحمار لأن بني مروان استكملت مائة عام على رأسه.
واشترى رجل حماراً فوجده مسناً، فقال أرى هذا الحمار ولد قبل سنة الحمار.

طلاق الدنيا مهر الآخرة، وطلاق الآخرة مهر الدنيا.
معاوية: أصبحنا في زمان عنود، ودهر شديد، يعد المحسن فيه مسئا، والمسيء محسنا.
أبو فراس الحمداني:
مددنا علينا الليل والليل راضع ... إلى أن تجلى رأسه بمشيب
ولاح لنا ضوء الصباح كأنه ... مبادي نصول في عذار خضيب
أطيب من ساعة الأوبة على المسافر، وبرد الليل على المساير.
يوم يثقل فيه الخفيف اذا هجم، ويخف الثقيل إذا هجر، أريد يوم الوصل.
أقبل الربيع براحة الجنان ورائحة الجنان.
أبو بكر الخوارزمي: رب فعل يصاب به وقته فيكون سبة.
صبح العذاب ثمود يوم الأحد. وفي الحديث: نعوذ بالله من شر يوم الأحد، واياكم والشخوص يوم الأحد، فان له حداً كحد السيف.
وكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد أن يوجه عبد الله بن خازم إلى خراسان لمعونة سلم بن زياد، فقال عبيد الله أخرجوه يوم الأحد إذا ضرب الناقوس حتى لا يرجع أبداً، فأحس ابن خازم فتعلل حتى لم يخرج إلا حين زاغت الشمس، وقال: قولوا له: ذهب حد الأحد.
قال لمزبد أخ له: أحب أن تخرج معي وتصل جناحي في حاجة، فقال هذا يوم الأربعاء، قال: فيه ولد يونس بن متى، قال: لا جرم قد بانت له بركته في اتساع موضعه وحسن كسوته، حتى حصل على ورق القرع. قال: وفيه ولد يوسف، قال: فما احسن ما فعل به اخواته، حتى طال حبسه وغربته. قال: وفيه أوحي إلى ابراهيم، قال: فما كان أبرد الأتون الذي كان فيه حتى خلصه الله منه. قال: ففيه نصر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب، قال: أجل بأبي وأمي، ولكن بعد أن زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر. والأربعاء عندهم مشؤوم، والذي لا يدور أشأم.
وعن ابن عباس يرفعه: آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر.
لقاؤك للمبكر فأل سوء ... ووجهك أربعاء لا يدور
إقبال الدنيا كالمامة ضيف، أو سحابة صيف، أو زيارة طيف.
شاعر:
ومن غالب الأيام فاعلم بأنه ... سينكص عنها لاغباً غير غالب
بعض العرب في داود بن يزيد بن حاتم بن المهلب.
فتى ترهب الاموال من ظل كفه ... كما يرهب الشيطان من ليلة القدر
الأصمعي: كنت شاكيا فقال لي الرشيد: كيف بت؟ فقلت: بليل النابغة يا أمير المؤمنين. فقال: أنا لله، هو والله قوله:
كلينى لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
ليلة الميلاد: مثل في الطول، قال أبو نواس:
ليلة كاد يلتقى طرفاها ... قصراً وهي ليلة الميلاد
وذلك لما تلاقى فيها المطلوقة من التعب، وقيل هي الليلة التي ولد فيها عيسى ابن مريم.
ليلة الغدير: معظمة عند الشيعة، محياة فيهم بالتهجد، وهي الليلة التي خطب فيها رسول الله بغدير خم على أقتاب الابل، وقال في خطبته: من كنت مولاه فعلي مولاه.
ليلة الهرير: ليلة من ليالي صفين كثر فيها القتلى، كلما قتل قتيل كبر علي رضي الله عنه، فبلغت تكبيراته سبع مائة، وسادت مثلا في الشدة. سئل ابن عباس عن النيروز لم اتخذوه عيداً؟ فقال: لأنه أول السنة المستأنفة، وآخر السنة المنقطعة، فكانوا يستحبون أن يقدموا فيه على ملوكهم بالطرف والهدايا، فاتخذه الأعاجم سنة، وكان الملك لا يقبل من أهل الخراج ألا السكر، وهو أول يوم من فرودين ماه.
أعرابي: لقد صغر فلان في عيني عظم الدنيا في عينه.
ذكر أعرابي الدنيا فقال: حسبك من فسادها أن أسنمة توضع، وأخفافا ترفع، والخير يطلب عند غير أهله، والفقر يدخل في غير محله، الحسن: المؤمن في الدنيا غريب لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها.
وعنه: يا ابن آدم إنما أنت عدد، إذا مضى يوم مضى بعضك.
سلام بن مسكين: قال لنا الحسن: يا معشر الشباب عليكم بطلب الآخرة، فقد والله رأينا أقواما طلبوا الآخرة فأصابوا الدنيا وأصابوا الآخرة، ووالله ما رأينا من طلب الدنيا فأصاب الآخرة.
وعنه: ليس يوم يأتي من أيام الدنيا ألا يتكلم، يقول: يا أيها الناس أنى يوم جديد، وعلى ما يعمل في شهيد، وأنى لو قد آبت شمسي لم أرجع اليكم إلى يوم القيامة.
الاستاذ أبو بكر:
لبسوا الدجى لبس الغراب سواده ... وغدوا لطيتهم بكور غراب

ليلة الفرزدق مثل في ليالي الخلعاء. بات الفرزدق عند ديرانية، فأكل طفيشلها بلحم خنزير، وشرب خمرها، وفجر بها، وسرق كساءها، ثم قال لله در ابن المراغة، يعني جريراً، حيث يقول:
وكنت إذا نزلت بدار قوم ... رحلت بخزية وتركت عارا
أبو الفرج الببغا:
زمن الورد أطيب الأزمان ... وأوان الربيع خير أوان
يوم عبيد مثل في اليوم المنحوس، وكان قد تصدى عبيد بن الأبرص للنعمان في يوم بؤسه الذي لا يفلح من لقيه، كما لا يخيب من لقيه في يوم نعيمه. قال أبو تمام:
من بعد ما ظن الأعادي أنه ... سيكون لي يوم كيوم عبيد
أيام العجوز: زعموا أن عجوزا دهرية كاهنة من العرب كانت تخبر قومها ببرد يقع في آخر الشتاء يسوء أثره على المواشي، فلم بكترثوا لقولها، وجزوا أغنامهم واثقين باقبال الربيع، فاذا هم ببرد شديد أهلك الزرع والضرع، فقالوا أيام العجوز وبرد العجوز. وقيل: هي عجوز كان لها سبعة بنين، فسألتهم ان يزوجوها وألحت، فقالوا لها: ابرزى للهواء سبع ليال حتى نزوجك، ففعلت والزمان شتاء كلب، فماتت في السابعة فنسبت اليها الايام. وقيل: هي الايام السبعة التي أهلك فيها عاد. وقيل: الصواب أيام العجز وهي آخر الشتاء.
يقال: بقل وجه النهار وطر شاربه.
أبو العتاهية:
يا عاشق الدنيا يغرك وجهها ... ولتندمن اذا رأيت قفاها
آخر:
أتى دون حلو العيش حتى أمره ... نكوب على آثارهن نكوب
إذا ذر قرن الشمس عللت بالأسى ... ويأوى إلي الحزن حين تغيب
لعمركما أن البعيد لما مضى ... وأن الذي يأتي غداً لقريب
عام أبن عمار عند أهل مكة في كثرة الخير. وهو أحمد بن عمار بن شادى البصرى، وزير المعتصم، كان من علية الناس، استعفى عن الوزارة، وقال نويت المجاورة بمكة، فوصله المعتصم بعشرة آلاف دينار، ودفع إليه عشرين ألف دينار ليفرقها ثم، وأن لا يعطي الا هاشميا أو قرشيا أو انصاريا، فقال: فمن منعته من غيرهم استذممت إليه. فقال: فهذه خمسة آلاف دينار ففرقها في هؤلاء. فكان أهل مكة يقولون: ما رأينا مثل عام ابن عمار.
ابراهيم بن العباس:
وليلة احدى الليالي الزهر ... لم تك غير شفق وفجر
حتى تجلت وهي بكر الدهر أبو حية النميري:
ألا حي من أجل الحبيب المغانيا ... لبسن البلى مما لبسن اللياليا
إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة ... تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا
الخليل في ليلة:
وما هي إلا ليلة بعد يومها ... وحول إلى حول وشهر إلى شهر
مطايا يقربن البعيد من الردى ... ويدنين أشلاء الأنام إلى القبر
ويتركن أزواج الغيور لغيره ... ويقسمن ما يحوى الشحيح من الوتر
حكيم: أعلم الناس بالدهر أقلهم تعجبا من أحداثه.
شاعر:
من كان خلواً من التأديب سربله ... كر الليالي على الأيام تأديبا
علي رضي الله عنه: والله لدنياكم أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم.
أبو حفص الشطرنجي:
وما مر يوم أرتجى فيه راحة ... فأخبره الا بكيت على أمس
معاوية: أبو بكر سلم من الدنيا وسلمت منه، وعمر عالجها وعالجته، وعثمان نال منها ونالت منه، وأما أنا فقد تضجعت فيها ظهراً لبطن.
في النصائح: يا دنيا، كم لك من أكباد جرحى، ومن أجفان قرحى، تفجعا للمصيوب من فراقك، على رؤوس عشاقك، على أن نكاياتك لا تحصى، وشكاياتهم عدد الحصى.
أنس: ما من يوم ولا ليلة، ولا شهر ولا سنة، الا والذي قبله خير منه، سمعت ذلك من نبيكم.
يونس بن ميسرة: ما لنا لا يأتي علينا زمان الابكينا منه، ولا ولى عنا زمان الا بكينا عليه.
ما يومي من فلان بواحد، يراد: ما الشر علي منه من جهة واحدة.
علي رضي الله عنه: ما أصف من دنيا أولها عناء، وآخرها فناء. في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها فاتته، ومن قعد عنها آتته، ومن أبصر بها بصرته، من أبصر اليها أعمته.

تولى خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم المعروف بابن مطيرة المدينة لهشام بن عبد الملك سبع سنين، فقحط الناس حتى جلا أهل البوادي إلى الشام، فقيل: سنيات خالد، لا أعاد الله أمثالها، وضرب بها المثل كما ضرب بسني يوسف.
أبو هريرة، يرفعه: أن الله يغفر ليلة النصف من شعبان لجميع حلقه الا لمشرك أو مشاحن لاخيه.
ابن عباس، يرفعه: أن أفضل الايام عند الله يوم النحر ثم يوم القر، هو يوم الرؤوس عند أهل الحجاز.
رأى الحسن ناسا يوم عيد الفطر يضحكون ويلعبون، فقال: انما جعل الصوم مضماراً لعباده ليستبقوا إلى طاعته، ولعمرى لو كشف الغطاء لشغل محسن باحسانه، ومسيء باساءته عن تجديد ثوب، وترطيل شعر.
سعيد بن جبير عن ابن عباس: الدنيا جمعة من جمع الآخرة، سبعة آلاف سنة، فقد مضى ستة آلاف سنة ومائة سنة، وليأتين عليها منون من السنين ليس عليها موحد. وعن كعب: الدنيا ستة آلاف سنة.
استغنم تنفس الأجل، وامكان العمل، واقطع ذكر المعاذير والعلل، فأنك في أجل محدود، وعمر غير ممدود.
في ديوان المنظوم:
سرتك دنياك وألهاك ددك ... يوشك أن تنغص عن ذاك يدك
في قبضة القضاء ملقى مقودك ... لا تغترر أن يتراخى موعدك
أن لم يصب يومك لم يخطىء غدك عيسى عليه السلام: يا طالب الدنيا لتبر، تركك لها أبر، وعنه: من بنى على موج البحر داراً، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا. وعنه: من خبث الدنيا ان الله عصي فيها، وأن الآخرة لا تنال الا بتركها.
قيل لراهب: كيف سخت نفسك عن الدنيا؟ فقال: علمت أني أخرج منها كارها، فأحببت أن أخرج منها طائعا.
دخل عمر على رسول الله وهو على حصير قد أثر في جنبه، فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشا اوثر منه. فقال: مالي وللدنيا، ما مثلى ومثل الدنيا الا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها.
علي، رفعه، من صام يوم الجمعة صبرا واحتسابا أعطي عشرة أيام غرر زهر لا تشاكلهن أيام الدنيا.
اسحق الخاركي:
ولا تبق في وقت السلامة ساعة ... تفوتك لن تسعد بها وتمتع
فانك لاق كلما شئت ليلة ... ويوما يغصان العيون بأدمع
خالد بن الطيفان الدارمى:
فما الدنيا بباقية لحي ... ولا حي على الدنيا بباقي
ابن ميادة:
وما أنس ملأ شياء لا أنس قولها ... وأدمعها يذرين حشو المكاحل
تمتع بذا اليوم القصير فانه ... رهين بأيام الشهور الأطاول
أبو مسهر الدمشقي المحدث:
أف لدنيا ليست توانيني ... الا بنقضي لها عرى ديني
عيني لحيني تدير مقلتها ... تريد ما سرها لترديني
مسلم بن الوليد الانصاري:
حسبي بما أدت الأيام تجربة ... يسعى على بكاسيها الجديدان
دلت على عيبها الدنيا وصدقها ... ما استرجع الدهر فيما كان أعطاني
مزاحم بن الحارث العقيلي:
وددت على ما كان من سرف الهوى ... وغي الأماني أن ما شئت يفعل
فترجع أيام مضين وعيشة ... علينا وهل يثنى من الدهر أول
علي رضي الله عنه: واعلموا رحمكم الله أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل، واللسان عن الصدق كليل، واللازم للحق ذليل. أهله معتكفون على العصيان، مصطلحون على الادهان. فتاهم عارم، وشايبهم آثم، عالمهم منافق، وقارئهم مماذق. لا يعظم صغيرهم كبيرهم، ولا يعول غنيهم فقيرهم.
من سالت من عينه قطرة يوم الجمعة قبل الرواح، أوحى الله إلى الملك صاحب الشمال: اطو صحيفة عبدي، فلا تكتب عليه خطيئة إلى مثلها من الجمعة الاخرى.
أياك وهم الغد، وارض للغد برب الغد.
أبو ذر رضى الله عنه: يومك جملك إذا أخذت برأسه أتاك ذنبه. يعني: إذا كنت في أول النهار بخير لم تزل فيه إلى آخره.
قال لقمان لابنه لا تدخل في الدنيا دخولا يضر بآخرتك، ولا تتركها تكون كلاً على الناس.
فضيل: لأن أعاني هول المطلع ولا أشهد القيامة أحب إلي من ألقى الله بمثل عمل عمر بن الخطاب.

علي رضي الله عنه قلما اعتدل به المنبر الا قال أمام خطبته: أيها الناس اتقوا الله، فما خلق أمرؤ عبثاً فيلهو، ولا ترك سدى فيلغو، وما دنياه التي تحسنت له بخلف من الآخرة التي قبحها سوء النظر عنده، وما المغرور الذي ظفر من الدنيا بأعلى همته، كالآخر الذي ظفر من الآخرة بأدنى سهمته.
حذيفة رضي الله عنه: ليس خياركم من ترك الآخرة للدنيا، ولا من ترك للآخرة، ولكن من أخذ من هذه وهذه.
سأل معاوية ضرار بن ضمرة الشيباني عن علي رضي الله عنه فقال: أشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء العجول، ويقول: يا دنيا يا دنيا، اليك عني ألي تعرضت، أم الي تشوقت، لا حان حينك، هيهات هيهات، غرى غيرى، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه من قلة الزاد وطول الطريق، وبعد السفر وعظيم المورد.
مر محمد بن واسع بقوم فقيل: هؤلاء الزهاد، فقال ما خطر الدنيا حتى يحمد من زهد فيها.
لقمان: يا بني كما تنام كذلك تموت وكما تستيقظ كذلك تبعث.
وعن علي رضي الله عنه: ألا وآن الدنيا قد ولت حذاء فلم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء، ألا وأن الآخرة قد أقبلت، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فان كل ولد سيلحق بأمه يوم القيامة، وان اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.
قيل لعابد: لم تركت الدنيا؟ قال: لأني أمنع من صافيها، وامتنع من كدرها.
وقيل لآخر: خذ حظك من الدنيا فانك عنها راحل، قال: الآن وجب ان لا آخذ حظى منها.
قال عبد الملك بن مروان: ولدت في شهر رمضان، وفطمت في شهر رمضان، وختمت القرآن في شهر رمضان، وأتتنى الخلافة في شهر رمضان، وأخاف أن أموت في شهر رمضان، فلما دخل شوال وأمن مات.
ما عهدت ليلة مات فيها خليفة، وقام خليفة، وولد خليفة، الا الليلة التي مات فيها الهادى، وقام الرشيد، وولد المأمون.
باب
السماء والكواكب وذكر العرش والكرسيعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع طرفه إلى السماء، فقال: تبارك خالقها، ورافعها، وممهدها، وطاويها طي السجل. ثم رمى ببصره الى الارض فقال: تبارك خالقها، وواضعها وممهدها وطاحيها.
ابن مسعود: بين السماء والأرض مسيرة خمس مائة عام، وبين كل سماء الى السماء الاخرى مسيرة خمس مائة عام، وبين الكرسي والسماء السابعة مسيرة خمس مائة عام، وما بين الكرسي والماء مسيرة خمس مائة عام، والعرش فوق الماء. وكذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك: ان العرش غير الكرسي. وعن الحسن: العرش والكرسي واحد. قالوا: الغرض في خلق العرش والكرسي ان يرى بهما اقتداره وعظمته، وان يتعبد ملائكته بحملهما، والطواف بهما، وجعلهما قبلة، كما وضع في الارض البيت ليقصد ويطاف به، ويتوجه اليه في الصلاة. وهو متعال عن المكان، وهو خالق الامكنة، وكان ولا مكان. ومن فضل حملة العرش ان الملائكة مأمورون بالغدو والرواح اليهم للتسليم عليهم، تفضيلا لهم على سائر ملائكته. وأمر حملة العرش بالاستغفار لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
أبو حازم: لا يكون ابن آدم في الدنيا على حال الا ومثاله في العرش على تلك الحال، فقال بعض من سمعه: فنظر الله اليك وأنت مطيع أو عاص أعظم من مثالك على العرش، ولو نظر اليك وجوه أهل الأرض لأحببت ان يروك على ما تحب، وان لا يروك على ما تكره، فكيف برب العزة الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
في ديوان المنظوم:
باتت تقلبني الهموم مقلباً ... في الفطرة العلوية الأفكارا
فلك يدور على الأنام وأنه ... سيدور أحقابا وكم قد دارا
شهب سوار وهي في تسيارها ... تقص القوي وتقصب الأعمارا
نظر أعرابي في سبعة وعشرين من رمضان إلى الهلال فقال: الحمد لله الذي أنحل جسمك كما أخمصت بطني.
بعض المنجمين: مواليد الانبياء بالسنبلة والميزان، وكان طالع النبي صلى الله عليه وسلم الميزان. وقال ولدت بالسماك، وفي حساب المنجمين أنه السماك الرامح.
امرؤ القيس:
اذا ما الثريا في السماء تعرضت ... نعرض أثناء الوشاح المفصل
ذو الرمة:

وردت اعتسافا والثريا كأنها ... على قمة الرأس ابن ماء محلق
آخر:
كأن الثريا فيه در تقاربت ... مساقطه من سلكه فتجمعا
قيل لابن دكين: ما الدليل على أن المشتري سعد؟ قال: حسنه.
أوحى الله إلى عيسى عليه السلام ان كن للناس في الحلم كالارض تحتهم، وفي السخاء كالماء الجاري، وفي الرحمة كالشمس والقمر، فانهما يطلعان على البر والفاجر.
الشمس تسميها صعاليك العرب قطيفة المساكين، ولذلك تكنى أم شملة قال قائلهم:
يا شمس يا قطيفة المساكين ... قربك الله متى تعودين
مناط العيوق ومناط الثريا مثل في الاستبعاد، قال:
وأقرب من هذا الذي قد أردته ... مناط الثريا من يد المتناول
نظر أعرابي إلى القمر حين طلع فابصر به الطريق، وقد خاف ان يضل، فقال: ما عسيت أن أقول، أن قلت حسنك الله فقد فعل، وأن قلت رفعك الله فقد فعل.
يقال عند طلوع الشمس: سبحان من صورك ودورك ونورك، واذا شاء كورك.
نظر أبو قصيصة ما جن من أهل الحجاز الى هلال رمضان فقال: قد جئتني بقرنيك قطع الله أجلي أن لم أقطعك بالاسفار.
شاعر:
بدأن بنا وابن الليالي كأنه ... حسام جلت عنه القيون صقيل
فما زلت أفنى كل يوم شبابه ... الى أن أتتك العيس وهو ضئيل
أدخل رجل اصبعيه في حلقي مقراض، وقال لمنجم: أيش ترى في يدي؟ فقال: خاتمي حديد.
فقدت في دار بعض الرؤستء مشربة فضة، فوجه الى ابن ماهان، فقال: المشربة سرقت نفسها، فضحك منه، فاغتاظ وقال: هل في الدار جارية تسمى فضة؟ قالوا: نعم، فقال: فضة أخذت الفضة، فكان كما قال.
صلب منجم، فقيل: هل رأيت هذا في نجمك؟ فقال: رأيت رفعة ولكن لم أعلم أنها فوق خشبة.
قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب الانواء: المنكر هو نسبة الأمر الى الكواكب وأنها هي المؤثرة، فأما من نسب الأثر الى خالق الكواكب، وزعم أنه ضربها أمارة، ونصبها أعلاما على ما يحدثه ويجدده في كل أوان بمشيئته الربانية فلا جناح عليه.
المأمون: علمان نظرت فيهما وأنعمت فلم أرهما يصحان، النجوم والسحر.
وللمأمون:
والله ما تختلف النجوم ... وتضرب الشمس فلا تقوم
وقمر في فلك يعوم ... الا لأمر شأنه عظيم
تقصر دون علمه العلوم في ديوان المنظوم:
واطلب من الله السعادة في الذي ... ترجو وخل الكواكب المسعودا
أن الكواكب فوق عجزك عجزها ... من أين تمنح غيرهن جدودا
قيل لاعرابي: ما أعلمك بالنجوم! قال: ومن الذي لا يعلم أجذاع بيته.
وقيل لاعرابية: أتعرفين النجوم؟ فقالت: سبحان الله، أما نعرف أشياخنا وقوفا علينا كل ليلة.
أبو هريرة: عنه عليه الصلاة والسلام: بينا رجل مستلق ينظر الى النجوم والسماء، فقال: والله أني لا علم أن لك خالقا وربا، اللهم اغفر لي، فنظر الله اليه فغفر له.
زيد بن يحيى: كنا عند مالك بن دينار فمر بنا خليفة البهراني فسلم على حالك، فقال: عظنا يا أبا عبد الله، فقال: يا ابا يحيى، أنك والله ان عرفت الله حق معرفته أغناك ذلك عن كل كلام وموعظة، أبا يحيى، ان المؤمنين لم يعبدوا الههم عن رؤية: انما عبدوه عن دلالة، انهم والله لما نظروا الى اختلاف الليل والنهار، ودوران هذا الفلك، وارتفاع هذا السقف المرفوع بغير عمد، ومجاري هذه البحار والانهار، علموا ان لذلك صانعا ومدبرا لا يغرب عنه مثقال ذرة من أعمال خلقه في السماوات والارض، فعبدوا الله بدلائله على نفسه، عبادة أنضت الابدان، وآحالت الألوان، حتى كأنما عبدوه عن رؤية. فهم في الدنيا حية قلوبهم، ميتة جوارحهم، الا عند الذكر والمناجاة والنهوض الى طاعته، فبكى مالك بكاء شديدان ثم قام عشيته لم يتكلم بشىء.
ابن المعتز:
في ليلة أكل المحاق هلالها ... حتى تبدى مثل وقف العاج
والصبح يتلو المشترى فكأنه ... عريان يمشى في الدجى بسراج
ابن الطثرية:
اذا ما الثريا في السماء كأنها ... جمان وهى من سلكه فتبددا

عن أبي برزة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتفكرون في الخالق، فقال: تفكروا في الخلق، ولا تفكروا في الخالق، فانه لا يحيط به الفكر، تفكروا ان الله خلق السماوات سبعا، والأرضين سبعا، وثخانة كل أرض خمس مائة عام، وثخانة كل سماء خمس مائة عام، وما بين كل سمائين خمس مائة عام، وفي السماء السابعة بحر عمقه مثل ذلك كله، فيه ملك لم يجاوز الماء كعبه.
ذو النون المصري سمع شخصا قائما على جبل وسط البحر يقول: سيدى سيدى،، أنا خلف البحور والجزائر، وأنت الملك الفرد بلا حاجب ولا زائر، من الذي أنس به فاستوحش، ومن الذي نظر الى آيات قدرتك فلم يدهش. أما في نصبك السماء ذات الطرائقن ونظمك الفلك فوق رؤوس الخلائق، ورفعك العرش المحيط بلا عاتق، واجرائك الماء بلا سائق، وارسالك الريح بلا عائق، ما يدل على فردانيتك. أما السماوات فتدل على منعتك، وأما الفلك فيدل على حسن صنعتك، وأما الرياح فتنشر من نسيم بركاتك، وأما الرعود فتصوت بعظيم آياتك، وأما الارض فتدل على تمام حكمتك، وأما الانهار فتفجر بعذوبة كلماتك، وأما الاشجار فتخبر بجميل صنائعك، وأما الشمس فتدل على تمام بدائعك.
كان الرجل في بني اسرائيل اذا عبد الله ثلاثين سنة ظللته عمامة، ففعل ذلك رجل فلم تظلله. فشكا الى أمه، فقالت: لعلك اذنبت في هذه السنين ذنبا، قال: لا، قالت: فهل رفعت طرفك الى السماء وأنت غير مفكر فيها؟ قال: نعم، قالت: من ها هنا أتيت.
كأن الثريا والصباح يكدها ... مصابيح رهبان دنت لخمود
قال الأصمعي لأعرابي: أين منزك؟ قال: من وراء اليمن بطالعين، يريد بشهرين.
افتقدت امرأة أحد الكبار خاتما، فوجهت الى أبي معشر، فقال: خاتم الله اخذه. فتعجبت من قوله، ثم طلبته فوجدته في أثناء ورق المصحف.
أبو بكر الخالدي:
وتنقبت بخفيف غيم أبيض ... هي فيه بين تخفر وتبرج
كتنفس الحسناء في المرآة قد ... كملت محاسنها ولم تتزوج
آخر:
ولاحت الشعرى وجوزاؤها ... كمثل زج جره رامح
في نوابغ الكلم: شيع الحسنة بحسن الجزاء، فما أحسن الشعرى خلف الجوزاء.
لا خير في بنى الزمان ما طلع المرزمان. لابد مع ذا من ذيان والدبران تلو الثريا.
ابن المعتز:
وأرى الثريا في السماء كأنها ... قدم تبدت من ثياب حداد
تقول الروم: لولا ضجة أهل الروم وأصواتهم لسمع الناس صوت وجوب الشمس في المغرب.
في النصائح الصغار: املأ عينيك من زينة هذه الكواكب، وأجلهما في جملة هذه العجائب، متفكرا في قدرة مقدرها، متدبرا في حكمة مدبرها، قبل ان يسافر بك القدر، ويحال بينك وبين النظر.
وفيها: الشهم الحذر، بعيد مطارح الفكر، غريب مسارح النظر، لا يرقد ولا يكرى، الا وهو يقظان الذكرى، يستنبط العظة من الملمح الخفي، ويستخلص العبرة من الطرف القصي، فاذا نظرت الى بنات نعش فاستجلب عبرتك، واذا رأيت بنى نعش فاستحلب عبرتك، وأعلم ان من الجوائز ان تروح غداً مع الجنائز.
النعش أربعة كواكب مربعة، اثنان منها الفرقدان، والبنات هي الثلاثة، فالذي في الطرف القائد، والأوسط العناق، والذي يلي النعش الحوت، والأوسط يليه كويكب صغير جداً يكاد يلصق به، يقال له: السهى، والصيدق، ونعيش، والناس يمتحنون به أبصارهم، فمن ضعف بصره لم يره. وروي أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يفعلون ذلك، ويقال: بنات نعش، وبنو نعش، وآل نعش.
وهل حدثت عن أخوين داما ... على الأيام الا ابنى شمام
والا الفرقدين وآل نعش ... خوالد ما تحدث بانصرام
عن شيخ من العرب أنه سرى برفيق له فتعب، فقال لرفيقه: هذا الجدي فاضبط الأمر به، وأراه السمت حتى أغفى على راحلته، ثم انتبه وقد جار به عن القصد، فقال: ما صنعت ويلك؟ فقال: انه والله اختلط بالجدى جداء كثيرة، فلم أدر أيها هو.
جعلت سهيلا مجعل السيف بعدما ... تنكر بالدهنا علي المعارف
يعنيى طعنت في الجنوب، جاعلاً سهيلاً عن يساري، فان شق السيف اليسار.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما يخرج من الليل، فينظر في آفاق السماء، فيقول: سبحانك هجعت العيون، وغارت النجوم، وأنت الحي القيوم. لا يواري عنك ليل ساج، ولا سماء ذات أبراج، ولا أرض ذات مهاد، ولا بحر لجي، ولا ظلمات بعضها فوق بعض، تولج الليل في النهار، وتولج النهار في الليل. اللهم فكما أولجت الليل في النهار والنهار في الليل فأولج علي وعلى أهل بيتى الرحمة، لا تقطعها عني ولا عنهم أبداً.
كان المأمور بن مكربة الحارثى يقول، وكان نصرانيا: نهار يجول، وليل يزول، وشمس تجري، وقمر يسري، وسحاب مكفهر، وبحر مسبطر، وجبال غبر، وسحاب خضر، وخلق يمور، بعض في بعض، بين سماء وأرض، ووالد يتلف، وولد يخلف، ما خلق الله هذا باطلا.
وان بعد ما ترون لثوابا عقابا، وحشرا ونشرا، ووقوفا بين يدي الجبار. فقالوا له: وما الجبار؟ فقال: الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
محمد بن عبد الله الكاتب:
كأن الثريا صدر باز محلق ... سما حيث لا يبدو له غير جؤجؤ
حكمت طبقا فيروزجيا أديمه ... نثرت عليه سبع حبات لؤلؤ
هردان العليمي دليل يزيد بن المهلب حين هرب من سجن عمر بن عبد العزيز:
وقوم هم كانوا الملوك هديتهم ... بظلماء لم يبصر بها ضوء كوكب
ولا قمر الا ضئيل كأنه ... سوار حناه صائغ سور مذهب
التهامي:
وللثريا ركود فوق أرحلنا ... كأنها قطعة من فروة النمر
يقول العرب: كان سهيل والشعريان مجتمعة، فانحدر سهيل فصار يمانيا، وتبعته العبور فعبرت اليه المجرة، وأقامت الغميصاء فبكت حتى غمصت.
الحسن بن وهب: سمرت البارحة على وجه السماء وعقد الثريا ونطاق الجوزاء فلما انتبه الصبح نمت، فلم استيقظ الا بعد ان لبست قميص الشمس. لعله غلس بصلاته ثم نام، وأن لم فقد فصح كلامه، وأفحم اسلامه.
قالوا: ان العرش يهتز لثلاثة أشياء: لارتكاب الكبيرة، ولفتح اللسان بكلمة الاخلاص، ولموت المؤمن التقى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهتز العرش لموت سعد بن معاذ اختلفوا في البيت المعمور وفي مكانه، فقال قوم: هو البيت الذي بناه ادم أول ما نزل الى الأرض، فرفع الى السماء في أيام الطوفان، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك. والملائكة تسميه الضراح بالضاد المعجمة لانه ضرح عن الأرض الى السماء، ومنه نية ضرح وطرح: بعيدة. قال ابن الطفيل سمعت علياً، وسئل عن البيت المعمور، فقال: ذاك الضراح، بيت بحيال الكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون اليه حتى تقوم القيامة. ويقال له: الضريح أيضا، ومن قال الصراح فهو اللحن الصراح.
وعن الحسن وابن عباس: أنه البيت الذي بمكة، معمور بمن يطوف به.
وعن محمد بن عباد بن جعفر أنه كان يستقبل القبلة ويقول: واحبذا بيت ربى، ما أحسنه وأجمله، هذا والله البيت المعمور. وقيل: هو في السماء الدنيا، وقيل: في الرابعة، وقيل: في السادسة، وقيل: في السابعة.
وعن جعفر بن محمد عن آبائه هو تحت العرش.
في نوابغ الكلم: ان الذي سخر الفلك في الماء، هو الذي سير الفلك في السماء.
شاعر:
ولاح سهيل من بعيد كأنه ... شهاب ينجيه من الريح قابس
أعرابي:
لقد سرني أن الهلال غدية ... غدا وهو محقور الخيال دقيق
أضرت به الأيام حتى كأنه ... سوار لواه باليدين رقيق
فقمت أعزيه وقد رق عظمه ... وقد حان من شمس النهار شروق
ألا في سبيل الله انك هالك ... وأنى بأن أبكي عليك حقيق
وأنك قد عطشتني وتركتني ... وفي الصدور من طول الغليل حريق
وأنى لشهر الصوم اذ مر شاكر ... وأنك يا شوال لي لصديق
قال ابن عباس لرجل طلق امرأته عدد نجوم السماء: يكفيك منها هقعة الجوزاء. وهي رأس الجوزاء. ثلاثة كواكب صغار مثفاة، وتسمى الأثافي.
علي رضي الله عنه: أنشأ سبحانه فتق الأجواء، وشق الأرجاء وسكاك الأهواء، فأجاز فيها ماء متلاطما تياره، متراكما زخاره، حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلها على شده، وقربها الى حده، الهواء من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق.

ثم نشأ سبحانه ريحاً أعقم مهبها، وأدام مربها، وأعصف مجراها، وأبعد منشاها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، واثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله على آخره، وساجيه على مائره، حتى عب عبابه، ورمى بالزبد ركامه، فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق، فسوى منه سبع سماوات، جعل سفلاهن موجا مكفوفا، وسقفا محفوظا، وسمكا مرفوعا، بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينتظمها، ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب، وأجرى فيها سراجا مستطيرا، وقمرا منيرا، في فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر.
وعنه رضي الله عنه: وكان من اقتدار جبروته، وبدائع لطيف صنعته ان جعل من ماء اليم الزاخر المتراكم المتقاصف يبساً جامداً، ثم فطر منه أطيافا ففتقها سبع سموات بعد ارتتاقها، فاستمسكت بأمره، وقامت على حده، يملها الاخضر المثعنجر، والقمقام المسخر، قد ذل لأمره، وأذعن لهيبته، ووقف الجاري منه لخشيته.
في ديوان المنثور: الله الذي رفع السماء بغير عمد وسمكها، وسوى في أديمها الأخضر حبكها، فطرها ملساء سالمة من الفطور، خالية من وقوع الخلل فيها على مر العصور، ثم زينها بنيرات لا تزال سيارة، في أفلاك لا تنفك دوارة، من شمس وقمر يدأبان الليل والنهار، يطردان الظلمات ويجلبان الانوار، ومن نجوم يرجم بها ضلال الجن من العفاريت، ويرجم بها ضلال الانس في السباريت، لكل كوكب تسخير في تسييره، ولكل فلك تدبير في تدويره، لو اطلع النظار على ما دبر من عجيب تدبيرها، واستوضحوا ما قدر من بديع تقديرها، لأطفأت الحيرة عقولهم الثواقب، وردت الروعة أذهانهم ذواهب. آيات بما خمنها نطق، بألسنة كلها طلق ذلق. تدعو الى فاطرها بحيهل، وتقول أهلاً بمن أدرك المهل.
أبو حفص الضرير من بني كليب بن يربوع:
وكنا اذا شيطان تغلب رامنا ... قصفنا عليه من كواكبنا نجما
فنهلكه انا كذلك لم تزل ... كواكبنا تفنى شياطينكم رجما
قالوا: الحكمة في الكسوف ان الله تعالى ما خلق خلقا الا قيض له تغييرا وتبديلا، ليستدل بذلك على ان له مغيرا ومبدلا، ولأن النيرين يعبدان من دون الله، فقضى الله عليهما الكسوف وسلب النور، ليعلم أنهما لو كانا معبودين لدفعا عن أنفسهما ما يغيرهما، ويدخل النقص عليهما.
ويروى أن الشمس انكشفت يوم مات ابراهيم بن مارية، فقالوا انكسفت الشمس لموته، فقال عليه الصلاة والسلام: ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته، فاذا رأيتم هذا فافزعوا الى الصلاة والدعاء حتى تنجلى.
الوليد بن جميع: رأيت عكرمة يسأل رجلاً عن حساب النجوم، والرجل يتحرج أن يخبره، فقال عكرمة: سمعت ابن عباس يقول: هو علم عجز الناس عنه، ولوددت أني علمته، وعن ابن عباس علم من علوم النبوة، وليتني كنت احسنه.
وعن علي رضي الله عنه: من اقتبس علما من علم النجوم من حملة القرآن ازداد به ايمانا ويقينا، ثم تلا: " ان في اختلاف الليل والنهار " الآية - .
وعن ميمون بن مهران: اياكم والتكذيب بالنجوم، فانه علم من علم النبوة.
علي رضي الله عنه: يكره أن يسافر الرجل أو يتزوج في محاق الشهر، وإذا كان القمر في العقرب. ويروى أن رجلاً قال له: أنى أريد الخروج في تجارة، وذلك في محاق الشهر، فقال: أتريد أن يمحق الله تجارتك؟ استقبل هلال الشهر بالخروج.
قال ابن عباس لعكرمة مولاه: أخرج فانظر كم بقي من الليل. فقال: انى لا أبصر النجوم. فقال ابن عباس: نحن نتحدى بك فتيان العرب، وأنت لا تبصر النجوم. وقال: وددت أنى أعرف الهفت دوازده يريد النجوم السبعة السيارة والبروج الاثنى عشر.
قال معاوية لدغفل بن حنظلة العلامة، حين ضمه الى يزيد: علمه العربية، والأنساب والنجوم.
قال عمر للعباس وهو يستسقى: يا عم رسول الله كم بقي من نوء الثريا؟ فأن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعا.
كانت الاكاسرة إذا أراد أحدهم طلب ولد أمر باحضار المنجم، ويخلو مع المطلوب منها الولد، فساعة يقع الماء في الرحم أمر خادما على باب البيت بضرب طست بيده، فإذا سمعها المنجم أخذ الطالع بالأسطرلاب.
كان علماء بني اسرائيل يسترون من العلوم علمين: علم النجوم وعلم الطب، فلا يعلمونهما أولادهم، لحاجة الملوك إليهما، لئلا يكونا سببا في صحبة الملوك والدنو منهم فيضمحل دينهم.

الحارث بن كلدة: اياكم والقعود في الشمس، فإن كنتم لابد فاعلين فتنكبوها بعد طلوع النجم أربعين يوما، ثم انتم وهي سائر السنة.
أبو محمد أبو حنيفة الدينوري: قد سجعت العرب في النجوم أسجاعا، بما ادركه طول تجريبهم، وأحكم علمها الماضي، وورثها الباقي، فسارت متواترة محفوظة، وهي أشد الامم تفقدا لذلك، وعناية به، لأن جلهم قطان بواد، وسكان عذوات قفار، أهل عمد سيارة، تباع غيث، قليل على غيره تعويلهم، فأبصارهم الى السماء طامحة، وبنواحيها موكلة، يطبيهم البرق اذا لمع، والغيث اذا وقع، والماء إذا نقع، ويظعنهم الحر إذا وهج، ويجهدهم البرد إذا ركد، فهم بين نجعة وحضور. لهم في كل ريح تهب، وكوكب يطلع، ونجم ينوء، أمر مسهر أو منيم، يحميهم الغفلة، ويمنعهم التضييع، وما يبلغنا عن أمة في ذلك ما بلغنا عنهم. ففي الناس أمم غيرهم أهل عمد وبواد، وما في أحد منهم علم الحساب الذي أوغلوا الى لطائف دقائقه، وأدركوه على حقائقه، فلم يسبقوا به، ولم يدركوا فيه.
قال فقيههم: اذا طلع النجم عشاء، ابتغى الراعي كساء.
اذا طلع الدبران توقدت الحزان واستغرت الذبان، ويبست الغدران.
اذا طلعت الجوزاء، توقدت المعزاء، وأوفى على عوده الحرباء، وكنست الظباء، وعرقت العلباء، وطاب الخباء.
اذا طلع الذراع، حسرت الشمس القناع، وأشعلت الافق الشعاع، وترقرق السراب بكل قاع.
اذا طلعت الشعرى، نشف الثرى، وأجن الصرى، وجعل صاحب النخل يرى.
اذا طلعت الجبهة، تحانت الولهة، وتنازت السفهة.
اذا طلع سهيل، طاب الليل، وحذي النيل، وامتنع القيل، وللفصيل الويل، ورفع كيل، ووضع كيل.
إذا طلعت الصرفة، احتال كل ذي حرفة، وجفر كل ذي نطفة، وامتير على الماء زلفة.
اذا طلعت العواء، ضرب الخباء، وطاب الهواء، وكره العراء، وشنن السقاء.
اذا طلع السماك، ذهبت العكاك، وقل على الماء اللكاك.
اذا طلعت الزبانى، أحدثت لكل ذي عيال شانا، ولكل ذي ماشية هوانا، وقالوا كان وكانا، فاجمع لأهلك ولا تواني.
اذا طلع الاكليل، هبت الفحول، وشمرت الذيول، وخيفت السيول.
اذا طلع القلب، جاء الشتاء كالكلب، وصار أهل البوادي في كرب، ولم تكن البخل الا ذات ثوب.
اذا طلع الهراران، هزلت السمان، واشتد الزمان، ووحوح الولدان.
والهراران قلب العقرب والنسر يطلعان معا.
اذا طلعت الشولة، أخذت الشيخ البولة، وقيل شتوة زولة، أي عجيبة.
اذا طلع سعد السعود، ذاب كل جمود، واخضر كل عود، وانتشر كل مصرود.
اذا طلع الحوت، خرج الناس من البيوت.
ابن المعتز:
كأن الثريا في أواخر ليلها ... تفتح نور أو لجام مفضض
دكين:
وقد تعاللت ذميل العنس ... بالسوط في ديمومة كالترس
اذ عرج الليل بروج الشمس قتادة: بلغني ان رسول الله كان إذا رأى الهلال قال: هلال خير ورشد، ثلاث مرات، آمنت بالذي خلقك، ثلاث مرات، الحمد لله الذى ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا.
أبو هريرة، يرفع: إذا كان أحدكم في الفيء، فقلص عنه الظل، فصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم.
أمية بن ابي الصلت:
تأمل صنع ربك غير شك ... بعينك كيف تختلف النجوم
دوائب في النهار فما تراها ... وتمسي مسي ليلتها تعوم
فما تجرى سوابق ملجمات ... كما تجرى ولا طير تسوم
هو المجرى سوابقها سراعا ... كما حبس الجبال فما تريم
يا نعم عينى بربى أنه صنع ... وعالم بالذي نعيا به حكم
الى السماء تأمل كيف بنيتها ... وكل شيء بناه الله ملتئم
صاغ السماء فلم يخفض مواضعها ... لم ينتقص علمه جهل ولا سأم
زينت بحليتها في الدهر اذ رفعت ... كزاهر الروض لا يخفى به سحم
كأن صفحتها ماوية جليت ... تنجاب عن ليطها الأرواح والرهم

طال بكاء طاووس بالليل، فرأى القمر طالعا من أبي قبيس، فقال: ورب هذه البنية، ان هذا القمر يبكي من خشية الله ولا ذنب له، وتلا قوله تعالى: " ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الارض " الآية فلم يستثن من هؤلاء أحداً، وقد استثنى ابن آدم فقال: " وكثير حق عليه العذاب " - ، والذي كان أحقهم بالشكر هو أكثرهم.
تبع بن الأقرن من ملوك اليمن.
منع البقاء تقلب الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسى
وطلوعها بيضاء صافية ... وغروبها صفراء كالورس
تجرى على كبد السماء كما ... يجرى حمام الموت بالنس
ابن الرومي:
أعلم الناس بالنجوم بنو نو ... بخت علماً لم يأتهم بالحساب
بل بان شاهدوا السماء سمواً ... بترق في المكرمات الصعاب
ساوروها بكل علياء حتى ... بلغوها مفتوحة الأبواب
لما قدم المأمون بغداد وصل الناس على قدر مراتبهم، وأغفل عبد الله بن أبي سهل بن نوبخت المنجم. فقال:
أصبت وأخطا فيك كل منجم ... فقرب من أخطا وكنت المبعدا
فلو أنهم كانوا أصابوا بما قضوا ... وكنت الذي أخطا القضاء لما عدا
أراد علي رضي الله عنه الخروج إلى الخوارج، فأراد تثبيطه ناظر في النجوم، فقال: أيها الناس، اياكم وتعلم النجوم، الا ما يهتدى به في برأو بحر، فإنها تدعو الى الكهانة، المنجم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، سيروا على اسم الله، ورجع مظفراً.
قرب الى علي بن الحسين رضي الله عنه طهوره في يوم ورده، فوضع يده في الاناء ليتوضا، ثم رفع رأسه فنظر الى السماء والقمر والكواكب، ثم جعل يفكر في خلقها، حتى أصبح وأذن المؤذن، ويده في الأناء.
باب
السحاب والمطر والثلج والرعد
والبرق وما يتصل بذلك من ذكر الاستمطار وغيرهعن رقيقة بنت أبي صيفى، وكانت لدة عبد المطلب بن هاشم: تتابعت على قريش سنو جدب أقحلت الضرع، وأرقت العظم، فبينا أنا راقدة، اللهم أو مهومة، ومعى صنوي، اذا أنا بهاتف صيت، يصرخ بصوت صحل، يقول: يا معشر قريش: ان هذا النبي المبعوث منكم، قد أظلتكم أيامه، وهذا ابان نجومه، فحيهلا بالحيا والخصب، ألا فانظروا منكم رجلاً وسيطاً عظاما جساما، أبيض، بضاً أوطف الأهداب، سهل الخدين، أشم العرنين، له فخر يكظم عليه، وسنة تهدى اليه، ألا فليخلص هو وولده، وليدلف اليه من كل بطن رجل، ألا فليشنوا عليهم من الماء، وليمسوا من الطيب، وليطوفوا بالبيت سبعا، ألا وفيهم الطيب الطاهر لداته، ألا فليستسق الرجل، وليؤمن القوم، ألا فغثتم اذن ما شئتم وعشتم. قالت: فأصبحت علم الله مذعورة، قد قف جلدي، ودله عقلي. فقصصت رؤياي فذهبت في شعاب مكة. فو الحرمة والحرم، ان بقي أبطحي الاقال: هذا شيبة الحمد، فتنامت اليه رجالات قريش، وانقض اليه الناس من كل بطن رجل، فشنوا ومسوا واستلموا وطوفوا، ثم رتقوا أبا قبيس، وطفق القوم يدفون حوله ما ان يدرك سعيهم مهلة، حتى قروا بذروة الجبل، واستكفوا جنابيه، فقام عبد المطلب فاعتضد ابن ابنه محمداً فرفعه على عاتقه، وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كرب، ثم قال: لاهم: ساد الخلة، وكاشف الكربة، أنت عالم غير معلم، مسؤول غير مبخل، وهذه عبداؤك واماؤك، بعذرات حرمك، يشكون اليك سنتهم التي اذهبت الخف والظلف، فاسمعن اللهم، وأمطرن علينا غيثا مغدقا مريعا، فو الكعبة ما راموا حتى انفجرت السماء بمائها، واكتظ الوادي بثجيجة. فسمعت شيخان قريش وجلتها عبد الله بن جدعان وحرب بن أمية وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب: هنيئاً لك أبا البطحاء.
وفي ذلك أقول:
بشيبة الحمد اسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر
فجاء بالماء وسمي له سبل ... ثجأ فعاشت به الأنعام والشجر

أنس: أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله، فبينما هو يخطبنا يوم الجمعة، اذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلك الكراع. وهلك الشاء، فادع الله ان يسقينا. فمد يده ودعا، وان السماء لمثل الزجاجة، فهاجت ريح وأنشأت سحابا ثم اجتمع، ثم ارسلت السماء عزاليها. فخرجنا تخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم تزل تمطر الى الجمعة الاخرى. فقام إليه ذلك الرجل فقال: يا رسول الله، تهدمت البيوت، فادع الله أن يحبسه، فتبسم رسول الله ثم قال: حوالينا ولا علينا. فرأيت السحاب تصدع حول المدينة كأنه اكليل.
وعن عائشة: أنه خرج حين بدا حاجب الشمس، فصعد على المنبر، وكبر وحمد الله، ثم قال: انكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن ابان زمانه، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم ان يستجيب لكم. ثم قال: اللهم أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا الى حين. فأنشأ الله سحابا، فرعدت وبرقت ثم امطرت باذن الله. فلم يأت مسجده حتى سالت السيول. فلما رأى سرعتهم الى الكن ضحك حتى بدت نواجذه، وقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله.
وروي أنه قال في استسقاء: اللهم: اسقنا واغثنا، اسقنا غيثاً مغيثاً وحيا ربيعا، وجدا طبقا غدقا مغدقا، مونقا عاما، هنيئاً مريئاً. مريا مريعا، مربعا مرتعا، وابلا سابلا، مسبلا مجللا، ديما دراراً نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث غيثا، اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد. اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها، وانزل علينا في ارضنا سكنها.
اللهم: انزل علينا من السماء ماء طهورا، فأحي به بلدة ميتا، واسقه مما خلقت لنا انعاما واناسي كثيراً.
خرج عمر يستسقي بالعباس: فقال: اللهم أنا نتقرب إليك بعم نبيك، وبقية آبائه، وكبر رجاله، فانك تقول، وقولك الحق: " وأما الجدار فكان لغلامين " الآية، فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ اللهم نبيك في عمه، فقد دلونا به إليك مستشفعين ومستغفرين. ثم أقبل على الناس فقال: استغفروا ربكم أنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا.
قال الراوي: ورأيت العباس، وقد طال عمره، وعيناه تتضحان، وسبائبه تجول على صدره، وهو يقول: اللهم أنت الراعي لا تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير، ورق الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى. اللهم فاغثهم بغثيانك من قبل ان يقنطوا فيهلكوا فانه لا ييأس الا القوم الكافرون. فنشأت طريدة من سحاب، وقال الناس: ترون ترون، ثم تلامت واستتمت، ومشت فيها ريح، ثم هوت ودرت، فو الله ما برحوا حتى اعتلقوا الحذاء، وقلصوا المئزر، وطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه، ويقولون هنيئاً لك ساقي الحرمين.
عبد الواحد بن عوف بن الريان الطهوي:
بخبت كأن المسك يعرو عراره ... اذا هبصت فيه الرياح العواصف
وكل سماكي أهابت به الصبا ... فجن له عود من الرعد شارف
اذا شم أنف الليل أرمض وسطه ... سنا كابتسام العامرية شاغف
قال ذو الرمة: قاتل الله أمة بني فلان ما كان أفصحها، سألتها: كيف كان المطر عندكم؟ فقالت: غثنا ما شئنا.
كف بصر معقر بن حمار البارقي، فسمع يوما صوت راعد، ومعه بنت تقوده، فقال لها: ما ترين؟ فقالت: أرى سحماء عقاقة كأنها حولاء ناقة. فقال لها وائلي بي الى جانب قفلة فأنها لا تنبت الا بمنجاة من السيل.
عروة الصعاليك:
ألم تأرق لبرق بات يسرى ... بأكناف الأراكة مستطير
يكشف عائذاً بلقاء ينفى ... ذكور الخيل عن ولد صغير
قيل لجمعة: أي السحاب أحسن؟ قالت: سحاب ملتف اسحم رجاف مسف يكاد يمسه من قام بالكف.
أعرابي:
سحابة صادقة الانواء ... تجر حضنيها على البطحاء
بدت بنار وثنت بماء ... تثنى بها الأرض على السماء
تجمع بين الضحك والبكاء

وقف أعرابي على قوم فقال: بدء شأني، والذي الجأني إلى مسألتكم، أن الغيث كان قد ثوى عنا، ثم تكرفأ السحاب، وشصا الرباب، فادلهم سيقه، وارتجس ريقه، وقلنا هذا عام باكر الوسمي، محمود السمي ثم هبت له الصبا فاحزالت طخاريره، وتقزع كرفئه متناسرا، ثم تتابع لمعان البرق، حيث تشيمه الابصار، وتحده الانظار، ومرت الجنوب ماءه، وفوض الحي لئمين نحوه فسرحنا فيه المال، وكان وخما وخيما، أشف المال، وأضف الحال، فبقينا لا تستر لنا حلوبة، ولا تنسل لنا قتوبة.
وفي ذلك يقول شاعرنا:
ومن يرع بقلا من سويقة يغتبق ... قراحاً ويسمع قول كل صديق
أي العذل، يقولون قد نهيناك.
التنوخي:
ورعدة كقارىء متمعتع ... أو خاطب لجلج لما أن خطب
كأسد يزأر أو جنادل ... تصطك أو أمواج بحر يصطخب
اعرابي: أتتنا داحية في ليل ساقط الرواق، منقطع النطاق، تنظف منه آذان المعزى إلى الصباح.
كتب جحظة إلى ابن المعتز: كنت على المصير إلى الأمير، فانقطع شريان الغمام، فقطعني عن الالمام. فكتب إليه: لئن قطعني السرور بك، لم يفتني بكلام والسلام.
يقول الدهاقين: مطر الربيع ماء كله. يريدون نفع كله، وذلك أن الماء حياة كل شيء، فمطر الربيع تحيا به الأرض، ولا يضيع منه شيء كما تضيع أمطار سائر الفصول.
أنشد الجاحظ:
خليلي لا تستسلما العام وادعوا ... به كل يوم أن يصوب ربيع
حيا لبلاد افحل المحل عودها ... وجبراً لعظم في شظاه صدوع
بمستنضد غر النشاص كأنها ... جبال عليهن النسور وقوع
عسى أن يحل الحي جرعاء وابل ... وعل النوى بالظاعنين تريع
أفى كل عام زفرة مستجدة ... تضمنها مني حشا وضلوع
قال بعض الحكماء الذين وقفوا على تابوت اسكندر: انظر إلى حلم النائم كيف انقضى، وإلى سحاب الصيف كيف انجلى؟ وللصاحب: سحابة الصيف أثبت من قولك، والخط في الماء أبقى من عهدك.
مطر مصر مثل في نافع يستضر به، لأن مصر لا تمطر، فان مطرت ضرها المطر، ولذلك يكرهه أهلها أشد الكراهية، فرحمة الله المجللة للخلق كلهم عذاب لهم. وفيهم:
وما خير قوم تجدب الارض عندهم ... بما فيه خصب العالمين من القطر
إذا بشروا بالغيث ريعت قلوبهم ... كما ريع في الظلماء سرب القطا الكدر
في وصف غيث: غثنا ما شئنا، فشبعنا وروينا، قد أرخت السماء عزاليها، واثعنجرت بصوب مآقيها، فغمر الماء الزبى، ونقع من الصدى، ولبست الارض قناعها الاخضر، ونضت شعارها الاغبر، وعاضنا الغض العميم، من المصوح الهشيم، وجزأنا بالرطب المخضوم، من اليابس المقصوم. فعاشت العاملة والماشية، وهاجت الآبية والعاشية، وارتجعت رذايا المطايا، ما اخذت منها المخارم والثنايا، وأنشأت تسترد بمشافرها، ما سلبها جذاب البرى بمناخرها. سائمة في العميم الكث، من الطباق والثث، وسارحة في المراح الفسيح، من القيصوم والشيح، فنحن في سوابغ من النعم، نرتع فيها رتعة النعم. قد عز عندنا أن يستضيف ضيفا كريم، واستغنى أن يسترضع لئيم. وأترعت الجفان رذما، واستحال القرم بشما، وحالت البطنة دون الفطنة. ومنع الطعام عن تراجع الكلام. فلو أن قساً بيننا لخرس، أو دغفلا لأبلس. وكأن الشاعر أرادنا بقوله:
أتانا وما داناه سحبان وائل ... بياناً وعلما بالذي هو قائل
فما زال عنه اللقم حتى كأنه ... من العي لما أن تكلم باقل
ابن المعتز:
ما زال يضرب وجه الأرض وابلها ... حتى وقت خدها الغدران والخضر
كأن ابن غاب غاب في حجراتها ... فغمغم من بعد الزئير وهمهما
أعرابي: إذا عددت من ناحية مائة برقة، احتملت على الثقة.
البستى:
لا ترج شيئاً خالصاً نفعه ... فالغيث لا يخلو من العيث
كشاجم:
يا رحمة الله التي قد أصبحت ... دون الأنام علي سوط عذاب
السري:
وعارض أكلأ منه بارقاً ... كالنار شبت في ذرى طود أشم
كأنه نشوان جر ذيله ... فكلما ريع انتضى عضبا خدم
إذا عم المطر الأرض حتى لا يكون فيها فتق، قالوا: أرض منضوحة.

الأصمعي: إذا وقع الغيث فنجع ورؤي تباشير خيره قيل: رأينا أرض بني فلان غب المطر واعدة حسنة.
وقالوا: البلاد تختلف، فمنها الأنيث الممراح فلا يلتاث نباته، ومنها المصلاد الجحد فلا ينبت الا بعد لأي.
ابن الرقاع:
سما في الصبا حتى إذا ما تنضبت ... شماريخه وأجتاب من ليله درعا
تبعج ثجاجا من المزن لم يدع ... أباطح الا يطردن ولا تلعا
ابن الأعرابي: قال ابو المجيب، وكان أعرابياً من بني ربيعة بن مالك: لقد رأيتنا في أرض عجفاء، وشجر أعشم، في قف غليظ، وجادة غبراء. فبينا نحن كذلك إذ أنشأ الله غيثا من السماء، مستكفا نشوءه، مسيلة عزاليه، عظاما قطره، جوادا صوبه، زاكيا هطله، أنزله الله رزقا لنا، فنعش به أموالنا ووصل طرقنا، وأنا لبنوطة بعيدة ما بين الأرجاء، فاهر مع مطره، حتى رأيتنا وما نرى غير السماء والماء وصهوات الطلح، فضرب السيل النعاف، وملأ الأودية وزعبها، فما لبثا إلا عشرا حتى رأيتها روضة تندى.
رابعة القيسية: ما سمعت الاذان إلا ذكرت منادى يوم القيامة، وما رأيت الثلج إلا ذكرت تطاير الصحف، وما رأيت الجراد إلا ذكرت الحشر.
كشاحم في وصف الثلج:
راحت به الأرض الفضاء كأنها ... من كل ناحية بثغرك تضحك
الصاحب:
فكأن السماء صاهرت الأر ... ض فكان النثار من كافور
آخر:
وأصح مبيض الثلوج كأنه ... على سروات الأكم فن مندف
كتب ابن بسام إلى أخيه، وكان يلقب بالثلج.
أهداك قوم لي قلآليت لا ... أذوق شيئاً منك أو تحضر
فأنت ملفوف إلى أن تجي ... يذيبك الحر وما تشعر
سيف الدولة:
وقد نسجت أيدي الجنوب مطارفاً ... على الأرض دكتا والحواشي على الأرض
وطرزها قوس لسحاب بأصفر ... إلى أحمر في أخضر أثر مبيض
كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبغة والبعض أقصر من بعض
في ديوان المنظوم:
تسببت الثلوج بحر صدرى ... فلا ثلجت صدور للثلوج
أقول أنا ابن قيس لا براح ... إذا قالوا ألست على الخروج
آخر:
أبرد من برد الكوانين ... زيادة الراجل في الطين
لا يصلح التسليم يوم الندى ... إلا لأصحاب البراذين
الخدري: عنه عليه السلام: يوشك أن تظهر الصواعق، حتى أن الرجل ليأتي القوم فيقول: من صعق منكم؟ فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان.
زعموا أن الصاعقة تقع في حانوت الصيقل فتذيب السيوف وتدع الاغماد على شبيه بحالها. وتقع على الرجل ومعه دراهم فتسيل الدراهم.
كانوا في الجاهلية الجهلاء، وهي الاولى، إذا تتابعت عليهم الازمات، وركد عليهم البلاء، واشتد الجدب، واحتاجوا إلى الاستمطار، جمعوا ما قدروا عليه من البقر، ثم عقدوا في أذنابها، وثنن عراقيبها السلع والعشر، ثم صعدوا بها في جبل وعر، واشعلوا فيها النار، وضجوا بالدعاء والتضرع. وكانوا يرون أنه من أسباب السقيا. وقال الودك الطائي:
لا در در رجال خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمات بالعشر
أجاعل أنت بيقوراً مسلعة ... ذريعة لك بين الله والمطر
لو أن المسلمين اقتبسوا منه أن يخرجوا يوم الاستسقاء مع الصدقات، يتقربون بها الله أيام دعائهم، لكان حسنا جميلا، وما أظنهم يفعلون، وليتهم يخرجون تائبين، غير مصرين. ولكنهم كالبقر مع اسلامهم، وأولئك كانوا يتقربون بالبقر أمام تضرعهم مع جاهليتهم.
أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، فخرج فحسر ثوبه عنه حتى أصابه. فقلنا يا رسول الله: لم صنعت هذا؟ فقال: لأنه حديث عهد بربه.
بعض الأعراب:
مطرنا فلما أن روينا تهادرت ... شقاشق فيها رائب وحليب
ورامت رجال من رجال ظلامة ... وعدت ذحول بيننا وذنوب
ونصت ركاب للصبا فتروحت ... ألا ربما هاج الحبيب حبيب
وطئن فناء الحي حتى كأنه ... رجا منهل من كرهن لحيب
بني عمنا لا تعجلوا ينضب الثرى ... قليلاً ويشفى المشرفين طبيب

فلوقد تولى النبت وامتيرت القرى ... وحنت ركاب الحي حين تؤوب
وصار غبوق الخود وهي كريمة ... على أهلها ذو جدتين مشوب
وصار الذي في أنفه خنزوانة ... ينادى إلى هاد الرحا فيجيب
أولئك أيام تبين للفتى ... أكاب سكيت أم أشم نجيب
ابن عباس يرفعه: المطر مزاجه من الجنة، فإذا كثر المزاج كثرت البركات وان قل المطر، وإذا قل المزاج قلت البركات وأن كثر المطر.
عمار، يرفعه: مثل أمتى كالمطر، يجعل الله في أوله خيراً، وفي آخره خيراً.
أبو هريرة، يرفعه: أمطر على أيوب عليه السلام جراد من ذهب، فجعل يلتقط، فأوحى الله إليه: يا أيوب ألم أغنك؟ قال: بلى يا رب، ولا غنى بي عن فضلك.
نظر مدني إلى قوم يستسقون ومعهم الصبيان، فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: نرجو بهم الاجابة. فقال: لو كان دعاؤهم مجاباً ما بقي على الأرض معلم.
خرجوا ليستسقوا وقد نشأت ... بحرية قمن بها السفح
فانجابت السحب التي نشأت ... فكأنما خرجوا ليستصحوا
قيل لمالك بن دينار: يا أبا يحيى أدع الله أن يسقينا. فقال: أتستبطئون المطر؟ قالوا: نعم. قال: لكني والله استبطىء الحجارة.
الحزبنل الزهيري من كلب:
وبات يمج الماء من متخيل ... تمخض قصراً والرياح قوابله
حياً لبلاد الله فالماء مرسل ... على الضلع فالمستاف حلت محامله
فلما أماتت برقه الشمس ثوبت ... برعد الضحى أعجازه وكواهله
السكب المازني:
أذا الله لم يسق الا الكرام ... فأسقى بيوت بنى حنبل
ملثاً أحم مسف الرباب ... هزيم الصلاصل والأزمل
كأن الرباب دوين السحاب ... نعام يعلق بالأرجل
علي رضي الله عنه: اللهم خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدائر السنين، وأخلفتنا مخايل الجود. فكنت الرجاء للمستيئس، والبلاغ للملتمس. ندعوك حين قنط الانام، ومنع الغمام، وهلك السوام، فانشر علينا رحمتك بالسحاب المنبعق، والربيع المغدق، والنبات المونق. اللهم سقيا منك تعشب بها نجادنا، وتجرى بها وهادنا، وأنزل علينا سماء مخضلة مدارا، يدافع الودق منها الودق، ويحفز القطر منها القطر.
أم الغطريف العنبرية:
فليت سماكيا يحار ربابه ... يقاد إلى أهل الغضا بزمام
فتشرب منه جحوش وتشيمه ... بعينى قطامي أغر سمام
أعرابي:
وحديثها كالغيث يسمعه ... راعى سنين تتابعت جدبا
فأصاخ يرجو أن يكون حياً ... ويقول من فرح هيا ربا
الوليد بن سريع مولى عمرو بن حريث: وجهني الجراح بن عبد الله من العراق إلى سليمان بن عبد الملك، فخفت أن يسألني عن المطر. فأني لأسير بالسماوة إذا أنا بأعرابي من كلب في شملة، فقلت: يا أعرابي هل لك في درهمين؟ قال: أني والله حريص عليها، فما سببهما؟ قلت: تصف لي المطر. قال: أتعجز أن تقول: أصابتنا سماء تعقد منه الثرى، واستأصل منه العرق، وامتلأت منه الحفر، وقاءت منه الغدران، وكنت في مثل وجار الضبع حتى وصلت إليك. فلما قدمت على سليمان قال: هل كان وراءك من غيث؟ فقلت ذلك، فضحك وقال: هذا كلام ما أنت بأبي عذره، فقلت صدق فوك يا أمير المؤمنين، اشتريته والله بدرهمين، فضحك وقال: أصبت وأحسنت. فأمر بجائزتي، ثم زادني ألفي درهم مكان الدرهمين.
باب
الهواء والريح والنسيم والحر والبرد والظلمحمد بن علي رضي الله عنهما: ما هبت الريح ليلا ولا نهارا إلا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعد، وقال: اللهم أن كان بك اليوم سخط على أحد من خلقك بعثتها تعذيبا له، فلا تهلكنا في الهالكين. وأن كنت بعثتها رحمة فبارك لنا فيها.
فإذا قطرت قطرة قال: رب لك الحمد، ذهب السخط، ونزلت الرحمة.

هبت ببغداد ريح عاصف، جاءت بما لم تأت به ريح قط فألفي المهدي ساجدا يقول: اللهم احفظ فينا نبيك، ولا تشمت بنا أعداءنا من الأمم، وأن كنت يا رب أخذت العامة بذنبي، فهذه ناصيتي بيدك، يا أرحم الراحمين. فلما أصبح تصدق بألف ألف درهم، وأعتق مائة رقبة، وأحج مائة رجل. وفعلت الخيزران وجلة خاصته وفواده مثل ما فعل. فكان الناس بعد ذلك إذا ذكروا الخصب قالوا: أخصب من صبيحة ليلة الظلمة.
مطرف رحمه الله: لو حبست الريح عن الناس لأنتن ما بين السماء والأرض.
الصبا موصوفة بالطيب والروح، لانخفاضها عن برد الشمال، وارتفاعها عن حر الجنوب.
السري الموصلي:
معان كأنفاس الرياح بسحرة ... تمر بنوار الرياض فتعبق
آخر:
أما ترى الجو يجلى في ممسكة ... والأرض تختال في أبرادها القشب
إذا ألح حسام البرق مؤتلقاً ... في الومض جد خطيب الرعد في الخطب
والريح وسنى خلال الروض دانية ... فما يراع لها مستيقظ الترب
نسيم الريح نيب الروح.
مرض غسان بن عباد حين ولي الرقة فما كان ينجح فيه دواء، فقال طبيبه: أبو عباد مرضه سببه الهوء، فبعث إلى بغداد فحمل الهواء فكان يفتح كل يوم في وجهه جرابا حتى برىء.
أبو حنيفة الدينوري: بعض الرياح أقل هبوبا من بعض، فالدبور قليلة الهبوب، وكذلك الشمال الليل هي أقل هبوبا من الجنوب. وقلما تهب الشمال وهي إذا ضرب الليل ضعفت أو سقطت، ولذلك تقول العرب في أحاديثها: ان الجنوب قالت للشمال أن لي عليك فضلا، أنا أسرى وأنت لا تسرين. فقالت الشمال أن الحرة لا تسرى.
تمنين الطلاق وأنت عندي ... بعيش مثل مشرقة الشمال
يعنى بعيش طيب، فإن المشرقة الشمالية يعد لها التقاء الحر والروح عليهما.
حر تصلى فيه الحزباء ولا تصلى فيه الحرباء.
عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
ويوم كتنور الطواهي سجرته ... وألقين فيه الجزل حتى تضرما
قذفت بنفسي في أجيج سمومه ... وبالعنس حتى ابتل مشفرها دما
سمعها أخوه الحارث قال: الله أكبر قد أخذت في فن آخر، فلما سمع:
أؤمل أن ألقى من الناس عالما ... بأخباركم أو أن ألم مسلما
قال: أنك لفى ضلالك القديم.
حر يشبه قلب الصب، ويذيب دماغ الضب.
علي رضي الله عنه: توقوا البرد في أوله، وتلقوه في آخره، فأنه يفعل في الأبدان كفعله في الأشجار، أوله يحرق، وآخره يورق.
رأى لأصمعي رجلا يختال في أزير في يوم قر، فقال له: من أنت يا مقرور؟ قال: أنا ابن الوحيد أمشى الخيزلى ويدفئني حسبي.
سئل رجل عريان عما يجد في يوم قر، فقال: ما علي منه كبير مؤونة، قيل: كيف؟ قال: دام بي العري فاعتاد بدنى ما تعتاده وجوهكم.
قيل لأعرابي: ما أشد البرد، فقال: إذا صفت الخضراء، ونديت الغبراء، وهبت الجربياء.
دخل أبو العيناء على بن عبد الرحمن بن خاقان في يوم شات، فقال: كيف تجد هذا اليوم؟ فقال: تأبى نعماؤك أن أجده.
أعرابي: أصبحت الشمال تتنفس الصعداء.
هبت ريح شديدة فقيل: قامت القيامة. فقال زبدة المخنث: هذه قيامة على الريق بلا خروج الدجال ولا دابة الأرض ولا طلوع المهدي نسأل الله بركة قدومه.
أبو الحسن الطوسي صاحب الأصمعي:
هجم الشتاء ولا أم ... لك ألا رواية العربية
وقميصاً لو هبت الريح لم تب ... ق على عاتقي منه بقية
كان للمتوكل بيت مال يسميه بين مال الشمال كلما هبت الريح شمالا تصدق بألف درهم.
القاضي التنوخي:
وليلة ترك البرد البلاد بها ... كالقلب أشعر يأساً فهو مثلوج
فإن بسطت يداً لم تنبسط خصراً ... وأن تقل فيقول فيه تثبيج
فنحن فيها ولم نخرس ذوو خرس ... ونحن فيها ولم تفلج مفاليج
قيل لأعرابي: ما أعددت للبرد؟ قال: طول الرعدة. فنظمه ابن سكرة الهاشمي:
قيل ما أعددت للبر ... د فقد جاء بشدة
قلت دراعة عري ... تحتها جبة رعدة
آخر:
أنى لأرجو أن تموت الريح ... فاقعد اليوم واستريح
هو قول ذراء ود أن تهدأ الريح فيهدأ من الذراية.

تقول العرب: أبرد الأيام الأحص الورد، والأزب الهلوف. فالاحص الورد: المصحى الذي تصفر شماله وتحمر آفاقه. والأزب الهلوف: الذي تهب نكباؤه، ويكثر جهامه وقتلمه من قولهم لحية هلوفة كثيرة كبيرة.
وكل البرد الأيدى بالنحور، وأحمد الريق على الثغور.
قد أخصر الوجه لو جعلت ضحى ... ناراً تأجج فوق الوجه ما احترقا
الجاحظ: الماء ليس يجمد للبرد فقط، فقد تكون الليلة باردة جداً ولا تجمد الماء، وتجمد التي هي أقل برداً منها، وقد يختلف جمود الماء في الليلة الساكنة وذات الريح.
قال: وقد أخبرني من لا ارتاب بخبره أنهم كانوا في جبل يستغنون فيه عن لبس المبطنات، ومتى صبوا الماء في أناء من زجاج جمد من ساعته، فليس جمود الماء بالبرد فقط، ولابد من شركة ومقادير، واختلاف جواهر ومقابلات، كسرعة البرد في بعض الأدهان وابطائه عن بعض، وكأختلاف عمل البرد في الماء المغلي والمتروك على حاله. وقد رأيت أنا بالبادية الماء قد بلغ به البرد إلى حد ما كدت أطيق أن أباشره بثغرى خصراً، وهو مع ذلك على حالة لم يعمل فيه الجمود. وربما جمد ماء جيحون حتى بلغ غلظ الجمد فيه قيد ذراع فصاعداً، وشربه سهل لذيذ، لا يتكره الشارب أن يعبه عباً.
تقول العرب: الشتاء ذكر، والصيف أنثى، وذلك لقسوة الشتاء وشدته، ولين الصيف وهونه. ومن عادتهم أن يذكروا كل صعب قاس، قالوا: داهية مذكار، إذا كانت ذات مخاوف وافزاع، ويوم باسل ذكر. قال:
فإنك قد بعثت عليك نحسا ... شقيت به كواكبه ذكور
جعلها ذكورا لكون نحسها أفظع وأشد. والصيف وأن تلظى قيظه، وحمي صلاؤه، فهو بالقياس إلى الشتاء وهوله هين عندهم، لما يلقونه من البرح والبؤس الشديد، ولذلك قالت أم الحسن حين سئلت أيما أشد الشتاء أم الصيف؟ ومن يجعل الاذى كالزمانة؟ وروي: وما جعل البئيس إلى الأذية! ولذلك تجدهم لا يعدون أن يصفوا أوار الصيف، فإذا صاروا إلى الشتاء وعجوا من وطئه عجيجا، ونوهوا باسم من آسى فيه وواسى، وأوقد نويرة، وبذل طعيما.
ابن المعتز:
والريح تجذب أهداب الازار كما ... أفضى الشفيق إلى تنبيه وسنان
وله: ونسيم يبشر الأرض بالقط - ر كذيل الغلالة المبلول
ووجوه البلاد تنتظر الغي ... ث انتظار المحب رجع الرسول
أبو الفتح البستي:
سبحان من خص الفلز بعزة ... والناس مستغنون عن أجناسه
وأذل أنفاس الرياح وكل ذي ... نفس فمفتقر إلى أنفاسه
يقال للبرد المستطاب: برد الورد، وهو برد الربيع. كما يقال للبرد الكريه: برد العجوز. ويقال: أن برد الربيع مونق، وبرد الخريف موبق ابن خالويه:
إذا همذان اعتادها البرد وانقضى ... برغمك ايلول وأنت مقيم
فعينك عمشاء وأنفك سابل ... ووجهك مسود البياض بهيم
وأنت أسير لبرد تمشى تعلة ... على السيف تحبو مرة وتقوم
بلاد إذا ما الصيف أقبل جنة ... ولكنها عند الشتاء جحيم
هاج برد يحول بين الكلب وهريره، والأسد وزئيره، والطير وصفيره، والماء وخريره.
لما خلع المستعين قيل له: اختر بلداً تحله، فاختار البصرة، فقيلك هي حارة، فقال: أترونها أحر من فقد الخلافة! المأمون: من مروءة الرجل أن يوجد منه رائحة الطرفاء أيام الشتاء.
رائحة الطرفاء رائحة الظرفاء.
أبو حنيفة الدينوري: قيل للعواء عواء البرد، لأن البرد مسترعف بها، فإذا هي طلعت لم يأت إلا وهي منه في شباب، إلى أن يتناهى في بركي الشتاء.
وقال: لا يزال البرد راكداً يفري الفري، والثريا ترتقي، حتى إذا رئيت عشاء قد قممت، والشعريان قد استقلتا، وطلعت نثرة الأسد، فذلك حين وقعت عقارب البرد وتناهى قرصه وشدته.
تقول العرب: إذا رأيت الشعريين، يحوزهما الليل، فهناك لا يجد القر مزيداً.
وحوز الليل إياهما أن يكونا في حيزه فتطلعا بعد غروب الشمس، وتغيبا قبل طلوعها، فلا يكون للنهار فيهما نصيب، وذلك من لدن طلوع الهرارين إلى أن ينوء الذراع. وهو أخلص صميم الشتاء وأصرحه.
ويقولون: إذا أمسى النجم قم راس، فليله فتى وفاس. يعنون أن الفتى يحتطب فيها بالفأس، لأنه لابد له من الصلاء.

الأصمي: رأيت أعرابيا قد حفر قرموصا وقعد فيه في أول الشتاء، فقلت: ما صيرك إلى هذا؟ قال: شدة البرد، وأنشأ يقول:
أيا رب هذا البرد أصبح كالحاً ... وأنت بصير عالم لا تعلم
لئن كنت يوماً ما جهنم مدخلى ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم
قيل لأعرابي في الشتاء: أما تصلى: قال: البرد شديد، وما علي كسوة أصلى فيها، وقال:
أن يكسني ربي قميصت وريطة ... أصل وأعبده إلى آخر الدهر
وأن لا يكن إلا بقايا عباءة ... مخرقة مالي على البرد من صبر
كلما كان الساتر أشد اكتنازاً، كان الظل أشد سواداً. وليس يكون ظل أبرد ولا أشد سواداً من ظل جبل.
في ديوان المنظوم:
شتاء تقلص الاشداق منه ... وبرد يجعل الولدان شيبا
وأرض تزلق الأقدام فيها ... فما تمشى بها إلا دبيبا
وفيه:
أقبلت يا برد بوجه أجرد ... يفعل بالأوجه فعل المبرد
أظل في البيت كمثل المقعد ... منقبضاً تحت الكساء الأسود
لو قيل لي أنت أمير البلد ... فهات للبيعة كفأ تعقد
لكنت كالأقطع لم أخرج يدي عائشة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته، انما كان يبتسم. وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه.
فقلت: يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية. فقال: يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا.
أبو هريرة: سمعت رسول الله يقول: الريح من روح الله.
ابن عاس: ان الملائكة لتفرح بذهاب الشتاء، رحمة بالمساكين.
أنس: يرفعه: استعينوا على قيام الليل بقائلة النهار، واستعينوا على صيام النهار بسحور الليل، واستعينوا على حر الصيف بالحجامة، واستعينوا على برد الشتاء بأكل التمر والزبيب.
الخدري، يرفعه: إذا كان يوم حار. فإذا قال الرجل: لا إله إلا الله، ما أشد حر هذا اليوم! اللهم أجرني من حر جهنم، قال الله لجهنم: أن عبداً من عبيدي قد استجارني من حرك، وأنا أشهدك أني قد أجرته. وإذا كان اليوم شديد لبرد، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله، ما أشد برد هذا اليوم! اللهم أجرني من زمهرير جهنم، قال الله لجهنم: أن عبداً من عبيدي استجارني من زمهريرك، وأني أشهدك أني قد أجرته. قالوا: وما زمهرير جهنم؟ قال: بيت يلقى فيه الكافر فيتميز من شدة برده.
بابي بن دكين:
إذا الريح من قصد العقيق تنسمت ... ونحن بمجراها شفى النفس طيبها
فيا جبلى غوري تهامة خليا ... نسيم الصبا يخلص إلي هبوبها
فإن الصبا ريح إذا ما تنفست ... على كبد حرى تجلت كروبها
يحيى بن ذي الشامة المعيطي:
جاء الشتاء وليس عندي درهم ... وبمثل ذلك قد يصاب المسلم
لبس العلوج خزوزها وفراءها ... وكأنني بفناء مكة محرم
أبو صفوان ابن عوانة: وضوء المؤمن في الشتاء يعدل عبادة الرهبان كلها.
محمد بن عبد العزيز: البرد عدو للدين.
جلس عيسى عليه السلام في ظل خباء عجوز فقالت: من الذي جلس في ظل خبائنا؟ قم يا عبد الله. فقام فقعد في الشمس فقال: لست أنت أقمتني، إنما أقامني الذي لم يرد أن أصيب من الدنيا شيئاً.
وقع أعرابي إلى أرض أصبهان في أيام الربيع، فاستطاب الهواء، وأنس بالاشجار، فلما جاء الشتاء قحلت الأشجار، وثلجت الأقطار، فجعل يرتعد من البرد وتخفق أحشاؤه، فقال:
بأصبهان شعثت أموري ... لما تقضى الصيف ذو الحرور
ورمت الآفاق بالهرير ... وللثلج مقرونا بزمهرير
جاءت بشر مجنب عافور ... لو لا شعار البرة البرور
أم الكبير وأبى الصغير ... لم يدف مقرور من لتخصير
والشمس فيها فرح المقرور البرة: الشمس، والمجنب: الكثير، والعافور: المهلك، من قولهم: وقع في عاثور شر، وعافور شر.

كان علي عليه السلام يخرج في الشتاء، والبرد شديد في أزار ورداء خفيفين. وفي الصيف في القباء المحشو والثوب الثقيل لا يبالي، فقيل له، فقال: قال رسول الله يوم خبير حين أعطاني الراية، وكنت أرمد، فتفل في عيني، اللهم أكفه الحر والبرد فما آذانى بعد حر ولا برد.
باب
النار وأنواعها وأحوالها
وذكر نار جهنم وأهوالها والسراج والشمعة ونحو ذلكأبو هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم، لو كان في هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون وفيهم رجل من أهل النار، فتنفس فأصابهم نفسه، لأحرق المسجد ومن فيه.
قال نبي الله عليه الصلاة والسلام لجبريل: مالي لم أر ميكائيل ضاحكا قط؟ قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار.
أنس، يرفعه: أن أدنى أهل النار عذاباً الذي تجعل له نعلان، يغلى منهما دماغه في رأسه.
وعنه عليه الصلاة والسلام: ليلة أسري بي سمعت هدة، فقلت: يا جبريل ما هذه الهدة؟ قال: حجر ارسله الله من شفير جهنم، فهو يهوى منذ سبعين خريفاً، بلغ قعرها الآن.
الخدرى: عنه عليه السلام في قوله تعالى: " وهم فيها كالحون " تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخى شفته السفلى حتى تبلغ سرته.
عبيد بن عمير الليثي: أن جهنم تزفر زفرة لا يبقى ملك ولا نبي إلا خر ترعد فرائضه، حتى أن ابرهيم ليجثو على ركبتيه، فيقول: رب لا أسألك إلا نفسي.
الخدري: عنه عليه الصلاة والسلام: لو ضرب بمقمع من مقامع الحديد الجبل لفتت فعاد غباراً.
ابن عباس: لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الأرض لأمرت على أهل الأرض معيشتهم، فكيف بمن هو طعامه وشرابه، ليس له طعام غيره.
الحسن: أن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار أنهم أعجزوا الرب، ولكن إذا طفا بهم اللهب أرسبتهم في النار. ثم خر الحسن مغشيا عليه، ثم قال ودموعه تحادر: يا ابن آدم نفسك، نفسك، فإنما هي نفس واحدة، أن نجت نجوت، وأن هلكت لم ينفعك من نجا.
كل نعيم دون الجنة حقير، وكل بلاء دون النار يسير.
طاووس: لما خلقت النار طارت أفئدة الملائكة، فلما خلقتم سكنت.
مطرف: أنكم تذكرون الجنة وقد حال ذكر النار بيني وبين أن أسأل الله الجنة.
منصور بن عمار. مروي سكن البصرة: يا من الكلمة تقلقه، والبعوضة تسهره، أمثلك يقوى على وهج السعير، أو يطبق صفحة خده على لفح سمومها، ورقة أمعائه على خشونة ضريعها، ورطوبة كبده على تجرع غساقها؟ قيل لعطاء السلمي: أيسرك أن يقال لك: قع في النار فتحرق فتذهب فلا تبعث؟ فقال: والله الذي لا إله إلا هو، لو طمعت أن يقال لي ذلك، لظننت أن أموت فرحاً قبل أن يقال لي قع فيها.
رابعة القيسية: قال مالك بن دينار: أتيتها وإذا هي تقول: كم من شهوة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها، يا رب أما كان لك عقوبة ولا أدب غير النار؟ كانت حمدة بنت الخراساني وكانت بلهاء تبكي وتتضرع في ليلة كسوف وتقول: يا رب عذبني بكل شيء، ولا تعذبني بالنار، اضربني بالفالج، أرمني بقاصمة الظهر، كل شيء ولا النار.
سمعت بعض البحارة بمكة يصف القرش وتعرضه للجلبة، وأن الركاب فيها يتمحلون بكل محال في دفعه وطرده، من الطعن بالنيازك، والضرب بالمعاول، فما تعمل فيه حيلة قط، فإذا أخرجوا النار في الشعلة، فقبل أن يدنوها منه، ذهب في الدنيا حذرا من النار.
الحسن: والله ما يقدر العباد حرها. ذكر لنا لو أن رجلاً كان بالمشرق وجهنم بالمغرب، ثم كشف عن غطاء منها، لغلت جمجمته، ولو أن دلواً من صديدها صبت في الأرض ما بقي على وجه الأرض شيء فيه روح إلا مات.
عن غلام الأحنف بن قيس: أن عامة صلاة الأحنف بالليل كان الدعاء، وكان يضع المصباح قريبا منه، فيضع اصبعه عليه فيقول: أحس يا حنيف، ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ هشام بن الحسن الدستوئي، من أصحاب الحسن، كان لا يطفىء سراجه بالليل، فقال له أهله: أنا لا نعرف الليل من النهار. فقال: أنى إذا أطفأت السراج ذكرت ظلمة القر فلم يأخذني النوم.
قال الفضيل لابنه علي بعد صلاة الفجر: أتدري ما قرأ الامام من قوله تعالى: " فيهن قاصرات الطرف " ؟ فقال: شغلني عنه قوله: " هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون " .
قرىء عند عمر رضي الله عنه: " سرابيلهم من قطران " ، وثم أعرابي فانتحب، وقال: والله يا أمير المؤمنين لقد رأيتني أهنأ البعير بالقطران فيهرج البعير، فكيف بابن آدم؟

يعلى بن منية: عنه عليه السلام: تقول جهنم للمؤمن جز فقد أطفأ نورك لهبى.
أنس: عنه عليه السلام: من أسرج في مسجد سراجا لا تزال الملائكة تستغفر له، ما دام في المسجد ضوء ذلك السراج.
وهب بن منبه: كان يسرج في كل ليلة في البيت المقدس ألف قنديل، وكان يخرج من طور سيناء زيت مثل عنق البعير، صاف يجري، حتى ينضب في القناديل من غير أن تمسه الأيدي. وكانت تنحدر من السماء نار بيضاء تسرج بها القناديل. وكان القربان والسرج بين ابني هارون شبر وشبير، فأمرا أن لا يسرجا بنار الدنيا، فاستعجلا يوما فأسرجا بنار الدنيا، فوقعت النار، فأكلت ابني هارون، فصرخ الصارخ إلى موسى عليه السلام، فجاء يدعو، يقول: يا رب ان ابني هارون أخي قد عرفت مكانهما مني. فأوحي إليه: يا ابن عمران هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني، فكيف بأعدائي؟ والظباء، والرتلان، والاسود، والوحوش، كلها تعشى إذا رأت النار بالليل، وتحدث لها فكرة فيها، ونظر إليها، والصبي الصغير كذلك، والضفادع تنق فاذا رأت النار سكتت.
قال أحمد بن يوسف الكاتب: أمرني المأمون أن أكتب إلى أهل الامصار في الازدياد من المصابيح، فلم ينفتح لي ما أكتب، فرأيت في النوم قائلا يقول لي: فإن فيها اضاءة للمجتهدين، وأنسا للسابلة، ودفعاً لمكامن الريب عن بيوت الله.
الصنوبري في الشمعة:
مجدولة في قدها ... حاكية قد الأمل
كأنها عمر الفتى ... والنار فيها كالأجل
شرب نقيل عند رجل، فلما أمسى لم يأته بالسراج، فقال: أين السراج، قال: الله تعالى يقول: " وإذا أظلم عليهم قاموا " ، فقام فخرج.
وفحم كأيام الوصال فعاله ... ومنظره في العين يوم صدود
كأن لهيب النار بين خلاله ... بوارق لاحت في عمائم سود
أبو ثروان الأعرابي: ضفنا فلانا، فلما طعمنا، أتونا بالمقاطر فيها الجحيم يهص زخيمها فألقى عليها المندلي. أي بالمجامر فيها الجمر.
وشقراء غبراء الفروع منيفة ... إذا شبهوا الحسناء قالوا كأنها
شجر يحمل ناراً: هو الشمع. كأنها نخلة بلا سعف تحمل جمارة من النار.
وحية في رأسها درة ... تسبح في بحر قصير المدى
إذا تناءت فالعمى حاضر ... وأن دنت بان طريق الهدى
يعني فتيلة المصباح.
يقال: ما من شجر إلا تقدح منها النار إلا العناب، ولذلك اختاره القصارون لكذ ينقاتهم.
لما قتل المأمون ابن عائشة قال:
أنا النار في أحجارها مستكنة ... متى ما يهجها قادح تتضرم
وعن ابن الأعرابي: أن الوحي: الملك. فقيل له: لم سمي بذلك؟ فقال: لأنه يفعل فعل الوحي، وهو من أسماء النار.
لما زوج آدم عليه السلام بناته من بنيه، وتناسلوا، وتمت عدتهم مائة نفس، وقيل: بلغت مساكنهم مائة، اجتمعوا وأوقدوا نارا، واتخذوا ذلك اليوم عيدا، فسماه أهل فارس السذق.
زعموا أن ببلاد سقلية ولوقانية جبالاً فيها عيون تنبع منها النار، تضيء للسيارت البعيدة، لا يطفئها شيء، وأن حمل منها انسان شعلة قبس إلى موضع آخر لم تقد.
مروا بالغاضري وهو قاعد عند قبر رجل من بني أبي معيط، فقيل له: ما تصنع هاهنا؟ قال: اصطلى بناره. وذلك لما روى أبو العيزار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما انصرف من بدر، وبلغ الصفراء، أمر بضرب عنق عقبة بن أبي معيط.، فقال: يا محمد أقتل من بين قريش؟ فقال عمر: حن قدح ليس منها، لأن أبا معيط كان علجاً من أهل صفورية من الأردن، قدم به أبو عمرو بن أمية بن عبد شمس مكة فادعاه. فقال: يا محمد من للصبية فقال: النار.
ذكر أعرابي نار قرى فقال: تلك والله نار قديمة الولاء، يطير لها مع كل ريح رماد، تضيء لها البلاد، ويحيا بها العباد.
أعرابي:
أوقد فإن الليل ليل قر ... والريح يا ياسر رح صر
عسى يرى نارك من يمر ... أن جلبت ضيفاً فأنت حر
كان السلطان يأمر بإيقاد النيران على أم خرمان، وهي رابية بين ملتقى البصرة وحاج الكوفة، ليستأنسوا إلى ضوئها. قال:
يا أم خرمان أرفعي الوقودا ... تري رجالاً وجمالاً قودا
فقد أطالت نارك الخمودا ... أمت أم لا تجدين عودا
وقال:

يا أم خرمان أرفعي ضوء اللهب ... أن الدقيق والسويق قد ذهب
فكم بين من بلغت به الشفقة على الاسلام إلى طلب إيناس الحاج، يإيقاد النار في مخترقهم، بين من أدته القسوة إلى أن أجج نيران الفتن حتى سد مسالك طرقهم. اللهم أنا نعوذ بك من الجور بعد الكور، ونسألك الخلاص من أمراء الجور.
حبس أبو دلامة على الشراب، فكتب إلى المنصور:
أمن صهباء صافية المزاج ... كأن شعاعها ضوء السراج
وقد طبخت بنار الله حتى ... لقد صارت من النطف النضاج
أقاد إلى السجون بغير جرم ... كأنى بعض عمال الخراج
فاستدعاه واستنشده، وأمر له بألف درهم. فلما خرج قال له الربيع: فهمت يا أمير المؤمنه قوله بنار الله؟ قال: فهمت قال: ما عنى بها إلا الشمس. فرد، فقال: يا عدو الله ما عنيت بنار الله قال: نار الله الموقدة التي تطلع على فؤاد من أخبرك. فضحك منه، وأمر له بألف اخرى.
الجاحظ: لما هدم خالد بن الوليد العزى رمته بالشرر، حتى أحرقت عامة فخذه. وما أشك أنه كان للسدنة حيلة وكمين. ولو رأيت ما للهند في بيوت عباداتهم من هذه المخاريق لعلمت أن الله قد من على المسلمين بالمتكلمين الذين نشأوا فيهم. وذكر احتيال رهبان كنيسة الرها بمصابيحها، حتى أن زيت قناديلهم يتوقد من غير نار في بعض ليالي أعيادهم.
طائر يقال له السمندل يقع في النار فلا يحترق ريشه.
وعن المأمون: لو أخذ الطحلب فجفف في الظل ثم سقط في النار لم يحترق.
أبو اسحق النظام: الجمر في الشمس ألهب، وفي الفيء أشكل، وبالليل أحمر.
كانوا يوقدون ناراً عند التحالف، فيدعون الله بحرمان منافعها، وأصابة مضارها على من ينقض العهد، ويخيس بالعقد، ويقولون في الحلف: الدم الدم، والهدم الهدم، لا يزيده طلوع الشمس إلا شداً، وطول الليالي إلا مداً، ما بل بحر صوفة، وما أقام رضوى بمكانه. وكذلك إذا استحلفوا على شيء أوقدوها، وطرحوا فيها الملح والكبريت، فإذا تغيضت واستشاطت، قالوا، هذه النار قد تهددتك، فإن كان مبطلا نكل، وأن كان بريئا حلف. وتسمى الهولة، وموقدها المهول. قال أوس:
إذا أستقبلته الشمس صد بوجهه ... كما صد عن نار المهول حالف
وكانوا يوقدون ناراً خلف مسافر لا يحبون رجوعه. وكانوا يقولون: أبعده الله وأسحقه، وأوقد ناراً آثره، ومنه قول بشار:
صحوت وأوقدت للجهل نارا ... ورد عليك الصبا ما استعارا
أي طردت الجهل ورفضته، وعبر عن ذلك بإيقاد النار خلفه.
وكانوا إذا توقعوا جيشا أوقدوا ناراً ليلاً على جبلهم، ليبلغ الخبر أصحابهم وربما أوقدوا نارين. قال الفرزدق:
ضربوا المصانع والملوك وأوقدوا ... نارين أشرفتا على النيران
نار الحرتين ببلاد عبس، تسطع من الحرة بالليل، وربما بدرت منها العنق فتأتى على كل شيء. وهي بالنهار دخان ينور، فبعث الله ابن سنان العبسي وهو أول نبي بعث من ولد اسماعيل، قد قدمت ابنته على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه، وقال: بنت نبي ضيعه قومه، وسمعت قل هو الله أحد، فقالت: كان أبى يتلوها فحفر لتلك النار بئراً فادخلها فيها والناس ينظرون، ثم اقتحم فيها حتى غيبها. قال:
كنار الحرتين لها زفير ... يصم مسامع الرجل السميع
قال الجاحظ: أحسن ما قالوا في نار القرى قول الأعشى:
لعمرى لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار في يفاع تحرق
تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق
رضيعى لبان ثدي أم تقاسما ... يأسحم داج عوض لا نتفرق
قالوا: أحسن منه قول الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
ثم قال: ما كان ينبغي أن يمدح بهذا البيت إلا خير أهل الأرض، وعلى أني أعجب بمعناه أكثر من عجبي بلفظه وطبعه ونحته وسبكه. يعنى أنه مطبوع غير مصنوع متعمل، منحوت من الأبن والزوائد الفاضلة، مسبوك كما تسبك الفضة في جودة بيانه ونظمه، حيث جود في تعشو وإيقاعه حالاً، وقوله خير نار وما فيه من التجريد، ولم يقل تجدها خير نار، وجمع بين الخيرين.

وكانوا يوقدون النار يهولون بها على الأسد، فإذا عاينها حدق إليها واستهالها فتشغله عن السابلة. ومر ناس بوادي السباع فعرض لهم سبع، فأوقدوا ناراً، وضربوا على الطاس الذي معهم فأحجم عنهم.
يقال لنار العرفج نار الزحفتين، لآن صاحبها لا يزال يزحف إليها وعنها لسرعة اتقادها وأنطفائها.
وقيل لأعرابي: ما بال نسائكم رسحاً؟ فقال أرسحهن عرفج النار.
جمرات العرب عبس وضبة ونمير، سميت بجمرات النار.
قال أبو حية النميري:
وهم جمرة ما يصطلى الناس نارهم ... توقد لا تطفى لريب الدوائر
وقال أيضا:
لنا جمرات ما على الأرض مثلها ... ثلاث فقد جربن كل التجارب
نمير وعبس تتقى نقماتها ... وضبة قوم بأسهم غير كاذب
إلى كل قوم قد دلفنا بجمرة ... لها عارض جون قوي المناكب
في ديوان المنظوم:
ما جمرة إلا تنافس جمرة ... يستوقد الضبي نار فخارها
يسمو إليها نسبة فيزيدها ... خطرا ينيف على مدى أخطارها
فمتى تصدع جمرة أو تنطفى ... فلما ترى من فخر تلك وعارها
ومنى الجميع منال وطأة أخمص ... منه ليرفع ذاك من مقدارها
وبأن أصابت جمرة النار المنى ... زهيت على جمراتها وجمارها
وأذاتها كانت لتجميش هوى ... ومحبة ليست لأجل ضوارها
قالوا: ألقي رجل في ماء راكد في شتاء بارد، في ليلة من الحنادس، لا قمر ولا ساهور، فما زال حياً وهو في ذلك بارز جامد ما دام ينظر إلى نار تجاه وجهه. فلما طفئت طفىء. وإنما قيل لا قمر ولا ساهور، لأن القمر والطوق الذي يستدير حوله، يزعمون أنه كاسر من برد الليل.
قالوا: النيران ثلاث: نار تأكل وتشرب، وهي نار الحمى، تأكل اللحم وتشرب الدم. ونار تأكل ولا تشرب، وهي نار الدنيا. ونار لا تأكل ولا تشرب، وهي نار جهنم.
أنس: من أسرج في مسجد سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في ذلك المسجد ضوء.
أبو طالب المأموني:
وقائمة بين الجلوس على شوى ... ثلاث فما تخطو بهن مكانا
على رأسها نجل لها لم تجنه ... حشاها ولا علته قط لبانا
تسدد في أعلاه كل عشية ... لشق جلابيب الظلام سنانا
هي المنارة، وله في الشمعة:
وطاعنة جلباب كل دجنة ... بماضي سنان في ذؤابة ذابل
تجود على أهل الندي بنفسها ... وما فوق بذل النفس جود لباذل
وله فيها:
ومجدولة مثل رأس القنا ... ة تعرت وباطنها مكتسي
فنحن من النور في أسعد ... وتلك من النار في أنحس
مر علي على المساجد في شهر رمضان فيها القناديل فقال: نور الله على عمر بن الخطاب في قبره كما نور علينا مساجدنا.
أمية بن أبي الصلت في صفة جهنم:
تحش بجندل صم صلاب ... كأن الضاحيات لها قضيم
غداة يقول بعضهم لبعض ... ألا يا ليت أمكم عقيم
فلا تدنو جهنم من بري ... ولا عدن يطالعها الأثيم
وهم يطفون كالأقذاء فيها ... لئن لم يرحم البر الرحيم
أبو محمد المكي في الرشيد لما فتح هرقلة:
هوت هرقلة لما أن رأت عجبا ... جواثماً ترتمي بالنفط والقار
كأن نيراننا في جنب قلعتهم ... مصقلات على أرسان قصار
عبيد بن أيوب العنبري، أبو المطراب، من لصوص الحجاز:
يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا ... أيمانهم أنني من ساكني النار
أيحلفون على عمياء ويحهم ... ما علمهم بعظيم العفو غفار
عباءة بن يزيد بن جعشم:
كأن لم يقل يوماً يزيد بن جعشم ... لنار الندى ارفع سناها وأوقد
واذك سنا نار الندى عل ضوءها ... يجيء بمقو أو طريد مشرد
فباتت على علياء نار ابن جعشم ... تشب لغوري وآخر منجد
وبات الندى والجود يصطليانها ... حليفي كريم واجد غير مجحد

ما هبط جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو محزون مغموم، فقال له في ذلك، فقال: يا محمد لما وضعت المنافيخ على جهنم، أورثت قلبي الحزن والغم.
علي رضي الله عنه: لقد رأيت عقيلا وقد أملق، حتى استماحني من بركم صاعا، وما رأيت صبيانه شعث الألوان من فقرهم، كأنما سودت وجوهم بالعظلم، وعاودني مؤكدا، وكرر على القول مردداً، فأصغيت إليه سمعى، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قياده مفارقاً طريقتي. فأحميت له حديدة، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحرق من مسها، فقلت له: ثكلتك الثوكل يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها انسانها للعبه، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه. أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟ وعنه: واعلموا أنه ليس لهذا الجلد الرقيق صبر على النار، فارحموا نفوسكم فأنكم جربتموها في مصائب الدنيا، فرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه، والعثرة تدميه، والرمضاء تحرقه، فكيف إذا كان بين طابقين من نار، ضجيج حجر، وقرين شيطان. أعلمتم أن مالكا إذا غضب على النار حطم بعضها بعضا لغضبته، وإذا زجرها توثبت بين أبوابها جزعا من زجرته. أيها اليفن الكبير، الذي قد لهزه القتير، كيف أنت إذا أقتحمت أطواق النار بعظام الاعناق، وتشبثت الجوامع حتى أكلت لحوم السواعد.
خرج عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق إلى معاوية فكلمه في أمر أخيه محمد فأنبه، وكتب إلى معاوية بن خديج باطلاقه، ودس كتابا بإحراقه، فأحرق بالنار. فكانت عائشة رضي الله عنها لا تأكل الشواء، ولا تراه إلا بكت.
سأل معاوية من يطعم بمكة؟ فقيل عبد الله بن صفوان، فقال: تلك نار قديمة.
أوحى الله إلى موسى لا تستوقد بالبيت المقدس بنار، حتى أنزل عليك بنار من السماء، فسأله هارون أن يجعلها له ففعل، فجعلها هارون لابنيه، فعجلا فاستوقدا بنار، فنزلت من السماء نار فأخذتهما، وذهب هارون لتخليصهما. فقال موسى: دع ربي يبلغ فيهما نقمته، فأوحى الله إليه هكذا أفعل بمن عصاني من أوليائى فكيف باعدائى.
عن محمد ين زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب: لما نصب الحجاج المنجنيق على البيت، وفيه ابن الزبير جعلت الصواعق تقع من كل جانب. فقال الحجاج لا تهولنكم إنما هي صواعق تهامة. قال محمد فأنا نظرت إليهم وهم فوق أبي قيس إذ أقبلت صاعقة من السماء كأنها محراق فطحنتهم.
عون بن عبد الله: مثل الناس مثل الخشب، ما صلح منه لشيء انتفع به، وإلا أوقد به، ومن كان فيه خير لقي خيراً، وإلا ألقي في النار.
باب
الأرض والجبال والحجارة
والحصى وجواهر الأرض والمفاوز وذكر الرجفة والخسفالنبي صلى الله عليه وسلم: تمسحوا بالأرض فأنها بكم برة.
الأرض مضجعنا وكانت أمنا ... فيها معايشنا وفيها نقبر
ابن عباس: أن في الأرض الثانية خلقا وجوههم وأبدانهم كوجوه بني آدم وابدانهم، وأفواههم كأفواه الكلاب، وأرجلهم وآذانهم كأرجل البقر وآذانها، وشعرهم كصوف الضأن، ولا يعصون الله طرفه عين، ليلنا نهارهم ونهارنا ليلهم.
ابن مسعود: عنه عليه السلام في قوله تعالى: " يوم تبدل الارض غير الأرض " أرض بيضاء نقية كأنها الفضة، لم يسفك عليها دم حرام، ولم تعمل عليها خطيئة.
خطب الحجاج فقال: أن الله خلق آدم وذريته من الأرض، وأمشاهم على ظهرها، فأكلوا من ثمارها، وشربوا من أنهارها، وهتكوا أطباقها بالمساحى والمرود، فإذا ردهم الله إلى الأرض أكلت لحومهم كما أكلوا ثمارها، وشربت دماءهم كما شربوا ماءها، ومزقت أوصالهم كما هتكوا أطباقها.
كان بعض العلماء إذا تلا قوله تعالى: " وفي الأرض آيات للموقنين " قال: أشهد أن السموات والأرض وما فيها آيات تدل عليك وتشهد لك بما وصفت من نفسك، كل يؤدي عنك الحجة، ويقر لك بالربوبية، موسوم بآثار قدرتك، ومعالم تدبيرك الذي تجليت به لخلقك، فوسمت من معرفتك القلوب بما آنسها من وحشة الفكر، وكفاها رجم الاحتجاب، فهي على اعترافها بك شاهدة أنك لا تحيط بك الصفات، ولا تدركك الاوهام فإن حظ الفكر منك الاعتراف بك والتوحيد.
الجاحظ: كان فضل الرقاشي سجاعا في قصصه، وكان عمرو ابن عبيد وهشام بن حسان يحضرانه، ومن كلامه: سل الارض من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؟ فإن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً.

يعلى بن منية: عنه عليه السلام، من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل نرابها في المحشر.
يقال: أرض حصان من ملامسة الحيا، أي جدبة.
ماله في الأرض مربض عنز، إذا نفوا عنه ملك شيء من العقار.
النبي صلى الله عليه وسلم: التمسوا الرزق في خبايا الأرض.
وعن مصعب: كان عروة بن الزبير يقول لي: أزرع مالك من أرض، أما تسمع قول الشاعر:
أقول لعبد الله لما لقيته ... يسير بأعلى الرقمتين مشرقا
تبغ خبايا الأرض وادع مليكها ... لعلك يوماً أن تجاب فترزقا
سيعطيك ماء واسعاً ذا مثابة ... إذا ما مياه الناس غارت تدققا
وكان ابن شهاب الزهري يتمثل بها، ويدعى أنها له، والصحيح أنها لعمر بن أبي الحدير البلوي.
لما بلغ عمر رضي الله عنه أن نازلة البصرة اتخذوا الضياع، وعمروا الارضين، كتب إليهم لا تنهكوا وجه الأرض فإن شحمتها في وجهها. قالوا: شحمة الأرض موضع الريع منها.
الزرع لا يبلغ النهاية إلا ببركتين: بركة السماء بأن تسقيه من مائها، وبركة الأرض بأن تربيه من ترابها.
زياد بن أبيه: أحسنوا إلى المزارعين فأنكم لا تزالون سمانا ما سمنوا.
لا ضيعة على من له ضيعة.
إبراهيم بن اسحق المصعبي: كيمياء الملوك العمارة، ولا تحسن بهم التجارة.
الضيعة أن تعدتها ضعت، وأن لم تتعهدها ضاعت.
قال مدني لمزبد: أريد أن أشترى عنان جارية أبي العراقيب، قال: ويلك ومن أين لك ثمنها؟ قال: أبيع قطيعة جدى، قال: وأي قطيعة كانت لجدك؟ والله أن كان ملك جدك الاقطيعة الرحم.
في الحديث: أن الجفاء والقسوة في الفدادين، هم الأكرة، من الفديد الجلبة، لأنهم يفدون في سوق البهائم.
الضياع مدارج الهموم، وكتب الوكلاء سفاتج الغموم.
في ديوان المنظوم:
قد
أصبحت جارتى تجهلني ... غداة أصبحت بايعاً أرضي
فقلت ما صفقتي بخاسرة ... أبيع أرضي واشتري عرضي
قيل لجعفر بن محمد: لم يكلب الناس على الطعام في الغلاء؟ قال: لأنهم بنو الأرض، فإذا أقحطت أقحطوا، وإذا أخصبت أخصبوا.
ابن الرقاع العاملي يصف حماراً وأتانا:
يتعاوران من الغبار ملاءة ... بيضاء مخنلة هما نسجاها
تطوى إذا علوا مكانا جاسيا ... وإذا السنابك أسهلت نشراها
قصد مخنث جبل لكام ليتعبد، فلما صعد فيه أعيا، فقال: واشماتتي يوم أراك كالعهن المنفوش. واللكام جبل يمتد من حمص ودمشق ويسمى ثم لبنان، إلى أن يتصل بجبال أنطاكية والمصيصة ويسمى ثم اللكام.
وبه يسكن الإبدال يقال: هم تسعون كلما توفي واحد قام بدل مكانه. وإنما يرحم الله عباده وينظر لهم بدعائهم. قال:
وجاور بلاد الشام لبنان أنها ... معادن إبدال إلى منتهى العرج
وقال أبو دلف الخزرجي:
وجاورت الملوك ومن يليهم ... كما جاورت أبدال اللكام
حرة بني سليم إحدى الأعاجيب، فهي سوداء، وأهلها بنو سليم سود مثلها، ومن نزل بها من غير بنى سليم اسود، ويتخذون المماليك من الصقالبة الروام فتقلبهم الحرة والذين يلدون فيها من أولادهم إلى السواد. وكل ما فيها من الأنعام والخيل والوحوش إلى السواد. قال الجاحظ: وذلك مثل بلاد الترك ترى كل شيء فيها تركي المنظر، يدبرون الرماد والقلى فيستحيل حجارة سوداً تعمل منها الأرحاء.
يقول أهل طوس: قد ألان الله لنا الحجارة، كما ألان لداود الحديد، يعنون الحجارة التي تتخذ منها البرام.
ثالثة الأثافى قطعة من الجبل يضم إليها حجران فتكون أثافي القدر. وهي مثل في الشدة، يقال: رماه بثالثة الأثافي. قال علقمة بن عبدة:
وكل قوم وأن عزوا وأن كرموا ... عريفهم بأفي الشر مرجوم
وكان يقال لجرير والفرزدق والأخطل لتهاجيهم أربعين سنة أثافي الشر وللبديع:
ولي جسد كواحدة المثاني ... له كبد كثالثة الأثافي
عن الأخفش: ذكر رؤبة رجلاً فقال: هو من بنات المسجد يعني الحصى أراد أنه كالشيء الجماد.
ابن طباطبا:
بأبي الذي فلبي عليه حبيس ... مالي سواه من الأنام أنيس
لا تنكروا أبداً مقارنتي له ... قلبي حديد وهو مغناطيس

كان أبو حامد المروروذي إذا سمع تراجع المتكلمين في مسائلهم، ورأى ثباتهم على مذاهبهم، بعد طول جدالهم يتمثل بهذه الأبيات:
ومهمه فيه السراب يلمح ... دليله بحره مطوح
يدأب فيه القوم حتى يطلحوا ... ثم يظلون كأن لم يبرحوا
كأنما أمسوا يحبث أصبحوا أنشدني بعض الحجازيين:
وبتنا بقرواحية لا ذرا لها ... من الريح إلا أن ألود بكور
فلا الصبح يأتينا ولا الليل ينقضى ... ولا الريح مأذون لها بسكور
أرض يحار فيها الدليل الفهري، ويضل فيها القطا الكدري:
ورب خرق كأن الله قال له ... إذا طوتك ركاب القوم فانتشر
أنشد أبو عبيدة:
بئسا قرينا يفن هالك ... أم عبيد وأبو مالك
كنية المفازة والجوع.
قيل لأعرابي: كيف تصنعون بالبادية إذا اشتد القيظ وانتعل كل شيء ظله؟ قال: وهل العيش إلا ذاك، يمشي أحدنا ميلا ليرفض عرقا، ثم ينصب عصاه، ويلقى عليها كساه، ويجلس في قبة يكتال الريح، فكأنه في أيوان كسرى.
قيل لأعرابي: ما أصبركم على البدو! قال: كيف لا يصبر من طعامه الشمس، وشرابه الريح؛ لقد خرجنا في أثر قوم قد تقدمونا بمراحل، ونحن حفاة، والشمس في قلة السماء، حيث انتعل كل شيء ظله، وما زادنا إلا التوكل، وما مطايانا إلا الأرجل حتى لحقنا بهم.
عبيد:
لعمرك أني والظليم بقفرة ... لمشتبها الأهواء مختلفا النجر
خليلا صفاء بعد طول عداوة ... إلا يا لتقليب القلوب وللدهر
اجتمع السرو، والنوك، الخصب، والوباء، والمال، والسلطان، والصحة والفاقة بالبادية؛ فقالوا: أن البادية لا تسعنا، فقالوا نتفرق في الآفاق؛ فقال السرو: أنا منطلق إلى اليمن، فقال النوك: وأنا معك؛ وقال الخصب: أنا إلى الشام، فقال الوباء: أنا معك؛ وقال المال: أنا إلى العراق، فقال السلطان: أنا معك؛ وقالت الفاقة: مالي حراك، فقالت الصحة: أنا معك. فبقيت الفاقة والصحة بالبادية.
أعرابي:
لضآن ترتعى الدكداك حولى ... أحب إلي من بقر عكوف
وكلب ينبح الأضياف ليلاً ... أحب إلي من ديك هتوف
وبيت تخفق الأرواح فيه ... أحب إلي من قصر منيف
وشرب لبينة وتطيب نفسي ... أحب إلي من أكل الرغيف
ولبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف
للنوشادر أصل موجود، وقد يصعدون الشعر ويدبرونه حتى يستحكم استحكام النوشادر ولا يغادر شيئا من عمله، وهو من خصائص سمرقند.
وللمرداسنج أصل، ويدبرون الرصاص فيستحيل مرداسنجا.
وللتوتيا أصل. ويدبرون النحاس فيستحيل توتيا.
الملح الكشي من خصائص سعد سمرقند، يكون أحمر، فإذا دق كان أشد بياضا من غيره.
افتتح هشام بن عمرو القندرهار فوجد سارية من حديد طولها مائة ذراع، ثلاثون منها في الأرض: فسأل عنها، فقيل: قدم تبع بلادنا ومعه أبناء فارس فافتتحوها، وقالوا لا نجاوز هذه البلاد أبدا، وعمدوا إلى سيوفهم فضربوها حديدة واحدة فهي هذه.
قيل لأعرابي: صف الزلزلة، فقال: كأنها فرس انتفض ثم راجع.
عمر: عنه عليه الصلاة والسلام: إذا جار الحاكم قل المطر، وإذا غدر بالذمة ظفر العدو، وإذا ظهرت الفاحشة كانت الرجفة.
أبو هريرة: عنه عليه الصلاة والسلام: لتقمص بكم قماص البكر، يعني الأرض ورجفتها.
كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد. فإنه بلغني أن هذا الرجف شيء يعاقب الله به خلقه، وقد كتبت إلى الاجناد أن يخرجوا فيتوبوا إلى الله من ذنوبهم وخطاياهم، ومن استطاع أن يقدم بين يدي مخرجه صدقة فليفعل.
عن علي رضي الله عنه أنه قال لما زلزلت الأرض: ما اسرع ما أخزيتم! وعن كعب: لعله عمل عليها من الخطايا فتزلزلت غضباً للرب.
وعن ابن مسعود أن الأرض زلزلت على عهده فقال: كنا نرى الآيات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بركات. وأنتم ترونها تخويفا.
جرير بن عبد الله: نزل قطربل فقال أي نهر هذا؟ فقيل: دجلة، قال: وهذا؟ قالوا: دجيل، قال: يجتمع فيها جبابرة أهل الأرض فيخسف بها، فلهي أشد رسوخا في الأرض من سكة الحديد في الأرض الخوارة.
في الحديث: تنكبوا الغبار فمنه تكون النسمة أي الربو.

وعن الحجاج: اتقوا الغبار فإنه سريع الدخول، بطيء الخروج.
حكيم: أرفق بالعدو كما ترفق بزجاج الشام إلى أن تجد الفرصة، فأما أن تضرب به الحجر فتفضه، وأما أن تضربه بالحجر فترضه.
قال أبو عبيدة: ما ينبغي أن يكون مثل النظام، سألته وهو صبي عن عيب الزجاج فقال: سريع الكسر، بطيء الجبر.
جرير:
صدع الظعائن يوم بن فؤاده ... صدع الزجاجة ما لذاك تدانى
كان للواثق غلام بدوي فصيح، فازدحم الناس عليه يوما يكتبون فقلب طرفه فقال: أن تراب قعرها لمنتهب وذلك أن البئر العذبة الماء يخرج ترابها طيباً، فيتناهبه الصبيان سروراً به، ومضوا إلى الحي يبشرونهم.
كتب كشاجم: كنت أعزك الله، من المحل الجريب، والبلد الفقر الذي أنا به غريب عن سلامة الجوارح والحواس، إلا حاسة التمييز، فإنها لو صحت لما اخترت المقام بهذه المفازة.
بلاد كأن الجوع يطلب أهله ... بذحل إذا ما الصيف صرت جنادبه
الفرزدق:
لكسرى كان أعقل من تميم ... عشية فر من أرض الضباب
فأسكن نسله ببلاد ريف ... وأشجار وأنهار عذاب
فصار بها الملوك بنو أبيه ... وصرنا نحن أمثال الكلاب
فلا رحم إلا له صدى تميم ... فقد أزرى بنا في كل باب
في دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أحفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي؛ وأعوذ بك أن أغتال من تحتى.
قال وكيع: يعني الخسف.
أبو العطاف الغنوي:
أقول لميمون وقد حن حنة ... إلى الريف واغمرت عليه الموارد
سيكفيك ذكر الريف ضب ومذقة ... وبيت بو عساء الجنينة فارد
وريح بنجد طيب نسماتها ... وأسود من ماء العذبة بارد
أنف الكلب الأسدي:
أنى نزلت إليك من جبل ... دون السماء صمحمح صلد
أعلاه ذو شوك وأسفله ... ميثاء ملعبه من الأسد
علي رضي عنه حين جاء نعي الأشتر: مالك وما مالك! لو كان جبلا لكان فنداً لا يرتقيه الحافر ولا يوفى عليه الطائر.
عبد الصمد بن المعذل في نخل باعه:
فارقتني ذخيرة من عقار ... ذكرتني تفرق الأحباب
وسواء بيع الرقاب من الما ... ل إذا بعتها وضرب الرقاب
عبد الله الفقير إليه:
قد أصبحت جارتي تجهلني ... غداة أصبحت بائعا أرضي
فقلت ما صفقتي بخاسرة ... أبيع أرضي وأشتري عرضي
وهب هشام للأبرش ضيعة، فسأله عنها، فقال: لا عهد لي بها، فقال: لولا أن الراجع في هبته كالراجع في قيئه، لأخذتها منك، أما سمعت أنه إنما سميت الضيعة لأنها تضيع إذا تركت، وأن ثلاثاً تحسن بالشريف: خدمة الوالد، وخدمة الضيعة، وخدمة الضيف.
كان عروة بن الزبير يقول: أشتهى أن اتخذ مالاً قريبا، أدخل المغتسل فأفيض الماء، ثم آمر الغلام فيجنى لي من رطبه، فلا يجف رأسي حتى أوتى به، فلما اشترى المقتربة ظفر بذلك.
عن بعض أهل الكتب: من باع أرضاً أو داراً ورثها عن أبيه دعت عليه طرفى النهار.
باب
الماء والبحار والأودية والأنهار والعيون
والآبار وما اتصل بذلك وناسبه من ذكر السفن والسباحة وغيرهاعلي رضي الله عنه: سئل كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا، وآبائنا، وأمهاتنا، وأبنائنا، ومن برد الشراب على الظمأ.
ولبعض الأعراب:
حديثك أشهى فاعلمي لو أناله ... إلى النفس من برد الشراب على الظما
استسقى الشعبي على مائدة قتيبة بن مسلم، فقال: يا أبا عمرو أي الشراب أحب إليك؟ فقال: أعزه مفقوداً، وأهونه موجوداً. فقال قتيبة: اسقوه الماء.
علي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيد طعام الدنيا والآخرة اللحم، وسيد شراب الدنيا والآخرة الماء، وأنا سيد ولد آدم ولا فخر.
كان أبو العتاهية عند بعض الملوك في جماعة من الشعراء، فشرب رجل ماء وقال: برد الماء وطابا. فقال أبو العتاهية: أجيزوا؛ فأطرقوا متفكرين، فقال: سبحان الله ما هذا الاطراق:
برد الماء وطابا ... حبذا الماء شرابا

مر عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بعبد الحميد بن علي القرشي، فاستبقاه، فسقاه سويق لوز بطبرزذ فقال:
شربت طبرزذا بغريض مزن ... كذوب الثلج خالطه الرضاب
فقال عبد الحميد:
وما أن ماؤنا بغريض مزن ... ولكن الملاح بكم عذاب
وما أن بالطبرزذ طاب ولكن ... بمسك هكذا طاب الشراب
وأنت إذا وطئت تراب أرض ... يطيب إذا مشيت بها التراب
لئن نداك يطفى المحل عنها ... وتحييها أياديك الرطاب
رأى بدوي بهمذان شرب الماء بالجمد، فسئل بالدو عن أعجب ما رأى: فقال رأيت قوما يشربون الحديد، فعرق بعضهم الأمر فقال: شرب الجليد في الخزف الجديد ألذ من بلاد الصعيد.
سقي حجازي ببغداد ماء مزملا، فقال: هذا ماء مخدوم.
جامع بن عمرو بن مرخية:
ووجدي بها أزمان ذي البان إذ لها ... أمير له صدر علي سليم
كما وجدت بالماء حرى يلفها ... إلى الورد حر وادق وسموم
ابن السماك: كم من داع إلى الله فار من الله، وكم من قارىء لكتاب الله ينسلخ من آيات الله، وكم من مبرد له الماء والحميم يغلى له.
أم فروة:
وما ماء مزن أي ماء تقوله ... تحدر من غر طوال الذوائب
بمنعرج أو بطن واد تحدرت ... عليه رياح الحزن من كل جانب
نفى نسم الريح القذى عن متونه ... فما أن به عيب يكون لشارب
باطيب ممن يقصر الطرف دونه ... تقى الله واستحياء ما في العواقب
مخنث: لعن الله بغداد، لا يشرب ماؤها حتى يصلب، ونبيذها حتى يضرب.
إذا اجتهدوا في تشبيه امرأة، وصفتها بالجمال والصفاء والبياض والبركة، قالوا: كأنها ماء السماء، ومنه قالوا: المنذر ابن ماء السماء.
الجاحظ: من الماء يكون النشج والبرد والثلج، فيجمع الحسن في العين، والكرم في البياض والصفاء وحسن الموقع في النفس.
المأمون: في الماء البارد ثلاث: يلذ، ويهضم، ويخلص الحمد. وكان يقول: شرب الماء بالثلج أدعى إلى أخلاص الحمد.
كان الصاحب يقول عند شرب الماء الجمد:
قعقعة الثلج بماء عذب ... تستخرج الحمد من أقصى القلب
ثم يقول: اللهم جدد اللعن على يزيد.
أبو هفان:
لو كنت نوءاً كنت نوء المرزم ... أو كنت ماء كنت ماء زمزم
الاعشى:
فما أنت من أرض الحجون ولا الصفا ... ولا لك حظ الشرب من ماء زمزم
قيل أن بابك بن ساسان بلغه مكان البيت وإلى من تفضى النبوة، فصار إلى البيت وشرب من ماء زمزم، وزمزم حولها فسميت لزمزمته، وهي كلام متتابع مع حركة، من قولهم: سمعت زمزمة الرعد، وهو تتابع صوته، قال:
زمزمت الفرس على زمزم ... وذاك في سالفها الأقدم
أعرابي:
وما وجد ملواح من الهيم حلئت ... عن الماء حتى جوفها يتصلصل
تحوم وتغشاها العصي وحولها ... أقاطيع أنعام تعل وتنهل
بأكثر منى غلة وتعطفا ... إلى الورد إلا أنني أتجمل
في بلاد مهرة ركية خسيف لا يبلغ قعرها، يسقط فيها الجمل فيرسب ثم لا يطفو، يقال لها أم عرام؛ وتقول مهرة لكل ميئوس منه: غالته أم عرام.
وهب بن منبه: البحار المعروفة سبعة: بحر الهند، والسند، والشام، وأفريقية، وأندلس، والروم، والصين.
الحمد لله الذي جعل بين البحرين حاجزاً، وصير الخلق عن أدراكه عاجزاً.
قال أعرابي لأخيه: هل لك أن منتجع أحساء رملات نجد علنا نجد بها ريا، قال: ذاك ماء مطلب لا ينال إلا بشق ولعل المحلىء يذود الحوم عنه.
أعرابي: من طال رشاؤه كثر متحه.
جاء مزبد إلى بئر ليستقى، فإذا الحبل معقد، فقال: ليس هذا حبلا، هذا سبحة عجوز.
أعرابي:
يزعزع الدلو وما تزعزعه ... تكفيه من جمع البنان أصبعه
يكاد آذان الدلاء تتبعه الأصمعي: الفرات ودجلة رائدا أهل العراق لا يكذبان، قال الأصمعي فهما الرائدان والرافدان.
قيل لرجل: أبلغني ريقي، فقال: بلغتك الرافدين.
حفر زياد نهراً بالبصرة فأشهد فتح الماء إليه معقل بن يسار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تبركاً به، فنسب النهر إلى معقل، وترك نهر زياد.

وقيل: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.
كان طاووس رحمه الله لا يسقى فرسه من نهر حفرته المرونية. بينا غيلان بن خرشة يسير مع ابن عامر إذ ورد على نهر أم عبد الله فقال ابن عامر: ما انفع هذا النهر لأهل هذا المصر! فقال غيلان: أجل والله أيها الأمير، أنهم ليستعذبون منه، وتفيض مياههم إليه، ويتعلم صبيانهم فيه العوم، وتأتيهم ميرتهم فيه، ثم ساير بعد ذلك زياداً، فقال زياد: ما أضر هذا النهر بأهل هذا المصر! فقال: أجل والله أيها الأمير: تنز منه دورهم، ويغرق فيه صبيانهم، ويبعضون به ويبرغثون.
جابر بن رالان:
أيا لهف نفسي كلما التحت لوحة ... إلى شربة من ماء أحوض مأرب
بقايا وطاف أودع الغيم صفوها ... مصقلة الأرجاء زرق الجوانب
ترترق دمع المزن فيهن والتقت ... عليهن أنفاس الرياح الجنائب
حكى الجاحظ عن جعفر بن سعيد الخلاف موكل بكل شيء حتى قذاة الكوز، أن أردت أن تشرب الماء جاءت إلى فيك، وأن صوبت رأس الكوز لتخرج رجعت؛ وهي مثل في كل محقر مؤذ. وساب بعضهم فقال: يا قذاة الكوز، ويا أضر من تموز، وأبرد من العجوز، ويا درهماً لا يجوز.
أبو نواس يصف سفينة:
فكأنها والماء ينطح صدرها ... والخيزرانة في يد الملاح
جون من العقبان تبتدر الدجى ... يهوى بصوت واصطفاق جناح
الأخطل:
ولو أبصرتني دعد في وسط زورق ... وقد هاجت الأرواح من كل جانب
ونفسي على مثل السنان مقيمه ... لما أحدثت في الماء أيدي الجنائب
أذن لرأت مني كئيباً متيماً ... يحن إليها عند تلك النوائب
ويذكر منها وصلها وحديثها ... على حالة تنسى لقاء الحبائب
قيل لأبي هاشم الصوفي: فيم كنت! قال: في تعليم ما لا ينسى، وليس لشيء من الحيوان عنه غنى: قيل وما هو؟ قال: السباحة.
قال عبد الملك للشعبي: علم ولدي العوم، وخذهم بقلة النوم، فأنهم يجدون من يكتب عنهم، ولا يجدون من يسبح عنهم. ولقد غرقت سفينة فيها جماعة من قريش، فلم يعطب ممن كان يسبح إلا واحد، ولم ينج ممن كان لا يحسن السباحة إلا واحد.
أبو سعيد الرستمي وقد ذكر الجداول:
كأن بها من شدة الجري جنة ... فقد ألبستهن الرياح سلاسلا
قيل لرسطاليس: ما الاشياء التي ينبغي للأنسان أن يقتنيها؟ قال: ابتي أن غرقت به سفينة سبحت معه.
كان لاسحق الموصلي غلام يستقى له، فقال له يوما: يا فتح ما خبرك؟ قال: خبري أني لا أرى في الدار أحداً أشقى مني ومنك: قال: كيف؟ قال: لأنك تطعمهم الخبز، وأنا أسقيهم الماء؛ فضحك وأعتقه ووهب له البغلين.
كان شريح لا يقبل قول من يركب البحر، ويقول هذا لم يحفظ نفسه على نفسه، كيف يحفظ أمور المسلمين عليهم.
ابن أبي عيينة:
ولابد للماء في مرجل ... على النار موقدة أن يفورا
المعري:
يمسي ويصبح كوزنا من فضة ... ملأت فم الصادى كسور دراهم
أنس، عنه عليه الصلاة والسلام: من حفر بئر ماء شربت منها كبد حرى من الانس أو السباع أو الجن أو الطيور فله أجر ذلك إلى يوم القيامة؛ ومن بنى مسجداً كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة.
أنس، عنه عليه الصلاة والسلام: سبعة للعبد تجرى بعد موته: من علم علما، أو أجرى نهرا، أو حفر بئرا، أو بنى مسجداً، أو أورث مصحفاً، أو ترك ولداً صالحاً يدعو له أو صدقة تجرى له بعد موته.
بين حصن منصور وكيسوم من بلاد مضر نهر عظيم لا يتهيأ خوضه، لئن قراره رمل سيال، يقال له سنجة وعليه فنظرة هي طاق واحد من الشط إلى الشط، وبينهما مائتا خطوة، من حجر مهندم، طول الحجر عشرة أذرع في أرتفاع خمسة.
ابن أبي عيينة:
أنظر وفكر فيما تطيف به ... أن الأريب المفكر الفطن
من سفن كالنعام مقبلة ... ومن نعام كأنها السفن
أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فإذا أنا بنهر يجري، حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا أنا بمسك أذفر، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله.

بكر بن عبد الله المزني: مثلنا ومثل الحسن كمثل سفينة بحرية عظيمة وقراقير تلوذ بها، فمتى تغرق السفينة تهلك القراقير، ومتى يذهب الحسن من بين أظهرنا يذهب العلم.
علي عليه السلام في قوله تعالى: " ثم لتسألن يؤمئذ عن النعيم " قال: الرطب والماء البارد.
تنازع أبو نبقة بن الوراس مولى حزاعة وأبو هاشم الباهلي على جسر بغداد فدفعه في الماء فأخرج بعد جهد، وقال:
فمن مبلغ عليا خزاعة أنني ... قذفت بعبد الباهليين في الجسر
قذفت به كي يغرق العبد عنوة ... فجاش به من لؤمه زبد البحر
عارض منذر بن مصعب بن الزبير بمال له، فقال أخوه خالد بن مصعب:
خليلي أبا عثمان ما كنت تاجراً ... أتأخذ أنضاحاً بنهر مفجر
أتأخذ أنضاحاً قليلا فضولها ... إلى المهذ يوماً أو إلى عين عسكر
عبد الله بن عامر بن كريز:
بكى صاحبي لما رأى الفلك قربت ... ليركب فيها فوق ذي لجج غمر
وحن إلى أهل المدينة حية ... بمصر وهيهات المدينة من مصر
فقلت له لا تبك عينك إنما ... نفر فراراً من جهنم والبحر
ابن المعتز:
وأني على اشفاق عيني من العدى ... لتجمع مني نظرة ثم أطرق
كما حلئت عن برد ماء طريدة ... تمد إليها جيدها وهي تفرق
وله:
ما وجد صاد في الحبال موثق ... بماء مزن بارد مصفق
بالريح لم يطرق ولم يرنق ... جادت به أخلاف دجن مطبق
في صخرة أن تر شمساً تبرق ... فهو عليها كالزجاج الازرق
صريح غيث خالص لم يمذق ... إلا كوجدي بك لكن أتقي
صولة من أن هم بي لم يفرق عبدة بن جناح العكلي:
صبحن ورداً والحصي لم يرمض ... عذب الجمام طاميا بالعرمض
كان ثقيف يحفر عين وج بيده بالصخرة ويقول:
فأرميها بجلمود ... وترميني بجلمود
فأحييها وتحييني ... وكل هالك مودي
أم حرام: عن النبي صلى الله عليه وسلم: المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد، والغرق له أجر شهيدين.
عبد الله بن عمرو، يرفعه: لا تركب البحر إلا حاجا، أو معتمراً، أو غازيا في سبيل الله، فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحراً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم، فاستيقظ وهو يضحك، فقالت له أختها أم حرام: يا رسول الله ما أضحكك؟ قال: رأيت قوما ممن يركب ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة. وروي: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثج هذا البحر ملوكا على الاسرة، فقالت: أدع الله أن يجعلني منهم، فقال أنت منهم. فتزوجها عبادة بن الصلت، فغزا في البحر، فحملها معه، فلما رجع قربت لها بغلة لتركبها، فصرعتها، فاندقت عنقها. وذلك بقبرص زمن معاوية.
أعرابية: ما ماء غمامة بكر تدلت عليه الرياح في قفر بأنقع للضمآن من ريق صخر.
أثخنت الحارث بن هشام المخزومي الجراح في وقعة اليرموك، فاستسقى ماء، تناوله نظر إلى عكرمة بن أبي جهل صريعا، فقال للساقي أمض به إلى عكرمة ليشرب أولاً فإنه أشرف مني، فمضى به إليه فأبى أن يشرب قبله، فرجع إلى الحارث فوجده ميتاً، فرجع إلى عكرمة فوجده ميتاً.
المأمونى في كوز أخضر:
وبديعة للريم منها جيدها ... تتحير الأبصار في أبداعها
كخريدة في مرط خز أخضر ... رفعت يداً لترد فضل قناعها
كان حكيم بن حزام يشرب كل يوم شربة ماء لا يزيد عليها، وقد عاش مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية، وستين في الاسلام، فلما بلغ مائة سنة أخذ يشرب شربتين حتى مات. قال مصعب بن عثمان: دعا حكيم غلامه بالماء، وقد كان شرب، فقال: يا مولاي قد شربت شربتك، فقال: وأن، فأقام على شربتين كل يوم.
حملت إلى عثمان رضي الله عنه، يوم الدار، أداوة من ماء، فشقها رجل من الخارجين عليه وقال: لا يذوق البارد أبداً؛ فقال عثمان: اللهم أقتله عطشا، فخرج مع الغزاة فأصابه عطش، وبينهم وبين الماء عقبة، فذهبوا إليه، وما كان به مشي، فاستقوا وأتاه رجل يركض بالاداوة فصادفه ميتا.

أتى عامر بن كريز يوم الفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنه عبد الله بن عامر، وهو غلام قد تحرك ابن خمس أو ست، فقال يا رسول الله حنكه، فقال: أن مثله لا يحنك، وأخذه فتفل في فيه، فجعل يتسوغ بريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتلمظه، فقال عليه الصلاة والسلام: أنه لمسقي. فكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء؛ وله السقايات بعرفة، وله النباح، والجحفة، وبستان ابن عامر.
عن كعب الأحبار: أن الخضر بن عاميل ركب في نفر من أصحابه حتى بلغ بحر الهوكند وهو بحر الصين، فقال لهم: دلوني، فدلوه أياما وليالي، ثم صعد، فقالوا: ما رأيت؟ فقال: استقبلني ملك فقال: أيها الآدمي الخطاء إلى أين؟ فقلت: أردت أن انظر عمق هذا البحر، قال: وكيف وقد هوى فيه رجل من زمن داود فلم يبلغ ثلث قعره إلى الساعة، وذلك منذ ثلثمائة سنة.
زمزم هزمة جبريل أنبطها مرتين مرة لآدم فلم تزل كذلك حتى أنقطعت عند طوفان نوح، ومرة لاسماعيل.
وعن بتيع: سيقال لهذا النيل أذهب راشدا حتى يحفر فيه الآبار.
وعن عبد الله بن عمر: أني لأعلم السنة التي يخرجون فيها من مصر، قيل له: أيخرجنا عدو؟ قال: لا، ولكن نيلكم هذا يغور، فلا تبقى فيه قطرة، حتى يكون فيه الكثبان من الرمل، وتأكل سباع الأرض حيتانه.
قال عمر بن عبد العزيز لزهرة بن معبد: أين تسكن؟ قال: اسكن فسطاط مصر، فقال: وأين أنت من طيبة؟ ولا أريد المدينة، وإنما أريد الاسكندرية، ولولا ما أنا فيه لاحببت أن يكون بها منزلي.
سقي أبو الجهم بن عطية سويق اللوز عند المنصور فمات، وكان يتهم بممالئة أبي مسلم، فقال المنصور:
تجنب سويق اللوز لا تقربنه ... فشرب سويق اللوزي أودي أباجهم
باب
الشجر والنبات والفواكه والرياحين
والبساتين والرياض وذكر الجنةأسامة بن زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ذكر الجنة: ألا مشترى لها! هي ورب الكعبة ريحانة تهتز، ونور يتلألأ، ونهر يطرد، وزوجة لا تموت، مع حبور ونعيم، ومقام الأبد.
الخدري، يرفعه: أن الله جل ذكره لما حوط حائط الجنة، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وغرس غرسها، قال لها: تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون، فقال تعالى: طوبى لك منزل الملوك.
جابر، عنه عليه الصلاة والسلام: إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله تعالى: " أتشتهون شيئاً فأزيدكم " ؟ قالوا: يا ربنا، وما خير مما أعطيتنا؟ قال: رضواني أكبر.
زيد بن أرقم: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا القاسم، تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده أن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب؛ قال: فإن الذي يأكل تكون له الحاجة، والجنة طيب لا خبث فيها؛ قال: عرق يفيض من أحدهم كرشح المسك فيضمر بطنه.
عتبة بن غزوان رضي الله عنه: لقد بلغني أن المصراعين من مصاريع الجنة بعد ما بينهما مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ بالزحام.
دخل داود عليه السلام غارا من غيران بيت المقدس فوجد حزقيل يعبد ربه، وقد يبس جلده على عظمه، فسلم عليه، فقال: أسمع صوت شبعان ناعم، فمن أنت؟ قال: داود! قال: الذي له كذا وكذا امرأة، وكذا وكذا أمة؟ قال: نعم، وأنت في هذه الشدة؛ قال: ما أنا في شدة، ولا أنت في نعمة، حتى ندخل الجنة.
الاصمعي: احتضر أعرابي، فقيل له: أبشر بالجنة وروحها؛ فقال:
قد بشروني بالجنان وروحها ... ولكسر بيتي عند نفسي أطيب
يا ليت حظي بالجنان وروحها ... بيت بصحراء الغبيط مطنب
جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق، ونهر الأبلة، وشعب بوان، وسعد سمرقند.
قال أبو بكر الخوارزمي: قد رأيتها كلها، فكان فضل الغوطة على الثلاث كفضل الأربع على غيرهن، كأنها الجنة صورت على وجه الأرض.
البحتري:
يمسي السحاب على أجبالها فرقاً ... ويصبح الغيث في صحرائها بددا
فلست تبصر إلا واكفا خضلاً ... أو يانعاً خضراً أو طائراً غردا
بستان خضر وماء خصر.
الحسن: ثلاث تجلو البصر: النظر إلى الخضرة، والنظر إلى الماء الجاري، والنظر إلى الوجه الحسن.
وصف أعرابي أجمة فقال: مناقع نز، ومراعي أوز، قصبها يهتز، ونبتها لا يجز.
في وصف النخلة:

أمتا تراها وإلى استوائها ... وحسنها في العين وامتلائها
لا ترهب الذئب على أطلائها ... وأن أحاط الليل من ورائها
نخلتا حلوان كانتا بعقبة حلوان من غرس الأكاسرة، ضرب بها المثل في طول الصحبة، قال مطيع بن إياس فيهما:
أسعداني يا نخلتي حلوان ... وابكيا لي من ريب هذا الزمان
وأعلما أن علمتما أن نحساً ... سوف يلقاكما فتفترقان
وقال حماد عجرد:
جعل الله نخلتي قصر شيرين فداء ايخلتي حلوان
جئت مستسعداً فلم تسعداني ... ومطع بكت له النخلتان
قال حماد بن اسحق بن ابراهيم:
أيها العاذلان لا تعذلاني ... ودعاني مع البكاء دعاني
وابكيا لي فأنني مستحق ... منكما بالبكاء أن تسعداني
أنني منكما بذلك أولى ... من مطيع بنخلتي حلوان
فهما تجهلان ما كان يشكو ... من جواه وأنتما تعلمان
ولما وصل المهدي، في شخوصه إلى الري، إلى عقبة حلوان استطاب الموضع فنزل، فأنشد بيتي مطيع، فتطير منهما، فحلف ليفرقن بينهما؛ فكتب إليه المنصور: يا بني، أقسمت عليك أن لا تكون النحس الذي يلقاهما. ويقال أن حسنة، جارية له، قالت له ذلك فأمسك. ثم أن الرشيد في مسيره احتاج إلى الجمار، لحرارة ثارت به، فأخذت جمارة احداهما فجفت، فلم تلبث صاحبتها أن تبعتها.
قال عمر رحمه الله لرجل من أهل الطائف: الحبلة أفضل أم النخلة؟ فقال عبد الرحمن بن محصن الانصاري: الزبيب أن آكله أضرس، وأن أتركه أغرث، ليس كالصقر في رؤوس الرقل، الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، خرفة الصائم، وتحفة الكبير، وصمتة الصغير، وخرسة مريم، وتحترش به الضباب من الصلعاء.
النبي صلى الله عليه وسلم: أكرموا عمتكم النخلة.
وعن علي رضي الله عنه: أن أول شجرة استقرت على الأرض النخلة، فهي عمتكم أخت أبيكم.
وعنه عليه الصلاة والسلام: العجوة من الجنة، وهي شفاء من السم.
من الواردات القاع بالماء تستقى ... بأذنابها قبل استقاء الحناجر
أنشد الأصمعي:
وبات يروي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل
وقال عمارة بن عقيل:
عجبت لتغريسى نوى النخل بعدما ... طلعت من السبعين أو كدت أفعل
وأدركت ملء الأرض ناساً فأصبحوا ... كأهل ديار قوضوا فتحملوا
وما نحن إلا رفقة قد ترحلت ... وأخرى تقضى حاجها ثم ترحل
قال أبو هريرة: مر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعي أغراس، فقال: ألا أدلك على أغراس أفضل منها، قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فليس منها كلمة تقولها إلا غرس الله لك بها شجرة.
أبو أيوب الانصاري، عنه عليه الصلاة والسلام: ليلة أسري بي مر بي إبراهيم عليه السلام فقال: مر أمتك أن يكثروا من غرس الجنة فإن أرضها واسعة، وتربتها طيبة؛ قلت: ما غرس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
غرس معاوية نخلاً بمكة في آخر خلافته فقال: ما غرستها طعما في أدراكها، ولكن ذكرت قول الأسدي:
ليس الفتى بفتى لا يستضاء به ... ولا تكون له في الأرض آثار
أعرابي: أتانا فلان بتمر كأعناق الورلان، توحل فيه الاسنان.
آخر:
ويل لبرني الجرين منى ... إذا التقت تمرته وسني
تقول سني للنواة طني يقول أهل المدينة: التمر البردي أحسن من العقيان في صدور القيان.
يقول أهل البدو: إذا ظهر البياض قل السواد، وإذا ظهر السواد قل البياض.
السواد: التمر، والبياض اللبن؛ يعنون إذا كثر الحيا والخصب، وفشا اللبن والأقط، قل التمر في تلك السنة، وبالعكس، أي لا يجتمعان.
وتقول الفرس: إذا زخرت الاودية كثر التمر، وإذا اشتدت الرياح كثر الحب.
أبو هريرة، يرفعه: نعم سحور المؤمنين التمر.
مرض حسان عند جبلة بن الأيهم الغساني، فقال له: ما تشتهي؟ قال: ما لا تقدر عليه؛ قال: ما هو؟ قال: رطيبات محلقنات من بنات ابن طاب.
كانت ملوك الفرس تأمر برفع الحلواء أيام الرطب، والاشتان أيام البطيخ، والرياحين أيام الورد.
النظام: مدحوا عنده النخلة فقال: صعبة المرتقى، بعيدة المهوى، خشنة المس، قليلة الظل.

ترك أهل المدينة غراس العجوة، لما كانت لا تطعم إلا بعد أربعين سنة.
سئل أعرابي عن أرض له فقال: أن تقبل عليها فهي أوفر من الرمانة، وأن تدعها فهي أمنع من أست النمر.
ابن المعتز:
ما يحسن الرمان يجمع حبه ... في قشرة إلا كما نحن
الأعيرج الخثعمي:
طاب له مأكله ومشربه ... حديقة فيها ثمار تعجبه
يكثر فيها موزه ورطبه ... يلقاه منه حين يجنى أطيبه
بعيد ما يجتنيه منه أقربه تمثل بها هشام بن عبد الملك للنضر بن شميل عند عرضه إليه كتاب الواحدة.
الخليل:
ترفعت عن ندى الأعماق وانخفضت ... عن المعاطش واستغنت بسقياها
فاعتم بالطلح والزيتون أسفلها ... ومال بالنخل والرمان أعلاها
قال عيسى عليه السلام حين نزل دمشق الغوطة: أن تعدم الغني أن يجمع فيها كنزا، فلن تعدم المسكين أن يشبع منها خبزا.
اجتمع في التفاحة الصفرية الدرية، والحمرة الذهبية، والبياض الفضي، تلذها من الحواس ثلاث: العين لحسنها، والأنف لعرفها، والفم لطعمها.
جالينوس: أجود الأشياء لتركيب رداءة المزاج الحار، الكائن في الرأس مع غثيان النفس، وقلة الاستمرار بعد الطعام، التفاح.
وصفت شيرين لأبريويز، لطيب النكهة، التفاح على الريق. التفاح جمع ألوان قوس قزح، فلو انحل التفاح واسترق لكان قوسا، ولو استكثف القوس وانعقد لكان تفاحا.
بعث أحدهم إلى جاريته تفاحة، وكتب إليها: قد بعثت إليك بتفاحة تحكى بحمرتها وجنتك، وبعذوبتها ريقك، وبرائحتها نكهتك، وبملاحتها صورتك.
تفاحة جاءت إلى وامق ... تحكى لنا وصف مجليها
ما مسها طيب ولكنها ... طيبة من كف مهديها
علي بن الجهم: دخلت على المتوكل وبين يديه تفاحة معضوضة، أهدتها له بعض جواريه، فقال: قل فيها قبل جلوسك، ولك بكل بيت ألف دينار؛ فقلت:
تفاحة جرحت بالثغر من فمها ... أشهى إلي من الدنيا وما فيها
جاءت بها ظبية من عند غانية ... نفسي من السوء والآفات تفديها
لو كنت ميتا ونادتني بنغمتها ... اذن لاسرعت من لحدي ألبيها
بيضاء في حمرة علت بغالية ... كأنها قطعة من خد مهديها
فأمر لي بأربعة آلاف دينار، وبأربع خلع.
أبو موسى الاشعري: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، طعمها طيب ولا ريح لها؛ ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، وريحها طيب وطعمها مر؛ ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مر ولا ريح لها.
ابن الرومي:
كأنكم شجر الأترج طاب معا ... حملاً ونوراً وطاب العود والورق
محمد بن عبد الله بن طاهر في الأترج:
جسم لجين قميصه ذهب ... ركب فيه بديع تركيب
فيه لمن شمه وأبصره ... لون محب وريح محبوب
طلحة بن عبيد الله: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده سفرجلة، فقال: دونكها يا طلحة، فانها تجم الفؤاد.
شاعر:
سفرجلة تحكى ثدي النواهد ... لها عرف ذي فسق وصفرة زاهد
كسر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرجلة، وناول منها جعفر بن أبي طالب وقال: كل، فإنه يصفى اللون ويحسن الولد.
جعفر بن محمد: ريح الملائكة ريح الورد، وريح الانبياء ريح السفرجل، وريح الحور ريح الآس.
اجتازحجا بقوم وفي كمه خوخ فقال: من أخبرني ما في كمي فله أكبر خوخة فيه، فقالوا: خوخ. فقال: والله ما قال لكم إلا من أمه ساقطة.
أنشد الأصمعي:
أكمثرى يزيد الحلق ضيقاً ... أحب إليك أم تين نضيج
وقال: قيل لابن ميادة أتعرف الكمثرى؟ فلم يعرفه لأنه أعرابي؛ ثم فكر فقال: ما لهم قاتلهم الله يقولون الأكم أثرى، ليست والله بأثرى ولا كرامة.
مر بشر بن الحارث بالفواكه فقال: مقطوعة ممنوعة.
الجاحظ: كانوا لا يتخذون بين يدي قصورهم إلا السدر للغلة والظل والحسن، فجعلوا شجر التوت بدله فهو أسرع وأنضر ورقا، وظله أشد سواداً، وأحسن حسنا مع غلة كريمة.
استعمل الصبر أن الناس في مهل ... قد صيروا ورق الفرصاد ديباجا

الجاحظ الطير تأكل التوت فتذرقه فينبت من ذرقه الشجر.
الناجم:
أنظر إلى الروض النضير ... فإنه للعين قسره
فكأن خضرته السماء ... ونهره فيه المجبره
النامي:
وكأنما الروض السماء ونهره ... فيه المجرة والكؤوس الأنجم
آخر:
فلم أر شيئا كان أحسن منظراً ... من النور يجرى دمعه وهو يضحك
آخر:
نشاوى تثنيها الرياح فتنثنى ... فيلثم بعض بعضها ثم ترجع
يريد تثنى الأغصان بالريح.
سلاسل من زبرجد حملت ... من ذهب أحمر قناديلا
يريد النارنج في شجره.
الموصلي:
لقد نطق الدراج بعد سكوته ... ووافى كتاب الورد أني مقبل
مر كسرى بوردة ساقطة فقال: أضاع الله من أضاعك، ونزل فأخذها وقبلها، وشرب في مكانها سبعة أيام.
ابراهيم الخواص: إذا جاءت أيام الورد أمرضنى علمي بكثرة من يعصي الله.
مسلمة بن سلم الكاتب في الورد:
زائر يهدي إلينا ... نفسه في كل عام
حسن الوجه ذكي الري ... ح لفق للمدام
آخر:
أما ترى الورد قد باح الربيع به ... من بعد ما مر حول وهو إضمار
وكان في خلع خضر فقد خلعت ... إلا عرى أغفلت منها وأرزار
أبو عامر الجرجاني:
يقولون تب والورد وافى رسوله ... فقلت اسكتوا لا يسمعن رسوله
المصنف:
وردت مقدمة الربيع بشيرة ... بالورد لولا الورد ضاع ورودها
وكأن أيام الربيع خرائد ... وكأنما الورد الجنى خدودها
المتوكل: أنا ملك الناس، والورد ملك الرياحين، فكل واحد منا أولى بصاحبه.
كان أبو شروان يعجبه الورد، ويفضله على سائر الرياحين، فابتنى قبة سماها الكلشان، زخرفها بالذهب، ورصعها بالجواهر، وزينها بالتصاوير، وحفها بالتماثيل، وجعل في أعاليها فتوحاً ينثر عليه منها الورد.
ابن سكرة الهاشمي:
للورد عندي محل ... لم يدن منه محل
كل الرياحين جند ... وهو الأمير الأجل
أن غاب عزوا وتاهوا ... حتى إذا آب ذلوا
البحتري:
وقد نبه النيروز في غلس الدجى ... أوائل ورد كن بالأمس نوما
يفتقها برد الندى فكأنه ... يبث حديثاً كان قبل مكتما
كان ظهر الكوفة ينبت الشيح، والقيصوم، والخزامى، والأقحوان، والشقر، وهو الشقائق وكانت العرب تسميه خد العذراء، فمر النعمان فقال: من نزع منه شيئاً فأنزعوا كتفه؛ فحميت ونسبت إلى النعمان، وفي ديوان المنظوم:
بوجهك أظهر البشر اللواتي ... دعين شقائقاً لابن الشقيقة
والشقيقة أم النعمان.
قال عبد قيس بن خفاف البرجمى وقيل النابغة:
حدثوني بني الشفيقة ما يم ... نع فقعاً بقرقر أن يزولا
آخر:
كأن شقائق النعمان فيها ... ثياب قد روين من الدماء
الأخيطل:
هذي الشقائق قد أبصرت حمرتها ... مع السواد على قضبانها الذلل
كأنها دمعة قد غسلت كحلا ... جاءت به وقفة في وجنتي خجل
مهرم بن خالد العبدي:
سقياً لأرض إذا ما بت نبهني ... بعد الهدو بها قرع النواقيس
كأن سوسنها في كل شارقة ... على الميادين أذناب الطواويس
قد حلت يد المطر أزارا الأنوار، وأذاع لسان الغيم أسرار الأزهار المطوعي:
أو ما ترى نور الخلاف كأنه ... لما بدا للعين نور وفاق
أيدي سنانير ولكن نشرها ... يسعى بفأر المسك في الآفاق
كأن نور شجر الخلاف أكف سنانير بلا خلاف.
وعدك في الخلاف كأنه شجر الخلاف، يريك نضارة المنظر، ثم لا يجنيك شيئاً من الثمر.
ابن الرومي:
فغدا كالخلاف يورق للع ... ين ويأبى الاثمار كل إباء
آخر:
وأحسن ما في الوجوه العيون ... وأشبه شيء بها النرجس

كانت بقرية كشمر من رستاق بست سروة من سرو الأزاد من غرس يستاسف لم ير مثلها في حسنها، وطولها، وعظمها، وأظلالها فرسخا؛ وكانت من مفاخر خراسان فجرى ذكرها عند المتوكل، فأحب أن يراها، فلما لم يتقدر له المسير إليها كتب إلى طاهر بن عبد الله وأمره بقطعها، وحمل جذعها وأغصانها في اللبود، على الجمال، لتنصب بين يديه حتى يبصرها: فأنكر عليه ذلك، وخوف الطيرة، فلم تنفع السروة شفاعة الشافعين. وحكي أن أهل الناحية ضمنوا مالاً جليلاً على اعفائها فلم ينفع؛ فقطعت، وعظمت المصيبة، وأرتفع الصياح والبكاء عليها؛ ورثاها الشعراء، وقال علي بن الجهم:
قالوا سرى لسبيله المتوكل ... فالسرو يسرى والمنية تنزل
ما سربلت إلا لئن أمامنا ... بالسيف من أولاده متسربل
فجرى الأمر على ذلك، وقتل المتوكل قبل وصول السروة إليه.
يحيى بن ماسويه: إذا باشرت الورد والخضر فأطل تأملها، فإن فيه جلاء ظلمة البصر، ورفع غشاوة السدر.
قيل لبزر جمهر: كيف صار العشب أشد خضرة من الزرع؟ قال: لئن الأرض أم لما أنبتت، وظئر لما استودعت.
علي بن محمد الثعلبي في الياسمين:
خيري ورد أتى على طبق ... يا حسن أشراقه على طبقه
قد نفض العاشقون ما صنع ال ... شوق بألوانهم على ورقه
فصفرة اللون ما تفارقه ... وريح عرف الحبيب من عرفه
بزرجمهر: في البطيخ عشر خصال: هو ريحان، وتحية، وفاكهة، وأدام مقنع، وخبيص مهيأ، ودواء للمثانة، وحرض للغمر والزهومة، ومذهب لرائحة النورة عند الاستحمام، وكوز لمن عسر عليه ما يشرب فيه، وهاضوم الثقيل من الطعام.
اجتمع ببغداد عشرة فتية على لهو، فبعثوا أحدهم في حاجة، فرجع وفي يده بطيخة يشمها ويقبلها، فقال: جئتكم بفائدة، وضع بشر الحافي يده على هذه البطيخة فاشتريتها بعشرين درهما تبركا بموضع يده؛ فأخذها كل واحد منهم يقبلها ويضعها على عينه؛ فقال بعضهم: ما الذي بلغ بشراً قالوا: تقوى الله والعمل الصالح، قال: فإني أشهدكم أني تائب إلى الله، وأني داخل في طريقة بشر؛ فوافقوه على ذلك، وخرجوا إلى طرسوس واستشهدوا.
بطيخة خشنة المس، ثقيلة الرس، عريضة الفلس.
في وصف البطيخ: أسر شهداً وأذاع عنبراً.
أنشد الجاحظ لرجل من بني نمير في أمرأته وكانت حضرية:
لعمري لأعرابية بدوية ... تظل بروقى بيتها الريح تخفق
أحب إلينا من ضناك ضفنة ... إذا وضعت عنها المراويح تعرق
كيطيحة البستان ظاهر جلدها ... صحيح ويبدو داؤها حين تفلق
كشاجم:
وطيب أهدى لنا طيباً ... فدلنا المهدي على المهدي
لم يأتنا حتى أتتنا له ... روائح أغنت عن الند
بظاهر أخشن من قنفذ ... وباطن ألين من زبد
كأنما تكشف منه المدى ... عن زعفران شيب بالشهد
دار البطيخ تباع فيها أنواع الفواكه والرياحين، ونسبت إلى البطيخ لفضله على سائر الفواكه، وتلاشيها عنده. قال ابن لنكك:
كدار بطيخ تحوى كل فاكهة ... وما اسمها الدهر إلا دار بطيخ
منعها الصرف للعلمية والتأنيث كقولهم ابن دأية.
وقال الجاحظ: أكبر الدور غلة ثلاث: دار البطيخ بسر من رأى، ودار الزبير بالبصرة، ودار القطن ببغداد.
ذكرت نونية ابن الرومي في الوزير أبي الصقر عند عبد الله بن طاهر فقال: في دار البطيخ. وهي التي أولها:
أجنت لك الوجد أغصان وكثبان ... فيهن نوعان تفاح ورمان
وفوق ذينك أعناب مهدلة ... سود لهن من الظلماء ألوان
وتحت هاتيك عناب تروع به ... أطرافهن قلوب القوم قنوان
غصون بان عليها الدهر فاكهة ... وما الفواكه مما يحمل البان
محمد بن مقاتل، وكان متخذلقاً، مر في طريق فأصاب رجله قشر البطيخ، فقال: من قذر مسعاتنا بقشور البطاطيخ أطال الله تعبه.
أعرابي: البطيخ لي مخنة، أي آكله الساعة بعد الساعة لا أصبر عنه، يقال: خن الشيء يخنه إذا أكله بسرف.
في ديوان المنظوم:
وفعيل الفواكه من يجده ... فلا يعوزه فعيل الحديد
والا كان كالرامى تصدى ... له صيد بلا قوس عتيد

قال كردوس بن مزينة:
سكين كردوس جاء اليوم خاطبكم ... فانكحوه من البطيخ أملحها
فأجابه مصنف الكتاب:
جاءوا بأحسنها مساً وأثقلها ... رساً وأعرضها فلسا فانكحها
حمل البازنج من خوارزم إلى مرو للمأمون على البريد، فأستطابه جداً، واشتهى أن يجتنيه غضاً من منابته، فتقدم بحمل برزه إلى مرو ليزرع بها، فأمر بنقل التراب على الجمال من خوارزم، ثم يحمل الماء من جيحون، فلم يأت كما ظن، فعلم أن الطيب من قبل الهواء.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الدباء، وعن أنس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالي الصحفة فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذ.
الجاحظ: أن الحيات تكره السذاب، ولا تقيم بمكان يكون فيه. وقيل في مسلم بن الوليد صريع الغواني:
فما ريح الذاب أشد بغضاً ... من الحيات منك إلى الغواني
استوصف رجل طبيا، فأشار عليه بالكرفس، فسأله عن فعله، فقال: يفتح السدد، فقال: لا كان الله لك، أنا إلى سد الفتح أحوج.
معمر: قطعت في ثلاث مجالس، لم أجد لذلك علة إلا الأكثار من الباذنجان.
قيل في الأترجة: سبيكة ذهب متضوعة.
لما خرج نوح من السفينة زرع الحبلة. وكانت لأنس حبلة تحمل كراً، وكان يسميها: أم العيال.
عنه عليه الصلاة والسلام: لا تسموا العنب الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم ولكن قولوا: حدائق الأعناب.
الأسدي:
وكأن أرحلنا بجو محصب ... بلوى عنيزة من مقيل الترمس
في حيث خالطت الخزامى عرفجاً ... يأتيك قابس أهلها لم يقبس
يعنى بلغ من رطوبة أغصانها أنه إذا حك بعضها ببعض لم تقدح.
برمة النحوي:
أما ترى الروض قد لاحت زخارفه ... ونشرت في رباه الريط والحلل
واعتم بالأرجوان النبت منه فما ... يبدو لنا منه إلا مونق خضل
والنرجس الغض ترنو من محاجره ... إلى الورى مقل تحيا بها مقل
بعض الأعراب:
وفي البقل أن لم يدفع الله شره ... شياطين ينزو بعضهن على بعض
أبو حنيفة الدينوري: النبات كله يجمعه الشجر، والعشب، فالشجر: ما ارتفع على ساق، وقاوم الشتاء، وكان له خشب، وأورقت أفنانه كل عام؛ والعشب: ما خالف ذلك؛ ثم ينقسم العشب قسمين: بقلاً وجنبة، فالبقل أضعفه، وهو ما يبيد فرعه وأصله، فيكون نباته من بزره؛ والجنبة أقوى من البقل، وهو ما باد فرعه وبقي أصله، فكان نباته في أرومته ولذلك سمي جنبة لأنه في جنبة عن البقل والشجر. البقل أحرار وذكور، فأحراره ما رق وعتق، وذكوره ما غلظ منه. وينقسم المرعى إلى خلة وحمض، فالحمض ما فيه ملوحة، والخلة بخلافه؛ والحمض يرخى بطون الابل، ويفتق لحومها ويطيل أوبارها، وينفشها، ويغلظها، ويكثر عليه شربها؛ والخلة للأبل كالخبز، والحمض كالأدم، فإذا عاقبت بينهما كان أفضل ما يكون.
يقال: هم في مثل حدقة البعير، وفي مثل حولاء الناقة إذا كانت أرضهم معشبة. وعام أوطف وأعزل وأقلف، إذا كان مخصبا. والأرض وراءنا سنة، إذا كانت مجدبة؛ وأرضون سنوات.
النبي صلى الله عليه وسلم: الحناء سيد رياحين الجنة. وعنه عليه الصلاة والسلام: سيد ادام الدنيا والآخرة اللحم، وسيد رياحين أهل الجنة الفاغية، وهي نور الحناء.
وعن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الفاغية. وأحب الطعام إليه الدباء.
قال مدني لامرأته: أيما أحب إليك التمر أم ذلك الامر؟ قالت: يا حبيبي، التمر ما أحببته قط.
بعثوا رائداً، فجاء وقال: عشب ثعد معد، كأنه أسوق نساء بني سعد.
يقولون في البر: كأنه قطع الاوتار، وبراية الذهب، وفلق الزجاج، وأفواه النغران، وأنت مثل الجوز يمنع خيره صحاحاً، ويعطى خيره حين يكسر.
سقولون إذا سقطت النثرة نظرت الأرض بإحدى عينيها، وإذا سقطت الجبهة نظرت بكلتي عينيها. ومعنى نظرت بإحدى عينيها: اجترأت الأرض على النبات فأطلعت؛ ونظرت بكلتي عينيها: سخنت ولانت، فأزدادت جرأة على النبات، وظهر في حد الشتاء انكسار.
الحمى في أصول النخل.
من الصنوبر يستخرج القطران، ومن الأرزن الزفت، بأن توقد النار بقربه، فإذا أصابه الحر عرق وسال في ضروب من العلاج.

الأنعام تدخل الرياض فتجتنب مواضع السموم بطباعها، وتخطاها ولا تلتفت لفتها، فلا تغلط الابل إلا في البيش وحده، ولا الخيل إلا في الدفلى.
يقال للتمر: أبو عون، وللرطب: أبو السمح، وللتين: أبو لقمان، وللريحان: أبو النضر، وللنرجس: أبو العيناء، وللجوز: أبو القعقاع.
يقال: أعظم بركة من نخلة مريم، وكانت العجوة. قال صاحب المسالك: هي ببيت المقدس، غرست منذ أكثر من ألفي سنة، وهي منحنية.
تفاحة شامية ... من كف ظبي غزل
ما خلقت إذ خلقت ... إلا لأجل القبل
كأنما حمرتها ... حمرة خد خجل
قيل لأعرابي ألف الحضر وخصبه: أما تخرج إلى البادية؟ فقال: أما ما استلقى السعدان فلا. يريد أبداً، لأن السعدان لا ينبت إلا مستلقياً.
محمد بن عبد الله بن طاهر في الورد:
كأنهن يواقيت يطيف بها ... زبرجد وسطه شذر من الذهب
أبو هريرة يرفعه: في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها، اقرأوا ان شئتم: وظل ممدود.
في ديوان المنثور: لسيدي، أدام الله عزه، سروان: سرو ثابت، وسرو نابت؛ زين بالأول سببه الموروث، وبالثاني سببه المحروث، دامت رفعة ذاك على بقاء الدهور والأزمنة، كما دامت خضرة هذا في جميع فصول السنة؛ والمقترح عليه أن يهدي لي من أدناهما، فإن همتي تنخفض عن استهداء أسناهما.
وفيه: يروى عن ابن أخت خالتي، رضي الله عنه: من تناول من نمار حديقتي ثمرة، كساه الله من رحمته نمرة، ومن أكل من أعنابها حبة، ألبسه الله من مغفرته جبة، وقد عرفت رغبة سيدي في أكتساب هذه الاثواب، فاتحفته من ذلك بما هو خفيف قليل، إلا أنه في ميزان البركة ثقيل.
عن هند بنت الجون نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة خالتي أم معبد، فقام من رقدته، ودعا بماء فغسل يديه، ثم تمضمض ومج في عوسجة إلى جانب الخيمة، فأصبحنا وهي كأعظم دوحة، وجاءت بثمر كأعظم ما يكون، في لون الورس، ورائحة العنبر، وطعم الشهد، ما أكل منها جائع الا شبع، ولا ظمآن إلا روي، ولا سقيم إلا بري، ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا در لبنها، فكنا نسميها المباركة؛ وينتابنا من البوادي من يستسقى بها، ويزود منها؛ حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها، وصغر ورقها، ففرعنا، فما راعنا إلا نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم أنها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أسفلها إلى أعلاها، وتساقط ثمرها، وذهبت نضرتها، فما شعرنا إلا بمقتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فما أثمرت بعد ذلك، فكنا ننتفع بورقها؛ ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط، وقد ذبل ورقها، فبينا نحن فزعين إذ أتانا خبر مقتل الحسين رضي الله عنه، ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت. والعجب كيف لم يشهر أمر هذه الشجرة كما شهر أمر الشاة في قصة هي من أعلام القصص.
علي عليه السلام، رفعه: لما أسرى بي إلى السماء، أخذ جبريل بيدي، فاقعدني على درنوك من درانيك الجنة، ثم ناولني سفرجلة، فأنا أقلبها إذا انفلقت، فخرجت منها جارية جوراء، لم أر أحسن منها، فقالت: السلام عليك يا محمد فلت: من أنت؟ قالت: الراضية المرضية، خلقني الجبار من ثلاثة أصناف: أسفلي من مسك، ووسطي من كافور، وأعلاي من عنبر؛ عجنني بماء الحيوان، قال الجبار: كوني، فكنت، خلقني لأخيك وابن عمك علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
علي، رفعه: كلوا التمر على الريق، فإنه يقتل الديدان في البطن، وروي عنه: كلوا الرمان فليس منه حبة تقع في المعدة إلا أنارت القلب وأخرست الشيطان أربعين يوما.
وروي عنه: كلوا العنب حبة حبة، فإنه أهنأ وأمرأ.
وروي عنه: إذا طبختم فأكثروا القرع فإنه يسكن قلب الحزين.
كعب بن الأشرف:
رب خال لي لو أبصرته ... سبط المشية أباء أنف
لين الجانب في أقربه ... وعلى الأعداء سم كالذعف
ولنا بئر رواء عذبة ... من يردها باناء يغترف
ونخيل في تلاع جمة ... تخرج الطلع كأمثال الأكف
أحمد بن سليمان بن وهب:
حفت بسرو كالقيان تلفحت ... خضر الحرير على دوام معتدل
فكأنها والريح حين تميلها ... تبغى التعانق ثم يدركها الخجل
حازم بن عروة اليربوعي: هجا العلاء بن صباغ نخلاً له فقال:

يا أيها القائل قولاً تكثره ... والكذب شر القول حين تأثره
قد عبت جباراً بهيجاً منظره ... دهما كجنح الليل حين تبصره
وقال:
الله أعطاني ليبلو شكرى ... حدائقاً من أمهات التمر
من كل قواء دلوح الوقر ... فهي تسامى ببنات نضر
كأن أثناء البرود الحمر ... بين خوافيها الرواء الخضر
مروان بن سعيد المهلبي:
مرت بنا إبل تهوى إلى هجر ... بالتمر خسران ما تهوى به الأبل
خالد بن المهاجر الزهري:
ولما نزلنا منزلاً طله الندى ... أنيقاً وبستاناً من النور حاليا
أجد لنا طيب المكان وحسنه ... منى فتمنينا فكنت الأمانيا
فضل خليد عينين الهجرى الفرزدق على جرير، فقال:
فقلت ولم أملك سوابق عبرة ... متى كان حكم الله في كرب النخل
فأجابه خليد بقوله:
أعيرتنا نخلاً كثيراً وقرية ... وود أبوك الكلب لو كان ذا نخل
وأي نبي كان من غير قرية ... وهل تعرف الأحكام إلا مع الرسل
كان عمر بن كيسية النهدي، وهو الذي يقول:
أقسم بالله أبو حفص عمر ... ما مسها من نقب ولا دبر
أغفر له اللهم أن كان فجر مع أبي موسى الأشعري في قتال أهل تستر، فمر بقراح بطيخ، فمد يده ليأخذ منه، فمنع وحبس، فقال:
أفي بطيخة ركبوا إلينا ... فظل لنا بهم يوم عصيب
وظل بنات أعوج ملجمات ... لها في كل قنطرة نحيب
وظلوا حابسي إلى جدار ... يقول أميرهم هلا تتوب
علي رضي الله عنه في وصيته: وأن لا تبيع من نخل هذه القرى ودية حتى تشكل أرضها غراسا. قال الرضي: المراد أن الأرض يكثر فيها غراس النخل، حتى يراها الناظر على غير الصفة التي عرفها بها، فيشكل عليه أمرها، ويحسبها غيرها.
كرب بن أخشن العميري:
القارح النهد الطويل الشوى ... والنثرة الحصداء والمنصل
والضرب في أقيال ملمومة ... كأنما لامتها الأعبل
خير لمن يطلب كسب الغنى ... من جنة يشتقها جدول
حين زها سامق جبارها ... واعتم فيها القضب والسنبل
دخل عمرو بن معاذ التميمي الملقب بمسكة على المهدي، فأنشده:
أنتم جمارة من هاشم ... والكرانيف سواكم والخشب
فأعطاه ألف دينار.
النبي صلى الله عليه وسلم: في كل ورقة من الهندباء وزن حبة من ماء الجنة. ومن أكل جرجيراً، ثم بات، بات الجذام يتردد في جوفه.
بكى شيخ حجازي ليلته يردد قوله تعالى: " وجنة عرضها السماوات والأرض " ويبكي؛ فقيل له: لقد أبكتك آية ما يبكي عند مثلها، فقال: وما ينفعني عرضها إذا لم يكن لي فيها موضع قدم؟ أتي يوسف بن أسباط بباكورة مرة، فقلبها ثم وضعها بين يديه ثم قال: أن الدنيا لم تخلق لينظر إليها، إنما خلقت لننظر بها إلى الآخرة.
علي رضي الله عنه: ألا حر يدع هذه اللماظة لأهلها؟ أنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها. وعنه فلو رميت ببصر قلبك نحو ما يوصف لك منها لعزفت نفسك عن بدائع ما أخرج إلى الناس من شهواتها ولذاتها وزخارف مناظرها، ولذهلت بالفكر في أصطفاق أشجار غيبت عروقها في كثبان المسك على سواحل أنهارها، وفي تعليق كبائس اللؤلؤ الرطب في عسالييجها وأفنانها، وطلوع تلك الثمار مختلفة في غلف أكمامها؛ تجنى من غير تكلف فتأتى على منية مجتنيها، ويطاف على نزالها في أفنية قصورها بالاعسال المصفقة، والخمور المروقة؛ قوم لم تزل الكرامة تتمادى بهم حتى حلوا دار القرار، وأمنوا نقلة الأسفار.
يزيد بن الخضراء الأشهلي:
تبدلت لما أخرجنني عشيرتي ... بخيبر فتيان الوطيح الأكارما
ونخلاً تدب العين تحت أصوله ... كحرة ليلى في عراض سلالما
قال الرشيد لابن السماك عظني، قال: أحذر يا أمير المؤمنين أن تصير إلى جنة عرضها السموات والارض فلا يكون لك فيها موضع قدم.
مالك بن دينار: جنات النعيم من جنات الفردوس، وفيها جوار خلقن من ورد الجنة؛ قيل: ومن يسكنها؟ قال: الذين هموا بالمعاصي، فلما ذكروا عظمة الله راقبوه.

فضيل: لو بزقت الحوراء في سبعة أبحر لأعذبتهن.
ابراهيم بن أدهم: سبانا إبليس من الجنة بخطيئة، فهل للسبي من راحة حتى يرجع إلى المكان الذي سبي منه؟ حكى الضبي معلم المعتز: كان ببغداد مؤذن إذا لاحت له وردة أنغمس في لجة قصفه إلى أن يمضي زمن الورد، وكان يقول:
يا صاحبي اسقياني ... من قهوة خندريس
على جنيات ورد ... يذهبن هم النفوس
ما تنظران فهذا ... وقت لحث الكؤوس
فبادروا قبل فوت ... لا عطر بعد عروس
فإذا لم يبق وردة أقبل إلى مسجده وهو يقول:
تبدلت من ورد جنتي ومسمع ... شهي ومن لهو وشرب مدام
أذاناً واخباتاً ولوماً لمعشر ... أرى منهم المامة بحرام
وذلك دأبى أو أرى الورد طالعاً ... فأترك أصحابي بغير أمام
وأرجع في لهوي وأترك مسجدي ... يؤذن فيه من يشا بسلام
عبد الله بن جعفر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب.
سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين.
جابر بن عبد الله: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران ونحن نجني الكباث، فقال: عليكم بالأسود منه، فقلنا: يا رسول اله كأنك رعيت الغنم، فقال نعم، وهل نبي إلا وقد رعاها؟ لعبد لله الفقير إليه:
أن كان عقلك موصوفاً برجحان ... فاعمل بما خطفي مضراب رجحان
أراد خفاء العمل. قرىء على مضراب مغنية اسمها رجحان:
غضي جفونك يا عيون النرجس ... حتى أفوز بنظرة من مؤنسى
في ديوان المنظوم:
أبطا علينا الربيع الناعم الخضل ... ونحن نشتاقه شوقاً له غلل
فجاء مستحييا من طول غيبته ... وإنما ورده في خده خجل
سمع هشام نفض الزيتون في بستانه فقال: القطوه لقطاً ولا نفضوه فتفقأ عيونه، وتكسرؤ غصونه.
كان عروة بن الزبير إذا كان أيام الرطب ثلم حائطه، وأذن للناس في أكله وحمله، وردد: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله.
ابراهيم بن حمزة الزبيري: كنا متنزهين بالعقيق، فمر بنا غلام يحمل حملين من عنب وتين، فقلنا له أنخ يا غلام، فأخذنا حاجتنا، فقلنا له: أتعرفنا؟ قال لا، قلنا: فلم تركتنا نأخذ؟ قال: أمرني مولاي إذا مررت بأحد له هيأة أن لا أمنعه.
بريدة، رفعه: سيد إلا دام في الدنيا والآخرة للحم، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء، وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية.
الحسن بن علي: حباني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلتا يديه ورداً وقال: أما أنه سيد رياحين الجنة سوى الآس.
عبد الله بن عمران مصر أطيب الأرض تراباً، وأبعدها خراباً.
حدث أبو العميس عن القاسم قال: مد الفرات فقذفت برمانة مثل البعير، قال: فتحدث أهل الكتاب أنها من الجنة.
باب
البلاد والديار والأبنية
وما يتصل بها من ذكر العمارة والخراب وحب الوطنابن عباس رضي الله عنه: ما أعلم على وجه الأرض بلدة تدفع فيها بالحسنة مائة إلا مكة، ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يكتب لمن صلى فيها ركعة مائة ركعة غير مكة؛ ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يتصدق فيها بدرهم فيكتب له ألف درهم إلا مكة؛ ولا أعلم على وجه الأرض بلدة هي مأوى الأبرار ومصلى الأخيار غير مكة؛ ولا أعلم على وجه الأرض بلدة ما مس منها شيء إلا وفيه تكفير للخطايا إلا مكة؛ ولا أعلم بلدة يحشر منها الأنبياء غير مكة؛ ولا أعلم على وجه الأرض بلدة ينزل فيها كل يوم من روح الجنة ما ينزل بمكة.
والمراد بفضل البقاع والأوقات أن ثواب عمل الطاعة فيها أكثر من ثواب من عمل في غيرها، لما علم الله من صلاح المكلفين في ذلك.
وعن عبد الله بن عمرو: أن الحرم محرم في السماوات السبع، مقداره من الأرض والهواء إلى العرش.
وهيب بن الورد: كنت ذات ليلة في الحجر أصلي، فسمعت كلاما بين الكعبة والأستار، إلى الله أشكو ثم إليك يا جبريل من الطائفين حولى، من تفكههم بالحديث، ولغوهم، ولهوهم؛ لئن لم ينتهوا لأنتفضن انتفاضة يرجع كل حجر مني إلى الجبل الذي قطع منه.

ابن مسعود: ما من بلد يؤاخذ العبد فيه بالهمة قبل العمل إلا مكة؛ وتلا قوله تعالى: " ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " .
ابن عباس: لئن أذنب سبعين ذنبا بركبة أحب إلي من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة. وركبة منزل بين مكة والطائف.
قال سفيان: والله ما أدري أي البلاد أسكن؟ فقيل: خراسان، فقال: مذاهب مختلفة، وآراء فاسدة؛ قيل: فالشام، قال: يشار إليك بالاصابع، أراد الشهرة؛ قيل: فالعراق، قال: بلد الجبابرة، قيل: فمكة، قال: تذيب الكيس والبدن.
في الحديث: استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يرفع، فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة.
وعن علي، رفعه: قال الله إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته، ثم أخرب الدنيا على أثره.
من خصائص الحرم أن الذئب يريع الظبي، فإذا دخله كف عنه، وأنه لا يسقط على الكعبة حمام إلا وهو عليل، وأنه إذا حاذى الكعبة عرقة من طير انفرقت فرقتين ولم يعلها طائر منهما، وأنه إذا أصاب المطر الباب الذي من شق العراق كان الخصب بالعراق تلك السنة، وكذلك كل شق، وإذا عم جوانب البيت عم الخصب كل البلاد، وأن حصى الجمار يرمى به منذ حج الناس على طوال الدهر وهو على مقدار واحد، ولولا موضع الآية لكان كالجبال. ومن سنة أهل الحرم أن كل من علا الكعبة من عبيدهم فهو حر، لا يجمعون بين عز علوها وبين ذلة الرق. وبمكة صلحاء لم يدخلوا الكعبة قط تعظيماً لها.
النميري الثقفي:
تشتو بمكة زينب ... ومصيفها بالطائف
أكرم بتلك مواقفاً ... وبزينب من واقف
جاء الإسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام فباعها من معاوية بمائة ألف درهم، فقال له عبد الله بن الزبير: بعث مكرمة قريش؟ قال: ذهبت المكارم إلا من التقوى، يا ابن أخي إني أشتريت بها داراً بالجنة، أشهدك أني جعلت ثمنها في سبيل الله.
البقاع تشرف وتفضل بمقام الصالحين الأخيار، ولقد شرف الله بيت المقدس بمقام الأنبياء، والمدينة بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم.
وبلغنا أن عيسى بن مريم عليه السلام تكون هجرته إذا نزل من السماء إلى المدينة، فيستوطنها حتى يأتيه الأمر من الله. روى أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام: إذا أهبط الله عيسى من السماء فإنه يعيش في هذه الأمة ما شاء الله، ثم يموت بمدينتي هذه، ويدفن إلى جانب قبر عمر، فطوبى لأبي بكر وعمر فإنهما يحشران بين نبيين.
عائشة عنه عليه الصلاة والسلام: فتحت البلاد كلها بالسيف، إلا المدينة فأنها فتحت بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الأيمان الأرز إلى المدينة كما أرز الحية إلى جحرها.
محمد بن قيس بن مخرمة يرفعه: من مات في أحد الحرمين بعثه الله يوم القيامة آمنا.
شعيا عليه السلام قال: أصبري أورى شلم فإنه سيأتيك راكب يعنى عيسى بن مريم، ثم يأتيك راكب البعير، يعنى محمداً صلى الله عليه وسلم، وهي أرض بيت المقدس. قال الأعشى:
وطوفت للمال آفاقه ... عمان فحمص فأورى شلم
ويقال لها فلسطين وأرض المحشر، والقرية المحفوظة، ومدينة الجنة.
سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أي البقاع خير وأي البقاع شر؟ فقال: لا أدري، فسأل جبريل عن ذلك فقال: لا أدري، فقال: سل ربك، فسأله فقال: خير البقاع المساجد، وشر البقاع الأسواق.
كان أبو مسلم الخولاني يكره الجلوس في المسجد، ويقول: المساجد مجالس الكرام.
أبو هريرة: من بنى مسجدا من مال حلال بنى الله له بيتاً في الجنة.
أنشدت بمكة حرسها الله:
بنى مسجداً لله من غير حله ... فكان بحمد الله غير موفق
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا فتية من الأنصار يذرعون المسجد بقصبة، قالوا: نريد أن نعمر مسجدك، فأخذ القصبة فرمى بها، وقال: خشيبات وثمامات وعريش كعريش موسى والشأن أقرب من ذلك.
عائشة: عنه عليه الصلاة والسلام: أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغضها إليه أسواقها.
من كان في المسجد فلم ير أنه في صلاة لم يفقه.
أبو هريرة، عنه عليه الصلاة والسلام: لكل شيء قمامة، وقمامة المسجد لا والله، ويلي والله.

معاذ يرفعه: من علق قنديلا في المسجد صلى عليه سبعون ألف ملك حتى ينكسر ذلك القنديل، ومن بسط فيه حصيرا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يتقطع ذلك الحصير.
مالك بن دينار: أن المنافقين في المساجد كالعصافير في القفص.
عنه عليه السلام: من ألف المسجد ألفه الله، وعنه: يأتى في آخر الزمان ناس من أمتى يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا، ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، فلا تجالسوهم، فليس لله بهم حاجة.
وعنه: قال الله تعالى: أن بيوتى في أرض المساجد، وأن زوارى فيها عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره.
وعنه عليه الصلاة والسلام: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان.
سعيد بن المسيب: من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه، فما حقه أن يقول إلا خيرا.
في الحديث: الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش.
النخعي: كانوا يرون أن المشي في الليلة المظلمة إلى المسجد موجبة.
سأل رجل من سمرقند فضيلاً: أيما أحب إليك أن أجار بمكة أو آتي الشام؟ فقال: ما تبالي أن تكون بالشاش بعد أن تكون تقيا.
عن علي الأزدي: سألت من ابن عباس عن الجهاد فقال: ألا أدلك على ما هو خير؟ تبنى مسجدا يعلم الناس فيه القرآن، وسنن الرسول، والفقه في الدين.
لبنى عدي بن عبد مناة: مسجد بالبصرة ينتاب وينزل به، يقال أن جمل عائشة عقر في موضعه فابتنى على ذلك، فقال رجل منهم يهجوهم:
قوم كرام غير ما أنهم ... سطوتهم تعدو على جارهم
ليس لهم فخر سوى مسجد ... به تعدوا فوق أطوارهم
لو هدم المسجد لم يعرفوا ... يوما ولم يسمع بأخبارهم
علي رضي الله عنه: كأني بك يا كوفة تمدين مد الأديم العكاظي، تعركين بالنوازل، وتركبين بالزلازل، وأني لأعلم أنه ما أراد بك جبار سوءاً إلا ابتلاه الله بشاغل، ورماه بقاتل.
جهم بن خلف المازني في المفضل الضبي:
أنت كوفي ولا يحفظ كوفي صديقا
لم يكن وجهك يا كو ... في للخير خليقا
كان عمر رضي الله عنه إذا ذكر الكوفة قال: كنز الايمان، وجمجمة العرب، ورمح الله الأطول.
قيل لأبي عبيدة: البصرة أحب إليك أم الكوفة؟ قال: لو دلني أحد على البصرة لدفعت إليه الكوفة مجازاة له.
علي رضي الله عنه لأهل البصرة: أرضكم قريبة من الماء، بعيدة من السماء، خفت عقولكم، وسفهت حلومكم، وأنتم غرض لنابل، وأكلة لآكل، وفريسة لصائل.
وعنه: كنتم جند المرأة، وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم، وعقر فهربتم، أحلامكم دقاق، وعهدكم شقاق ودينكم نفاق وماؤكم زعاق، المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة ربه؛ وأيم الله لتغرقن بلدتكم كأنى انظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة، أو نعامة جاثمة، قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها، وغرق من في ضمنها.
وصف رجل صنعاء فقال: بلغ من طيب ترابها أن الرجل يسجد فلا يشتهى أن يرفع رأسه.
قدم رجل من اليمامة فقيل له: ما أحسن ما رأيت بها؟ قال: خروجي منها.
قال أبو العتاهية لبدوي: هل لك في أرض الريف والخصب أرض العراق؟ فقال: لولا أن الله أرضى بعض العباد بشر البلاد لما وسع خير البلاد جميع العباد.
كريب بن سلمة الجعفى:
إذا نحن جاوزنا دمشق ووجهت ... صدور المطايا للعراق المشرق
فأحبب به داراً إلينا ومنزلاً ... إذا نحن جاورنا بلاد الخورنق
الجاحظ في ذكر العراق: موضع التميمة، وواسطة القلادة، به تلاحقت الطبائع، وصرحت عن اللب الأصيل، والخلق الجميل.
ابن زريق الكاتب:
سافرت أبغي لبغداد وساكنها ... مثلاً وذلك شيء دونه الياس
هيهات بغداد الدنيا بأجمعها ... عندي وسكان بغداد هم الناس
يقال لأهل العراق ملائكة الأرض، للطافة أخلاقهم، وخفة أرواحهم. قال ملائكة الأرض أهل العراق وأهل الجبال شياطينها.
وكان أبو أسحق الزجاج يقول: بغداد حاضرة الدنيا وما عداها بادية. وقال أبو الفرج الببغاء: هواؤها أغذى من كل هواء، وماؤها أعذب من كل ماء، ونسيمها أرق من كل نسيم، ونعيمها أكثر من كل نعيم، وهي من الإقليم الاعتدالي بمنزلة المركز من الدائرة، ولم تزل موطن ألا كاسرة في سالف الأيام، ومنزل الخلفاء في دولة الإسلام.

وكان أبو الفضل ابن العميد إذا امتحن رجلاً من أهل العلم سأله عن بغداد، فإن وجده متنبها على خصائصها، وعن الجاحظ فإن رآه متسبا إلى مطالعة كتبه، رجح في عينه، وإلا لم يعبأ به. ولما رجع الصاحب من بغداد سأله، فقال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد.
وفي ديوان المنظوم:
أفاضل الدنيا وأن برزوا ... لم يبلغوا غاية أستاذها
أما ترى أمصارها جمة ... ولا ترى مصراً كبغداذها
قالوا: ومن عجيب شأنها وهي موطن الخلفاء أنه لا يموت بها خليفة.
قال عمارة بن عقيل:
أعانيت في طول من الأرض أو عرض ... كبغداد داراً أنها جنة الأرض
قضى ربها أن لا يموت خليفة ... بها أنه ما شاء في خلقه يقضى
ولما فرغ المنصور من بنائها في سنة ست وأربعين ومائة أمر فوبخت المنجم أن يأخذ طالعا، فوجد المشتري في القوس، فحكم بظهور فضلها على سائر البلاد فسر المنصور بذلك، وقرأ: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " ثم قال: وخصلة أخرى أنه لا يموت بها خليفة أبداً.
الخورنق بناه النعمان بن امرىء القيس الاكبر، بناه بأمر كسرى لبهرام جور، وكان كسرى قد جعل بهرام في حجره، فأمر ببنائه له، لئن الأطباء اجتمعوا على أنه أطيب مكان هواء بالعراق.
النبي صلى الله عليه وسلم: دخل إبليس العراق فقضى حاجته، ثم دخل الشام فطردوه، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ.
بلغ خراج مصر في بعض الأزمنة أربعة آلاف ألف دينار.
قال هشام بن عبد الملك لأخيه محمد:
أبعد قرى مصر تبوأت ظلة ... ستعلم غدواً أي بيعك أربح
فرحت بأن فارقت مصر وأهلها ... ومصر بأن فارقتها منك أفرح
من أقام بالموصل حولاً وجد في قوته فضلاً، ومن أقام بالأهواز حولاً، وهو ذو فراسة، وجد فيها نقصاناً.
الأهواز ينسب إليها السكر والديباج والخز، يقال: ديباج تستر، وخز السوس وهما من الأهواز. قال كشاجم في وصف روض:
كأن الذي دبجت تستر ... وطرزت السوس فيه نشر
وأنشدت:
تمشي كما رنحت ريح يمانية ... غصناً من البان غضاً طله الديم
في حلة من طراز السوس معلمة ... تمحو بأذيالها ما أثر القدم
وقال أبو نصر العتبي: للهم في وخز النفوس أثر السوس في خز السوس.
دخل الرشيد منبج فقال لعبد الملك بن صالح الهاشمي، وكان لسان بني العباس، هذا البلد مقر لك، قال: يا أمير المؤمنين هو لك، ولي بك؛ قال: كيف منازلك به؟ قال: دون منازل أهلي، وفوق منازل غيرهم؛ قال: كيف صفة مدينتك هذه؟ قال: عذبة الماء، طيبة الهواء، قليلة الأدواء؛ قال: كيف ليلها؟ قال: سحر كله، وأين بها عن الطيب، وهي تربة حمراء، وسنبلة صفراء، وشجرة خضراء، وفياف فيح، بين قيصوم وشيح؛ قال الرشيد: هذا الكلام، والله أحسن منها.
كسكر أحدى كور السواد من طساسيج دجلة والفرات ينسب إليها الدجاج المسمن، ربما بلغت الواحدة وزن الجدى والحمل.
قال:
لنا سمك نكببه مشهر ... وعند غلامنا جنب مبزر
وفروجان قد رعيا زماناً ... لباب البر في أبيات كسكر
وينسب إليها الجداء والسمك الصحناة.
كان الرشيد يقول لموسى الكاظم بن جعفر: يا أبا الحسن خذ فدك حتى أردها عليك، فيأبى، حتى ألح عليه فقال: لا آخذها إلا بحدودها، قال: وما حدودها؟ قال: يا أمير المؤمنين أن حددتها لم تردها، قال: بحق جدك إلا فعلت، قال: أما الحد الأول فعدن، فتغير وجه الرشيد وقال: هيه، قال: والحد الثاني سمرقند، فاربد وجهه، قال: والحد الثالث أفريقية، فاسود وجهه وقال: هيه، قال: والرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية، قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء فتحول في مجلسى؛ قال موسى: قد أعلمتك أني أن حددتها لم تردها. فعند ذلك عزم على قتله، واستكفى أمره يحيى بن خالد. فأراه بثرة خرجت في كفه وقال: هذه علامة أهل بيتنا قد ظهرت بي، وأنا أقضى عن قرب، فقد كفيت أمري. فتركه يحيى ومات بعد أيام.
وأنى وأرضاً أنت فيها ابن معمر ... كمكة لم يطرب لأرض حمامها
إذا اخترت أرضاً للمقام رضيتها ... لنفسي ولم يغلظ علي مقامها

كان يقال للبصرة خزانة العرب، وقبة الإسلام، لأنتقال قبائل العرب إليها، وأتخاذ المسلمين لها وطناً ومركزاً. قال:
بنت قبة الإسلام قيس لأهلها ... ولو لم يقيموها لطال التواؤها
ثم لما بنى المنصور بغداد، وصارت دار الخلافة، ومصت أموال الدنيا مصاً، سميت مدينة السلام، وقبة الإسلام. وعن الكسائي أن عمر قال كنز الإسلام، والكنز القبة على السرير، فغيره الناس إلى قبة الإسلام.
للخليل بن أحمد في ظهرة البصرة مما يلي قصر أنس:
زر وادي القصر نعم القصر والوادي ... من منزل حاضر أن شئت أو بادى
ترفأ به السفن والظلمان حاضرة ... والضب والنون والملاح والحادي
بنى علي بن عيسى بن جعفر الهاشمي قصره على نهر ابن عمر بالبصرة، فقال له ابن المعذل: بنيت أحسن بناء، بأوسع فضاء، على أصفى ماء، وأرق هواء، بين صواري ورعاء، وحيتان وظباء. فقال: والله لبناء كلامك أحسن من بنائي، ووصله.
لا تبنى المدن إلا على الماء والكلأ والمحتطب.
يقال: أن اصبهان من بناء ذي القرنين؛ قال ابن طباطبا لأبي علي ابن رستم، وقد هدم شيئاً من سور اصبهان ليزيده في داره:
وقد كان ذو القرنين يبنى مدينة ... فأصبح ذا القرنان يهدم سورها
على أنه لوحك في صحن داره ... بقرن له سيناء زعزع طورها
لو قال: فأصبح ذو القرنين فكان أوقع وأمتن، ولعل الرواة حرفوه فإن قوله ذو قرون يومئ إليه، قال:
أيها الهادم سوراً ... هدمه عين الجنون
ليس يوهى سور ذي القر ... نين إلا ذو قرون
وسائل عن بلاد الري قلت له ... أنا ابن بلدتها لا بل أنا البلد
وفي ديوان المنظوم:
تفاءلت غذ ألقيت رحلي بالري ... وبشرت أحشاء صوادي بالري
فلما رأيت الري لا ينقع الصدى ... علمت بان الفأل كان من الغي
وصف بعضهم بلاد الهند فقال: بحرها در، وجبالها ياقوت، وشجرها عود، ورقها عطر.
جور من كور فارس مخصوصة بالورد الذي هو مثل، يقال: ورد جور، والورد الجوري، كما قيل بنفسج الكوفة، ومنثور بغداد، وزعفران قم، ونيلوفر السيروان ونارنج الصيمرة، واترج طبرستان، ونرجس جرجان.
قال عبد بن سليمان في نهاوند: أرضها الزعفران، وسماؤها الفاكهة، وحيطانها الشهد.
وقال عمرو بن الليث في نيسابور: حجرها الفيروزج، وترابها النفال، وحشيشها الريباس.
وقال الحجاج لعامله على اصبهان: قد وليتك بلدة حجرها الكحل، ودبانها النحل، وحشيشها الزعفران.
استطاب إسماعيل بن احمد نيسابور فقال: نعم البلد لولا، قيل: كيف؟ قال: كان ينبغي أن تكون مياهها التي في باطنها على ظاهرها، ومشايخها الذين على ظاهرها في باطنها.
يزعم أهل فارس أن إبراهيم عليه السلام كان من أهل اصطخر، من قرية تسمى أندران، سميت لأنه رمي به في النار ثمة، وقالوا: له فيها مسجد أرضه صخرة واحدة صماء، وفي الصخرة أثر ركبتيه وكفيه وأصابعه، وأن الناس يعظمونه، ويقصدومه من البلاد البعيدة، وتصلى فيه صلاة العيد؛ وعلى رأس فرسخ منه تل عظيم، طوله فرسخ، قد لبد أعلاه وصلب، فإذا كشط عنه فهو رماد أبيض لين كأنه منخول، يستشفى به؛ ويكذبون من زعم أنه من أهل كوثى، وإنما خرج من فارس ونزل كوني. وباصطخر مسجد سليمان وكذلك بشيراز.
مما يحكى من بلاهة أهل طوس انهم رفعوا إلى الرشيد قصة، يسألونه فيها أن يحول لهم مكة إلى بلدهم.
قال الحجاج للغضبان بن القبعثري كيف تركت أرض كرمان؟ قال: ماؤها وشل، وسهلها جبل، ولصها بطل، وثمرها دقل، أن كثر الجيش بها جاعوا، وأن قلوا ضاعوا.
الصين موصوفة بالصناعات الدقيقة، والتصاوير العجيبة، يفصل مصورهم بين ضحك الشامت والخجل والهازئ والمسرور.
يقولون: أهل الدنيا كلهم عمي إلا أهل بابل فإنهم عور.
تبت بناها تبع وسماها باسمه فلكنته الترك، ويقال: من أقام بقصبتها اعتراه سرور ما يدري سببه، ولا يزال متبسماً ضاحكاً حتى يخرج.
في نهاوند واعتدال هوائها:
نزلت عن برد أرض ... زادها البرد عذابا
وعلت عن حر أرى ... تلهب النار التهابا
مزجت حراً ببرد ... نصفا العيش وطابا

لم تزل مكة حرسها الله أمناً ولقاحاً، قال حرب بن أمية:
أبا مطر هلم إلى صلاح ... أبا مطر هديت بحير عيش
فتأمن وسطهم وتعيش فيهم ... وتأمن أنيزورك رب جيش
وتنزل بلدة عمرت لقاحاً ... فتكنفك الندامى من قريش
صلاح: علم لمكة. وكتب بعض الجبابرة إلى أهل مكة يطلب منهم الأتاوة، فكتب إيه عبد المطلب:
إنا أناس لا ندين بأرضنا ... عض الرسول ببظر أم المرسل
الأيوان من بغداد على مرحلة، بناه كسرى أبرويز في نيف وعشرين سنة، طوله مائة ذراع، في عرض خمسين، في سمك مائة من الآجر الكبار والجص، وثخن الأزج خمس آجرات، وطول الشرف خمس عشرة ذراعاً. ولما بنى المنصور بغداد أحب أن ينقضه، ويبني ينقضه؛ فاستشار خالد بن برمك فنهاه، وقال: هو آية الإسلام، من رآه علم أن من هذا بناؤه لا يزيل أمره إلا نبي، وهو مصلى علي بن أبي طالب، والمؤونة في نقصه أكثر م الاتفاق به. فقال: أبيت إلا ميلاً إلى العجم؛ فهدمت ثلمة فبلغت النفقة عليها مالاً كبيراً، فأمسك؛ فقال له خالد: أنا الأن أشير بهدمه لئلا يتحدث بعجزك عنه، فلم يفعل.
وتذاكر حذيفة وسلمان رضي الله عنهما أمر الدنيا، فكان من أعجب ما ذكرا أن أعرابيا من غامد كان يرعى حوله شويهات له، فإذا كان الليل آواها إلى سرير رخام في الإيوان كان يجلس عليه أبرويز.
قال البحتري:
حضرت رحلي الهموم فوجه ... ت إلى أبيض المدائن عسى
وكان الإيوان من عجب الص ... عة جون في جنب أرعن مرسى
لم يعبه إن بز من بسط الدي ... باج واستل من ستور الدمقس
مشمخرا تعلو له شرفات ... رفعت في رؤوس رضوى وفدس
ليس يدري أصنع إنس لجن ... سكتوه أم صنع جن لأنس
غير أنى أراه يشهد أن لم ... يك بانيه في الملوك بنكس
الأوائل من الأمم لما علموا من جهة النجوم أن آفة سماوية تصيبهم وهو الطوفان بنوا في صعيد مصر أهراما بالحجارة، على رؤوس الجبال والمواضع المرتفعة، ليحترزوا بها، وجعلوا الهرمين أرفع منها كلها؛ وهما على فرسخين من الفسطاط، كل واحد أربعمائة ذراع طولاً، في أربعمائة ذراع عرضاً، والأساس زائد على جريب، مبني بحجارة المرمر والرخام، غلظ كل حجر عشرة أذرع إلى ثمان، مهندم لا يستبين هندامه إلا لحاد البصر، وحجارتها منقولة من مسافة أربعين فرسخاً، من موضع يعرف بذات الحمام فوق الاسكندرية، ولا يزالان ينخرطان في الهواء صنوبرياً حتى ترجع ذروتهما إلى مقدار خمسة أشبار في خمسة، وشكلهما التربيع، وليس على وجه الأرض بناء أرفع منهما، منقور فيهما بالمسند كل سحر وطب وطلسم، وفيه إني بنيتهما، فمن ادعى قوة في ملكه فليهدهما، فإذا خراج الدنيا لا يفي بهدمهما، وكان يجمع يوسف عليه السلام فيهما الطعام. وقالوا: لا يعرف من بناهما. قال المتنبي:
تتخلف الآثار عن أصحابها ... حيناً ويدركها الفناء فتتبع
أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع
وسمى البحتري بانيهما فقال:
ولا كسنان بن المشلل عندما ... بنى خرميها من حجارة لابها
منارة الاسكندرية مبنية على قناطر من زجاج، والقناطر على ظهر سرطان من نحاس في بطن أرض البحر، وطولها أربعمائة وخمسون ذراعاً، وهي غاية ما يمكن رفعه في الهواء، وفيها ثلثمائة وخمسون بيتاً، وكانت في أعلاها مرآة كبيرة يرى فيها الناظر قسطنطينية، وبينهما عرض البحر. وكلما جهز ملك أروم جيشاً أبصر فيها، فوجه ملك الروم إلى بعض الخلفاء أن في الثلث الأعلى منها كنوزاً لذي القرنين فهدموه، فلم يجدوا شيئاً، وعلم أنها حيلة في أبطال الطلسم في المرآة.
الرها: بلد من عمل حران، مسبت إليه كنيسة الرها، وهي متخذة على رؤوس أربعة أعمدة من رخام، بطيقات معقودة بينها، وفيها العجائب من التزاويق، والتصاوير، والطلسمات، والقناديل التي تشتعل من غير اشتعال.

مسجد دمشق بناء المروانية، كان كل خليفة يزيد فيه زيادة، حتى تناهى حسنه، وعدم نظيره، وهو منقش الحيطان والسقوف، والأعمدة مرضعة كلها بالجواهر مذهبة، قال بعض شيوخنا: لم يفتنى منذ عقلت فيه صلاة، ولم أدخله إلا وقعت عيني من محاسنه على شيء لم تقع عليه قبل.
سمع خالد بن عبد الله القسري قول رجل من موالس الأنصار:
لتني في المؤذنين نهاري ... أنهم يبصرون من في السطوح
فيشيرون أو تشير إليهم ... بالهوى كل ذات دل مليح
فأمر بحط المنار. ففيه يقول الفرزدق:
بنى بيعة فيها الصليب لأمه ... ويهدم من كفر منار المساجد
جرير بن حازم الجهضمي:
عمرت فأحسنت العمارة فاعتنم ... عمارة دار الحق في غابر العمر
في الحديث: أن جبريل صلوات الله عليه ذكر مدينة يقال لها فاخرة، وهي بالفارسية بخاري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم سميت فاخرة؟ قال: لأنها تفخر على المدائن يوم القيامة بكثرة الشهداء، ثم قال: اللهم بارك في فاخرة، وطهر قلوبهم بالتقوى، واجعلهم رحماء على أمتي. فيقال: ليس أحد أرحم على الغرباء منهم.
الحسن قال: ما فعل الجناحان؟ قيل: وما هما؟ قال: سمرقند وخوارزم، هما جناحا الإسلام، وما داما حصن الإسلام.
كتب الحجاج إلى قتيبة بالعود إلى خوارزم، فقال: إنها شديدة الكلب، قليلة السلب.
يقولون إن الشام يقتل أهله ... فمن لي وأن لم آته بخلود
تغرب آبائي فهلا صراهم ... من الموت أن لم يشتموا وجدوى
النابغة:
وقد أعددت للحدثان عقلاً ... لو أن المرء تنفعه العقول
يريد الحصون.
رأى حكيم مدينة حصينة بسور محكم فقال: هذا موضع النساء، لا موضع الرجال.
سأل عثمان رضي الله عنه بعض من وفد عليه عن حصن بناحية هراة فقال:
محلقة دون السماء كأنها ... عمامة صيف زل عنها سحابها
فما تبلغ الأورى شماريخها العلى ... ولا الطير إلا نسرها وعقابها
وما خوفت بالذئب ولدان أهلها ... ولا نبحت إلا النجوم كلابها
أرى الناس يبنون الحصون وإنما ... بقية آجال حصونها
أبو عبيد: أحبت العرب أن تشارك العجم في البنيان، وتنفرد بالشعر، فبنوا غمدان، وكعبة نجران، وحصن مارد، والأبلق الفرد.
عن عمر رضي الله عنه: لا تستقيم إمارة للعرب ما دام فيها غمدانها.
المنذر بن ماء السماء: حصون العرب الخيل والسلاح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: يا أبا الحسن لا تسكن الرستاق فإنها حظيرة من حظائر جهنم، صبيها عارم، وشابها شاطر، وشيخها جاهل، والمؤمن عندهم كجيفة الحمار.
النبي صلى الله عليه وسلم: سكان الكفور كسكان القبور.
علي رضي الله عنه: واسكن الأمصا العظام، فإنها جماع المسلمين، واحذر منازل الغفلة والجفاء، وقلة الأعوان على طاعة الله، وإياكم ومقاعد الأسواق، فإنها محاضر الشيطان، ومعاريض الفتن.
فرقد السبخي: لم يبعث نبي قط من مصر من الأمصار، وإنما بعثوا من القرى، لأن أهل الأمصار أهل السواد والريف، وأهل القرى أرق.
أبو تمام:
لم آتها من أي وجه جئتها ... إلا حسبت بيوتها أجدانا
بلد الفلاحة لو أتاها جرول ... أعني الحطيئة لاغتدى حرانا
تصدى بها الأذهان بعد صقالها ... وترد ذكران العقول أنانا
مكتوب في الإنجيل: الحجر الواحد في الحائط من الحرام عربون الخراب.
أبو عمرو بن العلاء: بنيت سيلحون مدينة باليمن في ثمانين سنة علي أيدي الملوك، وبراقش ومعين بناهما العامة بغسلات أيديهم، فلا يرى لسيلحون أثر ولا عيثر، وهما قائمتان سلمتان، قال عمرو بن معدي كرب:
دعانا من براقش أو معين ... فأسمع واتلأب بنا مليع
وهب: وجدت في كتب الأنبياء من استغنى بأموال الفقراء جعلت عاقبته، وأي دار بنتي بالضعفاء جعلت عاقبتها الخراب.
جحظة:
لقد أصبحت في بلد خسيس ... امص به ثماد الرزق مصا
رأيت المجد إحسانا وجوداً ... فصار المجد أجراً وجصا

رأى الحسن قصر الحجاج بواسط فقال: يعمد أحدهم إلى قصر يشيده، وقد حف به ذبان طمع، وفراش نار، فيقول انظروا! قد نظرنا يا أفسق الفاسقين، أما أهل الدنيا فروك، وأما أهل الآخرة فمقتوك. ازدحم الناس على درجة الحسن فتحركت، وكانت رثة، فصاح بهم ابنه، فقال الحسن: مه! ثم قال: لولا أن حان من الدنيا ارتحال، وإلى الآخرة انتقال، لجددنا لكم البناء، شوقاً إلى لقائكم، وحباً لحديثكم، وما عل الدرجة نشفق لكم عليكم، فأربعوا على أنفسكم.
عن مالك بن دينار أنه حضر رجلاً يبني داراً، وهو يعطي الأجراء الدراهم، فمد يده فأعطاه درهما، فطرحه في الطين، فتعجب الرجل وقال: كيف طرحت الدرهم في الطين؟ فقال مالك: أعجب منه أنك طرحت كل دراهمك في الطين، يعني ضيعتها في النباء.
قتادة: من منع زكاة ماله سلط الله عليه الطين.
علي رضي الله عنه: عاد العلاء بن زياد الحارثي فرأى سعة داره فقال: ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا، وأنت إليها في الآخرة كنت أخوج، وبلى أن شئت بلغت بها الآخرة: تقري فيها الضيف، وتصل فيها الرحمن وتطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة.
سئل النخعي عن البناء فقال: وزر ولا أجر، فقيل: بناء لا بد منه، فقال: لا أجر ولاوزر.
سلمة الأحمر؛ دخلت قصر الرشيد فقلت:
أما بيوتك في الدنيا فواسعة ... فليت قبرك بعد الموت يتسع
فجعل هارون يبكي.
مر الحسن بقصر فقال: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لأوس، فقال: على ود أوس أن له في الآخرة بدله غيفا.
كان نوح عليه السلام في بيت من شعر ألفاً وأربعمائة سنة، فكلما قيل له: يا رسول الله لو اتخذت بيتاً من طين تأوي إليه، قال: أنا ميت غداً فتاركه، فلم يزل فيه حتى فارق الدنيا.
عمر رضي الله عنه: لي على كل خائن أمينان: الماء والطين. أي إذا شرع العامل في أنباط العيون وبناء الدور علمت أنه جمع المال واحتجه.
قال رجل للحسن: بنيت داراً أحب أن تدخلها وتدعو الله، فدخلها فنظر إليها ثم قال: أخربت دارك، وعمرت دار عيرك، غرك من في الأرض، ومقتك من في السماء.
مر الحسن بدار بعض المهالبة فقال: رفع الطين، ووضع الدين.
كان لشقيق خص يكون هو ودابته فيه، فإذا غزا نقضه، وإذا رجع بناه.
حدث الأصمعي الرشيد انه كان بالبصرة فتى له كوخ من قصب، كان يغشاه الفتيان، فإذا أطربهم سمره، قال بعضهم: غداً علي ألف آجرة، والآخر: علي الجص، والثالث: علي أجرة البناء، فيصير كوخه قصراً من ساعته؛ ثم يصبح فلا يرى شيئاً؛ فقال:
إذا ما طابت الأسمار قالوا ... غدا نبنى بآجر وجص
وكيف يشيد البيان قوم ... يزجون الشتاء بغير قمص
فاستضحك الرشيد وقال: يا أبا سعيد لكنا نبني لك قصراً لا تخاف فيه ما خاف الفتى، ثم أمر له بألفي دينار.
قال الحجاج لإسماعيل بن الأشعث، وكان محمقاً، كيف ترى قصري؟ قال: أرى قصراً استعظم المؤونة على من أراد هدمه.
أنشد الجاحظ:
كأن قصور القوم ينظرن حلون ... إلى ملك موف على منبر الملك
يدل عليها مستطيراً بحسنه ... ويضحك منها وهي مطرقة تبكي
أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام: بئس بيت الرجل المسلم بيت العروس، يذكر الدنيا وينسى الآخرة.
دار أصلها في التخوم، وفرعها في النجوم.
قيل لأعرابية: أين منزلك؟ قالت: أغيب في الليل إذا عسعس، وأنقلب في النهار إذا تنفس، ثم اتخذت منزلاً فسئلت عنه، فقالت:
فأما على كسلان وإن فساعة ... وأما على ذي حاجة فقريب
محمد بن واسع: قدمت مكة فسمعت سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل السوق فقال لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة. فقدمت خراسان فقلت لقتيبة بن مسلم: جئتك بهدية، فحدثته بالحديث، فكان يركب في موكبه حتى يأتي السوق، فيقولها ثم ينصرف.
النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والأسواق، فإن الشيطان قد باض بها وفرخ.

وقيل للشعبي: أين فرخ إبليس؟ قال: في الأسواق، قيل: وكيف؟ قال: لأن الأسواق ما يسره من البخس، والتطفيف، والغش، والخيانة، والمدح، والذم بغيري حق، وخلف الوعد، ومطل الحقوق، والتعاون على الأباطيل.
سوق العروس ببغداد مجمع الطرائف، ولذلك نسبت إلى العروس، لاحتفال الناس في تجهيزها. وكان أبو بكر الخوارزمي إذا وصف جارية قال: كأنها سوق العروس. وكأنها العافية في البدن، وكأنها مائة ألف دينار.
النبي صلى الله عليه وسلم: سأله رجل عن الأشراط، فقال: تقارب الأسواق، قال: ما معنى تقارب الأسواق؟ قال: أن يشكو الناس بعضهم إلى بعض قلة أصابتهم.
قالوا: لذة الدنيا في الغناء، والزناء، والبناء.
أبو هريرة يرفعه: نعم البيت الحمام يدخله الرجل المسلم، لأنه إذا دخله سأل لله الجنة، واستعاذ من النار.
الحسن بن علي كانوا يستحبون إذا خرجوا من الحمام أن تتبين آثاره عليهم.
أبو موسى الشعري، رفعه: أول من دخل الحمام ووضعت له النورة سليمان عليه السلام، ولما وجد حرها قال: أوه أوه من عذاب الله، أوه أوه قبل أن لا تنفع أوه أوه.
عمر رضي الله عنه: نعم البيت الحمام، يذهب الدرن، ويذكر بالنار.
علي رضي الله عنه: بئس البيت الحمام، يبدي العورة، ويذهب بالحياء.
حمام منجاب بالبصرة، كانت إليه وجوه الناس لطيبه، وكان فيها حمام آخر يعرف بحمام طيبة، فقال لها شاعر: ما الذي تجعلين لي أن حولت وجوه الناس إلى حمامك؟ قالت: ألف درهم. فقال:
حمام طيبة لا حمام منجاب ... حمام طيبة سخن واسع الباب
فأقبل الناس إليه.
وصف لرجل حمام بالطيبي، فقال: ما قامت النساء عن حمام أطيب من حمام أصحاب الحناء.
بدوي دخل حماماً فاستاطابه، فقال لصاحبه:
أن حمامك هذا ... غير مذموم الجوار
ما رأينا قبل هذا ... جنة في وسط نار
كان ابن قريعة القاضي في مجلس الوزير المهلبي، فنوول رقعة فيها: ما يقول القاضي في رجل دخل الحمام، وجلس في الأبزن، فخرجت منه ريح، فتحول الماء زيتاً. فتخاصم هو والحمامي، وادعى كل واحد أنه يستحق الزيت كله. فكتب: قرأت هذه الفتيا الطريفة، في هذه القصة السخيفة، وأخلق بها أن تكون عبثاً باطلاً، وكذباً ماحلاً، وإن كان كذلك فهو من أعاجيب الزمان، وبدايع الحدثان، فالجواب وبالله التوفيق: أن للضارط نصف الزيت بحق وجعائه، وللحمامي نصف الزيت بقسط مائه، وعليهما أن يصدقا المبتاع منهما من خبث أصله، وقبح فصله، حتى يستعمله في مسرجته، ولا يدخله في أغذيته؛ والله أعلم بالصواب.
الحسن: الأسواق موائد الله في الأرض، من أتاها أصاب منها.
بنى الحجاج قصره، فقال له رستم الدهقان: أيها الأمير أكسه وحله، أراد التحصيص والنقش.
أعرابي: ارتحلت عنه ربات الخدور، وأقامت به رواحل القدور.
كان يزيد بن عبد الملك يطوف في المواضع التي كانت فيها حبابة فتمثلت له وصيفة:
كفى حزناً بالهائم الصب أن يرى ... منازل من يهوى معطلة قفرا
آخر:
وكل سلامة تعد المنايا ... وكل عمارة تعد الخرابا
آخر:
منازل ألاف أتى الدهر دونها ... وما الدهر والألاف إلا كذلك
ابن الرفاع:
فأبكى إذا بكت المنازل أهلها ... معذرة وظلمت أن لم تفعلى
أهلاً كراما لن يحلك مثلهم ... في ذا الزمان ولا الزمان المقبل
محمد بن عبد الله النميري:
غشي المنازل بالسليل فهاجه ... ربع تبدل غيره أحبابه
ولقد تراه للقتول وأهلها ... جاراً تمس بيوتهم أطنابه
قال غلام رفيع الأسدي:
ليت الديار التي تبقى فتحزننا ... كانت تبين إذا ما أهلها بانوا
ينأون عنا ولا تنأى مودتهم ... فالقلب فيهم رهين حيث ما كانوا
فقال مولاه: والله أنى لأستحي أن أقول شعراً بعد هذا.
دخل رجل على الحجاج فقال له ما عندك؟ قال: علم ألسنة الطير، فإذا خامتان تجاوبتا؛ فقال: ما تقولان؟ قال: تخطب أحداهما بنت الأخرى، فتقول لها لا أزوجك إلا بأربع مئة قصر منيف؛ قال: أين تجد ذلك؟ قال: ما دام مثلك حيا لا تعدمه؛ قال: كيف؟ قال: إنك تقتل الخيار وتعطل الديار.
أعرابي:

ألم تعلما أن المصلى مكانه ... وبطن العقيق ذا الظلال وذا البرد
وأن به لو تعلمان أصائلا ... وليلاً رقيقاً مثل حاشية البرد
لكثير:
لعمرك أن الجزع أمسى ترابه ... من الطيب كافوراً وعيدانه رندا
وأصبح ماء الشعب خمراً وأصبحت ... جلاميده مسكاً وأوراقه وردا
وما ذاك إلا أن مشت في عراصه عزيزة في سرب وجرت به بردا
محمق إلى أبيه: كتابي هذا ولم يحدث علينا بعدك إلا خير والحمد لله، إلا أن حائطنا وقع فقتل أمي وأختي وجاريتنا، ونجوت أنا والحمار والسنور، فعلت أن شاء.
أعرابي: لا تجف أرضا فيها قوابلك، ولا تنأ بلداً فيه قبائلك. بلد فيه قوابلي وقبائلي.
ابن عباس: لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم لما اشتكى عبد الرزق.
عمر: عمر الله البلدان بحب الأوطان.
كما أن لحاضنتك حق لبنها، فلأرضك حرمة وطنها.
العرب: حماك أحمى لك، وأهلك أحفى بك.
وكنا ألفناها ولم تك مألفاً ... ولد يؤلف الشئ الذي بالحسن
كما تؤلف الأرض التي لم يطب بها ... هواء ولا ماء ولكنها وطن
أعرابي: رملة حضنتي أحشاؤها، وأرضعتني أحساؤها.
كانت العرب إذا سافرت حملت معها من تربة أرضها ما تستنشق ريحه، ونستسفه، وتطرحه في الماء إذا شربته.
وأنشد لرجل من بني ضبة:
نسير على علم بكنه مسيرنا ... وغفة زاد في بطون المزاود
ولا بد في أسفارنا من قبيضة ... من الترب ننشاها لحب الموالد
الهند: حرمة بلدك عليك كرحمة أبويك، إذ كان غذاؤك منها وغذاؤهما منه.
الفرس: تربة الصبا تغرس في القلب حرمة، كما تغرس الولادة في القلب رقة.
ميلك إلى مولدك من كرم محتدك.
أيمن بن خريم لما أجلى بان الزبير بني أمية عن المدينة.
كأن بني أمية حين راحوا ... وعري من منازلهم صرار
شماريخ الجبال إذا تردت ... بزيتها وجادتها القطار
لولا حب الوطن لخرب بلد السوء.
قيلي في بني عمير الليثي من كنانة، ودارهم بالبصرة بالقرب من الجامع، وهي مذكورة:
بنو عمير مجدهم دارهم ... وكل قوم لهم مجد
كأنهم فقع بدوية ... ليس لهم قبل ولا بعد
ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قليل الخطوات في السوق، وكان يقول إذا خطا فيها: اللهم أن يأعوذ بك من شر السوق، وأعوذ بك من الفسوق، وأعوذ بك من كل صفقة خاسرة، ومن كل يمين كاذبة.
قال رجل: لا يكون البنيان قرية حتى ينبح فيها كلب ويصقع ديك: فقال آخر: بل لا تكون قرية حتى يكون فيها حائك ومعلم، فقال له: ويحك إذا صارت هذا فهي مدينة.
ابن الزبير: ليس الناس بشيء من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم.
كان الحسن يقعد عند المنارة العتيقة في آخر المسجد.
ابن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلة أسرى بي إلى السماء رأيت في السماء الرابعة قصراً مزخرفاً، حواليه قناديل من نور، فقلت: يا جبريل ما هذا القصر المزخرف؟ قال: يا محمد هذا رباط تستفتحه أمتك بأرض خراسان، من مات حول ذلك النهر على فراشه قام يوم القيامة شهيداً من قبره، قلت: يا جبريل ولم ذاك؟ قثال: يكون لهم عدو يقال لهم الترك، شديد كلبهم، قليل سلبهم، من وقع في قلبه فزعه منهم قام يوم القيامة شهيداً من قبره مع الشهداء.
أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوبى لمن بات ليلة في خوارزم. وطبى لمن وقع عليه غبار خوارزم، وطوبى بمن صلى ركعتين في خوارزم.
عن الحسن: مدينة بالمشرق يقال لها خوارزم، على شاطئ نهر يقال له جيحون، ملعون الجانبين، ألا وأن تلك المدينة محفوفة مكفوفة بالملائكة، تهدي إلى الجنة كما تهدي العروس إلى بيت زوجها، يبعث الله من مقبرتها مائة ألف شهيد، كل شهيد منهم يعدل شهيد بدر.
وعن مكحول: مدينة بخراسان يقال لها خوارزم، ما داموا كفاراً فالمسلمون منهم في شدة وتعب، فإذا أسلموا كانوا جناحاً من أجمحة المسلمين، وترسا من ترستهم.
وقيل لسفيان بن عيينة: يا أبا محمد ما تقول ي الرباط وراء جيحون؟ فقال: لأن أنام على الفراش وراء جيحون، يعني أنوي به الرباط، أحب إلي من الطواف بهذا البيت من السنة إلى السنة صائماً قائماً، يومن ألف حجة متتابعة.

وعن ابن عمر: أنه سأل رجلاً من أهل خوارزم عن بلاده، فوصف له أن الرجل منا يغسل وجهه، فيصير الماء على وجهه ثلحاً، فقال: بشر تلك الوجوه بالجنة.
وقد عدد ابن سمقة الكاتب فضائلها فقال: ولخوارزم فضائل لا يوجد مثلها في سائر الأقطار وخصال محمودة لا تتفق في غيرها من الأمصار؛ هي ثغر من ثغور الإسلام، قد اكتنفها أهل الشرك، وأطافت بها قبائل الترك، فغزو أهلها معهم دائم، والقتال فيما بينهم قائم، قد أخلصوا في ذلك بياتهم، وأمضوا فيه طوياتهم، وقد تكفل الله بنصرهم في عامة الأوقات، زمنحهم الغلبة في كافة الوقعات، ثم حصنها الله بجيحون، بواد عسير المعبر يعيد المسالك، غزير الماء كثير المهالك، فلا يتوغلها متوغل إلا خاطر بمهجته، ولا يسلك منافذها سالك إلا كان على يأس من سلامته؛ وأهلها أهل بسالة، وقلوب جرية، ونفوس أبية؛ قد فشا عنهم ذلك فجبن العدو عن مكحافحتهم، وفشل عن مناوشتهم، وفيهم الرمي بالنشاب لا تخطئهم إصابة، ولا تكاد تسقط لأحد منهم نشابة، مع استقلالهم بأنواع السلاح، من السيوف والرماح؛ ولهم السداد والديانة، وعندهم الوفاء والأمانة، وضمائرهم نقية طاهرة، ورغباتهم في أصناف الخير ظاهر، ودينهم محبة الأخيار، ومقت الأشرار، والأحسان إلى الغرباء، والتعطف على الضعفاء؛ وخصائص آخر لا تسقصى، ولا تعد ولا تحصى؛ ومما اختصت به أنواع الرقيق الروقة والخيل الهميج الفرهة، وضروب الضواري من البزارة والصقور، وأجناس الوبر وألوان الثياب؛ وثمارها أطيب الثمار وأشهاها، وألذها وأحلاها، وأمرأها وأنماها في الأبدان؛ وهواؤها أصح هواء، وماؤها أعذب ماء، لأنه يجري من عيون عذبة، على ترب طيبه؛ وناهيك ببطيخها الذي لا يوجد مثله إلا في الجنة.
ولقد أحسن ابن سمقة، في جميع ما نمقه، ولكنه أخل برأس فضائلها، وهو ما رزقته من المذهب السديد، مذهب أهل العدل والتوحيد، مع الباطشين فيه بقوة السواعد، الرامين عنه بالنبل الصوارد، والشاقين في دقايقه الشعر، المطيرين عن نخر أعدائه النعر، وذلك في كل زمان، وخاصة في زماننا هذا، فقد أزهر فيها ما شاء من السرج، وأطال فيها ألسنة الحجج.
عبد الله بن عمر، يرفعه: ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات، فلا يدخلها الرجال إلا بالأزر، وامنعوها النساء، إلا مريضة أو نفساء.
دخل نسوة من الشام على عائشة فقالت: ممن أنتن؟ قلن: من الشام، قالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات؟ قلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله.
من كلام خنيف الخناتم المضروب به المثل في الأبالة: من قاظ الشرف، وتربع الحزن، وتشتى الصمان، فقد أصاب المرعى.
ورد بن ورد:
وإن القلب الفرد من أيمن الغضا ... ليحلو لناء ذكره ويطيب
تفوقت درات الصبا في ظلاله ... إلى أن أتاني بالفطام مشيب
وله:
ألا أيها الصمد الذي كنت مرة ... نحلك سقيت الأهاضيب من صمد
ومن وطن لم تسكن النفس بعده ... إلى وطن في قرب عهد وفي بعد
ومنزلتي بلحاء من بطن واسط ... ومن ذي السليل كيف حالكما بعدي
تتابعت الأنواء سحاً عليكما ... أما لكما بالمالكية من عهد
قبيصة بن عمرو المهلبي في البصرة:
لأحسن من بطن الرصافة منزلا ... وميدانها فالكرخ فالدور فالجسر
ربائع لا يلبسن والريح ريدة ... قياماً ولا يطبعن للوابل الهمر
إذا ما كساهن الربيع رياطه ... تأرجن مسكاً أو تضاحكن عن در
أخو يزيد بن خذاق:
أبى القلب أن يأتي السدير وأهله ... وإن قل عش بالسدير غرير
به البق والحمى وأسد خفية ... وعمرو بن هند يعتدي ويحور
أنوشروان: لا تنزل ببلد ليس فيه خمسة: سلطان قاهر، وقاض عادل، وسوق قائمة، وطبيب عالم، ونهر جار.
مرو: أسسها أفراسياب، وبنى بعضها كيخسرو وأتمها الاسكندر، وسمرقند أسسها كيكاوس بن قباذ وفرغ منها ابنه سياوخش.
نسا: بناها فيروز بن يزدجر وكان يقال لها: شهران فيروز.

جابر، يرفعه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة تشرب عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام.
الحزم ترك الحمام إذ لا تخلو من عورة مكشوفة ولا سيما من تحت السرة إلى العانة.
وعن بشر بن الحارث: ما أعنف رجلاً لا يملك إلا درهما دفعه ليخلى له الحمام.
ورؤي ابن عمر وجهه إلى الحائط، وقد عصب عينيه بعصابة.
وعن بعضهم: لا بأس بدخول الحمام، ولكن بازارين أزار للعورة، وازار للرأس يتقنع به؛ والسنة أ، يرفع رجله اليسرى عند الدخول وأن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الرجس النجس، الخبيث المخبث، الشيطان الرجيم.
وقالوا: يكره دخول الحمام بين العشائين، وقريبا من المغرب، ويكره للرجل أن يعطي أمر أته أجرة الحمام فيكون معيناً لها على المكروه.
أول قرية بنيت على وجه الأرض بعد الطوفان قرية بناها نوح عليه السلام ومعه ثمانون نفساً حين خرج من السفينة فسميت ثمانين.
هفت هزار بيت بالبصرة مبني بأساطين الساج، بناه سياه رئيس أساورة يزدجرد وكان ختنه على ابنته، أسلم في أيام عمر رضي الله عنه، بالبصرة مع خاصته، وهم سبعة آلاف، فبناه وكان يطعمهم فيه بكرة وعشياً.
عمل الشياطين لسليمان مدينة من قوارير، كانت الريح تحملها إذا خرج إلى الغزو وفيها حشمة وأهل بيته، وكانت ألف ذراع في عشرة آلاف ذراع.
من أبنية الفرس الشيربهار، كانت سدنته يغلقون ألفا وأربع مائة باب كل عشية.
ونوبهار بلخ بناه أجداد خالد بن برمك، عارضوا به الكعبة، وكانوا بطوفون به، ويحجه أهل مملكتهم، ويلبس الحرير، وكان بيتا عظيماً، حوله أروقة، وثلثمائة وستون مقصورة يسكنها خدامه وقوامه، وكان من يليه يسمى برمكا يعني والي مكة، وانتهت البرمكة إلى أبي خالد بن برمك، فأسلم على يد عثمان رضي الله عنه، وسماه عبد الله.
عبد الله بن عمرو: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وأمي نطين حائطاً لنا، وزوي: نعالج خصاً لنا قد وهي، فقال: ما أرى الأمر إلا أعجل من ذاك.
أنس: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة مشرفة، فسأل عنها، فقيل: لفلان الأنصاري، فجاء فسلم عليه، فأعرض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه فقالوا خرج فرأى قبتك، فهدمها حتى سواها بالأرض، فأخبر بذلك فقال: أنا أن كل بناء وبال على صاحبه إلا مالا إلا مالا.
خالد بن عبد الله المهاجر الزهري:
أضحت منازلكم بمكة منكم ... قفراً وأصبحت المعالم خاليه
لو كنت أملك رجعكم لرجعتكم ... قد كنتم زينى بها وجماليه
داود بن علي الكاتب:
ألم تقو منكم متى فالجمار ... فزمزم فالحجر الأسود
ولو فاز بالخلد حي إذا ... لفاز به المصطفى أحمد
خالد الزبيدي:
أيا جبلي سنجار ما كنتما لنا ... مقيطاً ولا مشتى ولا متربعا
فأجابه دثار النمري:
أيا جبلي سنجار هلا دققتما ... بركتيكما أنف الزبيدي أجمعا
عبد الله بن المقفع:
إن كنت لا تدعى مجداً ومكرمة ... إلا بقصرك لم تنهض بأركان
سام الرجال بما تسموا الرجال به ... تلك المكارم لا تشييد بنيان
عبد الله بن السمط:
حي نجداً ومن باكناف نجد ... والخيام التي بها طال عهدي
ليت شعري هل الخيام كما ك ... ن على العهد أم تغيرن بعدي
عبيد بن قرط الأسدي:
لعمري لقد حذرت قرطاً وجاره ... ولاينفع التحذير من ليس يحذر
نهيتهما عن نورة أحرقتهما ... وحمام سوء ماؤها يتسعر
ابن الرومي وقد أريد على بيع منزله:
ولي وطن آليت أن لا أبيعه ... وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة ... كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا
فقد ألفته النفس حتى كأنه ... لها جسد أن غاب غوردت هالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
وله:

بلد صبحت به الشبيبه والصبا ... ولبست ثوب العيش وهو جديد
علي بن محمد الورزنيني صاحب الزنج، لما هرب من داره في اليوم الذي قتل فيه:
عليك سلام الله يا خير منزل ... خرجنا وخلفناه غير ذميم
فغن تكن الأيام أحدثن فرقة ... فما أحد من ريبها بسليم
طلب المهدي من بكار بن رباح المدني منزله إلى جانب دار العجلة بأربعة آلاف دينأن فقال: ما كنت لأبيع جوار أمير المؤمنين بشيء؛ فأعطاه أربعة آلاف دينار، وترك له منزله.
إذا زاد البناء على ستة أذرع نادى مناذ من السماء: يا أفسق الفاسقين أين تريد؟ علي رضي الله عنه: ليس بلد بأحق بك من بلدك. خير البلاد ما حملك.
بنى رجل من عمال علي بناء فخماً، فقال: أطلعت الورق رؤوسها، أن البني لتصف لك الغنى.
بعضهم: ذهبت بأم الحسام وابنتها، وهي امرأتي، إلى بستان لي، فنظرت إلى صهريج فقعدت عليه، وأرسلت فه رجليها، وهو يطفح بالماء، والنخل يطله، فقلت: ألا تطوفين معنا على النخل نجني ما طاب؟ قالت: هذا أعجب إلي؛ فدرنا ساعة، ثم انصرفنا، وهي تخضخض رجليها في الماء، وتحرك شفتيها، ودمعها يجري، وتقول:
أقول لأدنى صاحبي أسره ... وللعين دمع يحدر الكحل ساكبه
لعمري لنهي باللوى نازح العدى ... نقي النواحي غير طرق مشاربه
أحب إلي من صهاريج ملئت ... للعب فلم تملح الي ملاعبه
فيا حبذا نجد وطيب ترابه ... إذا هضبته بالعشي هواضبه
وريح صبا نجد إذا ما تنسمت ... ضحى أو سرت جنح الظلام جوانبه
بأجرع ممراح كأن رياحه ... سحاب من الكافور والمسك شائبه
لما غزا اسفنديار بلاد الخزر اعتل بها، فقيل له: ما تشتهي؟ قال: شمة من تربة بلخ، وشربة من ماء واديها.
واعتل سابور ذو الأكتاف بالروم، وكان اسيراً، فقالت له بنت الملك، وقد عشقته، ما تشتهي؟ قال: شربة من ماء دجلة، وشمسما من تراب اصطخر، فأتته بعد أيام بماء وقبضه من تراب، وقالت: هذا من ماء دجلة، ومن تربة أرضك، فشرب واشتم بالوهم، فنقه من علته.
لما أشرف الاسكندر أوصى أن تحمل رومته في تابوت ذهب إلى بلد الزوم، حبا لوطنه الجاحظ: رأين المتفلسف من البرامكة إذا سافر أخذ معه من تربة موده في جراب يتداوى به.
لما أدركت يوسف الوفاة أوصى بحمل رمته إلى مقابر آبائه؛ فمنع أهل مصر أولياءه، فلما بعث موسى وأهلك فرعون حملها إلى مقابرهم؛ قبر يوسف علم بأرض بقرية تسمى حسامى.
في الحديث المرفوع: من سعادة العبد أن يقدر رزقه في بلده وحال سكونه، ومن شقاوته أن يجعل رزقه في غير بلده، أو حال سياحة.
لما بنى السفاح مدينة الأنبار قال لعبد الله بن الحسن: يا أبا محمد كيف ت؟ فتمثل:
ألم تر حوشباً أمسى يبني ... قصوراً نفعها لبني بقيلة
يؤمل أن يعمر عمر نوح ... وأمر الله يطرق كل ليلة
ثم انتبه فقال: أقلني فما اعتمدت سوءاً ولكن خطر ببالي؛ فقال: لا أقالني الله أن بت في عسكري. وأخرجه إلى المدينة وتمثل بقوله: أريد حياته ويريد قتلي، وبقوله:
ما بال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظاً وينوي من سفاهته كسرى
وكلمه فيه المنصور فقال: والله لا يخنقه أحد سواه وهو يكلمني فيه.
شكا خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيق منزله فقال: ارفع البناء في المساء وسل الله السعة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أهل مكة: أتبيعني دارك أزيدها في مسجد الكعبة ببيت أضمنه لك في الجنة؟ فأبى، فأعاد عليه، فأبى، فبلغ عثمان رضي الله عنه فلم يزل بالرجل حتى اشترى داره بعشرة آلاف دينار، وضمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتاً في الجنة.
أصابت الربيع بن زياد الحارثي نشابة في جبهته يوم فتحت مناذر، فكانت تنتقض عليه في كل سنة فعاده علي رضي الله عنه في داره، وهي أول دار خط بالبصرة، فجال ببصره فقال: ما كنت ترجو بهذا كله؟ وما هذا البناء يا ربيع؟ أما لو وسعت بها على نفسك في آخرتك، ثم قال: بلى أراها تزيدك من الله قربة، تصل فيها القريب وتقري فيها الضعيف، ويأتي إليك فها الضنيك؛ قال: وما الضنيك يا أمير المؤمنين؟ قال: الفقير.

كان يقول جعفر بن أبي طالب لأبيه: يا أبت أني لأستحي أن أطعم طعاماً وجيراني لا يقدرون على مثله؛ فكان يقول له أبوه: أنس لأرجو أن يكون فيك خلف من عبد المطلب.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: أتى الشيطان العراق فقضى حاجته فيهم، ثم انصرف إلى الشام فطردوه، ثم أتى مصر فباض يه وفرخ ونشر عفريته.
عبد الله بن عمر: وادخلوا مصر فاصيبوا من خيرها، واخرجوا منها إلى غيرها، ولا تغتسلوا بطينها، فإنه يميت القلب، ويذهب بالغيرة.
دخل عبد الله الرومي على أم طلق في بيتها، فإذا سمكة قصير كاد يصيب رأسه، فقال: ما أقصر سمك بيتك! قالت: أما علمت ما كتب عمر بن الخطاب؟ كتب: لا تطليلوا بنيانكم فإنه من شرار آثامكم.
عن بكر بن عبد الله المزني: أن يهودياً أسلم، وكان يقال له يوسف، وقد قرأ الكتب، فمر بدار ومروان بن الحكم فقال: ويل لأمة محمد من هذه الدار، ثلاثاً.
تشاجر رجلان في قصر، فأنطق الله بنو من الزاوية فقالت: اعلما أني كنت أنساناً مثلكما ألف سنة، ثم مت فكنت رميما ألف سنة، ثم كنت حبا ثلثمائة سنة، ثم كسرت فصرت ترابا، فضربت لبنة فوضعت في بناء هذا القصر منذ ثلثمائة سنة، فحياء لكما بعدما سمعتما أن تشاجرا وتأخذا بتلابيبكما.
تزوج فقير غنية، فضاق صدرها لضيق بيته، فقال لها: قومي، فقامت فلم يمس رأسها السقف، فقال لها: هبي أن سطحه يقرب السماء فما ينفعك إذا لم يمس رأسك؟ ثم قال لها: نامي، فنامت فلم تمس قدماها الجدار، فقال: هبي الجدار عند جبل قاف فما ينفعك بعد أن لم تمسه قدماك؟ فقالت حسبي حسبي، رضيت.
قال المأمون لأبي عباد: يا ثابت بم تستدل على حمق الرجل؟ قال: إذا رأيته يبغض البطيخ الرمسي ويؤثر الشاهلوج عليه علمت أنه أحمق، والرستمي كذلك. فدخل الرستمي فقال له: ما تقول في البطيخ؟ قال: يفسد المعدة، ويلطخها ويرقها، ويرخى العصب، ويرفع البخار إلى الرأس، وتغثى منه النفس؛ قال: لم أسألك عن فعله، إنما سألتك أشهي هو مستلذ؟ قال: لا، قال: فما تقول المأمون إلى أبي عباد وقال: الرجل الذي كنا في حديثه من تلامذة كسرى في الرقاعة.
باب
الملائكة والأنس والجن والشيطان وقبيله
وما ناسب ذلك من ذكر الأنبياء والأمم من العرب والعجمكانت الملائكة تصافح عمران بن الحصين وتعوده، ثم افتقدها، فقال: يا رسول الله إن رجالاً كانوا يأتونني، لم أر أحسن وجوهاً ولا أطيب أرواحاً منهم، ثم انقطعوا عنين فقال رسول الله صلى الله: أصابك جرح فكنت تكتمه؟ فقال: أجل؛ ثم أظهرته؛ قال: كان ذاك، قال: أما لو أقمت على كتمانه لزارتك الملائكة إلى أن تموت. وكان ذلك جرحاً أصابه في سبيل الله.
الحسن ووهب: الملائكة في زمن إدريس كانت تصافح الناس وتكلمهم، لصلاح أهل الزمان حتى كان زمن نوح فانقطع ذلك.
عرج بعمل إدريس عليه السلام إلى السماء فغلب عمل جميع أهل الأرض، فاستأذن ملك من الملائكة ربه في مؤاخاته فأذن له، فقال له إدريس: هل بينك وبين ملك الموت إخاء؟ فقال: نعم، ذاك أخي من بيت الملائكة. والملائكة يتآخون كما تتآخى بنو آدم.
سعيد بن المسيب: الملائكة عليهم السلام ليسوا بذكور ولا إناث، ولا يتوالدون، ولا يأكلون ولا يشربون؛ والجن يتوالدون، وفيهم ذكور وإناث ويموتون. والشياطين ذكور وإناث، ويتوالدون، ولا يموتون بل يخلدون ي الدنيا كما خلد إبليس. وإبليس هو أبو الجن.
وقيل: الملائكة خلقوا من الهواء، والشياطين من النار.
أبو ذر، رفعه: إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أظت السماء وحق لها أن تثط، فما فيها موضع شبر إلا فيه ملك قائم أو راكع أو ساجد.
وروي: ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك، واضع جبهته ساجد لله؛ والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله؛ والله لوددت أني كنت شجرة تعضد.
يزعم أهل الكتاب ان الله خلق حملة العرش، فجعل قرار أقدامهم على الأرض السابعة، ثم خرجوا في هواء ما بين ذلك، حتى خرجوا في هواء ما بين السماء والأرض، ثم في هواء ما بين السماوات السبع، ثم أصعدوا فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله.

وزعموا أنهم أربعة: ملك في صورة رجل، وملك في صورة ثور، وملك في صورة أسد، وملك في صورة نسر. وزعموا أن كل منهم في جبهته أربعة أوجه: وجه رجل، ووجه ثور، ووجه أسد ووجه نسر.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فكانوا ثمانية. وقيل الذي في صورة رجل هو الذي يشفع لبني آدم في أرزاقهم والذي في صورة ثور هو الذي يشفع للبهائم في أرزاقها، والذي في صورة أسد هو الذي يشفع للسباع في أرزاقها، والذي في صورة نسر هو الذي يشفع للطير في أرزاقها.
عبد الرحمن بن سابط: يدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل، وميكائيل، وملك الموت، وإسرافيل؛ فأما جبريل فعلى الرياح والجنود، وأما ميكائيل فعلى النبات والقطر، وأما ملك الموت فعلى قبض الأنفس، وأما إسرافيل فينزل إليهم بما يأمرون.
أنس بن مالك: قيل لرسول الله عليه وسلم: يا نبي الله من هؤلاء الذين استثنى الله؛ فقال: جبريل وميكائيل وملك الموت؛ فيقول الله لملك الموت: يا ملك الموت من بقي؟ وهو أعلم، فيقول: سبحانك ربي ذا الجلال والإكرام بقي جبريل وميكائيل وملك الموت، فيقولك يا ملك الموت خذ نفس ميكائيل، فيأخذها، فيقع في صورته التي خلقه الله فيها مثل الطود العظيم؛ ثم يقول، وهو أعلم، يا ملك الموت من بقي؟ فيقول: سبحانك ربي ذا الجلال والاكرام بقي جبريل وملك الموت فيقول: يا ملك الموت مت، فيموت؛ فيبقى جبريل، وهو من الله بالمكان الذي ذكر لكم، فيقول الله: يا جبريل إنه لا بد أن يموت أحدنا، فيقع ساجداً يخفق بجناحيه يقول: سبحانك ربي وبحمدك، أنت القائم الدائم الذي لا يموت، وجبريل الفاني الهالك الميت، فيأخذ الله روحه فيقع على ميكائيل. إن فضل خلقه على ميكائيل كفضل الطود العظيم على الظرب من الظراب.
في بعض الكتب: أن صنفاً من الملائكة لهم ستة أجنحة: فجناحان يلفون بها أجسادهم، وجناحان يطيرون بها في الأمر من أمور الله، وجناحان مرخيان على وجوههم حياء من الله.

علي رضي الله عنه: خلق سبحانه الإسكان سماواته، وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته، خلقاً بديعاً، ملأ بهم فروج فجاجها، وحشا بهم فتوق أجوائها، وبين فجوات تلك الروح زجل المسبحين منهم في حضائر القدس وسترات الحجب، وسرادقات المجد، ووراء ذلك الرجيج الذي تستك منه الأسماع، سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها، فتقف خاسئة على حدودها؛ أنشأهم على صور مختلفات، وأقدار متفلوتات، أولي أجمحة تسبح جلال عزته، لا ينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعه، ولا يدعون أنهم يخلقون شيئاً معه مما انفرد به، بل عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، جعلهم فيما هناك أهل الأمانة على وحيه، وحملهم إلى المرسلين ودائع أمره ونهيه، وعصمهم من ريب الشبهات، فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته، وأمدهم بفوائد المعونة، وأشعر قلوبهم تواضع إخبات السكينة، وفتح لهم أبواباَ ذللاً إلى تماجيده، ونصب لهم مناراً واضحة على أعلام توحيده، لم تثقلهم موصرات الآثام، ولم ترتحلهم عقب الليالي والأيام، ولم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم، ولم تعترك الظنون على معاقد يقينهم، ولا قدحت قادحة الأحن فيما بينهم، ولا سلبتهم الحيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم، وما سكن من عظمته وهيبة جلالته في أثناء صدورهم، ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها على قلوبهم. منهم من هم في خلق الغمام الدلج، وفي عظم الجبال الشمخ، وفي قترة الظلام الأيهم؛ ومنهم من قد خرقت أقدامهم تحوم الأرض السفلي، فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء، وتحتها ريح هفافة تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية، قد استفرغتهم أشغال عبادته، ووصلت حقائق الإيمان بينهم وبين معرفته، وقطعهم الإيقان به إلى الوله إليه، ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره؛ قد ذاقوا حلاوة معرفته، وشربوا بالكأس الروية من محبته، وتمكنت من سويداء قلوبهم وشيجة خيفته، فحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهوهم، ولم ينفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم، ولا أطلق عنهم عظيم الزلفة ربق خشوعهم، ولم يتولهم الإعجاب فيستكثروا ما سلف منهم، ولا تركت لهم استكانة الإجلال نصباً في تعظيم حسناتهم، ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم، ولم تغض رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم، ولم تجف لطول المناجاة اسلات ألسنتهم، ولا ملكتهم الاشغال فتنقطع بهمس الجؤار إليه أصواتهم، ولم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم، ولم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم، لا تعدو على عزيمة جدهم بلادة الغفلات، ولا تنتضل في هممهم خدائع الشهوات، قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم، ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم، لا يقطعون أمد غاية عبادته، ولا يرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته، إلا غلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته، لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فينوا في جدهم، ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السعي على اجتهادهم، ولم يستعظموا ما مضى من أعمالهم، ولو استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم، ولم يختلفوا في ربهم باستحواذ الشيطان عليهم، ولم يفرقهم سوء التقاطع، ولا تولاهم غل التحاسد، ولا تشعبتهم مصارف الريب، ولا اقتسمتهم أخياف الهمم، فهم أسراء إيمان لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول، ولا وني ولا فتور، وليس في أطباق السماوات موضع أهاب إلا عليه ملك ساجد، أو ساع حافد، يزدادون على طول الطاعة بربهم علما، وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظما.
وعنه كرم الله وجهه: فتق ما بين السماوات العلا، فملأهن أطواراً من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الإبدان، ولا غفلة النسيان، ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره. ومنهم الحفظة لعباده، والسدنة لأبواب جنانه، ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناسكة دونه أبصارهم، متلفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة، ولا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، لا يحدونه بأماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر.

وعنه كرم الله وجهه: أسكنتهم سماواتك، ورفعتهم عن أرضك، هم أعلم خلقك بك، وأخوفهم لك، وأقربهم منك، لم يسكنوا الأصلاب، ولم يضمنوا الأرحام ولم يخلقوا من ماء مهين، ولم يشتعبهم ريب المنون، وأنهم على مكانهم منك، ومنزلتهم عندك، وإستجماع أهوائهم فيك، وكثرة طاعتهم لك، وقلة غفلتهم عن أمرك، لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك، لحقروا أعمالهم، ولأزروا على أنفسهم، ولعرفوا أنهم لم يعبدوك حق عبادتك، ولم يطيعوك حق طاعتك.
عابد: طرحنا الحشمة فيما بيننا وبين حفظتنا طرح من لا يؤمن أنهم معه يعملون ما يقول وما يفعل.
ويروى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل لعمر بن عبد العزيز:
ومن الناس من يعيش شقياً ... جيفة الليل غافل اليقظة
أن من كان ذاء حياء ودين ... راقب الله واتقى الحفظة
إنما الناس سائر ومقيم ... فالذي سار للمقيم عظة
أبو العالية: الكردبيون سادة الملائكة، منهم جبريل وميكائيل واسرافيل.
في الكروبي ثلاث مبالغات: الكروب أبلغ من القرب وأقصر مسافة، يقال كربت الشمس أن تغرب، بمعنى كادت، وفعول بناء مبالغة، وياء النسب التي في نحو الأحمري.
يقال لجبريل طاووس الملائكة.
شبث بن ربعي: قال لي المختار بن أبي عبيد: هل لك أن أريك جبريل؟ فادخلني بيتاً في جوف بيت، فإذا أنا بشيخ على سرير قد سقط حاجباه على عينيه، فوثبت عليه، فجعلت أنتف لحيته، فصاح دقني دقني. والدقن بالنبطية اللحية.
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل يتحدثان، تغير وجه جبريل حتى عاد كأنه كركمة، وذلك من حشية الله.
عنه عليه الصلاة والسلام: يطلع عليكم من هذا الفج خير ذي يمن عليه مسحة ملك يعني جرير بن عبد الله البجلي.
عن عبد الله بن مسعود أنه رأى رجالاً من الزط فقال: هؤلاء أشبه من رأيت بالجن في ليلة الجن.
تقول الأعراب: ربما نزلنا بجمع كثير، ورأينا خياما وقبابا وناسا، ثم فقدناهم من ساعتنا، يعتقدون أنهم الجن، وأن تلك خيامهم وقبابهم.
ورأيت للأعاريب من الأعاجيب في باب الجن ما لا يوصف؛ ويقولون من الجن جنس صورته عل نصف صورة الإنسان، واسمه شق، يعرض للمسافر إذا كان وحده فربما أهلكه. ويزعمون أن علقمة بن صفوان لقيه، فتضاربا فخرا ميتين، وأن علقمة وحرب بن أمية من قتلى الجن. قالوا وقالت الجن:
وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر
قالوا: والدليل على أنه من شعر الجن أن أحداً لا يقدر أن ينشده ثلاث مرات متصلة من غير أني يتمتع، ويقدر على تكرار أشق بيت من أبيات الإنس عشر مرات من غير تتمتع.
وقالوا: قتلت الجن سعد بن عبادة بن دليم وسمعموا الهاتف يقول:
قتلنا سيد الخز ... رج سعد بن عبادة
رميناه بسهمي ... ن فلم نخطئ فؤاده
واستهووا عمرو بن عدي اللخمي الملك الذي يقال فيه: شب عمرو عن الطوق، ثم ردوه على جذيمة الأبرش بعد سنين.
واستهووا عمارة بن الوليد بن المغيرة ونفخوا في احليله فصار مع الوحش.
وروا عن عبد الله بن فائد، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خرافة رجل من عذرة استهوته الشياطين، وسمع من يقول: هذا حديث خرافة، فقال: لا وخرافة حق.
ويزعمون أن الطاعة طعن من الشياطين، ويسمون الطاعون رماح الجن؛ قال الأسدي للحارث الغساني.
لعمرك ما خشيت على أبي ... رماح بني مقيدة الحمار
ولكني خشيت على أبي ... رماح الجن أو إياك حار
إذا قالوا: جنة عبقر قصدوا بهذه النسبة زيادة الخبث والعرام. قال حاتم الطائي:
عليهن فتيان كجنة عبقر ... يهزون بالأيدي الوشيج المقوما
ومن ثم قال بعض العرب: ظلمني فلان ظلماً عبقرياً. وقال: ظلم لعمر الله عبقري.
وقال عليه السلام: فلم أر عبقرياً يفري فريه.
يقال للشعراء كلاب الجن، قال عمرو بن كلثوم:
وقد هرت كلاب الجن منا ... وشذبنا قتادة من يلينا
وذلك لزعمهم أن الشياطين تلقي الشعر على أفواههم؛ وسموا الملقي نابغة ورثيا.
قال جرير:
إني ليلقى على الشعر مكتهل ... من الشياطين إبليس الإباليس
سمعوا توابعهم بأعلام قالوا كان للأعشى مسحل، ولعمرو بن قطن جهنم وللفرزدق عمرو، ولبشار شنقناق.

يقال للخلعاء والمجان جند إبليس، قال:
وكنت فتى من جند إبليس فارتقت ... بي الحال حتى صار إبليس من جندي
كان في زمن الحجاج رجل يعرف بعبد الله بن خلال مشعبذ، وكان يدعي أن إبليس يتراءى له ويطلعه على أسراره، فسمي بصديق إبليس، فقال الحجاج ليحيى بن سعيد بن العاص: أخبرني عبد الله بن خلال صديق إبليس أنك تشبه إبليس، فقال: وما ينكر الأمير ان يكون سيد الأنس يشبه سيد الجن!! فعجب من قوة جوابه.
يقال للشعر رقى الشيطان قال جرير في عمر بن عبد العزيز:
رأيت رقي الشيطان لا تستفزه ... وقد كان شيطاني من الجن راقيا
وكذلك كل ما يتكلم به من كلمات الخلابة والتجميش، قال:
ماذا تظن بسلمى إذ يلم بها ... مرجل الرأي ذو بردين وضاح
خز عمامته حلو فكاهته ... في كفه من رقى إبليس مفتاح
لما بلغ عبد الله بن الزبير خبر فتك عبد الملك بن مروان بعمرو بن سعيد الأشدق قال في خطبته: بلغنا أن أبا الذبان قتل لطيم الشيطان، وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون يقال لمن به لقوة لطيم الشيطان وكان عمرو ملقوا.
عن أبي عبيدة: قدمت على الفضل ابن الربيع حين استوزر، فضحك إلي واستدناني، ثم ساءلني وألطف بي، واستنشدني، فأنشدته عيون أشعار جاهلية، فقال: قد عرفت أكثرها، وأريد من ملح الشعر؛ فأنشدته، فطرب لها، ثم دخل رجل في زي الكتاب فأقعده إلى جانبي، وقال له: أتعرفه؟ اقل: لا، قال: هذا علامة أهل البصرة أبو عبيدة، وأقدمناه لنستفيد من علمه، فشكر له الرجل، ودعا له، وقال: إني كنت مشتاقا إليك، وقد سئلت عن مسألة، أفتأذن لي أن أعرفكها؟ قلت: هات، قال: قال الله تعالى طلعها كأنه رؤوس الشياطين وإنما يقع الوعد والإيعاد بما عرف. فقلت هو على كلام العرب، أما سمعت قول امرئ القيس:
أتقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وهم لم يروا الغول، ولكن لما كان أمر الغول يهولهم أو عدوا به، فاستحسنه الفضل والرجل، واعتقدت منه أن أضع كتاباً في نحو ذلك، فعملت فيه كتابي الذي سميته كتاب المجاز.
يقال: أدركته أصابع الشيطان إذا تكبر بعد العمل، وقالوا: من ولاه السلطان صبعه الشيطان، قال:
قد كنت أكرم صاحب وأبره ... حتى دهتك أصابع الشيطان
جذ الآله بنانها وأبانها ... كم غيرت خلقاً من الإنسان
أبو مرة، وأبو قترة وأبو الجن كنى إبليس، قال ابن الحجاج:
فم أتلاقينا سوى مرة ... حتى أتى الشيخ أبو مرة
قالوا: الشيخ النجدي الذي ظهر إبليس على صورته، فأشار على قريش بان يكونوا سيفاً واحداً على النبي صلى الله عليه وسلم كانت كنيته أبا مرة فكني به إبليس.
وقال الفرزدق:
ألا ربما أن تبت أوضع ناقتي ... أبو الجن إبليس بغير خطام
علي رضي الله عنه: اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا، واتخذهم له أشراكاً فباض وفرخ في صدورهم، ودرج في جحورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل، وزين لهم الخطل، فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه، ونطق بالباطل على لسانه.
عمر بن عبد العزيز قال: أن رجلاً سأل ربه أن يريه موقع الشيطان من قلب ابن آدم، رأى فيما يرى النائم جسد رجل منهي يرى داخله من خارجه، وأرى الشيطان في صورة ضفدع، له خرطوم كخرطوم البعوضة، قد أدخله من منكبه الإيسر إلى قلبه يوسوس إليه، فإذا ذكر الله خنس.
ممهى قلب مموه، مجعول ماء ي رقته وشفيفه، وقيل مصفى أشبه المها وهو البلور.
علي بن الحسين: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتته صفية فحدثته فلما انصرفت قام عليه الصلاة والسلام يمشي معها، فمر به رجلان من الأنصار فسلما ثم مضيا، فدعاهما فقال: أن هذه صفية بنت حيي؛ قالا: يا رسول الله وهل نظن بك إلا خيرا؟ قال: فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وقد خشيت عليكما.
أبو هريرة يرفعه: ما من رجل يخرج من بيتهن إلا وعلى بابه رايتان: راية بيد ملك، وراية بيد شيطان، فإن خرج في طاعة الله تبعه الملك برايته حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج فيما يكره الله تبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع.

بريدة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يخرج رجل شيئاً من الصدقة حتى يفك عنه لحيى سبعين شيطاناً.
شرب أبو جندل الخمر بالشام فحبس عنه أبو عبيدة بن الجراح عطاءه؛ فكتب إليه عمر: أما بعد فإني لا أخالك إلا وقد كنت عونا للشيطان على أخيك، فإذا أتاك كتابي هذا فرد عليه عطاءه. وكتب إلى أبي جندل: حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب الشديد العقاب.
ابن عباس: أتاه رجل فقال: نذرت أن أبيت على قعيقعان عرياناً حتى أصبح، فقال ابن عباس: انظروا إلى هذا، أراد الشيطان أن يكشف عورته ثم يضحك منه هو وأصحابه، انطلق فالبس ثيابك ثم صل عليه حتى تصبح.
قال رجل للفضل بن مروان: أن فلاناً يقع فيك؛ قال: لأغيظن من أمره، يغفر الله لي وله؛ قيل من أمره؟ قال: الشيطان.
مكحول: أن الرجل يعمل في السر، فيطلبه الشيطان حتى يتحدث به، فيمحى من السر ويكتب في العلانية، ثم يطلبه الشيطان حتى يرائي به، فيمحى ويكتب عليه.
قوط الملائكة: صدع في صخرة عظيمة قرب آمد، تخرج منه عين حوارة.
القوط بلسانهم الفرج.
أبو يحيى كنيه ملك الموت، ويقال: أصابت فلاناً حراب أبي يحيى إذا احتضر؛ والحراب: مثل في مقدمات الموت.
ليس شيء مما له رجلان يلد حيوانا إلا الإنسان وحده.
علي رضي الله عنه في وصف اختلاف الناس: إنما فرق بينهم مبادي صينهم، وذلك أنهم كانوا فلقة من سبخ أرض وعذبها، وحزونة تربة وسهلها، فهم حسب قرب أرضهم يتقاربون، وعلى قدر اختلافها يتفاوتون، فتام الرواء ناقص العقل ماد القامة قصير الهمة، وظاكي العمل قبيح المنظر، وقريب القعر بعيد السبر، ومعروف الضريبة منكر الجليبة، وتائه القلب متفرق اللب، وطليق اللسان حديد الجنان.
وعنه كرم الله وجهه: جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها، تربة سنها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت، فجعل منها صورة ذات أحناء ووصول، وأعضاء وفصول، أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى صلصلت، لوقت معدود، وأجل معلوم، ثم نفخ فيها من روحه مثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدرات يقبلها، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل، وبين الأذواق والمشام، والألوان والأجناس، معجوناً بطينته الألوان المختلفة والأشباه المؤتلفة، والأضداد المتعادية، والإخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة والجمود، والمساءة والسرور.
وعنه: تموز في بطن أمك جنينا، لا تحير دعاء، ولا تسمع نداء، ثم أخرجت من عقرك إلى دار لم تشهدها، ولم تعرف سبل منافعها، فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمك، وحرك عند الحاجة مواضع طلبك.
ابن اسحق: يقال خلق الله آدم، ثم وضعه ينظر إليه أربعين عاماً قبل أن ينفخ فيه الروح، حتى عاد صلصالاً كالفخار ولم تسمه نار. وعن ابن عباس وغيره: ثم أخذ ضلعاً من أضلاعه، من شقه الأيسر، وآدم نائم لم يهب من نومته حتى خلق منه حواء، فلما هب رآها إلى جانبه فقال: لحمي ودمي وزوجي فسكن إليها.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما خلقت المرأة من ضلع، فإذا ذهبت تقيمها كسرتها، وإن رفقت بها استمتعت بها وفيها عوج.
وعن مجاهد: خلقت من قصيراه.
كان على عهد كسرى رجل يقول: من يشتري مني ثلاث كلمات بألف دينار؟ فيطنز به؛ حتى اتصل خبره بكسرى فطلبه وأحضر المال، فقال الرجل: ليس في الناس كلهم خير، فقال كسرى: زه، قال: ولا بد منهم، قال: زه، قال فالبسهم على قدر ذلك، قال زه؛ قال: قد استوجبت المال فخذه، فأبى، فقال فلم طلبته؟ قال: كنت أحب أن أرى من يشتري الحكمة بالمال.
قال عدي بن زيد العبادي وكان نصرانياً من أهل الحيرة:
ضى لستة أيام خلائقه ... وكان آخر شيء صور الرجلا
فأخذ الله من طين فصوره ... لما رأى أنه قد تم واعتدلا
دعاه آدم صوتاً فاستجاب له ... فنفخ الروح في الجسم الذي جبلا
ثمت أورثه الفردوس يعمرها ... وروجه ضلعه من جنبه جعلا
ثمت لم ينهه عن غير واحدة ... من شجر طيب أن شم أو أكلا
فعمدا للتي عن أكلها زجرا ... بأمر حواء إذا لم تحذر الدغلا
كلاهما خاط إذا بزا لباسهما ... من أورق التين ثوباً لم يكن غزلا

ابن اسحق: كان مهبطهما على جبل يقال له داسم، من أرض الهند بين الدهنج والمندل، وهما قريبان، ومن تربة هذا الجبل خلق آدم فيما يقال. وكان آدم يغشى حواء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت يقابيل بن آدم وتوأمته. فلم تجد عليهما وحماً ولا وصبا ولا طلقاً حين ولدتهما ولادماً لطهرة الجنة، فلما أصابا المعصية وأهبطهما إلى الأرض حملت بهابيل وتوأمته فوجدت الوحم والوصب والطلق والدم.
عبد الحميد الكاتب: الناس أخياف مختلفون، وآطوار متباينون، فمنهم علق مضنة لا يباع، وغل مظنة لا يبتاع.
النبي صلى الله عليه وسلم: خزائن الخير والشر مفاتيحها الرجال.
الناس كلاب، فإذا وجدت سلوقياًفاحتفظ به.
مقاتل: من الأنبياء أربعة أحياء: اثنان في السماء عيسى وإدريس، واثنان في الأرض الياس والخضر؛ فالياس في البر، والخضر في البحر، وهما يجتمعان كل ليلة على ردم ذي القرنين يحرسانه، ويحجان كل عام، ولا يراهما إلا من شاء الله، وأكلهما الكرفس والكماة.
كان يقال: اختص الله العرب بأربع: العمائم تيجانها، والحبى حيطانها، والسيوف سيجانها، والشعر ديوانها.
علي رضي الله عنه في وصف الترك: كأني أراهم قوماً كأن وجوههم المجان المطرقة ويلبسون السرق والديباج، ويعتقبون الخيل العتاق، ويكون هناك استحرار قتل، حتى يمشي المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقل من المأسور.
النبي صلى الله عليه وسلم: دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم.
أبو هريرة، يرفعه: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً نعالهم الشعر، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً صغار الأعين، ذلف الأنف، كأن وجوههم المجان المطرقة.
الكلاب تقول: في الناس من هو أكلب منا، ولكن سبق الأسم لنا.
أبو الدرداء يقول: اتقوا واحذروا الناس، فإنهم ما ركبوا ظهر بعير إلا أدبروه، ولا ظهر جواد إلا عقروه، ولا قلب مؤمن إلا خربوه.
علي، رفعه: يقول الله: يا ابن آدم ما تنصفني، أتحبب إليك بالنعم وتتمقت إلي بالمعاصي، خيري إليك منزل، وشرك إلي صاعد، ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح؛ يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تعلم الموصوف لأسرعت إلى مقته.
كان أبو مسلم الخولاني يقول: كان الناس ورقا لا شوك فيه، وأنتم اليوم شوك لا ورق فيه.
الأوزاعي: لو لم تكن جنة ولا نار إلا أنهما داران، دار فيها الملائكة، والمرسلون، والصديقون، والشهداء، والصالحون، ودار فيها إبليس، والشياطين، وفرعون، وهامان، وقارون، فمع من تريد أن تكون؟ أبو سليمان: شيطان الجن أهون علي من شيطان الإنس، شيطان الإنس يتعلق بي فيدخلني في المعصية، وشيطان الجن إذا تعوذت منه حنس عني.
قيل لراهب: ما الذي علا بك في هذه الصومعة؟ قال: وثبت وثبة الأكياس من فخ إبليس.
شكى رجل إلى أبي سليمان الوسواس، قال: إذا أحسست به فافرح، فإنك أن فرحت انقطع عنك، إنه لا شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، فإن اغتممت زادك منه.
علي رضي الله عنه: الناس منقوصون مدخولون إلا من عصم الله، سائلهم متعنت، ومجبيبهم متكلف، يكاد أفضلهم رأيا يرده عن فضل رأيه الرضا والسخط، ويكاد أصلبهم عودا تنكأ اللحظة، وتحيله الكلمة.

وعنه في ذكر إبليس: اعترضته الحمية، فافتخر على آدم بخلقه، ونعصب عليه لأصله، فعدو الله أمام المتعصبين، وسلف المتكبرين، الذي وضع أساس العصبية، ونازع الله رداء الجبرية، وادرع لباس التعزز، وخلع رداء التذلل، ألا ترون كيف صغره الله بتكبره، ووضعه بترفعه، فجعله في الدنيا مدحوراً، وأعد له في الآخرة سعيراً، ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه، ويبهر العقول رداؤه، وطيب يأخذ الأنفاس عرفه، لفعل، ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة، ولخفت البلوى فيه على الملائكة، ولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزاً بالاختبار لهم، ونفيا للأستكبار عنهم، وأبعاداً للخيلاء منهم؛ فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس، إذ احبط علمه الطويل، وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة، ولا ندري أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة، عن كبر ساعة واحدة؛ فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته؟ كلا ما كان الله ليدخل إلى الجنة بشراً بأمر أخرج به منها ملكاً، أن حكمه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين.
في متعصب للعجم:
يصيخ لكسرى حين يسمع ذكره ... بصماء عن ذكر النبي صدوف
ويعجبه أخبار كسرى ورهطه ... وما هو في أعلاجهم بشريف
قال معاوية للأحنف: صف لي الناس وأوجز، قال: رؤوس رفعهم الخط، وأكاف عظمهم التدبير، وأعجاز شهرهم المال، وأذناب ألحقهم بهم الأدب؛ ثم الناس بعدهم أشباه البهائم، أن شبعوا ناموا، وإن جاعوا استاموا.
في تكاذبهم: الضب قاضي الطير والبهائم، ويقولون: إنها اجتمعت إليه أول ما خلق الإنسان، فوصفوه له، فقال: تصفون خلقا ينزل الطير من السماء، ويخرج الحوت من الماء، فمن كان ذا جناح فليطر، ومن كن ذا مخلب فليحفر.
النبي صلى الله عليه وسلم: من عباده خيرتان، فخيرته من العرب قريش، ومن العجم فارس.
وكان يقال لعلي بن الحسين ابن الخيرتين لأن أمه سلافة كانت من ولد يزدجرد.
الحسن: عربي مقتصد أحب إلي من مولى مجتهد.
ابن عباس: يأجوج ومأجوج شبر وشبران وثلاثة أشبار، وهم ولد آدم.
كانت الصحابة يقولون: أن الشياطين ليجتمعون على القلب كما يجتمع الذبان على القرحة، فإن لم تذب وقع الفساد.
عبد الله بن عمر: ربع من لا يلبس الثياب من السودان أكثر من جميع الناس.
لما خلق آدم جاء النسر إلى الحوت فقال: رأيت اليوم خلقاً لينزلني من وكري، وليخرجنك من البحر.
أبو هريرة، رفعه: أن الله خلق الخلق أربعة أصناف: الملائكة والشياطين، والأنس، والجن، ثم جعل هؤلاء عشرة أجزاء: فتسعة منهم الملائكة، وجزء واحد الشياطين والجن والأنس، ثم جعل الجن والأنس عشرة أجزاء فتسعة منهم الجن وجزء واحد الإنس.
بابالأنفة والأباء والحمية والأجارة والأغاثة والنصرة والذب عن الحريم والغيرة وغير ذلك لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، أراد أن يتألف أبا سفان ويريه كرم القدرة فقال: من دهل الكعبة فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن؛ فقال أداري يا رسول الله أداري؟ قال: نعم دارك.
وعن أبي المظفر ناصر بن ناصر الدين أنه لما فتح سرخس قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، يعني أبا سفيان القاضي السرخسي، فاستحسنها الناس منه.
علي رضي عنه: من أحد سنان الغضب لله قوي على قتل اشداء الباطل.
وعنه: من كفارات الذنوب العظام أغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب.
أخرج كنانة بن الربيع العبشمي زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فعرض لها هبار بن الأسود فرماه كنانة بسهم وأفلت وقال:
عجبت لهبار وأوباش قومه ... يريدون اخفاري ببنت محمد
ولست أبالي ما بقيت ضجيجهم ... إذا اجتمعت يوما يدي بالمهند
نزل الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بقوم فقروه، فأغير على بعضهم، فركب في نفر معه فاستقذهم وقال:
نادتهم حين صموا عن مناشدتي ... صم القنا زعزعت أطرافه الخرق
وكم ترى يوم ذاكم من مولولة ... إنسان مقلتها في دمعها غرق
==============================ج2...................... 
  كتاب : ربيع الأبرار

المؤلف : الزمخشري

خرج قيس بن زهير في زمن الجدب ممتاراً، فبصر بنار فأمها، ثم أبت نفسه ذل المسألة، فصار إلى شجرة ذات سم فأكل من ورقها، ثم مال غلى الوادي فنام في الشمس ومات.
عمرو بن براقة الهمداني:
متى تجمع القلب الذكي وصارماً ... وأنفاً حمياً تجتنبك المظالم
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالم
ابن أبي فنن:
جعلتك حصناً دون كل ملمة ... تخاوص عيناها ويصرف نابها
فلبيت لما أن دعوت مشمراً ... ولا خير في ذي دعوة لا يجابها
أعرابي:
قوض خيامك والتمس بلداً ... ينأى عن الفاشيك بالظلم
أو شد شدة بيهس فعسى ... أن يتقوك بصفحة السلم
علي رضي عنه: وأكرم نفسك عن كل دنية وأن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لا تعتاض بنا تبذل من نفسك عوضاً، ولا تكن بعد غيرك وقد جعلك الله حراً.
استنصر سبيع بن الخطيم التيمي زيد الفوارس الضبي فنصره فقال:
نبهت زيداً فلم أفزع إلى وكل ... رب السلاح ولا في الحي مغمور
سالت عليه شعاب الحي حين دعا ... أنصاره بوجوه كالدنانير
عبد الله بن أبي الهداد في ثابت بن يحيى وزير المأمون:
إذا ما زمان السوء مال بركنه ... علينا عدلناه بإحسان ثابت
كريم يفوت الناس مجداً وسؤدداً ... وليس الذي نرجوه منه بفائت
كلم عمر بن عبد العزيز أموياً أمه مرية فقال: قبح الله شبها غلب عليك من بني مرة، فبلغ عقيل بن علفة المرى وهو بجنفاء، من المدينة على أميال. فقدم على عمر بدير سمعان فقال: بلغني أنك غضبت على فتى من بني أبيك فقلت قبح لله شبهاً غلب عليك من بني مرة، وأنا اقول: قبح الله ألأم طرفيه. فقال عمر: دع ذا وهات حاجتك، قال: لا والله مالي حاجة غيرها وولى راجعا، فقال عمر: سبحان الله! من رأى مثل هذا الشيخ؟ سعد بن قرط العبقسي:
لما رأيت الموت لا ستر دونه ... يحوم على هامات بكر بن وائل
عطفت عليهم مهرة أعوجية ... وناديت عبد القيس دون القبائل
فجاءوا كأسد الغاب في مرجنة ... لها ذمرات بالقنا والمناصل
ففرجت عن بكر وكانت بحالة ... مخنقة للقوم ذات غوائل
لأني وبكراً من ربيعة في الذرى ... إذا حصل الأقوام أهل الفضائل
قدم مكة في الجاهلية قيس بن نشبة السلمى ابن عم العباس بن مرداس بابل له فباعها من أبي خلف الجمحي فمطله الثمن، فجعل قيس يطوف في مجالس قريش ويقول:
يا آل فهر كيف هذا في الحرم ... وحرمة البيت وأخلاق الكرم
أظلم لا يدفع عني من ظلم
فأمره العباس بن مرداس أن يستنصره بالعباس بن عبد المطلب ففعل، فاستخرج له حقه وقال:
رعيت لقيس حقه وذمامه ... وأوليت فهي الرغم من كان راغما
سأمنعه ما دمت حياً وإن أمت ... أحض عليه للتناصر هاشما
فقال ابن قيس لابن عباس في الإسلام:
أحبكم في الجاهلية والدي ... وفي الدين كنتم عدتي ورجائيا
فصرت بحبي منكم غير مبعد ... لديكم وأصبحت الصديق المصافيا
وآليت لا أنفك أحدو قصيدة ... تمد بها بزل الجمال الهواديا
وقد زياد الأعجم على المهلب بن أبي صفرة وهو يقاتل الأزارقة بتوج فأكرمه وأنزله على ابنه حبيب، وقال له أحسن قراه، فبينا هما في بستان إذ غنت حمامة على فنن، فطرب لها زياد، فقال له حبيب: أنها فاقدة ألف كنت أراه معها، فقال زياد: هو أشد لشوقها، وأنشأ يقول:
تغني أنت في ذممي وعهدي ... وذمة والدي أن لا تضاري
فإنك كلما غردت صوتاً ... ذكرت أحبتي وذكرت داري
فأما يقتلوك طلبت ثاراً ... لأنك يا حمامة في جواري
فضحك حبيب ودعا بجلاهق فرماها، فسقطت يمتة، فنهض زياد مغضباً وقال: أخفرت أبا بسطام ذمتي وقتلت جاري، فشكا إلى المهلب، فعضب وقال لحبيب: أما علمت أن جار أبي أمامة جاري، وذمته ذمتي، والله لا لزمتك دية الحر والعبد، وأخذها من ماله، ودفعها إلى زياد، فقال:

فلله عينا من رأى كقضية ... قضى لي بها شيخ العراق المهلب
قضى ألف دينار لجار أجرته ... من الطير إذ يبكى شجاه ويندب
فرفع خبره إلى الحجاج فقال: لشيء ما سودت العرب المهلب، ويروى: ما أخطأت العرب حين جعلت المهلب رجلها.
سقط الجراد قريباً من بيت أبي حنبل جارية بن مر، فجاء الحي فقالوا: نريد جارك، فقال: أما إذ جعلتموه جاري فوالله لا تصلون غلي؛ فأجاره حتى طار من عنده، فسمي مجير الجراد؛ وفي ذلك يقول هلال بن معاوية الثعلبي:
وبالجبلين لنا معقل ... صعدنا إليه بصم الصعاد
ملكناه في أوليات الزمان ... من قبل نوح ومن قبل عاد
ومنا ابن مر أبو حنبل ... أجار من الناس رجل الجراد
وزيد لنا ولنا حاتم ... غياث الورى في السنين الشداد
كتب عثمان رضي الله عنه إلى علي عليه السلام يوم الدار: أما بعد فقد بلغ السيل الزبى، وبلغ الحزام الطبيين، فأقبل إلي، كنت لي أم علي
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق
زهير الأزدي:
كفوء وذادوا بالوشيج وراءه ... تميم وأهل السر ن غطفان
ولو بسواهم كان إذ شاط لحمه ... أناخ لقد زلت به القدمان
وله:
فإن كنت تبغي للظلامة مركباً ... ذلولاً فأنى ليس عندي بعيرها
نشأت هسيراً لاتلين عريكتي ... ولا يستقر فوق ظهري كورها
علق عيينة بن أسماء الغزاوي جارية، فشكا وجده بها إلى أخيه مالك بن أسماء، وكان مالك أوجد بها منه فقال:
أعيين خلا إذ شغفت بها ... كنت استعنت بفارغ العقل
أقبلت ترجو الغوث من قبلي ... والمستغاث إليه في شغل
أراد النعمان بن المنذر قتل الفظ بن مالك الغساني حين هجاه فاستوهبه عمرو بن معدي كرب فقال الفظ:
تداركني من مذحج ... وسيف أبي قابوس يستقطر الدما
وكنت الذي تثنى الخناصر باسمه ... وكنت إلى دفع المنية سلما
يغار عليه من ظله، ويحسد قميصه على مماسة جسده.
كان لعبد العزيز بن أبي دلف جارية يرى الدنيا بعينها فضرب عنقها وقال: خفت أن أموت من حبها، فتنام هي بعدي تحت غيري.
زوج عمر بن عبد العزيز بنتاً له، فقال لامرأته فاطمة بنت عبد الملك: علمي هذه الصبية ما كنت تعلمين، أي ما كنت أعجب به منك، قالت: أو ما تغار؟ قال: إنما الغيرة في الحرام، فأما الحلال فلا، أبعد قول رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة لا تعجلا حتى أدخل عليكما.
قالوا قليل عدده ... من غار قل ولده
سمع الحجاج قول عيينة بن الحكم الخلجي:
خلت البصرة من أقذائها ... وخلونا بالرعابيب الخرد
وكان جميلاً غزلا، فسيره عن البصرة إلى خراسان.
علي رضي عنه: ما زنى غيور قط. وعنه غيرة المرأة كفر، وغيرة الرجل إيمان.
الخليع البصري:
وموشح نازعت فضل وشاحه ... وكسوته من ساعدي وشاحا
ترك الغيور يعط جلدة وجهه ... وأمال أعطافا علي ملاحا
قالت بنت النعمان بن بشير لروح بن زنباع: أنك لغيور، فقال: أن المرء العاقل لحقيق أن يغار على حمقاء ورهاء مثلك، لا يأمن أن تأتي بولد من غيره فتقذفه في حجره.
المأمون: الغيرة بهيمية، وضرب من البخل.
ابن المدبر في عبيد الله بن يحيى بن خاقان:
معاذي وجاري وجهك اليوم إنه ... هو الوجه من يبغي به النجح ينجح
وعدلك مبسوط وأمنك شامل ... وحلمك من ثهلان أوفى وأرجح
نوح بن عمرو بن حوي السكسكي في مولى دفع عنه:
ومولى دفعت الضيم عنى بشخصه ... وأبيض من ماء الحديد مجرب
فأقدم والرمح الطويل يكفه ... وعرد عني يوم ذاك بنو أبي
وكر حفاظاً خشية العار مقدما ... وصمم تصميم الحسام المشطب
فقام بحق الروع يوم جلاده ... حسامان ركابا قرى المتهيب
أراد بالحسامين مولاه وسيفه الذي ذب به عنه.
فمولاك لا تفقد نوالك انه ... شريكك في الهيجا وناصرك الأبي

موسى بن حكيم العيشمي:
دعاني عوف دعوة فأجبته ... ومن ذا الذي يدعى لنائبة بعدي
فلو بي بدأتم قبل من دعوتم ... لفرجت عنكم كل نائبة وحدي
إذا ما عدو غاظني ثم أجحفت ... به نكبة حلت رزيته حقدي
محمد بن أحمد بن سوار الطائي:
وليس لمروان على العرس غيرة ... ولكن مروانا يغار على القدر
هجا الفرزدق ذو الاهدام الكلابي، فقال الفرزدق:
ونبئت ذا الأهدام يعوى ودونه ... من الشام زراعاتها وقصورها
فعاذت أمه بقبر غالب فقال:
عجوز تصلى الخمس عاذت بغالب ... فلا والذي عاذت به لا أضيرها
أتقى لفح النار، بالكبريت والقار؛ إذا استغاث بمن يستضر به.
ويقال: استكف النار بالحلفاء.
أبو عزة القشيري:
لو كنت من رهط الأصم بن مالك ... أو الخلعاء أو زهير بني عبس
إذا دافعت عني يد مضرية ... ولم يرهب الجاني الذي جر بالأمس
سراقة بن مرداس السلمي أخو العباس، وقد جاور غنيا فحمدهم:
كأني من رماح بني غني ... بخيسة أسد عشر أو يريم
وأسقي من غني في زجاج ... يضيء شعاعه وجه النديم
عبيد الله بن زياد حين أجارته الأزد بعد يزيد بن معاوية:
فقل للأزد دارك خير دار ... وزندك في العلا أورى زناد
جزيتم عن عبيد الله خيراً ... وقبل بني زياد عن زياد
حللتم داره فمنعتموه ... بسمر الخط والبيض الحداد
وكنتم عند ظني حين ضاقت ... علي برحبها سعة البلاد
بعث ملك الحبشة إلى عبد المطلب يأمره بأن يدين له، وكانت مكة لقاحاً، فقال:
إنا أناس لا ندين بأرضنا ... عض الرسول ببظر أم المرسل
الرسول صلى الله عليه وسلم: من ذب عن عرض أخيه كان ذلك له حجاباً من النار.
محرز بن نجدة الخفاجي:
إذا القوم ساموني يداً لا أريدها ... أبي خلق لي مينع الضيم أشوس
وإني متى أركب سوى الحق خطة ... منوع رضا القوم المعادين أليس
كان أبو سفيان إذا نزل به جار قال له: يا هذا إنك قد أخترتني جاراً، واخترت داري داراً، فجناية يدك علي دونك، وإن جنت عليك يد فاحتكم علي حكم الصبي على أهله؛ ويوشك أن يكون هذا من الأسباب الموصلة إلى أن شرف بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
أصابت أهل البادية قحمة شديدة فخرج الفرزدق إلى الوليد بن عبد الملك وامتدحه بقصيدة فيها:
وكم من مناد والشريفان دونه ... إلى الله يشكو والوليد مفاقره
وقالوا أغثنا إن بلغت بدعوة ... لنا عند خير الناس إنك زائره
فقال له الوليد حاجتك؟ قال: تملأ لي إبلا قمحا، وإبلا زيتا، وإبلا دراهم، فأفرقها في أهل البوادي، من بابك إلى اليمامة، وتكتب إلى عمالك كلما نفد منها شيء أعيد لي؛ ففعل، فقسم الفرزدق ذلك حتى انتهى إلى اليمامة.
لما حبس خالد بن عبد الله عمر بن خبيرة، ونقب له السجن فهرب، قصد إلى مسلمة بالشام، وقد كان بينهما تباعد، وذلك أن عمر كان قد احتال حتى عزل مسلمة عن العراق وولي مكانه، فدخل عليه وهو قائل، فانتبه فقال: ابن خبيرة؟ قال: نعم.
وإذا يصيبك والحوادث جمة ... حدث حداك إلى أخيك الأوثق
فركب مسلمة إلى هشام من ساعته، فقال: يا أبا سعيد ما أعملك إلينا؟ فقال: يا أمير المؤمنين أكان أحد من قريش يمد يده إلى شيء إلا نمد إليه أيدينا؟ قال: لا والله؛ قال: فهل نلنا ذلك إلا بالوفاء؟ قال: أجل؛ فقال: إن عمر بن هبيرة لجأ إلي فجعلت له ذمة الله وذمة أمير المؤمنين عبد الملك وذمتك وذمتي، قال أجرنا من أجرت، قال: فرد عليه ماله، فأمر له بمائة ألف، وانصرف مسلمة وضم إليه خمسين ألفا وحمله.

وفد يحيى بن عروة بن الزبير على عبد الملك فذكر حاجبه عبد الله بن الزبير فنال منه، فضرب وجهه حتى أدمى نفسه، فقال له عبد الملك من فعل بك؟ قال: يحيى، قال: أدخله وكان متكئاً فجلس، وقال: ما حملك على ما صنعت بحاجبي؟ قال: يا أمير المؤمنين عمي عبد الله كن أحسن جواراً لعمتك منك لنا، والله إن كان ليوصي أهل ناحيته إن لا يسمعوها فدعا، وإن كان يقول لها من سب أهلك فسبي أهله؛ أنا والله المعم المخول تفرقت العرب عن عمي وخالي، وكنت كما قال الأول:
يداه أصابت هذه حتف هذه ... فلم تجد الأخرى عليها تقدما
فرجع عبد الملك إلى متكئه، ولم يزل يعرف فيه الإكرام ليحيى. هو من جهة أمه أموي، أمه بنت الحكم بن أبي العاص عمة عبد الملك.
قال ابن الزبير في خطبته بعد قتل مصعب: والله لوددت أن الأرض قأتني عنده حين لفظ غصته، وقضى نحبه.
خذيه فجريه ضباع وقضقضي ... عظام امرئ قد غاب بالأمس ناصره.
لما وجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لاستباحة أهل المدينة، ضم علي بن الحسين إلى نفسه أربع مائة منافية بحشمهن يعولهن إلى أن تقوض جيش مسلم، فقال امرأة منهن: ما عشت والله بين أبوي مثل ذلك التريف.

باب
الإخاء، والمحبة، والصحبة، والألف، وما يقع بين الأخوان من الجفوة، والمصارحة، وذكر الحب والبغض في الله والجوار النبي صلى الله عليه وسلم: اكثروا من الإخوان، فإن ربكم حيي كريم يستحي أن يعذب عبده بين إخوانه يوم القيامة.
وعنه عليه الصلاة والسلام: من نظر إلى أخيه نظرة المودة، ولم يكن في قلبه عليه أحنة لم يطرف حتى يغفر الله له ما تقدم من ذنبه.
علي رضي الله عنه: من كان له صديق حميم فإنه لا يعذب، ألا ترى كيف أخبر الله عن أهل النار فما لنا من شافعين ولا صديق حميم.
علي رضي الله عنه: لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، وغيبته ووفاته.
وعنه: أعجز الناس من عجز عن اكتساب الأخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم.
عمر رضي الله عنه: ثلاث يثبتن الود لك في صدر أخيك: أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه.
تكثر من الأخوان ما استطعت أنهم ... عماد إذا استنجدتهم وظهور
فليس كثيراً ألف خل وصاحب ... وإن عدواً واحداً لكثير
حكيم: سلوا القلوب عن المودات فإنها شهود لا تقبل الرشا.
ابن عرفة:
حسبي بقلبك شاهداً لي في الهوى ... والقلب أعدل شاهد يستشهد
كتب رجل إلى أخ له: إنك من جوارحي يميني، ومن سوانحي يقيني.
وكتب آخر: ما انفكت عن ودك، ولا انفركت عن عهدك.
كان عمر بن عبد العزيز ينشد:
وإذا أخ لي حال عن خلق ... داويت منه ذاك بالرفق
إني لأمنح من يواصلني ... مني صفاء ليس بالمذق
والمرء يصنع نفسه ومتى ... ما تبله يفزع إلى العرق
علي رضي الله عنه: الصديق من صدق غيبه.
الأصمعي: دخلت على الخليل وهو جالس على حصير صغير، فأشار علي بالجلوس، فقلت: أضيق عليك، فقال: مه أن الدنيا بأسرها لا تسع متباغضين، وأن شبراً في شبر يسع متحابين.
الخليل: الرجل بلا صديق كاليمين بلا شمال.
قال رجل لابن المقفع: أنا بالصديق آنس مني بالأخ، قال: صدقت، الصديق نسيب الروح، والأخ نسيب الجسم.
قال محمد بن علي الباقر: أيدخل أحدكم في كم صاحبه فيأخذ حاجته من الدنانير والدراهم؟ قالوا: لا، قال: فلستم بإخوان إذن. إبراهيم بن العباس:
فأنت مني النفس من بينهم ... وأنت الحبيب وأنت المطاع
فما منك أن بعدوا وحدة ... ولا منهم إن بعدت اجتماع
كاتب:
ثلاثة أصفيتهم اخائي ... كأنهم كواكب الجوزاء
عطارديون يرون رائي ... كأنما أهواؤهم أهوائي
أعرابي: ودك عندي لا ينضى ملبوسه، ولا يتوى محروسه، ولا يذوى مغروسه.
جعفر بن محمد: صحبة عشرين يوماً قرابة.
قال رجل لضيغم العابد: اشتهيي أن اشتري داراً في جوارك حتى ألقاك، قال: المودة التي يفسدها تراخي اللقاء مدخولة.
كتب رجل إلى أخ له: أما بعد فإن كان أخوان الثقة كثيراً فأنت أولهم، وإن كانوا قليلاً فأنت أوثقهم، وأن كانوا واحداً فأنت هو.

النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب أخاه فليعلمه.
ابن مسعود رضي الله عنه: ما الدخان على النار بأدل من الصاحب على الصاحب.
حكيم: من ودك لأمر ولي مع انقضائه.
كاتب: دع رجلي ورجلك في نعل ما وسعهما القبال.
أعرابي: المودة بين السلف ميراث بين الخلف.
حافظ على الصديق ولو في الحريق.
قال ظريف لأخيه: لو كنت معك في جوف فقاعة ما باليت.
أعرابي: دع مصارمة أخيك، وإن حثا التراب في فيك.
عرض رجل بآخر وأنشد:
صديقك لا يثني عليك بطائل ... فماذا عسى فيك العدو يقول
فقال:
وحسبك من لؤم وخبث طوية ... بأنك عن غيب الصديق سؤول
مسافر بن أب عمرو بن أمية بن عبد شمس:
أخوك الذي إن تجن يوماً عظيمة ... يبت ساهراً والمستذيقون رقد
تمت إلى الأقصى بثديك كله ... وأنت على الأدنى صروم مجدد
شريح بن عمران اليهودي:
آخ الكرام إن استطع ... ت إلى إخائهم سبيلا
واشرب بكأسهم وإن ... شربوا بها السم الثميلا
الخليل: رغبتك في الزاهد فيك ذل نفس، وزهدك في الراغب فيك قصر همة.
قارب إخوانك في خلائقهم تسلم من بوائقهم.
اعتذر رجل إلى صاحبه من تأخر اللقاء فقال: أنت في أوسع عذر عند ثقتي، وفي أضيق عذر عند شوقي.
علي رضي الله عنه: ينبئ عن كل امرئ دخيله.
عبد الله بن شداد بن الهادي يوصي ابنه: لا تواخ أحدا حتى تعاشره، وتتفقد موارد أمره ومصادره، فإذا استطبت العشرة، ورضيت الخبرة، فآخه على إقالة العثرة، والمواساة في العسرة، وكن كما قال أبو يزيد العدوي:
أبل الرجال إذا أردت اخاءهم ... وتوسمن أمورهم وتفقد
فإذا ظفرت بذي الديانة والتقى ... فبه اليدين قرير عين فاشدد
فإذا يزل، ولا محالة، زلة ... فعلى أخيك بفضل حلمك فازدد
فلان يتحسى مرار الأخوان، ويسقيهم عذبه.
قيل لحكيم: ما الصديق؟ قال: إنسان هو أنت إلا انه غيرك.
المأمون: الأخوان على ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقة كالدواء الذي يحتاج إليه، وطبقى كالنفس لا تمكن الحياة إلا به.
المعتز بالله:
إن الصديق له حقوق جاوزت ... حد القرابة للنسيب الأقرب
قس بن ساعدة: تقاربوا بالمودة، ولا تتكلوا على القرابة. هرمز: شرط الصديق أن لا يضن عليك بماله، فإن ضن عليك بماله فهو بنفسه أضن.
لا يباع الصديق الألوف بالألوف.
حكيم: أكرم الخيل أجزعها من السوط، وأكيس الصبيان أشدهم بغضا للكتاب، وأكرم الصفايا أشدها حنينا إلى أوطانها، وأكرم المهارة أشدها ملازمة لأمهاتها، وخير الناس آلفتهم للناس.
المتنبي:
خلقت ألوفاً لو رحلت إلى الصبا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، الموطأون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون.
بعض السلف: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، ولعدوك عدلك وإنصافك.
علي رضي الله عنه: الغريب من ليس له حبيب.
قيل لحكيم: من أبعد الناس سفرا؟ قال: من سافر في ابتغاء الأخ الصالح.
لا شيء أوحش من الوحدة، والوحدة آنس من شرار الأخوان.
كان مع مالك بن دينار كلب، فقيل له: يا أبا يحيى ما هذا؟ قال: هذا خير من جليس السوء.
قال فضيل للثوري: دلني على جليس أجلس إليه. قال: تلك ضالة لا توجد.
عمرو بن ميمون: قدم علينا معاذ بن جبل فألقيت عليه محبتي، فما فارقته حتى حثوت عليه التراب بالشام.
ألا قبح الرحمن كل مماذق ... يكون أخاً في الخفض لا في الشدائد
لقمان: يا بني: إياك وصاحب السوء، فإنه كالسيف يعجبك منظره، ويقبح أثره.
علي رضي الله عنه في وصيته: احمل نفسك في أخيك عند صرامة على الصلة، وعند صدوده على اللطف، وعند جحوده على البذل، وعند تباعده على الدنو، عند شدته عل اللين، وعند جرمه عل العذر، حتى لكانك له عبد؛ ولا تتخذن عدو صديقك فتعادي صديقك؛ وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية ترجع إليها، أن بدا لك يوما ما، ولا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه، فإنه ليس بأخ من ضيعت حقه.

أخ طاهر الأخلاق عذب كأنه ... جنى النحل ممزوجاً بماء عمام
يزيد على الأيام فضل مودة ... وشدة إخلاص ورعي ذمام
الجاردود العبدي ملك البحرين وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رهطه بني جذيمة فأسلم وقال:
فإن لا تكن داري بيثرب فيكم ... فإني لكم عند الإقامة والنهض
أصالح من صالحت من ذي عداوة ... وأمنح من أمسى على بغضكم بغضي
مرسي السعدي:
أخ لي كأيام الحياة اخاؤه ... تلون ألوانا علي خطو بها
إذا عبت منه خصلة فهجرته ... دعتني إليه خصلة لا أعيبها
معاوية بن عبد الله بن جعفر في يزيد بن معاوية:
إذا مذق الأخوان بالغيب ودهم ... فسيد أخوان الصفا يزيد
لقمان: ثلاثة لا تعرفهم إلا عند ثلاثة، الحليم عند الغضب، والشجاع عند الخوف، والأخ عند حاجتك إليه.
قيل لبعض قضاة البصرة: إن فلانا يعضهك، فقال لكني أجعل صداقته سترا لقلبي عن قبول سيئته، فبلغ المأمون فقال: هذا والله عين الضن بالصداقة.
أحذر مودة ماذق ... شاب المرارة بالحلاوة
يحصى الذنوب عليك أي ... ام الصداقة للعداوة
الزبرقان بن بدر، وروي لعمرو بن الأهتم المنقري:
ألم تر ما بيني وبين ابن عامر ... من الود قد بالت عليه الثعالب
فأصبح باقي الود بيني وبينه ... كأن لم يكن والدهر فيه العجايب
عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
ألم تر أن المرء تدوى يمينه ... فيقطعها عنه ليسلم سائره
فكيف تراه بعد يمناه صانعاً ... بمن ليس منه حين تدوى سرائره
علي رضي الله عنه: حسد الصديق من سقم المودة.
كان رجل يقول: اللهم اكفني بوائق الثقات، اللهم احفظني من الصديق.
ذكر خالد بن صفوان شبيب بن شبيبة فقال: ذلك رجل ليس له صديق في السر، ولا عدو ف العلانية.
قيل لحكيم: أي الكنوز خير؟ فقال: أما بعد تقوى الله فالأخ الصالح: أن أكرم أخواني علي من كثرت أيادي عنده.
قيل لخالد بن صفوان: أيما أحب إليك أخوك أم صديقك؟ فإن: إنما أحب أخي إذا كان صديقاً.
إذا غشك صديقك فاجعله مع عدوك.
قيل لروح بن زنباع: ما معنى الصديق؟ قال: لفظ لا معنى له الصديق الفاضل من أحب صديق صديقه. كل مودة عقدها الطمع حلها اليأس.
القاسم بن محمد: قد جعل الله في الصديق عوضا من ذي الرحم المدبر.
الفضل بن مروان: السؤال عن الأخوان لقاء.
قال علقمة بن لبيد العطاردي لابنه إذا نازعتك نفسك صحبة الرجال فاصحب من إذا صحبته زانك، وإن خدمتك صانك، وإن عركت به مؤونة مانك؛ أصحب من إن مددت يدك بفضل مدها، وإن بدت منك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها؛ اصحب من يتناسى معروفه عندك، ويتذكر حقوقك عليه.
إذا كان ذواقا أخوك مصارماً ... موجهة في كل أوب ركائبه
فخل له ظهر الصديق ولا تكن ... مطية رحال كثير مذاهبه
آخر:
وإني إذا ساء الصديق طويته ... كطي اليماني ثم قل له نشرى
قال رجل لمطيع بن إياس: قد جئتك خاطبا، قال: لمن؟ قال: مودتك، قال: قد انكحتك إياها، وجعلت الصداق ألا تقبل في مقالة قائل.
حكيم: ليكن اختيارك من الأشياء جديدها، ومن الأخوان أقدامهم.
صديق حضارة وصديق عين ... وليس لمن تغيب بالصديق
آخر:
رجل صديق ما بدت لك عينه ... فإذا تغيب فاحترس من دعلج
امرؤ القيس:
إذا قلت هذا صاحب قد رضيته ... وقرت به العينان بدلت آخرا
كذلك جدى لا أصاحب صاحبا ... من الناس إلا خانني وتغيرا
أبو يزيد بن أبي ثمامة العبدي:
أتزعم أنني أهوى خليلا ... سواك على دنو أو بعاد
جحدت إذاً موالاتي علياً ... وقلت بأنني مولى زياد
طرفة:
أصرمت حبل الوصل أم صرموا ... يا صاح بل صرموا الحبال هم
أن اللئام كذاك خلتهم ... كانوا إذا أحببتهم سئموا
كعب بن زهير:
إذا ما خليل لم يصلك فلا تقم ... بتلعته واعمد لآخر واصل
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود استاذ الزهري قال فيه وقد انقطع عنه:

إذا شئت أن تلقى صديقاً مصافياً ... لقيت وإخوان الصفا قليل
لم ير الناس أعجب حالاً من الكنيت والطرماح كان الكميت عدنانيا عصيباً، وشيعيا من الغالية، ومتعصباً لأهل الكوفة، والطرماح قحطانيا عصبيا، وخارجيا من الصفرية، ومتعصباً لأهل الشام، وبينهما من الخالصة والمخالصة ما لم يكن بين نفسين قط، لم يكن بينهما صرم ولا جفوة؛ وقيل لهما: علام تصادقتما؟ قالا على بغض العامة!!.
وللكميت:
إذا قبضت نفس الطرماح أخلقت ... عرى المجد واسترخى عنان القصائد
ونحوه تزوج السيد الحميري ببنت الفجاءة واتفاقهما عمرهما.
قال أسماء بن خارجة الفزاري: إذا قدمت المودة سمج الثناء؛ فنظمه من قال:
إذا صفت المودة بين قوم ... ودام ولاؤهم سمج الثناء
قيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: الذي يسد خللي، ويغفر زللي، ويقبل عللي.
أبو الحسن ابن فضال النحوي، وقد أحسن ودل على فضله:
وإخوان حسبتهم دروعا ... فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاما صائبات ... فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا قد صغت منا قلوب ... لقد صدقوا ولكن عن ودادي
العتابي:
نود عدوي ثم تزعم أنني ... صديقك أن الرأي عنك لعازب
وليس أخي من ودني رأي عينه ... ولكن أخي من صدقته المغايب
قال لأبي داود السجستاني المحدث صاحب له: استمد من محبتك؟ قال: لا،فانحزل الرجل حياء؛ فقال له: أما علمت أن من شرع في مال أخيه بالاستيذان، فقد استوجب بالحشمة الحرمان.
إياك وكثرة الأخوان فإنه لا يؤذيك إلا من تعرف.
جزى الله عنا الخير من ليس بيننا ... ولا بينه ود ولا نتعارف
فما سامنا خسفاً ولاشفنا أذى ... من الناس إلا من نود ونألف
شبيب بن شيبة: إخوان الصدق خير مكاسب الدنيا، وهم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء.
قرع باب أحد السلف صديق له بالليل، فنهض إليه وبيده كيس وسيف، وهو يسوق جارية له، ففتح الباب وقال: قسمت أمرك بين نائبة فهذا المال، وعدو فهذا السيف، وأيمة فهذه الجارية.
أبو زبيد الطائي:
وأغمض للصديق عن المساوي ... مخافة أن أعيش بلا صديق
آخر:
فما منك الصديق ولست منه ... إذا لم يعنه شيء عناك
أنشد السيرافي:
كم لك في بغداد من صديق ... حتى إذا جاء كساد السوق
باعك بالصاع من الدقيق
قيل للعتابي: نراك زاهداً في استطراف الأخوان؛ قال: إني لم أحمد تالدهم.
كاتب صديقك كما تكاتب حبيبك، فإن غزل الصداقة أرق من غزل الصبابة.
الأصدقاء بمنزلة النار، قليلها متاع، وكثيرها بوار.
كان علي بن الجهم يمدح أبا تمام ويطنب؛ فقيل له: لو كان أخاك ما زدته على هذا المدح، فقال: إلا يكن أخا في النسب فإنه أخ بالأدب والدين والمروءة، أما سمعتم ما خاطبني به:
إن يكد مطرف الإخاء فإننا ... نغدو ونسرى في إخاء تالد
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا ... عذب تحدر من غمام واحد
أو يختلف نسب يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد
مر بخالد بن صفوان صديقان، فعرج عليه أحدهما وطواه الآخر فقال: عرج علينا هذا لفضله، وطوانا ذاك لثقته.
إذا انكرت أحوال الصديق ... فلست من التجنب في مضيق
طريق كنت تسلكه زماناً ... فأسبع فاجتنبه إلى طريق
يوسف بن صبيح الكاتب: يقال فلان ناصح الجيب إذا كان أمينا.
وما كنت أدري أن مثلك ينثني ... على جيب خوان الصديق مريب
فراق أخ يعطي المودة حقها ... أضر وأبلى من فراق حبيب
قال أعرابي لصاحب له: قطعت أوصالي إذا صرمت وصالي.
قال رجل لآخر: إني لأودك، قال: إني لأجد رائد ذلك.
رجل لمحمد بن واسع: إني أحبك في الله، قال اللهم إني أعوذ بك من أن أحب فيك وأنت لي مبغض.
مسلم بن يسار: ما من عمل إلا وأخاف أن يكون قد دخله ما أفسده إلا الحب في الله؛ ومرضت مرضا فلم أجد شيئاً أوثق في نفسي من قوم كنت أحبهم، ولا أحبهم إلا لله.

البراء بن عازب، عنه عليه السلام: أتدرون أي عري الإيمان أوثق؟ فعددنا شرائع الإسلام كلها، فلما رآنا لا نصيب قال: أوثق عرى الإيمان أن يحب الرجل في الله ويبغض في الله.
موسى بن هلال: قال ثابت البناني: ليزيدك لي حبا قرابتك من مذعور وهو مذعور.
ابن الطفيل القيسي الزاهد: كان يقول أبو جعفر المنصور: ما تلذذت بشيء تلذذي بمصادقة عمرو بن عبيد، ثم وليت هذا الأمر فهجرني، فوالله لساعة منه أحب إلي مما أنا فيه؛ كنت إذا أعسرت ملأ قلبي بأنس القناعة، وإذا اغتممت آنسني بنيل الثواب، ثم أنشأ يقول:
حب الصديق إذا كانت مودته ... في الله فرض على العلامة الفطن
ما إن يكون كعمرو صاحب أبداً ... في كل أمر أخي رشد ولم يكن
ملء الفؤاد من الآداب وذو فكر ... تنبيك آثاره عن فعله الحسن
إذا تنعتع قوم في حديثهم ... أجدى الحديث لهم من مقول لسن
يونس بن عبيد من أصحاب الحسن: شيئان ليس في الأرض أقل منهما ولا يزدادان إلا قلة: درهم حلال يوضع في ق، وأخ يسكن إليه في الإسلام.
محمد بن واسع: إن القلب إذا أقبل إلى الله أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه.
عبد الله بن المبارك: إذا سمعت الرجل ينال من أبي حنيفة لم أتمالك أن أجالسه أو أراه، مخافة أن تنزل آية من آيات الله فتعجل بي معه.
عمر رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا.
إذا صاحبا وصل بحبل تجاذبا ... فلن يلبثا بالجذب أن يقطعا الحبلا
آخر:
لي صديق هو عندي عوز ... من سداد لا سداد من عوز
آخر:
وأخي أنت ولا تنفعني ... لا أخا للمرء إلا من نفع
الأعمش: أدركت أقواما، لا يلقى الرجل أخاه الشهر والشهرين، فإذا لقيه لم يزده على كيف أنت؟ وكيف حالك؟ ولو سأله شطر ماله أعطاه؛ ثم أدركت آخرين، إذا لم يلق الرجل منهم أخاه يوما، سأله حتى عن الدجاجة في البيت، ولو سأله حبة من ماله لمنعه.
مجاهد: لو لم يكن لك من الصاحب الصالح إلا أن حياءه يمنعك من معصية الله كفاك.
وعنه: كان يقال: لا خير في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له.
أحب فقير غنيا في الله، ثم سأله حاجة ثلاث مرات فرده، والفقير لا يتغير عن محبته؛ فقال له في ذلك، فقال يا أخي إنما أحببتك في الله، فلم يفسد ما بيني وبينك شيء من الدنيا؛ فقاسمه الرجل شطر ماله.
ابن المبارك: من حق الصديق أن يحتمل له ثلاث: ظلم الغضب، وظلم الهفوة وظلم الدالة.
وعنه من كانت لأخيه المسلم في قلبه مودة فلم يعلمه فقد خانه.
من رضي بصحبة من لا خير فيه، لم يرض بصحبته من فيه خير.
أخوة أولى الألباب أدوم من أخوة أولى الأكتساب.
كان أشعب الطماع إذا حدث عن عبد الله بن عمر قال: حدثني عبد الله، يبغضني في الله.
وذكر رجل لجعفر البرمكي مودته إياه فقال: لبث قلوبنا حتى ترى أعيننا.
قال رجل للعرجي: جئتك أخطب إليك مودتك. فقال: لا حاجة بك إلى الخطبة، قد جاءتك زنى فهو ألذ لها وأحلى.
قال الحجاج لابن القرية ما الكرم؟ قال: صدق الإخاء في الشدة والرخاء.
أوصى عبد الملك بن مروان أولاده بالتآلف والتعاضد، وتمثل بقول عبد الأعلى القرشي:
أن القداح إذا جمعن فرامها ... بالكسر ذو حق وبطش أيد
عزت فلم تكسر وإن هي بددت ... فالكسر والتوهين للمتبدد
علي رضي الله عنه: يهلك في رجلان: محب مفرط، ومبغض مفرط. وروي: محب غال، ومبغض قال.
وعنه رضي الله عنه حين توفى سهل بن حنيف الأنصاري مرجعه من صفين، وكان من أحب الناس إليه: لو أحبني جبل لتهافت.
وعنه عليه السلام: القلوب وحشية فمن تألفها أقبلت عليه.
تقول العرب: لولا الوئام هلك الأنام. يعني أنهم يتآنسون ويتعايشون، ولولا ذلك لأهلكتهم الوحشة. يقال واءمه: وافقه.
وعن بعضهم: كان عندنا فروج وحمام، فكان يأنس بالحمام، فجئنا بدراج فترك الحمام إليه، ثم جئنا بفروج فلزم الفروج، ثم جئنا بدجاجة فصار إليها؛ فذكرت قول عبد بني فزازة: إن الوئام شرع في جميع الطمش، لا تقرب العنز الضأن ما وجدت المعز.
قال رجل لشهر بن حوشب: إني أحبك؛ فقال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في كتاب الله، ووزيرك على دين الله، ومؤونتي على غيرك؟.

كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: أما بعد فإنك سالم والسلام، فلم يدر، فنبه على أنه أراد قول عبد الله بن عمر في ابنه سالم:
يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم
وعن أبي العباس محمد بن يزيد: قلت للعتبي: كنت أحب أن أعرف موقعي من قلبك؛ قال: موقع سالم، يعني سالم بن عبد الله، وقد كان يكلف به حتى يقبله وهو شيخ، ويقول: شيخ يقبل شيهاً، وسالم مولى هشام، وكتب الصاحب في الوصاة ببعض الفقهاء: والأخ الفقيه وسميي وصفيي، وهو عندي كسالم وسالم، بل كالسلامة، فهي أخص موقعاً، وأشرف موضعاً، والسلام.
وللمصنف:
مكانك من عيني وقلبي سالم ... وما أنت إلا سالم لي وسالم
الصاحب:
ونحرت الود بالهج ... ر كما تذكى الجزور
أن أم الصدق في ال ... حب لمقلاة نزور
آخر:
أخو ثقة يسر بحسن حالي ... وإن لم تدنه مني قرابة
أحب غلي من ألفي قريب ... بنات صدورهم لي مسترابه
آخر:
بنفسي من هواه أخي وتربي ... وحبيه رضيع بنات قلبي
آخر:
تغربت أسأل من عن لي ... من الناس هل من صديق صدوق
فقالوا عزيزان لا يوجدان ... صديق صدوق وبيض الأنوق
كتب رجل إلى صديق له: كتبت تشكو جفائي إياك بتأخري عن لقائك، وذلك إيثاراً مني لاستدامة مودتك على سروري بالأس بك، مخافة استدعاء الملالة، بكثرة الزيادرة؛ فتركت ما أحب فيك إلى ما أكره منك، والسلام.
تقول للخصيص: أنت أول العقد وواسطة العقد.
أبو بكر الخوارزمي: لا خير في حب لا تحتمل أقذاؤه، ولا يشرب عل الكدر ماؤه، وإنما العشرة مجاملة؛ والمجاملة لا تسع الاستقصاء والكشف، ولا تحتمل الحساب والصرف.
العلاء بن سعد الحداد الكوفي:
ومن الناس من يريك وداداً ... صافياً شربه بلا تكدير
فإذا ما رأيته قلت هذا ... لي ذخر ورأس مال كبير
فإذا ما طلبت منه فتيلا ... لحق الود باللطيف الخبير
أبو الأسد نباتة التميمي:
أغدو على مال بسطام فأنهبه ... كما أشاء فلا تثنى إلي يدي
حتى كأني بسطام إذا اجترحت ... يداي فيه وبسطام أبو الأسد
أنا استمسك من وده بالعروة الوثقى، وأرجع من ولائه إلى كنف لا أضل فيه ولا أشقى.
صجيقك من ساعدك في أطوارك وقدم سعيه في أوطارك.
ذمام ودادك عندي لا يخفر، وإن أتيت بما لا يغفر.
هو شعلة من زنده، وشعبة من رنده.
كان يقال: من لم يؤاخ إلا من لا عيب فيه قل صديقه؛ ومن لم يرض من صديقه إلا بإيثاره إياه على نفسه دام سخطه؛ ومن عاتب صديقه على كل ذنب كثر عدوه.
شريك بن عبد الله: إنما الرجل بإخوانه، فإذا ذهب أخوان الرجل ذهب الرجل.
كان يقال: العيش الذي لا يمل مناجاة الصديق.
أعرابي: أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان، وأعجز منه من صيع من ظفر به منهم.
كان يقال: الحبيب من تحبب لا من تنسب.
عمر رضي الله عنه: احذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خنسى الله.
إذا رأيت ازوراراً من أخي ثقة ... ضاقت علي برحب الأرض أوطاني
فإن صددت ازوراراً كي أكافئه ... فالعين غضبي وقلبي غير غضبان
عمران بن عصام العنزي:
عذيري من أخ أن أدن شبراً ... يزدني من تباعده ذراعا
أبت نفسي له إلا وصالاً ... وتأبى فسه إلا انقطاعا
المهلب: ما السيف الصارم بكف الشجاع بأعز له من الصديق.
الهند: من كتم السلطان نصحه، والأطباء علته، والأخوان بثه، فقد خان نفسه.
ليس من الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك.
الشعبي: كرام الناس أسرعهم مودة، وأبطأهم عداوة، مثل الكوز من الفضة يبطئ انكساره، ويسرع انجباره؛ ولئام الناس أبطأهم مودة وأسرعهم عداوة، مثل كوز الفخار، يسرع انكساره، ويبطئ انجباره.
كان يقال: صحبة بليد نشأ مع الحكماء أحب إلى من صحبة لبيب نشأ مع الجهلاء.
الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول لأخ له: يا أخي إن الصديق يحول بالجفاء عدوا، والعدو يحول بالصلة صديقاً، وإني أراك رطب اللسان بعيوب أصدقائك، فلا تزدهم في أعدائك.
قيل لرجل: ما لذة الدنيا؟ قال: تواصل بعد اهتجار، وتصاف بعد اكتدار.

عبيد الله بن عبد الله بن مسعود استاذ ابن شهاب الزهري يقول له بعد أن انقطع عنه:
إذا شئت أن تلقي صديقاً مصافياً ... لقيت وإخوان الصفاء قليل
وله:
وإني امرؤ من يؤتني الود يلفني ... وأن نزحت دار به دائم الوصل
لعمرك إني ما ينال مودتي ... من الناس إلا مسلم كامل العقل
أبو حمران السلمي:
كفى حزناً أن الصديق إذا اقتنى ... غنى صد حتى لا يقال صديق
فليت صديقاً يفسد المال وده ... إل يوم يلقاه الحمام مضيق
قال المنصور لاسحق بن مسلم العقيلي: أنا أحب إليك أم مروان؟ قال: ذاك إليك، أن أحسنت إلي فوق إحسانه كنت أحب إلي منه.
أوصى أعرابي بنيه: عاشروا الناس معاشرة، أن عشتم حنوا إليكم، وإن متم خنوا عليكم. من الخنين، وهو صوت يسمع من أنف اباكي، ومنه حديث خالد فخنوا يكون.
قال الله لموسى عليه السلام: يا موسى اعلم أن كل صديق لا يواتيك على مسرتك فهو عدو لك.
كان إبراهيم عليه السلام إذا ذكر زلته غشى عليه، وسمع اضطرابه من ميل؛ فقال له جبريل: يا خليل الله، الخليل يقريك السلام ويقول: هل رأيت خليلاً يخاف خليله؟ فقال: يا جبريل، كلما ذكرت الزلة نسيت الخلة.
أوس بن حارثة: أحق من شركك في النعيم شركاؤك في المكاره. منه قول أبي تمام:
أن الكرام إذا ما اسهلوا ذكروا ... من كان يلقاهم في المنزل الخشن
قيس بن الخطيم:
سأصفيك ودي في الحياة فإن أمت ... يودك عظم في التراب دفين
أنس: كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فمر به رجل، فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا، قال: أعلمته؟ قال: لا، قال: أعمله؛ فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني له.
أبو ذر: قال يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل كعملهم، قال: أنت يا أبا ذر مع من أحببت؛ فأعادها أبو ذر، فأعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أنس: رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحوا بشيء لم أرهم فرحوا بشيء أشد منه، قال رجل: يا رسول الله، الرجل يحب الرجل على العمل من الخير يعمل به، ولا يعمل بمثله، فقال عليه السلام: المرء مع من أحب.
أبو الدرداء، عنه عليه الصلاة والسلام: حبك الشيء يعمى ويصم.
أنس، يرفعه: لا تبغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله أخوانا. ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. وروي: فإن مرت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالآثم. وروي فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار.
أبو خراش السلمي: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه.
أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام: تفتح أبواب السماء كل يوم اثنين وخميس، فيغفر في ذلك اليوم لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا من بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحان.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه هجر بعض نسائه أربعين يوما. وابن عمر هجر ابنا له إلى أن مات.
قيل للمغيرة بن شعبة: إن بوابك يأذن لأصحابه قبل أصحابك، فقال: أن المعرفة لتنفع عند الكلب العقور والجمل الصؤول فكيف بالرجل العقول؟ عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار:
أني يكون أخاً أو ذا محافظة ... من كنت من غيبة مستشعراً وجلا
إذا تغيب لم تبرح تظن به ... سوء وتسأل عما قال أو فعلا
بعض القرشيين:
إذا ما كنت متخذاً خليللاً ... فلا تجعل خليلك من تميم
بلوت صميمهم والعبد منهم ... فما أدنى العبيد من الصميم
عبد الله بن العباس الطالبي:
علي لأهواني رقيب من الصفا ... تبيد الليالي وهو ليس يبيد
يذكر فيهم في مغيب ومشهد ... فسيان عندي غيب وشهود
دع مصارمة أخيك وإن حثا التراب في فيك.
يحيى بن علي المنجم:
وإذا لم يكن اخاؤك في الل ... ه فعقد الإخاء ليس بباق
لآخر:
لو قيل لي خذ أماناً ... من اعظم الحدثان

لما أخذت أماناً ... إلا من الأخوان
آخر:
وإذا جفوت قطعت منك منافعي ... والدر يقطعه جناء الحالب
عبيد الله بن عبد الله بن طاهر الملقب بنينويه:
عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... وفي لي ولا إن كنت طوع يديه
إذا أنا لم أرغب إليه استمالني ... ويرغب عني أن رغبت إليه
وإني لمشتاق إلى ظل صاحب ... يروق ويصو أن كدرت عليه
قال المأمون: من يأخذ عني الخلافة ويعطيني هذا الصاحب.
غسلان العنبري:
ولا تهن للصديق تكرمه ... نفسك حتى تعد من خوله
يحمل أثقاله عليك كما ... يحمل أثقاله على جمله
آخر:
لعمرك ما مال الفتى بذخيرة ... ولكن إخوان الصفاء الذخائر
في ديوان المنثور: محك المودة والإخاء حال الشدة دون الرخاء. أنتم الأوداء الأعزاء ما لم يصبكم داء وعزاء، كونوا حنفاء لله، حلفاء في الله.
في ديوان المنظوم:
كيف أرجو من الصديقي وفاء ... فسد الأصدقاء إلا الأقل
لم يصح الأقل أيضاً فقل لي ... هل لحر على البسيطة خل
وفيه:
قل لباغي الصديق رمت عزيزاً ... ما أقل الضديق فوق المقلة
لو عملت الزمان والناس علماً ... مثل علمي لما رضيت بخلة
وكذا السائمات لو علمته ... لأبت أن تذوق طعماً لخلة
محمد بن عبد الله النميري:
غشى المنازل بالسليل فهاجه ... ربع تبدل غيره أحبابه
ولقد تراه للقبول وأهلها ... جاراً تمسى بيوتهم أطنابه
مسكين الدارمي:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي ينزل القدر
ماضر جار لي أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي خرجت ... حتى يوارى جارتي الخدر
معاوية بن عمرو العقيلي:
بني بنى معاوية بن عمرو ... وكان أبوكم براً وفيا
فأوصيكم بضيف أو بجار ... يجاوركم فقيراً أو غنياً
النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره. وعنه عليه الصلاة والسلام: جار السوء في دار المقامة قاصمة الظهر. وعنه: من جهد البلاء جار سوء معك في دار مقامة، إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أذاعها وأفشاها.
داود عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك من مال يكون علي فتنة، ومن ولد يكون علي ربا، ومن حليلة تقرب المشيب من قبل المشيب، وأعوذ بك من جار تراني عيناه وترعاني أذناه، أن رأى خيرا دفنه، وإن سمع شراً طار به.
ابن مسعود، يرفعه: والذي نفسي بيده لا يسلم العبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ويأمن جاره يواثقه. قالوا: وما يوائقة؟ قال: غشمه وطلمه.
النخعي: كانوا يكرهون مجاورة الأغنياء.
لقمان: يا بني حملت الحجارة والحديد، فلم أر أثقل من جار السوء.
ألا من يشتري داراً برحص ... كراهة بعض جيرتها تباع
الأصمعي: جاور أهل الشام الروم، فاحذوا عنهم خصلتين: اللؤم وقلة الغيرة، وجاور أهل البصرة الخزر فأخذوا عنهم خصلتين الزنى وقلة الوفاء.
وجاور أهل الكوفة أهل السواد فأخذوا عنهم خصلتين السخاء والغيرة.
كان يقال: من تطاول على جاره حرم بركة داره.
كان عبد الله بن أبي بكرة ينفق على من حول داره، وعلى أهل أربعين دارا من كل جهة من جهاتها الأربع، وكان يبعث إليهم بالأضاحي والكسوة، ويقوم لمن تزوج منهم بما يصلحه، ويعتق في كل عيد مائة رقية، سوى ما يعتق في سائر السنة.
باع أبو الجهم العدوي داره بمائة ألف درهم، ثم قال: فبكم تشترون جوار سعيد بن العاص؟ قالوا: هل يشتري جوار قط؟ قال: ردوا لي داري وخذوا مالكم، ما أدع جوار رجل أن قعدت سأل عني، وإن رآني رحب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألته قضى حاجتي، وإن لم أسأله بدأني، وإن نابتني جائحة فرج عني. فبلغ ذلك سعيداً فبعث إليه مائة ألف درهم.
الحسن: ليس حسن الجوار كف الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى. وجاءته امرأة محتاجة وقالت: أنا جارتك، قال: كم بيني وبينك؟ قالت: سبعة أدؤر؛ فنظر الحسن فإذا تحت فراشه سبعة دراهم فأعطاها وقال: كدنا نهلك.

كان كعب بن مامة إذا جاوره رجل قام له بما يصلحه وأهله، وحماه ممن يقصده، وإن هلك له شيء أخلفه عليه، وإن مات وداه. فجاوره أبو داود الإيادي فزاده على عادته. فكانت العرب إذا حمدت جارا قالوا كجار أبي دواد. قال قيس بن زهير:
أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى جار كجار أبي داود
وتعلم منه أبو دواد فكان يفعل بجاره فعل كعب به.
استعرض أبو مسلم صاحب الدولة فرسا محضيرا فقال لأصحابه: لم يصلح هذا؟ فذكروا السباق، وصيد حمر الوحش والنعام، واتباع المنهزم، فقال: ما صنعتم شيئاً، ما يصلح إلا للفرار من جار السوء. سأل سليمان بن علي خالد بن صفوان عن ابنيه جعفر ومحمد، فقال: كيف احمادك جوارهما؟ فتمثل بقول يزيد بن مفرغ الحميري:
سقى الله داراً لي وأرضاً تركتها ... إلى جنب داري معقل ويسار
أبو مالك جار لها وابن مرثد ... فيا لك جاري ذلة وصغار
عبد الله بن عمر ذبح شاة فقال: أأهديتم لجاري اليهودي؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.
جابر بن عبد الله يرفعه: الجيران ثلاثة: فجار له حق واحد، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق. فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له، له حق الجوار؛ وأما الذي له حقان فجار مسلم لا رحم له، له حق الإسلام وحق الجوار؛ وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم، له حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم؛ وأدنى حق الجوار أن لا تؤذي جارك بقتار قدرك إلا أن يقتدح له منها.
أبو جحيفة: جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام يشكو جاره، فقال: اطرح متاعك على الطريق، فطرحه، فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه؛ فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ما لقيت من الناس؟ قال: وما لقيت منهم؟ قال: يلعنونني، فقال: قد لعنك الله قيل الناس، قال: فإني لا أعود؛ فجاء الذي شكى إليه فقال: ارفع متعاك فقد كفيت.
أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار النادي يتحول.
قالوا: الجيران خمسة: الجار الضارة السيء الجوار، والجار الدمث الحسن الجوار، والجار اليربوعي المنافق، والجار البراقشي المتلون في أفعاله، والجار الحسدلي الذي عينه تراك وقلبه يرعاك.
عيسى عليه السلام: تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إليه بالتباعد منهم، والتمسوا رضاه بسخطهم.
أنس يرفعه: ما تحاب رجلان في الله قط إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه.
رأى علي رضي الله عنه قوما حول داره، فسألهم، فقيل: هؤلاء شيعتك، قال: مالي لا أرى عليه سيما الشيعة! قال: وما سيما شيعتك؟ قال: خمص البطون من الطوى، يبس الشفاه من الظما، عمش العيون من البكى.
من كان يريد رضا ربه يسخط نفسه، ومن لم يسخط نفسه لم يرض ربه.
علي رضي الله عنه رفعه: ما كان ولا يكون إلى يوم القيامة مؤمن إلا وله جار يؤذيه.
إبراهيم بن نعيم الغامدي:
لبست جديد ثوب الدهر حتى ... كسانيي الدهر أسمال الثياب
متى تحسب صديقك لا يقلوا ... وإن تخبر يقلوا في الحساب
إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول الكاتب:
أميل مع الذمام على ابن عمي ... وأقضي للصديق على الشقيق
أفرق بين معروفي ومنى ... وأجمع بين مالي والحقوق
وإن ألفيتني حراً مطاعاً ... فإنك واجدي عبد الصديق
السيد بن محمد الحميري:
إني امرؤ حميري حين تنسبني ... جدي رعين وأخوالي ذوو يزن
ثم الولاء الذي أرجو النجاء به ... يوم القيامة للهادي أبي حسن
وله:
وإذا الرجال توسلوا بوسيلة ... فوسيلتي حبي لآل محمد
وله:
مه لا تلومن في أبي حسن ... فلست عن حبه بمشتغل
رست له بين أضلعي مقة ... لو زالت الراسيات لم تزل
إذا تبدلت بعده بدلا ... فلا تهنأت ذاك من بدل
وله:
أيا رب إني لم أرد بالذي به ... مدحت علياً غير وجهك فارحم
صالح بن علي الهاشمي:
وليس ذكرى لك عن خاطر ... بل هو موصول بلا فصل

أبو يعقول اسحق بن حسان بن قوهي الخريمي:
إذا لبسوا عمائمهم ثنوها ... على كرم وإن سفروا أناروا
يبيع ويشتري لهم سواهم ... ولكن بالطعان هم تجار
إذا ما كنت جار بني خريم ... فأنت لأكرم الثقلين جار
إذا غضبوا تحطمت العوالي ... وإن وهبوا تدفقت البحار
ابن عبد السلام الرصافي:
إذا كنت قوت النفس ثم هجرتها ... فكم تلبث النفس التي أنت قوتها
دهام بن هانيء العقيلي:
تقول ظعينتي أبرقت فاظعن ... وبعض البرق يخلف في البلاد
أغيثا تبتغين وراء أني ... جعلتك جارة لبني الرقاد
هم قوم من بني جعدة، يعني أن حوارهم يغني عن الغيث.
زبينا النصراني الرسعني:
إذا تاه الصديق عليك كبراً ... فنه كبراً على ذاك الصديق
وأن سلك العرام به طريقاً ... فسر عرماً سوى ذاك الطريق
وأرخض قدر من إن سيم رخصاً ... بقدرك باعه في كل سوق
فإيجاب الحقوق لغير راع ... حقوقك رأس تضييع الحقوق
أبو زيد الأنصاري النحوي:
إذا أنت لم تعف عن صاحب ... أساء وعاقتبته أن عثر
بقيت بلا صاحب فاحتمل ... وسمه الوفاء إذا ما غدر
الكامل الأوسسي سويد بن الصامت:
ألا رب من تدعو صديقاً ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفري
مقالته كالشهد ما كان شاهداً ... وبالغيب مأثور عل ثغرة النحر
يسرك باديه وتحت أديمه ... نميمة غش تبتزى عقب الظهر
تبين لك العينان ما القلب كاتم ... ولا جن بالبغضاء والنظر الشرز
فرشني بخير طالما قد برتني ... فخير الموالي من يريش ولا يبري
علي رضي الله عنه: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو حببت الدنيا بحمأتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني؛ وذلك أنه قضى فانقضى على لسان النبي الأمي أنه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق.
صعصعة بن معاوية السعدي عم الأحنف:
لعلي عندي مزية حب ... وأحب الصديق والفاروقا
ولعثمان مشرب من فؤادي ... لم يكن آجنا ولا مطروقا
لا أرى بعضهم لبعض عدواً ... بل رأى بعضهم لبعض صديقاً
عبد الله بن اسحق بن الفضل بن ... عبد الرحمن بن العباس المطلبي:
شهد الله أن ديني حق ... لست تنصابة ولا رافضيا
وأحب الشيخين شيخي قريش ... لست أبرا ممن يكون رضيا
وبهذا سمي تنصابة.
عائد الكلب:
ولقد تدوم لدي الصفاء مودتي ... وإذا تلون كنت ذا ألوان
إني كذاك إذا تلون صاحبي ... داويته بالصد والهجران
أبو الأسود الكندي:
أمفندي في حب آل محمد ... حجر بنيك فدع ملامك أو زد
من لم يكن بحبالهم متمسكاً ... فليعترف بولادة لم ترشد
دعبل الخزاعي:
بأبي وأمي سبعة احببتهم ... لله لا لعطية أعطاها
بأبي النبي محمد وصفيه ... والطيبان وبنته وابناها
الطيبان: حمزة وجعفر رضي الله عنهما.
عمرو بن حكيم بن معية:
خليلي أمسى حب خرقاء عامدي ... ففي القلب منه وقرة وصدوع
ولو جاورتنا العام خرقاء لم نبل ... على جدبنا لا يصوب ربيع
أبو قحافة أبو السديق:
اذهبي يا لهو فاستمعي ... خبريه بالذي فعلا
وسليه في ملاطفه ... لم وصلناه فما وصلا
مروان بن محمد السروجي، أموي شيمي:
يا بني هاشم بن عبد مناف ... أنني منكم بكل مكان
أنتم صفوة الإله ومنكم ... جعفر ذو الجناح والطيران
وعلي وحمزة أسد الل ... ه وبنت النبي والحسنان
فلئن كنت من أمية إني ... لبرئ منها إلى الرحمن
نمير بن عداء الطائي:
ألا ليت حظي من جميلة أنها ... مساكنة لي لا علي ولا ليا

مالك بن أنس: من تنقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له في الفيء نصيب.
العوام بن حوشب: أدركت من أدرك صدر هذه الأمة، يقولون: حدثوا الناس بمحاسن أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتلف عليهم القلوب، ولا تحدثوهم بالذي شجر بينهم فتحرشوا الناس عليهم.
قال رجل لأبي سليمان: إن فلانا وفلانا ما يقعان على قلبي. قال: ولا قلبي، لعلهما أتيا من قبلي وقبلك، ليس فينا خير فما نحب الصالحين.
كانت بالكوفة عجوز لها ابن شاب، فانقطع إلى سفيان فقالت: يا بني إني عرفت في ليلك صحبة سفيان.
أخوك الذي يعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه.
لو أن إنساناً ربط مع أسد ثلاثة أيام لا ستأنس به.
علي رضي الله عنه: أصدقاؤك ثلاثة، وأعداؤك ثلاثة؛ فأصدقاؤك: صديقك وصديق صديقك وعدو عدوك، وأعداؤك: عدوك وعدو صديقك وصديق عدوك.
وعنه: يا بني إياك ومصادقة الأحمق، فإنه يريد ان ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يبتعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر، فإنه يبيعك بالتافه، غياك ومصادقة الكذاب، فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عنك القريب.
الحاجة إلى الأخ المعين كالحاجة إلى الماء المعين.
قال رجل لابن الزيات: إني أتوسل إليك بالجوار، وأسألك العطف والرقة. فقال: أما الجوار فنسب بين الحيطان، وأما العطف والرقة فهما للنساء والصبيان.
الشعبي: ما لقينا من علي بن أبي طالب إن أحببناه قتلنا، وإن أبغضناه هلكنا.
المتصوفة: اصحبوا الله، فإن لم تستطيعوا فاصحبوا من يصحب الله، لنوصلكم بركات صحبته إلى صحبة الله.
طاووس: مثل أصحاب رسول الله مثل العيون، ودواء العيون ترك مسها.
كان أبو بكر وعمر حليتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتزين بهما في يوم عيد أو وفد أن قدم عليه، أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره.
قيل لعلي بن الحسين كيف كان منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كمنزلتهما اليوم وهما ضجيعاه.
حدث شريك بن عبد الله في دار المهدي بفضائل لعلي بن أبي طالب، فقال له رجل كوفي: ياأبا عبد الله، جئت اليوم بالدر بهذه الأحاديث؛ فقال: كيف لا أحدث بفضائل رجل كان يشبه بعمر بن الخطاب؛ فقال الكوفي: عجبت أن تأتي بخير!! القتى إخوان في الله فقال أحدهما لصاحبه: والله يا أخي إني لأحبك في الله، قال: لو علمت مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله؛ فقال: والله يا أخي لو علمت منك ما تعلمه من نفسك لمنعني من بغضك ما أعلم من نفسي.
عبد الله بن إدريس: أبو بكر رضي الله عنه ثاني اثنين في الإسلام، وثاني اثنين في الغار، وثاني اثنين في المشورة يوم بدر، وثاني اثنين في القبر، وثاني اثنين في الخلافة، وثاني اثنين في الجنة.
أبو حيان الدارمي:
أقدمه والله فضله على ... صحابته بعد النبي المكرم
بلا بغضة والله منى لغيره ... ولكنه أولاهم بالتقدم
ابن عباس: لما اختصني عمر بن الخطاب قال لي أبي هذا الرجل قد اختصك دون من ترى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحفظ عني ثلاثاً: لا يجربن عليك كذبا، ولا تعب عنده أحدا، ولا تفشين له سرا. قال عكرمة: فقلت لك واحدة منها خير من ألف؛ فقال: بل من عشرة آلاف.
الثوري: ما بحثنا أحدا يتناول أبا بكر وعمر إلا وجدنا ذلك أيسر عمله.
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني شيئاً يحبني عليه الله والناس؛ قال: أما الذي يحبك الله عليه فالزهد في الدنيا، وأما الذي يحبك الناس عليه فإن تنبذ إليهم ما في يدك.
النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن مألفة، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.
قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: إن التوراة كبيرة فاختر لنا منها شيئاً ما يمكن حفظه، فقال: ما تحبون أن يصحبكم به الناس فاصحبوهم به. يعني أن هذه الكلمة هي الأختيار من التوراة.
الوليد بن عبد الملك: كان أبي يقول: الحجاج جلدة ما بين عيسى، وأما أنا فأقول: الحجاج جلدة وجهي كله.
لم أبخل بخلتي عليك لما طلبتها، ولم أعضل مودتي عنك حين خطبتها. أحببت أن يطلع على سويداء قلبي، فيلعم أن إخلاصي له مشرق الصفحة، أملس الجلدة.
وكانت رياح الشام يكرهن مرة ... فقد جعلت تلك الرياح تطيب
مثل في الحب بعد البغض.

فلان مملوك رفيقه، وخادم صديقه. أودك مودة حرة وأبغض عدوك بغضة مرة. الشد بالقد أسهل من مصاحبة الضد.
كيف يصفى لك الوداد صديق ... يخرج الذم مخرج الإشفاق
ابتدأتني بلطف من غير اجترام، فأطمعني أولك في إخائك، وأيسأيي آخرك من وفائك، فسبحان من لو شاء، كشف الغطاء فأقمنا على ائتلاف، أو افترقنا على اختلاف.
أنا كالمرآة ألقى ... كل وجه بمثاله
مثل في التحبب غلى كل أحد.
هو في وجهك مرآ ... ة ومن خلفك مقراض
آخر:
صاننا الله وإيا ... كم عن الود المرقع
أبو فرعون العدوي:
كفاني الله شرك يا ابن عمي ... فأما الخير منك فقد كفاني
نظرت فلم أجد أشفى لغيظي ... من أني لا أراك ولاتراني
سهيل بن أبي صالح: كنت مع أبي بمنى فمر عمر بن عبد العزيز، فجعل الناس يثنون عليه ويدعون له، فقلت لأبي: إني أرى الله يحب عمر، قال: وكيف ذاك! قلت: أرى الناس يثنون عليه؛ فقال: بأبيك أنت! سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله عبداً قال: يا جبريل إني لأحب فلاناً فأحبوه، فينادي جبريل في السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، ويلقى على أهل الأرض فيحب.
قال عمر بن عبد العزيز لأبيه: يا أبت مالك إذا خطبت مررت فيها مستجفرا لا تكفف ولا توقف، حتى إذا صرت إلى ذكر علي تلجلج لسامك وامتقع لومك واختلج بدنك. قال: أو قد رأيت ذلك يا بني!! أما أن هؤلاء الحمير لو يعلمون من علي ما نعلم ما اتبعنا منهم رجلان.
عمر بن عبد العزيز: أعوذ بالله أن يكون لي محبة في شيء من الأمور تخالف محبة الله.
قال هشام للأبرش: كيف تكون أخص الناس بي وأنت أخص الناس بمسلمة؟ فتمثل الأبرش:
أواخي رجالاً لست أخبر بعضهم ... بأسرار بعض أن صدري واسع
عمرو بن العاص: إذا كثر الإخاء كثر الغرماء. أراد بالغرماء الحقوق.
مسلم بن يسار: مرضت مرضة، فنظرت في عملي فلم أجد أوثق من قوم كنت أحبهم، ولا أحبهم إلا في الله.
وكان مطرف يقول لأصحابه: لو كنت راضيا عن نفسي لقليتكم، ولكني لست عنها براض.
الحر لو مشى في حاجة أخيه عرض الأرض، لم ير أنه أدى الفرض.

باب
التأديب والتعليم والتثقيف والسياسة وذكر المعلمين والمقومين، والضرب والقيد والحبس والنكال ونحو ذلك عائشة رضي الله عنها: ما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مملوكا قط ولا غيره، إلا في سبيل الله ولا انتصر قط لنفسه إلا أن يقيم حداً من حدود الله.
وعنه عليه الصلاة والسلام: علق سوطك حيث يراه أهلك.
جاء الإسلام وإن جفنة العباس لتدور على فقراء بني هاشم، وإن درته طلقة لسفائهم، فكان يقال: هذا السؤدد، يشبع جائعهم ويؤدب سفيههم.
لقمان الحكيم: ضرب الوالد الولد كالسماد في الزرع.
قال رجل للشعبي: إذا حدثت فلا تذكب. فقال له: ما أحوجك إلى محدرج شديد الفتل، لين الهز، أصلع الرأس، عظيم الثمرة، يؤخذ من عجب الذنب إلى مغرز العنق، فيوضع منك على مثل ذلك، فتكثر له رقصاتك من غير جذل. قال: وما هذا يا أبا عمرو؟ قال: شيء لنا فيه أرب، ولك فيه أدب.
ضرب يزيد غلاماً، فقال له معاوية: كيف طاوعك قلبك على بسط يدك إلى من لا يقدر على رفعها إليك؟ فما ضرب يزيد غلاماً بعد.
ضرب عثمان رضي الله عنه ابن حنبل الجمحي وسيره إلى حيبر، وحبسه في القموص فقال:
إلى الله أشكو لا إلى الناس ما عدا ... أبا حسن غلا شديداً أكابده
بخيبر في قعر القموص كأنها ... جوانب قبر أعمق اللحد لا حده
العتابي: أبرز لهم غرة السيف ذي الشطب، وهامة الجرز ذي الشعب، وجمع لهم العصي حزما، والسياط رزما.
كتب معاوية إلى مروان أن أضرب عبد الرحمن بن الحكم وعبد الرحمن بن حسان حداً. فضرب أخاه أربعين وابن حسان ثمانين. فقيل له: ألا ترفع ما صنع بك إلى معاوية؟ قال: ولم وقد أقامني مقام الذكر الحر وأقام أخاه مقام الأمة الأنثى؟ علوان بن جندل النميري في قتيبة بن مسلم:
عجبت لعبد باهلي مؤمر ... على الناس يرضي من يشاء ويغضب
يقيم حدود الله فيهم وانه ... لجاني حدود ليس عنهن مذهب
فضيل: رب ضربة لليتيم أنفع له من الخبيص تلقمه إياه.

كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله: بلغني أن قبلك قوما يشتمون أبا بكر وعمر، فمن قامت عليه بينة فاضربه ضرب الرجل المستطيل في عرض أخيه وهو عنه ساكت.
لقمان: لئن يضربك الحكيم فيؤذيك خير من أن يدهنك الجاهل يدهن طيب.
ضربهم ضرب غرائب الإبل، وضرب المضبب أستاه المسامير، وضربا تغمض دونه الأحداق.
غشاهم نبعا وسلما حتى تركهم رفاتا ورمما. قطع أوساطهم بأطراف السياط حتى أقامهم على سواء الصراط. السياط تمشق في ظهورهم وتعبث بصدورهم.
في نوابغ الكلم: الصبي لا بد له من تثقيف وإن كان من قريش أو ثقيف، والأرض لا بد لها من عرة وإن كانت أرضاً حرة.
علي بن عاصم الإصبهاني:
ضربت الفي بيدي ... خانت يميني عضدي
فاقتص لما اغرورقت ... مقلته من كبدي
فلا أقلت بعدها ... سوطي من الأرض يدي
خرج موسى الهادي على جلسائه مهموما منتقع اللون، فسألوه، فقال: لم أر كالدنيا وصحبتها، لا أطول هموما، ولا أعظم بلية!! لبابة بنت جعفر بن أبي جعفر قد عرفتم موقعها مني، كلمتني بالادلال، فلم يكن لها عندي احتمال، ولا عندها الأقصار، فضربتها؛ فسكتوا جميعا، فقال ابن دأب: يا أمير المؤمنين إنك لم تأت منكرا، ولم تفعل بديئاً، قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدبون نساءهم هذا الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمته، وفضله فضله، وثب على امرأته أسماء بنت الصديق أخت عائشة، وهي أفضل نساء زمانها، فضربها في شيء عتب فيه عليها، حتى كسر يدها، وكان سبب فرقتها، وذلك أنها استغاثت بولدها، فأغاثها الله بعبد الله، فقال: هي طالق إن حلت بيني وبينها، فلم يقلع. وهذا كعب بن مالك الأنصاري أخو الزبير، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، عتب على امراته، وكانت من المهاجرات الأول، فضربها حتى حال بنوها بينه وبينها فقال:
ولو لا بنوها حولها لخبطتها ... كخطبة فروج لوم أتلعثم
فسري عن الهادي، وطابت نفسه، وأمر له ببدرة وثلاثين ثوبا.
ألح رجل من المتظلمين على أحمد بن الخصيب، وهو راكب إلى المنتصر، فركله فقيل فيه:
قل للخيفة يا ابن عم محمد ... اشكل وزيرك إنه ركال
قال احمد بن مصر: قدم إلي مجوسي لأضربه فقال: يا هذا اضرب بقدر ما تقوى عليه؛ يريد القصاص في الآخرة، فتركته وتركت عمل السلطان.
لطمه لطم المتنفش، هو البعير يشاك فيضرب بيده الأرض.
أدبه بزجرك وهذبه بهجرك.
قيس بن الهيثم السلمي، وضربه الحجاج:
ليس بتغزير الأمير خزاية ... علي إذا ما كنت غير مليم
قدم حمزة العدوي السارق إلى معاوية فأمر بقطع يده فقال:
يدي يا أمير المؤمنين أعيدها ... بعفوك من عار عليها يشيها
فلا خير في الدنيا ولا في نعيمها ... إذا ما شمال فارقتها يمينها
فلو قد أتى الإخبار قومي لقلصت ... إليك المطايا وهي خوص عيونها
فأبطل الحد عنه، فهو أول حد أبطل في الإسلام.
خطب علي رضي الله عنه أهل الكوفة، ودعا للجهاد، فقال أربد الغزاري: والله لا نجبيبك؛ فضربه قوم من همدان حتى مات. فوداه علي من بيت المال. وقال علاقة بن عركي التميمي:
معاذ الهي أن تكون منيتي ... كما مات في سوق البراذين أريد
تعاوره همدان خصفا نعالها ... إذا رفعت عنه يد وضعت يد
كان معلم أنوشروان يضربه بلا ذنب، ويأخذه بأن يمسك الثلج في يده حتى تكاد كفه تسقط: فآلى لئن ملكت لأقتلنه؛ فلما ملك هرب، فأمنه فأتاه؛ فسأله عن الضرب ظلما، فقال: لتعرف حقد المظلوم إذا ظلمته؛ قال: أحسنت، فالثلج الذي كنت تعذبني به؟ قال: ستعرف ذلك؛ فغزا فأصبحوا في غداة باردة، فلم يقدروا على توتير قسيهم، فوترها لهم، فقاتل وظفر، فعرف مراد مؤدبه.
الكميت:
أقول له إذا ما جاء مهلا ... وما مهل بواعظة الجهول
قيل لبعض المجوس: ما أحكم شيء في كتابكم؟ قال: نحتك الحجارة بغير فأس، وإذابتك الحديد بغير نار أهون من رياضة مستصعب قد جفا عن التقويم.
من التعذيب تأديب الذيب. تنبو المعاول عن صفاته وتعجز المقاول عن صفاته. من لم يصلحه الطالي أصلحه الكاوي. ليس كبح الصعب الشرس إلا باللجام الشكس.

السلامي:
يحلو بأفواه الأنامل صفعه ... حتى كأن قذاله من سكر
قيل ليحيى بن خالد: إنك لا تؤدب غلمانك؛ قال هم أمناؤنا على أنفسنا، فإذا أخفناهم كيف نأمنهم؟ قال أبو نؤاس: دخلت على عنان جارية الناطفي، وقد ضربها مولاها وهي تبكي، فقلت:
إن عنانا أرسلت أدمعاً ... كاللؤلؤ المرفض من خيطه
فأشارت عنان إلى مولاها وقالت:
فليت من يضربها ظلماً ... تجف بمناه على سوطه
فقال مولاها: هي حرة لوجه الله إن ضربتها ظالما أو غير ظالم.
قال الحجاج للحكم بن المنذر بن الجارود: أنت الذي يقول لك الشاعر:
يا حكم بن المنذر بن الجارود ... سرادق المجد عليك ممدود
أنت الجواد بن الجواد المحمود
قال: نعم؛ قال: لأجعلن سرادقك السجن. فأنشأ الحكم يقول:
متى ما أكن في حبس أروع ما جد ... فاني على ريب الزمان صبور
فلو كنت أخشى الحبس والقيد لم أجب ... دعاءك إذ كان الدعاء غرور
وقد عشت دهراً لا أخوف بالتي ... تخاف ولا يسطو علي أمير
فخلى سبيله؛ ثم اعتل عليه بعد فحبسه حتى مات في حبسه.
المعتضد: لا أخرج عدوي من حبسي إلا إلى قبره.
محمد بن هارون بن مخلد:
يعز علينا أن نزورك في الحبس ... ولم نستطع نفديك بالمال والنفس
فقدنا بك الأنس الطويل وعطلت ... مجالس كانت منك تأوى إلى أنس
لئن سترتك الجدر عنا فربما ... راينا جلايب السحاب على الشمس
أنشد الجاحظ لصقلات المعلم:
وكيف يرجى العقل والحزم عند من ... يروح إلى أنثى ويغدو إلى طفل
وأنشد:
فإن كنت قد بايعت مروان طائعاً ... فصرت إذاً بعد المشيب معلما
وفارقت قومي مؤثراً لعدوهم ... وأصبحت فيهم ذاهل العقل مفحما
آخر:
جمعت الذي لو كان يؤلم من أذى ... فيشكي لهانت عنده أم ملدم
غباوة أصحاب الحديث ونوكهم ... وبذخ المغني في جنون المعلم
رأى زهير بن نعيم رجلاً معه ابنه فقال: أهذا ابنك؟ قال: نعم؛ قال: احذر لا يراك وأنت تعصي الله فيجترى عليك.
أنشد ابن الأعرابي:
وليس بتعزيز الأمير خزاية ... على ولا عار إذا لم يكن حداً
ولا الحبس إلا ظل بيت دخلته ... ولا السوط إلا جلدة صادفت جلدا
لما تزوج شريح زينب زارتها أمها بعد سنة، فقالت له: لم يضم الرجل إلى نحره شراً من ورهاء، وإنما زينب من النساء، فإن رابك منها شيء فالسوط، فضحك ثم قال:
رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلت يميني يوم أضرب زينبا
وكل محب يمنح الود ألفه ... ويعذره يوماً إذا هو أذنبا
الخطيم العكلي:
يقول لي السجان وهو يسوقني ... إلى السجن لا تجزع فما بك من بأس
وما البأس إلا أن يصدق كاذب ... ويترك عذري وهو أضحى من الشمس
وشيبنس أن لا تزال عظيمة ... يجيء بها غيري ويرمى بها رأسي
مروان بن أبي حفصة:
أن يحبسوني فالكريم يحبس ... إني لسامي الناظرين أشوس
مصابر حين تجيش الأنفس ... عرضي نفسي وأديمي أملس
الخولاني:
إن السياط تركن لاستك منطقاً ... كمقالة التمتام ليس بمعرب
يقال للرجل إذا سود وجهه وشهر: أخرجوه في أم محمد لأنهم يصيحون حواليه يا أم محمد أبصري نقش؛ كان من شهر في الزمن الأول اسمه محمد وقيل له ذلك فشاع. والمراد بالنقش السواد. والنجبيه: أن يجعل وجهه قبل دبر الدابة إذا حمم من الجبهة. ومنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة من العقوبة على من أحصن؟ قالوا: يجبه.

محمد بن صبيح بن السماك الواعظ: يا ابن آدم أنت في حبس، مذ كنت أنت في الصلب محبوس، ثم تخرج إلى الرحم فتكون محبوساً، ثم تخرج إلى السرير والقماط فتكون محبوساً، ثم تنشأ فتصير في الكتاب في حبس، ثم تكبر فتصير محبوساً فالكد على العيال، ثم تصير في القبر محبوساً، فاطلب لنفسك الراحة بعد الموت حتى لا تكون أيضاً في حبس.
ابن أبي عيينة:
يتغنى القيد في رج ... ليه ألوان الغناء
باكياً لارقأت عي ... ناه من طول البكاء
كان باليمامة أعرابي وال على الماء، فإذا اختصم إليه اثنان، وأشكل عليه القضاء، حبسهما حتى يصطلحا، ويقول: دواء الليس الحبس.
حبس خالد بن عبد الله القسري الكميت بن زيد، وكانت أمرأته تختلف إليه في ثياب وهبأة، فلبس يوما ثيابها وخرج، فقال:
خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل ... على الرغم من تلك النوابح والمشلى
علي ثياب الغانيات وتحتها ... صريمة عزم أشبهت سلة النصل
كان خالد يعذبه يوسف بن عمر فمر به الفرزدق وهو منصوب للضرب فقال: طد قدميك في الأرض، وانصب جنبيك، وأعضض على أضراسك، فإنه أسهل لما يمر بدفتيك. قال ففعلت فوجدت راحة.
أقام عامل على دهقان عونين، وأمرهما بنتف سباله، فقال: لم تفعل هذا أصلحك الله؟ فقال: حتى تصحح خراجك، وخراج أهل بيتك، وخراج شركائك، فلما طال عليه رفع رأسه إلى العونين فقال: انتفا على بركة الله.
حبس الرشيد أبا العتاهية فكتب إليه أبياتا، فوقع: لا بأس عليك؛ فكتب إليه:
أمين الله إن الحبس بأس ... وقد وقعت ليس عليك بأس
آخر:
تمنيت أن تحيا حياة هنية ... وأن لا ترى مد الزمان بلابلا
رويدك هذى الدار سجن وقلما ... يمر على المسجون يوم بلا بلا
ذاك حامل درة، وآخذ على كتاب الله أجرة. أي معلم.
كان معلم يقعد أبناء المياسير في الظل، وأبناء الفقراء في الشمس، ويقول: يا أهل الجنة ابزقوا عل أهل النار.
قال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده: ليكن أول إصلاحك بني أصلاحك نفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، وعلمهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وتهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء، ولا تتكل على عذر مني، فقد اتكلت على كفاية منك.
وقال عبد الملك للمشعبي حين أخذ بتعليم ولده: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السفلة فإنهم اسوأ الناس رعاة، وأقلهم أدبا وعلما؛ وجنبهم الحشم فإنهم لهم مفسدة؛ واحف شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم تصح عقولهم، وتشد قلوبهم، وتصقل رؤوسهم؛ وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا؛ ومرهم أن يستاكوا عرضاً، ويمصوا الماء مصاً، ولا يعبوا عبا؛ فغن احتجت إلى أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في ستر لا يعلم به أحد من الغاشية، فيهونوا عليهم.
وقال آخر: تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه، فإن اصطكاك العلم في السمع، وازدحامه في الوهم، مضلة للفهم.
أبو بردة بن نيار: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لأحد أن يضرب أحدا فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله.
كلم شمعل التغلبي عبد الملك كلاما لم يرضه فرماه عبد الملك بجرز فخدش وهشم فقال شمعل:
أمن حذفه بالجزر منه تباشيرت ... عداتي فلا عار علي ولا نكر
وإن أمير المؤمنين وعتبه ... لكالدهر لا عار بما فعل الدهر
ضم عبد العزيز إلى ابنه صالح بن حسان، فاغضبه وصيف له، فقال: أعظك الله بكذا، ولا يكنى؛ فنفر منها صالح واشماز، فرأى ذلك عمر في وجهه فقال: لا أعود ولن يسمعها مني. فقال صالح: أرأيت لو أن رجلاً قال لعبد العزيز في مجلسه: يا عبد العزيز خذ هذه الحشفة فأدخلها في است هذا الكلب، أترى أنه قد أساء وقصر بعبد العزيز؟ فقال: سبحان الله!! ومن يقول له ذلك؟ قال صالح: فالله، والله، أحق وأحق أن يعظم ويوقر من خلقه. قال صالح: فما رأيت بعد تلك السقطة منه ما أكره، وما رأيت أحدا الله أجل في صدره من عمر.

كان لعامر بن عبد الله بن الزبير ابن لم يكن يرضى سيرته فحبسه، وقال: لا أخرجك حتى تحفظ كتاب الله؛ فأرسل إليه: يا ابت قد حفظت كتاب الله فأخرجني؛ فأرسل إليه: لا بيت خير لك من بيت جمعت فيه كتاب الله فأقم. فما أخرج إلا لجنازة عامر، ولقد دخل شابا واخرج شيخا.
اشترى طلحة بن عبد الله بن عوف مهريا بثلاثين دينارا فانقلب بالبائع إلى داره لينقد له الثمن، وقد وضع له الغداء، فقال: كل، فأبى وقال: علج لي حقي، فقال: والله لا أعطيك الثمن أو تأكل؛ فغضب وانصرف، فقيل له: هو النجاشي الحارثي، فرده فأعطاه الجمل والدنانير؛ فقال النجاشي: بأبي أنت وأمي والله ما عوتب عتيق خيل قط إلا أعتب.
لما كبر عبد الله بن جدعان أخذت بنو تيم على يده، ومنعوه أن يعطي ماله، فإذا أتاه السائل قال: أدن مني فيلطم وجهه، ثم يقول اذهب فاطلب لطمتك أو ترضى منها؛ فيطالبه الرجل بلطمته، فترضيه بنو تيم من ماله، وذلك عنى ابن الرقيات بقوله في قصيدة يذكر فهيا سادات قريش:
والذي إن أشار نحوك لطماً ... تبع اللطم نائل وعطاه
لبعض ولد نهيك بن أساف الأنصاري في الحكم بن المطلب المخزومي.
خليلي إن الجود في السجن فابكيا ... على الجود إذا شدت عليه مرافقه
ترى عارض المعروف في كل ليلة ... وكل ضحى يستن في السجن بارقه
إذا صاح كبلاه طفا فيض بحره ... لزواره حتى ترام غرائقه
كانت بوجه عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عمر شجة يستحسنها الناس، فكان النساء يخططن في وجوههن بالغالية على مثال شجة عبد الحميد.
أخذ علي رضي الله عنه رجلا من بني أسد في حد، فاجتمع قومه ليكلموا عليا، وطلبوا إلى الحسن أن يصحبهم، فقال: ائتوه فهو أعلى بكم عينا؛ فدخلوا إليه، فرحب بهم، وقال لهم معروفاً، وسألوه، فقال: لا تسالوني شيئاً أملكه إلا أعطيتكم؛ فخرجوا وهم راضون، يرون أنهم قد أنجحوا؛ فسألهم الحسن فقالوا: أتينا خير مأتي، وحكوا له قوله؛ فقال ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم فافعلوه، فأخرجه علي فحده، ثم قال: هذا لله لست أملكه.
جاء رجل من الأنصار واضعاً خشبة على منكبه، فقال يا رسول الله أين هؤلاء الذين لم يصدقوا ربهم حتى حلف لهم، قال: فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون؛ قال: ما تصنع بهم؟ قال: ضربهم بخشبتي هذه.
شهد رجل عند عمر بن عبد العزيز فقال له: ن يعرفك؟ قال: مولاي إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله، فسأل إبراهيم فقال: ما أعلم خصلة من خصال السوء إلا وهي فيه، إلا أنه يأخذ جلدتكم هذه فيستكمل بها خصال السوء. أراد السوط وأن يكون عريقاً.

باب
البخت وذكر الإقبال والإدبار والسعد والنحس واليمن الشؤم والنكد والخيبة والفلج والرزق والحرمان ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ألا ترى أن آدم كان في الجنة في عيش رغد، فأخرج منها إلى الدنيا بالمعصية التي كانت منه.
موسى عليه السلام قال في مناجاته: يا رب لم ترزق الأحمق وتحرم العاقل؟ فقال: ليعلم العاقل أنه ليس في الرزق حيلة لمحتال.
كان أبو نافع مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تاجراً مجدوداً إذا اشترى شيئاً غلا من يومه، وإذا باعه رخص من يومه، فقيل لكل مبخوت: له بخت أبي نافع.
قسم عمر رضي الله عنه قسا، فأمر لرجل بلقحة، فاتبعها فصيلان لها، فردهما، فقال عمر: دعها، ثم تمثل بقول علقمة بن عبدة.
ومطعم الغنم يوم الغنم مطمعة ... أنى توجه والمحروم محروم
علي رضي الله عنه: عيبك مستور ما أسعدك جدك.
وعنه: شاركوا الذي قد أقبل عليه الرزق، فإنه أخلق بالغنى، وأجدر باقبال الحظ.
أبو ذر: عن النبي صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع.
قيل لبزرجمهر: تعال فتناظر في القدر، فقال: وما أصنع بالمناظرة!! رأيت ظاهرا دل على باطن، رأيت أحمق مروزقا، وعالما محروما، فعلمت أن التدبير ليس إلى العباد.
المتقدم في الحذق متأخر في الرزق.
والمرء يرزق لا من حسن حيلته ... ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي
فيلسوف: افراط العقل مضر بالجد.

ابن دريد: أوضح الدلائل على ضعف الرجل في صناعته أن يكون محظوظاً منها؛ لأنك لا تكاد تجد متناهياً في حرفته إلا وجدته متناهيا في حرفته.
قيل لأفلاطون: لم لا تجتمع الحكمة والمال قل: لعزة الكمال حكيم: استأذن العقل على الحظ فحجبه، فقال: أتحجبني وأنا خير منك؟ فقال: وأنت ما تساوي إذا لم أكن معك؟ قيراط من حظ خير من كر عقل.
أبو الشيص:
من الناس ناس لا تنام جدودهم ... وحظي ولا كفران لله نائم
حرفة الأدب أعدى من الجرب.
ابن المبارك: لو لم نزهد في الدنيا إلا لأنها في أيدي الأنذال، لكان ينبغي لنا أن نزهد فيها.
يزجمهر: وكل الله الحرمان بالعقل، والرزق بالجهل، ليعلم أن لو كان الرزق بالحيلة لكان العقل أعلم بوجوده مطلبه، والاحتيال لمكسبه.
التقي ملكان فتساءلا فقال أحدهما: أمرت بسوق حوت اشتهاه فلان اليهودي؛ وقال الاخر: أمرت باهراقة زيت اشتهاه فلان العابد.
دخل يحيى بن أكثم عل المأمون، وفيه بعض الرثاثة، فسأله عن حاله، فأنشأ يقول:
صفت الدنيا لاولاد الزنا ... ولمن يحسن ضرباً وغنا
وهي للحر مخاض كدر ... غبن الحر لعمري غبنا
فأمر له بمال ابتني به سوق يحيى ببغداد.
العتابي:
قد يرزق المرء لم يتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يؤت من طلب
وإنني واجد في الناس واحدة ... الرزق والنوك مقرونان في سبب
وخصلة قل فيها من يخالفني ... الرزق أروغ شيء عن ذوي الأدب
قالت أم الاسكندر في دعائها له: رزقك الله حظاً تخدمك به ذوو العقول، ولا رزقك عقلاً تخدم به ذوي الحظوظ.
قال أبو هفان: كان مروان بن أبي الجنوب من المرزوقين بالشعر مع تخلفه فيه، أعطاه المتوكل مائتي ألف دينار من ورق وذهب وكسوة. وقدله اليمامة والبحرين وطريق مكة، واختصه بمنادمته، وكان لا يزال يكرمه ويخلع عليه.
ابن طيفور:
وما الشعر إلا السيف ينبو وحده ... حسام ويفري وهو ليس بذي حد
ولو كان بالإحسان يرزق شاعر ... لأجدى الذي يكدى وأكدى الذي يجدي
كان المعتمد على الله ابن المتوكل يقول الشعر المكسور فيكتب بالذهب، ويغني به المغنون.
علي رضي الله عنه: الحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور.
فلان يكالب الرزق، ويغالب القدر، وليس ينال إلا ما قدر له.
سأل عمر رضي الله عنه الصحابة: من أغبط الناس عيشاً؟ فقال أبو الدرداء: من تحت التراب، قد واجه الحساب، وأمن العقاب، واستحق الثواب؛ فقال عمر: ليجتهد البلغاء أن يزيدوا فيها حرفاً.
فلان لو غرس الشوك لأثمر العنب.
فلان يقدح زنداً شحاحاً.
غرست غروساً كننت أرجو لحاقها ... وآمل يوماً أن تطيب جناتها
فإن أثمرت لي غير ما كنت أرتجي ... فلا ذنب لي أن حنظلت نخلاتها
لو انتهى إلى عذب فرات صار أجاجاً، أو أخذ ياقوتاً في كفه زجاجاً.
سعد المطر، قال الجاحظ: قيل له ذلك لأنه كان ملقى من المطر، أي يلقى الأذى من المطر، وهو الذي يقول:
أما الثياب فلا يغررك إن غسلت ... صحو يدوم ولا شمس ولا قمر
وممن مني بذلك مولى آل سليمان، جلس على طريق الناس، وقد رجعوا من الاستمطار وقد سقوا، فقال: ليس بي إلا سرورهم بالإجابة، وما مطروا إلا لأني غسلت ثيابي اليوم، ولم أغسلها قط إلا جاء الغيم والمطر؛ فليخرجوا غدا فإن مطروا فإني ظالم.
ولو أني أردت غسل ثيابي ... في حزيران عاد يوماً مطيرا
الهيثم بن القاسم الخثعمي:
قد يرزق الأحمق المرزوق في دعة ... ويحرم الأحوذي الأرحب الباع
كذا السوام تصيب الأرض محرمة ... والأسد منزلها في غير امراع
والناس من كان ذا مال وسائمة ... مدوا إليه بأبصار وأسماع
الخنوت:
تعرى المصيبات الفتى وهو عاجز ... ويلعب ريب الدهر بالحازم الجلد
ارسطو طاليس: حركة الإقبال بطيئة، وحركة الإدبار سريعة، لأن المقبل كالصاعد من مرقاة إلى مرقاة، والمدبر كالمقذوف به من علو إلى سفل.

طويس المخنث مثل في الشؤم. ولد ليلة توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفطم ليلة توفي أبو بكر، وبلغ الخنث يوم قتل عمر، وتزوج يوم قتل عثمان، وولد له ليلة قتل في صبيحتها علي بن أبي طالب عليه السلام. وكان يقول: يا أهل المدينة ما دمت بن طهرانيكم فتوقعوا خروج الدجال، فإن مت فأنتم آمنون.
للبستي:
وصير طوس معقله فكانت ... عليه طوس أشأم من طويس
كان ببغداد كاتب ظريف، إلا أنه لم يستكتبه أحد إلا سلط عليه الدمار، فتحاموه تطيرا منه؛ فطلب نصر بن منصور بن بسام كاتبا فاضلا، فقيل: أصبناه لك لولا قيل، ولولا قيل، وهو مشؤوم؛ قال: لا عدوى ولا طيرة، ائتوني به، فبره واستكتبه، فما مضت أيام أن برسم نصر ومات. فقال ابن عائشة فيه:
آخر قتلاه إذا حصلوا نصر بن منصور بن بسام
وكان بالسيف يلاقيهم ... قصار يلقاهم ببرسام
ونظيره حاجب عبيد الله:
يا سعد إنك قد خدمت ثلاثة ... كل عليه منك وسم لائح
وبدأت تخدم رابعاً لتبيره ... رفقاً به فالشيخ شيخ صالح
يا حاجب الوزراء إنك عندهم ... سعد ولكن أنت سعد الذابح
أمر عبد الملك بن مروان بضرب عنق خارجي، فقال: يا أمير المؤمنين ما هذا جزائي منك. قال: كيف؟ قال: والله ما خرجت معه إلا نظرا لكن وتقربا إليك، فإني ما صحبت أحدا إلا هزم وقتل وصلب، ولكوني عليك مع غيرك خير لك من مائة ألف معك، فضحك وأطلقه.
يزيد بن محمد المهلبي:
وإذا جددت فكل شيء نافع ... وإذا حددت فكل شيء ضائر
عبد الله بن أبي الشيص:
أظن الدهر قد آلى فبرا ... بأن لا يكسب الأموال حرا
ابن الحجاج:
خاطر يصفع الفرزدق في الش ... عر ونحو يصك وجه الكسائي
غير أني أصبحت أضيع في القو ... م من البدر في ليالي الشتاء
الحمدوني:
ما ازددت من أدبي حرفاً أسر به ... إلا تبدلت حرفاً تحته شوم
إن المقدم في الدنيا بصنعته ... أني توجه منها فهو محروم
المنتصر بن المتوكل:
متى ترفع الأيام من قد وضعته ... وينقاد لي دهر على جموح
أعلل نفسي بالرجاء وإنني ... لأغدو على ما ساءني وأروح
قطع على رجل فلقيه صديق له فقال: أحسبك جئت بخفي حنين. فقال: يا سيدي تلقاني حنين في الطريق فأخذ الخفين من رجلي وتركني حافيا.
إذا أقبل البخت باضت الدجاجة عل الوتد؛ وإذا أدبر انشق الهاون بالثمد.
أبو علي العدوي من أهل أرزن:
العقل ليس بمسعد خلقاً إذا ... ما عال حتى يسعد المقدود
وحكومة الأيام يسعد جاهل ... فيها ويشقى البارع النحرير
أيامه متبعة هواه، ولياليه قيام بما يهواه. مطعم الغنم يفلق الصخر جده.
الأعشى:
ولو بت تقدح في ظلمة ... صفاة ينبع لأوريت نارا
رجع بحمر النعم موقرة ببيض النعم.
قطع جعفر بن سليمان رزق إبراهيم بن هرمز البصري، فكتب إليه:
إن الذي شق فمي ضامن ... للرزق حتى يتوفاني
حرمتني خيراً قليلاً فماذا ... زادك في مالك حرماني
حكيم: أسعد الناس من كان القضاء له مساعدا، وكان لمساعدته إياه أهلا.
كعب بن جعيل:
زكنت كمرتاد بمنقاره الثرى ... فصادف عين الماء إذ يترسم
آخر:
وثنيت آمالي على أدراجها ... وصرفت خائبة وجوه رجائي
ورجعت عنك بما يعود بمثله ... راجي السراب بقفرة بيداء
رجعت آمالهم خاسئة عل أذنابهم، ناكصة على أعقابها.
كتب أبو مسلم إلى ابراهيم الإمام بهرب نصر بن سيار فتمثل يقول خداش بن زهير:
وما برحت بكر تثوب وتدعى ... ويلحق منهم أولون وآخر
لدن غدوة حتى أتى الليل وانجلت ... عماية يوم شره متظاهر
وما زال ذاك الدأب حتى تخاذلت ... هوازن وارفضت سليم وعامر
وكانت قريش يفلق الصخر جدها ... إذا أوهن الناس الجدود العواثر

كانت لكثير بن الصلت القرشي دار بالمدينة، ما كانت دار تساويها، فطلبها معاوية، فقال ما إلى بيعها سبيل وفيها مائة مخمرة. فحرمه معاوية عطاءه، وكانت له عليه مائة ألف، فكتب إلى مروان أن طياله بها، فضاق عليه الأمر، فكتب إلى معاوية يستعطفه، وصار إلى سعيد بن العاص يستعينه على الدين؛ فأصبح ذات يوم وقد ورد عليه كتاب معاوية بالأفراج عنه وبمائة ألف لعطائه، وحملت إليه من دار سعيد مائتا ألف، فأحاط به الفلاح من كل وجه؛ وضرب المثل بغداة كثير، فقيل لقيته غداة كثير.
العباس بن ريطة الرعلي:
وأهلكني أن لا يزال يكيدني ... أخو حنق في القوم حران ثائر
وذلك ما جرت علينا رماحنا ... وكل امرئ يوماً به الجد عاثر
آخر:
يخيب الفتى من حيث يرزق غيره ... ويعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه
آخر:
كالصيد يحرمه الرامي المجيد وقد ... يرمي فيحرزه من ليس بالرامي
آخر:
إن الأمور إذا دنت لزوالها ... فعلامة الإدبار فيها تظهر
آخر:
وما منع الفتح بن خاقان نيله ... ولكنها الأقدار تعطى وتحرم
آخر:
إذا كبا بالفتى زمان ... لم يغن حزم ولا حذار
آخر:
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأكثر ما يجنى عليه اجتهاده
الحسين: وكل الله الحرمان بالعقل، ووكل الرزق بالجهل، ليعتبر العاقل فيعلم أن الرزق ليس بالعقل.

باب
تبدل الأحوال واختلافها وتبدل الدول وانقلابها ووقوع الفتن والنوائب وعزل الولاة وسوء عواقبهم ونحو ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى يكون عليكم أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأعوان خونة، وعرفاء ظلمة، وقراء فسقة، سيماهم سيما الرهبان، وقلوبهم أنتن من الجيفة، أهواؤهم مختلفة، يفتح الله عليه فتنة غبراء مظلمة، فيتهوكون فيها كما تهوكت اليهود، فو الذي نفسي بيده لينتقضن الإسلام عروة عروة، حتى لا يقال لا إله إلا الله.
علي رضي الله عنه في صفة فتنة: تكيلكم بصاعها، وتخبطكم بباعها، قائدها خارج من الملة، قائم على الضلة، فلا يبقى يومئذ منكم إلا ثفالة كثفالة القدر، أو نفاضة كنفاضة العكم، تعرككم عرك الأديم، وتدوسكم دوس الحصيد، وتستخلص المؤمن منكم استخلاص الطير الحبة البطينة من بين هزيل الحب.
وعنه: إذا غضب الله على أمة غلت أسعارها، ولم تربج تجارها، ولم تزك ثمارها، ولم تغرز أنهارها، وحبس عنها أمطارها، وغلبها شرارها.
اختلف في مفتاح الفتن، فقيل: مقتل عثمان، وقيل مقتل الحسين، في مجلس الوزير عبيد الله بن سليمان، فحكم الحسن بن علي الكاتب فقال: الأمر في ذلك أقرب متناولاً من أن يقع لأحد فيه شك، أنظروا أشدهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الأشد على المسلمين. فقال الوزير: لله درك من صادع بالحق، حاكم بالعدل.
بعضهم: بينا هذه الدنيا ترضع بدرتها، وتصرح عن زبدتها، وتلحف فضل جناحها، وثغر بركود رياحها، إذ عطفت عطف الضوس، وضرحت ضرح الشموس، وأراقت ما حلبت من النعيم؛ فالفائز من لم يغر بنكاحها، واستعد لو شك طلاقها.
الشعبي: لا تذهب الدنيا حتى يصير العلم جهلاً، والجهل علما.
سديف في خطبة: قد صار فيئنا دولة بعد القسمة، وامامتنا غلبة يعد المشورة، وعهدنا ميراثا بعد الاختبار للأمة، واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة، وحكم في أبشار المسلمين أهل الذمة، وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة؛ اللهم وقد استحصد زرع الباطل وبلغ نهيته، وحرف وليده، وساتكحع طريده، وضرب بجرانه؛ اللهم فأتح له من الحق يداً حاصدة تبدد شمله، وتفرق أمره، ليظهر الحق في أحسن صورته وأتم نوره.
أهاب بن همام بن صعصعة المجاشعي:
لعمر أبيك فلا تجزعي ... لقد ذهب الخير إلا قليلاً
وقد فتن الناس في دينهم ... وخلى ابن عفان شراً طويلا
أبو العتاهية:
يعمر بيت بخراب بيت ... يعيش حي بتراث ميت
كان معاوية يقول: معروف زماننا منكر زمان قد مضى، ومنكره معروف زمان لم يأت.

عن شيخ من همدان: بعثني أهلي في الجاهلية إلى ذي الكلاع بهدايا فمكثت حولاً لا أصل إليه، ثم أشرف اشرافة من كوة له فخر من حول القصر سجداً. ثم رأيته بعد، وقد هاجر إلى حمص، يشتري اللحم، بدرهم، ويسمطه خلف دابته. وهو القائل:
أف للدنيا إذا كانت كذا ... أنا منها في عناء وأذى
إن صفا عيش امرئ في صحبها ... جرعته ممسيا كأس القذى
ولقد كنت إذا ما قيل من ... أنعم الناس معاشاً قيل ذا
كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فاشتد على الصحابة، فقال عليه الصلاة والسلام: إن حقا على الله أن لا يرفع شيئاً من هذه الدنيا إلا وضعه.
أنس: ما من يوم والليلة، ولا شهر ولا سنة، إلا والذي قبله خير منه؛ سمعت ذلك من نبيكم صلى الله عليه وسلم.
يونس بن ميسرة: لا يأتي علينا زمان إلا بكينا منه، ولا تولى عنا زمان إلا بكينا عليه. ومنه قوله:
رب يوم بكيت منه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه
ونحوه قول المشرك المصري:
أبكي إلى لقياهما حتى إذا ... دنوا إلي بكيت من لقياهما
أبو العتاهية:
يا صاحب الدنيا المحب لها ... أنت الذي ما ينقضي تعبه
أن ساتهانتها بمن صرعت ... لبقدر ما تعلو به رتبه
عبد الله بن خنيق الأنطاكي: ما بقي على وجه الأرض مستوحش منه، أولهم أنا.
مر أبو سفيان بعد إسلامه باحد، فقيل له: أي يوم لك هاهنا!! فقال: والآن لو وجدت رجالاً.
إذا كان آخر الزمان قام القريع بصفع البابغان: وجد في صندوق عبد الله بن الزبير صحيفة فيها مكتوب: إذا كان الحديث خلفاً، والمقيت ألفاً، وكان الولد غيظاً، والشتاء غيضاً وغاض الكرام غيضاً، وفاض اللئام فيضا، فأعنز عفر، في جبل قفر، خير من ملك بني النضر.
إسماعيل بن عمار الأسدي:
بكت دار بشر شجوها إذ تبدلت ... هلال بن مرزوق ببشر بن غالب
وما هي إلا كالعروس تنقلت ... على رغمها من هاشم في محارب
نصر بن يسار حين جاشت خراسان بالمسودة:
أرى خلل الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تذكى ... وإن الشر مبدؤه كلام
وقلت من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام
بعض العلوية:
أرى ناراً تشب بكل واد ... لها في كل ناحية شعاع
وقد نامت بنو العباس عنها ... وباتت وهي آمنة رتاع
كما رقدت أمية ثم هبت ... لتدفع حين ليس بها دفاع
كتب مفلس على فص خاتمه: اصبر فالدهر دول.
سقراط: إذا رأت العامة منازل الخاصة حسدتها، وتمنت أمثالها؛ فإذا رأت مصارعها بدا لها، واغتبطت بحالها.
وإنما الدنيا دول كراحل فيها نزل أو نازل قيل رحل قيل لابن الجهم بعدما صودر: أما تفكر في زوال نعمتك؟ قال: لا بد من الزوال، فلأن تزول نعمتي وأبقى خير من أن أزول وتبقى.
أنشد السيرافي لابن الأعرابي:
عن الأيام عد فعن قليل ... ترى الأيام في صور الليالي
علي رضي الله عنه: ما قال الناس لشيء طوبى، إلا وقد خبأ الدهر له يوم سوء.
من كلام الجاهلية الأولى: كل مقيم شاخص، وكل زائد ناقص.
ابن المعتز: تذل الأشياء للتقدير، حتى يصير الهلاك في التدبير.
عقدوا ألوية الفتنة، واطلقوا عقال البدعة.
بشار بن برد: لقد كنت في زمان، وأدركت أقواماً لو احتفلت الدنيا ما تحملت إلا بهم، وإني لفي زمان ما أرى عاقلاً حصيفا، ولا فاتكا طريفا، ولاناسكا عفيفا، ولا جواداً شريفا، ولا خادماً نظيفا، ولا جليسا خفيفا ولا من يساوي على الخبرة رغيفا.
العباس بن عبد المطلب:
إذا مجلس الأنصار خف بأهله ... وحلت بواديهم غفار وأسلم
فما الناس بالناس الذين عهدتهم ... ولاالدار بالدار التي كنت تعلم
حماد الرواية شاهدنا في هذا المسجد، يعني مسجد الكوفة، قوماً كانوا إذا خلعوا الحذا وعقدوا الحبى، وناشوا أطراف الحديث، أخبروا السامع وأخرسوا الناطق.

كتب أبو العيناء إلى عبيد الله بن سليمان في نكبته: قد علمت أطال الله بقاك أن الكريم المنكوب أجدى على الأحرار من اللئيم الموفور، لأن اللئيم يزيد من النعمة لؤما، لا يزيد المحنة الكريم إلا كرما، هذا متكل على رازقه، وذا يسيء الظن بخالقه.
كتب معاوية إلى زياد: اعزل حريث بن جابر: فإني ما اذكر فتنة صفين إلا كانت حزازة في صدري. فكتب إليه خفض عليك يا أمير المؤمنين، فقد بسق حريث بسوقاً لا يرفعه عمل، ولا يضعه عزل.
وروي أنه كتب إليه: أنظر رجلاً يصلح لثغر الهند فوله. فكتب زياد: أن قبلي رجلين يصلحان لذلك: الأحنف بن قيس، وسنان بن سلمة، فكتب معاوية: بأي يومي الأحنف بن قيس، وسنان بن سلمة، فكتب معاوية: بأي يومي الأحنف بن قيس نكافيه، أبخذلان أم المؤمنين، أم بسعيه علينا يوم صفين؟ فوجه سنانا. فكتب إليه: أن الأحنف قد بلغ من الشرف ومن الحلم والسؤدد ما لا ترفعه الولاية ولا يضعه العزل.
أنشد هشام بن عروة لزيد بن عمرو بن نفيل:
إذا كان لخطاء أقل ضراً ... وأنفع في الخطوب من الصواب
وكان النوك يلحق بالثريا ... وكان العقل يدفن في التراب
وعطلت المكارم والمعالي ... وأغلق دون ذلك كل باب
وأقصى كل ذي حسب ودين ... وقرب كل مهتوك الحجاب
وولي بعضهم حرباً وخرجاً ... وولي بعضهم فصل الخطاب
فما أحد أظن بما لديه ... من المتحرج المحض اللباب
مطرف: لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك، ولين رياسهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم، وسوء منقلبهم.
شيخ منؤبني تميم: ما أسرع انتقالهم وما هم فيه، ثم بكى وقال: إن عمرا قصيرا يستوجب صاحبه النار مشؤوم على صاحبه.
مر بعضهم على قصر خرب فقال: ذهبت أعمارهم، وبقيت أعمالهم.
لما قتل عامر بن إسماعيل مروان بن محمد، ونزل في داره، وقعد على فرشه، دخلت عليه عبدة بنت مروان فقالت: يا عامر إن دهراً أنزل مروان عن فرشه، وأقعدك عليها، لمبلغ في عظتك أن عقلت.
مالك بن دينار: مررت على قصر تضرب فيه الجواري بالدفوف ويقلن:
ألا يا دار لا يدخلك حزن ... ولا يذهب بساكنك الزمان
ثم مررت عليه بعد حين وهو خراب، وثم عجوز فقالت: يا عبد الله قد والله دخلها الحزن، وذهب بأهلها الزمان.
أبو العتاهية:
لئن كنت بالدنيا بصيراً فإنما ... بلاغك منها مثل زاد المسافر
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر
عبد الملك بن عمير: رأيت رأس الحسين عليه السلام بين يدي ابن زياد في قصر الكوفة، ثم رأس ابن زياد بين يدي المختار، ثم رأسه بين يدي مصعب، ثم رأسه بين يدي عبد الملك. قال سفيان: فقلت له: كم كان بين أول الرؤوس وآخرها؟ قال: ثنتا عشرة سنة.
كان للنعمان بن المنذر بن ماء السماء وهو النعمان الأصغر الذي قتله أبرويز تحت أرجل الفيلة قبل مبعث الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وولى مكانه إياس بن قبيصة بنتان قد ترهبتا: هند صاحبة دير هند بنته بظاهر الكوفة، والحرقة؛ وحين فتح خالد ابن الوليد عين التمر، سأل عن الحرقة، فأتاها وسألها عن حالها فقالت: لقد طلعت علينا الشمس وما من شيء يدب حول الخورنق إلا تحت أيدينا، ثم غربت وقد رحمنا كل من يدور به، وما من بيت دخلته حبرة إلادخلته عبرة؛ وأنشأت تقول:
بينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن منهم سوقه نتنصف
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تيارات بنا وتصرف
وأتت سعد بن أبي وقاص في جوار لها في مثل زيها، فقال: سعد قاتل الله عدي بن زيد كأنه ينظر إليها حيث يقول:
إن للدهر صرعة فاحذرنها ... لا تبيتن قد أمنت الشرورا
قد يبيت الفتى معافى فيردى ... ولقد كان آمناً مسروراً
ثم أكرمها وأحسن جائزتها؛ فلما قامت قالت: أحييك تحية أملاكنا بعضهم بعضا: لا جعل الله لك إلى لئيم حاجة، ولانزع عن عبد صالح نعمة إلا جعلك سببا لردها عليه، فلقيها النساء وقلن: ما فعل بك الأمير؟ فقالت:
حاط لي ذمتي وأكرم وجهي ... إنما يكرم الكريم الكريما

دخل أبو الأملاك رضي الله عنه على أبي الذبان في يوم قر، وهو على فرش كاد يغيب فيها، فقال يا ابن عباس إني لأحسب اليوم أصبح باردا، قال: أجل وإن ابن هند عاش في مثل ما ترى أربعين سنة، عشرين أميرا وعشرين خليفة، ثم هو ذاك على قبره ثمامة نابته.
قال الأصمعي: بلغني ان عبد الملك بن مروان ومحمد بن جبير ابن معطم مرا بقبر معاوية، فإذا عليه ثمامة تهتز.
كان محمد بن عبد الله بن طاهر في قصره عل دجلة ينظر، فإذا هو بحشيش على وجه الماء، في وسطه قصبة على رأسها رفعة، فدعا بها فإذا فيها:
تاه الأعيرج واستعلى به البطر ... فقل له خير ما استعملته الحذر
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر
فما انتفع بنفسه مدة.
نبغ بعد الخمول، ونجم بعد الأفول، فاستطار سناه ثم خبا، ونهض به القضاء ثم كبا.
الخثعمي:
خنازير ناموا عن المكرمات ... فنبههم قدر لم ينم
فيا قبحهم عندما خولوا ... ويا حسنهم في زوال النعم
لا تكن ممن يحسن ما نقصت قدرته فإذا قدر قصر، ويحمل ما انقبضت يده فإذا انبسطت تغير.
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن
الدهر إذا أتى سجواء سجسج تعقبها بنكباء زعزع.
وكذلك شرب العيش فيه تلون ... بيناه عذب إذ تحول آجنا
يحيى بن خالد: أعطانا الدهر فأسرف، ثم عطف علينا فقصف.
فيا لنعيم ساعدتنا صدوره ... وخاست بنا اكفاله والروادف
استبدل من الطيب خبيثاً، واستعاض من التذكير تأنيثا.
تكدر من مناهله ما صفا، وتقلص من حواشيه ما ضفا.
أزل ملك سليمان فعاوده ... والشمس تنحط في المجرى وترتفع
بعضهم: رأيت إبراهيم بن المهدي في هذه الدار، يعني في دار الخلافة، في خمس طبقات: رأيته في أيام الرشيد والمأمون في طبقة الخلطاء، رأيته خليفة، ثم رأيته في مرتبة العامة، ثم رأيته في مرتبة الندماء، ثم رأيته في أيام المعتصم في مشايخ بني هاشم.
أنشد اسحق الموصلي إبراهيم بن المهدي حين حبس:
هي المقادير تجري في أعتنها ... فاصبر فليس لها صبر على حال
يوماً تريش خسيس الحال ترفعه ... إلى السماك ويوما تخفض العالي
فما أمسى حتى وردت عليه الخلع من المأمون ورضي عنه.
إذا أدبر الأمر أتى الشر من حيث يأتي الخير.
الراضي بالله: عند تقلب الأحوال تعرف جواهر الرجال.
زمام العافية بيد البلاء، ورأس السلامة تحت جناح العطب.
كان طاووس رحمه الله إذا قدم مكة نزل بصديق له، فقال ذات يوم: يا أبا عبد الرحمن، إن الدنيا أقبلت علينا حتى لو اشترينا ترابا لربحنا فيه، ولو أن البيضة سقطت من السطح لم تنكسر؛ فقطع النزول به. فأتاه الرجل بعد ذلك فقال: أن الدنيا قد أدبرت عنا؛ فنزل به فسأل الرجل، فقال: أني رأيت الله قد أدبر عنكم فأدبرت. ثم رأيت الله قد أقبل عليكم فأقبلت.
نحن في زمان إذا ذكرنا الموتى حييت القلوب، فإذا ذكرنا الأحياء ماتت.
عبيد الله بن الحر:
تبيت النشاوى من أمية نوماً ... وبالطف قتلى ما ينام حميمها
وما ضيع الإسلام إلاقبيلة ... تأمر نوكاها ودام نعيمها
وأضحت قناة الدين في كف ظالم ... إذا أعوج منها جانب لا يقيمها
ابن الرقاع:
زالت قضاعة عنها بعدما سكنت ... بها سنين فصارت أهلها مضر
آخر:
كانت على سالف الأيام مقبلة ... يحلها من سراة الناس خيار
فأدبرت منذ صار العلج يسكنها ... وللمنازل اقبال وادبار
من عجائب نوائب الدنيا قطع يد أبي علي ابن مقلة، ثم قطع لسانه، ثم مراسلته القاطع وهو الراضي بالله بعد ذلك في أن يستوزره، واطماعه في تصحيح المال الذي قطع بسببه، وإظهاره للأقتدار على الكتبة بحيلة يحتالها بيمينه أو بيساره.

ومن عجائب اتفاقاته أنه قلد الوزارة ثلاث دفعات، لثلاثة من الخلفاء: المقتدر والقاهر والراضي؛ وسافر في عمره ثلاث سفرات: اثنين إلى شيراز، وواحدة إلى الموصل؛ ودفن ثلاث مرات: دفن في دار السلطان، ثم سأل أهله تسليمه إليهم فنبش، ودفنه ابنه أبو الحسين في داره، ثم نبشته جهته المعروفة بالدينارية، فدفنته في دارها بقصر أم حبيب. ويروى له:
بعت ديني لهم بدنياي حتى ... حرموني دنياهم بعد ديني
ليس بعد اليمين لذة عيش ... يا حياتي بانت يميني فبيني
عزل الرشيد الفضل بن يحيى عن عمل وقلده جعفرا؛ فكتب يحيى إلى الفضل: قد رأى أمير المؤمنين أن تحول الخاتم من شمالك أبى يمنيك فأجاب الفضل: سمعا لأمير المؤمنين وطاعة، وما انتقلت عني نعمة صارت إلى أخي.
كتب عامل إلى المصروف به: قد قلدت العمل بناحيتك فهنأك الله تجدد ولايتك، وأنفذت خليفتي بخلافتك، فلا تحله من هدايتك، إلى أن يمن الله بزيارتك. فأجابه: ما انتقلت عني نعمة صارت إليك، ولا خلوت من كرامة اشتملت عليك، وإني لأجد صرفي ولاية ثانية، وصلة من الوزير وافية، لما أرجو لمكانك من حسن الخاتمة، ومحمود العاقبة، والسلام.
إبراهيم بن عيسى الكاتب في إبراهيم بن المدبر:
لتهن أبا اسحق اسباب نعمة ... مجددة بالعزل والعزل أنبل
شهدت لقد منوا عليك وأحسنوا ... لأنك يوم العزل أعلى وأفضل
الدورقي:
لا بد يا نفس من سجود ... في زمن السوء للقرود
هبت لك الريح يا ابن وهب ... فخذ لها أهبة الركود
أدخل عمرو بن الليث إلى بغداد على فالج كان أهداه إلى المعتضد فقال أبو علي بن الفهم:
ألم تر هذا الدهر كيف صروفه ... تكون يسيراً مرة وعسيراً
وحسبك بالصفار نيلا وعزة ... يروح ويغدو للجيوش أميرا
حباهم بأجمال ولم يدر أنه ... على جمل منها يقاد أسيرا
حطمة بن قندش الطائي يرثى أخاه:
وكان زئير الأسد لا يستفزني ... فلما مضى بصبصت عند النوائح
علي رضي الله عنه: وأيم الله ما كان قوم قط في خفض من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترموها، لأن الله تعالى ليس بظلام للعبيد؛ ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم، وتازول عنهم النعم، فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم، ووله من قلوبهم، لرد عليهم كل شارد، وأصلح لهم كل فاسد.
وعنه: لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها، عطف الضروي على ولدها، وتلا قوله تعالى: " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.
محمد بن سليمان الجرمي في زوال أمر محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر:
من كان يدري أن مثل محمد ... يغتاله ريب الزمان الأنكد
وهو الفتى لولاه ما افترع الندىعذر المكارم والعلى والسؤود
نفر الطائي:
ألا قالت بهيسة ما لنفر ... أراه غيرت منه الدهور
وأنت كذاك قد غيرت بعدي ... وكنت كأنك الشعري العبور
هانئ بن مسعود الذهلي:
إن كسرى عدا على الملك النعما ... ن حتى سقاه أم الرقوب
كل ملك وإن تصعد يوماً ... بأناس يعود للتصويب
المشرك المصري في بني الأطروش الماذرايئين:
أما تراهم وقد حطوا براذعهم ... عن أتنهم واستبدوا بالبراذين
وعرجوا عن مشارات البقول إلى ... دور الملوك وأبواب السلاطين

علي رضي الله عنه: قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا أدبارا، والشر إلا اقبالا، والشيطان في هلاك الناس إلا طعما؛ فهذا أوان قويت عدته، وعمت مكيدته، وأمكنت فريسته؛ اضرب بطرفك حيث شئت فهل تنظر إلا فقيراً يكابد فقرا، أو غنيا بدل نعمة الله كفران أو بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا، أو متمردا كأن بسمعه عن سمع الواعظين وفرا، أين خياركم وصلحاؤكم، وأين أحراركم وسمحاؤكم، وأين المتورعون في مكاسبهم، والمتنزعون في مذاهبهم؟ أليس قد ظعنوا جميعاً عن هذه الدنيا الدنية، والعاجلة المنغصة، وهل خلفتم إلا في حثالة لا تلتقي بذمهم الشفتان، استصغار لقدرهم، وذهابا عن ذكرهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ ظهر الفساد فلا منكر مغير، ولا زاجر مزدجر، أفلهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه، وتكونوا أعز أوليائه عنده، هيهات لا يخدع الله عن جنته، ولا تنال مرضاته إلا بطاعته.
الحرث بن عبد الله بن الحشرج الجعدي في زمن أبي مسلم:
أبيت أرعى لنجوم مرتفقاً ... إذا استقلت تجرى أوائلها
من فتنة أصبحت مجللة ... قد عم أهل الصلاة شاملها
من بخراسان والعراق ومن ... بالشام كل شجاه شاغلها
فالناس في كربة تكاد لها ... تنبذ أولادها حواملها
يغدون منها في ظل مبهمة ... عمياء تغتالهم غوائلها
أحيحة بن الجلاح الأوسي:
وما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعول
وما تدري إذا القحت شولا ... أتلقح بعد ذلك أم تحيل
ألقح فلان وأحال: إذا لقحت إبله وحالت.
وما تدري إذاأجمعت أمراً ... بأي الأرض يدركك المقيل
عزل احمد بن الخصيب، فقال بغا: أبطرته النعمة، فعالجته النقمة. وقال الحسن بن مخلد: لئن دخل مدخلا لا يشبهه، لقد خرج مخرجا يشبهه. وقال إبراهيم بن حمدون: طالت السفالة في دولته، وطلعت المروءة بزولته.
كان يعقوب بن داود، وزير المهدي؛ من أكرم الناس وأعفهم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأكثرهم خيرا، فأزال نعمته بانجاء علوي من قتله، وألقاه في بئر، وبنى عليها قبة فبقي فيها خمس عشرة سنة، أيام خلافته وخلافة الهادي وصدرا من خلافة الرشيد، حتى أخرجه الله بحرمة قذفها في قلب الرشيد؛ وكان السبب فيه انه حمل ذات ليلة بنية له على عاتقه، فتذكر حمل يعقوب إياه على عاتقه في صباه، فرق له، ورمى إليه بخاتم الوزارة فأباها، واستأذنه في المجاورة، فأذن له، فمات بمكة رحمه الله.
كشاجم:
يا معرضاً عني بوجه مدبر ... ووجوه دنياه عليه مقبله
هل بعد حالك خذه من حالة ... أو غاية إلا انحاط المنزلة
آخر:
من لم يذق غير الزمان وصرفه ... فليمس معتبراً بهذا البائس
هذا ربيعة فاعرفوه باسمه ... كان الأمير فصار كلب الحارس
كلب الحارس مثل في ساقط ينتمي إلى ساقط.
لا تقوم الولاية بذل العزل.
ابن المعتز:
وذل العزل يضحك كل يوم ... وينعر في قفا الوالي المدل
ألقى الدهر عليهم الكلكل، وشرب وأكل. اللئيم إذا ولي اهتبل، وإذا عزل ابتهل عادت سهول أموره حزونا، وذلول عيشه حرونا.
وقع الصاحب على رقعة عامل: إذا احتجنا إليك صرفناك، وإلا صرفناك.
أبو بكر الخوارزمي في معزول: الحمد لله الذي ابتلى في الصغير، وهو المال، وعافى في الكبير، وهو الجمال.
ولا عار إن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عاراً أن يزول التجمل
والمال حظ ينقص ثم يزيد، وظل ينحسر ثم يعود. وفلان المولى يوم يعزل، والمصون ساعة يبتذل، والكبير بنفسه وإن انفرد عن غيره، والمستأنس بفضله وأن استوحش من دهره.
أن الأمير هو الذي ... يضحى أميراً يوم عزله
أن زال سلطان الولا ... ية فهو في سلطان فضله
آخر:
الدهر ذوجول المرء ذو حيل ... فافزع الى جبل او فانتظر حولا
آخر:
ما من مسيء وإن طالت اساءته ... إلا ستكفيه يوما ما مساعيه
كتبت خظية إبراهيم بن المهدي إليه في الحبس، تستأذنه في يرطلة الموكلين به، حتى تصل إليه، فكتب إليها:
إذا أنت أزمعت الرواح فقل لها ... قد انقطعت عني وعنك المزاير

أرادت رجوع اللهو بعد انصرافه ... ولم تدر ماذا أحدثته المقادر
فإن أعص ريعان الشباب فربما ... أطعت إليه الجهل والحلم وافر
يغر الفتى مر الليالي سليمة ... وهن به عما قليل عوائر
فأخذت الرقعة، وأوصلت إلى المأمون، فبكى وأمر بتسهيل إذنها عليه.
لما زفت بنت عبد الله بن جعفر على الحجاج نظر إليها، وعبرتها تجري على خديها، فقال: مم بأبي وأمي؟ قالت: من شرف اتضع، وضعة شرفت.
قال عبيد بن شرية، وقد أتى عليه مائتان وعشرين سنة، وقد سأله معاوية عما رأى من القرون: أدركت الناس يقولون: ذهب الناس.
سوار بن الأسعر في وكيع بن أبي سود حين قتل قتيبة بن مسلم:
فإن نلت خيراً أو أصبت إمارة ... إلى بعض شهراً ويكون إلى شهر
فسقت وكم من فاسق قد رأيته ... أصاب ثراء ثم عاد إلى فقر
شعية بن غريض اليهودي:
إن امرء من الحوادث وارتجى ... طول الحياة كضارب بقداح
إن أمس قد سدت على مذاهبي ... أو أمس قد جمدت على لقاحي
فلقد أجر الخصم يخشى درؤه ... وأرد حد جماحه بجماحي
نابغة بني شيبان عبد الله بن المخارق:
ما من أناس وأن عزوا وأن كثروا ... إلا يشد عليهم شدة الذيب
حتى يصيب على عمد خيارهم ... بالنافذات من النبل المصايب
إني رأيت سهام الموت صائبة ... لكل حتف من الآجال مكتوب
من يلق بؤسا يصبه بعده فرج ... والناس بين أخي روح ومكروب
عبد الله بن عروة بن الزبير:
ذهب الذين إذا رأوني مقبلا ... هشوا إلي ورحبوا بالمقبل
وبقيت في خلف كأن حديثهم ... ولغ الكلاب تهاوشت بالمنزل
عبد الوهاب الشلمغاني:
فأحسن إن وليت بلا اساة ... فقد ناداك بالنصح الأديب
وإن الدهر ليس بذي وفاء ... وفي عطفاته العجب العجيب
عاصم الهلالي:
أضحت بجلية من فوقي مسلطة ... خطب جليل لعمري شأنه عجب
يا ليتني مت لم تظفر بجلية بي ... كذلك الدهر بالإنسان ينقلب
محمد بن عتاب الكاتب في جعفر بن محمود لما صرف عن وزارة المعتز:
في غير حفظ الله يا جعفر ... زلت فزاال الشر والمكر
كنت كثوب زانه طيه ... حيناً فأبدى عيبه النشر
ذلك العزل يضحك من تيه الولاية. نسخ فلان بفلان: إذا ولى مكانه.
الفرزدق:
بكت المنابر من فزارة شجوها ... فاليوم من قسر تضج وتجزع
وبنو أمية أضرعونا للعدا ... لله در ملوكنا ما تصنع
قالهما حين عزل عمر بن خبيرة بخالد بن عبد الله القسري.
منصور الفقيه:
قل لمصر إذا ترح ... لت عنها مودعا
يا حمى ما خطا به الل ... يث إلا مروعا
قل لنا ما الذي أعا ... دك للذئب مرتعا
أهلاك الحماة أم عج ... زهم أم هما معا
ركب الأصمعي حمارا دميما، فقيل له: أبعد براذين الخلفاء تركب هذا؟ فقال متمثلاً:
ولما أبت إلا أطرافا بودها ... وتكديرها الشرب الذي كان صافيا
شربنا برنق من هواها مكدر ... وكيف يعاف الرنق من كان صاديا
آخر:
أرى فتنة هاجت وباضت وفرخت ... ولو تركت طارت إليك فراخها
كثير:
فما ورق الدنيا بباق لأهله ... ولا شدة البلوى بضربة لازم
آخر:
رب قوم غبروا من عيشهم ... في سرور ونعيم وغدق
سكت الدهر زمانا عنهم ... ثم أبكاهم دماً حين نطق
أعرابي: هنا غناء لولا أنه فناء، وعلاء لولا أنه بلاء، وبقاء لولا أنه شقاء.
قد يكدي الجاد ويكل الحاد.
محمد بن يحيى الأسدي:
وآمن نكبات الدهر قلت له ... وأجهل الناس بالأيام آمنها
لا تغفلن ورحى الأيام دائرة ... فكم ترى غافلاً دقت طواحنها
ولى المتوكل حمدون بن إسماعيل موضع الزئبق وهو الشيز من ارض أذربيجان فقال:
ولاية الشيز عزل ... والعزل عنها ولاية

فولني العزل عنها ... إن كنت بي ذا عناية
دخل سعيد بن خالد بن أسيد على سليمان بن عبد الملك، وكان جوادا، إن لم يجد شيئاً كتب على نفسه صكا حتى يوسر، فتمثل له سليمان:
إني سمعت مع الصباح منادياً ... يا من يعين على الفتى المعوان
ثم قال حاجتك؟ قال: ديني؛ قال: كم هو؟ قال ثلاثون ألف دينار؛ قال: لك دينك ومثلاه وعشرة آلاف، فأمر له بمائة ألف دينار. فلما ولى هشام أتى بنو سعيد هشاما فقالوا: أن أبانا قد تركنا وما في قريش أحوج منا، فحجر عليه وأجرى عليه في كل يوم شاة، فقال: ويلكم زيدوني أبلغكم أني بازي.
عدي بن زيد العبادي:
أيها الشامت المعير بالده ... ر أأنت المبرا الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأي ... ام بل أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون أخلدن أم من ... ذا عليه من أن بضام خفير
أين كسرى كسرى الملوك أنوشر ... وان أم أين قبله سابور
أم بنو الأصفر الكرام ملوك الأر ... ض لم يبق منه مذكور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجل ... ة تجي إليه والخابور
شاده مرمراً وجلله كل ... ساً فللطير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد الس ... ملك عنه فبابه مهجور
وتبين رب الخورنق إذ أش ... رف يوماً وللهدى تفكير
سره حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضاً والسدير
فارعوى قلبه وقال وما غبط ... ة حي إلى الممات يصير
ثم بعد الفلاح والملك والأم ... سة وارتهم هناك القبور
ثم اضحوا كأنهم ورق جف ... فألوت به الصبا والدبور
أثنى رجل على مصعب بين يدي عبد الملك فقال: هو كما قلت:
ولكنه رام التي لا ينالها ... من القوم إلا كل خرق معمم
أراد أموراً لم يردها إله ... فخر صريعاً لليدين وللفم
ولي عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس المدينة، فأحسن السيرة ثم عزل، فاجتمع إليه اهلها فاستعبر وقال: أيكم ينشدني قول دراح الضبي:
فلا السجن أبكاني ولا القيد شفني ... ولكنني من خشية الموت أجزع
بلى أن قومي قد أخاف عليهم ... إذا مت أن يعطوا التي كنت أمنع
أم والله ما بكائي جزعا من العزل، ولا أسفا على الولاية، ولكني أخاف أن يلي هذه الوجوه من لا يعرف لها حقها.
كتب الأمين إلى طاهر: من عبد الله محمد أمير المؤمنين إلى طاهر بن الحسين، سلام عليك، أما بعد فإن الأمر قد خرج بيني وبين أخي إلى هتك الستور، وكشف الحرم، ولست آمن ان يطمع في هذا الأمر السحيق البعيد، لشتات الفتنا، واختلاف كلمتنا، وقد رضيت أن تكتب لي امانا لأخرج إلى أخي، فإن تفضل علي فأهل لذاك وإن قتلني فمروة كسرت مروة، وصمصامة قطعت صمصامة، ولئن يفترسني السبع أحب إلي من أن ينجني الكلاب.
قلما قرأه قال: الآن حين افخرم عنه مراقه وفساقه، وبقي مخذولا مفلولا يلوذ بالأمان!! لا والله أو يجعل في عنقه ساجورا يقول: قد نزلت على حكمك.
للأمين:
يا نفس قد حق الحذر ... أين الفرار من القدر
كل امرئ مما يخا ... ف ويرتجيه على خطر
من يرتشف صفو الزما ... ن يغص يوما بالكدر
/باب

الجزاء والمكافأة
وما ناسب ذلك من ذكر العوض والخلف ونحوه قدم وفد النجاشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام يخدمهم، فقيل: يا رسول الله لو تركتنا كفيناك، قال: هكذا كانوا يصنعون بأصحابي.
ابن عباس: عنه عليه الصلاة والسلام: قام عيسى عليه السلام في بني إسرائيل فقال: يا بني اسرائيل لا تظلموا، ولا تكافئوا ظالما فيبطل فضلكم عند ربكم.

وقف سائل عند علي رضي الله عنه فقال لأحد ولديه: قل لأمك هاتي درهما من ستة دراهم؛ فقالت: هي للدقيق؛ فقال: لا يصدق إيمان عبد حتى يكون ما في يد الله أوثق مما في يده؛ فتصدق بالستة. ثم مر به رجل يبيع جملا، فاشتراه بمائة وأربعين، وباعه بمائتين، فجاء بالستين إلى فاطمة، فقالت ما هذا؟ قال: هذا ما وعدنا الله على لسان أبيك من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها.
عبد الوهاب بن الصباح الكاتب المدائني:
ولولا النهى لاحت بأعناق معشر ... مياسم ينثى عارها في المواسم
وبعض انتقام المرء يزرى بعرضه ... وأن لم يقع إلا بأهل الجرائم
وما كل ذي قرض يجازى بمثله ... ألا إنما تجزى قروض الأكارم
وذكر ذنوب الوغد ترفع قدره ... وأن عبثت أطرافه بالمظالم
وله:
وكم معتد طاشت سفاهة رأيه ... به فنزا في البغي بعد حران
وكلت إلى ريب الزمان جزاءه ... وأكرمت عنه صولتي فجزاني
الأوزاعي: جاءه جار له، فقال: هذا عيد وما عندنا شيء، فقال لامرأته: أعطيه ما معك؛ فقالت: معي نيف وعشرون درهما فأشاطره؛ فقال أعطيه كلها عسى الله أن يبعث بخير منها. فإذا رجل يدق الباب، فأذن له، فقال: أني كنت عبداً لأبيك أبتعت فأكتسبت هذه الدنانير وهي نيف وعشرون ديناراً؛ فقال: أنت حر. ثم قال لامرأته: كيف رأيت صنع الله، أعطى بكل درهم ديناراً وأعتق نسمة.
يزيد بن خالد بن عروة بن الورد العبسي:
وكان أخي إذا ما عز مال ... وكنت عياله دون العيال
فما لي لا أجازيه بوفري ... لنسل أصبحوا في قل مال
حاجب بن زرارة:
ومثلي إذا لم يجز أحسن سعيه ... تكلم نعماه بفيها فتنطق
نظيره ثم يجزاه الجزاء الأوفى.
علي رضي الله عنه: عاقب أخاك بالاحسان إليه، وأردد شره بالأنعام عليه.
وعنه: أزجر المسيء بثواب المحسن.
وعنه: من لم يعط باليد القصيرة لم يعط باليد الطويلة.
الشافعي رحمه الله تعالى اجتاز بمصر في الحذائين. فسقط سوطه، فقام إنسان فأخذ سوطه فمسحه فناوله؛ فقال لغلامه: كم معك؟ قال: عشرة دنانير؛ قال: أعطه، وأعتذر إليه.
محمد بن الحصين الهباري:
ثكلتني التي تؤمل أدرا ... ك العلا بي وعاجلتني المنون
أن تولى بظلمنا عبد عمرو ... ثم لم تلفظ السيوف الجفون
علي رضي الله عنه: رد الحجر من حيث جاء، فإن الشر لا يدفعه ألا الشر.
قدم زياد على معاوية بهدايا فيها سقط جوهر، فأعجب به معاوية، فقال زياد: دوخت لك العراق، جبيت لك برها، ووجهت إليك بحرها؛ فقال يزيد: أن تفعل ذلك يا زياد فأنا نقلناك من ثقيف إلى قريش، ومن القلم إلى المنابر، ومن عبيد إلى حرب بن أمية. فقال معاوية: حسبك فداك أبوك.
استنشد عبد الملك عامراً الشعبي، فأنشده لغير شاعر حتى أنشده لحسان:
من سره شرف الحياة فلا يزل ... في عصبة من صالحي الأنصار
البائعين نفوسهم لنبيهم ... بالمشرفي وبالقنا الخطار
الناظرين بأعين محمرة ... كالجمر غير كليلة الأبصار
فقام أنصاري: يا أمير المؤمنين استوجب عامر الصلة قبل المسألة، له علي ستون من الأبل، كما أعطينا حسان يوم قالها؛ فقال عبد الملك: وله علي ستون ألفا وستون من الابل.
قيل لبرزجهر: أي شيء نلته أنت به أشد سروراً؟ قال: قوتي على مكافأة من أحسن إلي.
وسئل الأسنكدر: عن أفضل ما سره من مملكته؛ فقال: اقتداري على أن أكثر الأحسان إلى من ثبتت إلي منه حسنة.
أسر زفر بن الحرث النفيلي القطامي التغلبي، فمن عليه وأطلقه، فمدحه بقصيدتيه الدالية والعينية اللتين هما غرة شعره؛ وفي أحداهما، وهي الدالية:
من مبلغ زفر القيسي مدحته ... عن القطامي قولاً غير أفناد
فإن قدرت على يوم جزيت به ... والله يجعل أقواما بمرصاد
فقال زفر: لا أقدرك الله على ذلك اليوم، وقال في الأخرى: وهي العينية:
فلم أر منعمين أقل مناً ... وأكرم عندما اصطنعوا اصطناعا
من البيض الوجوه بني نفيل ... أبت أخلاقهم إلا اتساعا

أمر أنو شروان أن يكتب على ناووسه حين أحتضر: ما قدمناه من خير فعند من لا يبخس الثواب، وما كسبناه من شر فعند من لا يعجز عن العقاب.
عبد الرحمن بن سعيد بن يزيد بن عمرو بن نفيل:
أن تقتلونا يوم حرة وأقم ... فنحن على الاسلام أول من قتل
ونحن قتلناكم ببدر أذلة ... وأبنا بأسلاب لنا منكم نفل
فإن ينج منا عائذ البيت سالماً ... فما نالنا منكم وأن شفنا جلل
علي رضي الله عنه: ليس شيء بشر من الشر إلا عقابه، وليس شيء بخير من الخير إلا ثوابه، وكل شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه، وكل شيء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه.
وعنه: أحسنوا في عقب غيركم تحفظوا في عقبكم.
الطرماح:
أسرناهم وأنعمنا عليهم ... واسقينا دماءهم الترابا
فما صبروا لبأس عند حرب ... ولا أدوا لحسن يد ثوابا
جذيمة بن عوف الأنماري ضربه أثال بن لجيم فجذمه، فسمي: جذيمة؛ وضرب هو أثالا فحنف رجله فسمي حنيفة؛ وقال:
أن تكن خنصري بانت فإني ... بها حنفت حاملتي أثال
والبة بن الحباب الأسدي:
أن كان يجزى بالخير فاعله ... شراً ويجزى المسي بالحسن
فويل تالى القرآن في ظلم الليل وطوبى لعابد الوثن
نفيع بن صفار الكوفي للأخطل:
أبا مالك لا يدرك الوتر بالخنا ... ولكن بأطراف المثقفة السمر
قتلتم عميراً لا تعدون غيره ... وكم قد قتلنا من عمير ومن عمرو
إذا أكره الخطي فيهم تجشأوا ... شريحين من لحم الخنازير والخمر
الحصين بن الحارث العدوي:
لعل الله يمكن من سليم ... تميماً والدوائر قد تدور
فندرك ثأرنا منهم ونشفى ... أحاحاً قد تضمنه الصدور
عمرو بن العاص:
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل ... به منك دنيا فأنظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصراً فأربح صفقة ... أخذت بها شيخاً يضر وينفع
قدم المعذل البكري على المهلب فقال لمن حضره: يا معشر الأزد هذا الذي يقول:
جزى الله فتيان العتيك وأن نأت ... بي الدار عنهم خير ما كان جازيا
فجمعوا له خمسين وصيفا، وأعطاه المهلب خمسين وصيفا.
عبد الله بن أمية المخزومي:
ألم تر أن العبد يشتم ربه ... فيترك حيناً ثم يهشم حاجبه
وأنا لقوم ما تطل دماؤنا ... ولا يتعالى صاعداً من نحاربه
كان كثير بن شهاب الحارثي أميراً على الري، فضرب عبد الله بن الحجاج بن محصن الذيباني في الخمر، فاغتال الأمير ليلاً، فضربه على وجهه ضربة وقال:
من مبلغ أفناه قيس أنني ... أدركت طائلتي من ابن شهاب
أدركته ليلاً بعقوة داره ... فضربته قدماً على الأنياب
هلا خشيت وأنت عاد ظالم ... بقصور أبهر سطوتي وعقابي
شهد أبو دلامة عند قاضي الكوفة، فهم برد شهادته فقال:
أن الناس غطوني تغطيت عنهم ... وأن بحثوا عني ففيهم مباحث
وأن حفروا بئري حفرت بئارهم ... ليعلم يوماً كيف تلك النبائث
عبد العزى بن امرىء القيس الكلبي:
جزاني جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
سوى رصه البنيان عشرين حجة ... يعل عليه بالقراميد والسكب
فابهمه من بعد حرس وحقبة ... وقد هزه أهل المشارق والغرب
فلما رأى البنيان تم سحوقه ... وآض كمثل الطود ذي الباذج الصعب
وظن سنمار به كل حبوة ... وفاز لديه بالمودة والقرب
فقال اقذفوا بالعلج من رأس شاهق ... فهذا لعمرو الله من أعجب الخطب
النبي صلى الله عليه وسلم: تواضع للمحسن إليك وأن كان عبداً حبشياً، وانتصف ممن أساء إليك وأن كان حراً قرشياً.
الجاحظ: من قابل الأساءة بالأحسان فقد خالف الله في تدبيره.
سليمان بن قتة:
إذا افترقت قيس جبرنا كسيرها ... وتقتلنا قيس إذا النعل زلت

كان لملك وزير إذا صبحه قال بعد التسليمة: سيجزى المحسن بإحسانه، وستكفيك المسيء إساءته، لا يخل بذلك، وكان معظما عند الملك،، فحسده حاسد، فكاده بأن أضافه وأطعمه ثوما، ثم قال للملك: قد فضحك من تؤثره بغاية الاعظام في بلدك، وشهرك بالبخر، فلما صبحه غطى فمه لرائحة الثوم، فحسب الملك أن ذلك لبخره، فكتب إلى رأس الشرط كتابا أمره فيه أن يقطع رأسه ويسلخه ويملأ جلده تبنا، وختمه، وكانت عادته أن يكتب بيده كتب الجوائز العظام، فلما خرج به حسب الحاسد أنه كتاب جائزة فقال: أنا أحمل كتابك وأحصل ما فيه، فدفعه إليه، ففعل فيه ما أمر به فيه؛ فلما جاء الوزير مصبحا على عادته أحس الملك بالأمر، فقال: هل كان بينك وبينه شيء؟ قال: لا، إلا أنه أضافني وأطعمني الثوم، وغطيت فمي لذلك؛ فقال: صدقت أن المحسن سيجزى بإحسانه، والمسيء ستكفيه اساءته.
قدم مرزبان من مرازبة الفرس على أبي عبيد الله وزير المهدي فقال: وليت علينا رجلاً، أن وليته وأنت تعرفه فما خلق الله رعية أهون عليك منا، وأن لم تعرفه فما هذا جزاء الملك الذي ولاك أمره وسلطك على ملكه؛ فدخل الوزير على المهدي وخرج فقال: هذا رجل كان له علينا حق فكافأناه؛ فقال: أصلحك الله أن على باب كسرى ساجة منقوشة بالذهب مكتوبا عليها: العمل للكفاة، وقضاء الحقوق على بيوت الاموال. فأمر بعزله.
المدائني: رأيت رجلاً يطوف بين الصفا والمروة على بغلة، ثم رأيته راجلاً في سفر؛ فقلت له، فقال: ركبت حيث يمشي الناس، فكان حقاً على الله أن يرجلني حيث يركب الناس.
قيل لمعاوية: أن أبا مسلم الخولاني يطوف ويبكي على الاسلام؛ فقال له: سمعت أنك تطوف وتبكي على الاسلام، فقال: نعم، وما اسمك؟ قال: معاوية؛ قال: يا معاوية أن عملت خيرا جزيت خيرا، وأن عملت شرا جزيت شرا، إنك لو عدلت بين أهل الأرض ثم جرت على واحد منهم مال جورك بعدلك.
ساوم هشام بجارية، فاستام بها صاحبها سوما كثيرا، وأبي هشام أن يزيده على عشرة آلاف؛ فخرج بها وأهل المجلس يرون ما بهشام من فرط العجب بها، فتبعه الأبرش فلم يزل به حتى أخذها بثلاثين ألفا وأهداها إلى هشام؛ وحظيت عنده، فلم يلبث هشام حتى أتته الأموال من ضياعه، وذلك قبل الخلافة، ففرقها في أهله وفي حشمه، وبقيت عنده مائة وعشرين ألفا؛ فدعا بامرأته أم حكيم وعبدة، فاستشارهما فيم يصرفها؛ فقالت أم حكيم: أن أحق الناس بها أم ولدك، تعني نفسها، وولدك؛ قال: قد أخذتما حقكما؛ وقالت عبدة، وكانت من آل أبي سفيان، أحق الناس به من جاد عليك بما بخلت به على نفسك، فقال هشام: أشهد أنك ممن أنت منه؛ فلما استقل المال على الحمالين قال: هذا الآن أجمل، أنه في صلة الأخ ومكافأته أحسن منه في ثمن جارية.
أمر الحسن بن علي لرجل من جيرانه بألفي درهم؛ فقال: جزاك الله خيرا يا ابن رسول الله؛ فقال: ما أراك أبقيت لنا من المكافأة شيئاً.

باب
الجهل والنقص والخطأ والتصحيف والتحريف
واللحن وما أشبه ذلك معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنتم على بينة من أمركم، ما لم يظهر منكم سكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حب الدنيا.
لحن رجل عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أشهد أن الذي خلقك وخلق عمرو بن العاص لواحد.
سئل الأوزاعي عن رجل يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لحن أيقيمه؟ قال: نعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلحن.
حدث محدث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تشقيق الحطب؛ فقال ملاح: يا قوم كيف نصنع والحاجة ماسة؟ وإنما هو تشقيق الخطب.
قيل في خالد بن عبد الله القسري:
بل السراويل من خوف ومن جزع ... واستطعم الماء لما هم بالهرب
وألحن الناس كل الناس قاطبة ... وكان يولع بالتشقيق في الخطب
سهل بن عبد الله: حرام على الناس أن يعبدوا الله بالجهل.
نفور العلم من الجاهل أشد من نفور العالم من الجهل.
وصف رجل فقيل: يغلط من أربعة أوجه: يسمع غير ما يقال، ويحفظ غير ما يسمع ويكتب غير ما يحفظ، ويحدث بغير ما يكتب.

سأل المأمون ثمامة ما جهد البلاء؟ فقال: عالم يجرى عليه حكم جاهل، قال: من أين قلت هذا؟ قال: حبسني الرشيد، ووكل مسروراً بي، فضيق علي الأنفاس، ثم قرأ يوماً: والمرسلات فقال: ويل يومئذ للمكذبين فقلت: أن المكذبين هم الرسل ويحك؛ فقال: كان يقال أنك قدرى فما صدقت، لا نجوت أن نجوت؛ فعانيت الموت يا أمير المؤمنين.
الناشيء في داود بن علي الأصبهاني:
جهلت ولم تعلم بأنك جاهل ... ومن لي بأن تدري بأنك لا تدري
رسطاليس: العاقل يوافق العاقل،، والجاهل لا يوافق العاقل ولا الجاهل، ومثال ذلك: المستقيم الذي ينطبق على المستقيم، فأما المعوج فإنه لا ينطبق على المعوج ولا على المستقيم.
قال بدوي لابنه: يا بني كن سبعا خالسا، أو ذئبا خانسا، أو كلبا حارسا، وإياك أن تكون أنسانا ناقصا.
الخليل: ما أقبح اللحن بالمتقعر.
أعرابي: لولا ظلمة الخطأ ما أشرق نور الصواب.
أبو سعيد السيرافي: رأيت متكلما ببغداد بلغ به نقصه في العربية أنه قال في مجلس مشهور: أن العبد مضطر بفتح، والله مضطر بكسرها؛ وزعم: أن القائل الله مضطر بالفتح كافر. فانظر أين ذهب به جهله، وإلى أي رذيله أداه نقصه.
وصف بعضهم قوما فقال: والله للحكمة أزل عن قلوبهم من المداد عن الأديم الدهين.
مر عمر رضي الله عنه على رماة غرض فسمع بعضهم يقول لصاحبه: أخطيت وأسيت؛ فقال: مه فإن سوء اللحن أشد من سوء الرماية.
تضجر عمر بن عبد العزيز من كلام رجل، فقال شرطي على رأسه: قم فقد أوذيت أمير المؤمنين؛ فقال عمر: أنت والله أشد أذى بكلامك هذا منه.
قرى على ثعلب من كتاب بخط ابن الأعرابي خطأ فرده، فقيل: نغيره؟ فقال دعوه ليكون عذرا لمن أخطأ.
قيل لشريح: أيضحى بالضبي؟ قال: وما عليك لو قلت: أيضحى بالظبي؟ قال: أنها لغة بالكسر؛ قال: وما عليك لو قلت أنها لغة؟ قال: قد تعثر الجواد بالتأنيث، قال شريح: قد ذهب العتاب.
قال غلام لأبيه: يا أبة، قد علمت أن الرمادية هم الذين يبولون في الرماد، فما القدرية؟ قال: يا بني، هي الذين يخرون في القدور.
قال رجل للحسن: يا أبا سعيد، أنا أفسي في ثوبي وأصلي فيه، هل يجوز؟ قال: نعم، لا أكثر الله في المسلمين مثلك.
الجهل أخصب رحلاً والأدب أحضر محلا.
سمع الأصمعي رجلاً عند الملتزم يقول: يا ذي الجلال والاكرام؛ فقال: من كم تدعو؟ قال من سبع سنين دأبا فلم أر الاجابة؛ فقال: أنك تلحن في الدعاء فأنى يستجاب لك؟ قل: يا ذا الجلال والإكرام؛ ففعل فأجيب.
البردخت:
لقد كان في عينيك يا حفص شاغل ... وأنف كثيل العود عما تتبع
تتبع لحنا في كلام مرقش ... وخلقك مبني على اللحن أجمع
قرأ عبد الله بن أحمد بن حنبل في الصلاة: اقرأ باسم ربك الذي خلق؛ فقيل له: أنت وأبوك في طرفي نقيض، زعم أبوك أن القرآن ليس بمخلوق، وأنت تزعم أن الرب مخلوق.
قال رجل للحسن: ما تقول لرجل مات وترك أبيه وأخيه؟ فقال: ترك أباه وأخاه؛ فقال فما لأخاه وما لأباه؟ فقال: فما لأخيه وما لأبيه؟ فقال الرجل أراك كلما طاوعتك خالفتني.
قال أبو عبيدة: قال لي أبي: إذا كتبت كتابا فالحن فيه فإن الصواب حرفة، والخطأ أنجح.
قال سعيد بن سلم: دخلت على الرشيد فبهرني وملأ قلبي، فلما لحن خف علي أمره.
حدث المأمون عن هشيم يرفعه: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سداد من غوز؛ فقال النضر بن شميل صدق يا أمير المؤمنين هشيم فإنه حدثنا عوف يرفعه: كان فيها سداد من عوز. وكان المأمون متكئاً فأستوى جالساً، وقال: كيف قلت؟ قلت: السداد ها هنا لحن، وإنما لحن هشيم وكان لحانة فتبع أمير المؤمنين لفظه، قال: أو تعرف العرب ذلك؟ قلت: نعم، هذا العرجي يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فقال: قبح الله من لا أدب له، ثم وصلني بخمسين ألفاً.
دخل خالد بن صفوان الحمام، فسمع رجلاً يقول لابنه، وهو يريد أن يعرف خالداً بلاغته، ابدأ بيداك وثن برجلاك؛ ثم قال: يا ابن صفوان، هذا كلام قد ذهب أهله؛ فقال خالد: بل ما خلق الله له أهلاً.
أبو عبيدة: لا تردن على أحد خطأ في حفل، فإنه يستفيد منك ويتخذك عدواً.
من ليس يدري ما يريد فكيف يدري ما تريد ابراهيم بن سيابة:

إذا ما منحت الجاهل الحلم لم تزل ... إليك بجهل منك تهوى ركائبه
وأن عقاب الجاهلين لذاهب ... بفضلك فانظر أي ذا أنت راكبه
علي رضي الله عنه: الناس أعداء ما جهلوا.
قيل لبزرجمهر: لم لا تعاتبون الجهلة؟ فقال: لأنا لا نريد من العميان أن يبصروا.
قال رجل لخالد بن صفوان: مالي إذا رأيتكم تتذاكرون وقع علي النوم؟ قال: لأنك حمار في مسلاخ أنسان.
كلم أبا مسلم بعض قواده فلحن، فقال: ألا تنظر في العربية؛ فقال: بلغني أنه من نظر فيها قل كلامه؛ قال: ويحك لئن يقل كلامك بالصواب خير من أن يكثر بالخطأ.
قال بشر المريسي: قضى الله لكم الحوائج على أحسن وجه وأهنؤها. فقال قاسم التمار هو جائز على قوله:
أن سليمي والله يكلؤها ... ضنت بشيء ما كان يرزؤها
فكان أصحاح قاسم أندر من لحن بشر.
قال معبد بن وهب: حملني رجل إلى بيته، فجعلت لا آتي بحسن ألا خرجت إلى أحسن منه، وهو لا يرتاح، ولا يحفل لما رأى مني، ثم قال: يا غلام شيخنا شيخنا، فلما رآه هش إليه، فاندفع الشيخ يغني:
سلور في القدر ويلي عله ... جا القط أكله ويلي علوه
فجعل الرجل يصفق ويضرب برجليه، وكاد يخرج من جلده؛ فانسللت فما رأيت عملاً أضيع، ولا شيخاً أجهل.
قال أبو عمرو: قال جبلة بن مخرمة كنا عند جد النهر؛ فقلت: جدة النهر، فما زلت أعرفها فيه.
ذروة بن جحفة الكلابي:
وما تدرى كهول بني كليب ... إذا نطقت أتخطى أم تصيب
سمع بعضهم أن برذون فلان قد نفق، فقال: والهفاه كنت أرجو أن يكسد فيخسر. ظن أنه من نفاق السلعة.
سمع رجل من ينشد:
وكان أخلائي يقولون مرحباً ... فلما رأوني معدماً مات مرحب
فقال: مرحب لم يمت، قتله علي عليه السلام.
قيل للنسابه البكري: يا أبا ضمضم، آدم من أبوه؟ فحمله استقباح الجهل عنده على أن قال: آدم بن المضاء بن الحملج، وأمه صاعدة بنت فرزام. فتضاحكت به العرب.
إذا ما أتيت الجاهلين بحكمة ... فلم يعرفوها أنزلوها على هجر
الهجر بالفتح هو الهذيان. أدنس شعار المرء جهله.
العتابي: مجالسة الجاهل مرض العقل.
أبو الأسود الدؤلي: إذا أردت أن تعذب عالماً فاقرن به جاهلاً.
قال رجل لأعرابي: كيف أهلك، بكسر اللام، فقال الأعرابي تفحم صلباً أن شاء الله.
زاهد: لمن أعربنا في كلامنا حتى ما تلحن، فقد لحنا في أعمالنا حتى ما نعرب.
دخل أعرابي السوق فسمعهم يلحنون، فقال: سبحان الله يلحنون ويربحون.
كان مسلمة بن عبد الملك يعرض الجند، فقال لرجل: ما اسمك؟ فقال: عبد الله، بالنصب، قال: ابن من؟ قال: ابن عبد الرحمن، بالجر، فأمر بضربه فقالك بسم الله، فقال دعوه فلو كان تاركاً لتركه تحت السياط.
كتب كاتب الأشعري: من أبو موسى، فكتب إليه عمر: أنظر كاتبك فاجلده سوطاً. وروي: أقسمت عليك لما ضربت كاتبك سوطاً.
كان الوليد بن عبد الملك لحانة، فقرأ في خطبته: يا ليتها كانت القاضية بالرفع؛ فقال أخوه سليمان: عليك.
التصحيف قفل ضل مفتاحه.
كتب بريد أصبهان إلى محمد بن عبد الله بن طاهر: أن فلاناً يلبس الخرلخية، ويجلس للنساء في الطرقات؛ فكتب محمد إلى يحيى بن هرثمة، وكان والي أصبهان، أشخص إلي فلاناُ وجر لحيته، فصحف الذي قرأ عليه الكتاب فقرأ: وجز لحيته، فجزها وأشخصه آية.
قال رجل للحسن: يا أبو سعيد، قال: أين غذيت؟ قال: بالأبلة، قال: من هناك أتيت.
عمرو بن زعبل التميمي:
وأن عناء أن تفهم جاهلاً ... فيحسب جهلاً أنه منك أفهم
متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
قال رجل للحسن: أنا أفصح الناس. قال: لا تقل. قال فخذ علي كلمة واحدة. قال: هذه واحدة.
قرع رجل باب نحوي، فخرج ولد له فقال: يا صبي أباك أبيك أبوك هاهنا؟ قال لا لي لو.
ابن السماك: أعقل الناس محسن خائف، وأجهلهم مسيء آمن. ذو النون المصري: من جهل قدره هتك ستره.
حدث شريك، فقال عافية القاضي: ما سمعنا بهذا الحديث، فقال شريك وما يضر عالماً أن جهل جاهل.
قال رجل للحسن: ما أراك تلحن. قال: يا ابن أخي أني سبقت اللحن.

كان الوليد بن يزيد يلعب بالشطرنج، فاستأذن عليه رجل من ثقيف فسترها، ثم سأله عن حاله وقال له: أقرأت القرآن؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين قد شغلني عنه أمور وهنات؛ قال: أفتعرف الفقه؟ قال: لا والله؛ قال: أتروي من الشعر شيئاً؟ قال: ولاش؛ فكشف عن الشطرنج وقال: شاهك؛ فقال له عبد الله بن معاوية: مه يا أمير المؤمنين؛ قال: اسكت فما معنا أحد.
علي رضي الله عنه: ربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده.
بعضهم في أبي العيناء: ما رأيت رجلا لا يحسن شيئاً أشد أدعاء لكل شيء منه.
يتعاطى كل شيء ... وهو لا يحسن شيئا
آخر:
عرضناه على السبك ... فعرضناه للهتك
حارثة بن بدر الغداني:
إذا ما قتلت الشيء علما فقل به ... ولا تقل الشيء الذي أنت جاهله
المنتمون إلى العلوم كثيرة ... أن حصلوا أفناهم التحصيل
دقائق خفية لا يراها الغبي، ولطائف غامضة لا يعرفها إلا الذكي.
يقال للغالط: تكسرت قواريرك.
في نوابغ الكلم: العجب ممن يكبر غلطه ثم يكثر لغطه.
من لا يجد أثر ذلة المعصية في قلبه، ولا مس نقص الجهل في عقله؛ فليس ممن ينزع عن ريبة، ولا يكترث لفصل بين حجة وشبهة.
أدعى رجل إلى العرب، فقيل له مرة، وهو قاعد في الشمس وقد ثارت به المرة. والله أنك لتشبه العرب، فقال: ألي يقال هذا؟ وأنا والله حرباء تنضبه، يشهد لي سواد لوني، وغؤور عيني، وحبي للشمس.
ابن أبي ليلى: سايرت شاميا فمر بحمال فأخذ منه رمانة، ثم تصدق بها على فقير، فتعجبت منه، فقال: أخذتها فكانت سيئة، ثم تصدقت بها فكانت عشر حسنات.
جهل أبي جهل مثل.
قال ابن الحجاج:
عادية السن بطش سورتها ... أجهل في الرأس من أبي جهل
كناه المسلمون بذلك، وكانت قريش تكنيه أبا الحكم. قال حسان:
الناس كنوه أبا حكم ... والله كناه أبا جهل
الأستطالة لسان الجهل، كم من عاقل أخره عقله وجاهل صدره جهله. نزت به البطنة ونأت عنه الفطنة.
حدث معبد بن خالد العدواني وكان دميماً: وفدنا معشر عدوان على عبد الملك فقدموا رجلاً منا وسيماً فقال ممن؟ فقال من عدوان، فأنشد:
عذير الحي من عدوا ... ن كانوا حية الأرض
بغى بعضهم بعضاً ... فلم يرعوا على بعض
ومنهم كانت السادا ... ت والموفون بالقرض
ثم قال له إيه، فقال: لا أحفظها، وكنت خلفه فقلت:
ومنهم حكم يقضى ... فلا ينقض ما يقضى
فقال له: من الحكم؟ فقال لا أدري: فقلت: عامر بن الظرب؛ فقال: من قائل الشعر؟ قال: لا أدري؛ فقلت: ذو الأصبع؛ فقال: لم قيل له ذو الأصبع؟ قال: لا أدري، قلت نهشته أفعى فقطعت أصبعه؛ فقال له: ما كان اسمه؟ قال: لا أدري، قلت: حرثان بن الحارث؛ فقال عبد الملك: كم عطاؤك؟ قال: سبعمائة دينار؛ فقال لي: في كم أنتظ فقلت في ثلثمائة، فقال: أجعلوا عطاء هذا لهذا وعطاء هذا لهذا. فأنصرفت وعطائي سبعمائة وعطاؤه بثلثمائة.
وقف رجل على مجلس الحسن فقال: اعتمر أخرج أبادر؛ فقال الحسن: كذبوا عليه ما كان ذاك. أراد السائل: أغثمن أخرج أبا ذر.
قال المعتصم لطباخه: حاسب رشيد؛ قال: مقراض؛ أراد: جاشت رسيذاي أي أدرك غذاؤك بالفارسية، وأراد بمقراض: لا.
يبس في شفتيه: أي تيس في سفينة. عد ستة تتصل: أي عدسية ببصل. شوا بخبز: أي بيتوا بخير. ثقب لو لو بطرف: أي ثقيل ولو تظرف.
غاب عن الصاحب ندماؤه ليلة فقال: سمسم، أراد بيت من يتم. وكان نقش خاتم ابن العميد: شيخ أشقر، أي: تب تنج أنب تفز.
قرأ الحجاج يوما: أنا من المجرمون منتقمون، فقالوا: لحن الأمير، فأنشد:
أن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا
الاعمش: سمعت الحجاج على منبر الكوفة يقول: يا معشر الحمراء تخلفتم عن الغزو، وجلستم على الكراسي، وتبردتم تحت الطلال، فلا يمر بكم مار إلا قلتم ما الهبر ما الهبر، والله لأهبرنكم بالسيف هبراً أشغلكم به عن الأخبار.
تكلم رجل عند عبد الله بن عباس فأكثر الخطأ، فدعا بغلام له فأعتقه، فقال له الرجل: ما سبب هذا الشكر؟ فقال: أن لم يجعلني مثلك.

شهد سلمى الموسوس عند جعفر بن سليمان على رجل فقال: هو أصلحك الله ناصبي، رافضي، قدري، مجبر، يشتم الحجاج بن الزبير الذي هدم الكعبة على علي بن أبي سفيان. فقال له جعفر: لا أدري على أي شيء أحسدك أعلى علمك بالمقالات أم على معرفتك بالانساب؟ قال: أصلح الله الأمير ما أخرجت من الكتاب حتى حذقت هذا كله.
أكثم بن صيفي: ويل لعالم أمر من جاهل.
حضر مجلس الاعمش قوم ليسمعوا الحديث، فقال ما اليوم؟ فقال رجل منهم الاثنين؛ فقال: الأثنين، أرجعوا فأعربوا كلامكم ثم أطلبوا الحديث.
رأى الحجاج لحنا في كتاب كاتبه فأمر بقطع أصبعه.
وكتب عامل لعمر بن عبد العزيز كتابا فوجده ملحونا فأحضره وضربه درة.
قال سيحان بن الحسين حضرت مجلس محمد بن سلام فلحن المستملى، فأخذت عليه. فتداخله من ذلك، فقال له محمد: شيطان يجيئني في مسك الرجال صبي مثله يأخذ عليك، ثم زجره.
سمع رجل يقرأ: الأكراد أشد كفراً ونفاقاً، فقيل له: قل ويحك الأعراب، فقال: كلهم يقطعون الطريق.
التقط أعرابي اسمه موسى كيساً، ثم دخل مسجداً يصلي فيه، فقرأ الأمام : " وما تلك بيمينك يا موسى " فرمى إليه بالكيس وقال: والله أنك لساحر.
حكيم: بعد الجاهل من أن يلتحم به الأدب كبعد النار من أن تشتعل في الماء.
مر بالأوقص المخزومي وهو قاضي مكة، ولم ير مثله في عفافه ونبله وظرفه مع زهده، سكران بالليل وهو نائم في جناح له، والسكران يتغنى:
عوجي علينا ربة الهودج ... إنك أن لم تفعلي تحرجي
فأشرف عليه وقال: يا هذا شربت حراما، وأيقظت نياما، وغيت خطأ، خذه عني، وأصلحه له.
قامت امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت: يا أبا غفر حفص الله لك، فقال: ويحك ما تقولين؟ قالت: صلعت من فرقتك.
الأصمعي: عن بعض الرواة قلت للشرقي بن القطامي ما كانت العرب تقول في صلاتها على موتاها؟ فقال: لا أدري، فكذبت له فقلت: كانوا يقولون:
ما كنت ولواكا ولا بزونك ... رويدك حتى يبعث الحق باعثه
فإذا به يحدث به في المقصورة يوم الجمعة.
ابن عمار الثقفي الملقب بالغرير:
أعيرتني النقصان والنقص شامل ... ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل
وأقسم أني ناقص غير أنني ... إذا قيس بي قوم كثير تقللوا
ولو منح الله الكمال ابن آدم ... لخلده والله ما شاء يفعل
قيل لعبد الأعلى القاص: لم سمي العصفور عصفوراً؟ قال: لأنه عصى وفر؛ قيل: فالطفشيل؟ قال: لأنه طفا وشال؛ قيل: فالقلطى؟ للكلب، قال: لأنه قل ولطىء؛ قيل: فالسلوقي؟ قال: لأنه يسل ويلقى.
سئل رجل عن النسبة إلى اللغة فقال: ما أبين الجواب وأظهر الحق، أما سمعتم قول الله تعالى: أنك لغوي مبين.
قال الجماز: سمعت سائلا يقول: من يعطيني قطعة حبا للأمينين جبريل ومعاوية.
لحن خالد صفوان عند عبد الملك فقال: اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه.
ولحن آخر عند سليمان فقال: اللحن في الكلام أقبح من النقبة في الديباج.
قال الجاحظ: قلت مرة: إذا شممت النرجس فنكسه فإنه أكثف لرائحته وأذكى؛ فسمع ذلك مني شيخ من عدول القضاة فقال: والله لأشهدن عليك بالزندقة، فكان سبب خروجي من البصرة.
يقال للجهل أم الرذائل.
أبا جعفر أن الجهالة أمها ... ولود وأم العقل جداء حائل
قال الشعبي لرجل: ممن أنتظ قال: من بنو عبد الله بن زيد؛ فقال: لو كنت من بني عبد الله لقلت من بني عبد الله.
الزبير بن بكار: وفدت على المتوكل فقال لي أدخل على عبد الله بن المعتز، فدخلت وهو صبي، فسألني عن الحجاز واستنشدني؛ ثم نهضت فعثرت فسقطت، فقال يا زبير:
وكم عثرة لي باللسان عثرتها ... تفرق من بعد اجتماع من الشمل
يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته من فيه تذهب نفسه ... وعثرته بالرجل تبرا على مهل
كان خالد بن صفوان يحدث بلال بن أبي بردة ويلحن، فقال: أتحدثني حديث الخلفاء وتلحن لحن السقاءات؟ فتعلم الأعراب.

قال الحجاج لثقفي: أين تركت الجند؟ قال: تركتهم يخنقون يعارضين؛ قال: لعلل تريد: يعرضون بخانقين، قال: نعم اللهم لا تخانق في باركين؛ يعني لا تبارك في خانقين. ونظر رجل إلى أبريق نظيف فقال: ما أبرق أنظيفكم.
أبو حاتم: قال الأصمعي: الزوج للذكر والانثى بغير تاء، وتلا قوله تعالى: " أسكن أنت وزوجك الجنة " ، فقيل له: فقد قال ذو الرمة:
أذو زوجة بالمصر أم ذو قرابة ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا
فقال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن هذا فقال: إن ذا الرمة طال ما أكل الخل والبقل في حوانيت البصرة، يريد أنه قد تحضر. قال جار الله وأنشد ابن الأعرابي لأبي فرعون:
وزوجتي تأكل أكل الدب ... بنيها كالفرعل الأزب
وقال الفرزدق:
وأن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
ولكن لغة القرآن تلحق الفصيح بالتأتاء أن أقدم على الحاق هذه التاء.
قال أمير لأعرابي، وقد رأى معه ناقة فأعجب بها، هل أنزيت عليها؟ قال: نعم أيها الأمير قد أضربتها؛ قال: قد أضربتها، قد أحسنت حين أضربتها، نعم ما صنعت حين أضربتها؛ قال: فجعل يرددها، فعملت أنه يريد أن ينقف بها لسانه.
سوادة عن أبي جعفر: من فقه الرجل عرفانه اللحن.

باب
الجنون، والحمق، والسفه، والغفلة
والحزن، والعجلة وترك الأناة، والفضول، والدخول فيما لا يعني، والعبث
أنس رضي الله عنه: مر رجل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله هذا مجنون؛ فأقبل عليه فقال: أقلت مجنون؟ إنما المجنون المقيم على المعصية، ولكن هذا مصاب.
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كونوا بلهاً كالحمام. وكان الرجل منهم يدعو لصاحبه فيقول: أقل الله فطنتك.
عيسى عليه السلام: عالجت الأكمه والأبرص فابرأتهما، وعالجت الأحمق فأعياني.
لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها
كان شريح يقول: لئن أزاول الأحمق أحب إلي من أزاول نصف الأحمق؛ قيل: يا أبا أمية ومن نصف الأحمق؟ قال: الأحمق المتعاقل.
علي رضي الله عنه: ليس من أحد إلا وفيه حمقة فيها يعيش.
الأحنف: أني لأجالس الأحمق ساعة فأتبين ذلك في عقلي.
المبرد: دخلت دير هزقل فرأيت مجنونا مربوطا، فدلعت لساني في وجهه، فنظر إلى السماء وقال: لك الحمد والشكر، من حلوا ومن ربطوا؟ ودير هزقل موضع للمجانين يربطون فيه ويعالجون؛ يقال للذي تجنن كأنه من دير هزقل.
قيل لمجنون: عد لنا مجانين البصرة؛ قال: كلفتموني شططا، أنا على عد عقلائها أقدر.
قيل لأعرابي: أيسرك أنك أحمق وأن لك مائة ألف درهم؟ قال لا؛ قيل ولم؟ قال: لأن حمقة واحدة تأتي عليها وأبقى أحمق.
عذلوني على الحماقة جهلاً ... وهي من عقلهم ألذ وأحلى
حمقى قائم بقوت عيالي ... ويموتون أن تعاقلت هزلا
أصطحب أحمقان في طريق، فقال أحدهما: تعال نتمن فإن الطريق يقطع بالحديث؛ فقال أحدهما: أنا أتمنى قطائع غنم أنتفع برسلها ولحمها وصوفها، ويخصب معها رحلي، ويشبع معها أهلي؛ قال الآخر: وأنا أتمنى قطائع ذئاب أرسلها على غنمك حتى تأتى عليها؛ فقال: ويحك أهذا من حق الصحبة، وحرمة العشرة؟ وتلاحما وأشتدت الملحمة بينهما، فرضيا بأول من يطلع عليهما حكماً، فطلع عليهما شيخ على حمار بين زقين من عسل، فحدثاه، فنزل من الحمار، وفتح الزقين حتى سال العسل في التراب، ثم قال: صب الله دمي مثل هذا العسل أن لم تكونا أحمقين.
بكر بن المعتمر: إذا كان العقل تسعة أجزاء أحتاج إلى جزء من الحمق يتقدم في الأمور، فإن العاقل أبداً متوان، متوقف، متخوف.
قال رقبة بن مصقلة: ما أذلني قط إلا غلام مصاب بالكوفة، قال لي: رأيتهم شبهوك بي فسرني ذلك لك.
الفرات بن حيان: في هجاء حسان، وقيل هي لأبي سفيان بن الحارث:
أبوك أب سوء وخالك مثله ... ولست بخير من أبيك وخالكا
يصيب وما يدري ويخطىء وما درى ... وكيف يكون النوك إلا كذلكا

جابر بن عبد الله: كان رجل متعبد في صومعة، فمطرت السماء وأعشبت الأرض، فرأى حماره يرعى في ذلك العشب، فقال: يا رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري؛ فبلغ ذلك بعض الأنبياء، فهم أن يدعو عليه، فأوحى إليه: أن لا تدع عليه، فإني أجازي العباد على قدر عقولهم.
وهب بن منبه: خلق ابن آدم أحمق، ولولا حمقه ما هنأه عيش.
قيل لأعرابي: يا مصاب، قال: أنت أصوب مني، أي أجن. وفي عقله صابة.
يقال: هو سليم الصدر، معدود في أهل الجنة؛ هو ذو حمق وافر وعقل نافر. ليس معه من العقل إلا ما يوجب حجة الله عليه. لو كان في بني اسرائيل فأمروا بذبح بقرة ما ذبح غيره. عقله منه على سفر.
يظن بأن الخمل في القطف ثابت ... وأن الذي في داخل التين خردل
هو ذو بصيرة بلهاء عند تشابه النوائب، وتجربة عمياء عند تأمل العواقب.
يقال للأبله السليم القلب: هو من بقر الجنة، لا ينطح ولا يرمح، وللأحمق المؤذي: من بقر سقر.
كان يقال: مجالسة الأحمق خطر، والقيام عنه ظفر.
خطب هند ابنة عتبة رجلان: سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب، فألقى إليها أبوها صفيتهما، فأختارت أبا سفيان لعقله ودهائه، وحمقت سهيلا فقال:
نبئت هنداً ضلل الله رأيها ... تمادت وقالت وصف أهوج مائق
وما هوجى يا هند إلا سجية ... أجر بها ذيلي لحسن الخلائق
ولو شئت خادعت الفتى عن قلوصه ... ولاطمت بالبطحاء في كل شارق
فلان أعطى مقولاً ولا يعط معقولاً، للأحمق البين الحمق.
أهل بغداد: فلان الساعة سقط من المحمل. يريدون أنه غبي، شبهوه بالخراساني الوارد عليهم، لم يخبر أحوال بلدهم.
كتب سعد إلى عمر رضي الله عنه: أني أصبت فيما أفاءه الله على رسوله صندوقا من ذهب عليه قفل من ذهب، فلم افتحه، وأن رجلاً أعطى به، طمعا فيما فيه، مالاً كثيراً. فكتب إليه أن بعه منه، فإني أحسبها حمقة من حمقات العجم؛ ففعل. ففتحه المشتري فأصاب فيه حريرا مدرجا، فجعل يكشفه حتى أفضى إلى درج ففتحه، فإذا فيه كتاب؛ فأتى بعض من يقرأ بالفارسية، فقرأ فإذا فيه: لتسريحة اللحية من ناحية الحلق أنفع من ألف تسريحة إلى خلف؛ فاستقال مشتريه؛ فكتب بذلك إلى عمر؛ فكتب إلى سعد: أن أستحلفه أكان مقيلنا لو أصاب فيه كنزاً أكثر مما تأمل؟ فسئل الرجل، فقال: ما كنت لأقيلكم، فلم يقيلوه.
حارثة بن بدر الغداني في زياد:
الناس بعدك قد خفت حلومهم ... كأنما نفخت فيها الأعاصير
النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن وقاف، والمنافق وثاب.
قال آدم عليه الصلاة والسلام لولده: كل عمل تريدون أن تعملوا فقفوا له ساعة، فأني لو وقفت لم يكن أصابني ما أصابني.
وقع ذو الرياستين: أن أسرع النار التهابا أسرعها خموداً، فتأن في أمرك.
ابن المقفع: من أدخل نفسه فيما لا يعنيه ابتلي فيه بما يعنيه.
أعرابية: أن أخي من رطاته لا يعرف لطاته من قطاته. الرطاة: الحماقة، والرطي: الأحمق، واللطاة: الجبهة، والقطاة: مقعد الردف من الدابة.
قال رجل لامرأة كان يحبها: أنا والله لك مائق، أراد: وامق؛ فقالت: لست والله لي وحدي بمائق، أنت والله مائق للخلق كله.
قال رجل لزهير البابي: ألا توصي لي بشيء؟ فقال: أحذر لا يأخذك الله وأنت على غفلة.
من ورد عجلاً صدر خجلاً.
بينا ابن عمر رضي الله عنه جالس إذ جاءه أعرابي فلطمه؛ فقام إليه وافد بن عبد الله فجلد به الأرض. فقال ابن عمر: ليس بعزيز من ليس في قومه سفيه.
مطرف: ما من أحد إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه، إلا أن بعض الحمق أهون من بعض.

باب
الجوابات المسكتة، ورشقات اللسان
وما يجري من الاستدراك والاعتراض، والتبكيت، والمماراة، واللجاج، والجدل
النبي صلى الله عليه وسلم: لا يعدي شيء شيئاً. فقال أعرابي: يا رسول الله أن النقبة تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الأبل العظيمة فتجرب كلها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما أجرب الأول؟ لما أخذ عمر رضي الله عنه في التوجه إلى الشام قال له رجل: أتدع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أدع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاح أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولقد هممت أن أضرب رأسك بالدرة حتى لا تجعل الرد على الأئمة عادة فيتخذها الأجلاف سنة.

أجتار عمر بن الخطاب بصبيان يلعبون، فهربوا إلا عبد الله بن الزبير، فقال له عمر: لم لا تفر مع أصحابك؟ قال: لم يكن لي جرم فأفر منك، ولا كان الطريق ضيقاً فأوسع عليك.
علي رضي الله عنه: قال له يهودي: ما دفنتم نبيكم حتى أختلفتم!! فقال له: إنما أختلفنا عنه لا فيه؛ ولكنكم ما جفت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم: أجعل لنا ألهاً كما لهم آلهة.
رفع رجل رجلاً إلى علي رضي الله عنه وقال: أن هذا زعم أنه أحتلم على أمي؛ فقال: أقمه في الشمس فاضرب ظله.
قال رجل لجعفر بن محمد: ما الدليل على الله؟ ولا تذكر لي العالم والعرض والجوهر، فقال له: هل ركبت البحر؟ قال: نعم؛ قال: هل عصفت بكم الريح حتى خفتم الغرق؟ قال: نعم، قال: فهل انقطع رجاؤك من المركب والملاحين؟ قال: نعم، قال: فهل تتبعت نفسك أن ثم من ينجيك؟ قال: نعم، قال: فإن ذاك هو الله، قال الله تعالى: " ضل من تدعون إلا إياه " ، " وإذا مسكم الضر فإليه تجأرون " .
سئل علي رضي الله عنه عن مسافة ما بين الخافقين، فقال: مسيرة يوم للشمس.
قال رجل لآخر: والله ما أمل الحديث؛ فقال: إنما يمل العتيق. مرت بالوليد بن عبد الملك خيل لعبد الله بن يزيد بن معاوية، فعبث بها وأصغره؛ فشكا ذلك أخوه خالد إلى عبد الملك فقال: أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها؛ فقال خالد: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها الآية؛ فقال عبد الملك: أفي عبد الله تكلمني؟ وقد دخل علي فما أقام لسانه لحناً؛ فقال خالد: أفعلى الوليد تعول؟ فقال عبد الملك: أن كان الوليد يلحن فإن أخاه سليمان؛ فقال خالد: وأن كان عبد الله يلحن فإن أخاه خالد؛ فقال عبد الملك: اسكت فو الله ما تعد في العير ولا في النفير؛ فقال خالد: ويحك من في العير والنفير غير جدي أبو سفيان صاحب العير، وعتبة بن ربيعة صاحب النفير؟ ولكن لو قلت: غنيمات وخبيلات والطائف ورحم الله عثمان، قلنا: صدقت. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطرد الحكم بن أبي العاص، وهو جد عبد الملك، فلجأ إلى الطائف، فكان يرعى غنيمات، ويأوى إلى حبلة وهي الكرمة، ثم رده عثمان حين أفضت الخلافة إليه.
شهد أعرابي عند معاوية بشيء كرهه، فقال معاوية: كذبت؛ فقال: الكاذب والله متزمل في ثيابك. فقال معاوية وتبسم: هذا جزاء من عجل.
أنشد كثير عبد الملك فقال للأخطل: كيف ترى؟ فقال: حجازي مجوع مقرور، فدعني أضغمه لك. فسأل عنه كثير فقال له: هلا ضغمت الذي يقول:
لا تطلبن خؤولة في تغلب ... فالكلب أكرم منهم أخوالا
والتغلبي إذا تنحنح للقرى ... حك أسته وتمثل الأمثالا
فسكت فما أجابه بحرف.
أتي الحجاج بامرأة خارجية، فلم تنظر إليه، فقيل لها، فقالت: لا أنظر إلى من لا ينظر الله إليه.
قال عمر رضي الله عنه لأبي مريم الحنفي: والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم؛ قال: أتمنعني حقاً؟ قال: لا؛ قال: فلا بأس، إنما ياسى على فقدان الحب النساء.
دخل يزيد بن أبي مسلم صاحب شرطة الحجاج على سليمان بن عبد الملك بعد موت الحجاج، فقال سليمان: قبح الله رجلاً أجرك رسنه وخرب لك أمانته؛ قال يا أمير المؤمنين: رأيتني والأمر لك وهو عني مدبر، ولو رأيتني والأمر علي مقبل لاستكبرت مني ما أستصغرت، وأستعظمت مني ما استحقرت؛ فقال سليمان: أترى الحجاج أستقر في جهنم؟ فقال: يا أمير المؤمنين لا تقل، فإن الحجاج وطأ لكم المنابر وأذل لكم الجبابرة، وهو يجيء يوم القيامة عن يمين أبيك وعن يسار أخيك، فحيث كانا كان.
أستمع معاوية على يزيد ليلة، فسمع غناء أعجبه، فلما أصبح قال: من كان ملهيك البارحة؟ قال: ذاك ابن خاثر؛ قال: إذن فأخثر له من العطاء.
قال الرشيد لسعيد بن سلم من بيت قيس في الجاهلية؟ قال: يا أمير المؤمنين بنو فزارة؛ قال: فمن بيتهم في الاسلام؟ قال: الشريف من شرفتموه؛ قال: صدقت، أنت وقومك.
مر نصر بن سيار بأبي الهندي، وكان شريفاً، وهو يميل سكراً، فقال: أفسدت شرفك؛ فقال أبو الهندي: لو لم أفسد شرفي لم تكن أنت والي خراسان.
أنشد بشار قول كثير:
ألا إنما ليلي عصا خيزرانة ... إذا غمزوها بالأكف تلين
قال: لله أبو صخر!! أيجعلها عصا ثم يعتذر إليها، والله لو جعلها عصا مخ، أو عصا زبد لكان قد هجنها بذكر العصا، ألا قال كما قلت:

وبيضاء المحاجر من بعد ... كأن عظامها من خيزران
بكى سفيان بن عيينة يوماً، فقال له يحيى بن أكثم: ما يبكيك يا أبا محمد؟ قال: بعد مجالستي أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بليت بمجالستكم. فقال له يحيى، وكان حدثاً، فمصيبة أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجالستك بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من مصيبتك. فقال: يا غلام أظن السلطان سيحتاج إليك.
سئل ابن عمر: هل كان يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة؟ فقال: لا ولا في غير الصلاة.
تكلم صعصعة عند معاوية فعرق، فقال أبهرك القول؟ فقال: أن الجياد نضاحة بالماء.
حدث الحسن البصري بحديث، فقال له رجل: عمن؟ فقال: وما تصنع بعمن؟ أما أنت فقد نالتك موعظته، وقامت عليك حجته.
قال رجل لصاحب منزل: أصلح خشب هذا السقف فإنه يتفرقع؛ قال: لا تخف إنما يسبح؛ قال: أخاف أن تدركه رقة فيسجد.
تناظر أبو عمرو بن العلاء وعمرو بن عبيد في الوعيد، فأنشد أبو عمرو:
لا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ... ولا أختشي من صولة المتهدد
وإني وأن أوعدته أو وعدته ... لمخلف أيعادي ومنجز موعدي
فقال له عمرو صدقت، تمدح العرب بالوعد دون الأيعاد وتمدح بالوفاء بهما لتصرف المعاني وأنشد:
أن أبا خالد لمجتمع الرأ ... ي شريف الأفعال والبيت
لا يخلف الوعد والوعيد ولا ... يبيت من ثأره على فوت
وأنشد السيرافي لأبي وجزة السعدي في نحو ذلك:
صدق إذا وعد الرجال وأوعدوا ... فأحث بادرة وأوفى موعد
ولبعض الأسديين وهو جاهلي:
أنا الصاب أن شورست يوما وأنني ... جنى النحل أن سومحت إلا لآكل
بسيط يد بالعرف والنكر أن أقل ... بوعد وإيعاد أقل قول عامل
صؤول على الصعب المنوع وممسك ... عرامي على الواهي القوى المتضاءل
إذا سنة حالت بأزم تلقحت ... بمعروفنا حتى ترى غير حائل
قالت عجوز لزوجها: أما تستحي أن تزني ولك حلال طيب؟ قال: أما حلال فنعم، وأما طيب فلا.
قيل لمزيد: هل في بيتك دقيق؟ قال: لا، ولا جليل.
قال رجل لغلامه: هات الطبق، وأغلق الباب؛ قال: هذا خطأ، بل أغلق الباب وآتي بالطعام؛ فقال الرجل: أنت حر لعلمك بالحزم.
كان الرشيد يلعب الصوالج فقال ليزيد بن مزيد الشيباني: كن مع عيسى؛ فأبى فقال: أتأنف ويحك أن تكون معه؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني حلفت يميناً ألا أكون عليك في جد ولا هزل.
عرض بلال بن أبي بردة الجند، فمر به نميري ومعه رمح قصير فقال: يا أخا نمير، أنت ليس كما قيل:
لعمرك ما رماح بني نمير ... بطائشة الصدور ولا قصار
فقال: أصلح الله الأمير ما هو لي وإنما أستعرته من رجل من الأشعريين.
مدح أبو مقاتل الضرير الحسن بن زيد بقصيدة أولها:
لا تقل بشرى ولكن بشريان ... غرة الهادي ووجه المهرجان
فكره الحسن افتتاحه بلا؛ فقال أبو مقاتل: لا كلمة أشرف من كلمة التوحيد، وأولها لا.
قال موسى بن قيس المازني: قلت لأبي فراس المجنون، أنت النهار كله ماش، أفتشكى بدنك الليل؟ قال:
إذا الليل ألبسني ثوبه ... تقلب فيه فتى موجع
فقلت: يا أحمق أسألك عن حالك وتنشدني الشعر؛ قال: أجبتك يا مجنون؛ قلت: أتقول لي هذا وأنا سيد من سادات الأنصار فقال:
وأن بقوم سوددك لفاقة ... إلى سيد لو يظفرون بسيد
ثم لطم عينه، ومر وهو يقول: هكذا يكون الجواب المقشر.
قيل لسقراط: أن الكلام الذي قتله لم يقبل؛ فقال: ليس يلزمني أن يقبل، إنما يلزمني أن يكون صواباً.
قال الاسكندر لابنه يا ابن الحجامة؛ فقال: أما هي فأحسنت التخير، وأما أنت فلا.
وقال أعرابي لابنه: أسكت يا ابن الأمة؛ فقال له: والله لهي أعذر منك حيث لم ترض إلا حراً.
قال خالد القسري لابن هبيرة: فررت مني فرار العبد يا أبا المثنى؛ قال: حين نمت عني نوم الأمة يا أبا الهيثم.
تنبأ رجل في زمن المنصور، فقال له المنصور: أنت نبي سفلة؛ فقال: جعلت فداك كل أنسان يبعث إلى شكله.

قال ملك لوزير: ما خير ما يرزقه العبد؟ قال: عقل يعيش به؛ قال: فإن عدمه، قال: أدب يتحلى به؛ قال: فإن عدمه، قال: فمال يستره؛ قال: فإن عدمه، قال: فصاعقة تحرقه فتريح منه العباد والبلاد.
قال عبد الملك لأعرابي: الناقة إذا كانت تمنع الحلب قومتها العصا؛ فقال: إذن تكفأ الأناء وتكسر أنف الحالب.
علي رضي الله عنه: إذا أزدحم الجواب خفي الصواب.
غنى إبراهيم الرشيد، فقال له: أحسنت أحسن الله إليك، فقال: يا أمير المؤمنين إنما يحسن الله إلي بك؛ فأمر له بمائة ألف درهم.
قال معاوية لعقيل: ما أبين الشبق في رجالكم يا بني هاشم!! قال: لكنه في نسائكم أبين يا بني أمية.
حضر أبو عبد الرحمن الحنفي ورجل من المجبرة مجلس والي البصرة، فأتى بطرار أحول، فقال الوالي للمجبر: ما ترى فيه؟ قال: يضرب خمس عشرة درة؛ وسأل أبا عبد الرحمن، فقال: ثلاثين، خمس عشرة لطره، وخمس عشرة لحوله؛ فقال: يا أبا عبد الرحمن أضربه على الحول؟ قال: نعم، إذا كانا جميعا من خلق الله، فما جعل الضرب على الطر أحق من جعله على الحول؟ كان بالكوفة رجل يحدث عن بني إسرائيل ويكذب، فقال له الحجاج ابن حنتمة: ما أسم بقرة بني إسرائيل؟ قال حنتمة! فقال رجل من ولد أبي موسى في أي الكتب وجدت هذا؟ قال: في كتب عمرو بن العاص التي جدع بها أبا موسى.
قال المتوكل لأبي العيناء: إلى متى تمدح الناس وتذمهم؟ قال: ما أحسنوا وأساءوا.
قال ابن مكرم لأبي العيناء: بلغني أنك مأفون: قال: مكذوب علي وعليك.
نظر رئيس إلى أبي هفان وهو يسار رجلاً فقال: فيم تكذبان؟ قال: في مدحك.
رأى أعرابي أبا هفان فقال: من هذا؟ فقال ابن محرز الكاتب: شيخ لنا مصاب؛ فقال أبو هفان: نعم يا ابن أخي، هذا.
سأل المأمون أبا يونس فقيه مصر عن رجل اشترى شاة فضرطت فخرجت منها بعرة فقأت عين رجل، على من الدية؟ قال: على البائع، قال: ولم؟ قال: لأنه باع شاة في استها منجنيق، ولم يبرأ من العهدة.
قال عبيد الله بن يحيى لأبي العيناء: كيف الحال؟ قال: أنت الحال، فأنظر كيف أنت لنا، فأحسن صلته.
قال رجل لأعرابي: أتجلب التمر إلى هجر؟ فقال: نعم، إذا أجدبت أرضها، وعاوم نخلها.
قال المتوكل للفتح بن خاقان، وقد خرج وصيف الخادم في أحسن زي، يا فتح أتحبه؟ قال: أنا لا أحب من تحب، وإنما أحب من يحبك.
سمع مجنون رجلاً يقول: اللهم لا تأخذنا على غفلة؛ فقال: إذن لا يأخذك أبداً.
اشترى أسحق بن عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس غلاماً فصيحاً، فطلبه الرشيد، فقال: يا أمير المؤمنين لم أشتر إلا لك؛ فقال له الرشيد: أن مولاك قد وهبك لي، فقال: يا أمير المؤمنين: ما زلت ولا زلت؛ قال: فسر؛ قال: ما زلت لك وأنا في ملكه، ولا زلت عن ملكه وأنا لك؛ فأعجب به الرشيد وقدمه.
قال المعتصم للفتح بن خاقان وهو صبي: أرأيت يا فتح أحسن من هذا الفص؟ لفص في يده، قال: نعم يا أمير المؤمنين، اليد التي هو فيها أحسن منه.
كان لعمران بن حطان زوج جميلة، وكان هو قصيراً دميماً، فقال له ذات يوم: أعلم أني وإياك في الجنة؛ قال: كيف؟ قالت: لأنك أعطيت مثلي فشكرت، وأنا بليت بمثلك فصبرت، والصابر والشاكر في الجنة.
أجتمع شريك بن عبد الله ويحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن البصري في دار الرشيد، فقال يحيى لشريك: ما تقول في النبيذ؟ قال: حلال؛ قال: فقليله خير أم كثيره؟ قال: قليله؛ قال: ما رأيت خيراً قط إلا والأزدياد منه خير إلا خيرك هذا، فإن قليله خير من كثيره.
أعترض رجل المأمون فقال: أنا رجل من العرب؛ قال: ليس ذاك بعجب؛ قال: وأني أريد الحج؛ قال: الطريق أمامك نهج؛ قال: وليست لي نفقة؛ قال: قد سقط عنك الفرض؛ قال: أني جئتك مستجدياً لا مستفتياً؛ فضحك وبره.
قال الخياط المتكلم: ما قطعني إلا غلام، قال لي: ما تقول في معاوية؟ قلت: أني أقف فيه؛ قال: فما تقول في ابنه يزيد؟ قلت: ألعنه؛ قال: فما تقول فيمن يحبه؟ قلت: ألعنه؛ قال: أفترى معاوية كان لا يحب ابنه؟ دخلت أم أفعى العبدية على عائشة فقالت: يا أم المؤمنين ما تقولين في أمرآة قتلت ابنا لها صغيراً؟ قالت: وجبت لها النار؛ قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الكبار عشرين ألفا؟ قالت خذوا بيد عدوة الله.

قيل لبلال: من سبق؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قيل: سألناك عن الخيل؛ قال: وأنا أجيبكم عن الخير.
قال رجل لأبي الهذيل: ما الدليل على حدوث العالم؟ قال: الحركة والسكون؛ قال: الحركة والسكون من العالم، فكأنك قلت: الدليل على حدوث العالم العالم، دل على حدوث العالم بغير العالم؛ فقال أبو الهذيل: أن جئتني بسؤال من غير العالم جئتك بجواب من غير العالم.
قال الأشعث بن قيس لشريح: يا أبا أمية لعهدي بك وأن شأنك لشؤين؛ فقال: يا أبا محمد تعرف نعمة الله على غيرك وتجهلها من نفسك.
زحمت مدينة رجلاً فقال: المستعان بالله منكن، ما أكثركن؟ فقالت: يا هذا نحن على الكثرة وأنتم تبتغون ما وراء ذلك، فليت شعري لو كان فينا قلة ماذا كنتم تعملون؟ دخل رجل على ابن ميادة وبين يديه كتاب فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب عملته مدخلاً إلى التوراة؛ قال: الناس ينكرون هذا؛ قال: الناس كلهم جهال؛ قال فأنت ضدهم؟ قال: نعم؛ قال: فينبغي أن يكون ضدهم جاهلاً عندهم؛ قال: صدقت؛ قال: فقد بقيت جاهلاً بإجماع، والناس جهال بقولك وحدك.
خطب معاوية فقال: أن الله يقول: " وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم " فعلام يلوموني إذا قصرت في عطياتكم؟ فقال الأحنف: أنا والله لا نلومك على ما في خزائن الله، ولكن على ما أنزله من خزائنه، فجعلته أنت في خزانتك وحلت بيننا وبينه.
قال الحجاج لرجل: أنا أطول أم أنت؟ قال: الأمير أطول، وأنا أبسط قامة.
قال رجل لعبد الملك: تزوجت امرأة وتزوج ابني أمها فارفدني؛ قال: أن أخبرتني ما قرابة أولادكما إذا ولدتا فعلت؛ فقال: يا أمير المؤمنين هذا حميد قلدته سيفك ووليته ما وراء بابك فسله عنها، فإن أصاب لزمني الحرمان، وأن أخطأ اتسع لي العذر؛ فسأله، فقال: والله ما قدمتني على العلم ولا نصبتني له، وقدمتني على العمل بالسيف والطعن بالرمح، إلا أني أجيب عنها، ثم أقبل على الرجل فقال: يا ابن المعروكة كان أحدهما عما للآخر والأخر خالاً له. فانخزل الرجل؛ فقال عبد الملك: أجاب وأصاب، وجهلت وأنخزلت ولكنك تستحق ما طلبت بأمتحاننا إياك وصبرك علينا.
قال المنتصر لأبي العيناء: ما أحسن الجواب؟ قال: ما أسكت المبطل وحير المحق.
عمرو بن عتبة: تعريف الجاهل أيسر من تقرير المنكر.
قال داود الهي كن لابني سليمان كما كنت لي؛ فأوحى إليه. يا داود قل لأبنك سليمان يكون لي كما كنت لي، حتى أكون له كما كنت لك.
قال أبو العتاهية لابن مناذر: كم تقول في اليوم من الشعر؟ قال: الخمسة أو الثلاثة؛ فقال أبو العتاهية: لكني أقول المائة والمائتين، فقال ابن مناذر: أجل إنك تقول:
يا عتب مالي ولك ... يا ليتني لم أرك
وأنا أقول:
ستظلم بغداد وتجلو لنا الدجى ... بمكة ما عشنا ثلاثة أقمر
إذا نزلوا بطحاء مكة أشرقت ... بيحي وبالفضل بن يحيى وجعفر
وما خلقت إلا لجود أكفهم ... وأقدامهم إلا لأعواد منبر
ولو أردت مثله لطال عليك الدهر.
دخل محمد بن عيسى برغوث على أبي الهذيل وهو متكىء فلم يتحرك له، فتوهم من حضر أنه لم يعرفه، فسأله عن سبع عشرة مسألة، فأجابه عنها جواب مثله، فلما نهض قال: أن مسائلنا هذه لتقصع البراغيث قصعاً؛ فعرفوا أنه عرفه.
دخل جرير على الوليد وعنده ابن الرقاع فقال الوليد لجرير: تعرف هذا؟ قال: لا؛ قال: هو ابن الرقاع، قال: شر الثياب ما كانت فيه الرقاع قال: أنه من عاملة، قال: عاملة ناصبة، قال: ما تريد من رجل يمدح أحياء بني أمية ويؤبن موتاها؟ والله لئن هجوته لأركبنه عنقك. فخرج جرير وابن الرقاع وراءه، فقال: أيها الناس كدت أخرج إليكم وهذا القرد على عنقي.

قال المتوكل يوما: أتعلمون لماذا عتب الناس على عثمان: فقال بعض جلسائه: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر على المنبر دون مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرقاة، ثم قام عمر دون مقام أبي بكر بمرقاة، فلما ولي عثمان صعد ذروة المنبر، فقعد في مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكر المسلمون ذلك. فقال عبادة: يا أمير المؤمنين ما أحد أعظم منة عليك، ولا أسبغ معروفا من عثمان، قال: كيف ويلك؟ قال: لأنه صعد ذروة المنبر، ولولا ذلك لكان كلما قام خليفة نزل عن مقام من تقدمه مرقاة فكنت أنت تخطبنا من بئر جلولاء.
ولى المنصور سليمان بن راميل الموصل، وضم إليه ألفاً من العجم، فقال: قد ضممت إليك ألف شيطان تذل بهم الخلق؛ فعانوا في نواحى المواصل؛ فكتب إليه: كفرت النعمة يا سليمان؛ فأجاب: وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا؛ فضحك المنصور، وأمده بغيرهم.
كان ليزيد بن عبد الملك أخ من أمه يقال له مروان، فشتمه الوليد ذات يوم، فأراد أن يرد عليه، فقال له يزيد: أخوك وإمامك وأسن منك، ووضع يده على فم مروان؛ فقال: يا أخي قتلتني ورددت في جوفي كلمة هي أحر من النار، فمات مروان من حرقة ترك الجواب.
نزل مخنث في نهر ليغتسل، فجاء قوم من آل أبي معيط يرمونه، فقال: لا ترموني فلست بنبي.
قال المنصور: لبعض أهل الشام: ألا تحمدون الله إذ رفع عنكم الطاعون منذ وليناكم؟ فقال الشامي: أن الله أعدل من أن يجمعكم علينا والطاعون؛ فسكت، ولم يزل يطلب له العلل حتى قتله.
أخذ يعقوب بن الليث رجلاً من أهل سجستان موسراً فأفقره، فدخل عليه بعد مدة، فقال له: كيف أنت الساعة؟ قال: كما كنت قديماً، قال: وكيف كنت قديماً؟ قال: كما أنا الساعة؛ فأطرق وأمر له بعشرة آلاف ألف.
حج معاوية فتلقته قريش بوادي القرى، والأنصار بأبواب المدينة، فقال: يا معشر الأنصار ما منعكم أن تلقوني حيث تلقتني قريش؟ قالوا: لم يكن لنا دواب، قال: فأين النواضح؟ قال الغمر بن عجلان: أنضيناها يوم بدر، في طلب أبي سفيان وأصحابه؛ فسكت مفحماً. فلما دخل المدينة قال: أين زيد بن ثابت؟ قالوا عليل أصابه سلس البول؛ فقال: علي به، فقال: ما منعك من تلقي؟ قال: علتي، قال: ليس كذا، ولكن غرك ما قيل في زيد بن ثابت كاتب الوحي؛ قال: بلى، حيث لم يأمنك الله ورسوله، فأفحم.
أمر بلال بن أبي بردة بإخراج مجنون من الحبس، ليضحك منه، فقال له: أتدري لم دعوتك؟ قال: لا، قال: لأسخر منك؛ فقال المجنون غير منكر: فقد حكم المسلمون حكمين فسخر أحدهما من الآخر. فخجل بلال وأطلقه.
شكا رجل إلى كسرى بعض عماله وأنه غصبه ضيعه، فقال: قد أكلتها أربعين سنة فما عليك أن تتركها على عاملي سنة!! قال: أيها الملك وما عليك أن تسلم ملكك إلى بهرام فيأكله سنة!! فأمر أن يوجاً في عنقه. فقال: أيها الملك دخلت بمظلمة وأخرج بمظلمتين، فأمر برد ضيعته وقضاء حوائجه.
حبس عمرو بن العاص عن جنده العطاء، فقام إليه رجل حميري فقال: أصلح الله الأمير أتخذ جنداً من حجارة لا يأكلون ولا يشربون؛ قال: أسكت يا كلب؛ قال: أن كنت كذلك فأنت أمير الكلاب. فأطرق عمرو وأخرج أرزاقهم.
قال علي رضي الله عنه لابن عباس حين بعثه إلى الخوارج: لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن خاصمهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً.
سأل رجل الشعبي عن المسح على اللحية، قال: خللها، قال: أتخوف أن لا نبلها، قال: أن تخوفت فأنقعها من أول الليل.
روى الشعبي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسحروا ولو أن يضع أحدكم أصبعه على التراب ثم يضعها في فمه. فقال رجل في المجلس: أي الأصابع؟ فتناول الشعبي إبهام رجله وقال هذه.
قال رجل ليعقوب فقيه سجستان: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر للغسل إلى أين أتوجه، إلى القبلة أم إلى غيرها؟ قال: أفضل ذلك أن يكون وجهك إلى ثيابك التي تنزعها. وسأله آخر: إذا شيعنا جنازة فقدامها أفضل أن نمشي أم خلفها؟ قال: أجهد أن لا تكون عليها وأمضى حيث شئت.
جاء رجل إلى الشعبي فقال: أصاب ثيابي التوت؛ قال: أغسله؛ قال: بم أغسله؟ قال؟: بالخل والأنجذان.

تذاكروا سوء سيرة الحجاج، فقال رجل: امرأته طالق أن غفر الله للحجاج؛ فقيل له: حلفت على غيب فسل عن يمينك، فاختلفوا عليه، وقالوا: تجنب امرأتك، فسأل عمرو بن عبيد فقال: شد يديك بامرأتك، فإن غفر الله للحجاج ذنوبه لم يتعاظمه أن يغفر لك هذا الذنب الواحد. وروي فإن يغفر الله للحجاج فما ذنبك في جنب ذنبه إلا شوى.
سأل طاهر بن الحسين أبا النبيه منذ كم دخلت العراق؟ قال: منذ عشرين سنة، وأنا أصوم منذ ثلاثين سنة. فقال طاهر سألناك عن مسألة فاجبت عن ثلاث.
غزا محمد بن واسع خراسان مع قتيبة فرعوا الزرع، وأخذ هو بعنان فرسه يتخلل به الأودية، فقال له دهقان القرية: أنت الذي أهلكتني؛ فقال: كيف؟ قال: لولاك لهلك هؤلاء.
دخل محمد بن واسع على قتيبة وعليه جبة صوف، قال: لم لبستها؟ قال: أكره أن أقول زهداً فأزكي نفسي، أو أن أقول فقراً فأشكو ربي.
كان الحسن يقول: لا توبة لقاتل المؤمن متعمداً؛ فدس إليه عمرو بن عبيد رجلاً وقال: قل له: لا يخلو من أن يكون مؤمنا أو كافراً أو منافقاً أو فاسقاً، فإن كان مؤمنا فإن الله تعالى يقول: " يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا " ، وأن كان كافراً فإنه يقول: " قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " ، وأن كان منافقاً فإنه يقول: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً إلا الذين تابوا " ، وإن كان فاسقاً فإنه يقول: " أولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا " ، فقال للرجل من أين لك هذا؟ قال: شيء أختلج في صدري؛ قال: محال، أصدقني، فقال: عمرو بن عبيد. فقال الحسن: عمرو وما عمرو!! إذا قام بأمر قعد به، وإذا قعد بأمر قام به، ورجع.
قال سليمان بن علي أمير البصرة لعمرو بن عبيد: ما تقول في أموالنا التي نصرفها في سبل الخير؟ فأبطأ عمرو في الجواب، يريد به وقار العلم، ثم قال: أن من نعمة الله على الأمير أنه أصبح لا يجهل أن من أخذ الشيء من حقه ووضعه في وجهه فلا تبعة عليه غداً. فقال: نحن أحسن ظناً بالله منكم؛ فقال: أقسم على الأمير بالله عز وجل، هل تعلم أحداً كان أحسن ظناً بالله من رسوله؟ قال: لا، قال: فهل علمته أخذ شيئاً قط من غير حله، ووضعه في غير حقه؟ قال: اللهم لا؛ قال: حسن الظن بالله أن تفعل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل لاياس بن معاوية: لم تعجل بالقضاء؟ قال: كم لكفك من أصبع؟ قال خمس؛ قال: عجلت، ثم قال: يتعجل من قال بعدما قتل الشيء علماً.
أبو العيناء: ما رأيت أفصح لساناً، ولا أحضر حجة من ابن أبي داود؛ قال له الواثق: رفعت فيك رقعة فيها كذب كثير؛ قال: ليس بعجيب أن أحسد بمنزلتي عند أمير المؤمنين فيكذب علي؛ قال: وزعموا أنك وليت القضاء رجلاً أعمى؛ قال: بلغني إنما عمي من بكائه على أمير المؤمنين المعتصم، فحفظت له ذلك، وأمرته أن يستخلف؛ قال: وفيها أنك أعطيت شاعراً ألف دينار؛ قال: دون ذاك، وقد أثاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كعباً، وقال في آخر: أقطعوا لسانه عني، وهذا شاعر طائي مصيب محسن، لو لم أرع له إلا قوله فيك للمعتصم:
فأشدد بهارون الخلافة أنه ... سكن لوحشتها ودار قرار
ولقد علمت بأن ذلك معصم ... ما كنت تتركه بغير سوار
فقال الواثق: قد وصلته بخمسمائة دينار.
سئل الشعبي عن شيء فقال: لا أدري، فقيل: ألا تستحي وأنت فقيه العراقيين! فقال: الملائكة لم تستح إذ قالت: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا.
حفص بن غياث: خرج علينا الأعمش يوماً فقال: هل تدرون ما قالت الأذن؟ قلنا: وما قالت؟ قال: قالت لولا أني أخاف أن أقمع بالجواب لطلت كما طال اللسان؛ قال حفص: فكم من كلمة غاظنى صاحبها منعني جوابها قول الأعمش.
خاصمت امرأة زوجها إلى شريح فبكت، فقال الشعبي: أظنها مظلومة، فقال: أن أخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون وكانوا ظالمين.
شقيق بن إبراهيم البلخي: قال لي إبراهيم بن أدهم: أخبرني عما أنت عليه، قلت: إذا رزقت أكلت، وإذا منعت صبرت؛ قال: هكذا تفعل كلاب بلخ؛ فقلت: فكيف تعمل أنت؟ قال: إذا رزقت آثرت، وإذا منعت شكرت.
أنشد كثير سكينة:
فما للنوى لا بارك الله في النوى ... وعهد النوى عند الفراق ذميم
فقالت: أنه لبيت حسن؛ ولكن لو أفلتت عليه شاة لأكلته.
قال نهار بن توسعة:

ألا ذهب الغزو المقرب للغنى ... ومات الغنى والعرف بعد المهلب
فلما غزا قتيبة الصغد وأصاب من السبي ما لم ير مثله، قال لنهار: أنت القائل ألا ذهب الغزو، فما هذا؟ قال: هو الحشر.
قيل لحكيم: مالك تدمن أمساك العصا ولست بكبير ولا مريض؟ قال: لا علم أني مسافر.
أنشد رجل غرارة شعراً ردياً ثم قال: تراني مطبوعاً؟ قال: أي والله على قلبك.
أخذ الحكم بن أيوب الثقفي عامل الحجاج إياس بن معاوية فشتمه وقال: أنت خارجي منافق، ائتني بمن يكفل بك؛ قال: ما أجد أعرف بي منك؛ قال: وما علمني بك وأنا شامي وأنت عراقي!! قال إياس: ففيم هذا الثناء منذ اليوم؟ فضحك وخلى سبيله.
دخل شريك بن الأعور على معاوية، وكان دميماً، فقال له: أنك لدميم والجميل خير من الدميم، وإنك لشريك وما لله شريك، وأن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور، فكيف سدت قومك؛ فقال: وأنك معاوية وما معاوية إلا كلبة عوت فأستعوت الكلاب، وأنك لابن حرب والسلم خير من الحرب، وإنك لابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنك لابن أمية وما أمية إلا أمة صغرت، فكيف صرت أمير المؤمنين؟ وخرج وهو يقول:
أيشتمني معاوية بن حرب ... وسيفي صارم ومعي لساني
وحولي من ذوى يمن ليوث ... ضراغمة تهش إلى الطعان
يعير بالدمامة من سفاه ... وربات الخدور من الغواني
ذوات الحسن والريبال جهم ... شتيم وجهه ماضي الجنان
قال أبو يوسف رحمه الله لبعض من أعترض في كلامه: لست من أرض هذا، فإذا ذكر مثل هذا فأستأسر ولا تستأسد.
حجة لا يهتدي تاركها، ومحجة لا يضل سالكها:
طعنت بالحجة الغراء ثغرته ... ورمح غيرك فيه العي والخطل
ضاع عجاجه، وكعم بحجاجه. فلان كعيم الحجة. هذه الحجة لي مسرح في ردها عليك، وعكسها إليك. أتى بكلمة مجمجمة، وحجة ملجلجة.
لما توجهت عليك الحجة كابرت، ولما وضح لك الحق تضاجرت.
فرط في الحجاج، وأسرع في اللجاج.
قال ابن شبرمة لرجل: أنت والله حجة خصمك، وسلاح عدوك، وفريسة قرنك، ونقصان في عدد أهلك.
بخوع الفتى بالحق أحسن في النهى ... وأولى به من أن يلج يباطل
وأحسن بمثلى أن يراجع رشده ... بترك لجاج في مماراة جاهل
المبطل مخصوم وأن غلب، والمحق فالج وأن خصم.
أعرابي في وصف متناظرين: أول مجلسهم اشطاح، وآخره اصطلاح.
أعذر وأن حمض الجواب، فرب منتفع بحامض.
كأني استفز بالحداء عوداً، وأهز بالنداء طوداً.
قيل لبعض الحكماء: ما الأشياء الناطقة الصامتة؟ قال: الدلائل المخبرة، والعبر الواعظة.
وهب بن منبه: صحب رجل عالماً سبعمائة فرسخ، ثم سأله عن سبع كلمات، قال له، أخبرني عن السماء وما أثقل منها، وعن الأرض ما أوسع منها، وعن الحجر ما أقسى منه، وعن النار ما أحر منها، وعن البحر ما أغنى منه، وعن اليتيم ما أضعف منه، وعن الزمهرير ما أبرد منه؟ فقال الحكيم: البهتان أثقل من السماوات، والحق أوسع من الأرض، وقلب الكافر أقسى من الحجر، وقلب القانع أغنى من البحر، وجشعة الحريص أخر من النار، ونمائم الوشاة أضعف من اليتيم، واليأس من القريب أبرد من الزمهرير.
سئل الشعبي عن لحم الشيطان فقال: نحن نرضى منه بالكفاف، فقيل له: ما تقول في الذباب؟ فقال: أن أشتهيته فكله.
قيل لهشام بن الحكم: أترى الله، في فضله وعدله وكرمه، كلفنا ما لا نطيق ثم يعذبنا؟ قال: قد والله فعل، ولكن لا نستطيع نتكلم.
أدعى رجل الفقه، وبسط على باب داره البواري، وقعد للفتوى، وأحتف به الناس فجاء رجل فقال: يا فقيه ما تقول فيمن أدخل أصبعه في أنفه فخرج عليها دم؟ فقال: يحتجم؛ فقال: أقعدت فقيهاً أم طبيباً؟ فقال: لك طبيباً ولغيرك فقيهاً.
أدعى رجل أنه من كندة، فقيل له: من أيها أنت؟ فلم يدر ما يقول فقال: يا سبحان الله! أهذا موضع هذا السؤال عافاك الله؟ سمع الحجاج أن الناس يقولون أنه من بقية ثمود، فقال في خطبته: أتزعمون أني من بقية ثمود، والله يقول: وثموداً فما أبقى، صدق الله وكذبتم أنتم.
قال عبد الله بن خازم لقهرمانه: إلى أين تمضى يا هامان؟ قال: أبنى لك صرحاً؛ فعجب من جوابه، لأنه أشار إلى أنه فرعون، أن كان هو هامان.

سمع اسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة رحمه الله يحيى بن أكثم يغض من جده فقال: ما هذا جزاؤه منك؟ قال: حين فعل ماذا؛ قال: حين أباح النبيذ، ودرأ الحد عن اللوطي.
وهب بن منبه: استعمل علينا ابن الزبير رجلاً منا دميما يلقب عجوز اليمن، فقدمت على ابن الزبير وعنده عبد الله بن خالد بن أسيد فقال لي: يا أبا عبد الله كيف عجوز اليمن؟ فأعادها مراراً، فلما أكثر قلت: أسلمت مع سليمان لله رب العالمين، فما فعلت عجوز قريش؟ قال: ومن عجوز قريش؟ قلت: أم جميل حمالة الحطب؛ فضحك ابن الزبير، وقال لخالد: أسأت السؤال وأحسن الجواب. عيره برجل من قومه، فخيل أنه يسأل عن بلقيس وكانت من اليمن، فأجاب بأنها أسلمت مع سليمان، وعيره بعجوز قومه التي هي حمالة الحطب، ودفع عن الرجل الدفع الحسن، فلله عقولهم ما أثقبها!! أما تراه كيف غالط، وكيف أبعد عن أميره المذمة على الطريقة الجميلة.
كتب ملك الروم إلى المعتصم يتهدده، فأمر بجوابه، فعرضت عليه الأجوبة فلم يرضها؛ فقال للكاتب أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد قرأت كتابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار، والسلام.
دخل ابن مكرم على أبي العيناء عائداً فقال: أرتفع فديتك؛ فقال: رفعك الله إليه، أي أماتك.
اعترض رجل جارية رقاصة فقال: هل في يدك صناعة؟ قالت: لا، ولكن في رجلي.
دخل شاعران على المأمون، فقال لأحدهما: ممن؟ قال: من ضبة، فأطرق، فقل: يا أمير المؤمنين من ضبة الكوفة لا من ضبة البصرة؛ وسأل الآخر فقال: من الأشعريين؛ فقال: أنت أشعر أم صاحبك؟ فقال: ما ظننت أن هاشميا يحكم أشعرياً بعد أبي موسى، فضحك وقال: أعطوا الضبي ألف دينار لفطنته، وللأشعري ألفاً لنادرته.
أغار أنس بن مدركة الخعثمي على سرح قريش في الجاهلية فذهب به، فقال له عمر رضي الله عنه في خلافته: لقد اتبعناك تلك الليلة فلو أدركناك!! فقال: لو أدركتني لم تكن للناس خليفة.
كان يقال: أحضر الناس جواباً من لم يغضب.
الأصمعي: من علامة الأحمق الأجابة قبل أستقصاء الأستماع.
مرت أمرأة بمجلس بني نمير فقال رجل منهم هي رسحاء فقالت: يا بني نمير، لا قول الله سمعتم، ولا قول الشاعر أطعتم، قال الله تعالى: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " ، وقال الشاعر؛ فغض الطرف أنك من نمير.
تقدم أياس بن معاوية وهو غلام خصماً له شيخاً إلى قاضي الشام، فقال له: أتتقدم شيخاً كبيراً؟ قال: الحق أكبر منه؛ قال: أسكت، قال: فمن ينطق بحجتي؟ قال: لا أظنك تقول حقا حتى تقوم، قال: لا إله إلا الله، فخبر القاضي عبد الملك بخبره، فقال أقض حاجته الساعة، وأخرجه من الشام، لا يفسد علي الناس.
تفاخر أموي وأنصاري، فقال الأموي: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر عماله بنو أمية، بمكة عتاب بن أسيد، وعلى البحرين أبان بن سعيد بن العاص وعلى اليمن خالد بن سعيد بن العاص وعلى نجران أبو سفيان؛ فقال الأنصاري: صدقت، ولكنهم حالفوا أهل الردة على هدم الاسلام، فكأنما ألقمه حجراً.
دخل معن بن زائدة على المنصور يقارب خطوه، فقال: كبرت سنك يا معن، قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين؛ قال: وإنك لتتجلد؛ قال: لأعدائك؛ قال: وإن فيك بقية؛ قال: هي لك يا أمير المؤمنين.
علي رضي الله عنه، أرسل إليه أهل البصرة كليباً الجرمي بعد يوم الجمل، ليزيل الشبهة عنهم في أمره، فذكر ما علم أنه على الحق، ثم قال له: بايع، فقال: حتى أرجع إليهم، إني رسول القوم، فلا أحدث حدثا دونهم؛ فقال: أرأيت الذين وراءك لو أنهم بعثوك رائداً تبتغي له مساقط الغيث، فرجعت إليهم فأخبرتهم عن الكلأ، فخالفوا إلى المعاطش والمجادب، ما كنت صانعا؟ قال: كنت تاركهم ومخالفهم إلى الماء والكلأ؛ قال: فأمدد إذن يدك؛ قال كليب: فو الله ما أستطعت أن أمتنع عند قيام الحجة علي، فبايعته.
قال ابن عباس لأبي الأسود الدؤلي: لو كنت جملاً لكنت ثقالا؛ فقال: يا ابن عباس لو كنت راعي ذلك الجمل ما أرويته من ماء، ولا أشبعته من كلأ.
دخل رجل من محارب على عبد الله بن يزيد الهلالي فقال: ماذا لقينا البارحة من شيوخ محارب ما تركونا ننام!! يعني الضفادع لقول الأخطل:
تنق بلا شيء شيوخ محارب ... وما خلتها كانت تريش ولا تبرى

ضفادع في أناء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر
فقال المحاربي: أصلحك الله أنهم أضلوا برقعاً البارحة فكانوا في طلبه؛ يريد قول القشيري:
لكل هلالي من اللؤم جبة ... ولابن يزيد جبة وبراقع
أبو عثمان الناجم:
أبى لي أن أجيبك أن قدري ... أبي لي أن نازعك الكلاما
قال الفرزدق: ما أستقبلني أحد بمثل ما أستقبلني به نبطي، قال: أأنت الفرزدق الذي يمدح الناس ويهجوهم ويأخذ أموالهم، قلت: نعم؛ قال: أنت في الكنيف من قدمك إلى أنفك؛ قلت: لم حاشيت العينين؟ قال: حتى ترى هوان نفسك؛ فبهت.
كتب عون إلى محمد بن عبد الملك:
قد بعثنا بتحفة البستان ... بكر ما قد جنى من الريحان
ياسميناً ونرجساً قد بعثنا ... وبعثنا شقائق النعمان
فأجابه:
عون رض الأله من فيك أقصا ... ه وأدناه يا عيي اللسان
حشو بيتين قد وقد فالى كم ... قدك الله بالحسام اليماني
قال رجل لأبي نواس: ولاك أمير المؤمنين على القردة والخنازير؛ قال: فأسمع وأطع لأنك من رعيتي.
دخل معن بن زائدة على المنصور، فقال له: هيه يا معن تعطى مروان بن أبي حفصة مائة ألف على قوله:
معن بن زائدة الذي زيدت به ... شرفاً إلى شرف بنو شيبان
قال: كلا، إنما أعطيته على قوله:
ما زلت يوم الهاشمية معلماً ... بالسيف دون خليفة الرحمن
فمنعت حوزته وكنت وقاءه ... من وقع كل مهند وسنان
قال أحسنت يا معن.
كان الجهجاء يدعي الخلافة بجنونه، فأدخل على الرشيد، فقال له جعفر بن يحيى: هو أمير الحباقين يزعم أنه أمير المؤمنين؛ فقال لو كنت كذلك لكنت أوسع امرة من صاحبك لأن الحباق عام والأيمان خاص؛ فقال هارون: لأضربنك حتى تقر بالزندقة؛ فقال: هذا خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أضرب الناس حتى يقروا بالإيمان، وأنت تضربني حتى أقر بالكفر.
عن الشعبي: حضرت عبد الله بن الزبير وهو يخطب بمكة فقال في آخر خطبته: والله لو كانت الرجال تصرف لصرفتكم تصريف الذهب بالفضة، أما والله لوددت أن لي بكل رجلين منكم رجلاً من أهل الشام، بل بكل خمسة، بل بكل عشرة، فما بكم يدرك الثار، ولا بكم يمنع الجار. فقام إليه رجل من أهل البصرة فقال: ما نجد لنا ولك مثلاً إلا قول الأعشى:
علقتها عرضاً وعلقت رجلاً ... غيري وعلق أخرى ذنب الرجل
علقناك، وعلقت أهل الشام، وعلق أهل الشام بني مروان، فما عسينا أن نصنع؟ قال الشعبي: فما سمعت بجواب أحضر منه ولا أحسن.
قال جعفر بن سليمان لأعرابي، رآه في إبل قد ملأت الوادي، لمن هذه الأبل؟ قال: لله في يدي.
قيل لبعض السلف: إذا كان الله واسع الرحمة فلم يعاقب عباده بذنوبهم؟ قال: رحمته لا تغلب حكمته.
وفد ابن أبي محجن على معاوية، فقام خطيباً فأحسن، فحسده فأراد أن يكسره، فقال: أنت الذي أوصاك أبوك بقوله:
إذا مت فادفني إلى أصل كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني بالفلاة فأنني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
فقال: بل أنا الذي يقول أبي:
لا تسأل الناس ما مالي وكثرته ... وسائل الناس ما جودي وما خلقي
أعطي الحسام غداة الروع حصته ... وعامل الرمح أرديه من العلق
ويعلم الناس أني من سراتهم ... إذا تطيش يد الرعديدة الفرق
وأطعن الطعنة النجلاء عن عرض ... وأكتم السر فيه ضربة العنق
كتب ابن المعتز إلى علي بن مهدي الكسروي:
أبا حسن أنت ابن مهدي فارس ... فرفقاً بنا لست ابن مهدي هاشم
وأنت أخ في يوم لهو ولذة ... ولست أخاً عند الأمور العظائم
فأجابه علي:
أيا سيدي أن ابن مهدي فارس ... فداء ومن يهوى لمهدي هاشم
بلوت أخاً في كل أمر تحبه ... ولم تبله عند الأمور العظائم
وأنك لو نبهته لملمة ... لأنساك صولات الأسود الضراغم
في وصية علي رضي الله عنه: أياك أن تجمح بك مطية اللجاج.
رمى المتوكل عصفوراً فلم يصبه، فقال ابن حمدون أحسنت، قال: كيف أحسنت؟ قال: إلى العصفور.

عاد شريح زياد بن أبيه، فلما خرج قيل له: كيف تركته؟ قال: تركته يآمر وينهى؛ خيل أنه صحيح يقوم بإمارته آمراً ناهياً، وإنما أراد أنه مشف، يآمر بتنفيذ وصاياه، وينهى عن النوح عليه.
عبد الله بن الحسن بن الحسن: المراء يفسد الصداقة القديمة، يحل العقدة الوثيقة، وهو أمتن أسباب القطيعة.
لما أنشد كثير عبد الملك قوله:
علي ابن أبي العاصي دلاص حصينة ... أجاد المسدى سردها وأذالها
يؤود ضعيف القوم سرد قتيرها ... ويستضلع القرم الأشم أحتمالها
قال عبد الملك: هلا قلت كما قال أخو بني ثعلبة:
وإذا تجيء كتيبة ملموسة ... خرساء يخشى الذائدون نزالها
كنت المقدم غير لابس جنة ... بالسيف تضرب معلماً أبطالها
فقال: إني وصفتك بالحزم، ووصف الأعشى صاحبه بالخرق.
علي رضي الله عنه: إذا أزدحم الجواب خفى الصواب.
ما أحر السؤال يرحمك الله ولكن أحر منه الجواب قال عمر بن عبد العزيز لسالم السندي: أسرك ما وليت أم ساءك؟ قال: سرني للناس وساءني لنفسك؛ قال: فإني أتخوف أن أكون أوبقت نفسي؛ قال: ما أحسن حالك أن كنت تخاف، وإنما أخاف أنك لا تخاف؛ قال: عظني؛ قال: أن أبانا قد أخرج من الجنة بخطيئة واحدة.
قال علوي لأبي العيناء: أتبغضني وقد أمرت بالصلاة علي؟ تقول صلى الله على محمد وآله؛ قال: أني أقول الطيبين الأخيار، فتخرج أنت.
قال عبد الملك لأعرابي: لا تحسن أن تطاف؛ قال: يا أمير المؤمنين، أني لأطيل المشي حتى أتواره، كراهة أن أرى، وأستدير الريح، وأجتنب القبلة، وأستر بالنجوة وأفج أفجاج الثعلب، وأتمسح بالحجر والمدر، وأجتنب الروثة والرمة؛ قال: أنك نبيل أصيل.
قال أبو العيناء: ما قطعني أحد قبل المهتدي، قال: بلغني أنك تغتاب الناس؛ قلت: يبطل ما قيل عني شغلي بعيني؛ قال: ذاك والله أشد لتغيظك على أهل العافية.
أن كنت جاهلة فاستخبري خبري ... هل أصدر الأمر لا يسطاع بالحيل
وهل أرد شبا خصمي بحاسمة ... تكفي الألد حجاج الخصم بالجدل
فيه لدد وله مدد.
النبي صلى الله عليه وسلم: أبغض الرجال إلى الله الألد الخصيم.
وعنه عليه الصلاة والسلام: لا خير في المراء وأن كان في حق.
أبو حيان: أن الخصم متى كان الهوى مركبه، والعناد مطلبه، فلن يفلح معه، ولو خرجت اليد بيضاء، وأنقلبت العصا حية.
قاول عثمان بن مسعود العبسي حضين بن المنذر الرقاشي بحضرة قتيبة بن مسلم فغلبه حضين وقال:
فإن تك قد لاقيت مني شكيمة ... فما يوم عيسى من رفاس بواحد
عاتبت أم جعفر الرشيد في إيثار المأمون على محمد، فوجه إليهما خادمين حصيفين يقولان لكل واحد في الخلوة: ما تفعل بي إذا أستخلف؟ فقال محمد: أقطعك أغنيك، ورمى المأمون الخادم بدواة، وقال: يا ابن الإخناء، أتسألني عما أفعل بك يوم يموت أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين؟ أني لأرجو أن نكون جميعاً فداء له. فقال الرشيد: كيف ترين؟ ما أقدم أبنك ألا متابعة لرأيك وتركاً للحزم.
دخل زبيري الهوى على عبد الملك بعد قتل عبد الله، فقال له: أليس قد ردك الله على عقبيك؟ قال: يا أمير المؤمنين، أو من رد إليك فقد رد على عقبيه؟ فسكت عبد الملك، وأستحيا وأمر له بمال.
قال عمر بن عبد العزيز لرجل من أهل الشام: كيف عمالكم فبلكم؟ قال: يا أمير المؤمنين إذا طابت العين عذبت الأنهار.
أخذ الحجاج ابن الحنفية بمبايعة عبد الملك، قال: إذا أجتمع الناس عليه كنت كأحدهم؛ قال: لأقتلنك، قال: أو لا تدري؟ قال: وما لا أدري؟ قال: حدثني أبي: أن الله في كل يوم ثلثمائة وستين لحظة، له في كل لحظة ثلثمائة وستون قضية، فلعله يكفنيك في قضية من قضاياه. فأرتعد الحجاج وأنتفض وقال: لقد لحظك الله فأذهب حيث شئت.
فكتب الحجاج بحديثه إلى عبد الملك، ووافق ذلك كتاب ملك الروم إليه يتهدده، فكتب عبد الملك إلى قيصر بحديث محمد؛ فكتب إليه قيصر: هيهات هيهات، هذا كلام ما أنت بأبي عذره، هذا كلام لم يخرج إلا من نبي، أو من أهل بيت نبوة.

أستدرك على إياس بن معاوية ثلاث، قيل له تسرع في الجواب، ونجالس الدون من الناس، وتلبس الدون من الثياب؛ فقال: خمسة أكثر أم ستة؟ قالوا: ستة، قال: أسرعتم في الجواب، قالوا: ومن يشك في ذا؟ قال: فأنا لا أشك في الدقيق كما لا تشكون في الجليل، ولئن أجالس من يرى لي أحب إلي من أن أجالس من أرى له، ولئن ألبس ثوباً يقيني خير من أن ألبس ثوباً أقيه.
كتب قيصر إلى معاوية يسأله عن ثلاث: عن مكان بمقدار وسط السماء، وعن أول قطرة دم وقعت في الأرض، وعن مكان طلعت فيه الشمس مرة، فلم يعلم ذلك إلا الحسن ابن علي، قال: ظهر الكعبة، وشبر حراء، وأرض البحر حين ضربه موسى.
خالف ناس من قريش معاوية فقال: لقد هممت أن أبعث إليهم من يأتيني برؤوسهم؛ فقام إليه ابن قيس فقال: لو فعلت ذلك لقطعنا أعدادها من رؤوس بني أبي سفيان، فقال معاوية: أنت يا غراب!! فقال: أن الغراب يدب إلى الرخمة حتى ينقف رأسها. فضحك معاوية وسكت.
قال أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم: أتدري ما يأتمر بك قومك؟ قال: نعم؛ قال: من أخبرك؟ قال: ربي؛ قال: نعم الرب ربك فأستوص به خيراً؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أستوصي به خيراً. أراد الطاعة.
أنشد أبو الخطاب عمر بن عامر السعدي قصيدته التي أولها:
يا خير من عقدت كفاه حجزته ... وخير من قلدته أمرها مضر
فقال الهادي: إلا من، فقال سعيد بن سلم: أراد من في هذا الزمان، وقد أفكر الشاعر فقال:
ألا النبي رسول الله أن له ... فضلاً وأنت بذاك الفضل تفتخر
فقال: الآن أصبت وأحسنت، وأمر له بخمسين ألفاً.
وكان سعيد يقول: والله أني لأرجو أن يغفر الله للهادي فيرحمه لما رأيته منه.
أنشد العماني الرشيد قوله حين عقد للأمين والمأمون:
قل للأمين المقتدى بأمه ... ما قاسم بدون ما ابني أمه
وقد رضيناه فقم فسمه فقال الرشيد: لم يرض أن يعقدها جلوساً حتى جعلنا قياماً؛ قال: أنه قيام عازم، لا قيام قائم.
ونحوه أن الفرزدق أنشد سعيد بن العاص بالمدينة وهو واليها:
ترى الغر الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر في الحدثان عالا
قياماً ينظرون إلى سعيد ... كأنهم يرون به هلالا
فقال له مروان: لم ترض أن تجعلنا قعوداً ننظر إليه حتى جعلتنا

باب
الجنايات والذنوب وما يتعلق بها من العقود
والعقاب والأعتذار والتنصل والتوبة
النبي صلى الله عليه وسلم: من لم يقبل من متنصل، صادقاً كان أو كاذباً، لم يرد علي الحوض.
وعنه عليه الصلاة والسلام: تجافوا لذوي الهيآت عن زلاتهم.
وعنه: أن الله يحب أن يعفى عن زلة السري.
الأشعري عنه عليه الصلاة والسلام: يد الله مبسوطتان لمسيء الليل ليتوب بالنهار ولمسيء النهار ليتوب بالليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
الحسن رفعه: أن ابليس قال: وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام الروح في جسده؛ فقال الرب جل جلاله: وعزتي لا أمنعه التوبة ما لم يعرغر بنفسه.
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أني أذنبت ذنبا؛ قال: أستغفر ربك، قال: وأني أتوب ثم أعود؛ قال: كلما أذنبت فتب وأستغفر ربك حتى يكون الشيطان هو الحسير.
وروى أن حبيب بن الحارث قال له: أني مقراف للذنوب؛ قال: فتب إلى الله يا حبيب؛ فقال: إني أتوب ثم أعود؛ فقال: كلما أذنبت فتب، حتى قال: عفو الله أكبر من ذنوبك يا حبيب.
قياماً، فقال له الفرزدق: أنك من بينهم يا أبا عبد الملك لصافن.
عن الأصمعي: كان فهم الرشيد فهم العلماء، أنشده العماني في قوله في صفة الفرس قوله:
كأن أذنيه إذا تشرقا ... قادمة أو قلماً محرفا
فقال له: دع كأن وقل تخل، حتى يستوي.
أنس عنه عليه السلام: المؤمن مثل السنبلة يستقيم أحياناً ويميل أحياناً.
الحسن يرفعه: أن المؤمن ليذنب الذنب فيدخله الجنة؛ فقالوا: يا نبي الله، كيف يدخله الجنة؟ قال يكون نصب عينيه، تائباً عنه، مستغفراً منه، حتى يدخل الجنة.

علي رضي الله عنه: سمعت أبا بكر، وهو الصادق، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد أذنب ذنباً فقام فتوضأ فأحسن وضوءه وصلى وأستغفر من ذنبه إلا كان حقاً على الله أن يغفر له، لأنه يقول: " ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله " الآية.
عمر رضي الله عنه: جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة.
وعنه: أعقل الناس أعذرهم للناس.
وعنه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.
علي رضي الله عنه: العفو زكاة الظفر.
وعنه: إذا أنا مت من ضربته هذه فأضربوه ضربة بضربة؛ ولا يمثل بالرجل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أياكم والمثلة ولو بالكلب العقور.
مسلم بن الوليد الأنصاري في المأمون:
يغدو عدوك خائفاً فإذا رأى ... أن قد قدرت على العقاب رجاكا
الجرجرائي الكاتب:
خل أتى ذنبا إلي وأنني ... لشريكه بالذنب إن لم أغفر
أعتذر رجل إلى يحيى بن خالد فأساء، فقال يحيى: ذنبك يستغيث من عذرك.
إذا كان وجه العذر ليس بواضح ... فإن أطراح العذر خير من العذر
التجنى رائد الصرم، فأصفح الصفح الجميل قبل الرضا بلا عتاب.
سخط الرشيد على حميد الطوسي فدعا له بالسيف والنطع، فبكى، فقال: ما يبكيك؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين ما أفزع من الموت لأنه لابد منه، وإنما بكيت أسقا على خروجي من الدنيا وأمير المؤمنين ساخط علي؛ فضحك وعفا عنه وقال: أن الكريم إذا خادعته انخدعا.
أمر زياد بضرب عنق رجل فقال: أيها الأمير أن لي بك حرمة؛ قال: وما هي؟ قال: أن أبي جارك بالبصرة؛ قال: ومن أبوك؟ قال: نسيت أسم نفسي فكيف أسم أبي؟ فرد زياد كمه إلى فيه، وعفا عنه.
ضرب أبو الجحش الأعرابي غلماناً للمهدي، فأستعدوا عليه، فقال: أجترأت على غلماني فضربتهم؟ فقال: كلنا يا أمير المؤمنين غلمانك، ضرب بعضنا بعضا؛ فعفا عنه.
غضب الأسكندر على شاعر فأقصاه، وفرق ماله في الشعراء؛ فقيل له في ذلك؛ فقال: أما أقصائي له فلجرمه، وأما تفريقي ماله في أصحابه فلئلا يشفعوا فيه.
أعرابي: أجعل لي وكيلاً من نفسك يقوم عندك بعذري، ويخاصمك إلى كرمك في أمري.
أعرابي: هذا مقام من لا يتكل عندك على المعذرة، بل يعتمد منك على المغفرة.
منصور الفقيه:
لا يوحشنك مني ... ما كان منك إليا
أنتم على كل حال ... أعز خلق عليا
قيل لحكيم: العمل بالبر أفضل، أم أجتناب الأثم؟ فقال: ترك العمل بالبر أعظم الأثم. وأجتناب الأثم أعظم البر.
أمر الحجاج بقتل رجل فقال: أسألك بالذي أنت غداً بين يديه أذل موقفاً مني بين يديك اليوم إلا عفوت عني، فعفا عنه.
لما ضرب الحجاج أعناق أصحاب الأشعث أتي برجل من بني تميم بآخرتهم فقال: والله يا حجاج لئن كنا أسأنا في الذنب ما أحسنت في العفو؛ فقال: أف لهذه الجيف، أما كان فيهم من يحسن مثل هذا، وعفا عنه.
زياد: أن الأمرة تذهب الحفيظة، فمن كان مسيئاً فليرجع، ومن كان محسنا فليزدد، وقد كان بيني وبين قوم هنات، وقد جعلت ما كان من سوء إلي تحت قدمي، ودبر أذني؛ فلو بلغني أن أحدكم قد أخذه السل من بغضي ما هتكت له ستراً، ولا كشفت له قناعا، حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل لم أناظره.
وقع بين عبد الملك بن مروان وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد منازعة فغلبه عبد الرحمن، فقيل لي أشكه إلى عمك ينتقم لك منه؛ فقال: مثلي لا يشكو، ولا أعد أنتقام غيري لي أنتقاما؛ فلما أستخلف قيل له في ذلك فقال: حقد السلطان عجز.
رضي عيسى بن فرخانشاه عن المبرد بعد أن غضب عليه فقال له: أنا أعزك الله، لولا تجرع مرارة الغضب، ما التذذت بحلاوة الرضا، ولا يحسن مدح الصفو إلا عند الكدر، ولقد أحسن في هذا البحتري حيث يقول:
ما كان إلا مكافأة وتكرمة ... هذا الرضا وأمتحانا ذلك الغضب
وربما كان مكروه الأمور إلى ... محبوبها سبب ما مثله سبب
هذي مخايل برق خلفه مطر ... وذاك وري زناد خلفه لهب
وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب
فقال له عيسى: أطال الله بقاك، وأحسن عنا جزاك، فأنت كما قال أبو نواس:

من لا نعد العلم إلا ما عرف ... كنا متى نشاء منه نغترف
رواية لا تجتنى من الصحف وأنا أصل البحتري لتمثلك بشعره.
قال المنصور لجرير بن عبد الله وكان واحداً عليه؛ تكلم بحجتك؛ قال: لو كان لي ذنب لتكلمت بعذري، وعفو أمير المؤمنين أحب إلي من براءتي.
الحسن: من رمى أخاه بذنب قد تاب منه ابتلاه الله به.
كان إبراهيم بن المهدي يقول: والله ما عفا عني المأمون تقرباً إلى الله، وصلة للرحم، ولكن له سوق في العفو فكره أن تكسد بقتلي.
أعتذر رجل إلى ابن أبي خالد فأساء، فقال لأبي عباد: ما تقول فيه؟ قال: يوهب له جرمه، ويضرب لعذره أربعمائة.
أن العفو يفسد من اللئيم بقدر أصلاحه من الكريم.
عاتب محمد بن زبيدة أبا نواس في شيء، فقال: يا أمير المؤمنين تمام العفو ألا تذكر الذنب.
غضب الرشيد على عبد الله بن مالك، ثم أتضحت له براءته فعفا عنه؛ وكان عبد الله يرى فيه بعض الأنقباض؛ فقيل له: أن عبد الله يشكو أثراً باقياً من تلك النبوة؛ فقال: أنا معشر الملوك إذا غضبنا على أحد من بطانتنا ثم رضينا عنه بقي لتلك الغضبة أثر لا يخرجه ليل ولا نهار.
النعمان بن المنذر:
تعفو الملوك عن العظيم من الذنوب لفضلها
ولقد تعاقب في اليسير وليس ذاك لجهلها
إلا ليعرف فضلها ... ويخاف شدة نكلها
كتب معاوية إلى عقيل بن أبي طالب يعتذر إليه من شيء جرى وبينهما: من معاوية ابن أبي سفيان إلى عقيل بن أبي طالب، أما بعد يا بني عبد المطلب فأنتم والله فروع قصي ولباب عبد مناف وصفوة هاشم، فأين أحلامكم الراسية، وعقولكم الكاسية، وحفظكم الأواصر، حبكم العشائر؟ ولكم الصفح الجميل، والعفو الجزيل، مقرونان بشرف النبوة، وعز الرسالة؛ وقد والله ساء أمير المؤمنين ما كان جرى، ولن يعود لمثله إلى أن بغيب في الثرى.
فكتب إليه عقيل:
صدقت وقلت حقا غير أني ... أرى أن لا أرك ولا تراني
ولست أقول سوء في صديقي ... ولكني أصد إذا جفاني
فركب إليه معاوية، وناشده في الصفح، وأجازه بمائة ألف درهم، حتى رجع.
عثمان بن خريم في الرشيد:
أغثني أمير المؤمنين بنظرة ... تزول بها عني المخافة والأزل
ففضلك أرجو لا البراءة أنه ... أبى الله إلا أن يكون لك الفضل
وإلا أكن أهلاً لما أنت أهله ... فأنت أمير المؤمنين له أهل
استبطأ رجل أخا له فقال في الأعتذار إليه: لا تستبطئني في حقك، فو الله لو علمت أن نومي أهنأ من نومك لاحتلت في أن أوثرك به.
عمر بن عبد العزيز: أن أباكم قد أخرج من الجنة بذنب واحد، وأن ربكم وعد على التوبة خيراً، فليكن أحدكم من ذنبه على وجل، ومن ربه على أمل.
الأحنف: الكامل من عدت هفواته.
أيوب السختياني: لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان: الغنى عما في أيدي الناس، والتجاوز عما يكون منهم.
الخليل ابن أحمد: أقبح التحول أن يتحول المرء من ذنب إلى غير توبة.
كان النخعي يكره أن يعتذر إليه، ويقول: أسكت معذوراً، فإن المعاذير يحضرها الكذب.
أوحى الله إلى بعض أنبيائه: إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني.
سئل فضيل عن الفتوة فقال: الصفح عن عثرات الأخوان.
إبراهيم بن أدهم: أطلب لأخيك المعاذر من سبعين باباً، فإن لم تجد له عذراً فاعذره أنت.
أحمد بن عاصم الأنطاكي العابد: هذه غنيمة باردة: أصلح ما بقي يغفر لك ما مضى.
أعتذر رجل إلى أبي عبيد الله كاتب المهدي فأكثر، فقال له: ما رأيت عذراً أشبه بإستئناف ذنب من هذا العذر.
كتب الموصلي إلى الفضل بن الربيع وقد وجد عليه: أن لكل ذنب عفواً وعقوبة، فذنوب الخاصة عندك مغفورة، وأما مثلي من العامة فذنبه لا يغفر، فعاقبني بأعراض لا يؤدي إلى مقت، والسلام.
كتب أبو دلامة إلى أبي جعفر من السجن:
وقد كانت تحدثني ذنوبي ... بأني من عذابك غير ناجى
على أني وأن لاقيت شراً ... لعفوك بعد ذاك الشر راجى
أعرابي: أن الله أفرح بتوبة العبد من المضل الواجد، والظمآن الوارد، والعقيم الوالد.
الحسن: لو علم الله من عبد يقبضه على غير التوبة، أن لو عمره عمر الدنيا تاب إليه، ما أختلسه دون توبته.

الحسن: إذا حدثتك نفسك بالخطيئة أو واقعتها، فعجل التوبة إلى الله منها والفزع إليه فيها، والأستغفار له منها، تجده قريباً مجيباً.
وعنه: لا تتمن المغفرة بغير توبة، ولا الثواب بغير عمل، ولا تغتر بالله، فإن الغرة بالله أن تتمادى في سخطه، وتترك العمل بما يرضيه، وتتمنى عليه مع ذلك مغفرته، فتغرك الأماني حتى يحل بك أمره.
علي رضي الله عنه: كل مفتن تواب.
سعيد بن جبير في قوله تعالى: " أنه كان للأوابين غفوراً " . قال: الأواب التواب يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب.
أسوف توبتي خمسين حولاً ... وظني أن مثلي لا يتوب
علي رضي الله عنه: لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين: محسن يزداد كل يوم أحسانا، ومسىء يتدارك بالتوبة. وعنه ترك الخطيئة أهون من طلب التوبة.
الحسن: ابن آدم ما يؤمنك أن تكون أصبت كبيرة فأغلق دونك باب التوبة، فأنت تعمل في غير معمل.
زفر بن الحارث الكلابي:
ولم تر مني نبوة قبل هذه ... فراري وتركي صاحبي ورائيا
أيذهب يوم واحد أن أسأته ... بصالح أيامي وحسن بلائيا
ابن المسيب: يرفعه: إذا تاب العبد إلى الله فتاب عليه أنسى الحفظة ما علموا، وقال للأرض ولجوارحه أكتمي عليه مساوئه، ولا تظهري عليه أبداً.
وعنه عليه الصلاة والسلام: المستغفر باللسان دون القلب كالمستهزىء بربه.
فضيل: الأستغفار بلا أقلاع توبة الكذابين.
ثمامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: عائشة إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالبا.
بكى الحسن ذات ليلة حتى أبكى أهله، فقيل: فكرت في نفسي فقلت: وما يدريك يا حسن لعلك قد أذنبت ذنباً، مقتك الله عليه مقتاً، لا يريد مراجعتك أبداً.
سهل بن سعد: عنه عليه الصلاة والسلام: إياكم ومحقرات الذنوب فإن محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء هذا يعود وجاء هذا يعود، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم؛ وإن محقرات الذنوب مما يزدريها صاحبها فتهلكه.
ابن عمر: كان رأس عمر على فخذي في مرضه، فقال: ضع رأسي على الأرض، فقلت: وما عليك لو كان على فخذي!! فقال: ضع رأس عمر على الأرض لا أم لك؛ فقال: ويل لي أن لم تغفر لي.
العتبي عن أبيه عمرو بن عتبة: كان أبونا لا يرفع المواعظ عن أسماعنا فأراد سفراً فقال: يا بني تألفوا النعم بحسن مجاورتها، وألتمسوا المزيد بالشكر عليها، وأعلموا أن النفوس أقبل شيء لما أعطيت، وأعطى شيء لما سئلت، فأحملوها على مطية لا تبطىء إذا ركبت، ولا تسبق وأن تقدمت عليها، نجا من هرب من النار، وأدرك من سابق إلى الخير. فقال الأصاغر من ولده: يا أبانا ما هذه المطية؟ قال: التوبة.
صالح غلام أبي تمام الطائي يخاطب مولاه:
إذا عاقبتني في كل ذنب ... فما فضل الكريم على اللئيم
فإن تكن الحوادث برحت بي ... فإن الصبر يعصف بالهموم
التجني وجه القطيعة.
تاب مما لا تحسن مفارقته، وعاد إلى ما لا تجمل به مفارقته.
أحترش بتمهيد عذره ضباً جائماً في صدره.
فلان لطيف التوصل، حسن التنصل.
مات حقدي بحياة عذرك.
أجعل ما توليه رضى لا تراضيا، وأغضاء لا تغاضيا.
أغضى على صفاته، وعطف بحلمه وأناته.
فلان لا يخدش وجه عفوه بتثريب.
جحود الذنب ذنبان.
عرفت ما اعترفت به من تقصيرك، فوجدت الأعتراف أو كد معاذيرك.
قعد في مدارج نفسه، يناقشه في الكلم، ويحاسبه على الحلم.
هو منزوع الرحمة من قلبه، يرى العفو مغرما، والسطو مغنما.
ضاق نطاق الأحتمال عما أتاه.
لا يسلمنك الأغترار بعواطفنا إلى التعرض لعواصفنا.
عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر.
كسع ذنوبه بالأستغفار.
حكيم: تجنب صغار الخطايا، فمن العود إلى العود ثقلت ظهور الحطابين، ومن الهفوة إلى الهفوة كثرت ذنوب الخطائين، ورب خطوة يسيرة عادت همة كبيرة، كغصن صار دوحة، وشعبة صارت أيكة، وقضيب صار غيلا.
عقوبة الجاهل نكال للعاقل.
الربيع بن خيثم: لو كانت الذنوب تفوح ما جلس أحد إلى أحد.
علي رضي الله عنه: أنفتر عن الواضحة وقد علمنا الذنوب الفاضحة.
عبيد الله بن معمر القرشي في معاوية:
إذا أنت لم ترخ الأزار تكرما ... على الكلمة العوراء من كل جانب

فمن ذا الذي نرجو لحقن دمائنا ... ومن ذا الذي نرجو لحمل النوائب
أنشد الجاحظ:
وعوراء من قيل امرىء قد رددتها ... بسالمة العينين طالبة عذرا
ولو أنني إذ قالها قلت مثلها ... أو أكبر منها أورثت بيننا غمرا
فأعرضت عنها وأنتظرت به غداً ... لعل غداً يبدي لمنتظر أمرا
لأخرج ضباً كان تحت ضلوعه ... أقلم أظفاراً أطال لها الحضرا
أنوشروان: وجدنا للعفو من اللذة ما لم نجده للعقوبة.
ربما وفي ظنين وهفا أمين.
النبي صلى الله عليه وسلم: عفو الملوك بقاء الملك؛ رواه ابن الكلبي عن أبي صالح.
في بعض الكتب: أن كثرة العفو زيادة في العمر. وأصله قوله تعالى: " وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " .
بليغ: تاب توبة قيد إليها بخزامة الأضرار، لا بحزامة الأختيار.
هجا دعبل المأمون بقوله:
أتي من القوم الذين سيوفهم ... قتلت أخاك وشرفتك بمقعد
شادوا بذكرك بعد طول خموله ... وأستنفذوك من الحضيض الأوهد
وكاتبه أبا عباد بقوله:
وكأنه من دير هزقل مفلت ... حرد يجر سلاسل الأقياد
فقيل للمأمون فقال: من جسر أن يهجو أبا عباد، على نزقه وعجلته، جسر أن يهجوني، على تأني وعفوي. وأنشد المأمون أبا عباد هجاءه، فأنشده أبو عباد ما هجاه به، فضحك وقال: فإني قد عفوت عنه فلا تعرضن له، ولك في أسوة حسنة؛ ثم قال: سبحان الله!! أما يستحي دعبل من الكذب؟ متى كنت خاملا وبدر الخلافة غذيت، وفي حجرها ربيت، خليفة وابن خليفة وأخو خليفة؟.
علي رضي الله عنه: أعظم الذنوب ما أستخف به صاحبه.
الحسن: أن العبد ليصيب الذنب ليلا فيصبح وعليه مذلته.
قال يزيد بن مزيد: أرسل إلي الرشيد ليلاً يدعوني، فأوجست منه خيفة؛ فقال: أنت القائل أنا ركن الدولة، والثائر لها، والضارب أعناق بغاتها؟ لا أم لك!! أي ركن لك، وأي ثائر أنت؟ وهل كان منك إلا نفجة أرنب رعبت قطاة جثمت بمفحصها؟ قلت يا أمير المؤمنين ما قلت هذا، إنما قلت: أنا عبد الدولة، والفائز بها؛ فأطرق وجعل ينحل غضبه عن وجهه، ثم ضحك؛ فقلت: أسر من هذا قولي:
خلافة الله في هارون ثابتة ... وفي بنيه إلى أن ينفخ الصور
أرث النبي لكم من دون غيركم ... حق من الله في القرآن مسطور
فقال: يا فضل، أعطه مائتي ألف درهم قبل أن يصبح.
عفا المأمون عن إبراهيم بن المهدي، ثم قال: لو علم أهل الجرائر لذتي في العفو ما أرتكبوها.
وعنه: لو عرف الناس رأيي في العفو لما تقربوا إلي إلا بالجنايات، ومنه أخذ من قال:
تبسطنا على الآثام لما ... رأينا العفو من ثمر الذنوب
معاوية: إني آنف أن يكون في الأرض جهل لا يسعه حلمي، وذنب لا يسعه عفوي، وحاجة لا يسعها جودي.
إبراهيم بن المهدي قال للمأمون: يا أمير المؤمنين، ذنبي أعظم من أن يحيط به عذر، وعفوك أعظم من أن يتعاظمه ذنب.
يزدجرد: الملك الحازم من يؤخر العقوبة في سلطان الغضب.
سمع راهب رجلاً يستغفر فقال: مه؛ فقال: كيف أصنع؟ قال: ينبغي للعبد إذا ذكر ذنباً أن ييبس لسانه على حنكه من خشية الله.
كان أبو عاصم الأسلمي هجا الحسن بن زيد، فلما تقلد المدينة للمنصور طلبه، فأتاه في يوم قعد فيه للأعراب فقال:
ستأتي مدحتي الحسن بن زيد ... ويشهد لي بصفين القبور
قبور لو بأحمد أو علي ... يلوذ مجيرها حفظ المجير
هما أبواك من وضعا فضعه ... وأنت برفع من رفعا جدير
فقال له: من أنت؟ قال الأسلمي، قال: أذن حياك الله، وبسط له رداءه، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
خرج محمد بن البعيث بن حلبس الربعي على المتوكل، فأخذه وحبسه، فهرب من الحبس وعاد إلى ما كان عليه؛ فجىء به وقدم لتضرب عنقه؛ فقال له المتوكل يا محمد، ما حملك على ما صنعت؟ قال: الشقوة يا أمير المؤمنين، وأنت الحبل الممدود بين الله وبين خلقه، وأن لي بك لظنين: أسبقهما إلى قلبي أولاهما بك، وهو العفو:
تضاءل ذنبي عند عفوك قلة ... فمن بعفو منك فالعفو أفضل
ولم أتوسم غير ما أنت أهله ... وأنك بي خير الفعالين تفعل
فعفا عنه.

عيسى عليه السلام: راكبا الكبيرة والصغيرة سيان. قيل: كيف؟ قال: الجرأة واحدة، وما عف عن الدرة من سرق الذرة.
وقع جعفر بن يحيى في رقعة متنصل، تقدمت لك طاعة، وظهرت لك نصيحة، وكانت بينهما نبوة، ولن تغلب سيئة حسنتين.
كتب اليزيدي إلى المأمون في الأعتذار:
أنا المذنب الخطاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
جنى زيد أخو علي بن موسى الرضا، فقال له: يا زيد لعله عرك قول أهل دار البطيخ بالكوفة: أن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار؛ أتدري لمن ذلك؟ إنما هو للحسن والحسين؛ والله يا زيد لئن كانا بطاعتهما وطهارتهما يدخلان الجنة، وتدخلها أنت بمعصيتك، إنك لخير منهما.
وجد المتوكل على قبيحة، فدخلت عليه وعليها عصابة مكتوب عليها:
إليك فؤادي تائب متنصل ... وعفوك والأنصاف منك مؤمل
إذا أخضر طلح الهجر من سقي سخطكم ... رأيت سماء العين بالدمع تهطل
فقال: قبلنا عذرك، ووهبنا جرمك.
رقى عتبة بن أبي سفيان المنبر في مرض موته فقال: يا أهل مصر، قد تقدمت لي فيكم عقوبات، كنت يومئذ أرجو الأجر فيها، وأنا اليوم أخاف الوزر منها، فليتني لم أكن أخترت دنياي على معادي، ولم أصلحكم بفسادي، وأنا أستغفر الله منكم، وأتوب إليه فيكم، وقد شقي من هلك بين عفو الله ورحمته.
أمر مصعب بن الزبير بقتل رجل من أصحاب المختار، فقال: ما أقبح بي أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة، ووجهك هذا الذي يستضاء به، فأتعلق بأطرافك وأقول: أي رب سل مصعباً فيم قتلني؟ قال: أطلقوه؛ قال: أيها الأمير أجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض؛ قال: قد أمرت لك بمائة ألف درهم؛ قال: فإني أشهد الله وأشهد الأمير أن لابن الرقيات نصفها؛ قال: ولم؟ قال: لقوله:
إنما مصعب شهاب من الله تجلت عن وجهه الظلماء
ملكه ملك رحمة ليس فيه ... جبروت منه ولا كبرياء
يتقى الله في الأمور وقد أفلح من كان دينه الأتقاء
فضحك وقال: أرى فيك موضعاً للضيعة، وأمره بلزومه.
العفو الذي يقوم مقام العتق ما سلم من تعداد السقطات، وتخلص من تذكار الفرطات.
قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة.
أعرابي: يا بني إياك وما سبق إلى القلوب أنكاره، وأن كان عندك أعتذاره، فلست بموسع عذراً كل من أسمعته نكراً.
كعب بن جعيل كان شاعر معاوية يمدحه ويذم علياً عليه السلام فقال:
ندمت على شتم العشيرة بعدما ... مضى وأستتبت للرواة مذاهبه
فأصبحت لا أستطيع رد الذي مضى ... كما لا يرد الدر في الضرع حالبه
محمد بن يزداد:
أعيرتني ذنباً وأذنبت مثله ... قضاء لعمري فأعلمن عجيب
على أنني أستغفر الله تائباً ... وأنت مصر لا أراك تتوب
قال رجل لرابعة: أني قد عصيت الله أفتريه يقبلني؟ قالت: ويحك، أنه يدعو المدبرين عنه، فكيف لا يقبل المقبلين إليه؟ علي رضي الله عنه: ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني في عزلة عنه، إلا أن تتجنى، فتجن ما بدا لك، والسلام.
وعنه: إذا قدرت على عدوك فأجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه.
وعنه: أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم، فما يعثر منهم عاثر إلا ويده بيد الله يرفعه.
فروخ الطلحي:
ما زلت بالعفو للذنوب وأطلاق لعان بجرمه غلق
حتى تمنى البراء أنهم ... عندك أمسوا في القد والحلق
حميد اليشكري:
أبا خالد ما كنت أول مذنب ... صفحت بحلم عنه يا ابن المهلب
فإن تعف عني تعف عني بقدرة ... وأن تكن الأخرى فقد ضاق مذهبي
أبو حازم المدني: ويحك يا أعرج!! ينادى يوم القيامة: يا أهل خطيئة كذا، فتقوم معهم، ثم ينادى: يا أهل خطيئة أخرى، فتكون معهم، فأراك يا أعرج تريد أن تقوم مع أهل كل خطيئة.
ابن سيرين: أني لأعرف الذنب الذي حمل علي الدين؛ قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس.
أبو سليمان الداراني: قلت ذنوبهم فعلموا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك فلا ندري من أين نؤتي.
معتمر بن سليمان عن أبيه: إذا أصاب الرجل الذنب أصبح وعليه مذلته.
أبو الدرداء: الشرك قتل، والمعاصي جراحات.

زهير بن نعيم: لأن يتوب رجل أحب إلي من أن يرد الله علي بصري.
لما حل بداود الموت، وكان وسم خطيئة على يده، رفعها إلى بصره وهو يقول لملك الموت: أقبضني ويدي هكذا.
ثمامة بن أشرس المتكلم حبسه الرشيد بسبب البرامكة، فكتب إليه من الحبس:
عيد مقر ومولى سست نعمته ... بما يحدث عنه البدو والحضر
أوقرته نعماً أتبعتها نعماً ... طوارفاً تلداً في الناس تشتهر
ولم تزل طاعتي بالغيب ظاهرة ... ما شابها ساعة غش ولا غير
فإن غفرت فشيء كنت أعهده ... أو أنتصرت فمن مولاك تنتصر
لما أنصرف الجحاف بن حكيم من وقعة بني تغلب، ندم على ما فعل هو وقومه، وكانوا قد قطعوا ثدي النساء، وقتلوا الأطفال في المهود؛ فحجوا وجعلوا يطوفون ويقولون اللهم أغفر لنا وما نراك تفعل. فسمعهم ابن عمر فقال: يا هؤلاء قنوطكم من رحمة الله أعظم من أجرامكم.
كان الداراني يقول: أن خطيئة تغم قلب صاحبها لمباركة، إنما البلاء من يعصى ولا يغتم؛ وما عمل داود قط عملاً كان أنفع له من خطيئته، ما زال خائفا منها هاربا، حتى لحق بربه.
دخل قوم على فضيل بمكة فقال: من أين أنتم؟ قالوا: من خراسان؛ قال: أتقوا الله وكونوا من حيث شئتم، وأعلموا أن العبد، وأحسن الأحسان كله، وكانت له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين.
بينا داود عليه السلام جالسا على باب داره جاء رجل فأستطال عليه، فغضب له اسرائيلي كان معه، فقال: لا تغضب، فإن الله إنما سلطه علي لجناية جنيتها؛ فدخل فتنصل إلى ربه، فجاء الرجل يقبل رجليه، ويعتذر إليه.
وأستطال رجل على أبي معاوية الأسود وأسمعه شراً، فقال: أستغفر الله، وأعوذ بالله من الذنب الذي سلطك به علي.
أبو نواس:
أفنيت عمرك والذنوب تزيد ... والكاتب المحصى عليك شهيد
كم قلت لست بعائد في سوءة ... ونذرت فيها ثم أنت تعود
قال أبو بكر الهذلي للمنصور، وأراد أن يعاقب أهل البصرة، يا أمير المؤمنين بلغني أنه ينادى مناد يوم القيامة: ألا ليقم من كانت له على الله دالة، فلا يقوم إلا أهل العفو؛ قال: فإني أشهدك أني قد عفوت عنهم.
سمع جبريل إبراهيم خليل الرحمن يقول: يا كريم العفو؛ فقال: أو تدري يا إبراهيم ما كرم عفوه؟ قال: لا يا جبريل؛ قال: أن عفا عن السيئة كتبها حسنة.
أن سمتني ذلا فعفت حياضه ... سخطت ومن يأب المذلة يعذر
أسحق مولى المهلب:
فأين الفضل منك فدتك نفسيعلي إذا أسأت كما أسأت كان النميري يشبب بزينب أخت الحجاج، فخافه فهرب، فطلبه فلم يقدر عليه، فلم يشعر إلا وهو واقف بين يديه ينشده:
فها أنذا طوفت شرقاً ومغرباً ... فجئت وقد طوفت كل مكان
فلو كانت العنقاء منك تطير بي ... لخلتك إلا أن تصد تراني
سئل سعيد بن جبير: من أعبد الناس؟ فقال: رجل أجترح الذنوب، فكلما ذكر ذنبه أحتقر عمله.
فضيل: لو شممتم رائحة ذنوبي ما قاربتموني.
معاوية: إني لا أحمل السيف على من لا سيف معه، وأن لم يكن إلا كلمة يشتفي بها مشتف جعلتها تحت قدمي ودبر أذني.
جرى بين شهرام المروزي وبين أبي مسلم صاحب الدعوة كلام فقال له شهرام: يا لقيط؛ ثم ندم فأقبل عليه متنصلاً، فقال أبو مسلم: لسان سبق، ووهم أخطأ، وإنما الغضب شيطان، وأنا جرأتك على نفسي بطول أحتمالي لك، وقد عفوت عنك؛ فقال شهرام: أن عفو مثلك لا يكون غروراً، وألح في الأعتذار، فقال أبو مسلم: يا عجبا!! كنت تسىء وأنا أحسن، أفأسيء حين أحسنت؟ يزيد بن الطفيل وقد تاب عن الخرابة وقتل في سبيل الله:
ألا قل لأصحاب المحابض أهملوا ... فقد تاب مما تعلمون يزيد
وأن امراً ينجو من النار بعدما ... تزود من أعمالها لسعيد
فضيل: قال أبليس يا رب أن الخليقة تحبك وتبغضني، وتطيعني وتعصيك؛ فقال سبحانه وتعالى، وهو الغفور الرحين، لأغفران لهم طاعتهم إياك ببغضهم لك، ولأغفرن لهم معصيتهم أياي بحبهم إياي.

عمر رضي الله عنه: يا ابن آدم لا يلهك الناس عن نفسك، فإن الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقطع النهار سادراً فإنه محفوظ عليك ما علمت، إذا أسأت فأحسن، فإني لم أر شيئاً أشد طلباً، ولا أسرع دركاً، من حسنة حديثة لذنب قديم.
عمر بن عبد العزيز:
فلولا النهي ثم التقى خشية الردى ... لعاصيت في حب الصبا كل زاجر
قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى ... له صبوة أخرى الليالي الغوابر
مدح شاعر محمد بن عبدوس فقال: ما أن أعطيك شيئاً من مالي فلا، ولكن أذهب فأجن جناية حتى لا آخذك بها.
تغيظ عبد الملك على رجل فقال: والله لئن أمكنني الله منه لأفعلن؛ فلما صار بين يديه قال رجاء بن حيوة: يا أمير المؤمنين قد صنع الله ما أحببت، فأصنع ما أحب الله، فعفا عنه.

الحياء والسكوت، وقلة الأسترسال، والعزلة
والستر والخمول، وسلامة الجانب، والتواضع، وهضم النفس، ونحو ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم: لكل دين خلق، وخلق الأسلام الحياء، وعنه عليه الصلاة والسلام: الحياء شعبة من الإيمان. وعنه: أن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فأصنع ما شئت.
أبو هريرة رضي الله عنه، رفعه: الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة؛ والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار.
علي رضي الله عنه: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.
أبو موسى الأشعري: إني لأدخل البيت المظلم أغتسل فيه من الجنابة فأحني صلبي حياء من ربي.
عبد الواحد بن زيد: ألا تستحيون من طول ما لا تستحيون.
كان عتبة الغلام يدخل في الصلاة في مئزر، فيخرج وقد تصبب عرقاً؛ فقيل له في ذلك، فقال: حياء من ربي.
الأسود بن يزيد: أن الرجل ليكون بينه وبين الرجل ذنب فيعفو له عنه، وهو يستحي أن ينظر في وجهه أيام حياته؛ فالله أحق أن يستحيا منه.
النظار الفقعي:
بعيش المرء ما أستحيا كريماً ... ويبقى العود ما بقي اللحاء
وما في أن يعيش المرء خيراً ... إذا ما المرء فارقه الحياء
أعرابي: لا يزال الوجه كريما ما غلب حياؤه، ولا يزال الغصن نضيراً ما بقى لحاؤه.
آخر: الوجه المصون بالحياء كالجوهر المكنون في الوعاء.
آخر: رونق صحيفة الوجه عند الحياء كفرند صفيحة السيف عند الجلاء.
آخر: ما المبتختر في وشي ردائه بأحسن من المتقارب في قيد حيائه.
رسطاليس: من أستحيا من الناس ولم يستحي من نفسه فلا قدر لنفسه عنده.
النبي صلى الله عليه وسلم: رحم الله أمرأ ملك فضل لسانه، وبذل فضل ماله.
وقبل عقبة بن عامر: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: يا عقبة أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئك.
أبو الدرداء: أنصف من فيك أذنيك، فإنما جعل لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تقول.
كان رجل يحضر مجلس أبي يوسف كثيراً ويطيل السكوت، فقال له يوماً: مالك لا تتكلم، ولا تسأل عن مسألة؟ قال: أخبرني أيها القاضي متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غابت الشمس؛ قال: فإن لم تغب إلى نصف الليل؟ فتبسم وتمثل ببيت جرير:
وفي الصمت ستر العيي وإنما ... صحيفة لب المرء أن يتكلما
وهب: إذا كان في الصبي خلقان: الحياء والرهبة طمع في رشده.
عمران بن حصين رفعه: الحياء خير كله.
ما أن دعاني الهوى لفاحشة ... إلا نهاني الحياء والكرم
فلا إلى محرم مددت يدي ... ولا مشت بي لريبة قدم
الكاتب العبرتاي:
وأني لأغضى من رجال على القذى ... مراراً وما من هيبة لهم أغضى
ولكنني أقنى الحياء تكرماً ... وأكرم عن أدناس عرضهم عرضي
الخمول أخو العدم، والشهرة أم الكون.
قيل لراهب: ما أصبرك على الوحدة!! قال: أنا جليس ربي، إذا شئت أن يناجيني قرأت كتبه، وإذا شئت أن أناجيه صليت.
علي رضي الله عنه: إذا تم العقل نقص الكلام.
واصل بن عطاء: لأن يقول الله لي يوم القيامة: هلا قلت، أحب أني من أن يقول لي: لم قلت؟ لأنه إذا قال لي: لم قلت؟ طالبني بالبرهان، وإذا قال لي: هلا قلت! فليس ذاك يريد.
النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن من أمنه الناس.

نزل النعمان برابية فقال له رجل: لو ذبح رجل إلى أي موضع كان يبلغ دمه من هذه الرابية؟ فقال: المذبوح والله أنت، ولأنظرن إلى أين يبلغ دمك؟ فقال بعض الحاضرين: رب كلمة تقول لصاحبها دعني.
تحدثوا عند الأوزاعي، وفيهم أعرابي من بني عليم بن جناب لا يتكلم، فقيل له: بحق ما سميتم خرس العرب، أما تحدث!! فقال: أن الحظ للمرء في أذنه، وأن الحظ في لسانه لغيره، فقال الأوزاعي: لقد حدثكم فأحسن.
أعرابي: رب وحدة أنفع من جليس، ووحشة أمتع من أنيس.
إبراهيم النظام:
وإذا تأمل في الزجاجة ظله ... جرحته لحظة مقلة الظل
أبو بكر الطائي الكاتب:
رق حتى خلته ملكاً ... خارجاً عن جملة البشر
فعيون الوهم تجرحه ... بخفي اللحظ والنظر
أعرابي: رب منطق صدع جمعاً، وسكوت شعب صدعاً.
قالت امرأة لزوجها: مالك إذا خرجت إلى أصحابك تطلقت وتحدثت، وإذا دخلت تعقدت وأطرقت؟ قال: لأني أدق عن جليلك وتجلين عن دقيقي.
قيل لعروة أخي مرداس: لم لا تحدثنا ببعض ما عندك من العلم؟ قال: أكره أن يميل قلبي بإجتماعكم إلي حب الرياسة، فأخسر الدارين.
وكان قتادة يقول: لولا حب الحسن الرياسة لمشى على الماء.
وكان أبو معاوية الضرير يقول: في خصلتان ما يسرني بهما رد بصري: قلة الأعجاب بنفسي، وخلو قلبي من إجتماع الناس إلي.
عمر رضي الله عنه: خذوا بحظكم من العزلة.
بشر بن منصور: ما جلست إلى أحد: ولا جلس إلي، فقمت من عنده، أو قام من عندي، إلا علمت أني لو لم أقعد إليه، ولم يقعد إلي، لكان خيراً لي.
مكحول رفعه: من ستر مخزاة على المؤمن ستره الله يوم القيامة.
النبي صلى الله عليه وسلم: أعجب الناس إلي منزلة رجل يؤمن بالله ورسوله، ويقيم الصلاة، ويؤتى الزكاة، ويعمر ماله، ويحفظ دينه، ويعتزل الناس.
وعنه عليه الصلاة والسلام: أن أغبط الناس مؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من صلابة، أحسن عبادة ربه، وأطاعه في السر، وكان غامضاً في الناس، لا يشار إليه بالأصابع، وكان عيشه كفافاً فصبر على ذلك، ثم عجلت منيته فقل تراثه، وقلت بواكيه.
جاء عمر بن سعد إلى أبيه فقال: أرضيت أن تكون أعرابيا في عنمك وإبلك، والناس يتنازعون الملك؟ فضرب سعد وجهه وقال: ويلك دعني فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن الله يحب العبد التقي الخفي.
صعد حسان على أطم من آطام المدينة فنادى: يا صباحاه!! فأجتمعت الخزرج فقالوا: ما عندك؟ قال: قلت بيت شعر فأحببت أن تسمعوه؛ قالوا: هات؛ قال:
وأن أمرءً أمسى وأصبح سالماً ... من الناس إلا ما جنى لسعيد
عبد الله بن عمر رفعه: ليس أحد أحب إلى الله من الغرباء؛ قيل: ومن الغرباء؟ قال: الفرارون بدينهم، يجمعون إلى عيسى بن مريم.
لما بنى سعد بن أبي وقاص منزله بالعقيق، قيل له: تركت مجالس أخوانكم وأسواق الناس، ونزلت العقيق؛ فقال: رأيت أسواقهم لاغية، ومجالسهم لاهية، فوجدت الأعتزال فيما هناك عافية.
الربيع بن خثيم تفقهوا ثم اعتزلوا وتعبدوا.
قيل لابن المبارك: لو أتيت هذا الرجل فأمرته ونهيته، لعل الله أن ينفع بك؛ فقال: من أعتزلهم فقد أمرهم ونهاهم.
كان العمري وهو عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر صلباً مهيباً، فأعتزل وسكن البادية، وكان ملازماً للمقابر، ومعه كتاب، وكان يقول: ما من شيء أوعظ من قبر، ولا آنس من كتاب، ولا أسلم من الوحدة، فكتب إليه مالك بن أنس: إنك قد بدوت، فلو سكنت بقرب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأجابه: حملني على ذلك بغضي لجوار مثلك، إنك لم يطلع الله عليك وأنت متغير الوجه فيه.
فيل للأحنف: بأي شيء سدت قومك؟ قال: لو عاب الناس الماء ما شربته.
واصل بن عطاء كان يأتي مجلس الحسن في أوائل الناس وينصرف في أواخرهم، وهو زام لا يتكلم فيه بكلمة قط.
كان عمر بن عبيد لا يكاد يتكلم، فإذا تكلم لم يكد يطيل.
النخعي: إنما يهلك الناس في فضول الكلام وفضول المال.
ابن عون: ثلاث أرضاها لنفسي ولأخواني: الأولى أن يتعلم المسلم القرآن ويقرآه ويتدبره، والثانية أن يسأل عن السنة ويتبعها جهده، والثالثة أن يدع هؤلاء الناس.
حماد بن زيد الذي يقول فيه ابن المبارك:
أيها الطالب علماً ... إيت حماد بن زيد

أقتبس منه علوماً ... ثم قيدها بقيد
كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلم رجل فغضب حماد وقال: يقول تعالى: " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " ، وأنا أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تتكلمون.
سفيان بن عيينة: قال لي بشر بن منصور السلمي: يا ابن عيينة أقل من معرفة الناس، فإنه أقل لفضيحتك غدا.
النخعي: كانوا يتعلمون السكوت كما يتعلمون الكلام.
علي بن هشام بن فرخسرو:
لعمرك أن الحلم زين لأهله ... وما الحلم إلا عادة وتحلم
إذا لم يكن صمت الفتى من فدامة ... وعي فإن الصمت أهدى وأسلم
موسى بن طريف: أجتهد في كتمان الخير فإنه يرق قلبك، وأن أمكنك فكن بين قوم لا يعرفونك، ولا يكن نصيبك من الدنيا أن تقول جالست فلانا، وناظرت فلانا، فإن ذلك يقسى القلب.
صحب رجل الربيع بن خثيم فقال: أني لأرى الربيع لا يتكلم منذ عشرين سنة إلا بكلمة تصعد، ولا يتكلم في الفتنة، فلما قتل الحسين قالوا: ليتكلمن اليوم؛ فقالوا له: يا أبا يزيد قتل الحسين؛ فقال: أوقد فعلوا، اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، ثم سكت. وكان يقول: أن العبد أن شاء ذكر ربه وهو ضام شفتيه.
قال الثوري لأخ له: أبلغك شيء مما تكره عمن لا تعرف؟ قال: لا، قال: فأقل من معرفة الناس، فإن معرفة الناس ما أبقت لي حسنة.
وعنه: ما رأيت للأنسان خيراً من أن يدخل في حجره، فقال يونس: ينبغي اليوم أن يدخل في قبره.
وكتب إلى عباد بن كثير: عليك بالخمول فإنه زمان الخمول؛ وإياك والرياسة، فإن لها غوراً لا تبصره إلا السماسرة.
قيل لمالك بن مغول: أما تستوحش في هذه الدار وحدك؟ قال: ما كنت أرى أن أحداً يستوحش مع الله.
وهيب بن الورد: بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء، تسعة منها في الصمت، والعاشر عزلة الناس.
عتبة بن أبي لهب:
زعم ابن عمي أن حلمي ضرني ... ما ضر قلبي أهله الحلم
أنا أناس من سجيتنا ... صدق الحديث ورأينا حتم
لبسوا الحياء فإن نظرت حسبتهم ... سقموا ولم يمسسهم سقم
إني وجدت العدم أكبره ... عدم العقول وذلك العدم
والمرء أكبر عيبه ضرراً ... خطل اللسان وصمته حكم
علي رضي الله عنه: وذلك زمان لا ينجو فيه إلا كل مؤمن نومة، أن شهد لم يعرف، وأن غاب لم يفتقد، أولئك مصابيح الهدى، وأعلام السرى، ليسوا بالمساييح، ولا المذاييع البذر، أولئك يفتح الله لهم أبواب رحمته، ويكشف عنهم ضراء نقمته.
وعنه: أختزن رجل لسانه، فإن هذا اللسان جموح بصاحبه، والله ما أرى عبداً يتقي تقوى تنفعه حتى يختزن لسانه، وأن لسان المؤمن من وراء قلبه، وأن قلب الكافر من وراء لسانه، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبره في نفسه، فإن كان خيراً أبداه، وأن كان شراً وأراه؛ وإن المنافق يتكلم بما أتى على لسانه، ولا يدري ماذا له وماذا عليه؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، فمن أستطاع منكم أن يلقى الله، وهو نفي الراحة من دماء المسلمين وأموالهم، سليم اللسان من أعراضهم فليفعل.
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم المؤمن صموتاً فأدنوا منه، فإنه يلقي الحكمة.
أحيحة بن الجلاح:
والصمت أحسن بالفتى ... ما لم يكن عي يشينه
والقول ذو خطل إذاً ... ما لم يكن لب يعينه
فضيل: كان يقال: من أستوحش من الوحدة، وأستأنس بالناس، لم يسلم من الرياء.
عمر رضي الله عنه: في العزلة راحة من خلطاء السوء.
فضيل: إذا أقبل الليل فرحت، وقلت أخلو بربي، ولا أرى الناس، وإذا نظرت إلى الصبح استرجعت، وركبني شيء كراهة لقاء الناس.
وعنه: ما في الأرض أحد أشتهى أن أراه، ولا يقرع أحد بابي إلا شق علي، إلا رجلين؛ أراد ابن المبارك والعمري.
وعنه: أني لأتخذ للرجل عندي يداً إذا لقيني لا يسلم علي، وإذا مرضت لا يعودني.

سفيان بن عيينة: دخلنا على فضيل في مرضه فقال: ما جاء بكم؟ والله لو لم تجيئوا كان أحب إلي؛ ثم قال: نعم الشيء المرض لولا العيادة.
النخعي: دخلت المسجد ليلاً فوجدت فضيلاً وحده خلف المقام فجئته، فقال: من هذا؟ قلت: إبراهيم؛ قال: ما جاء بك؟ تحب أن تغتاب؛ قلت: لا؛ قال: تحب أن تكذب؟ قلت: لا؛ قال: تحب أن ترائي؟ وروي: تحب أن تتزين لي وأتزين لك؟ قلت: لا؛ قال: فقم عني.
ابن عيينة: من حرم العقل فليصمت، فإن حرمها فالموت خير له.
وسمع رجلاً يتكلم فقال: اسكت فما أزعم أن متكلما يبرأ من الرياء.
قيل لفضيل: أن أبنك يقول: لوددت أني بالمكان الذي أرى الناس ولا يرونني؛ فقال: ويح علي! هلا أتمها فقال: لا أراهم ولا يرونني.
الشافعي رحمه الله: الأسترسال إلى الناس مجلبة لقرناء السوء، والأنقباض عنهم مكسبة للعداوة، فكن بين المنقبض والمنبسط.
إذا طلبت صلاح قلبك فأستعن عليه بحفظ لسانك.
محمد بن القاسم: قرىء على باب صنعاء: أن كانت العافية من شأنك، فسلط السكوت على لسانك.
عبد الله بن أبي زكريا: عالجت العبادة، فلم أجد شيئاً أشد من الصمت.
أنس رفعه: طوبى لمن أمسك الفضل من قوله، وأنفق الفضل من ماله.
عائشة رفعته: عجبت من ابن آدم، وملكاه على نابيه، فلسانه قلمهما، وريقه مدادهما، كيف يتكلم فيما لا يعنيه.
ابن عمر رفعه: لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله، فإن كثرة الكلام في غير ذكر الله قسوة القلب، وأن أبعد الناس من الله القلب القاسي.
ابن عباس: أخذ لسانه فقال: يا لسان قل خيراً تغنم وأمسك عن القبيح تسلم.
عبد الكريم أبو أمية: تحفظ في بعض المنطق أحب إلي من كثير من الصوم والصلاة.
كان يقال: ينبغي للمؤمن أن يكون أشد حفظاً للسانه منه لموضع قدميه.
لأن تكون أخرس عاقلاً خير لك من أن تكون نطوقاً جاهلا، ولكل شيء دليل ودليل العقل التفكر، ودليل التفكر الصمت.
النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان، وعون على أمر دينك، وفي الصمت سلامة من الندامة، وتلافيك ما فرطت فيه من صمتك أيسر من أدراك متا فاتك من منطقك.
كتب سفيان إلى عباد بن عباد: أما بعد، فإنك في زمان كان الصحابة يتعوذون أن يدركوه، ولهم من العزم ما ليس لنا ولا لك، ولهم من العلم ما ليس لنا ولا لك؛ فعليك بالعزلة وقلة المخالطة، وكان الناس إذا التقوا انتفع بعضهم ببعض، فأما اليوم فقد ذهب ذلك، والنجاة في تركهم.
يقال: لسانه منه على بال. تمسك بإطراف السكوت، وقف مطية الكلام. هو جبان الوجه، أي حيي. تروح إلى بقاء عزك بالوحدة، ولا تتشوف إلى من تخلق عنده الجدة. أرفض الناس فكل مشغلة. من نطق في غير خير فقد لغا، ومن نظر في غير أعتبار فقد سها، ومن سكت في غير فكر فقد لها، لو قرأت صحيفتك لأغمدت صفيحتك. لو رأيت ما في ميزانك ختمت على لسانك.
الفيض بن أبي صالح وزير المهدي في الوزير أبي عبيد الله:
فالصمت في غير عي من سجيته ... حتى يرى موضعاً للرأي يستمع
لا يرسل القول إلا في مواضعه ... ولا يخف إذا حل الحبى الجزع
قالوا: ما أحتنك رجل قط إلا أحب الخلوة.
أراد معاذ الحج فطلب ثابت البناني أن يصاحبه، فقال: ويحك دعنا نتعايش بستر الله، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.
لما خرج يونس من بطن الحوت طال صمته، فقيل له: ألا تتكلم!! فقال: أن الكلام صيرني في بطن الحوت.
حكيم: إذا أعجبك الكلام فأصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلم.
الصمت أخفى للنقيصة، وأنفى للغميصة.
أقلل من القول تسلم من غوائله ... وأرض السكوت شجا في الحلق معترضا
كان ربيعة الرأي كثير الكلام، وكان يقول: الساكت بين النائم والأخرس.
كان يقال: من السكوت ما هو أبلغ من الكلام، وأن السفيه إذا سكت عنه كان في أغتمام.
قيل لرجل: بم سادكم الأحنف؟ فو الله ما كان أكبركم سناً، ولا بأكثركم شيئاً؛ قال: بقوة سلطانه على نفسه.
مطرف بن عبد الله: لو كنت راضياً عن نفسي قليتكم، ولكني لست عنها براض.
العتابي: أما بعد فإن كان ما تطلبه من المعاش لك مقدوراً فسيأتيك وأن سكت، وأن كان عنك مصروفاً فلن يأتيك ولو تكلمت، فإن كان ذلك كذلك فآثر عز السكوت على ذل الكلام، والسلام.

الكلمة أسيرة في وثاق الرجل، فإذا تكلم بها صار أسيراً في وثاقها.
قد لزمت السكوت من غير عي ... وصحبت الفراش من غير عله
وهجرت الأخوان لما أتتني ... منهم كل خطة مصمئله
فعلى أهل هذا الزمان جميعاً ... ضعف قطر السماء من لعنة الله
لما قال الله تعالى لنوح عليه السلام: " إني أعظك أن تكون من الجاهلين " ، قال نوح: أستحييت من ربي فنكست رأسي أربعين سنة حياء من ذلك القول.
أجتمع أربعة ملوك فتكلموا، فقال ملك الفرس: ما ندمت على ما لم أقل مرة، وندمت على ما قلت مراراً؛ وقال قيصر: أنا عل رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت؛ وقال ملك الصين: ما لم أتكلم بكلمة ملكتها، فإذا تكلمت بها ملكتني؛ وقال ملك الهند: العجب ممن يتكلم بكلمة أن رفعت ضرت وإن لم ترفع لم تنفع.
أردوان الأكبر: كثر القبيح حتى قل الحياء منه.
كان بهرام جور قاعداً ليلة تحت شجرة، فسمع منها صوت طائر، فرماه فأصابه، فقال: ما أحسن حفظ اللسان بالطائر والأنسان!! لو حفظ هذا لسانه ما هلك! وقد نظمه من قال:
حفظ اللسان، فأحفظ اللسانا، ... قد يحفظ الطائر والأنسانا
ملك الهند: عجبت لمن يتكلم بما أن حكي عنه ضره، وأن لم يحك عنه لم ينفعه.
علي رضي الله عنه: بكثرة الصمت تكون الهيبة.
عمرو بن العاص: الكلام كالدواء أن أقللت منه نفع، وأن أكثرت منه قتل.
لقمان: يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فأفتخر أنت بحسن صمتك.
ثلاثة يؤمرون بالسكوت: الراقي في جبل طويل، وآكل السمك، والمروي في أمر جسيم.
قال عبد الملك لأعرابي: تمن؛ قال: رزقاً في سعة لا يكون بيني وبين أحد مطالبة؛ قال: ثم؛ قال: ثم الخمول فإني رأيت الشر إلى ذوي النباهة سريعا؛ قال عبد الملك: ليت هذه الخلافة موركة في عنقك وأني رزقت هذا.
تلحف بالخمول تعش سليما ... وجالس كل ذي أدب كريم
حكيم: من خلا بالعلم لم يستوحش من الخلوة.
النبي صلى الله عليه وسلم: رأس التواضع أن تبدأ بالسلام على من لفيت، وأن ترضى بدون المجلس، وأن تكره أن تذكر بالبر والتقوى، وأن تدع المراء وأن كنت محقاً.
كلم فضيل داود الطائي في عزلته فقال: أن كان لك بدينك حاجة ففر من الناس فرارك من الأسد، ولقد جالستهم، اللهم غفراً، فأما صغيرهم فلا يوقرك، وأما كبيرهم فيحصى عليك عيوبك.
أصرم بن حميد الطائي:
أصم عن الكلم المحفظات ... وأحلم والحلم بي أشبه
وإني لأترك جل الكلام ... لئلا أجاب بما أكره
إذا ما أجتررت سفاه السفيه ... علي فإني أنا الأسفه
علي رضي الله عنه: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وطوبى لمن لزم بيته، وأكل قوته، وأشتغل بطاعته، وبكى على خطيئته، فكان من نفسه في شغل، والناس منه في راحة.
وعنه: لا خير في الصمت عن الحكم، كما أنه لا خير في القول بالجهل.
قيل لعبد الله الراسبي: ما بقي مما تسربه؟ قال: سرب أخلو به فيه.
رأى سفيان بن عيينة سفيان الثوري في المنام فقال له: أوصني؛ قال: أقلل من معرفة الناس، ثلاث مرات.
كتب حكيم إلى أخ له: إياك والأخوان الذين يكرمونك بالزيارة ليغصبوك يومك، فإنك إنما تنال الدنيا والآخرة بيومك، فإذا ذهب يومك فقد خسرت الدنيا والآخرة.
وعن بعضهم: اللهم إني أعوذ بك من كل ما جاءني يشغلني عنك.
الخواص: أن العباد عملوا على أربع منازل: على الخوف، والرجاء، والتعظيم، والحياء، فأرفعها منزلة الحياء، لما أيقنوا أن الله يراهم على كل حال قالوا: سواء علينا رأيناه أو رآنا؛ فكان الحاجز لهم عن معاصيه الحياء منه.
عابد: أن الله غيور، لا يحب أن يكون في قلب العبد أحد إلا الله.
سفيان: الزهد في الدنيا الزهد في الناس.
لبس مطرف بن عبد الله الصوف، وجلس مع المساكين، فقيل له؛ فقال: أن أبي كان جباراً، فأحببت أن أتواضع لربي، لعله يخفف عن أبي تجبره.
مجاهد: أن الله تعالى لما أغرق قوم نوح شمخت الجبال وتواضع الجودي، فرفعه على الجبال، وجعل قرار السفينة عليه.
أبو محمد التيمي في الفضل بن سهل:
لعمرك ما الأشراف في كل بلدة ... وإن عظموا إلا لفضل صنائع

ترى عظماء الناس للفضل خشعاً ... إذا ما بدا والفضل لله خاشع
تواضع لما زاده الله رفعة ... وكل رفيع قدره متواضع
أبو سليمان الداراني: ما رضيت عن نفسي طرفة عين، ولو أن أهل الأرض أجتمعوا على أن يضعوني كأتضاعي عند نفسي ما أحسنوا ذلك.
مر فضيل بشيخ يحدث، فقال: يا شيخ ليس أوان تحلق وحديث، هذا أوان أخف شخصك وأعمل.
أوحى الله إلى نبي من الأنبياء: أن أردت أن تسكن حضيرة القدس، فكن في الدنيا وحيداً حزيناً وحشياً، كالطائر الفرد الذي يرعى في القفار، ويأوى إلى رؤوس الأشجار، إذا جنه الليل لم يأو مع الطير، استيناساً بربه، وأستيحاشاً من غيره.
كتب يونس بن عبيد الله إلى أخ له: أن نفسي قد ذلت لي بصيام هذا اليوم الشديد الحر، البعيد الطرفين، ولم تذل لي بترك الكلام فيما لا يعنيني.
رأيت اللسان على أهله ... إذا ساسه الجهل ليثاً مغيراً
ابن المعتز:
ويضل صباغ الحياء بخده ... نعباً يعصفر تارة ويورد
محمد بن علي بن الحسين: لم يردد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم طالباً عن شيء يملكه، ولا حمله الأستحياء على أن يسمح في غير ذلك، حتى لقد قال له قائل، في كبة شعر من الفيء: يا رسول الله أخذت هذه لأخيط بها برذعة لجملي؛ فقال: أما نصيبي منها فهو لك؛ فطرحها الرجل في المقسم.
أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاً من أبي سفيان وعيينة بن حصن وسهيل بن عمرو مائة من الأبل، فقالوا: يا بني الله تعطي هؤلاء وتدع جعيلاً؟ وهو رجل من بني غطفان، فقال: جعيل خير من طلاع الأرض مثل هؤلاء، ولكني أعطي هؤلاء أتألفهم، وأكل جعيلاً إلى ما جعله الله عنده من التواضع.
أبو الدرداء: نعم صومعة الرجل بيته، يكف فيه بصره وسمعه وقلبه ولسانه ويده، وإياكم والجلوس في هذه الأسواق فإنها تلغى وتلهى.
محمد بن كناسة الأسدي:
في أنكماش وحشمة فإذا ... صادفت أهل الوفاء والكرم
أرسلت نفسي على سجيتها ... وقلت ما قلت غير محتشم
المخبل القيسي:
تبين طرفانا الذي في نفوسنا ... إذا أستعجمت بالمنطق الشفتان
الخدري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه.
ليلى الأخيلية:
وتوبة أحيى من فتاة حيية ... وأجرأ من ليث بخفان خادر
أشج عبد القيس: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن فيك لخلقين يحبهما الله قلت: ما هما؟ قال: الحلم والحياء؛ قلت: قديما كان ذاك أو حديثا؛ قال: قديما؛ قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله.
رجل لعائشة رضي الله عنها: متى أكون محسناً؟ قالت: إذا علمت أنك مسيء؛ قال: فمتى أكون مسيئاً؟ قالت: إذا ظننت أنك محسن.
الصمت زين العاقل وستر الجاهل.
يقول اللسان للجوارح كل صباح: كيف أنتن؟ فيقلن: بخير أن تركتنا.
عمر بن عبد العزيز: أنه ليمنعني من كثير الكلام مخافة المباهاة.
خرج عمر بن عبد العزيز متبعاً جنازة، فقعد نجوة فأتاه صبي يشكو ظلامة فأقعده إلى جنبه، وطشت السماء فغطاه بثوبه.
قال ربيط نبي اسرائيل: زين المرأة الحياء، وزين الحكيم الصمت.
كان بعض العلماء يقول: أنا نستحي من الأموات، كما نستحي من الأحياء.
ابن مسعود رضي الله عنه: أن من رأس التواضع أن ترضى بالدون من شرف المجلس، وأن تبدأ من لقيت بالسلام.
سأل بعض الصلحاء رجلاً: هل بقي خلف من فلان؟ فقال: بئس الخلف بقي منه؛ فوضع يده على لسانه، ودلكه على الحائط حتى دمي، وقال: إنما جاء هذا منك، ولولاك لم يقع هذا المسلم في الغيبة.
قيل لراهب في صومعته: ألا تنزل؟ قال: من مشى على وجه الأرض عثر.
قال الله لموسى: هل تعرف لم كلمتك من بين الناس؟ قال: لا يا رب؛ قال: لأني رأيتك تتمرغ في التراب بين يدي، كالكلب بين يدي صاحبه، تواضعاً، فأردت أن أرفعك من بين الناس.

باب
الاحتيال، والكيد، والمكر، والنكر، والدهاء
والخبث والخديعة والطر، وخبث الدخلة، وفساد النية
ونحو ذلك كعب بن مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها، وكان يقول: الحرب خدعة.

المغيرة بن شعبة في عمر رضي الله عنه: كان والله أفضل من أن يخدع، وأعقل من أن يخدع، وما رأيت مخاطباً له قط إلا رحمته، كائناً من كان.
أراد عمر رضي الله عنه قتل الهرمزان، فأستسقى وأمسك القدح في يده، وأضطرب، فقال عمر: لا بأس عليك، إني غير قاتلك حتى تشربه؛ فألقى القدح من يده؛ فأمر عمر بقتله، فقال: أو لم تؤمني؟ قال: كيف أمنتك؟ قال: قلت لا بأس عليك حتى تشربه، فقولك لا بأس أمان، ولم أشربه؛ فقال عمر: قاتلك الله: أخذت أمانا ولم أشعر.
معاوية: أني لأكره النكارة في الرجل، وأحب أن يكون عاقلاً.
دهاة العرب أربعة، وكلهم ولدوا بالطائف: نعاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، والسائب بن الأقرع.
فلان يطر من العريان كمه، ويخلع من الحافي نعله. الحاجة تفتح أبواب الحيل.
قالت أم يوحنا الذي عشق بنت الملك له: لا تقطع أملك من نيلها، فإن النجع مغلول بالطلب، والظفر مأسور بالصبر، والقدرة مقرونة بالحيلة.
أعرابي: سكيت في بطش عفريت.
عبد الله بن محمد بن عيينة:
ما لا يكون فلا يكون بحيلة ... أبدا وما هو كائن سيكون
يسعى اللبيب فلا ينال بسعيه ... وينال حظاً عاجز ومهين
سيكون ما هو كائن في وقته ... وأخو الجهالة متعب محزون
زياد بن أبيه: ليس العاقل الذي يحتال للأمر إذا وقع فيه، ولكن العاقل الذي يحتال للأمور أن لا يقع فيها.
قال الضحاك بن مزاحم لنصراني: لو أسلمت؛ فقال: ما زلت محباً للأسلام، إلا أنه يمنعني منه حبي للخمر؛ فقال: أسلم وأشربها؛ فلما أسلم قال له: قد أسلمت فإن شربتها حددناك، وأن أرتددت قتلناك، فأختر لنفسك؛ قال أختار السلامة، وحسن أسلامه.
ما هو إلا خديعة، وسراب بقيعة.
وفد بلال بن أبي بردة على عمر بن عبد العزيز بخناصره، فسدك بسارية المسجد يصلي، فقال عمر للعلاء بن المغيرة: أن يكن سر هذا كعلانيته فهو رجل أهل العراقين غير مدافع؛ فقال العلاء: أنا آتيك بخبره، فقال له: قد عرفت مكاني من أمير المؤمنين، فإن أشرت بك على ولاية العراق ما تجعل لي؟ قال: عمالتي سنة، وهي عشرون ألف ألف؛ قال: فأكتب لي، فكتب له؛ فلما رآه عمر كتب إلى والي الكوفة: أما بعد؛ فإن بلالاً غرنا بالله، فكدنا نغتر، ثم سبكناه فوجدناه خبثاً كله، فلا تستعن على شيء من عملك بأحد من آل أبي موسى.
وكتب إلى عدي بن أرطأة: غرتني منك مجالستك القراء، وعمامتك السوداء، فلما بلوناك وجدناك على خلاف ما أملناك، قاتلكم الله أما تمشون بين القبور.
فعودك من خدع مورق ... وواديك من علل مخصب
من خدعك فتخادعت له فقد خدعته. من خدع من لا ينخدع فقد خدع نفسه.
أياس بن معاوية: لست بخب، والخب لا يخدعني.
عمر رضي الله عنه: من تكلم بالفارسية فقد خب، ومن خب ذهبت مروءته.
دليت من السماء سلسلة في أيام داود عليه السلام عند الصخرة التي في وسط بيت المقدس، فكان الناس يتحاكمون عندها فمن مد يده إليها وهو صادق نالها، ومن كان كاذباً لم ينلها؛ إلى أن ظهرت فيهم الخديعة، وذلك أن رجلا أودع رجلاً جوهرة، فخبأها في عكازة له؛ وطلبها المودع فجحدها، فتحاكما، فقال المدعى: أن كنت صادقاً فلتدن مني السلسلة، فمسها؛ ودفع المدعى عليه العكازة إلى المدعي وقال: اللهم أن كنت تعلم أني رددت الجوهرة فلتدن مني السلسلة، فمسها، فقال الناس: قد سوت السلسلة بين الظالم والمظلوم، فأرتفعت السلسلة بشؤم الخديعة. وأوحى إلى داود عليه السلام أن أحكم بين الناس بالبينة واليمين، فبقي ذلك إلى الساعة.
أمية بن أبي الصلت كان داهية من دواهي ثقيف، وثقيف دهاة العرب، ومن دهائه ما هم به من أدعاء النبوة، ولذلك درس الكتب، وكان طلابة للعلم علامة، معروفاً بالجولان في البلاد، راوية.
المختار بن أبي عبيد الثقفي: قال ذات يوم لتنزلن من السماء نار دهماء فلتحرقن دار أسماء؛ فذكر ذلك لأسماء بن خارجة فقال: أو قد سجع بي أبو إسحق؟ هو والله محرق داري؛ فهرب من الكوفة. ومن حيله أنه كان له كرسي قديم، فغشاه بديباج، وقال: هذا من ذخائر علي بن أبي طالب، فضعوه في حومة القتال، فإن محله فيكم محل السكينة في بني إسرائيل.

ولما وجه إبراهيم بن الأشتر إلى حرب عبيد الله بن زياد دفع إلى خاصته حماماً بيضاً ضخماً وقال: أن رأيتم الأمر عليكم فأرسلوها؛ وقال للناس: إني لأجد في محكم الكتاب، وفي اليقين والصواب، أن الله ممدكم بملائكة غضاب، تأتي في صور الحمام تحت السحاب؛ فلما كادت الدبرة تكون على أصحابه أرسل الحمام، فتصايح الناس: الملائكة الملائكة؛ فكروا حتى غلبوا، وقتل ابن زياد.
عمران بن حطان:
أحلام نوم أو كظل زائل ... أن اللبيب يمثلها لا يخدع
ولى عبد الملك بن مروان بشراً الكوفة، وكان شاباً ظريفاً غزلاً، وبعث معه روح بن زنباع، وكان شيخاً متورعاً، فثقل على بشر مراقبته، فذكر ذلك عند نديم له، فتوصل إلى أن دخل بيته ليلاً في خفية، وكتب على حائط قريباً من مجلسه:
يا روح من لبنيات وأرملة ... إذا نعاك لأهل المغرب الناعي
أن ابن مروان قد حانت منيته ... فأحتل لنفسك يا روح ابن زنباع
فأستوحش من ذلك، وخرج من الكوفة، وبلغ عبد الملك فحدثه بذلك، فأستغرب ضحكاً وقال: ثقلت على بشر وأصحابه فأحتالوا لك.
أتى معن بن زائدة بثلثمائة أسير، فأمر بضرب أعناقهم؛ فقال أحدهم: أنشدك الله نحن عطاش، فسقوا ثم أمر بضرب أعناقهم؛ فقال: أنشدك الله أن تقتل أضيافك؛ فقال: أحسنت، فأطلقهم.
جحد رجل مال رجل، فأحتكما إلى أياس بن معاوية، فقال للطالب: أين دفعت إليه هذا المال؟ قال: عند شجرة بمكان كذا، قال: فأنطلق إلى الشجرة لعلك أن تتذكر كيف كان الأمر؟ فمضى وجلس حصمه، فقال إياس بعد ساعة: أترى خصمك بلغ موضع الشجرة؟ فقال: لا بعد؛ قال: يا عدو الله أنت خائن؛ فقال: أقلني أقالك الله، وأقر.
ابن المقفع: إذا نزل بك مكروه فأنظر: فإن كان لك حيلة فلا تعجز، وأن كان مما لا حيلة فيه فلا تجزع.
سئل معاوية عن أدهى العراق فقال: زياد ومولاه سليم وكان له شيء يتضمخ به فيه الزعفران، إذا أراد الدخول على الأمراء؛ فقيل للداهي الخداع: معه أصفر سليم، يشبهونه بسليم في دهائه.
بعض السلف: أين كيد الشيطان من كيد النساء؟ أن الله تعالى يقول: " أن كيد الشيطان كان ضعيفاً " ، ويقول: " أن كيدكن عظيم " . ابن المعتز: من لم يتأمل الأمر بعين عقله لم يقع سيف حيلته إلا على مقاتله.
قبيصة بن جابر: لو أن مدينة لها سبعة أبواب، لا يخرج من باب منها إلا بمكر ودهاء، لخرج المغيرة بن شعبة من أبوابها كلها.
لا تحقرني فربما نفذت ... في ردم بأجوج حيلة الجرذ
الحيلة تجرى مجرى القوة، لا بل هي ألطف غوصاً.
الشعبي: وجه بي عبد الملك إلى ملك الروم، فقال لي: أمن أهل بيت الخلافة أنت؟ قلت: لا، ولكني رجل من العرب؛ فكتب لي رقعة إلى عبد الملك، فقرأها فقال: أتدري ما فيها؟ قلت: لا؟ قال: فيها العجب لقوم فيهم مثل هذا كيف ولوا أمرهم غيره؟ ثم قال: أتدري ما أراد بهذا؟ قلت: لا؛ قال: حسدني عليك فأراد أن أقتلك؛ فقلت: إنما كبرت عنده يا أمير المؤمنين لأنه لم يرك.
فرجع الكلام إلى ملك الروم فقال: لله أبوه ما عدا ما في نفسي.
أراد المنصور أن يعقد للمهدي ويقدمه على عيسى بن موسى، فأراده على ذلك، وأداره عليه، وكتب إليه، فأبى وأجاب بجواب عنيف في آخره:
خيرت أمرين ضاع الحزم بينهما ... أما صغار وأما فتنة عمم
وقد هممت مراراً أن أساقيكم ... كأس المنية لولا الله والرحم
ولو فعلت لزالت عنكم نعم ... بكفر أمثالها تستنزل النقم
فلما يئس منه قال لخالد بن برمك: أن كانت عندك حيلة فقدمها، فقد أعيتنا وجوه الحيل؛ فقال: يا أمير المؤمنين ضم إلي ثلاثين رجلاً من كبار الشيعة، فمضوا إليه، فلم يزدد إلا نبواً؛ فخرجوا، فقال لهم: ما الحيلة؟ فأعضلتهم، فقال: ما هي إلا أن نخبر أمير المؤمنين أنه قد أجاب، ونشهد عليه أن أنكر؛ قالوا: نفعل؛ فصاروا إلى المنصور وقالوا: قد أجاب. وخرج التوقيع بالبيعة للمهدي، وكتب بذلك إلى الآفاق. وجاء عيسى فأنكر؛ فشهدوا عليه بالإجابة.
فكان المهدي يعرف ذلك لخالد، ويصف جزالة الرأي فيه.
تغيظت عاتكة بنت يزيد بن معاوية على عبد الملك وكانت امرأته، وكان من أشد الناس حباً

لها، فحجبته وأغلقت بابها عليه؛ فشق ذلك عليه، وشكاه إلى خاصته، وأعيته الحيل فيها، وفي رضاها عنه؛ فقال له عمرو ابن هلال، وكان خصيصاً بيزيد ومعاوية، مالي عندك أن رضيت؟ قال: حكمك؛ فأتى بابها، فخرجت إليه مولياتها ونساؤها، فقال: قد عرفت الحرة مكاني من أمير المؤمنين، وقد وقع لي ما لابد من أن أفزع إليها، قتل أحد ابني الآخر، وأراد الخليفة قتل الآخر به، وأنا الولي وقد عفوت، وهو لا يسمع قولي، وقد رجوت أن يحيى الله ابني على يديها؛ فقالت: فما أصغ مع غضبي عليه؟ فلم يزلن بها حتى خرجت إليه، وأخذت برجله فقبلتها؛ فقال: هو لك، ولم يبرحا حتى أصطلحا. وقال لعمرو: حكمك؟ قال: مزرعة بعيدها وما فيها، وألف دينار، وفرائض لولدي وأهل بيتي؛ فقال: ذلك لك.

باب
الخير والصلاح، وذكر الأخيار والصلحاء
وصفاتهم وأحوالهم، وما جاء فيهم وعنهم
النبي صلى الله عليه وسلم: الخير عادة، والشر لجاجة.
صهيب عنه عليه الصلاة والسلام: عجباً لأمر المؤمن، وأن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، أن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له؛ وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.
سئل علي رضي الله عنه عن الخير فقال: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم عملك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وأن أسأت أستغفرت الله، ولا خير في الدنيا إلا لرجلين: رجل أذنب ذنوباً فهو يتداركها بالتوبة، ورجل يسارع في الخيرات.
وفي وصيته رضي الله عنه: لقاء أهل الخيرات عمارة القلوب.
وعنه: من كانت فيه خلة من خلال الخير غفر الله له ما سواها لها.
وعنه: فاعل الخير خير منه، وفاعل الشر شر منه.
حكيم: الخير بطلب أهله، كما يطلب طير الماء الماء.
ابن عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة ألف بيت من جيرانه البلاء، ثم قرأ: " ولولا دفع الله الناس " الآية.
من رأيت فيه خصلة من الخير فلا تفارقه فإنه يصيبك من بركاته.
كان إبراهيم بن أدهم إذا نشط لعمل الخير أرتجز بقوله:
أجعل الله صاحبا ... ودع الشر جانبا
ألم تر أن سير الخير ريث ... وأن الشر صاحبه يطير
الربيع بن خثيم: ما خياركم اليوم بخيار، ولكن خير من شر منهم.
كان يجتمع في مجلس سفيان بن عيينة مائة ألف نفس، وكان يقول: أنا لكم مثل جبل أبي قبيس، أصعدوا علي وأطلعوا على التابعين.
علي رضي الله عنه: أين الذي دعوا إلى الاسلام فقبلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً، وصفاً صفاً، بعض هلك، وبعض نجا؛ لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن القتلى، مره العيون من البكا، خمص البطون من الطوى، ذبل الشفاه من الظمأ، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك أخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم، وأن نعض الأيدي على فراقهم.
وعنه: كان لي فيما مضى أخ في الله، كان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه؛ وكان خارجاً من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد؛ وكان أكثر دهره صامتاً، فإن قال بذ القائلين، ونقع غليل السائلين؛ وكان ضعيفاً مستضعفاً، فإن جاء الجد فهو ليث عاد، وصل واد؛ لا يدلي بحجة حتى يأتي قاضياً؛ وكان لا يلوم أحداً على ما لا يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره؛ وكان لا يشكو وجعاً إلا عند برئه؛ وكان يفعل ما يقول، ولا يقول ما يفعل؛ وكان أن غلب على الكلام لم يغلب على السكوت؛ وكان على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم؛ وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه؛ فعليكم بهذه الخلائق فالزموها، وتنافسوا فيها.
وعنه: المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدراً، وأذل شيء نفساً، يكره الرفعة، ويشنأ السمعة، طويل غمه، بعيد همه، كثير صمته، مشغول وقته، سهل الخليفة، لين العريكة، نفسه أصلب من الصلد، وهو أذل من العبد.
وعنه: رحم الله عبداً سمع حكما فوعى، ودعي إلى رشاد فدنا، وأخذ بحجزه هاد فنجا؛ راقب ربه، وخاف ذنبه، قدم خالصا وعمل صالحا؛ أكتسب مذخورا، وأجتنب محذورا؛ ورمى 
=======================ج33333333333333-------------- 
  كتاب : ربيع الأبرار

المؤلف : الزمخشري

غرضا، وأحرز عرضا، كابر هواه، وكذب مناه؛ جعل الصبر مطية نجاته، والتقوى عدة وفاته؛ ركب الطريقة الغراء، ولزم الحجة البيضاء، أغتنم المهل، وبادر الأجل، وتزود من العمل.
مالك بن دينار: مثل المؤمن مثل اللؤلؤة، أينما ذهبت فحسنها معها.
عبيد بن الأبرص:
الخير أبقى وأن طال الزمان به ... والشر أخبث ما أوعيت من زاد
غير خيرك خير غيرك.
أبو الدرداء: رحم الله لقمان، أنه ما أوتي ما أوتي عن أهل ولا مال ولا جمال ولا حسب؛ كان عبداً حبشياً، مولى لداود عليه السلام أعتقه، وكان رجلاً سكيتاً عميق النظر، بعيد الفكر، لم ينم نهاراً قط، ولم يره أحد يتبول وينتخع أو يبزق، ومات له أولاد فلم يحزن عليهم، ويأتي أبواب الحكماء ليتفكر وينظر ويعتبر، فلذلك أوتي ما أوتي.
نوف البكالي: سامرت علياً ذات ليلة، فأكثر النظر إلى السماء، ثم قال: يا نوف، أنائم أنت؟ قلت: لا، بل أرمقك بعيني يا أمير المؤمنين، قال يا نوف، طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، أولئك الذين أتخذوا أرض الله بساطاً، وماءها طيبا، وترابها فراشاً، وجعلوا القرآن شعاراً، والدعاء دثاراً، ورفضوا الدنيا رفضاً على منهاج عيسى بن مريم.
أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا؛ قال: فمن أطعم منكم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا؛ قال فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أجتمعن في أحد إلا دخل الجنة.
ابن عباس: وضع عمر على سريره، فكنفه الناس يدعون ويثنون، فقل علي: ما خلقت أحداً أحب إلى أن ألقى بمثل عمله منك.
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب.
وعنه عليه الصلاة والسلام: يا علي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله، وأخذت أنت بحجزتي، أخذك ولدك بحجزتك، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم، فترى أين يأمر بنا؟ عبد الله بن طاهر:
أفعل الخير ما أستطعت وإن ... كان قليلاً فلن تحيط بكله
ومتى تفعل الكثير من الخير إذا كنت تاركاً لأقله
العوام بن حوشب: ما شبهت الحسن إلا بنبي أقام في قومه ستين عاماً.
كان الحسن إذا أقبل فكأنما أقبل من دفن أمه، وإذا جلس فكأنما قدم لتضرب عنقه، وإذا تكلم فكأنما النار على رأسه.
الشعبي: ما رأيت مثل الحسن فيمن رأيت من العلماء إلا مثل الفرس العربي بين المقاريف.
قصد الحسن والشعبي ابن هبيرة، فكان الشعبي يخف للحسن ويعاطيه؛ فقال له ابنه: يا أبت إني أراك تصنع بذا الشيخ شيئاً لم أرك تصنعه بأحد؛ قال: يا بني، قد أدركت سبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم أر أحداً أشبه بهم من هذا الشيخ.
أبو بردة بن نار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت أحداً، لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم، أشبه بمن صحبه من صاحبكم هذا، يعني الحسن، ولو أنه أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حتاجوا إلى رأيه، وما سمع أحد كلامه إلا أزدرى كلام غيره.
قال أبو العباس السفاح لأبي بكر الهذلي: بم بلغ حسنكم ما بلغ؟ قال: جمع كتاب الله وهو ابن ثنتي عشرة سنة، لم يجاوز سورة إلى غيرها حتى يعرف تأويلها، ولم يقلب درهماً في تجارة قط، ولم يل عملاً لسلطان، ولم يأمر بشيء حتى يفعله، ولم ينه عن شيء حتى يدعه؛ قال السفاح بهذا بلغ.
وكانت أم سلمة تخرجه إلى الصحابة وهو صغير فكانوا يدعون له؛ ودعا له عمر بن الخطاب فقال: اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس.
وسمعت عائشة كلامه فقالت: من هذا الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء؟ قيل للمنصور: لا نعلم أحداً ينتحله أهل المذاهب كلها غير عمر ابن عبد العزيز والحسن فقال: تلك نهاية الفضل.
دخل محمد بن أبي علقمة على عبد الملك بن مروان فقال: من سيد الناس بالبصرة؟ فقال: الحسن؛ قال: مولى أو عربي؟ قال: مولى؛ قال: ثكلتك أمك مولى ساد العرب؟ قال: نعم؛ قال: بم؟ قال: أستغنى عما في أيدينا من الدنيا وأفتقرنا إلى ما عنده من العلم؛ قال: صفه لي؛ قال: آخذ الناس بما أمر، وأنهاهم عما نهى عنه.
يظن الناس بي خيراً وإني ... كشر الناس إن لم تعف عني

الجاحظ: كان الحسن يستثنى من كل عاية فيقال: فلان أزهد الناس إلا الحسن، وأفقه الناس إلا الحسن، وأنصح الناس إلا الحسن، وأخطب الناس إلا الحسن.
بعضهم: عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس، لأن عمر ملك الدنيا فزهد فيها، وأويس لم يملكها؛ فقيل: لو ملكها لفعل كما فعل عمر؛ فقال ليس من لم يجرب كمن جرب.
موسى العجلي: ما رأيت أفقه ولا أورع في فقه من محمد بن سيرين، وكان المنمنى إذا تمنى قال: يا ليتني في ورع ابن سيرين قال:
وأنت بالليل ذئب لا حريم له ... وبالنهار على سمت ابن سيرين
كان الحسن يقول في عامر بن عبد الله بن قيس العنبري: لو شاء الله أن يجعل الناس مثل عامر بن عبد الله لفعل.
قال أنس في ثابت البناني: أن للخير مفاتيح، وأن ثابتا من مفاتيح الخير، وأوصى له بمثل نصيب ولده فأبى أن يأخذه. وما رؤي الحسن أوسع لأحد قط في مجلسه إلا لثابت. وكان يقول: ما تركت في المسجد سارية إلا ختمت القرآن عندها.
مطرف أن كان أحد من هذه الأمة ممتحن القلب أن كان مذعور لممتحن القلب، أراد قوله تعالى: " أولئك الذين أمتحن الله قلوبهم للتقوى " . وهو مذعور بن الطفيل القيسي، وكان من الأخيار الأبرار؛ قال معاوية: من جاء منكم يا أهل العراق فليكن مثل القيسي.
كان حبيب الفارسي من أخيار الناس، وهو الذي اشترى نفسه من ربه أربع مرات بأربعين ألفاً؛ كان يخرج البدرة فيقول: يا رب أشتريت نفسي منك بهذه، ثم يتصدق بها.
جاء أبو قلابة إلى الحسن يستودعه كتبه، فقال: أستودعها سيد الفتيان، يريد أيوب السختياني.
وكان أيوب من أصحاب الحسن؛ وذكر عند أبي حنيفة رحمه الله فقال: رحم الله أيوب، رحم الله أيوب، لقد شاهدت منه مقاماً عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أذكر ذلك المقام إلا أقشعر جلدي.
وقيل لأيوب: لم أقللت الحديث عن الحسن؟ فقال: كنت إذا قمت عن مجلسه قال هذا سيد الفتيان فتركته.
سفيان الثوري: جهدت جهدي على أن أكون في السنة ثلاثة أيام على ما كان عليه ابن المبارك فلم أقدر.
كان الخليل بن أحمد النحوي من أزهد الناس وأعلاهم نفساً، وكان الملوك يقصدونه وبيذلون له فلا يقبل، وكان يحج سنة ويغزو سنة حتى جاءه الموت.
ابن خارجة: جالست ابن عون عشرين سنة فما أظن الملكين كتبا عليه شيئاً.
وقيل لعبد الله بن المبارك وقد سافر: أين تريد؟ قال: البصرة، قيل: من تقصد بالبصرة؟ قال: ابن عون، آخذ من أخلاقه، آخذ من آدابه.
وقال معاذ بن العنبري: ما أتيت ابن عون قط إلا ورجعت من عنده وأنا أعرف في الزيادة.
قال ابن شبرمة في كرز بن وبرة الحارثي ومحمد بن طارق وكانا أخوين في الله وكانا عابدين.
لو شئت كنت ككرز في عبادته ... أو كأبن طارق حول البيت والحرم
قد حال دون لذيذ العيش خوفهما ... وسارعا في طلاب المجد والكرم
قال عبد الله بن المبارك أنشدتهما شعبة حين قدمت البصرة، فأستعادنيهما فقلت: أبا بسطام ما تصنع بهما؟ فقال: لو كنت في بني يشكر أو في الخريبة لجئتك فيها حتى أسمعهما.
وروى أنه غسل كرز فلم يوجد على جسده مثقال لحم.
سلم سلطاني على حسان بن أبي سنان العابد، فدعا له، فقيل له، فقال: أو ما هو خير مني حين ظن أني خير منه؟.
سعيد بن جبير: لو خيرت عبداً ألقى الله في مسلاخه لأخترت زبيداً، هو زبيد اليامي.
قال الرشيد يوما لأبي يوسف: صف لي أخلاق أبي حنيفة؛ فقال: أن الله تعالى يقول: " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " ، فهو عند لسان كل قائل، كان علمي بأبي حنيفة أنه كان شديد الذب عن محارم الله أن تؤتى، شديد الورع أن ينطق في دين الله بما لا يعلم، يحب أن يطاع فلا يعصى، مجانب لأهل الدنيا في دنياهم، لا ينافس في عزها، طويل الصمت، دائم الفكر، على علم واسع، لم يكن مهذاراً ولا ثرثاراً، أن سئل بذولاً للعلم والمال، مستغنياً بنفسه عن جميع الناس، لا يميل إلى طمع، بعيد الغيبة، لا يذكر أحداً إلا بخير.
فقال الرشيد للكاتب: أكتب هذه الصفة، وأدفعها لابني ينظر فيها.
وعن محمد بن الحسن: كان أبو حنيفة واحد زمانه، لو أنشقت عنه الأرض لأنشقت عن جبل من الجبال في العلم والكرم والمواساة والورع.

وعن مسعر: كان أبو حنيفة يقعد بعد صلاة الفجر لمذاكرة العلم إلى العشاء الآخرة، لا يحدث وضوء ولا طعاما ولا نوما، إلا خفقة خفيفة قبل الظهر؛ فقلت: متى يفرغ للعبادة؟ فتعاهدته بعد العشاء الأخرة، فلما هدأ الناس أنتصب في المسجد الليلة كلها، فلما كان السحر دخل منزله فتهيأ للصلاة.
الشعبي: أن كان أهل بيت خلقوا للجنة فهم أهل هذا البيت علقمة والأسود.
قال عون لابنه: يا بني كن ممن الخير منه مأمول، والشر منه مأمون.
حج وكيع بن الجراح أربعين حجة، ورابط في عبادان أربعين ليلة، وختم بها القرآن أربعين ختمة، وتصدق بأربعين ألفاً، وروى أربعة ألاف حديث، وما رؤي واضعاً جنبه.
كان الرشيد يصلي كل يوم مائة ركعة حتى فارق الدنيا، ويتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وإذ حج أحج معه مائة من الفقهاء، وأن لم يحجج أحج ثلثمائة بالنفقة السابعة.
قرة بن هبيرة في يوم شعب جبلة:
أنا الغلام الأعسرالخير في والشروالخير في أكثر
جميع بن عمير: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: من كان أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: فاطمة؛ قلت: إنما أسألك عن الرجال؛ قالت: زوجها، وما يمنعه؟ فو الله أن كان لصواماً قواماً، ولقد سالت نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده، فردها إلى فيه. قلت: فما حملك على ما كان؟ فأرسلت خمارها على وجهها وبكت وقالت: أمر قضي علي.
أبو هريرة: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد متدليا من هرشى فقال: نعم العبد خالد.
خرج عيسى عليه السلام على الحواريين، وعليه العباء، وعلى وجوههم النور، فقال يا أبناء الآخرة ما تنعم المتنعمون إلا بفضل نعمتكم.
وقف عمر بن عبد العزيز على عطاء بن أبي رباح، وهو أسود مفلفل الشعر، يفتى الناس في الحلال والحرام، فتمثل بقوله: تلك المكارم لا قعبان من لبن.
قال عبد الملك لسعيد بن المسيب: صرت أعمل الخير فلا أسر به، وأعمل الشر فلا أساء به؛ فقال: الآن تكامل فيك الموت، يعني موت القلب.
بدوي دخل المدينة، فلما خرج لقيه أنسان فقال: كيف تركت الناس؟ قال بخير، وأن أستطعت أن تكون مثل المنكدر فافعل.
ابن مسعود في عمر: ما رأيته إلا وكأن بين عينيه ملك يسدده.
أبو رائحة صليت مع علي رضي الله عنه، حتى إذا كانت الشمس قيد رمح قلب يده ثم قال: والله رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أريت اليوم أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، بين أعينهم مثل ركب المعزى، لقد باتوا لله سجداً وقياما، يتلون كتاب الله، يراوضون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا مادوا كما تميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، والله ما كان القوم غافلين، ثم نهض فما رؤي بعد ذلك كاشراً حتى ضربه ابن ملجم عدو الله.
سأل المنكدر عائشة رضي الله عنها فقالت: لو كانت عندي عشرة آلاف لبعثتها إليك. فلما خرج جاءتها عشرة آلاف، فبعثتها إليه، فأشترى منها جارية بآلفي درهم، فولدت له محمداً وأبا بكر وعمر فكانوا عباد المدينة.
أنشد الصلصال بن الدلهمس رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تخير قريناً من فعالك إنما ... قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
وإن كنت مشغولاً بشيء فلا تكن ... بغير الذي يرضى به الله تشغل
ولن يصحب الأنسان من قبل موته ... ومن بعده إلا الذي كان يعمل
ألا إنما الأنسان ضيف لأهله ... يقيم قليلاً عندهم ثم يرحل
علي كرم الله وجهه: لو أن السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقاً ثم أتقى الله لجعل له منهما مخرجا.
نظر راهبان إلى الحسن البصري فقال أحدهما لصاحبه مل بنا إلى هذا الذي كأن سمته سمت المسيح، فعدلا إليه فألقياه مفترشاً لذقنه وهو يقول: يا عجبا لقوم قد أمروا بالزاد وأوذنوا بالرحيل، وأقام أولهم على آخرهم!! فيا ليت شعري ما الذي ينتظرون؟ قيل لحكيم: ما غنمت من الحكمة؟ قال: أن صرت كالقائم على الشط أنظر إلى آخرين يتكفأون بين أمواج البحر.
قال الرشيد لسفيان بن عيينة حين زار فضيلا: يا سفيان أن عز التقوى لا يزحمه منكبا أمرة ولا خلافة.
المخبل السعدي:
إني وجدت الأمر أرشده ... تقوى الأله وشره الأثم

رؤي رجل بعرفات وبيده زبيبة وهو ينادي: ألا من ضاعت له زبيبة؛ فقيل له أمسك، فإن هذا من الورع الذي يمقت الله عليه.
قال حكيم لولده: يا بني عليك بالنسك، فإن رأى الناس منك بخلاً قالوا: مقتصد لا يحب الأسراف، وأن رأوا عياً قالوا: يكره أن يتكلم فيما لا يعنيه، وأن رأوا جبناً قالوا: لا يقدم على الشبهات.
نظر عمر إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدرة وقال: لا تمت علينا ديننا أماتك الله.
كان يحيى بن خالد يقول: إذا تقرأ الشريف تواضع، فأفشى السلام، وصافح العوام، وأنصف الضعفاء، وجالس الفقراء، وعاد المرضى، وشيع الجنائز؛ وإذا تقرأ الوضيع أمر بالمعروف، ووعظ الشريف، وأخذ في الحسبة وأم أهل محلته، وأحتد على من رد عليه، ورأى أن له فضيلة على كل أحد.
الزهادة في الدنيا قصر الأمل، لا أكل الغليظ، ولا شرب الوشل، ولا لبس السمل.
من يتق الله فذاك الذي ... سيق إليه المتجر الرابح
لا يجتلى الحوراء من خدرها ... إلا امرؤ ميزانه راجح
فاسم بعينيك إلى نسوة ... مهورهن العمل الصالح
علي رضي الله عنه: وأعلموا أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا بدنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم؛ سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبارون المتكبرون، ثم أنقلبوا منها بالزاد والمتجر المربح.
وعنه: أتق الله بعض التقى وأن قل؛ وأجعل بينك وبين الله ستراً وأن رق.
وعنه: اتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن المشاهد هو الحاكم.
وعنه: الزهد كله بين كلمتين من القرآن قال الله تعالى: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " . ومن لم يأس على الماضي، ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه.
داود الطائي: ما أخرج الله عبداً من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس.
أبو عبد الله النباجي: تقوى المرء أنفع للمؤمنين من دعائه لهم.
أكثر الناس في الزهد بين يدي الزهري فقال: الزاهد من لم يغلب الحرام صبره، ولم يمنع الحلال شكره.
قال رجل للعمري: عظني؛ فأخذ حصاة من الأرض فقال: مثل هذا من الورع يدخل قلبك خير لك من صلاة أهل الأرض.
شميط بن عجلان: المتقون أكياس، أكلوا صفو رزق الدنيا، وورثوا باقي نعيم الآخرة.
حماد بن سلمة في سليمان بن طرخان التيمي: كنا نرى أنه لا يحسن أن يعصى الله.
الثوري: اتقوا الله فإنما هي لحظة وقد تقوض البيت.
عمر بن عبد العزيز: عبد بطى بطين يتمنى على الله منازل الصالحين.
قال رجل لزهير بن نعيم: ألك حاجة؟ قال: نعم، حاجتي أن تتقي الله فو الله لأن تتقي الله أحب إلي من أن ينقلب هذا الحائط ذهباً.
التقوى زمام الأفعال الصالحة، وإمام الأفعال الرابحة.
من طلب مرضاة الله فيما ينتحيه، آتاه الله التوفيق من نواحيه.
جعل لنفسه من دنياه نصيباً، وصير تقواه عليها رقيباً.
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ... ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله
سفيان: أربع لا يعبأ بهن: نسك المرأة، وزهد الخصي، وتوبة الجندي، وقراءة الحدث.
عيسى عليه السلام: الزهد ثلاث: المنطق، والصمت، والنظر؛ فمن كان منطقه في غير ذكر الله فقد لغا، ومن كان صمته في غير تفكر فقد لها، ومن كان نظره في غير أعتبار فقد سها.
مرحباً بالذي إذا جاء جاء الخير أو غاب غاب عن كل خير أي هو غائب عن الخير جاء الخير أو غاب.
بكر بن عبد الله المزني: إذا رأيت قبيحاً من ناسك فالفظه، وإذا رأيت حسنا من فاتك فأحفظه.
علي رضي الله عنه: كانت العلماء والحكماء والأتقياء يتكاتبون بثلاثة، ليس معهن رابعة، من أحسن سريرته أحسن الله علانيته، ومن أحسن ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا.
وعن ابن عون: كان أهل الخير إذا التقوا تواصوا بثلاث، وإذا غابوا تكاتبوا بها، وذكرهن.
أستأذن أبو ثابت مولى علي رضي الله عنه على أم سلمة، فقالت: مرحباً بك يا أبا ثابت، ثم قالت: يا أبا ثابت أين طار قلبك حين طارت القلوب مطيرها؟ قال: تبع علياً؛ قالت: وفقت

والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض.
علي رضي الله عنه: لا تقل الخير رياء، ولا تتركه حياء.
كتب الثوري إلى أخ له: إياك وطلب المحمدة إلى الناس وحبها، فإن الزهد فيها أشد من الزهد في الدنيا، وهو باب غامض من الزهد لا يعرفه إلا السماسرة من العلماء.
وعنه: ما رأينا الزهد في شيء أقل منه في الرياسة، لأن الرجل يزهد في الأموال ويسلمها إذا نوزع؛ وإذا نوزع في الرياسة لم يسلمها.
ابن عباس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح: أن بمكة لأربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك، وأرغب لهم في الأسلام، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام وسهيل بن عمرو.
أول من سل سيفاً في سبيل الله الزبير؛ وذلك أنه صاح أهل مكة ليلة فقالوا: قتل محمد؛ فخرج متجرداً ومعه سيفه صلتاً، قتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالك يا زبير؟ فقال: سمع أنك قتلت؛ قال: فما أردت أن تصنع؟ قال: أردت والله أن أستعرض أهل مكة؛ وروي: أخبط بسيفي من قدرت عليه؛ فضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه إزاراً فأستتر به، وقال: أنت حواريي، ودعا له.
الأوزاعي: كان للزبير ألف مملوك يؤدون الضريبة، لا يدخل بيت ماله منها درهم، كان يتصدق بها؛ وباع داراً له بستمائة ألف درهم، فقيل له: يا أبا عبد الله غبنت؛ قال: كلا والله لتعلمن أني لم أغبن، أشهدكم أنها في سبيل الله.
وجاء عمرو بن جرموز بسيفه إلى علي رضي الله عنه فأخذه وقال: أما والله لرب كربة وكربة فرجها صاحب هذا السيف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عمر بن عبد العزيز لابن أبي مليكة: صف لنا عبد الله بن الزبير، فإنه ترمرم على أصحابنا فتغشمروا عليه؛ فقال: والله ما رأيت جلداً قط ركب على لحم، ولا لحما على عصب، ولا عصباً على ركبت بين جنبيه؛ ولقد قام يوماً إلى الصلاة، فمر حجر من حجارة المنجنيق بين لحيته وصدره، فو الله ما خشع لها بصره، ولا قطع لها قراءته، ولا ركع دون الركوع الذي كان يركع. أن ابن الزبير كان إذا دخل في الصلاة خرج من كل شيء إليها؛ ولقد كان يركع ويسجد كأنه ثوب مطروح.
كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غلمة منهم عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير وعمر بن أبي سلمة، فقيل: يا رسول الله لو بايعتهم فتصيبهم بركتك ويكون لهم ذكراً؛ فأتي بهم، فكأنهم تلعلعوا، فأقتحم ابن الزبير أولهم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أنه ابن أبيه.
جابر عبد الله جاء عبد الرحمن بن عوف يوماً إلى عمر رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين أغثني بنفسك وبمن حضر من المسلمين؛ قال عمر: وما ذاك؟ قال: جهزت ألف بعير إلى الشام، فيها مائتا مملوك يمتارون لي ما قدروا عليه من أصناف التجارات، فلما قمت الليلة أصلي وردي، حدثت نفسي، وقدرت الأبل كأنها قدمت، وساومني التجار بما فيها فأضعفوا لي ما كنت أتمناه، فو الله ما أدري على ما أصبحت، على قرآن أم هذيان؟ فدونكها بأجمالها وأقتابها وأحلاسها ومماليكها، فأجعلها في سبيل الله فلا حاجة لي فيما يشغلني عن عبادة ربي فحزر أهل الحزر فإذا هو دية ألف رجل.
هبط جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال: من حملك على ظهره؟ وكان حمله طلحة على ظهره حتى استقل على الصخرة، قال: طلحة؛ قال: أقرئه السلام، وأعلمه أني لا أراه في هول من أهوال يوم القيامة إلا أستنقذته منه. ومن هذا على البحر - وهو فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم - الذي تعجب الملائكة من فريه؟ قال: علي بن أبي طالب؛ قال: إن هذه هي المواساة؛ قال يا جبريل أنه مني وأنا منه؛ قال: وأنا منكما؛ من هذا عن يمينك؟ قال: المقداد؛ قال: إن الله يحبه ويأمرك بحبه؛ من هذا الذي بين يديك ينفي عنك؟ قال: عمار؛ قال: بشر عمار بالجنة، حرمت النار على عمار، ملىء عمار إيمانا إلى مشاشه.
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد متدلياً من هرشي، فقال نعم الرجل خالد بن الوليد.
مر أبو ذر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وجبريل معه في هيئة دحية يناجيه، فلم يسلم فقال

جبريل: هذا أبو ذر لو سلم لرددنا عليه؛ فقال: أو تعرفه يا جبريل؟ فقال: والذي بعثك بالحق لهو في ملكوت سبع السماوات أشهر منه في الأرض؛ قال: بم نال هذه المنزلة؟ قال: زهده في هذا الحطيم الفاني.
لما قدم عمر الشام وقف على طورسينا فأرسل البطريق عظيماً لهم، وقال أنظر إلى ملك العرب، فرآه على فرس، عليه جبة صوف مرقعة، مستقبل الشمس بوجهه، ومخلاته في قربوس السرج، وعمر يدخل يده فيها فيخرج فلق خبز يابس، يمسحها من التبن ويلوكها؛ فوصفه للبطريق فقال: لا يدي لنا بمحاربة هذا، أعطوه ما شاء.
دخل علي رضي الله عنه على عمر، وهو مسجى، فقال: ما على وجه الأرض أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى.
قال معاوية لضرار بن ضمرة الكناني: صف لي علياً؛ فأستعفى، فألح عليه؛ فقال: أما إذ لابد، فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته؛ كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويعاقب كفه، ويعاقب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب، كان والله يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقربه لنا، وقربه منا، لا نكلمه هيبة، ولا نبتدئه لعظمه؛ يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني الآن أسمعه يقول: يا دنيا التي تعرضت، أم إلي تشوفت؟ هيهات، هيهات، غري غيري، قد بتتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه من قلة الزاد ووحشة الطريق.
قال: فوكفت دموع معاوية ما يملكها على لحيته، وهو يمسحها، وقد أختنق القوم بالبكاء، وقال: رحم الله أبا حسن، كان والله كذلك؛ فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزني عليه والله حزن من ذبح واحدها في حجرها، فلا ترفأ عبرتها، ولا تسكن حرتها. ثم قام فخرج.
خرج يوماً من منزله فإذا قوم جلوس، قال: من أنتم؟ قالوا نحن شيعتك؛ قال: سبحان الله!! مالي لا أرى عليكم سيما الشيعة؟ قالوا: وما سيما الشيعة؟ قال: عمش العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، دبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين.
حذيفة: ما منا أحد يفتش إلا فتش عن جائفة أو نقلة إلا عمر وابن عمر.
عون: إذا زرى أحدكم على نفسه فلا يقولن ما في خير، فإن فينا التوحيد والأخلاص، ولكن ليقل: خشيت أن يهلكني ما في من الشر.
إسماعيل بن سالم عن عامر: ما ضربت مملوكاً قط، ولا حللت حبوتي إلى شيء يتدافع الناس ينظرون إليه قط، ولا مات ميت من قرابتي عليه دين إلا أديته عنه.
كان رجا في بني إسرائيل يعمل بالمر، فأصاب المر أباه فقال: لا تنفعني يدي هذه بعد هذه أبداً فقطعها؛ فطلبه الملك ليبعثه مع بنت له إلى بيت المقدس، وألح عليه وعزم، فأستأجل حتى قطع مذاكيره، وتعالج حتى برأ، وجعلها في حق وختم عليه، وأستودعه الملك، فلما أنطلق بها، وكانت امرأة مترفة، لم يأمن عليها فكان ينام إلى جنبها يحميها، فلما رجع قال له: بلغني أنك تنام عندها، فما بالك؟ فأطلعه على ما في الحق، وأبلى عذره؛ فقال: لا أرى للقضاء غيرك؛ فأبى، فلم يزل به حتى استقضاه؛ فأحمى مسماراً فأكتحل به مخافة أن يرى من يعرفه فيحيف له؛ فزكاه بنو إسرائيل وجل في عيونهم؛ فقال: يا رب أن قومي زكوني بما لا أدري أزكا عندك أم لا؛ فإن زكا عندك فرد علي بصري وذكري ويدي؛ فردها الله عليه.
محمد بن معبد: أرسلني عمر بن عبد العزيز مع أسارى الروم تفدي بهم أسارى المسلمين؛ فدخلت يوماً على قيصر، وإذا هو جالس على الأرض، قد نزل عن سريره وهو مكتئب، فقلت: ما شأن الملك؟ قال: وما تدري ما حدث؟ مات الرجل الصالح عمر؛ ثم قال: إني لست أعجب ممن أغلق بابه وترهب، ولكن أعجب ممن كانت الدنيا في يده وزهد فيها، إني لأحسب لو كان أحد يحيى الموتى بعد عيسى بن مريم لأحياهم عمر.
كان داود صلوات الله عليه إذا ذكر عذاب الله تخلعت أوصاله، فلا يشدها إلا الأسر، فإذا ذكر رحمة الله رجعت أوصاله.

كانسعيد بن جبير يقول: كان أصحاب عبد الله سرج هذه القرية، يعني الكوفة.

باب
الخلق وصفاتها، وذكر الحسن والقبح
والطول والقصر، والكبر والصغر، والسمن والهزال، وغير ذلك
نظرت عائشة رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسمت، فقال لها: مم تبسمت يا عائشة؟ فقالت: تأملت وجهك، ولو كان أبو كبير الهذلي رآك ما قال ما قال؛ فقال عليه الصلاة والسلام: وما قال؟ فأنشدت:
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلل
أبو بكر رضي الله عنه: لقيه راهب فقال: صف لي محمداً كأني أنظر إليه، فإني رأيت صفته في التوارة والأنجيل، فقال: لم يكن حبيبي بالطويل البائن ولا بالقصير؛ فوق الربعة، أبيض اللون مشرب بالحمرة، جعد ليس بالقطط، جمته إلى شحمة أذنه، صلت الجبين، واضح الخد، أدعج العينين، أقنى الأنف مفلج الثنايا، وكأن عنقه أبريق فضة، وجهه كدارة القمر، فأسلم الراهب.
وكان علي عليه السلام يقول في نعته: لم يكن بالطويل الممغط، ولا بالقصير المتردد، كان ربعة من الرجال، ولم يكن بالجعد المقطط ولا بالسبط، ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم، وكان في الوجه تدوير، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، شثن الكف والقدمين، دقيق المسربة، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معاً.
وعن أنس: كان أزهر، ليس بالآدم ولا بالأمهق.
وقالت أم معبد: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزره صقلة، وسيماً قسيما، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثافة، أزج أقرن، أن صمت فعليه الوقار وأن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأجملهم من قريب، كأنما منطقه خرزات نظم ينحدرن، فصل لا نزر ولا هذر، ربعة لا يأس من طول ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين.
عن أبي عمرو بن العلاء: أن قوماً حجوا في الجاهلية، فرجعوا إلى شيخ لهم فقال: ما فعل رجل رأيته بعكاظ أعسر يسراً، لا يصارع أحداً إلا لبج به الأرض، ليكونن خير الناس. يعني عمر رضي الله عنه.
أراد ملك الروم أن يباهي أهل الأسلام، فوجه إلى معاوية رجلين؛ طويلا، وأيداً؛ فدعا للطويل قيس بن سعد بن عبادة، فنزع قيس سراويله، ورمى بها إليه، فنالت ثندؤته؛ فأطرق مغلوبا؛ فليم قيس على التبذل بنزع السراويل فقال:
أردت لكيما يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عادي نمته ثمود
وإني من القوم اليمانين سيد ... وما الناس إلا سيد ومسود
وبذ جميع الناس أصلي ومنصبي ... وجسم به أعلو الرجال مديد
وكان سناطاً، فكانت الأنصار تقول: لوددنا أنا أشترينا له لحية بأنصاف أموالنا. ودعا للأيد محمد بن الحنفية فخيره بين أن يقعد فبقيمه، أو يقوم فيقعده، فعلبه في الحالتين؛ فأنصرفا مغلوبين.
وروي أن علياً رضي الله عنه لبس درعاً فأستطالها، فقبض محمد بإحدى يديه على ذيلها، وبالأخرى على الموضع الذي حده له، ثم جبذها فقطعها.
ولقد زال المقام عن مكانه، فأراد الحجاج أن يرده برجله، فصاح به محمد، ثم أخذه بيده فرده؛ فقيل له: أنتهز الحجاج وقد قتل ابن الزبير؛ فقال: والله لقد كنت عزمت أن رادني أن أجتذب عنقه فأقطعها.
نظر رسطاليس إلى ذي وجه حسن فأستنطقه فلم يحمده، فقال: بيت حسن لو كان فيخ ساكن.
وقال آخر: طست ذهب فيه خل قال حكيم لشاب قبيح الوجه حسن الأدب: قد عفت محاسن أدبك مقابح وجهك، وما أنصف أدبك وجهك، ولا وجهك أدبك.
أعرابي: كأن خدودهم ورق المصاحف، وكأن أعناقهم أبارق الفضة، وكأن حواجبهم الأهلة.
بعض السلف: جمع الله البهاء والهوج في الطويل، والكيس والدمامة في القصير، وجمع الخير فيما بين ذلك.
الجماز:
لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا ... ما كان إلا دون قبح الجاحظ
وإذا المرأة جلت له تمثاله ... لم تخل مقتله بها من واعظ
رجل ينوب عن الجحيم بوجهه ... وهو العمى في عين كل ملاحظ

الأصمعي: رأيت بدوية من أحسن الناس وجهاً لها زوج قبيح، فقلت: يا هذه أترضين أن تكوني تحت هذا؟ فقالت: يا هذا لعله أحسن فيما بينه وبين ربه فجعلني ثوابه، وأسأت فيما بيني وبين ربي فجعله عقوبتي، أفلا أرضى بما رضي الله.
دخل محمد بن عباد على المأمون فجعل يعممه بيده، وجارية على رأسه تبتسم، فقال المأمون: مم تضحكين؟ فقال ابن عباد: أنا أخبرك يا أمير المؤمنين، تتعجب من قبحي وأكرامك لي؛ فقال: لا تعجبي فإن تحت هذه العمة مجداً وكرما.
وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم ... إذا كانت الأعراض غير حسان
فلا تجعل الحسن الدليل على الفتى ... فما كل مصقول الحديد يماني
كان عمر بن أبي ربيعة المخزومي يساير عروة بن الزبير، فقال له: أين زين المواكب؟ يريد ابنه محمد بن عروة، وكان يلقب بذلك لجماله، فقال: هو أمامك؛ فركض يطلبه؛ فقال له عروة: أولسنا أكفاء كراما نصلح لمحادثتك؟ فقال: بلى بأبي أنت وأمي، ولكني مغرى بهذا الجمال أتبعه حيث كان، ثم قال:
إني امرؤ مولع بالحسن أتبعه ... لاحظ لي فيه إلا لذة النظر
ثم مضى عمر حتى لحقه، وجعل عروة يضحك.
كانت لبابة بنت عبد الله بن عباس، وكانت من أجمل النساء، عند الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكانت تقول: ما نظرت إلى وجهي في المرآة ثم أنظر إلى وجه أحد إلا رحمته من حسن وجهي، إلا الوليد، فأني كنت متى أنظر إلى وجهي مع وجهه، رحمت نفسي من حسن وجهه.
قال رجل للأحنف: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه!! قال: ما ذممت مني يا ابن أخي؟ قال: الدمامة وقصر القامة؛ قال: لقد عبت علي ما لم أؤامر فيه.
عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف الكوفة، أصلع الرأس، مراكب الأسنان، أشدق، مائل الذقن، ناتىء الوجنة، باخق العينين، حفيف العارضين، أحنف الرجل، ولكنه إذا تكلم جلى نفسه.
المخارق اليشكري:
وكنت أباهي الرائحين بلمتي ... فأصبح باقي نبتها قد تقضبا
وقد ذهبت إلا شكيراً كأنه ... على ناهض لم يبرح العش أزغبا
خرب القهندز فبرزت جماجم، فتصدعت جمجمة منها، فأنتثرت أسنانها، فوزنت سنان منها فكان وزنها أربعة أرطال؛ فأتي بهما ابن المبارك فجعل يقلبها ويتعجب من عظمها، وقال:
إذا ما تذكرت أجسادهم ... تصاغرت النفس حتى تهونا
الأوقص المخزومي قاضي مكه، كان عفيفاً ظريفاً، فكان يقول: قالت لي أمي، وكانت عاقلة، يا بني إنك خلقت خلقة لا تصلح معها مجامعة الفتيان، لأنك لا تكون مع أحد إلا تخطتك العيون إليه، فعليك بالدين، فإنه يرفع الخسيسة، ويتم النقيصة. فنفعني الله بكلامها.
كان المتوكل أحسن الخلفاء العباسية وجهاً، وأبهاهم منظراً؛ قال المبرد: دخلت عليه، فقال: يا بصري أرأيت أحسن وجهاً مني؟ قلت: ولا أسمح راحة، ثم قلت:
جهرت بحلفة لا أتقيها ... لشك في اليمين أو ارتياب
بأنك أحسن الخلفاء وجهاً ... وأسمح راحتين ولا أحابي
طاف علي بن عبد الله بن عباس بالبيت، وقد فرع الناس، كأنه راكب وهم مشاة، وثم عجوز قديمة، فقالت: من هذا الذي فرع الناس؟ فأعلمت؛ فقالت: لا إله إلا الله! إن الناس ليرذلون، عهدي بالعباس يطوف بهذا البيت كأنه فسطاط أبيض، ويروى: أن علياً كان إلى منكب عبد الله، وعبد الله إلى منكب العباس، والعباس إلى منكب عبد المطلب.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الربعة، ولم يكن بالطويل المشذب؛ وكان إذا مشى مع الطوال طالهم.
اللحية الطويلة عش البراغيث.
ابن عباس يرفعه: من سعادة المرء خفة عارضيه.
نظر يزيد بن مزيد الشيباني إلى رجل ذي لحية عظيمة، قد تلففت على صدره، وإذا هو خاضب، قال: إنك من لحيتك لفي مؤونة! قال: أجل، ولذلك أقول:
لها درهم للدهن في كل جمعة ... وآخر للحناء يبتدران
ولولا نوال من يزيد بن مزيد ... لصبح في حافاتها الجلمان
رأى مزبد رجلاً كثير شعر الوجه فقال: يا هذا، خندق على هذا الوجه كيلا يتحول رأساً.
قال سليمان بن عبد الملك ليزيد بن المهلب: أكره منك ثلاثاً؛ قال: وما هي؟ قال: طيبك يرى، وطيب الرجال توجد له ريحة ولا يرى لونه، وخفك أبيض، وحق الخف أن يخالف لونه لون

الثياب؛ وتكثر مس لحيتك. فغير الطيب والخف، ولم يدع مس لحيته، وقال: ما رأيت عاقلاً يلم به أمر إلا كان معوله على لحيته.
قال المنصور يوماً لعبد الله بن عياش المنتوف: قد نغصت إلي صورتك ونفرت، لئن نتفت شعره من لحيتك لأقطعن يدك؛ فأعفاها حتى عفت؛ فكان عنده يوماً يحدثه بأحاديث أستحسنها، فقال: سلني حاجتك؛ قال: نعم يا أمير المؤمنين، تقطعني لحيتي أعمل بها ما أريد. فضحك وقال: قد فعلت.
أنس: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من أصحابه التزويج، وكان في وجهه دمامة، فقال: أذن تجدني كاسداً؛ فقال: أنك عند الله لست بكاسد.
عون بن عبد الله: من كان في صورة حسنة، ومنصب لا يشينه، ووسع عليه في الرزق، كان من خالصة الله.
ابن عباس رفعه: من آتاه الله وجها حسنا، واسماً حسناً، وجعله في موضع غير شائن له من الحسب فهو من صفوة خلقه.
وعنه عليه الصلاة والسلام: ما حسن الله خلق عبد وخلقه إلا أستحيا أن يطعم لحمه النار.
يقال للجميل المليح: هو مما عمل في طراز الله.
حدق رجل النظر إلى وجه الأمين، فهم به بعض الخدم، فقال بعض الحضور: لا تلمه على النظر إلى زينة الله في عباده.
وكان محمد وأبو عيسى من ولد الرشيد يوسفي زمانهما، وكان الرشيد يقول للمأمون: يا عبد الله أحب المحاسن كلها لك، حتى أنه لو أمكنني أن أجعل وجه أبي عيسى لك لفعلت.
وقال يوماً لأبي عيسى، وهو صبي، ليت جمالك لعبد الله؛ قال: على أن حظه منك لي؛ فعجب من جوابه وضمه إليه.
ولو أنه في عهد يوسف قطعت ... قلوب رجال لا أكف نساء
كثير:
ولو أن عزة خاصمت شمس الضحى ... في الحسن عند لقضى لها
آخر:
للحسن في وجناته بدع ... ما أن يمل الدرس قارئها
قيل لرجل من العرب: ما الجمال؟ قال: غؤور العينين، وأشراف الحاجبين، ورحب الأشداق، وبعد الصوت.
كان مصعب بن الزبير، وكان من أجمل الرجال، جالساً بفنائه بالبصرة، فوقفت امرأة تنظر إليه؛ فقال: ما وقوفك عافاك الله؟ قالت: طفىء مصباحنا فجئنا نقتبس من وجهك مصباحاً.
أراد كاتب أن يكتب جوازاً لرجل وحش الصورة، فلم يقدر على تحليته لفرط دمامته، فكتب: يأتيك بهذا الجواز آية من آيات الله وندره، فدعه يذهب إلى نار الله وسقره.
قال بعض الخلفاء: عرفت أن في وجه بختيشوع قردية؛ فقال نديم له: الغلط من غيرك يا أمير المؤمنين، بل في وجه القرد بختيشوعية.
قال رجل لمنصور بن الحسين الحلاج: أن كنت صادقاً فيما تدعيه فأمسخني قرداً؛ فقال: لو هممت بذلك لكان نصف العمل مفروغاً منه.
ابن الرومي في أبي الصقر:
له محيا يستدل به ... على جميل وللبطنان ظهران
وقل من ضمنت خيراً طويته ... إلا وفي وجهه للخير عنوان
مر أبو الأسود الدؤلي بمجلس لبني قشير فقال بعض فتيانهم: كأن وجهه وجه عجوز قد راحت إلى أهلها بطلاقها.
الجاحظ: ما خجلتني إلا امرأة، حملتني إلى صانع فقالت: مثل هذا؛ فبقيت مبهوتاً، فسألت الصائغ فقال: هي امرأة استعملتني صورة شيطان، فقلت: لا أدري كيف أصوره، فأتت بك فقالت مثله وقرع قوم عليه الباب، فخرج غلامه، فسألوه ما يصنع؛ فقال: هو ذا يكذب على الله؛ قيل كيف؟ قال: نظر في المرآة فقال: الحمد لله الذي خلقني فأحسن صورتي.
كان يقال في الطويل البهاء، وفي القصير الكيس، وفي الربعة الخير كله.
حج مخنث فرأى رجلاً قبيح الوجه يستغفر؛ فقال: يا حبيبي ما أرى لك أن تبخل بهذا الوجه على جهنم.
قال رجل للجماز: خرج بي دمل في أقبح موضع؛ قال: كذبت، هوذا أرى وجهك ليس فيه شيء.
قالت امرأة بشار له: لو رأيت وجهك لائتزرت عليه كما تأتزر على عورتك.
خرج رجل قبيح الوجه إلى اليمن فقال:
لم أر وجها حسنا ... منذ دخلت اليمنا
فيا شقاء بلدة ... أحسن من فيها أنا
محمد بن ياقوت:
كتاب إلى الحسن توقيعه ... من الله في خده قد نزل
آخر:
كأن بهجته أكتسب ... حسن الأقالة للذنوب
العتبي: سرح المهدي لحيته وقبض عليها، فكأنه أستصغرها؛ فأحسن به أعربي فقال: يا أمير المؤمنين، أن لحيتك لجميلة أصيلة، لم تطل فتستسمج، ولم تصغر فتستقبح، بل خرجت بمقدار

من صانع أحكم صنعتها، وأحسن نباتها، فمن رأى صاحبها أفلح. ومن طلب إلى حاملها أنجح؛ ثم قال:
لا تعجبن بلحية ... كث منابتها طويلة
يهوى بها عصف الريا ... ح كأنها ذنب الحسيلة
قد يرزق الشرف الفتى ... يوما ولحيته قليلة
فأعجب بكلامه ووصله.
قال المنصور: لابن عياش المنتوف: لو تركت لحيتك، أما ترى عبد الله بن الربيع ما أحسنه!! قال: يا أمير المؤمنين، والله لأنا أحسن منه؛ قال: يا سبحان الله وتحلف أيضاً!! قال: أن لم دقني فأحلق لحيته، وأقمه إلى جانبي فأنظر أينا أحسن.
باع ولد للحسن أسمه عبد الله، وكان طويل اللحية، فرساً فأستغلاه المشتري، فوضع عنه الحسن مائة درهم؛ فقال عبد الله: هو يسألني أن أضع عنه خمسة أو عشرة، وأنت تضع عنه مائة!! فقال: يا بني أن كان الناس يعطون أجورهم على قدر لحاهم، فقد أعطيت منها حظاً. أراد أستحماقه في رده عليه، وأستكثاره المائة.
عبيد الله بن إسحق بن سلام المكاري:
وتكيد ربك في مغارس لحية ... الله يزرعها وكفك تحصد
تأبى السجود لمن يراك تمرداً ... وترى العبيد الأرذلين فتسجد
كان يقال: من تزوج امرأة، وأتخذ جارية، فليستحسن شعرها، فإن الشعر الحسن أحد الوجهين.
وكان ابن شبرمة يقول: ما رأيت على رجل لباساً أحسن من فصاحة، ولا رأيت على امرأة لباساً أحسن من شعر.
وعن عمر رضي الله عنه: إذا تم بياض المرأة مع حسن شعرها فقد تم حسنها؛ والعجيزة الوجه الثاني.
سأل المتوكل امرأته ريطة بنت العباس أن تطم شعرها وتتشبه بالمماليك؛ فأبت؛ فخيرها بين ذلك وبين الفراق؛ فأختارت الفراق؛ فطلقها. كان طم الشعر عندها أكبر الطامتين.
طخيم بن عبد الله الأسدي، حلق شعره شرطي الكوفة فقال:
وبالحيرة البيضاء شيخ مسلط ... إذا أكد الإيمان بالله برت
لقد حلقوا منها غداقاً كأنه ... عناقيد كرم أينعت فأسبكرت
تظل العذارى حيث تحلق لمتى ... على عجل يلقطنها حيث خرت
كان يزيد بن الطثرية غزلاً، ذا جمة فينانة، وكان ثور أخوه كثير المال؛ فكان يأتي العطار فيقول: أدهني دهنة بناقة من إبل ثور، فأهلك مال أخيه، فأستعدى عليه السلطان، فأمره بحلق رأسه، فقال:
أقول لثور وهو يحلق لمتي ... بعقفاء مردود على نصابها
إلا ربما يا ثور فرق بينها ... أنامل رخصات حديث خضابها
فجاء بها ثور ترف كأنها ... سلاسل درع لينها وأنسكابها
ورحت برأس كالصخيرة أشرفت ... عليها عقاب ثم طارت عقابها
رأى فيلسوف سميناً فقال: ما أكثر عنايتك برفع سور حبستك.
رأى عمر رضي الله عنه رجلاً يأنح ببطنه من السمن، فقال: ما هذا؟ قال: بركة من الله؛ قال: بل هو عذاب يعذبك الله به.
الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: ما رأيت سميناً عاقلاً إلا محمد بن الحسن.
الحسن: ترى أحدهم أبيض بضاً، يملخ في الباطل ملخاً، ينفض مذرويه، ويضرب أسدريه، يقول: ها أنذا فأعرفوني؛ قد عرفناك، فمقتك الله ومقتك الصالحون.
لا أعشق الأبيض المنفوخ من سمن ... لكنني أعشق السمر المهازيلا
إني امرؤ أركب المهر المضمر في ... يوم الرهان فدعني وأركب الفيلا
الشعبي في وفادته على عبد الملك: لما دخلت عليه صعد في البصر ثم صوبه، وقال: يا شعبي إني لأراك ضئيلاً. قلت أصلح الله أمير المؤمنين، إني زوجمت في الرحم؛ وكان الشعبي توأماً، فقال: لئن لطف المنظر فقد عظم المخبر.
دخل الحسن في يوم صائف على الحجاج، وهو في بيت فيه النلج والخلاف، فقال له: أخلع قميصك؛ فجعل يعالج زره فأبطأ، فطأطأ رأسه يريد أن يتعاطاه بيده؛ ثم قال: يا أبا شعيد مالي أراك منهوك الجسم، لعل ذلك من سوء ولاية، وقلة نفقة، ألا نأمر لك بخادم لطيف، ونفقة توسع بها على نفسك! قال: إني من الله في سعة، وإني منه لفي عافية، ولكن الكبر والحر؛ فقال: لا والله، ولكن العلم بالله، والزهد فيما نحن فيه.
قيل لأعرابي: أتعرف الجمال؟ قال: أي لعمري؛ قالوا: وما هو؟ قال: عظم الأنف، وسعة الشدق، وضخم القدمين والكفين.

خطب رجل عظيم الأنف امرأة، فقال لها: قد علمت شرفي، وأنا كريم المعاشرة محتمل للمكاره؛ فقالت: ما أشك في أحتمالك المكروه، مع حملك هذا الأنف منذ أربعين سنة.
ابن الرقيات:
زعم ابن قيس وهو غير مكذب ... أن القباح بقوتهن عوال
أن القباح على الرجال رزية ... لا تنكحن قبيحة بقبال
سأل ابن قريعة القاضي رجل عن حد القفا، يريد تخجيله، فقال: ما أشتمل عليه جربانك، ومازحك فيه أخوانك، وأدبك عليه سلطانك، وباسطك فيه غلمانك؛ هذه حدود أربعة.
كان واصل بن عطاء طويل العنق، فنظر إليه رجل يوماً فقال: لا يفلح هذا ما دامت عليه هذه العنق؛ وفيه يقول بشار:
عنق الزرافة ما بالي وبالكم ... تكفرون رجالاً كفروا رجلاً
قيل لعراقية ظريفة: ما بال شفتيك متشققة؟ فقالت: التين إذا حلا تشقق.
تهمة مشاطة أم البنين: جلوت أم البنين بنت موسى بن عقال على زوجها عمرو ابن الشريد وكيل المهدي، وكانت النساء يتحدثن بجمالها، فعقربت صدغيها، فوقع أحد الصدغين على خال في مؤخر خدها، فمدت يدها إلى وجهها كأنها تميط عنه شيئاً، فنحت صدغها، فبرز الخال كأنه هلال، تجلت عنه غمامة في ليلة مظلمة، فوثب عمرو إليها، فقبل موضع الخال؛ ثم دعا بكيس فيه دنانير، فوهب لي منه قبضة، ثم نثر الباقي على رأسها، وقال: يا تهمة، كتمتني أحسن شيء في وجهها؛ والله ما يسرني أن لي بدلاً من هذا الخال وزارة أمير المؤمنين.
يقال: طول الأذن دليل على طول العمر؛ قال:
بأغضف الأذن طويل العمر ... وأرنب الخلة تلو الدهر
زعموا أن شيخا من الزنادقة قدم للقتل، فعدا إليه غلام فقال: يا سيدي، زعمت أن من طالت أذنه طال عمره، فهو ذا يقتلونك؛ فقال: إنما قلت لو تركوه.
كانت في زمن الحسن فتاة عابدة اسمها بريرة، وكانت بكاءة؛ فقيل له: عظها فأنا نخشى على عينيها؛ فقال لها: أن لعينيك عليك حقاً فأتقي الله؛ فقالت: أن أكن من أهل النار فأبعد الله بصري، وأن أكن من أهل الجنة ليبدلني الله بهما خيراً. فبكى الحسن.
أسحق بن خلف في قصير طويل اللحية:
ماشيت داود فأستضحكت من عجب ... كأنني والد يمشي بمولود
ما طول داود إلا طول لحيته ... يظل داود فيها غير موجود
تكنه خصلة منها إذا نفخت ... ريح الشمال وجف الماء في العود
الجاحظ: ما أكثر من يظن أن الصورة التي ترونها في الحدقة عند المقابلة ثابتة هناك، ويسمونها أنسان العين، وإنما هي صورتك عند نظرك فيها، كما تراها في المرآة.
قالت امرأة من تغلب:
أنا إذا ما أفتخرت تغلب ... منها الأناسي التي في الحداق
أبو الحسن المغربي:
قلبي أسير في يدي مقلة ... ضيقة ضاق لها صبري
كأنها في ضيقها عروة ... ليس لها زر سوى السحر
كان يقال: إذا رأيت طويلاً عاقلاً فأسجد له.
في التوراة: إذا لم يكن القصير خبيثاً فهو مسخ.
نظر أعرابي إلى رجل جيد الكدنة فقال: يا هذا إني لأرى عليك قطيفة من نسج أضراسك.
عمر بن أبي ربيعة:
حسروا الأكمة عن سواعد فضة ... فكأنما انتضيت متون صوارم
قال للقمان الحكيم سيده: أذبح لي شاة وأئتني بأطيب مضغتين فيها؛ فأتاه بالقلب واللسان؛ فسكت عنه ما سكت؛ ثم أمره بذبح شاة وقال: ألق أخبث مضغتين؛ فرمى بالقلب واللسان، وقال: إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا. ولا أخبث منهما إذا خبثا.
أبو سليمان الواسطي: إنما القلب بمنزلة المرآة، إذا جليت لم يمر بها شيء إلا مثل فيها، وإذا صدئت لم يمثل فيها شيء.
أبو اليمان كان عندنا شيخ يزعمون أنه يعرف اسم الله الأعظم؛ فسألته، فقال: يا ابن أخي تعرف قلبك؟ قلت: نعم، قال: إذا رأيته قد رق وأقبل، فاسأل الله حاجتك، فذاك اسم الله الأعظم.
رفع رجل من لحية مدني شيئاً، فلم يدع له، فغضب وقال:: أما فيك ما تدعو لي بخير وقد أمطت عنك الأذى؟ قال: يا أخي لا تغضب، ما منعني أن أقول: صرف الله عنك السوء إلا مخافة أن يصرف الله وجهك، فتبقى بلا وجه، وكان دميما.
أسر سلمة من مرة الناموس امرء القيس بن النعمان اللخمي، وكان الناموس قصيراً مقتحما، واللخمي طويلاً جسيماً، فأبصرته بنت له، فقالت: أهذا القصير أسر أبي؟ فقال:

ألا زعمت بنت امرىء القيس أنني ... قصير وقد أعيا أباها قصيرها
ورب طويل قد نزعت سلاحه ... وعانقته والخيل تدمى نحورها
ولو شهدتني يوم ألقيت كلكلي ... على شيخها ما أشتد مني نكيرها
لم يزل شقة بن ضمرة الأسدي يغير على النعمان بن المنذر ينقص أطرافه، حتى عيل صبره، فبعث إليه أن لك ألف ناقة على أن تدخل في طاعتي؛ فوفد عليه، وكان صغير الجثة، فأقتحمته عينه فقال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه؛ فقال: مهلاً أيها الملك، أن الرجال ليسوا بجزر تراد منهم الأجسام، إنما المرء بأصغر قلبه ولسانه، فإذا نطق نطق بلسان، وأن صال صال بجنان، وأنشأ يقول:
كم من قصير شديد القلب محنتك ... على العشيرة بالأفضال مشتهر
تنبو الحماليق عنه حين تبصره ... ما أن له في دهاس الأرض من أثر
فإن وكلت إليه لم يكن وكلاً ... من الصلادمة المصقولة البتر
يا أيها الملك المرجو نائله ... إني لمن معشر شم الذرى زهر
فلا تغرنك الأجساد أن لنا ... أحلام عاد وأن كنا إلى القصر
فكم طويل إذا أبصرت جثته ... تقول هذا غداة الروع ذو ظفر
فإن ألم به أمر فأفظعه ... رأيته خاذلاً للأهل والزمر
فقال: صدقت، فهل لك علم بالأمور؟ فقال: أني لأنقض منها المفتول، وأبرم منها المسحول، وأحيلها حتى تحول، ثم أنظر فيها إلى ما تؤول، وليس للأمور بصاحب، من لا ينظر في العواقب؛ قال: فأخبرني ما السوأة السوآء، وما الداء العياء؟ قال: أمما السوأة السوآة فالمرأة الصخابة الوثابة، البذية السبابة، التي تصخب من غير صخب، وتضحك من غير عجب، الكثير عيبها، المخوف غيبها، فأهلها منها في عناء، وزوجها منها في بلاء، وأن كان مقلاً عيرته، وإن كان ذا مال غيرته، فأراح الله منها بعلها، ولا متع بها أهلها.
وأما الداء العياء فجار السوء إذا قاولته شتمك، وأن شاتمته بهتك، وأن غبت عنه سبعك، فإذا كان كذلك فخل له قراراك، وعجل منه فرارك وأن ضننت بالدار، فكن فيها كالكلب الهرار، وقر بالذل والصغار.
قال: فما العجز الظاهر والفقر الحاضر؟ قال: فأما العجز الظاهر فالرجل القليل الحيلة، اللزم للحليلة، الذي يطيع قولها، ويحوم حولها، فإن غضبت ترضاها، وإن رضيت تفداها.
وأما الفقر الحاضر فالرجل الذي لا يشبع نفسه، وإن كان من ذهب حلسه.
قال: فأنعت لي المرأة الصالحة؛ قال: لا ضرع صغيرة، ولا عجوز كبيرة، عاشت في نعيم فأدركتها الفاقة، فخلائق كرم النعيم معها، وبؤس الفاقة فيها، خليعة مع زوجها، حصان من جارها، إذا أجتمعا كانا أهل دنيا، وإذا افترقا كانا أهل آخرة.
فتعجب من فصاحته وعقله، وقال: أنت ضمرة بن ضمرة فأقبض مالك، وأعلمنا شأنك، فإن أقمت آسيناك، وإن شخصت وصلناك؛ قال: قرب الملك سناء ورفعة؛ فأكرمه وأعطاه الأبل، وجعله من ندمائه.
قالوا: عظم الجبين يدل على البله، وعرضه على قلة العقل، وصغره على لطف الحركة، وأستدارته على الغضب. والحاجبان إذا اتصلا على أستقامة دلا على تخنيث وأسترخاء؛ وإذا تزججا منحدرين إلى طرف الأنف دلا على لطف وذكاء؛ وإذا تزججا نحو الصدغين دلا على طنز وأستهزاء.
والعين إذا كانت صغيرة الموق دلت على سوء دخلة، وخبث شمائل؛ وإذا وقع الحاجب على العين دل على الحسد؛ والعين المتوسطة دليل فطنة وحسن خلق ومروءة؛ والناتئة على اختلاط عقل؛ والغائرة على حدة؛ والتي يطول تحديقها على قحة وحمق؛ والتي يطول طرفها على خفة وطيش.
والشعر على الأذن يدل على جودة السمع؛ والأذن الكبيرة المنتصبة تدل على حمق وهذيان.
مسلم بن الوليد:
فغطت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع
كشاجم:
غذتها نعمة ولذيذ عيش ... فأنبت صدرها ثمر الشباب
الصابي:
فقال شفاؤه الرمان مما ... تضمنه حشاه من السعير
فقلت لهم أصاب بغير قصد ... ولكن ذاك رمان الصدور
السري الموصلي:
مقدودة خرطت أيدي الشباب لها ... حقين دون مناط العقد من عاج

رأت عجوز طلحة يوم الجمل فقالت: من هذا الذي وجهه كأنه الدينار الهرقلي؛ ثم رأت الزبير فقالت: من هذا الذي كأنه أرقم يتلمظ؛ ثم رأت علياً فقالت: من هذا الذي كأنه كسر ثم جبر.
بكر بن عبد الله: رحم الله امرءاً كان قوياً فأعمل قوته في طاعة الله، وكان ضعيفاً فكف لضعفه عن معصية الله.
وقال بزرجمهر: من يقو فليقو على طاعة الله، ومن ضعف فليضعف عن محارم الله. قال ابن المقفع: ليجهد البلغاء أن يزيدوا في هذا حرفاً.
شاعر:
تأملت أسواق العراق فلم أجد ... دكاكينها إلا عليها المواليا
جلوساً عليها ينفضون لحاهم ... كما نفضت عجف البغال المخاليا
علي بن الجهم:
كنت أشتاق فما يحجزني ... عنك إلا حاجز يحجبني
ناهد في الصدر غضبان على ... قبب البطن وطي العكن
شاخصاً ينظر أعجابا إلى ... غيد الجيد وحسن الذقن
يملأ الكف ولا يقضلها ... وإذا ثنيته لا ينثنى
أبو جهمة الكوذي:
أنا أبو جهمة في جلد الأسد ... علي منه لبد بعد لبد
ململم الهامة مضبور الكتد أجارت أم هانىء بنت أبي طالب الحارث بن هشام يوم الفتح، فدخل عليها علي، فأخذ السيف ليقتله، فوثبت فقبضت على يده، فلم يقدر أن يرفع قدميه من الأرض، وجعل يتفلت منها ولا يقدر. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إليها فتبسم، وقال: قد أجرنا من أجرت؛ ولا تغضبي عليا فإن الله يغضب لغضبه، وقال: يا علي أغبتك امرأة؟ فقال: يا رسول الله، ما قدرت أن أرفع قدمي من الأرض؛ فضحك النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: لو أن أبا طالب ولد الناس لكانوا شجعانا.
أبو طلق عدي بن حنظلة التيمي قال لامرأته ورآها تحتف بخيط كتان:
أستعيني بقطرة من جمال ... هي خير من كل ما تصنعينا
ذاك أدنى للحسن من أن تحفى ... بخيوط الكتان منك الجبينا
أبو مطر البصري النضري: خرجت من باب المسجد، وعلي أزار طويل، ربما عثرت به، وإذا بمن يناديني من خلفي: أي بني أرفع ذيلك فإنه أبقى لثوبك، وأتقى لربك، وخذ من شاربك أن كنت مسلما.
فنظرت فإذا هو علي رضي الله عنه.
أفتقد صالح بن كيسان عمر بن عبد العزيز في صلاة؛ فقال: ما حبسك عن الصلاة؟ قال: كانت مرجلتي تسكن شعري؛ فقال وبلغ من حبك تسكين شعرك ما تتخلف له عن الصلاة. فبلغ ذلك أباه، فأنفذ إليه من لم يكلمه حتى حلق شعره.
كعب الأحبار: قسم الله الحسن عشرة أعشار، فأعطى آدم تسعة أعشار، ونصف العشر الباقي يوسف عليه السلام، والنصف الآخر سائر الناس.

باب
الأخلاق، والعادات الحسنة والقبيحة
والغضب والرفق، والعنف والرقة، والقسوة، وخفة الروح، والثقل
إبراهيم بن العباس: والله لو وزنت كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحاسن الناس لرجحت، وهي قوله: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم.
وعنه عليه السلام: حسن الخلق زمام من رحمة الله في أنف صاحبه، والزمام بيد الملك، والملك يجره إلى الخير، والخير يجره إلى الجنة. وسوء الخلق زمام من عذاب الله في أنف صاحبه، والزمام بيد الشيطان، والشيطان يجره إلى الشر والشر يجره إلى النار.
الحسن بن علي يرفعه: أن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم، وإنه ليكتب جبارا وما يملك إلا أهله.
الأشعري: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وامرأة بين يديه، فقلت: الطريق لرسول الله! فقالت: الطريق معترض، أن شاء أخذ يمينا، وأن شاء أخذ شمالا. فقال عليه السلام: دعوها فأنها جبارة.
بعض السلف: الحسن الخلق ذو قرابة عند الأجانب، والسيء الخلق أجنبي عند أهله.
شاعر
إذا رام التخلق جاذبته ... خلائقه إلى الطبع القديم
الأحنف: ألا أخبركم بالمحمدة بلا مرزئة، الخلق السجيح والكف عن القبيح، ألا أخبركم بأدوأ الداء: الخلق الدنيء واللسان البذىء.
عنه عليه السلام: أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن.
عبد الله بن عمرو: ثلاثة من قريش أحسن قريش أخلاقا، وأصبحها وجوها، وأشدها حياء، أن حدثوك لم يكذبوك، وأن حدثتهم بحق أو باطل لم يكذبوك: أبو بكر الصديق أبو عبيدة ابن الجراح، وعثمان بن عفان.

ابن عباس: ورد علينا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان المدينة واليا، وكأن وجهه ورقة من ورق المصاحف، فو الله ما نرك ف(ينا عانيا إلا فكه، ولا غريما إلا أدى عنه، ينظر إلينا بعين أرق من الماء، ويكلمنا بكلام أحلى من الجنى، ولقد شهدت منه مشهداً لو كان من معاوية لذكرته به، تغدينا عنده يوما، فأقبل الخباز بالصحفة فعثر بالوسادة فندرت الصفحة من يده، فو الله ماردها إلا ذقنه، وصار ما فيها في حجره، ومثل الغلام قائما ما معه من روحه إلا ما يقيم رجله، فقام فدخل فغير ثيابه، وأقبل إلينا تبرق أسارير وجهه، فأقبل على الخباز فقال: يا بائس! ما أرانا إلا قد روعناك، أنت وأولادك أحرار لوجه لله تعالى.
النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف، أن قيد أنقاذ، وأن أنيخ على صخرة أستناخ.
أبو رجاء العطاردي: من سره أن يكون مؤمنا ثبتاً فليكن أذل من قعود كل من مر به أرغاه.
فضيل: لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلى من أن يصحبني عابد شيء الخلق. أن الفاسق إذا حسن خلقه خف على الناس وأحبوه، والعابد إذا ساء خلقه ثقل عليهم ومقتوه.
شاعر:
كم عزيز أذله خرقه ... وذليل أعزه خلقه
العتاسي:
وكم نعمة آتاكها الله جزلة ... مبرأة من كل شيء يذيمها
فسلطت أخلاقاً عليها ذميمة ... تعاورنها حتى تفرى أديمها
ولوعاً وأشفاقاً ونطقاً من الخنا ... بعوراء يجري في الرجال نميمها
وكنت امرء لو شئت أن تبلغ المدى ... بلغت بأدنى نعمة تستديمها
ولكن فطام النفس أثقل محملاً ... من الصخرة الصماء حين ترومها
أخلاق الملوك مثل في التلون، قال:
ويوم كأخلاق الملوك ملون ... فصحو وتغييم وطل ووابل
أشبهه إياك يا من صفاته ... دنو وأعراض ومنع ونائل
ابن همام السلولي:
أقرب الأشياء من أخلاقه ... كل لون لونت قوس قزح
صالح بن عبد القدوس:
قل للذي لست أدري من تلونه ... أناصح أم على غش يداجيني
إني لأكثر مما سمتني عجباً ... يد تشج وأخرى منك نأسوتي
تغتابني عند أقوام وتمدحني ... في آخرين وكل عنك تأتيني
هذان شيئان شتى بون بينهما ... فاكفف لسانك عن شتمي وتزييني
لألف لجوج جموج خير من واحد متلون.
يشبه المتلون بأبي براقش وأبي قلمون، فأبو براقش طائر منقط بألوان النقوش يتلون في اليوم ألواناً، قال:
أن يغدروا أو يجنبوا أو ... يبسخوا لا يحلفوا
وغدوا عليك مرجلين كأنهم لم يفعلوا
كأبى براقش كل لو ... ن لونة يتخيل
وأبو قلمون ضرب من ثياب حرير ينسج بالروم ومصر يتلون ألوانا قال:
أنا أبو قلمون ... من كل لون أكون
وقال أبو بكر الخوارزمي:
والله لا فارقت كفى قفاه ولم ... ينسج أبا قلمون في نواحيه
ويقال للطائش الذي لا ثبات له أبو رياح، تشبيها بتمثال فارس من نحاس بمدينة حمص، على عمود حديد فوق بباب الجامع يدور مع الريح، ويمناه ممدودة، وأصابعها مضمومة إلا السبابة، إذا إذا أشكل عليهم مهب الريح عرفوه به، فإنه يدور بأضعف نسيم يصيبه. والذي يعمل الصبيان من قرطاس على خشبه يسمى أبا رياح أيضا.
شاعر
سريع العلوق إذا ما اشتهى ... سريع النزوع إذا ما علق
فبينا يرى عاشقا إذ صحا ... وبينا يرى صاحيا إذ عشق
له خلق خلق وشأن شائن، وشيمة مشؤومه، وخيم وخيم.
أبى الله لسيء الخلق التوبة، لأنه لا يخرج من ذنب إلا دخل في آخر لسوء خلقه.
النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة يعذرون بسوء الخلق: المريض، والصائم، والمسافر.
أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا، فأرسلني يوماً لحاجة، فقلت: والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون، فإذا رسول الله قبض قفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: أنيس أذهب حيث أمرتك، والله لقد خدمته تسع سنين، وروي عشر سنين، ما علمت قال لشيء صنعت: لم فعلت؟ ولا لشيء تركت: هلا فعلت.

أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا في المجس ويحدثنا، فإذا قام قمنا قياما واحداً حتي نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه، فحدثنا يوما، فقمنا حين قام، فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه فجبذه بردائه فحمر رقبته، وكان رداؤه خشنا، فألتفت فقال له الأعرابي: أحملني على بعيري هذين فإنك لا تحملني من مالك ولا من مال أبيك. فقال: لا وأستغفر الله، لا وأستغفر الله، لا وأستغفر الله، لا أحملك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني، فكل ذلك يقول له الأعرابي: والله لأقيدكها، ثم دعا رجلا فقال له أحمل له بعيريه هذين، على بعير شعيرا وعلى الآخر تمرا.
جعل عمرو بن الأهتم لرجل ألف درهم على أن يسفه الأحنف فلم يأل في شتمه والأحنف مطرق صامت، فأقبل يعض إبهاميه ويقول: والله ما يمنعه من جوابي إلا هواني عليه، إلى أن أراد القيام إلى الغداء، فقال له: إن غداءنا قد حضر فأنهض بنا إليه أن شئت، فإنك منذ اليوم تحدو بجمل ثقال.
جعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرو بن العاص عن أمه، ولم تكن بمنصب مرضي؛ فأتاه وهو بمصر أمير عليها، فقال: أردت أن أعرف أم الأمير، فقال: نعم، كانت امرأة من عنزة ثم بني عجلان تسمى ليلى وتلقب النابغة، أذهب فخذ فأجعل لك.
وقال رجل لآخر: لو قلت واحدة لسمعت عشرا؛ فقال: لو قلت عشرا لما سمعت واحدة.
سب رجل رجلا فلم يلتفت إليه، فقال له: إياك أعني، قال: وعنك أعرض.
قال شامي: دخلت المدينة فرأيت رجلا على بغلة، لم أر أحسن لباسا منه ولا أفره مركبا، فسألت عنه فقيل الحسن بن علي، فأمتلأت له بغضا، فدنوت منه فقلت: أأنت ابن أبي طالب؟ قال: أنا ابن ابنه، قلت: فبك وبأبيك أسبهما، قال: أحسبك غريبا، قلت: أجل، قال: إن عندنا منزلا واسعا ومعونة على الحاجة ومالا نواسي به، فأنطلقت وما على وجه الأرض أحب إلي منه.
سمعت ببعض الحكماء امرأة وهو صامت، فأشتد غيظها من سكوته، فصبت عليه غسالة الثياب على رأسه وعلى كتاب نفيس في يده، فرفع رأسه وقال: رأيتك من زمان تبرقين وترعدين حتى أمطرت الساعة.
الحسن: أن أفضل رداء تردي به الحلم، وهو والله أحسن عليك من برد الحبر. وفيه نظر أبو تمام حيث قال:
رقيق حواشي الحلم لو أن حلمه ... بكفيك ما ماريت في أنه برد
وبهذا يلجم الغاض منه. كما وصفه المسيب بن علي بالعذوبة والطيب قال:
وكالشهد بالراح أحلامهم ... وأحلامهم منهما أعذب
وكالمسك ترب مقاماتهم ... وترب قبورهم أطيب
وليس يلازم إذا شبه الحلم في رجاحته بالجبل أن لا يشبه في حسنه بالبرد المحبر، وفي طيبه بالشهد مع الراح.
شاعر
وإذا الجهول طمت به غلواؤه ... فأجعل له الحلم الرصين لجاما
الحليم قدام السفيه.
علي عليه السلام: أول غرض لحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل.
أغضب زيد بن جبلة الأحنف فوثب إليه فأخذ بعمامته وتناصيا فقيل له: أين الحلم؟ قال: لو كان دوني أو مثلي لحلمت ورأوه يدق الرماح في الصدور في بعض أيام صفين، فقيل له: أين خلفت الحلم يا أبا بحر؟ قال: عند عقد الحبي.
الحليم سليم، والسفيه كليم.
ما تقلد امرؤ قلادة أحسن من حلم.
الأحنف: وجدت الحلم أنصر لي من الرجال.
مسكين الدارمي:
وعوراء من قيل امرىء قد رددتها ... بسالمة العينين طالبة عذرا
ولو أنني إذا قالها قلت مثلها ... أو أكبر منها أورثت بيننا غمرا
فأعرضت عنه وأنتظرت به غدا ... لعل غداً يبدي لناظره أجرا
لأنزع ضباً جائماً في فؤاده ... وأقلم أظفاراً أطال بها حفرا
جاء الأحنف إلى باب بعض الأمراء فجلس ينتظر الأذن، فمرت به سقاءة فقالت: يا شيخ أحفظ علي قربتي حتى أعود: فخرج الآذن بالأذن، فقال: أن معي وديعة؛ ولم يزل قاعدا حتى جاءت السقاءة.
وعنه: ما يسرني بنصيبي من الذل حمر النعم، فقال له رجل: أنت أعز العرب، قال: الناس يرون الحلم ذلا.
أنتهى الشعبي إلى قوم في المسجد يذكرونه، فأخذ بعضادتي الباب وأنشد:
هنيئاً مريئاً غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما أستحلت
وشتمه رجل فقال: أن كنت كاذبا فغفر الله لك، وإن كنت صادقا فغفر الله لي.

محمد بن عجلان: ماشيء أشد على الشيطان من عالم معه حلم، فإن تكلم تكلم بعلم، وإن سكت سكت بحلم، يقول الشيطان ق سكوته أشد علي من كلامه.
علي رضي الله عنه: من لان عوده كثف أعضانه.
شاعر:
إذا كنت تبغي شيمة غير شيمة ... طبعت عليها لم تطعك الضرائب
آخر:
أصعب من نقل جبل ... نقل السجيات الأول
عمر: ليت شعري متى أشفي غيظي؟ حين أقدر فيقال: ألا غفرت؟ أم حين أعجز فيقال: ألا صبرت؟ إبراهيم بن أدهم: أنا منذ عشرين سنة في طلب أخ إذا غضب لم يقل إلا الحق فلم أجده.
النبي عليه السلام: أن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم، ألا ترى إذا غضب حمرة عينيه وأنتفاخ أوداجه، فمن وجد من ذاك شيئا فليلصق خده بالأرض.
لقمان: ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان، من إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.
ورد على المنصور كتاب من مولى له بالبصرة إن سلما ضربه بأنسياط، فأستشاط وقال: أعلي يجترىء سلم؟ والله لأجعلنه نكالا. فأطرق جلساؤه، ثم هدأ غضبه وجعل يقرأ كتبا بين يديه، فقال ابن عياش، وكان أجرأهم عليه؛: يا أمير المؤمنين قد رأينا من غضبك على سلم ما شغل قلوبنا، وأن سلما لم يضرب مولاك بقوته ولا قوة أبيه، ولكنك قلدته سيفك، وأصعدته منبرك، فأراد مولاك أن يطأطىء منه ما رفعت، ويفسد ما صنعت فلم يحتمل ذلك، وروي لنا عن جدك عبد الله بن عباس رضي الله عنه: غضب العربي في رأسه، فإذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد، وغضب النبطي في استه، فإذا حرى ذهب غضبه. فضحك المنصور وكف عن ذكر سلم.
قيل لأعرابي: كيف وجدت فلانا؟ قال: بخير، زين الحلم، واسع العلم، أن فاخرته لم يكذب، وأن مازحته لم يغضب.
راجز:
أروع بسام وأن لم تعجب ... أقصى أكليله له كالأقرب
أن يمزج القوم به لا يغضب عيسى عليه السلام: يباعدك من غضب الله أن لا تغضب.
وعن علي بن الحسين: أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب.
في التوراة: إذكرني إذا غضبت إذكرك إذا غضبت فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظلمت فأصبر وأرض بنصرتي، فإن نصري لك خير من نصرتك لنفسك.
بكر بن عبد الله المزني: اطفئوا الغضب بذكر جهنم.
مورق العجلي: أنه لتأتي علي السنة ما أغضب، ووالله ما قلت في غضبي شيئا أندم عليه إذا رضيت.
كان ابن عون إذا غضب على لسان وبلغ منه قال: بارك الله فيك. وكانت له ناقة كريمة عليه، فضربها الغلام فأندر عينها، فقالوا: أن غضب ابن عون فإنه يغضب اليوم، فقال للغلام: غفر الله لك.
فضيل: بلغني أن لجهنم سبعة أبواب، باب منها لمن شفي غيظه بمعصية الله تعالى.
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي شيء أشد؟ قال: غضب الله، قال: فما يباعدني من غضب الله؟ قال: أن لا تغضب.
أهدى مطيع بن إياس إلى حماد عجرد غلاما وكتب إليه: قد بعثت إليك بغلام يتعلم عليه كظم الغيظ.
أبا العتاهية:
ولم أر في الأعداء حين أختبرتهم ... عدواً لعقل المرء أعدى من الغضب
علي عليه السلام: تجرع الغيظ، فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة، ولا ألذ مغبة. وروي: ما من جرعة أحمد عقبانا من جرعة غيظ تكظمها.
يقال للمغتاظ: بين جنبيه رضفة تتقلى، ويقال: حرك خشاشه، أي أغضبه، ويقال: هرق على جمرك، أي: سكن غضبك.
شاعر:
فتى أن يرض لم ينفعك شيئاً ... وأن يغضب عليك فلا تبالي
عبد الله بن عمرو: إياك وعزة الغضب فيضيرك إلى ذل الأعتذار.
وإذا ما عرتك في الغضب العزة فإذكر مذلة الأعتذار.
يشبه الغضب الذي لا سبب له بغضب الجلاد، وقيل: ثلاث لا يعرف لهن: غضب الجلاد، وفرحة القواد، وشقشقة البعير الهائج.
من أطاع الغضب أضاع الأدب.
لقمان: إذا أردت أن تؤاخي أخاً فأغضبه، فإن أنصفك وهو معضب فآخه، وإلا فأحذره.
أبو هريرة: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
ابن مسعود: كفى بالرجل إثماً أن يقال له أتق له الله فيغضب ويقول: عليك نفسك.
الأحنف: قوة الحلم على الغضب أفضل من قوة الأنتقام. وقال: كنا نعد المروءة الصبر على كظم الغيظ، ومن لم يصبر على كلمة سمع كلمات.

كان علي بن بكار إذا غزا لم يضحكن فقيل له: لم لا تضحك يا أبا الحسن؟ قال: إنما أغزو غضبا لله، والغضبان لا يضحك.
سأل دواد سلمان حين ترعرع عما هو أشد وقعا من الجمر فقال: البهتان عند الغضب.
عروة بن محمد: كلمه رجل بكلام فغضب غضباً شديداً، فقام فتوضأ، ثم جاء فقال: حدثني أبي عن جدي عطية وكانت له صحبة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الغضب من الشيطان، وأن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ.
عمر رضي الله عنه غضب يوما فدعا بماء فأستنشق وقال: أن الغضب من الشيطان، وهذا يذهب بالغضب.
عروة بن محمد: لما أستعملت على اليمن قال لي أبي: أوليت؟ قلت: نعم، قال: فإذا غضبت فأنظر إل السماء فوقك وإلى الأرض أسفل منك ثم أعظم خالقهما.
غضب عمر بن عبد العزيز فلما سكت غضبه فقال له ابنه عبد الملك: وأنت في الوضع الذي وضعك الله فيه، وولاك من أمر أمة محمد ما ولاك يبلغ بك الغضب ما أرى! قال: أو ما تغضب يا عبد الملك؟ قال: بلى، ولكن ما تنفع سعة بطني إذا لم أرد فيه غضبي حتى يسكن.
عروة بن محمد: مكتوب في الحكمة إياك وشدة الغضب فإن شدة الغضب ممحقة لفؤاد الحكيم.
خيثمة: كانوا يقولون: أن الشيطان يقول: وكيف يفلتني ابن أدم؟ وإذا رضي جئت حتى أكون في قلبه، وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه.
جعفر بن محمد: الغضب مفتاح كل شر.
الخدري يرفعه: ألا أن نبي آدم خلقوا على طبقات: منهم بطىء الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب بطيء الفيء.
ألا وإن خيرهم البطىء الغضب السريع الفيء، وشرهم السريع الغضب البطىء الفيء.
كان يقال: أتقوا الغضب فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل.
عبد الله: أنظر إلى حلم الرجل عند غضبه، وأمانته عند طمعه، وما علمك بحلمه إذا لم يغضب، وما علمك بآمانته إذا لم يطمع.
سليمان بن داود لأبنه: أياك وغضب الملك الظلوم فإن غضبه لغضب ملك الموت.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله أن لا تعاقب عند غضبك، وإذا غضبت على رجل فأحبسه، فإذا سكت غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه ولا تجاوز به خمسة أسواط.
كان زياد إذا أغضبه رجل حبسه ثلاثة أيام ثم دعا به، فإن رأى عقوبة عاقبه، قال وإنما منعني من عقوبته أول يوم مخافة أن أكون عاقبته للغضب، وإن لم ير عليه عقوبة خلى سبيله.
حكيم: من أجاب شهوته وغضبه قاداه إلى النار.
أمر عمر بن عبد العزيز غلامه بأمر فغضب، فقال له ابنه عبد الملك: ما هذا الغضب والأختلاط؟ فقال: إنك لمتحلم، قال: والله ما هو التحلم ولكنه الحلم، فقال عمر: لولا أن أكون زين لي من أمره ما يزين في عين الوالد من الولد لرأيت أنه أهل للخلافة.
حاتم:
تحلم عن الأذنين وأستبق ودهم ... ولن تستطيع الحلم حتي تحلما
منى ترق أضغان العشيرة بالأنى ... وكف الأذى يحسم لك الداء محسماً
قيل لابن المبارك: أجمل لنا حسن الخلق في كلمة، قال: ترك الغضب.
المعتمر بن سليمان: كان رجل ممن كان قبلكم يغضب فيشتد غضبه، فكتب ثلاث صحائف، فأعطى كل صحيفة رجلا، وقال للأول: إذا أشتد غضبي فقم إلي بهذه الصحيفة، وقال للثاني: إذا سكن بعض غضبي فأعطنيها.
وقال للثالث: إذا ذهب غضبي فناولنيها وكان في الأولى: أقصر، ما أنت وهذا الغضب! لست بآنه، إنما أنت بشر أوشك أن يأكل بعضك بعضا، فسكن بعض غضبه. وفي الثانية: أرحم من في الأرض يرحمك من في السماء، فسكن بعض غضبه، وفي الثالثة: خذ الناس بحق الله فإنه لا يصلحهم إلا ذاك. وروى أنه أنوشروان.
وهب: قال راهب للشيطان أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم؟ قال: الحدة، أن الرجل إذا كان حديداً قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة.
أغلظ قرشي لعمر بن عبد العزيز فأطرق طويلا ثم قال: أردت أن يستفزني الشيطان بز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا.
الحسن يرفعه: من بسط رضاه، وكف غضبه، وبذل معروفه، وأدي أمانته، ووصل رحمه، فهو في نور الله الأعظم.
كان الشعبي أولع شيء بهذا البيت:
ليست الأحلام في حال الرضا ... أنما الأحلام في حال الغضب
وعن المبرد أنه كتبه على ظهر أحضر كتاب له ليكون نصب عينيه.

سعد بن أبي وقاص: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأناس يتجاذون مهراسا فقال: أتحسبون أن الشدة في حمل الحجارة، إنما الشدة في أن يمتلىء أحدكم غيظا ثم يغلبه.
معاذ بن أنس الجهني، عنه عليه السلام: من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخبره في أي الحور شاء، وروي: ملأه الله أمنا وإيمانا.
معاذ بن جبل: أستب رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب أحدهما غضبا شديدا حتي خيل إلي أن أنفه يتمزع من شدة غضبه، فقال: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب، فقلت: وما هي يا رسول الله؟ قال: اللهم أني أعوذ بك من الشيطان الرجيم .
الأحنف: لقد مرت على مائة هنة كلها أطأطىء لها رأسي فتجوزني، ولو نصبت لأحداهن لأصطل متني.
ابن السماك: أذنب غلام لأمرأة من قريش فأخذت السوط ومضت نحوه حتى إذا قاربته رمت بالسوط وقالت: ما تركت التقوى أحدا يشفي غيظه.
الشعبي: الجهل خصم، والحلم حاكم. ولم يعرف قدر الأبهة من لم يجرعه الحلم غصص الغيظ.
سقراط: لا تسوطن النار بالسكين، أي لا تهيج الغضبان.
إذا غضب الرجل فليستلق، وإذا أعيا فليرفع رجليه.
شتم رجل رجلا فسكت، فقيل له، فقال: أرأيت أن نبحك كلب أتنبحه؟ وأن رمحك حمار أترمحه؟ وسطاليس: سوء العادة كمج لا يؤمن وثوبه.
العادات قاهرات، فمن أعتاد شيئاً في سره فضحه في علانيته.
تكذب رجل من آل الحارث بن ظالم فقال: والله لقد بلغني أن الحارث غضب يوما فأنتفخ في ثوبه، فندر من عنقه أربعة أزرار فقأت أربع أعين من عيون جلسائه.
قال أبو ذر لغلامه: لم أرسلت الشاة على علف الفرس؟ قال: أردت أن أغيظك، قال: لأجمعن مع الغيظ أجرا، أنت حر لوجه الله تعالى.
إذا ما حلمنا كان آخر حلمنا ... زيادة باع عن يد المتطاول
وفي الحلم ردع للسفيه عن الأذى ... وفي الخرق اغراء فلا تك أخرقا
تخشى بوادرهم وأن لم يغضبوا ... أن الأسود حليمها غضبان
وإذا الخنا نفض الحبى في مجلس ... ورأيت أهل الطيش قاموا فافه
له خلق على الأيام يصفو ... كما رقت على الزمن العقار
كان عيسى عليه السلام لا يمر بملأ من بني إسرائيل إلا أسمعوه شراً وأسمعهم خيراً، فقال له شمعون في ذلك، فقال: كل امرئ يعطي ما عنده.
عمر رضي الله عنه: لو كان لنا مع إسلامنا أخلاق آبائنا لكنا.
قال أبو العتاهية لابنه: يا بني إنك لا تصلح لمشاهد الملوك؛ قال: لم يا أبت؟ قال: لأنك حار النسيم، بارد المشاهدة، ثقيل الظل.
الأحنف: نزلت في الثقلاء: فإذا طعمتم فانتشروا.
شاعر:
وصاحب أصبح من برده ... كالماء في كانون أو في شباط
ندمائه من ضيق أخلاقه ... كأنه في مثل سم الخياط
نادمته يوماً فألقيته ... متصل الصمت بليل النشاط
حتى لقد أوهمني أنه ... بعض التماثيل التي في البساط
أبو مجلز: قلت لرجل مدني: كيف صار الثقيل أثقل من الحمل الثقيل؟ قال:: لأن الحمل الثقيل يشارك فيه الجسد والروح في حمله، والرجل الثقيل ينفرد الروح بثقله.
وصف العباس بن الحسن العلوي ثقيلاً فقال: ما الحمام على الأصوار، والدين عل الاقتارن وشدة السقم في الأسفار إلا أخف من لقائه.
وصف الجماز ثقيلاً فقال: كأن قيامه من عندنا سقوط جمرة م الشتاء.
زراجز:
كأنه في الدار رب الدار ... أثبت في الدار من الجدار
أطفل من ليل على نهار
رؤية: الثقيل حمى باطنه. وقيل مجالسة الثقيل حمى الربع. إذا علم الثقيل أنه ثقيل فليس بثقيل.
دخل ثقيل على مريض فقال: هل تعرفني؟ قال: سبحان الله! هل يخفى ثقلك على أحد؟ يقال: أثقل من مصف رحى، وأثقل من طلعة المعلم يوم السبت على صبية الكتاتيب.
كيف لا تحمل الأمانة أرض حملته، وكيف احتاجت إلى الأمانة بعد ما أقلته؟ أنشد المدائني:
وما الفيل تحمله موقراً ... رصاصاً بأثقل من معبد
وكان أبو حنيفة رحمة الله يتمثل كثيراً بهذا البيت:
وما الثقيل تحمله موقراً ... بأثقل من بعض جلاسنا

دخل أبو حنيفة رحمه الله على الأعمش فأطال الجلوس ثم قال: لعلي ثقلت عليك! فقال: إني استثقلك وأنت في منزلك، فكيف وأنت في مزلي؟ شاعر:
أنت والله ثقيل ... وثقيل وثقيل
أنت في المنظر إنس ... أن وفي الميزان فيل
ابن الرومي:
وثقيل كأنه ثقل دين ... تتعداه طالعاً كل عين
حمل الله أرضه ثقيلها ... وبراه علاوة الثقلين
ما هو الأقذى العين، وشجا الخلق، وغصة الصدر، وأذى القلب، وحمى الروح.
شاعر:
مجانسة المنقوص نقص وذلة ... فاياث والمنقوص إن كنت ذا فضل
ولاتك ذا ثقل على الناس واعتقد ... وإن خف منك الروح أنت ذو ثقل
كان أبو هريرة إذا استثقل رجلاً قال: المهم اغفر لنا وله وأرحنا منه.
خاطر الحسن بن وهب أبا العيناء، وكان الخطر عشرة أرطال ثلج، فغلب الحسن فطلب الثلج، فلقيه أبو بكر بن إبراهيم بن عتاب فقال: الحسن ابن وهب يحب لقاك، فذهب ودخل قبله وقال: وجب علي عشرة أرطال ثلج، وجثتك بعدل منه، ثم نادى أدخل يا أبا بكر، فقال الحسن: أوفيت وزدت.
ابن شبرمة: من الناس من يخف علي، ومنهم من بثقل كأنه على ظهري رحا البزر.
قيل للأعمش: ما الذي أعمش عينيك؟ قال: النظر إلى الثقلاء.
مطيع بن إياس:
قل لعباد أجبنا ... يل ثقيل الثقلاء
أنت في الصيف سموم ... وجليد في الشتاء
أنت في الأرض ثقيل ... وثقيل في السماء
قال الرشيد ليختيشوع: هل يحم الروح؟ قال: نعم من مجالسة الثقلاء، أما سمعت قول الحارث بن كلدة:
ولنا في الحي المقت جبل ... راسخ في الطول رأس قد مثل
تمرض الأرواح من رؤيته ... ويغشيها نعاس وكسل
دخل فرقد ومحمد بن واسع على رجل يعودانه، فقال فرقد: بلغني انه قيل يا رسول الله على من تحرم الناس؟ فقال: على الهين القريب السهل، فكتبه محمد بن واسع على ساقه.
صالح المرى في قوله تعالى: اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها، قال: يلين القلوب بعد قسوتها.
عبد الله الداراني: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب.
أبو بكر رضي الله عنه: فاز بالمروءة من امتطى التغافل، وهان على القرناء من عرف باللجاج.
عائشة رضي الله عنها: عنه عليه السلام: أن الله عز وجل إذا أراد بأهل بيت خيرا أدخل عليهم رفق، وعنه عليه السلام: يا عائشة أنه من أعطى حظه من الرفق أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة.
جرير بن عبد الله: أن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق، فإذا أحب الله تعالى عبداً أعطاه الرفق. ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا قد حرموا.
أنس: أن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف.
علي رضي الله عنه: أن لم تكن حليما فتحلم فإنه قل من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم.
وعنه: الجود حارس الأعراض، والحلم فدام السفيه.
الحسن: الرفق يمن، وسوء الخلق شؤم.
وكان يقال: خذوا بالناس اليسر، ولا تملوهم فإن المؤمنين وفقاء حلماء رحماء.
استأذن رخط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السلام عليك؛ فقالت عائشة: بل عليكم السلام واللعنة، فقال عليه السلام: يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله؛ فقالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: قد قلت وعليكم.
عنه عليه السلام: إذا هممت بأمر فعليك فيه بالتؤدة.
سفيان بن عيينة: سمعت ابن أخت وهب يقول: الرفق بني الحلم، وربما قال: الحلم بني الرفق.
كان يقال: ما أحسن الإيمان يزينه العلم! وما أحسن العلم يزينه العمل؟ وما أحسن العمل يزينه الرفق! وما أضيف شيء إلى شيء مثل حلم إلى علم.
الثوري: قال لأصحابه: أتدرون ما الرفق؟ قالوا: قل يا أبا محمد، قال: هو أن تضع الأمور مواضها، الشدة في موضعها، وللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه؛ من الأمور أمور لا يصلح فيها الرفق ولا يصلح فيها إلا الشدة، كالجرح يعالج فإذا احتاجوا إلى الحديد لم يكن منه بد.

عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع، وأنه أراد البداوة مرة فأرسل إلى ناقة محرمة من إبل الصدقة، فقال لي: يا عائشة: ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانة، ولا نزع من شيء قط إلا شانه. وروي كانت معه في سفره، وكانت على بعير صعب فجعلت تصرفه يمينا وشمالا، فقال لها ذلك.
وعنها عنه ليه السلام: من رفق بأمتي رفق الله به، ومن شق على أمتي شق الله عليه.
أبو عون الأنصاري: ما تكلم الناس بكلمة صعبة إلا والى جانبها كلمة ألبن منها تجري مجراها.
قال أبو حمزة الكوفي لعثمان بن عبد الحميد: لا تتخذ من الخدم إلا ما لا بد منه فإن مع كل إنسان شيطانا، واعلم أنهم لا يعطونك بالشدة شيئاً إلا أعطوك باللين ما هو أفضل منه.
بزرجمهر:
كن شديداً بعد رفق ... لا رفيقاً بعد شدة
لئن الشدة بعد الرفق عز، والرفق بعد الشدة ذل.
النبي صلى الله عليه وسلم: صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك.
قال ابن مناذر: كنت امشي مع الخيل فانقطع شسع نعلي، فخلع فقلت ما تصنع؟ فقال: أواسيك في الحفاء. وهذا باب من حسن الخلق غريب.
شاعر:
وهل ما ترون اليوم إلا طبيعة ... وكيف بتركي يا ابن أم الطبائعا
وقع ذو الرياستين: أن أسرع النار النهابا أسرعها خمودا، فتأن في أمرك.
أبو أمامة عند عليه السلام: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن نرك المراء ولو كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.
عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون؟ أنس: دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما يواجه رجلاً في وجهه بشيء يكرهه، فلما خرج قال: لو أمرتم هذا أن يغسل ذا عنه.
عائشة: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بئس رجل العشيرة؛ فلما دخل ألان له القول، فقلت: يا رسول الله: ألنت له القول وقد قلت؛ قال: إن شر الناس منزلة يوم القيامة من ودعه الناس لاتقاء فحشه، وروى: يا عائشة أن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم.
أنس: ما رأيت رجلاً التقم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما رأيت رجلاً أخذ بيده فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده.
في نوابع الكلم: هذه طرائق ما فيها رائق، وخلائق غيرها بك لائق.
من حسن سجية الحر أن يسحبي معايب أخيه، وأن يعتد بمساويه في جملة مساعيه. قدع السفيه يمثل الأعراض، وما أطلق عنانه بمثل انعراض.
سورة السفيه يكسرها الحلماء، والنار المضطرمة يطفيها الماء.
أبو هريرة رفعه: أن من كمل الإيمان حسن الخلق.
سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان خلقه القرآن خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين.
سئل ابن المبارك عن حسن الخلق فقال: بسط الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى.
ابن عباس: أن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وأن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.
على رفعه: عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة، وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة.
وروي عنه: ما من شيء في الميزان أثقل من خلق حسن.
علي عليه السلام: عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه.
وعنه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أكثر ما يدخل الجنة؟ قال تقوى الله وحسن الخلق.
وعنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن الناس إيمانا أحسنهم خلقا وأحسنكم خلقاً ألطفكم بأهله، وأنا ألطفكم بأهله.
دخل أبو الهول الحميري على الفضل بن يحيى بعد أن هجاه فأنشده:
سرى نحونا من غضبة الفضل عارض ... له زجل فيه الصواعق والرعد
فجد بالرضا لا نبتغي منك غيره ... ورأيك فيما كنت عودتني بعد
فأخسن إليه ووصله.
النبي صلى الله عليه وسلم: الحلم والتؤدة من النبوة، ومن عجل أخطأ.
علي عليه السلام: التقى رئيس الأخلاق.
وعنه: بالسير العادلة يقهر المناوئ، وبالحلم عن السفيه يكثر الأنصار عليه.
ألو عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل.

كاد يتدرع ذلا من فرط حلمه.
قال الأحنف لرجل: ليت طول حلمنا عنك لا يدعو جهل غيرنا إليك.
ابن سيرين: الرفق في كل شيء حسن إلا في ثلاثة أشياء: في الجماع، وأكل البطيخ، وأكل الرمان.
كان إسماعيل بن علي بن عبد بن عباس إذا غضب على أحد ندم وتداركه بضيعة، وكان الرجل إذا احتاج أغضبه. كان جالساً يما فقام ليدخل وترك ألفي دينار في مجلسه، واتبعه صاحب الحرس بالألفين، فاحتد وقال: من أمرك بهذا؟ وشتمه، ثم ندم فوهب له الألفين.
وأغلظ يوماً لام ولد أخيه، ثم أرضاها بمال كثير ودعا بولدها فوهب له وصائف، وأقطعه دار القصب وهي مائة ألف ذراع.
كلم المنصور السفاح في محمد عبد الله بن الحسن فقال: يا أمير المؤمنين آنسهم بالإحسان، فدغ، استوحشوا فالشر يصلح ما عجز عنه الخير، ولا تدع محمداً يمرح في أعنة العقوق. فقال: يا أبا جعفر أنا كذاك، ومن شدد نفر، ومن لان تألف. التغافل من سجايا الكرام. وما أحسن ما قال أعشى وائل: يغضى على العوراء لولا السلحم غيرها انتصاره.

باب
الدين وما يتعلق به من ذكر الصلاة والصوم والحج والصدقات وسائر العبادات والقربات زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة، ثم قال: إخلاصها أن يخرجه مما حرم الله.
علي رضي الله عنه: واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد، ولا يزال أبداً ولا يزول.
وعنه: أن الإيمان يبدو لمظة في القلب كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة. اللمظة هي النكتة من الفرس الألمظ وهو الذي بحفلته شيء.
سئل علي عن التوحيد والعدل فقال: التوحيد أن لا تتوهمه والعدل أن لا تتهمه.
بعضهم: الجنة كثير للمؤمنين لأنها ثواب الله، وما أعطاه من المغفرة أفضل. ولم يخرج من خزائن الله أفضل من التوحيد.
قال الرشيد للأصمعي: هل رأيت في كثرة ما جلت في البدو من يعرف الاختلاف؟ قال: صحبني شاب ما رأيت مثله في فصاحته وعمله بأيام العرب وأشعارها، فأخذت معه في بحره، فضربتني أمواجه حتى إذا خفت الغرق حدت عن سننه، فقلت: قد أحكمت الشعر. ووعي جوفك من كل الآداب فكيف علمك بما تعبد الله به؟ قال: أخذت منه بما لو علمت بعشرة لنلت أوفر نصيب من ثواب الله. قلت: ما تقول في القدر؟ قال: من رد على الله فمأواه سقر. قلت: ما تقول في الجبر؟ قال: إن الله تعالى لغني عن ظلم العباد. قلت ما تقول في الإرجاء؟ قال: الاجتهاد في العمل لله أفضل م الإتكال على الأماني.
علي عليه السلام: كل ما يتصور في الأوهام فالله بخلافه.
حكيم: الواجب على المرء الإقرار بربوبية الله وعبادته وترك البحث عن طلبه، فإن طالبه لا ينال غير الطلب شيئاً.
لبيد بن ربيعة:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
وكل أناس سوف يدخل بينهم ... دويهية تصفر مها الأنامل
وكل امرئ يوما سيعلم سعيه ... إذا حصلت عند الآله الحصائل
الخصائل ما يحصل من الأعمال جمع حصيلة، ومنه كتاب الحصائل لأنه قال حصلت فيه ما فات الخليل.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال على المنبر: أشعر كلما قالتها العرب: ألا كل شيء ما خلا الله باطل.
الشافعي رضي الله عنه: من انتهض لطلب مدبره فغن اطمأن إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه، وإن اطمأن إلى النفي المحض فهو معطل، وإن اطمأن إلى موجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد.
قال يعفوب عليه السلام للبشير: على أي دين تركت يوسف؟ قال: على الإسلام قال: الآن تمت النعمة عل يعقوب وعلى آل يعقوب.
علي عليه السلام: ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وإن محمدا عبده ورسوله، شهادتين تصعدان القول، وترفعان العمل. لا يخف ميزان يوضعان فيه، ولا يثقل ميزان يرفعان منه.
وعنه: وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة ممتحنا إخلاصها، معتقدا مصاصا، تتمسك بها أبدا ما أبقانا، ونذهرها لا هاويل ما يلقانا.
وعنه أن علبا اليماني قال له: هل رأيت ربك؟ قال: أفاعبد ما لا أرى؟ قال: وكيف تراه؟ قال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان. رأس الدين صحة اليقين.

بعضهم: ما سوى الله أما جسم أو عرض، فالجسم مفتقر إلى الكون لا يوجد إلا معه، والعرض مفتقر إلى الجسم لا يوجد إلا فيه، فالأشياء كلها مفتقرة محتاجة، والغني هو الله وحده.
النبي صلى الله عليه وسلم: أن لله على كل بدعة كيد بها الإسلام ولياً صالحاً يذب عنه.
يقال: ضرب الدين بجرانه، وبهر ببرهائه.
علي عليه السلام في وصف الله تعالى: لا يقال له متى، ولا يضرب به أمد حتى، ولا يبصر بعين، ولا يحد بأين.
وعنه: ما يسرني أن مت طفلاً، وإني أدخلت الجنة ولم أكبر فأعرف ربي.
من عرف ربه جل، ومن عرف نفسه ذل.
الشعبي: أحبب آل محمد، ولا تكن رافضياً، واثبت وعبد الله ولا تكن موجئاً، ولا تكفر الناس بذنب فتكون خارجيا، وألزم الحسنة ربك والسيئة نفسك ولا تكن قدريا.
هارون بن سعد العجلي:
برئت إلى الرحمن من كل رافض ... يصير بباب الكفر في الدين أعورا
إذا كف أهل الحق عن بدعة مضى ... عليها وإن يمضوا عل الحق قصرا
خف الرافضى مثل في السعة، لأنه لا يرى المسح على الخف فيوسعه ليتمكن من إدخال يده فيه ليمسح برجله.
مجاهد: ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول لا إله إلا الله.
الحسن رحمه الله: كل شيء بقدر، ما خلا هذه المعاصي.
وعنه: قاتل الله أقواما يزعمون أن الله قدر خطايا بعث محمد صلى الله عليه وسلم ينهي عنها.
وعنه: من قال كل شيء بقضاء الله وقدره عز وجل صدق.
وعنه: لا تحملوا ذنوبكم وخطاياكم على الله وتذروا أنفسكم الشيطان.
ذكر القدر والإرجاء عند مسلم بن يسار فقال: واديان عميقان، فقف عند أدناهما، واعمل عمل رجل يعلم أنه لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب له.
قدم ابن أبي مريم الثنوي البصرة، فدعاه موسى الأسوراي إلى الدين، ووصفه له، فقال: ما أحسن دينكم؟ لولا أنكم تقولون ا، الله يقضي هذه الفواحش ثم يعذب عليها، فقال الحسن: هذه حجة الله قامت على لسان ابن أبي مريم، أعلموه أنا لا نقول هذا غنما يقوله السفهاء. فأسلم ابن أبي مريم.
وعنه: ما بال أقوام قاتلهم الله باتوا يحكمون في دماء المسلمين وأموالهم، ثم زعموا أن أقلامهم تجري على أقلام الله، أفكة على الله جهلة بالله، زعموا أن الله أسر كتاباً نهاهم عنه ف العلانية، لقد انهموا ربهم واغتشموه، وقالوا عليه قولا عظيما. والله ما أصبح في جنبات بصرتكم هذه أحد يؤخذ بجرم جاره، فكيف تحملون ذنوبكم على الله ربكم؟ والله ما هم إلا الذين قال رسول الله مجوس أمتي القدرية أم مرضوا فلا تعودوهم، إن ماتوا فلا تشهدوا جنائزهم، فإنهم شر البرية. حق الله أن يحشرهم مع الدجال.
العلاء بن دليل البصري المتكلم في المجبرة:
وهل رافع من وسنة الجهل رأسه ... وهل للهوى في حومة الحق غلب
لقد أوض الله الدليل وانهج ال ... سبيل لكيلا يجهل الحق طالب
عجبت لذى التشبيه كابر عقله ... أم العقل منه حين شبه عازب
لقد أعظموا جوراً وأجور منهم ... لدينا أخو جبر على الله كاذب
وما عرف لله امرؤ متقول ... عليه إليه للقبائح اسب
لقد جئتم أمراً عظيماً وقلتم ... على الله ما منه تشيب الذوائب
عهد ملك إل ابنه فقال: يا بني أن الله يرض لنفسه من بعاده إلا مثل مارضي لهم منه، فإنه رحمهم وأمرهم بالتراحم، وصدقهم وأمرهم بالصدق، وجاد عليهم وأمرهم بالجود، وعفا عنهم وأمرهم بالعفو.
علي عليه السلام: إن دين الله بين المقصر والغالي، فعليكم بالنمرثة الوسطى، فبها يلحق المقصر، وإليها يرجع الغالي.
قال موسى: يا رب أين أجدك؟ قال: يا موسى إذا قصدت غلي فقد وصلت.
كان أبو عمرو الباهلي ينشد كثيرا:
يعيب القول بالأرجاء حتى ... يرى بعض الرجاء م الجرائر
وأعظم من أخي الأرجاء عيباً ... وعيدي أمر على الكبائر
إيمان المرجيء مثل فيما لا يزيد ولا ينقص، لأنه يقول: الإيمان قول فرد لا يزيد ولا ينقص.
الحسن: دينك دينك، فإنما هو لحمك ودمك، فإن سلم لكدينك سلم لك لحمك ودمك، وإن تكن الأخرى فنعوذ بالله منها، فأنها نار لا تطفأ، وحجر لا يبلى، ونفس لا تموت.

عيسى عليه السلام: لا يجد العبد حقيقة الإيمان حتى لا يحب أن يحمد على عبادة الله عز وجل.
قباذ بن فيروزك الدين هو العقدة والعمدة والعدة.
لما قتل بزرجمهر وجدوا في بيته رقعة فيها: أن من حق الله على عباده أن يعرفوه، فإذا عرفوه لم يعصوه طرفة عين.
ابن مسعود رضي الله عنه رفعه: ليس الجماعة بكثرة الناس، من كن معه الحق فهو الجماعة وإن كان وحده.
الثوري: الجماعة العالم ولو كان على رأس جبل.
النبي صلى الله عليه وسلم: ما أخاف على أمتي إلا ضعف اليقين.
سفيان الثوري: لو ثبت اليقين في القلوب طارت فرقا أو شوقا، أما شوقاً إلى المجنة أو فرقا من النار.
اختصم رؤية وذو الرمة في مجلس بلال من أبي بردة قاضي البصرة في القدر، فقال رؤبة: ما نحص طائراً فحوصا، ولا تقرمص سبع قوموصاً إلا بقدر الله. فقال ذو الرمة: ما قدر الله على الذئب أن يأكل جلوبة عيائل عالة ضرا بك. فقال رؤبة: ابقدره أكلها؟ هذا كذب على الذئب. قال ذو الرمة: الكذب على الذئب خير من الكذب علي رب الذئب.
صوفي: هذا قلبي فتشوه، فإن وجدتم فيه غير الله فانبشوه.
صحار بن عائد: لقيت الحسن في طريق مكة وهو يحدو ويقول:
يا خالق الإصباح أمن ربي ... وأنت مولاي وأنت حبي
فأصلحن باليقين قلبي ... ونجني من كرب يوم الكرب
علي رضي الله عنه: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فذكرنا الدجال، فاستيقظ محمرا وجهه. فقال: غير الدجال أخوف عندي عليكم من الدجال، أئمة مضلون هم رؤساء أهل البدع.
قال أعرابي بعنجهيته: لما كان الله عن حلي خلقه عاطلا كان القياس باطلا.
أنشد المازني ليهودي:
دعتني إلى الإسلام يوم لقيتها ... فقلت لها لا بل تعالي تهودي
كلانا يرى أن الرشادة دينه ... ومن يهد أبواب المراشد يرشد
ظهرت الزندقة أيام سابور بن أردشير ومؤسسها ماني بن بتك ألف فيها كتبا ودعا إليها سابور فلم يجبه وأمر بقتله، ولم يزل ملوك الفرس يقتلون الزنادقة. وظهر مزدك في أيام قباذ فأباح الزنا وعصب الأموال، وقال: ليس أحد أولى بشيء من أحد إلى سائر ضلالاته، فقبل قباذ دينه، ثم تبرأن منه. ووثب عليه أنوشروان عهد إلى ابنه أن لا يفرط في إبادتهم، وقال: لا أعلم أحدا أجرأ على الله ولا أعظم فرية من هؤلاء الزنادقة، وقد عملنا في تطهير البلاد منهم بما قد علمت، ونرجو أن يكون الله قد أثابتا عليه أحسن الثواب، ولا نعلم قربانا إلى الله أفضل من تفريق جماعتهم واستئصال شأفتهم، فلا تأخذك فيهم رأفة، فليسوا من أهل الرأفة. واجعل ذلك مفتاح عدلك، وليعلم الله منك في ذلك الصدق والجد والتشمير.
سئل صوفي عن الدليل على أن الله واحد فقال: أغني الصباح عن المصباح.
عمرو بن الحسن بن عمرو الإباضي:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما يخفي عليه يغيب
النبي صلى الله عليه وسلمك خير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها.
كانت رابعة تصلي في اليوم والليلة ألف ركعة وتقول: ما أريد به ثواباً، ولكن ليسر رسول الله ويقول للأنبياء: انظروا إلى امرأة من أمتي هذا عملها في اليوم والليلة.
واثلة بن الأسقع: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم.
جابر بن سمرة عنه عليه السلام: غني لا عرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن ابعث، إني لا عرفه الأن.
أبو هريرة رفعه: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع.
فضيل: لو نشر رجل من أهل الآخرة فأتاه الناس ليخرهم بنا عاين لما أتيته، لأن موضع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي أصدق مما جاء به.
جابر رفعه: مثلي وملثكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبه عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتلون من يدي.

خطب كعب بن لؤي بن غالب، وبين موته والفيل خمسمائة وعشرون سنة، خطبة بشر بها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أم والله لو كنت فيها ذا سمع وبصر، ويد ورجل، لتنصب فيها تنصب الجمل، ولا رقلت فيها ارقال الفحل ثم قال:
يا ليتني شاهد فحواء دعوته ... حين العشيرة تبغي الحق خذلانا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك الأنصاري: يا مالك مانسي ربك، وما كان ربك نسيا، بيتاً قلته؛ قال: وما و يا رسول؟ قال: أنشده يا أبا بكر، فأنشده:
زعمت سخينة ن ستغلب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب
مر المهدي في طريق بين المقدس بديراني قيل له رأى النبي صلى الله عليه وسلم، فعدل إليه فقال: رأينه بعينك؟ قال: نعم، قال: إذن مني أقبل عينيك اللتين رأيت بهما رسول الله، فدنا مه فقبل عينيه.
السائب بن يزيد: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة. وروى: بين كتفيه عند ناغض كتفيه اليسرى، وعليه خيلان كأمثال التآليل.
لما ظهر موسى عليه السلام قال سقراط: نحن معار اليونانيين أقوام مهذبون لا حاجة بنا إلى تهذيب غيرنا.
الجاحظ لا نعلم أحداً تنبأ وآمن به قوم، ثم أقر بالكذب والضلال وتاب سوى طليحة بن خويلد الأسدي، وسجاح بنت عقفان.
التميمية فإنهما أظهرا التوبة وجلسا يحدثان من آمن بهما بأنهما مبطلان. وكانت سجاح كاهنة زماناً تدعي أن رئيها ورئي سطيح واحد ثم جعلت ذلك الرئي ملكاً نادعت النبوة، وتجهزة إلى مسيلمة، وتزوجته وآمنت به بعد تكذيبها له. وقال قيس بن عاصم:
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الله ذكرانا
فلعنة الله والأقوام كلهم ... على سجاح ومن بالإفك أغرانا
أعني مسيلمة الكذاب لا سفيت ... أصداؤه ماء مزن حيثما كانا
أرسل الله محمداً قمرا منيران وقدرا مبيرا.
علي عليه السلام: شرع الإسلام فسهل شرائعه لمن ورده، وأعز أركانه على من غالبه، فجعله أمنا لمن علقه، وسلما لمن دخله، وبرهانا لمن تكلم به، وشاهدا لمن خاصم به، ونورا لمن استضاء به، وفهما لمن عقل، ولباً لمن تدبر، وآية لمن توسم، وتبصرة لمن عزم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق وثقة، لمن توكل، وراحة لمن فوض، وجنة لمن ضبر. فهو أبلج المناهج، وأوضح الولائج، مشرف المنار، مشرق الجواد، مضيء المصابيح، كريم المضمار، رفيع الغاية، جامع الحلبة، متنافس السبقة، شريف الفرسان، التصديق منهاجة، والصالحات مناره. والموقف غايته، ولدينا مضماره، والقيامة حلبته، والجنة سيقته.
وعنه: القرآن فيه خبر من قبلكم، ونبأ من بعدكم، وحكم ما بينكم.
نزل الهيردان بن اللعين المنقري برجل من الصلحاء اسمه نبيت فأطعمه وسقاه لبناً، أذن وصلى بهم، فقال:
لخبز يا ثيبت عليه لحم ... أحب إلي من صوت الأذان
قيل لابن عباس: أيجوز تحلية المصحف بالذهب والفضة؟ قال: أن تحليته في جوفه.
النبي صلى الله عليه وسلم: أصفر البيوت جوف صفر من كتاب الله تعالى.
الشعبي: الذي يفسر القرآن إنما يحدث عن ربه.
الحسن: رحم الله امرء عرض نفسه وعلمه على كتاب الله، فإن وافقا ما في كتاب الله حمد الله عليه وسأله الزيادة، وإن خالف ما في كتاب الله أعتب وراجع من قريب.
حفظ عمر رضي الله عنه سورة البقرة فنحر وأطعم.
كان محمد بن أبي محمد الزيدي يدخل على المأمون مع الفجر فيصلي به ويدرس عليه المأمون ثلاثين آية.
وفد غالب بن صعصعة على علي رضي الله عنه ومعه الفرزدق، فقال له: من أنت؟ قال: أنا غالب بن صعصعة المجاشعي، قال: ذو الإبل الكثيرة؟ قال: نعم، قال: ما فعلت ابلك؟ قال: أذهبتها النوائب وذعذعتها الحقوق، قال: ذاك خير سبلها، ثم قال: يا أبا الأخطل من هذا الفتى معك؟ قال: ابني وهو شاعر، قال: علمه القرآن فهو خير له من الشعر؛ فكان ذلك في نفس الفرزدق حتى قيد نفسه وآلى أن لا يحل قيده سنة حتى يحفظ القرآن، وذلك قوله:
وما صب رجلي في حديد مجاشع ... مع القدر إلا حاجة لي أريدها

فضيل: بلغني أن صاحب القرأن إذا وقف على معصية الله خرج القرآن من جوفه، فاعتزل ناحية ثم قال: ألهذا حملتني؟ أنس: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني لا تغفل عن قراءة القرآن إذا أصبحت وإذا أمسيت، فإن القرآن يحيي القلب الميت وينهى عن الفحشاء والمنكر.
من حكايات الحشوية: إن إبراهيم الخواص مر بمصروع فأذن في أذنه، فناداه الشيطان من جوفه دعني أقتله فأنه يقول القرآن مخلوق.
سلم أعرابي باناً له إلى معلم، ثم غاب فقال: في أي سورة أنت؟ قال: في قل يا أيها الكافرون، قال: بئس العصابة أنت فيهم. ثم غاب فسأله، فقال: في إذا جاءك المنافقون، والله ما تنقلت إلى على أوتاد الكفر والنفاق، عليك بنعمك فارعها.
علي عليه السلام: وعليك بكتاب الله فإنه الحبل المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، والري الناقع، والعصمة للمتمسات. والنجاة.
للمتعلق، لا يعوج فيقام، ولا يزيغ فيستعتب، ولا يخلقه كثرة الرد وولوح السمع، من قال به صدق، ومن عمل به سبق.
وعنه: إن القرآن ظاهرة أنيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه. ولا تكشف الظلمات إلا به.
كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
وعن مالك بن أنس أنه كان إذا دخل رمضان نفر عن مذاكرة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على قراءة القرآن في المصحف.
وعن كل واحد من أبي حنيفة والشافعي أنه كان يختم في رمضان ستين ختمة.
سراقة بن مالك بن جعثم الكناني الذي تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهاجره فرسخت قوائم فرسه في الرض فدعا له فتخلص، يخاطب أبا جهل:
أبا حكم والله لو كنت شاهداً ... لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأن محمداً ... رسول ببرهان فمن ذا يقاومه
عليك بكف القوم عنه فإنني ... أرى أمره يوماً ستبدو معالمه
بأمر تود النضر فيه بأسرها ... ومن عز من أشيافها أن تسالمه
علي عليه السلام: واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى، أو نقصان في عمى.
واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوه على لأوائكم، فإنه فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال، فأسالوا الله به، وتوجهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به خلقه، إنه ما توجه العباد إلى الله بمثله. وعلموا أنه شافع مشفع، وقائل مصدق، وإنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه، ومن محل به القرآن بوم القيامة صدق عليه، فإنه ينادي مناد يوم القيامة: ألا أن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله غير حرثه القرآن، فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلوه على ربكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آرائكم واستغثوا فيه أهواءكم.
وعنه: من قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن اتخذ آيات الله هزوا.
قال الله تعالى لموسى: إنما مثل كتاب محمد في الكتب كمثل سقاء فيه لبن كلما مخضته استخرجت زبده.
سالم الخواصك كنت اقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة، فقلت: اقرأ كأنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاءت حلاوة قليلة ثم قلت: اقرأ كأنك تسمعه من جبريل، وهو الذي نزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فازدادت الحلاوة، ثم قلت: اقرأ كأنك تسمعه منه تبارك وتعالى حين تكلم به، فجاء الحلاوة كلها.
أبو سليمان الداراني: مر علي صالح بن عبد الجليل وأنا على باب داري اقرأ القرآن، فقال: قم فانظر أظلم بيت في دارك فاجلس فيه، فلأكلك السكر بالرانج أحب إلي من قراءتك القرآن على باب الدار.
عابد: أن الناس يجمزون في قرائتهم ما خلا المحبين فإن لهم خان إشارات، إذا مروا به نزلوا. يريد آيات من القرآن يقفون عندها يتفكرون فيها.
الشعبي: اللسان عدل بين الأذن والقلب، فاقرأ قراءة تسعمها أذنك، ويفهمها قلبك.
صفوان بن سليم: ما من شفيع ملك ولا نبي أفضل من قراءة القرآن. وروي مرفوعاً: ما من شفيع أفضل منزلة عند الله يوم القيامة من القرآن، لا نبي ولا ملك ولا غيره.
ليس شيء أفضل من قراءة العبد القرآن قائماً على قدميه.
عبد الرحمن بن عوف رحمه الله:

أحبت مادى الله لما سمعته ... ينادي إلى الدين الحنيف المكرم
ألا أن خير المرشدين إلى الهدى ... نبي جلا عنا شكوك الترجم
نبي أتى والناس في عنجهية ... وفي سدف من ظلمة الكفر معتم
فأقشع بانلور المضيء ظلامه ... وساعده فيأمره كل مسلم
وخالفه الأشقون من كل فرقة ... فسحقاً لهم في بعد مهوى جهنم
قيل لسائل: ألا تستحي تسأل بالقرآن؟ فقال: اسكتوا، فوالله لو جعتم كما أجوع لبعتم جبريل وميكائيل فضلاً عن القرآن.
النبي صلى الله عليه وسلم: من قرأ القرآن ثم رأى أن أحداً أوتي أفضل ما أوتي نقد استصغر ما عظمه الله.
وعنه: أن الله تعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق الخلق بألف عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمه ينزل عليهم هذا، وطوبى لا جواف تحمل هذا، وطوبى ألسنة تنطق بهذا.
وعنه من شغلته قراءة القرآن عن دعائي ومسالتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين.
وعنه: أن القلوب تصدأ الحديد. فقيل: يا رسول الله وما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن وذكر الموت.
وعنه: الله أشد أذنا إلى قارئ القرآن من صاحب القينة إلى قينه.
وعنه اقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لن ينهك فلست تقرؤه.
أبو إمامة الباهلي: اقرأوا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة فإن الله تعالى لا يعذب قلباً هو وعاء القرآن.
سفيان الثوري: إذا قرأ الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه.
عمرو بن ميمون: من نشر مصحفاً حين يصلي الصبح فقرأ مائة آية رفع الله له مثل عمل جميع أهل الدنيا.
ابن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، ويحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، ويخشوعه إذا الناس يختالون.
وينبغي لحامل القرآن أن يكون سكيناً ليناً ولا ينبغي أن يكون جافياً ولا ممارياً ولا صياحاً ولا صخابا ولا حديداً.
ميسرة: الغريب هو القرآن في جوف الفاجر.
بعض السلف: إن العبد ليفتح سورة فيصلي عليه حتى يفرغ منها وإن العبد ليفتتح سورة فتلعثه حتى يفرغ مها، فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: إذا أحل حلالها وحرم حرامها صلت عليه، وإلا لعنته.
ابن مسعود: أنزل القرآن عليهم ليعلموا به فاتخذوا دراسته عملاً؛ أن أحدهم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا، وقد أسقط العمل به.
علي عليه السلام: من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة فله بكل حرف مائة حسنة، ومن قرأ وهو جالس في الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة، ومن قرأ فيغير صلاة وهو على ضوء فخمس وعشرون حسنة، ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات.
قالوا: أفضل التلاوة على الوضوء والجلوس شطر القبلة، وأن يكون غير متربع ولا متكيء ولا جالس جلسة متكبر، ولكن نحو ما يجلس بين يدي من يهابه ويحتشم منه.
ابن عباس: لئن اقرأ البقرة وآل عمران أرتلها وأتدبرها أحب إلي من أن أقرأ القرآن هذرمة. وقد نعتت أم سلمة قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي تنعت قراءة مفصلة حرفاً حرفاً.
اتلوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا.
وعغن صالح المري: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: يا صالح هذه القراءة فأين البكاء.
وعن ابن عباس: إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا، فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن القران نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا.
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر ا، يختم القرآن في سبع.
وعن عثمان رضي الله كان يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة غلى المائدة، وليلة السبت بالأنعام إلى هود، وليلة الأحد بيوسف إلى مريم، وليلة الأثنين بطه إلى طسم موسى وفرعون، وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى ص، وليلة الأربعاء بتنزيل إلى الرحمن، ويختم ليلة الخميس.
وقيل أحزاب القرآن سبعة: الحزب الأول ثلاث سور، والثاني خمس، والثالث سبع، والرابع تسع، والخامس أحدى عشرة، والسادس ثلاث عشرة، والسابع المفصل من قبل.
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم من الليل يصلي فليجهر بقراءته، فإن الملائكة وعمار الدار يستمعون لقراءته ويصلون بصلاته.

قالوا: قراءة القرآن في المصحف أفضل للنظر فيه وحمله. وقيل الختمة من المصحف بسبع.
وعن عثمان رضي الله عنه أنه خرق مصحفين لكثرة قراءته فيهما.
وكان الصحابة يكرهون أن يمضي يوم ولم ينظروا في مصحف.
دخل فقيه من أهل مصر على الشافعي رضي الله عنه وقت السحر ولين يديه المصحف، فقال له: شغلكم الفقه عن القرآن، إني لأصلي العتمة وأضع المصحف بين يدي فما أطبقه حتى أصبح.
أبطأت عائشة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما حبسك؟ قالت: قراءة رجل ما سمعت صوتاً أحسن منه، فقام حتى استمع إليه طويلاً، ثم قال: هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله.
وستمع عليه الصلاة والسلام ومعه العمران إلى ابن مسعود فقال: من أراد أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد.
كان عكرمة بن أبي دهل رضي الله عنه لعن أباه إذا نشر المصحف غشي عليه، ويقول: هو كلام ربي، هو كلام ربي.
كان بعض السلف إذا قرأ سورة لم يكن قلبه فيها أعادها ثانية.
وعن علي عليه السلام: لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبر فيها.
مالك بن دينار: ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن؟ أن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض.
في الخائفين من كان يخر مغشياً عليه عند التلاوة والتدبر، ومن نم قال يوسف بن أسباط: إني لا هم بقراءة القرآن فإذا ذكرت ما فيه خشيت المقت فاعدل إلى التسبيح والاستغفار.
جعفر الصادق: والله لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكنهم لم يبصروه.
ثابت البناني: كابدت القرآن عشرين سنة، وتنعمت به عشرين سنة.
قيل ليوسف بن أسباط: بم تدعو إذا قرأت القرآن؟ قال: استغفر الله من تقصيري سبعين مرة.
ابن عيينة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله قد اختلفت علي القراءات فعلى قراءة من تأمرني اقرأ؟ فقال: اقرأ على قراءة أبي عمرو.
وعن أبي عمرو: لم أزل اطلب أن اقرأه كما قأه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما أنزل عليه، فأتيت مكة، فلقيت بها عدة من التابعين ممن قرأ على الصحابة فقرأت عليهم، فأشدد بها يديك.
النبي صلى الله عليه وسلم: علم الإيمان الصلاة، فمن فرغ لها قلبه، وحاد عليها بحدودها فهو مؤمن.
عمر رضي الله عنه، قال على المنبر: أن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله صلاة. قيل: وكيف ذاك؟ قال: لا يتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله فيها.
بعض العلماء: أن العبد ليسجد السجدة عنده أنه يقرب بها إلى الله، ولو قسمت ذنوبه في سجدته على أهل الأرض لهلكوا. قيل: وكيف ذاك؟ قال: يكون ساجداً عند الله وقلبه مصنع إلى هوى.
عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه.
قيل للحسن: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجودها؟ قال: إنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
بعضهم: لا تفوت أحداً صلاة في جماعة إلا بذنب.
أبو سليمان الدارني: أقمت عشرين سنة لم أحتلم، فدخلت مكة فأحدثت بها حدثاً فما أصبحت حتى احتملت. وكان الحدث أن فاتته صلاة العشاء في جماعة.
علي عليه السلام: ما أهمني ذنب أمهلت بعده حتى أصلي ركعتين كان الحسن بن علي إذا فرغ من وضوئه تغير لونه، فقيل له، فقال: حق على من أراد أن يدخل على ذي العرش أن يتغرير لونه.
كلف المنصور أبا دلامة أن يحضر الصلوت في مسجده فقال:
يكلفني الأولى مع العصر دائماً ... فويلي من الأولى وويلي من العصر
وما ضره والله يصلح أمره ... لو أن خطايا العالمين على ظهري
قال شيخ من تميم: صلى بنا سفيان المغرب فقرأ الفاتحة، فلما بلغ نستعين بكى حتى قطع القراءة، عاد، ثم عاد. فلما صلى التفت فقال: ما ينبغي لمثلي أن يتقدم، فما تقدم حتى مات.
بعضهم: صليت خلف ذي النون المصري فلما أراد أن يكبر رفع يديه فقال الله، ثم بهت فبقي كأنه جسد لا روح فيه إعظاماً لربه، ثم قال: الله أكبر، فظننت أن قلبي انخلع من هيبة تكبيره.

أوحى الله إلى داود: يا داود كذب من ادعى محبتي وإذا جنه الليل نام عني، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه. بركة الأزدي: توضأ مكحول في منزلي، فأتيته بمنديل، فتمسح بقبائه وقال: الوضوء بركة وأنا أحب ا، لا تعدو البركة ثوبي.
الحسن: إذا بكيت من خشية الله فلا تمسح دموعك فإنه أنور لوجهك، وإذا توضأت للصلاة فلا تسمح وضوءك فإنه أنور لوجهك إذا قمت بين يدي ربك.
نظر الجماز إلى رجل يخفف الصلاة فقال: لو رآك العجاج لهزج بك، قال: كيف؟ قال: لأن صلاتك أرجوزة.
قيل لماجن: لم لا تصلي؟ قال: ألا يكفيني أن أدوس الأرض حتى انطحها.
صلى أعرابي صلاة خفيفة ثم قال: اللهم زوجني الحور العين. فقال له عمر: أسأت النقد وأعظمت الخطبة.
استأذن القاضي أبو يوسف على المتوكل فقال لعبادة: اخرج نشاركه على أن يلزم الحائط ساكتاً، وتوعده أن نطق بحرف أن يقبله، فأقبل على القاضي يسأله عن مسائل من الفقه، إلى ا، سأله عن رجل يصلي فرمى بطرفه إلى ثوبه فرأى دابة، فقال يردها إلى سبعين، فإن: فإن رأى أخرى؟ قال يفعل بها مثل ذلك، قال: فإن رأى أخرى؟ فابتدر عبادة فقال: هذا لم يكن في الصلاة إنما كان في االصيد.
عبد الله بن المبارك:
إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا هجوع
تقدم أعرابي يصلي بالناس، فقرأ الفاتحة بفصاحة وبيان، ثم قال:
ويوسف إذ دلاه أولاد علة ... فأصبح في قعر الركية ثاويا
كان أويس القرنى لا ينام ليله ويقول: ما بال الملائكة لا تفنر ونحن نفتر.
أنس: ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى. يعني عمر بن عبد العزيز، وحزروا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده نحوها.
خذيفة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فرع إلى الصلاة.
هشام بن عروة: كان أبي يطيل المكتوبة، ويقول: هو رأس المال.
يونس بن عبيد: ما استخف رجل بالتطوع إلا استخف بالفرائض.
علي رضي الله عنه: لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيعهن تجرأ عليه وأوقعه في العظائم.
أبو الطفيل: سمعت أبا بكر الصديق يقول: يا أيها الناس قوموا إلى ناركم ناطفؤها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصلاة غل الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر.
حسان بن عطية: أن الرجلين ليكونان في صلاة واحدة وإن ما بينهما لكما بين السماء والأرض.
جابر: قيل يا رسول الله إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق.
قال: لعل قراءته ستنهان.
وهيب بن الورد: نظرنا في هذا الأمر فلم نجد شيئاً أرد لهذه القلوب ولا أشد استجلاباً للحزن من قراءة القرآن وتدبره.
صلى الحجاج إلى جنب ابن المسيب فرآه يرفع قبل الإمام ويضع، فلما سلم أخذ بثوبه حتى فرغ من صلاته ودعائه، ثم رفع نعليه على الحجاج وقال: يا سارق، يا خائن، تصلي هذه الصلاة! لقد هممت أن أضرب بهما وجهك. وكان الحجاج حاجاً فرجع إلى الشام، وجاء والياً على المدينة، ودخل من فوره المسجد قاصداً مجلس سعيد، فقال له: أنت صاحب الكلمات؟ قال: نعم أنا صاحبها، قال: جزاك الله من معلم ومؤدب خيراً، ما صليت بعدك من صلاة إلا وأنا ذاكر قولك.
جزأ محمد بن المنكدر الليل عليه وعلى أمه وعلى أخته أثلاثاً، فماتت أخته، فجزأه عليه وعلى أمه نصفين، فماتت أمه، فقام الليل كله.
كان مسلم بن يسار إذا أراد أن يصلي في بيته قال لأهله: تحدثوا فلست اسمع حديثكم. وكان إذا دخل البيت سكت أهله لا يسمع لهم كلام، فإذا قام إلى الصلاة تكلموا وضحكوا. ووقع حريق إلى جنبه وهو في الصلاة فما شعر به حتى أطفئ.
قال معاوية بن قرة لمسلم بن يسار أنبئت أنك لا تلتفت في صلاتك، فقال: أن كان البصر لا يلتفت فالقلب يلتفت.
أنس: ما اعرف شيئاً أدركت عليه أصحابي إلا هذه الصلاة، ولقد صنعتم فيها ما لا أعرف.
كان عبد الله بن غالب صاحب ابن مسعود يصلي الضحى مائة ركعة.
كعب: لو أن أحدهم يعلم ما ثوابه في ركعتي التطوع لرآهما أعظم من الجبال الرواس. فما المكتوبة فإنها أعظم من أن يستطيع أحد أن يقول فيها.

كان الحمام يقع على رأس ابن الزبير في المسجد الحرام تجسبه جذعاً منصوباً لطول انتصابه في الصلاة. وكانت العصافير تقع على ظهر إبراهيم بن شريك ساجداً كما تقع على الحائط.
صلى الوليد بن أبي معيط صلاة الفجر بالناس ثملاً أربع ركعات ثم التفت إليهم فقال: أأزيدكم؟ فقال الحطيئة:
شهد الحطيئة حين يلقى ربه ... أن الوليد أحق بالعذر
نادى وقد تمت صلاتهم ... أأزيدكم سكراً وما يدري
أأزيدكم خيراً ولو سكتوا ... زادت صلاتهم على عشر
ختم القرآن في ركعة واحدة أربعة من الأثمة: عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير، وأبو حنيفة.
الثوري: إذا رأيت الرجل يحرص على أن يؤم فأخره.
رأى الأوزاعي شاباً بين القبر والمنبر يتهجد، فلما طلع الفجر استلقى ثم قال: عند الصباح يحمد القوم السرى؛ فقال له: يا ابن أخي لك ولأصحابك، لا للحمالين.
مجاهد: م سجد وهو قابض على شيء لعنه ذلك اليء.
عبد العزيز بن أبي رواد: إشارة العبد باصبعه في الصلاة هي بصبصة العبد.
كان خلف بن أيوب لا يطرد الذباب في الصلاة، فقيل: كيف تصبر؟ قال: بلغني أن الفساق يتصبرون تحت السياط ليقال لفلان صبور، وأنا بين يدي ربي أفلا أصبر على ذباب يقع علي.
كانت أم خالد بنت سعيد تقول لمولياتها في السحر: حللن عقد الشيطان فليست بساعة نوم.
أبو صفوان بن عوافة: ما من منظر أحسن من رجل عليه بياض، وهو قائم في القمر يصلي، كأنه يشبه الملائكة.
الحسن: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورمت قدماها.
لقمان: لا يكن الديك أكيس منك، هو قائم بالأسحار يصلي وأنت نائم.
الأصمعي: كان أبو مهدية من أحسن من رايت تديناً من الأعراب، فدعا يوماً بوضوء متوضا، فقيل له: يا أبا مهدية اتتوضؤون للصلاة؟ فقال: أي والله، أن كان الرجل منا ليتوضا الوضوء تكفيه ثلاثة الأيام والأربعة، حتى جاءت هذه الموالي فجعلت تليق استاهها بالماء الأفه الدواة فأفسدت علينا ما كنا فيه.
قال: وكان أعرابي من بني ضبة إذا توضأ بدأ بوجهه، ثم يتذرع ويتكرع، ثم يغسل فرجه بعد ذلك، وكان يقول لا أبداً بالخبيثة قبل وجهي.
وقال: خرجنا إلى البصرة فنزلنا على ماء لبني سعد، فإذا أعرابية نائمة، فأبهناها للصلاة، فأتت الماء فوجدته بارداً فتركته، وتوجهت إلى القبلة ولم تمس الماء فكبرت ثم قالت: اللهم قمت وأنا عجلى، وصليت وأنا كسلى، فاغفر لي عدد الثرى، قيل عير وما جرى. فقلنا لها، فقالت أن صلاتي هذه صلاتي منذ أربعين سنة.
البحتري:
ملك تحببه الملوك وفوقه ... سيما التقي وتخشع العباد
متهجد يخفي الصلاة وقد أبى ... أخفاها أثر السجود البادي
قال أشعث لفقيه: ما تقول في صلاة صليتها في ثوبين؟ قال: هي جائزة في ثوب فكيف في ثوبين. قال: هما جورب وقلنسوة.
خفف أعرابي صلاته فقام إليه علي رضي الله عنه بالدرة وقال أعدها، فلما فرغ قال: أهذه خير أم الأولى؟ قال: بل الأولى، قال: لم؟ قال: لأن الأولى صليتها لله عز وجل، وهذه فرقاً من الدرة نضحك علي.
ابن مسعود: أن الألتفات في الصلاة لجام الشيطان يلجم به الساهي في صلاته، يجذبه يميناً وشمالاً، ومن فوقه ومن تحته ليفسد عليه صلاته.
النبي صلى الله عليه وسلم: من حافظ على الخمس بإكمال طهورها ومواقيتها كانت له نوراً وبرهاناً يوم القيامة، ومن ضيعها حشر مع فرعون رهامان.
الصديق: يقول إذا حضرت الصلاة: فوموا إلى ناركم التي أوقدتموها فاطفؤوها.
ابن سمعود: الصلاة مكيال، فمن وفى وفى له ومن ظفف فقد علم ما قال الله في المطففين.
جاتم الأصم: فاتتنني الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة الآف، لأن مصيبة الدين عند الناس أهون من مصيبة الدنيا. وكان السلف يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتهم التكبير الأول، وسبعاً إذا فاتتهم الجماعة.
قالرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يرزقني مرافقتك فالجنة، فقال: أعني بكثرة السجود.
سعيد بن المسيبك ما آسى على شيء من الدنيا إلا على السجود.
ابن عباس: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه.

قال عامر بن عبد قيس الوسواس يعتريني في الصلاة؛ فقيل له في أمر الدنيا؟ قال: لئن تختلف في الأسنة أحب إلي من ذاك، ولكن يشتغل قلبي بموقفي بين يدي ربي وأني كيف انصرف. فعد ذلك وسواساً.
حبيب الفارسي: لو أن الله تعالى أقامني يوم القيامة وقال: هل جئت بسجدة ليس للشيطان فيها نصيب؟ لم أقدر عليها.
العباس بن الوليد البصري:
وأمامنا أبداً يلوك لسانه ... ويفرقع الضادات في القرآن
وإذا تصر خاطباً فكأنما ... في حلقه جملان يقتتلان
وله:
وإن قرا تحسب في حقله ... حسناً من التخمة قد قرقرا
يسمعنا الحمد فشجى بها ... كأنما يسمعنا منكسرا
ويعلك الكوثر حتى ترى ... كان في أضراسه كندرا
الله أن عشت إلى يومه ... لأنثرن اللوز والسكرا
عمر بن أبي جميل
وما زكى الآله صلاة قوم ... يؤم جباههم خصياً مريسي
قيل لصوفي: رفع اليدين في الصلاة أفضل أم إرسالهما؟ فقال: رفع القلب إلى الله أنفع منهما جميعاً.
علي عليه السلام: تعاهدوا أمر الصلاة، وحافظوا عليها واستكثروا منها، وتقربوا بها، فإنها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا: ما سلككم في سقر قالوا لم نكن من المصلين؛ وإنها لتحت الذنوب حتى الورق، وتطلقها إطلاق الربق وشبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحمة على باب الرجل فهو يغتسل منها ف اليوم والليلة خمس مرات، فما عسي أن يبقي عليه من الدرن. وقد عرب حقها من المؤمنين الذين لا تشغلهم زينة مناع، ولا قرة عين من ولد ولا مال. يقول الله تعالى: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نصباً بالصلاة بعد التبشير له بالجنة، لقول الله سبحانه: أمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها. فكان يأمر أهله يصبر عليها نفسه.
وكتب إلى أمراء الأجنار أما بعد فصلوا بالناس الظهر حين تفئ الشمس من مريض العنز. وصلوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عشو من النهار حين يسار فيها فرسخان، وصلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم ويدفع الحاج. وصلوا بهم العشاء حين تتوارى الشمس إلى ثلث الليل. وصلوا به الغداة والرجل يعرف وجه صاحبه. وصلوا بهم صلاة أضعفهم ولا تكونوا فتانين.
وعنه: أن للقلوب اقبالاً وادباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض.
قالوا: خيار المسلمين يتوضؤون قبل الوقت، وأوسطهم في أوله، وأدناهم في آخره.
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أذن المؤذن هرب الشيطان حتى يكون بالروحاء، وهي من المدينة على ثلاثين ميلاً.
كان عثمان بن عفان يقول إذا نودي الصلاة: مرحباً بالقائلين عدلاً، وبالصلاة مرحباً وأهلاً.
سمعت امرأة مؤذناً يؤذن بعد طلوع الشمس ويقول: الصلاة خير من النوم، فقالت: النوم خير من هذه الصلاة.
مر سكران بمؤذن ردئ الحنجرة، فجلد به الأرض وجعل يدوس بطنه، واجتمع عليه الناس فقال: ما بي رداءة صوته، ولكن شماتة ليهود والنصارى بالمسلمين.
العباس المصري:
لقد كانت مساجدنا تنير ... ولم بك في الثغور لها نظير
فلم يزل الحسود لنا حسودا ... إلى أن صار مسجدنا الكبير
يؤذن في منارته ابن أوى ... ويخطب فوق منيره البعير
أبو الدرداء: من فقه الرجل إقباله عل حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ.
النبي صلى الله عليه وسلم: صلاة عل أثر سواك أفضل من خمس وسبعين صلاة بغير سواك.
حذيفة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك.
عليه السلام: خير خصال الصائم السواك.
وعنه: السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب.
وعنه: لو علم الناس ما في السواك لبات مع الرجل في لحافه.
علي عليه السلام: أفواهكم طرق ربكم فنطفوها.
جعفر بن محمد الصادق لمن قال له. أكل من نرى ناس: ألق عنهم تارك السواك. والمستمرة من غير علة، والمشعث من غير مصيبة، والمتربع في المكان الضيق، والمفتخر بآبائه وهو خلو من صالح أعمالهم، أولئك كالخلنج يلشط لحاء عن لحاء حتى يعود إلى جوهره.

النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة يوم القيامة على كيب من مسك أسود، لا يهمهم حساب، ولا ينالهم فزع حتى يفرغ مما بين الناس: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله تعالى وأم قوماً وهم به راضون، ورجل أذن في مسجد ودعا إلى الله ابتغاء وجه الله تعالى، ورجل ابتلي برق في الدنيا فلم يشغله ذلك عن عمل الآخرة.
وعنه عليه السلام: يد الله على رأس المؤذن حتى يفرغ من أذائه.
قيل في قوله تعالى ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله نزل في المؤذنين.
الخدري رفعه: يغفر للمؤذن مدى صوته، ويشهد له ما سمعه من رطب ويابس.
أنس: من أذن من نية صادق لا يطلب عليه أجراً حشر يوم القيامة فوقف على باب الجنة، فقيل له: اشفع لمن شئت.
أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: معاشر الأنبياء، فنوافي بمن معنا من المؤمنين المحشر، فنحشر على الدواب. ويحشر صالح على ناقته، ويحشر بلال على ناقة من نوق الجنة، ويحشر ابنا فاطمة على ناقتي العضباء والقصواء، وأحشر أنا على البراق خطوها عند أقصى طرفها. ينادي بلال بالأذان محضاً وبالشهادة حقاً حقاً، حتى إذا بلغ أشهد أن محمداً رسول الله شهد بها جميع الخلائق من الأولين والآخرين، فقبلت من قبلت، ردت على ممن ردت عليه.
عدي بن حاتم: ما جاء وقت صلاة قط إلا وقد أخذت أهبتها، وما جاءت إلا وأنا إليها بالأشواق.
عامر بن عبد قيس: لا تكن كعبد السوء لا يأتي حتى يدعى، أيت الصلاة قبل النداء.
علي رضي الله عنه: إذا مات العبد بكى عليه مصلاه من الأرض، ومصعد عمله من السماء.
النبي صلى الله عليه وسلم: زكاة الجسد الصيام.
وعنه عليه السلام: للصائم فرحتان: فرحة عند الإفطار، وفرحة عند لقاء ربه.
وكيع: في قوله تعالى: كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية، هي أيام الصوم، تركوا فيها الأكل والشرب.
سمعت امرأة: صوم يوم كفارة سنة، فصامت إلى الظهر ثم أفطرت وقالت: تكفيني ستى أشهر.
قيل لمدني: أتحب رمضان؟ فقال: لا والله، ما اتهنأ بشهور سائر السنة من أجله، فكيف أحبه؟ ابن الرومي: رمضان بين شعبان وشوال كمخشلبة بني درتين.
النبي صلى الله عليه وسلم: يحبه الصائم الطيب.
على عليه السلام: كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء، حبذا نوم الأكياس وإفطارهم.
أسلم مجوسي فثقل عليه الصوم، فنزل إلى سرداب له وقعد يأكل، فسمع ابنه حسه فقال: من هذا؟ قال: أبوك الشقي يأكل خبز نفسه يفزع من الناس.
محمد بن أسحاق الطرسوسي، وكان ماجناً خليعاً:
نهار الصيام حلول الشقاء ... وليل التراويح ليل البلاء
تمارض تحل لك الطيبات ... وبعض التمارض كل الشفاء
وإن كان لا بد من صومه ... فأكثر من الصوم بعد العشاء
وإن كنت لا تستحل المدام ... فغاد الصيام بخبز وماء
ولا بأس بالفطر نصف النهار ... إذا كنت ذائقة بالخفاء
أنا الطرسوسي طر الهدى ... وسوس التقي وأبو الأشقياء
من أراد المداومة على الصيام فلا يدع ثلاثاً: السحور، والقيلولة، والدهن على رأسه.
أراد يزيد بن ألسود الغزو، فقالوا: لو أفطرت فقال: أفي نفسي تعاتبوني؟ فو الله لا أوطأت لها فراشاً، ولا أشبعتها طعاماً حتى تلحق بالذي خلقها.
أبو هريرة رفعه: من أفطر يوماً في رمضان في غير رخصة رخصها الله لم يقض عنه صيام الدهر.
الزهري: عجباً للناس تركوا الأعتكاف، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل الشيء ويتركه، ولم يترك الأعتكاف منذ دخل المدينة إلى نارق الدنيا.
وعن عطاء الخراساني: مثل المعتكف كمثل عبد ألقى نفسه بين يدي الله، يقول: لا أبرح حتى تغفر لي.
الأحنف بن قيس: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقة فيا ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد فقام عليهم فقال: بشر الكاثرين برضف تحمي عليهم في نار جهنم فتوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى تخرج من نغض كتفه، وتوضع على نغض كتفه حتى تخرج من حلمة ثديه. هو أبو ذر الغفاري رحمه الله، وقد رفعه.
أبو هريرة رفعه: يوشك أن يأتي على الناس زمان يشق على الرجل أن يخرج زكاة ماله.

بريدة رفعه: ما حبس قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر.
عائشة رفعته: ما خالطت الزكاة ما لا قط إلا أهلكته.
ابن عباس رفعه: من كان عنده ما يزكى فلم يزك، ومن كان عنده ما يحج به فلم يحج سأل الرجعة. يعين قوله تعالى: رب أرجعون.
محمد بن الحنيفة عن علي عليه السلام أن الله جل وعز افترض عني الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، فإن جاعوا أو عسروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله أن يحاسبهم عليه ثم يعذبهم.
بكر بن النطاح الحنفي:
ملأت يدي من الدنيا مراراً ... فما طمع العواذل في اقتصادي
ولا وجبت علي زكاة مال ... وهل تجب الزكاة على جواد
أبو هريرة رفعه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل؟ قال: أن تعطي وأنت صحيح شحيح، نامل البقاء، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا.
أبو ذر رضي الله عنه قال: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد من مقل مشى به إلى فقير.
علي عليه السلام: إذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك، فيوافيك به حيث تحتاج إليه، فاغتنم حمله إياه، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه، فلعلك تطلبه فلا تجده واستغنم من استقرضك في يحال غناك، وقضاك في يوم عسرتك، فإن أمامك عقبه كؤوداً، المخفف فيها أحسن حالاً من المثقل، والمبطئ عليها أقبح أمراً من المسرع، وإن مهبطك منها لا محالة على جنة أو نار.
الصدقة صداق الجنة.
قيل للشبلي: ما يجب في مائتي درهم؟ فقال: أما من جهة الشرع فخمسة دراهم، وأما من جهة الأخلاص فالكل.
عثمان رضي الله عنه: تاجروا الله بالصدقة تربحوا كان أيوب السختياني يؤدي زكاة ماله في السنة مرتين، ويقول: احتلفوا علينا. فيدفعها مرة إلى المساكين، ومرة إلى الإمام.
دخلت امرأة شلاء على عائشة رضي الله عنها، فسألتها عن شللها، فقالت: كان أبي يحب الصدقة وأمي تبغضها، لم تتصدق في عمرها إلا بقطعة شحم وخلقانة، فرأيتها في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأنها قد غطت عورتها بالخلقانة، وفي يدها الشحمة تلحسها من العطش؛ فذهبت إلى أبي، وهو على حافة حوض يسقي الناس، فطلبت منه قدح ماء، فسقيته أمي، فنوديت من فوقي: ألا من سقاها فشل الله يدها، فانتبهت كما ترين.
وقال سائل على امرأة نتعشى، فقامت فوضعت لقمة في فيه، نم بكرت إلى زوجها في مزرعته، فوضعت ولدها، وقامت لحاجة لها فاختلسه الذئب، فوقفت وقالت: يا رب، ولدي. فأتى آت آخذ بعنق الذئب، فاستخرجت ولدها من فيه بغير أذى ولا ضرر، وقال لها: هذه اللقمة بتلك اللقمة التي وضعتها في فم السائل.
عشش ورشان في شجرة في دار رجل، فلما همت فراخه بالطيران زينت له امرأته أخذها، ففعل ذلك مراراً. فشكا الورشان إلى سليمان، عليه السلام فقال: يا رسول الله أردت أن يكون لي أولاد يذكرون الله من بعدي؛ فزجل الرجل، ثم أخذها بأمر امراته، فأعاد الورشان الشكوى؛ فقال صح: إذا رأيتماه يصعد الشجرة فشقاه بنصفين. فلما أراد أن يصعدها اعترضه سائل، فذهب فأطعمه كسرة من خبز شعير، ثم صعد فأخذ الفراخ. فشكا الورشان، فقال للشيطانين، فقالا: اعتراضنا ملكان فأخذا بعنقينا فطرحانا في الخافقين.
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة أن تقسم شاة، فقالت: يا نبي الله ما بقي منها إلا عنقها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: كلها بقيت إلا عنقها. ومنه قوله:
يبكي على الذاهب من ماله ... وإنما يبقى الذي يذهب
النخعي: كانوا يرون أن الرجل المظلوم إذا تصدق بشيء دفع عنه.
لما بلغ عبد الرحمن بن أبي سبرة ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم كسر صنماً لسعد العشيرة اسمه فراص وأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً، وقال:
تبعت رسول الله إذ جاء بالهدى ... وخلفت فراصاً بدار هوان
شددت عليه شدة فتركته ... كأن لم يكن والدهر ذو حدثان
ولما رأيت الله أظهر دينه ... أجبت رسول الله حين دعاني
فأصبحت للإسلام ما عشت ناصراً ... وألقيت فيه كلكلي وجراني
فمن مبلغ سعد العشيرة أنني ... شريت الذي يبقي بآخر فإن

كان الرجل يضع الصدقة ويمثل قائماً بين يدي الفقير يسأله قبولها حتى يكون هو في صورة السائل. وكان بعضهم يبسط كفه ليأخذ الفقير الصدقة ويده هي العليا.
النبي صلى الله عليه وسلم: ما أحسن عبد الصدقة إلا أحسن الخلافة على تركته.
وعنه: الصدقة تسد سبعين باباً من الشر.
وعنه: ردوا مذمة السائل ولو بمثل رأس الطائر من الطعام
عيسى عله السلام: من رد سائلاً خائباً لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام.
كان نبينا صلى الله عليه وسلم لا يكل خصلتين إلى غيره: كان يصنع غبره بالليل ويخمره بيده، وكان يناول المسكين بيده.
وعنه: ما من مسلم يكسو مسلماً إلا كان في حفظ الله ما دامت عليه منه رقعة.
عروة بن الزبير: تصدقت عائشة بخمسين درهماً وإن درعها لمرقع.
عبد العزيز بن عمير: الصلاة تبلغك نصف الطريق، والصوم يبلغك باب الملك، والصدقة تدخلك عليه.
خرج الربيع بين خثيم في ليلة شاتية فرأى سائلاً، وعليه برنس من خز، فأعطاه إياه، وتلا قوله تعالى: لن تنالو البر حتى تنفقوا مما تحبون. وكان يصنع الطعام للخبيص. ويأتي بجار له مصاب فيلقمه. فيقولون هذا لا يدري ما يأكل؟ فيقول: لكن الله يدري.
ابن مسعود: إن رجلاً عبد الله سبعين سنة، ثم أصاب فاحشة فأحبط عمله، ثم مر بمسكين فتصدق عليه برغيف، فغفر الله له، ورد عليه عمل السبعين سنة.
يحيي بن معاذ ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا الحبة من الصدقة عمر رضي الله عنه: أن الأعمال تباهت فقالت الصدقة أنا أفضلكن.
وكان عبد الله بن عمر يتصدق بالسكر ويقول: سمعت الله تعالى يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، والله يعلم أني أحب السكر عبيد بن عمير: يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط، وأعطش ما كانوا قط، وأعرى ما كانوا قط، فمن أطعم لله أشبعه الله، ومن سقى لله سقاه الله، ومن كسا لله كساه الله.
الشعبي: من لم ير نفسه أحوج إلى ثواب الصدقة من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه.
فضيل: بلغني أن رجلاً وامرأته كانا يعيشان بغزلها، فانطلق به إلى السوق يوماً فباعه بدرهم، ثم مر برجلين يختصمان، وقد تأخذا بشعورهما، فسأل: فيم يختصمان؟ فقيل في درهم، فدفع درهمه إليهما وفرع بينهما؛ فقالت امرأته: أصبت ووفقت. فذهب اليوم الآخر بمثله فبار عليه، فلقيه بائع سمكة بارت عليه، فاشتراها منه بغزله، فوجدت إمرأته في جوفها درة، فباعها بمائة وعشرين ألفاً، فوقف سائل على الباب فشاطراه، فذهب ثم رجع وقال: أنا رسول ربك، فقد ابتلاك في الضراء فوجدك صبوراً كريماً، وفي السراء فوجدك شكوراً كريماً، وأعطاك بالدرهم الذي فرعت به أربعة وعشرين قيراطاً، عجل لك منها فيراطاً واحداً، وذخر لك ثلاثة وعشرين قيراطاً يعطيها في الآخرة.
الحسن بن صالح بن حيي كان إذا جاءه سائل فإن كان عنده ذهب أو فضة أو طعام أعطاه، فإن لم يكن أعطاه دهناً أو غيره مما ينتفع به، فإن لم يكن أعطاه كحلاً، أو خرج بابرة وخيط فرقع به ثوب السائل.
ووقف على بابه سائل بالليل فلم يجد شيئاً، فأخرج إليه قصبة في رأسها شعلة قال خذها وابلغ بها إلى أبواب ناس لعلهم يعطونك.
الربيع بن خثيم ما كان يتصدق إلا برغيف صحيح ويقول: أني لا ستحبى أن تكون صدقتي كسرا.
النبي صلى الله عليه وسلم: اسنفرهوا فمحايكم كأنها مضابكم عل الصراط.
وجه رجل ابنه في تجارة، فمضت أشهر ولم يقف على حبر، فتصدق برغيفين، وأرخ ذلك اليوم؛ فلما كان بعد ذلك بسنة رجع ابنه سالما رابحا؛ فسأله عما أصابه؟ فقال: غرقت السفينه في وسط البحر، فإذا أنا بشابين أخذاني وطراحاني على الشط وقالا: قل لوالدك هذا برغيفين، فكيف لو تصدقت بزيادة.
في الحديث: أن آدم عليه السلام لما قضى مناسكه لقيته الملائكة فقالوا: برصجك يا آدم، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام.
وفيه: أن الله ينظر في كل ليلة إلى أهل الأرض، فأول من ينظر إليه أهل الحرم، وأول من ينظر إليه من أهل الحرم أهل المسجد الحرام، فمن رآه طائفاً غفر له، ومن رآه مصلياً غفر له، ومن رآه قائماً مستقبل الكعبة غفر له.
مجاهد: أن الحاج إذا قدموا مكة تلقتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل، وصافحوا ركبان الحمر، واعتقوا المشاة اعتناقاً.

كان من سنة السلف أن يشيعوا الغزاة، وأن يستقبلوا الحاج ويقبلوا بين أعينهم، ويسألوهم الدعاء لهم، ويبادروا ذلك قبل أن يتدنوا بالآثام.
النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله قد وعد هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف، فأن نقصوا اكملهم الله بالملائكة، وإن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة، وكل من حجها يتعلقون بأستارها، يسعون حولها، حتى تدخل الجنة فيدخلون معها.
في الحديث: أن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة.
وفيه: أعظم الناس ذنباً من وقف بعرفة فظن أن الله تعالى لم يغفر له.
وفيه: استكثروا من الطوان بالبيت، فإنه من أقل شيء تجدونه في صحفكم يوم القيامة، وأغبط عمل تجدونه.
بعض السلف: إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل عرفة، وهو من أفضل يوم في الدنيا، وفيه حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع؛ وكان واقفاً إذ نزل قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً. قال أهل الكتاب: لو أنزلت علينا هذه الآية لجعلناها يوم عيد، فقال عمر رضي الله عنه: أشهد لقد نزلت في عيد يومين اثنين يوم عرفة ويوم جمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة.
كان بدوي يخاصم حاجاً عند منصرف الناس، فقيل له: أتخاصم رجلاً من الحاج؟ فقال:
يحج لكيما يغفر الله ذنبه ... وبرجع قد حطت عليه ذنوب
كان سعيد بن وهب على البطالة قد رق قلبه، فحج ماشياً، فجهد فقال:
قدمي اعتورا رمل الكثيب ... واطرقا الآجن من ماء القليب
رب يوم رحتما فيه على ... نضرة الدنيا وفي واد خصيب
فاحسبا ذاك بهذا واصبرا ... وخذا من كل فن بنصيب
قيل لأمرأة: ما يمنعك من دخول الكعبة؟ فقالت: والله ما أرضى قدمي للطواف فكيف أدخل بهما الكعبة؟ مكحول قلت للحسن: إني أريد أن أخرج إلى مكة، فقال: لا تصحبن رجلاً يكرم عليك فينقطع الذي بينك وبينه.
عباد بن عباد أردت الحج فأتاني ابن عون فقال: احفظ عني خلتين. عليك بحسن الخلق والبذل، فرايت في النوم كأن حماد بن زيد أتاني بحلتين وقال لي: أهداهما إليك أبن عون فقلت: قومهما؟ قال: ليس لهما قيمة.
خرج أعش طي وبشار بن برد حاجين فمرا بزرارة فاشتهيا خمرها، فأقاما يشربان ورفضا الحج، فقال الأعشى:
ألم ترني وبشاراً حججنا ... وكان الحج من خير التجارة
خرجنا طالبي سفر بعيد ... فمال بنا الشقاء إلى زرارة
فآب الناس قد حجوا وبروا ... وأبنا موقرين من الخسارة
عمر بن ذر الهمداني لما قضي ماسكه أسند ظهره إلى الكعبة ثم قال مودعاً للبيت: ما زلنا نحل لك عروة ونشد أخرى، ونصعد أكمة ونهبط وادياً، وتخفضنا أرض وترفعنا أخرى، حتى أتيناك غير محجوبين، فليت شعري بم يكون منصرفنا، أبذنب مغفور؟ فاعظم بها من نعمة! أم بعمل مردود؟ فأعظم بها من مصيبة! فيا من إليه خرجنا وإليه قصدنا، وبحرمة انخنا ارحم ملقى الوقد بفنائك. فقد أتينا بها معراة جلودها، ذابلة أسمختها نقبة أخفافها، وإن أعظم الرزية أن ترجع وقد اكتنفنا الخيبة؛ المهم وأن للزائرين حقاً، فاجعل حقنا غفران ذنوبنا، فإنك جواد ماجد لا ينقصك قائل، ولا يحفيك سائل.
عبد العزيز بن أبي رواد: جاورت هذا البيت ستين سنة وحججت ستين حجة فما دخلت في شيء من أعمال البر، فخرجت منه فحاسبت نفسي، إلا وجدت نصيب الشيطان فيه أوفر من مصيب الله تعالى.
حجة جميلة الموصلية بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان أخت أبي تغلب صارت تاريخاً مذكوراً، حجت ست وثمانين وثلثمائة فسفت أهل الموسم كلهم السويق بالطبررذ والثلج؛ واستصحبت البقول المزروعة بالمراكن على الجمال، وأعدت خمسمائة راحلة للمنقطعين، ونثرت على الكعبة عشرة الآف دينار ولم تستصبح عندها إلا بشموع العبر، واعتقت ثلثمائة عبد ومالتي جارية. وأغنت الفقراء المجاورين.
عمرو بن حيان الضرير:
كأن الحجيج الآن لم يقربوا مني ... ولم يحلموا منه سواكاً ولا نعلا
أتونا فما جاءوا بعود أراكة ... ولا وضعوا في كف طفل لنا مقلا
قيل لمدني: ما عندك من آلة الحج؟ قال: التلبية.
أبو سليمان الداراني: ما يعجبني الرجل يحصي حججة.

لما بنى آدم البيت قال: يا رب أن لكل عامل أجراً فما أجر عملي، قال: إذا طفت به غفرت لك ذنوبك؛ قال: زدني، قال: جعلته لأولادك قبلة؛ قال: زدني، قال: أغفر لكل من استغفرني من الطائفين به من أهل التوحيد من أولادك، قال: يا رب حسبي.
قيل للحسن: ما الحج المبرور؟ قل: أن ترجع زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة.
أبو الشمقمق:
إذا حججت بمال أصله دنس ... فما حججت ولكن حجت العير
لا يقبل الله الأكل طيبة ... ما كل من حج بيت الله مبرور
علي عليه السلام: فرض عليكم حج بيته الذي جعله قبلة للأنام، يولهون إليه وله الحمام، وجعله علامة لتواضعهم لعظمته، واذعانهم لعزمة؛ واختار من خلقه سماعاً أجابوا دعوته، وصدقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه وملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون موعد مغفرته، جعله الله للإسلام علماً وللعابدين حرماً.
كان أبو ملعب الأسدي يحج كل عام في الجاهلية ويعتمر. وفي ذلك يقول:
حج دراك وعمرة نفل ... ما دمت حياً ودام لي سيد
أو بترك الناس حج ربهم ... وكيف حجي إذا هم قعدوا
سعد أعرابي عند حاكم، فقال المشهود عليه: أتقبل شهادته وله من المال كذا ولم يحج؟ فقال الأعرابي: بلى والله حججت كذا مرة؛ قال: سله اصلحك الله عن مكان زمزم، فسأله فقال: إني حججت قبل أن تحفر زمزم.
قال ابن جريح: ما ظننت أن الله ينفع أحداً بشعر عمر بن أبي ربيعة حتى سمعت وأنا باليمن منشداً ينشد قوله:
بالله قولي لها في غير معتبة ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أورضيت بها ... فما أخذت بترك الحج من ثمن
فحركني ذلك على الخروج إلى مكة، فخرجت مع الحاج وحججت.
سمع أبو حازم امرأة حاجة ترفت في كلامها، فقال لها: يا أمة الله ألست حاجة؟ أما تخافين الله؟ فسفرت عن وجهها، فإذا هي أجمل الناس، فقالت: أنا من اللواتي قال فيهن الحارث بن ربيعة:
أماطت كساء الخز عن حر وجهها ... وردت على الخدين برداً مهلهلاً
من اللائي لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليفتن البرئ المغفلا
قال: فإني أسأل الله أن لايعذب هذا الوجه بالنار، فبلغ ذلك سعد بن المسيب فقال: رحمه الله، لو كان من عباد العراق لقال لا اغربي يا عدوة الله، ولكنه ظرف عباد الحجاز.
حج مسروق من الكوفة فلم ينم في سفره إلا ساجداً.
قال الحسن لمطرف بن عبد الله بن الخشير: عظ أصحابك، فقال: أخاف أن أقول ما لا أفعل؛ فقال الحسن: يرحمك الله، وأينا يفعل ما يقول؛ يود الشيطان أنه ظفر بهذه منكم، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
عمد فتيان من قوم عمرو بن الجموح كانوا قد أسلموا قبله إلى صنمه فكسروه وقرنوا به كلباً ميتاً وألقوه في بئر فقال:
تالله لو كنت إلهاً لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في قرن
علي عليه السلام: وما أعمال البر كلها عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي، وأفضل ذلك كله كلمة عدل عند سلطان جائر.
علي رضي الله عنه: إياكم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب. ألا من دعا إلى الشعار فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه، يرد شعار الخوارج.
وعنه: أن قوماً عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة لتجار، وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وأن قوماً عبدوا الله شكراً، فتلك عبادة الأحرار.
شكا نبي من الأنبياء في بيت المقدس إلى ربه فقال: يا رب لواني الجوع، وأضر بي البرد، وأهلكني القمل. فأوحى الله إليه: أما ترضى أن هديتك للإسلام حتى تشكو.
معاذ بن جبل رفعه: ما من مسلم يببت على ذكر طاهراً فيتعار من الليل. فيسأل الله خيراً من الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه.
في نوابغ المكلم: طهرت فاك بمساويك لولا أنك بخسته بمساويك.
كان عاصم إذا افتتح القراءة قال قلبها كل يوم: أصبحتم في أجل منفوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابكم، والنار بين أيديكم، وما ترون ذاهب كله، وكان ما مضى لم يكن، فنوقعوا قضاء الله في كل يوم فإنه لا بد منه، ولينظر امرؤ ما قدم لغد فإنه محاسب عليه، وإن ما هو آت قريب، والبعيد الذي ليس بآت.

مر بصلة بن أشيم رجل قد أسبل ازاره فأرادوا أن يأخذوه بألسنتهم، فقال: دعوني أكفكموه، فقال: يا ابن أخي لي إليك حاجة، قال: وما هي يا عم؟ قال: ترفع ازارك، قال: نعم، ونعمة عين. ثم قال: أهذا كان أمثل أم أخذكم إياه بألسنتكم؟ عمر بن حبيب: من أراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليوطن نفسه قبل ذلك على الأذى، وليثق بالثواب من الله، فإنه من يثق بالثواب لم يجد مس الأذى.
الحسين بن علي عليهما السلام: الناس عبيد المال، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا فحصوا بابتلاء قل الديانون.
كان عامر بن عبد قيس يصلي كل يوم ألف ركعة، وكان يقول لنفسه. قومي يا مأوى كل سوء، فما رضيتك لله ساعة قط، فوعزة ربي لأرجفن بك رجوف البعير، ثم يتلوى تلوي على المقلى، ثم يقوم فينادي: اللهم أن النار قد منعتني النوم فاغفر لي.
بلغ عثمان رضي الله عنه أن قوماً على فاحشة، فأتاهم وقد تفرقوا، فحمد الله وأعتق رقبة.
أبو الزاهرية وأسد بن وداعة رفعاه: من نام على وضوء كان فراشه له مسجداً ونومه له صلاة حتى يصبح، ومن نام عل غير وضوء كان فراشه له قبراً وكان كالجيفة حتى يصبح.
كان عمر بن عبد العزيز يصلي على طنفسة وقد طرح على موضع سجوده تراباً.
أول من كسا الكعبة الديباج عبد الله بن الزبير وكانت كسوتها المسوح والأنطاع، أنه كان ليطيبها حتى يجد ريحها من داخل الحرم.
سمع عامر بن عبد الله بن الزبير المؤذن، وهو يجود بنفسه ومنزله قريب من المسجد، فقال: خذوا بيدي، فقيل له: إنك عليل، فقال: أسمع داعي الله ولا أجيبه؟ فأخذوا بيده، فركع مع الإمام ركعة ومات.
وكان عامر متوجهاً إلى القبلة، يدعو بعد العصر، فمر به أمير المدينة إبراهيم بن هشام، وكان جباراً مهيباً، فسلم عليه، فلم يلن إليه، فخافوا عليه وكلموه، فقال: أظن بني هشام أنه يقبل علي، وأنا مقبل على الله، فأعرض عن الله وأقبل عليه؛ كلا والله! كان حكيم بن حزام يقيم عشية عرفة مائة بدنة ومائة رقبة فيعلق الرقاب عشية عرفة، وينحر البدن يوم النحر، وكان يطوف بالبيت فيقول: لا آله إلا الله وحده لا شريك له، نعم الرب ونعم الآله، أحبه وأخشاه.
دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار، والي شيبة بن عثمان، وقال: يا بني أبي طلحة خالدة تالدة، لا يأخذها منكم إلا ظالم.
قدم جماعة من قريش على معاوية ففضل عليهم في الجائزة طلحة بن عبد الله بن عوف، فعاتبوه فقال: أنتم قدمتموه على أنفسكم حين قدمتوه للصلاة في طريقكم، وهي أفضل عمل الخير.
كان سعد بن أبي وقاص، إذا تمت السنة، نظر إلى ماله فأخرج ثلثه، فتصدق به.
باع طلحة رضي الله عنه ضيعة بخمسين ألف درهم وتصدق بها، ثم راح إلى صلاة الجمعة في قميص مرقوع.
كان محمد بن المنكدر يستقرض المال فيحج، فقيل له: الحج بالدين! فقال: الحج أقضى للدين.
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يحفظ ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسأل إذا لم يحضر من حضر عما قال أو فعل، وكان يتبع أثاره في كل مكان صلى به، وكان يعترض براحلته كل طريق يمر بها ويقول: إني أتحرى أن تقع أخفاف راحلتي على بعض أخفاف راحلة رسول عليه وسلم.
وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فوقف معه بعرفة، فكان كل عام حج وقف ذلك الموضع لا يعدوه. وكان يحج كل عام، فحج عام قتال ابن الزبير مع الحجاج، وكتب إليه عبد الملك أن لا يخالف ابن عمر في الحج، فوقف ابن عمر حيث كان يقف، وكان الموقف بين يدي الحجاج، فأمر من نخس به حتى نفرت ناقته، فردها إلى ذلك الموضع، ففعل به مرة أخرى، فردها إليه، فثقل على الحجاج، فأمر رجلاً كانت معه حربة مسمومة، فلصق به عند الإفاضة، فأمرها على قدمه، فمرض منها ومات. وعاده فقال: من قتلك يا أبا عبد الرحمن؟ قتلني الله أن لم أقتله، فقال: أنت قتلتني.
خرج عمر رضي عنه إلى حائط له، فرجع وقد صليت العصر، فقال: حائطي على المسلمين صدقة، وذلك لغوت الجماعة.
محمد بن كعب القرظي: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: لقد رأيتني وأنا اربط الحجر على بطني في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجوع، وأن صدقتي اليوم أربعون ألف دينار.

عبد الله بن عباس مرض الحسن الحسين وهما صبيان، فعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر، فقال عمر: يا أبا الحسن، لو نذرت في ابنيك نذراً أن لله عافاهما، فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله، وكذلك قالت فاطمة. وقال الصبيان: نحن أيضاً نصوم شكراً، وكذلك وقالت جاريتهم فضة فألبسهما الله عافيته، فأصبحوا صياماً، وليس عندهم طعام. فانطلق علي عليه السلام إلى جار له يهودي اسمه شمعون، فأخذ منه جزة صوف فغزلتها له فاطمة بثلاثة أصوع شعير فلما قدموا فطورهم جاء مسكين فآثروه به، فبقوا جياعا ليالي صومهم وفيهم نزلت: ويطعمون الطعام على حبه.
محمد بن الحنيفة: جاء سائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل سألت أحداً من أصحابي؟ قال: لا، قال: فائت المسجد فسلهم، فسألهم فلم يعطوه شيئاً، فمر بعلي وسأله وهو راكع، فناوله يده فأخذ خاتمه.
أبو الطفيل: رأيت علياً كرم الله وجهه يدعو اليتامى فيطعمهم العسل، حتى قال بعض أصحابه: لوددت أني كنت يتيماً.
محمد بن الحنيفية: كان أبي يدعو قنبراً بالليل فيحلمه دقيقاً وتمراً، فيمضى إلى أبيات قد عرفها ولا يطلع عليه أحداً؛ فقلت له: يا أبت، ما يمنعك أن يدفع إليهم نهاراً؟ قال: يا بني، صدقة لسر تطفئ غضب الرب.
رؤى الحسين بن علي عليهما السلام يطوف بالبيت، ثم صار إلى المقام فصلى، ثم وضع خده على المقام فجعل يبكي ويقول: عبيدك ببابك، سائلك ببابك، مسكينك ببابك، يردد ذلك مراراً؛ ثم انصرف، فمر بمساكين معهم فلق خبز يأكلون، فسلم عليهم، فدعوه إلى طعامهم، فجلس معهم وقال: لولا انه صدقة لأكلت معكم، ثم قال: قوموا إلى منزلي، فأطعمهم وكساهم، ثم أمر لهم بدراهم.
غسل علي بن الحسين فرأوا على ظهره مجولاً، فلم يدر وما هي. فقال مولى له: كان يحمل بالليل على ظهره إلى أهل البيوتات المستورين الطعام، فإذا قلت له: دعني أكفك، قال: لا أحب أن يتولى ذلك غيري.
قيل لجعفر بن محمد: الرجل تكون له الحاجة يخاف فوتها أيخفف الصلاة؟ قال: أولا يعلم أن حاجته إلى الذي يصلي إليه؟ حج عبد الله بن جعفر معه ثلاثون راحلة، وهو يمشي على رجليه حتى وقف بعرفات، فاعتق ثلاثين مملوكاً، وحملهم على ثلاثين راحلة، وأمر لهم بثلاثين ألفاً، وقال: اعتقهم لله لعله يعتقني من النار.
خرج الفرزدق حاجاً فقيل له: أين تريد؟ فقال:
أبادر يوماً من يفته فماله ... لقاء إذا ما فاته دون قابل
أراد يوم عرفة.
مرت بعيسى عليه السلام امرأة فقالت: طوبى لحجر حملك، وثدي رضعت منه؟ فقال: طوبى لمن قرأ القرآن ثم عمل به.
قيل لكعب: أرأيت لو أن رجلاً رفض الدنيا وتفرغ للعبادة؟ قال: والذي نفس كعب بيدء إني لأجد في كتاب الله المنزل أن العبد إذا فعل ذلك كلفت السماء القطر، والأرض النبات، والعباد العمل، حتى يوفى رزقه.
أبو الجوزاء: نزل جيش من المسلمين بحضرة راهب في صومعته، فنظر إليهم، فنزل وأسلم، وقال: أن أبي عهد إلي قال: إذا رأيت قوماً صدورهم أفاجيل، وقبلة أحدهم رمحه حيث يركز، ويسلم بعضهم على بعض فاتبعهم، فإنهم على الحق.
سمع كعب الأحبار من يقرأ: من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسبناً فالقى إلى مسكين رداءه، فقيل له، فقال: مكتوب في التوراة: ليس ينبغي لأحد أ، يسمعها إلا فلذ من ماله فلذة، ولم يكن معي إلا ردائي.
عن عبدا الله بن الزبير رضي الله عنه أنه جعل دهره ثلاث ليالي: قليلة قائم حتى يصبح، وليلة راكع حتى يصبح، وليلى ساجد حتى يصبح.
الحسن بن علي رضي الله عنه: إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، فمشى من المدينة إلى مكة عشرين مرة.
عن الضحاك: يأتي على الناس زمان تكر فيه الأحاديث حتى يبقى المصحف معلقاً عليه الغبار، ما ينظر فيه.
كان الشعبي يمر بأبي صالح فيأخذ بأذنه ويمدها، ويقول له: ويلك تفسر القرآن ولا تحفظه.
سعيد بن جبير: اقرؤوا القرآن صبيانية ولا تتنطعوا فيه.
أن مثل من تعلم القرآن صغيراً كمثل نقش في صفاة: أن أصابه مطر لم يتغير، ومثل من تعلم القرآن كبيراً كمثل نقش في لبنه، أن أصابه مطر فسد.
مر رجل بابن مسعود رضي الله عنه، فقيل له: هذا يقرأ القرآن بليلة؛ فقال: كأنه أخذ بأسفل جراب دقل فنثره.

كلم رجل عبد الله بن مرزوق في الطواف فلم يجبه، فبكى الرجل، فقال: مالك؟ قال: قد كلمتك فلم تجبني؛ فأخذ بطرف ردائه وقال: أن جاك إنسان فأراد أن يأخذ رداك أيش تفعل؟ قال: امنعه: قال: فأنت تريد ا، تسلبني ما هو خير من كل رداء.
كان أبو حفص الكبير البخاري يقول لأصحابه: استكثروا قراءة القرآن، فعن قريب يذهب القرآن من المصاحف والصدور.
كان بنو إسرائيل إذا أصاب جسدهم بول قطعوا ذلك العضو ولم يجزهم الغسل، وإذا نظر أحدهم إلى حرام أدخل أصبعه في عينه فنزعها. أصابهم قحط فخرجوا إلى الاستسقاء، فأوحى الله إلى عيسى عليه السلام أن قل لقومك: من كان منكم مذنباً فليرجع، فرجعوا غير رجل أعور، فقال له عيسى: ألم تصب ذنباً قط؟ قال: لا، غير أني كنت رجلاً حمالاً، فاحملت فاعييت، فاسترحت ساعة، فنظرت فوقعت أحدى عيني على امرأة، فقلت لها لا تصحبيني وفيك طلبة، فنوعتها وطرحتها. فقال له عيسى: ادع أنت فأؤمن أنا، ففعل فرفع الله عنهم القحط.
وإذا أراد الرجل منه من أن يقول لا إله إلا الله اعتزل امرأته قبل ذلك، ولم يأكل اللحم أربعين يوماً ثم قالها - وفي هذه الأمة يزني الرجل ويفسق أنواع الفسوق، وهو يقولها مع ذلك - وإذا أنذب الرجل أصبح مكتوباً على باب داره فعلت كذا، فإن تاب من ساعته وإلا لم تقبل توبته.
قدم المهدي البصرة وأراد أن يصلي بالناس في جامعها، فقال أعرابي: يا أمير المؤمنين لست على طهر، وقد رغبت إلى الله تعالى في الصلاة خلفك. فقال: انتظروه رحمكم الله، ودخل المحراب ووقف، إلى أن قبل له: قد جاء الرجل فكبر، فعجب الناس من سماحة خلقه.
لما ولي الهادي صلى بالناس الغداة في داره فأرتج عليه، فهابوه أن يلقنوه، فقرأ أليس منكم رجل رشيد، ففتحوا عليه.

باب
الذم والهجو، والشتم، والاغتياب وما شاكل ذلك أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: أيها الناس أن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إياكم والغيبة، كان الله حرم أكل لحم الإنسان، كما حرم ماله ودمه.
أبو الدرداء رفعه: من ذكر امرء بما ليس فيه ليعيبه حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي ينفذ مما قال فيه.
جابر رفعه: إياكم والعيبة فإن الغيبة أشد من الزنا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عز وجل عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبها.
عمر رضي الله عنه: ما يمنعكم إذا رأيتم من خرق أعراض المسلمين أن تعربوا عليه؟ قالوا: تخاف سفهه، قال: ذلك أدنى أن لا تكونوا شهداء. التعريب على الرجل: الرد عليه والتقبيح، وهو من العرب وهو الفساد، لأنك تفسد عليه قوله وتبطله.
أنس: من اغتاب المسلمين وآكل لحومهم بغير حق، وسعى بهم إلى السلطان جئ به يوم القيامة مزراقة عيناه، ينادي بالويل والبثور والنوامة، يعرف أهله ولا يعرفونه.
هشام بن عبد الملك بن مروان لعبد الله بن عمرو بن الوليد المعيطي
أبلغ أبا وهب إذا ما لقيته ... بأنك شر الناس عيباً لصاحب
فتبدى له بشراً إذا ما لقيته ... وتلسعه بالغيب لسع العقارب
وعد خالد بن صفوان الفرزدق فسوفه، فتهدده، فقال: أن هذا قد جعل أحدى يديه سطحاً، وملأ الأخرى سلحاً، وقال: أن عمرتم سلحي وإلا لطخكم بسلحي.
صادف الشعبي قوماً في المسجد يغتابونه، فأخذ بعضادتي الباب وقال متمثلاً:
هنيئاً مريئاً غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
قاول الحماني بلال بن جرير فقال له: يا ابن أم حكيم! فقال بلال: ما تذكر من ابنة دهقان، وأخيذة رماح، وعطية ملك، ليست كأمك التي بالمروت تغدو على أثر ضأنها، كأنمان عقباها حافرا حمار؛ فقال الحماني: أنا أعلم بأمك، وإنما عتب عليها الحجاج في أمر الله أعلم به، فحلف أن يدفعها إلى الأم العرب، فلما رأى أباك لم يشك.
قيل لنصيب هلا هجوت فلاناً وقد حرمك؛ قال: لآني كنت أحق بالهجاء منه إذ رأيته موضعاً لمدحي.
أبو حنش النميري لجريد:
ولو لا أن يقال هجا نميراً ... ولم يسمع لشاعرها جواباً
رغبنا عن هجاء بني كليب ... وكيف بشاتم الناس الكلابا

كان عبد الله بن الزبير يسب نقيفاً إذا فرغ من خطبته فيقول: قصار الخدود، لئام الجدود، سود الجلود بقية قوم ثمود.
تقول العرب: فلان لا ينير ولا يسدي، ولا يعيد ولا يبدي، ولا يحيي ولا يردي.
أعرابي ما يحث إلى لقائك، ولا تزف نعام القلوب إلى طلعتك، ولا تثنى خناصر الشمال بك ما تظمأ من الجنب. وهو لصدق الرنة بالجنب من العطش، وعادة الأعراب أن يثنوا الخمس من اليمين ثم من اليسار، فأراد أنه لا يعد فيمن يعد رأساً لا أولاً ولا آخراً.
قيل لأبي العيناء: هل بقي في دهرنا من يقلي؟ قال: نعم في البئر.
قال الحجاج للشعبي: يا عامر أرب وافر وعقل فاخر. لعله قال له ذلك على أثر ما غاضه من خروجه مع عبد الرحمن، وإلا فقد علم الحجاج أن عقيله إلى عقل الشعبي سراج فاتر إلى ضياء باهر، وليس بأول ظلم ارتكبه.
قيل لجرير: أن الطرماح قد هجا الفرزق، وقد كبر وضعت، فلو أجبت عنه؛ فقال: صدى الفرزدق يفي بطيء كلنا، وقد أردت ذلك فخفت أن يقال: اجتمع فحلا مضر على مخنث طيء.
قيل لأعرابي فلان يعيبك، فقال: ذاك المائل عن المجد رجلاً، الملطي باللؤم وجهاً، قد ينبح الكلب القمر.
شتم رجل حكيماً، فقيل له: هلا غضبت! فقال: كفاه خسه أن يشتم ولا يشتم.
الحكم بن قنبر:
ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل
مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر سائل
تساب بدويان، فقال أحدهما لصاحبه: أراك والله تعطس عن أنف طالما جدع على الهوان. فقال صاحبه: والله لئن لم نكف عني شر لسانك، ولم تستر دوني عورة نسبك لا صدعن صفاتك بمعول لا ينبو عن مضربه، ولا حصدن رأسك بمنجل لا ينثني عن مأخذه. فقال الأول: لا تسعر نارنا، ولا تطلب عوارنا، فإن سفه الجاهل بالسانه وسفه. اللبيبه في يده، وكأني بك وقد وعيت مني كلاماً يمنعك الشراب البارد، ويشمت بك الصادر والوارد، وقل من تمرد على العافية ألا تمرد عليه البلاء. فانقلب عنه مغيظاً يهمهم.
حكيم: أبصر الناس بعوار الناس المعور.
بعض السلف: عجباً لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح؟ عجباً لمن قيل فيه الشر وهو فيه كيف يغضب؟ قيل لشبيب بن شيبة: ما بال عبد الله بن الأهتم يتنقصك؟ قال: لأنه شقيقي في النسب، وجارى في البلد، وشريكي في الصناعة.
إسحاق بن خلف البهراني في بني زياد بن أبيه:
كيت يزهى بنو زياد وفيهم ... ميسم ظاهر بألعى الأنوف
أنت يكفيك أن يقال زياد ... ي فترمى بالواضح المألوف
قيل لبعض ولد أبي لهب: العن معاوية، فقال، ما أشغلني يتبت! قال أبو حنيفة رحمه الله: أنت مطوياً خير منك منشوراً.
الضرب في الجناح والسب في الرياح.
أو سعتهم سباً وأودوا بالأبل.
قال المتوكل لأبي العيناء: ما بقي في المجلس أحد إلا ذمك غيري. فقال:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضباباً علي لئامها
وقال له: ما تقول في محمد بن مكرم والعباس بن رستم؟ فقال: هما الخمر والميسر اثمهما أكبر من نفعهما.
لما هجا محمد بن حازم محمد بن حميد الطائي وأفرط اتفقت على ابن حازم محنة اختفى فيها. فوجه إليه ابن حميد بعشرة الآف، وعشرة أثواب، ويرزون بسرجه ولجامه، وغلام رومي، وكتب إليه: أكرمك الله وابقاك، ذو الأدب تبعثه قدرته على نعت الشيء بخلاف هيئته، ويحمله التظرف على هجاء بعض أخوانه في حال دعابته، وليس ما شاع من هجانك لنا يجري سوى هذا المجرى منا، وقد بلغني من خبرك ما لا غضاضة عليك فيه، مع كبر نفسك وأدبك، إلا عند العامة من الجهال، الذين لا يكرمون ذوي الأخطار إلا على الأموال دون الآداب، ونخن شركاء فيما ملكنا، وقد وجهت إليك ما استفتحت به أن بساطك وأن قل ليكون سبباً إلى غيره.
فرد ابن حازم ما وجه إليه، وكتب:
وفعلت فعل ابن المهلب إذ ... كعم الفرزدق بالنى الغمر
فبعث بالأموال ترغبني ... كلا ورب الشفع والوتر
لا ألبس النعماء من رجل ... ألبسته عاراً على الدهر
بعضهم: بت ليلة في البصرة مع المسجديين، فلما كان وقت السحر حركهم واحد فقال: إلى كم هذا النوم عن اعرض الناس؟ قيل لرجل: ما صنع بك فلان؟ قال: متعني لذة الشكوى.

أعرابي: فلان لا يخاف عاجل عار، ولا آجل نار، كالبهيمة تأكل ما وجدت، وتنكح ما لحقت.
وذكر آخر قوماً فقال: سلخت أقفاؤهم بالهجاء، ودبغت جلودهم باللؤم.
آخر: هو عبد البدن، حر الثياب، عظيم الرواق، صغير الأخلاق، الدهر يرفعه، ونفسه تضعه، لا أمس ليومه، ولا قديم لقومه.
قيل لرجل: كيف رأيت فلاناً؟ قل: طويل العنان في اللؤم، قصير الباع في الكرم، وثاباً على الشر، زمناً عن الخير.
أعرابي: من عاب سفلة فقد رفعه، ومن عاب شريفاً فقد وضع نفسه.
كان الجنيد من كبا العمال. وكان يعطي الناس الجوائز السنية ويشتمهم. فقصده شاعر فقال: أعطوا هذا الماص بضر أمه سبعين ألفاً، فقال:
يعطى على شتمة وأن صغرت ... سبعين ألفاً طوبى لمن شتمه
قام رجل إلى سليمان بن عبد الملك فقال: إني مملك بابنه عمي على مائتي دينار، فإن رأى أمير المؤمنين أن يسلفينها، فقال: يا ابن اللخناء، أقسطار أنا حتي أسلفك؟ بل أهب لك مائتي دينار، ومائتي دينار، ولم يزل يكررها حتى انقطع نفسه على ثلاثة آلاف دينار؛ فقبضها، فأتاه الناس يهنؤونه، فقال: أين قوله يا ابن اللخناء؟ فبلغ ذلك سليمان فقال صدق، وددت أني افتديتها بأضعافها ولم أقلها.
نظر بعض السلف إلى رجل يفحش، فقال له: يا هذا إنك تملي على حافظيك كتاباً، فانظر ماذا تقول.
بعضهم: ذم من شئت فهو للذم موضع.
عمر رضي الله عنه: ولو أن امرء كان أقوم من القدح لوجدت له من الناس غامزاً، وما ضرت كلمة لم يكن لها حقيقة.
أبو عبيدة: الأم الناس الأغفال الذين لم يهجوا ولم يمدحوا.
قيل لسقراط: هل من إنسان لا عيب فيه؟ قال: لو كان إنسان لا عيب فيه لكان لا يموت.
ابن عباس: ما الأسد الضاري في فريسته بأسرع من الدنئ في عرض السري.
شاعر:
ومطروفة عيناه في عيب نفسه ... فإن بان عيب من أخيه تبصرا
الرفاء وهو ابن در.
ولو أن دارك أنبتت لك واحتشت ... ابراً يضيق بها فناء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك ابرة ... لليخيط قد قميصه لم تفعل
رابعة: الإنسان إذا نصح لله في نفسه أطلعه الجبار على مساوئ عمله، فشاغل بها من دون خلقه.
قال عبد الله بن عروة لابنه: أنه والله ما بنت الدنيا شيئاً إلا هدمه الدين، ولابنى الدين شيئاً فاستطاعت الدنيا هدمه، ألا ترى إلى علي عليه السلام ما تقول فيه خطباء بني أمية من ذمه وعيبه؟ والله كأنما يأخذون بناصيته رفعاً إلى السماء أو ما رأيت ما يندبون به موتاهم؟ والله لكأنما يندبون به جيف حمير.
كان يقال: ما استب اجلان إلا غلب ألأمهما.
وعن بعض الحكماء: لا أحب أن أكون في حرب الغالب فيه شر من المغلوب.
قالوا: الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة، لأنك أن استودعك أخوك مالاً لم تحدثك نفسك بخيانة، وأنت تغتابه ولا تبالي.
سمع علي بن الحسين رجلاً يغتاب، فقال: ويحك، إياك والغيبة فإنها أدام كلاب الناس، من كف عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة.
شتم رجل الزهري فقال: أن كنت كما قلت فهو شر لي، وأن لم أكن كما قلت فهو شر لك. وكان يقول: متى قلت لمملوك أخزاك الله فهو حر.
وعن طلحة بن عبيد الله أنه دعا أبا بكر وعمر وعثمان رضي له عنهم، فأبطأ عليهم الغلام بشيء أراده، فقال: يا غلام، فقال لبيك، فقال لا لبيك. فقال أبو بكر: ما سرني أني قلتها وأن لي الدنيا. وقال عمرك ما سرني أني قلتها وأن لي نصف الدنيا، وقال عثمان: ما سرني أني قلتها وأن لي حمر النعم. وصمت عليها طلحة، فلما خرجوا باع صيعة بخمسة عشر ألفاً وتصدق بها.
قيل لابن سيرين: مالك لا تقول في الحجاج شيئاً؟ قال: أقول فيه حتى ينجيه الله لتوحيده ويعذبني باغتيابه. وكان جعل عل نفسه إذا اغتب تصدق بدينار.
وقال له رجل: أننا ننال منك فاجعلنا في حل، فقال: ما كنت لأحل لكم ما حرم الله عليكم، وكان مدح أحداً قال: هو كما شاء الله، وإذ أراد أن يذمه قال: هو كما علم الله.
معاوية بن قرة: كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدراً وأقلهم نمية.
الأحنف: في خلقان، لا اغتاب جليسي إذا غاب عني، ولا أدخل في أمر قوم لا يدخلونني فيه.
قيل لرجل من العرب: من السيد فيكم؟ قال: الذي إذا أقبل خبناء، وإذا أدبر اغتبناه.
كان ابن عون إذا ذكر عنده الرجل بعيب قال: أن الله رحيم.

القاضي احمد بن أبي دؤاد في محمد بن عبد الملك بن الزيات
أحسن من خمسين بيتاً سدى ... جمعك معناهن في بيت
ما أحوج الملك إلى مطرة ... تغسل عنه وضر الزيت
خالد الزبيدي:
إذا نمري طالب الوتر كفه ... عن الوتر أن يلقى طعاماً فيشيعا
إذا نمري ضاق بيتك فاقره ... مع الكلب زاد الكلب وازجرهما معاً
قيل للربيع بن خثيم: ما نراك تعيب أحداً؛ قال: لست عن نفسي راضياً فأتفرغ لذم الناس، وأنشد:
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها ... لنفسي في نفسي عن الناس شاغل
عبد الله المبارك: قلت لسفيان: ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة؟ ما سمعته يغتاب أحداً قط؛ قال: هو والله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها.
محمد بن سوقة: ما أحسب رجلاً يفرغ لعيوب الناس إلا من عقلة غفلها عن نفسه.
سئل فضيل عن غيبة الغاسق المعلن، أله غيبة؟ فقال: لا تشتغل بذكره، ولا تعود لسانك الغيبة، عليك بذكر الله، وإياك وذكر الناس، فإن ذكر الناس داء، وذكر الله شفاء.
خزاعي بن عوف:
ولست بدى ثرب في الصدي ... ق مناع خير وسبابها
ولا من إذا كان في مجلس ... أضاع العشيرة واغتابها
ولكن أطاوع ساداتها ... ولا أتعلم ألقابها
زياد الأعجم:
أني لأكرم نفسي أن أكلفها ... هجاء جرم ولما يهجهم أحد
ماذا يقول لهم من كان هاجيهم ... لا يبلغ الناس ما فيهم وأن جهدوا
فضيل: الغيبة فاكهة القراء، وكان يقول: ما لعنت إبليس قط، وكان يكره إذا كان عالمان في قبيلة أن يفضل أحدهما على الآخر.
ومر بابن سيرين طبيبان ذميان، فقيل له أيهما أطب؟ فقال أخاف أن تكون غيبة.
الأوزاعي: عدنا مكحولاً فقال: اللحوق بمن يرجى خيره خير من البقاء مع من لا يؤمن شره.
ما نار في اليبس بأسرع من الغيبة في الحسنات.
اعتب رجل رجلاً عند معروف الكرخي فقال: اذكر القطن إذا وصعوه على عينيك.
رأت أم البهلول ابن سيأبه فقالت: قبح الله هذا، لو كان داء لما برئ منه.
كان بين سعد بن مالك وبين خالد بن الوليد كلام، فذهب رجل يقع في خالد عند سعد، فقال: له، أن ما بيننا لا يبلغ ديننا.
لقمان: يا بني، قد دحرجت الحجارة، وقطعت الصخور، فلم أجد شيئاً أثقل من كلمة السوء ترسخ في القلب كما يرسخ الحديد في الماء.
قال حماد عجرد في بشار:
والله ما الخنزير في نتنه ... بربعه في النتن أو خمسه
بل ريحه أطيب من ريحه ... ومسه ألين من مسه
ووجهه أحسن من وجهه ... ونفسه أفضل من نفسه
وعوده أكرم من عوده ... وجنسه أكرم من جنسه
فقال بشار: ويلي على الزنديق لقد نفث ما في صدره؛ قيل: وكيف ذاك أبا معاذ؛ قال: ما أراد إلا قول الله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم فأخرج الجحودية مخرج هجائي.
روي انه لم يجزع جزعه من قوله فيه:
ويا أقبح من قرد ... إذا ما عمي القرد
وأنه بكى لما سمعه، وقل: يراني فيصفني، ولا أراه فأصفه.
جرى في الغواية إلى الغاية، وفي مخالفة النهي إلى النهاية.
مضغوه بالألسنة الجاذبة، ولا كوه في الأحناك الكاذبة.
كثير:
وسعي إلي بغيب عزة نسوة ... جعل الآله خدودهن نعالها
فلان ما يرتح للمدح، ولا يرتاح للذم.
قال ابن مناذر لرجل: مالك أصل فاحفره، ولا فرغ فاهصره.
آخر: لم أجد حسباً فأثلمه، ولا بناء فأهدمه.
توبة:
رماني وليلى الأخيلية قومها ... بأشياء لم تخلق ولم أدر ما هيا
فلان عناما القذاع، عري من حلية التقوى، ومحي عنه طابع الهدى، لا تثنيه يد المراقبة، ولا تكفه خيفة المحاسبه.
قيل لإسماعيل بن حماد: أي اللحمان أطيب؟ قال: لحوم الناس، هي والله أطيب من لحوم الدجاج والدراج، يعني التفكه بأعراضهم واغتيابهم.
مر المسيح في الحوار بين على جيفه كلب، فقال بعضهم: ما أشد نتن ريحه! فقال: هلا قلت: ما أشد بياض أسنانه.
حسل بن عرفطة:
ليهنك بغض في الصديق وظنة ... وتحديثك الشيء الذي أنت كاذبه

وأنك مشنوء إلى كل صاحب ... بلاك ومثل الشر يكره جانبه
وأنك مهداء الخنا نطف الثنا ... شديد السباب رافع الصوت غالبه
فلم أر مثل الجهل أدنى إلى الردى ... ولا مثل بغض الناس غمض صاحبه
ابن المعتز: لا تذكر الميت بسوء فتكون الأرض أكتم منك عليه.
وكان محمد عبد الملك بن صالح إذا ذكر الميت عند سوء كفوا عن أسارى الثرى.
الريبة عار والغيبة نار، ومن عن الريبة كف عن الغيبة.
محمد بن حرب: أول من عمل الصابون سليمان، وأول من عمل القراطيس يوسف وأول من عمل السويق ذو القرنين، وأول من خبز الجرادق نمرود، وأول من كتب في القراطيس الحجاج، وأول من بني مدينة في الإسلام الحجاج، وأول من اغتاب إبليس اغتاب آدم.
سامع الغيبة أحد المغتابين.
أبو نواس:
ما حطك الواشون عن رتبة ... عندي ولا ضرك متاب
كأنما أثنوا ولم يعلنوا ... عليك عندي بالذي عابرا
آخر:
أبا حسن يكفيك ما فيك شاتماً ... لعرضك من شتم الرجال ومن شتمي
أوحى الله إلى موسى أن المغتاب إذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، وإن أصر فهو أول من يدخل النار.
اشكاب: لا تأمن من كذب لك أن يكذب عليك، ومن اغتاب عندك غيرك أن يغتابك عند غيرك.
كان أبو الطيب الطاهري يهجو ابني سامان فقال له نصر بن أحمد يوماً: يا أبا الطيب إلى متى تأكل خبزك بلحوم الناس؟ فخجل ولم يعد.
برزجمهر، قال لولده: لا تكونوا عيابين فتكونوا عند الناس إذا أذنبتم أشد عيباً، وأقل عذراً.
علي رضي الله عنه: من نظر في عيوب الناس فأنكرها، ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه.
الحسن: ذم الرجل لنفسه في العلانية مدح لها في السر.
قال الحجاج لابن القرية: من شر الناس؟ قال: الذي يطلب عثرات الناس وهو مصر على الذنوب.
هجا الفرزدق سنان بن سنان الحرامي، فأخذه قومه فربطوه وجاؤا به إلى الفرزدق، وقالوا: هذا أسيرك فافعل به ما شئت، وأنا قد برئنا إليك من جرمه، وإياك وأعرضنا. فقال له: ما دعاك إلى هجائي؟ قال: الحين، قال: أفتعود؟ قال: لا، قال: فاذهب. وقال:
ومن يك خائفاً فرطات شعري ... فقد أمن الهجاء بنو الحرام
هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام
مبارك العلوي:
آبى فلا امدح اللئام معا ... ذا الله مدح اللئام لي دنس
لكن ساهجوهم وإن رغمت ... مما أقول المناخر الفطس
العباس بن يزيد الكندي:
لو اطلع الغراب على تميم ... وما فيهم من السوءات شابا
أتى ابن فسوة عبد الله بن عباس يستوصله، فلم يصله، فقال:
أتيت ابن عباس أرجى نواله ... فلم يرج معروفي ولم يخش منكري
فليت قلوصي عريت أو رحلتها ... إلى حسن في داره وابن جعفر
فقال به عبد الله بن جعفر: أنا اشتري منك عرض ابن عمي، فقال: اشتر ولا تؤخر. فوصله حتى كف.
سمع أعرابي قوله تعالى: الأعراب أشد كفراً فامتعض؛ ثم سمع: ومن الأعراب من يؤمن بالله: فقال: الله أكبر! هجانا الله ثم مدحنا، وكذلك فعل الشاعر حيث يقول:
هجوت زهيراً ثم إني مدحته ... وما زالت الأشراف تهجي وتمدح
لما قام السفاح قال له أحمد بن يوسف: لو أمرت بلعن معاوية على المنابر كما سن اللعن على علي عليه السلام؛ فأبى وتمثل يقول لبيد:
فلما دعاني عامر لأسبهم ... أبيت وأن كان ابن عيساء ظالما
لو تأمل رجل أفعال فلان ثم اجتنبها لا ستغنى عن الآدب أن يطلبها.
لو أن رجلاً تجنب أخلاقه لقيل قد مد المجد عليه رواقه.
دخل أبو الهندي على أسد بن عبد الله بن كرز البجلي، وعنده رجل من جرم على سريره؛ فتناول أبا الهندي، فقال له أسد: مهلاً يا أخا جرم فإن له لساناً لا يطق؛ فقال أبو الهندي: كم الكبائر؟ قال: بلغني أنهن أربع: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله. قال أبو الهندي: بلغني أنهن خمس: تجفاف على بعير، وسراج في شمس، ولبن في باطية، وخمر في علبة، وجرمي على سرير. فبهت الجرمي.
سأل الفرزدق سيد غدانة عطية بن جعال أن يكف عن هجو قومه، فأجابه ثم قال:

أبني غدانة أنني حررتكم ... فوهبتكم لعطية بن جعال
لو لا عطية لاجتدعت أنوفكم ... من بين الأم آنف وسبال
فقال عطية: سبحان الله! ما أسرع ما رجعت في عطيتك! الفيض بن أبي صالح:
ليس في العير يوم عبر أبي سف ... يان تباً لتلكم من عير
لا ولا في النفير يوم قريش ... حين جدت وأزمعت بالنفير
ذم أعرابي قوماً فقال: هم أقل الناس ذنوباً إلى أعدائهم، وأكثرهم جرماً إلى أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على المنكر، ألسن عامرة من الوعد، وقلوب خربة من المجد.
آخر: أن فلاناً يكاد يعدي بلؤمه من سمي باسمه، ولئن خيبني فلرب قفيه كريمة ضاعت في رجال لئيم.
الحسن: عاش المسلمون برهة من زمانهم وأن الرجل ليحرم غيبة أخيه ودرهمه وسوطه أن يجده ملقى في الأرض حتى يرده عليه، فبيناهم كذلك إذ طعن الشيطان طعنة فنفرت القلوب فصارت وحشا، فإذا هو يستحل دم أخيه ماله، وهو بالأمس يحرم غيبته ودرهمه وسوظه.
علي عليه السلام رفعه: من بهت مؤمناً أو مؤمنة، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله على تل من نار حتى يخرج مما قال فيه.
علي عليه السلام: الغيبة جهد العاجز. ومنه أخذ المتنبي.
أكبر نفسي عن جزاء بغيبة ... وكل اغتياب جهد من لا له جهد
أبو يزيد العبدي:
ولقد قتلتك بالهجاء فلم تمت ... أن الكلاب طويلة الأعمار
وأراك تنجني فتسرب جاهداً ... كالكلب ينبح كامل الأقمار
وقف قوم بباب عدي بن الرقاع ليها جوه فقالت لهم بنت له صغيرة:
تجمعتم من كل أوب ووجهة ... على واحد لازلتم قرن واحد
قال الكندي لرجل: أنت والله ثقيل الظل، مظلم الهواء، جامد النسيم.
كلثوم بن أوفي التميمي المعروف بابن قسيمة:
إذا لم يرج قومك منك خيراً ... تجود به ولا خلقاً رغيباً
وكنت عليهم أسداً مدلاً ... وعن أعدائهم درعاً هيوباً
وسبهم العدد فلم تنكسر ... عليه وكنت بعد لهم سبوبا
وأن منيتهم خيراً وعسراً ... وفيت به وكنت به طبيبا
وأن منيتهم شراً وعسراً ... لقومك كنت مخلافاً كذوباً
وأن فسدوا رضيت وأن تراضوا ... ظللت لذاك محتزناً كئيباً
وأن أطعمت بعضهم طعاماً ... مننت به وكنت له طلوباً
فليت الحي قد حفروا بفأس ... قليباً ثم أعمرت القليبا
حكيم قال لرجل: مذكم لسعتك عقرب أو لدغتك حية؟ قال: ما أذكر شيئاً من ذلك؛ قال: فمتى عهدك بمن أغتابك وسبك، وكتم محاسنك، ونشر مساوئك، وسعى في هلاكك؟ قال: أقرب عهد.
وقف جدي على سطح، فمر به ذئب فشتمه، فقال له الذئب: أنت لا تشتمني إنما يشتمني المكان الذي أنت به.
شاعر:
توف ملاحاة الشيوخ وذمهم ... فإن لهم علماً برد المئالب
ذكر خالد بن صفوان اليمانية فقال: ما منكم إلا ناسج برد، وسائس قرد، ودابغ جلد، وراكب غرد، غرقتهم فأرة، وللكتهم امرأة، ودل عليهم الهدهد. قالوا العرد البغل.
هو سيد قريع، بتقديم الراء: أبو الدرداء رضي الله عنه: احذروا الناس، فما ركبوا ظهر بعير ألا أذبروه، ولا ظهر جواد إلا عقروه، ولا قلب مؤمن إلا خربوه.
المخرق بن الممزق:
أنا المخرق أعراض اللئام كما ... كان الممزق أعراض اللئام أبي
مخلد بن علي السلامي الحوراني:
على أبوابه من كل وجه ... قصدت له أخو مر بن أد
أخو لحم أعارك منه ثوباً ... هنيئاً بالقميص لك الأجد
أبوك أراد أمك حين زفت ... فلم توجد لأمك بنت سعد
يعني أن أبوابه مضببة مغلقة، لأن أخا مر هو ضبة، وأخوكم جذام، أر أنه مجذوم، وبنت سعد هي عذرة، أراد لم تكن عذراء.
قال رجل لابن سيرين: إني شتمتك فاجعلني في حل. قال: ما كنت لا حل لك ما حرم الله عليك.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامل له: بلغني أن قبلك قوم يسبون أبا بكر وعمر فمن قامت عليه بينة عادلة فاضربه ضرب المستطيل في عرض أخيه وهو ساكت.

عامر بن عبد الله بن الزبير: ألا أن الدنيا لم تبن شيئاً إلا هدمته الآخرة، وأن الآخرة لم تبن شيئاً فهدمته الدنيا، وأن بثي أمية لعنو عليا على منابرهم سبعين سنة فما زاده الله إلا رفعة ونبلاً.
استب رجلان، فقال أحدهما: لو قطع زبك ثم علق لم تبق زانية إلا عرفته. وقال الآخر: ما ولدت زانية بالكوفة ولداً إلا وفيه شبه منك. فلم يوجبوا عليها حداً.
عن معاوية بن قرة: كأن أفضلهم عن السلف أسلمهم صدأ، وأقلهم غيبة.
سب عبيد الله بن عمر المقداد فقال عمر: علي نذر أن لم أقطع لسانه فلا يسب أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أراد رجل تطليق امرأته، فقيل له: ما عيبها؟ فقال هل يتكلم أحد بعيب امرأته؟ فلما طلقها قيل له: ما كان عيبها؟ قال هي امرأة غيري، ما لي ومالها؟ عن بعض الصالحين أنه سمع غيبة من امرأة فصاح: الحريق! فازدحم الناس على بابه فلم يروا شيئاً، فقالوا له، فقال: وقع الحريق في وفيها وفي أهلي، وما ملكت يدي حين اغتابت.
كان بعض الصلحاء يضع في كمه الفانيذ، فإذا رأى أحداً يغتاب، يذكر أحداً بسوء لقمه الفانيذة، وقل: هذا أحلى مما تكلمت به فاتركه.
بلغ الحسن البصري أن فلاناً قد اغتابك، فأهدي إليه طبقاً من رطب. فأتاه الرجل وقال: اغتبتك فأهديت إلي؟ فقال الحسن: قد أهديت إلى حسناتك فأردت أن أكافئك.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري بي إلى السماء رأيت قوماً يأكلون الجيف، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس.
فضيل: لكل شيء ديباج، وديباج القراء ترك الغيبة.
مر عمرو بن العاص على بغل ميت، فقال لأصحابه: والله لئن يأكل أحدكم من هذا حتى يملأ بطنه خير له من أن يأكل لحم أخيه.
النبي صلى الله عليه وسلم: من اغتيب غيبة غفر الله نصف ذنوبه.
أبو هريرة: لئن أقوم إلى كوز ماء فأشربه في رمضان أحب إلي من أن اغتاب مسلماً.
أحمد بن أبي الحوارى: سمعت سفيان بن عيينة يقول: اسمعوا ما أقول لكم فإنه أنفع لكم من الحديث: لو أن رجلاً أصاب من مال رجل شيئاً فلم يرده عليه في حياته، فتاب بعد موته وجاء إلى ورثته حتى جعلوه في حل لكنا نرى أن ذلك كفارة له، ولو أصاب من عرض رجل، فتاب بعد موته، وجاء إلى ورثته، وإلى جميع أهل الأرض فجعلوه في حل لم يصر في حل، ولم ينج من صاحبه، فافهموا ما يقال لكم، فعرض المؤمن أشد من ماله.
وعن طاووس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجعفر وهو يحجم في رمضان، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم. فقال جعفر للحجام: امسح عني فوالله ما احتجمت حتى رأيت رسول الله يحتجم في شهر رمضان. قال جعفر: فلحقت رسول الله فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، ما احتجمت حتى رأيتك تحتجم في رمضان فممرت آنفاً فقلت أفطر الحاجم والمحجوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله يا جعفر هل كنت أنت والحجام تغتايان مسلماً؟ فقال: اللهم نعم. فقال: لغيبتكما إياه أفطرتما. أن الغيبة تفطر الصائم وتفسد الوضوء والصلاة.

باب
الذل والهوان، والضعف والقلة، والخسة وسقوط الهمة، وذكر الرعاع والغفل كلمت النبي صلى الله عليه وسلم جارية من السبي، فقال من أنت؟ قالت: بنت الرجل الجواد حاتم: فقال: ارحموا عزيزاً ذل، وغنياً افتقر، وارحموا عالماً ضاع بين جهال.
عمر رضي الله عنه: ليس ينبغي لمن أخذ بالتقى أن يذل نسه لصاحب دنيا.
وعن طارق بن شهاب: أن عمر لما قدم الشام، عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه، فأمسكهما بيده وخاض الماء. فقال له أبو عبيدة قد صنعت اليوم صنعاً عظيماً عند أهل الأرض. فصك في صدره وقال: أوه لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة! إنكم كتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام. فمتى ما تطلبوا العز بغيره يذلكم.
منصور الفقيه:
يا من له من تميم ... عم نبيل وخال
أن لم يكن لك تقوى ... ولم يكن لك مال
فاجلس فأنت ذليل ... بحيث تلقى النعال
تميم الداري: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا ادخله هذا الدين، بعز عزيز يعز به الله الإسلام، وذل ذليل يذل الله به الكفر.

قيل لأعرابي: كيف تقول استخذأت أو استخذيت؟ قال: لا أقوله، قيل؛ ولم؟ قال: لأن العرب لا تستخذي.
أوس بن حارثة الطائي: من قل ذل، ومن أبر فل.
يقال: ما هو إلا جمل السقاية وحمار الحوائج، للممتهن.
يقال: فلان يمزجر الكلب، إذا كان بعيداً من مجلس الناس لمهانته.
وعن بعض السلف: قف لي فوت الرقيب من الأيسار، ومزجر الكلب من السمار وقال أبو سفيان بن حرب:
وما زال مهري مزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتى دنت لغروب
ويقال للأراذل والسقاط أبناء درزة، أنشد المبرد لبعض الشعراء في زيد بن علي ومن خرج معه:
يا با حسين والأمور إلى مدى ... أبناء درزة أسلموك وطاروا
وقال: هم خياطون من أهل الكوفة خرجوا معه، ثم انهزموا أسرع شيء.
ويقال لهم أبناء الدهاليز، قال ابن بسام:
يا ابن الدهاليز وأبناء السكك ... ويا ابن عجل لا يجي زوجي يرك
يقال للقيط: ابن عجل عجل.
المتلمس:
أن الهوان حمار الأهل يعرفه ... والحر ينكره والجسرة الأجد
ولا يقيم بدار الهون يعرفها ... إلا الأذلان عير الأهل والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فما يرثى له أحد
علي عليه السلام مسكين ابن آدم مكتوم، الأجل مكتوب العمل، تؤذيه البقة، وتقتله الشرقة، تنتنه العرقة، وتميته الغرقة.
ذمت أعرابية قوماً فقالت: لهم صبر على عض الهوان.
الجاحظ: وجد بعض العرب ثعلبين يبولان على رأس صنمه فقال:
رب يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذل ما بالت عليه الثعالب
قال وروى: هو ذكر الثعالب. وأنشد:
كم رأينا للدهر من أسد ... بالت على رأسه ثعالبه
لما أحاطت بنو أسد بحجر بن عمرو أبي امرئ القيس قال: يا بؤس للسباع في أيدي الضباع.
زيد بن علي رضي الله عنه: ما أحب أحد الحياة قط إلا ذل.
الحسن. ترى ذل المعاصي في وجوهم وإن دققت بهم الهماليج في ديوان المنظوم:
الموت والهون أن خيرت بينهما ... فعجل الموت لي أن اختر الهونا
تمثل المنصور حين أتاه خروج إبراهيم بن عبد الله بالبصرة، يقول سلامة بن جندل:
وسومة ذل نجعل الموت دونها ... نقول بها للموت أهلاً ومرحبا
يقال للذليل: هو بمدرجة السيل، قال عبد الله بن مكنف المدني.
قد كنت آوي من ... نداك إلى ذرى جبل ظليل
فغبرت بعدك واضعاً ... زجلي بمدرجة السيول
أبو المطرف عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص يخاطب أخاه مروان بن الحكم:
أنك لم تجد طرداً لحر ... كالصادق به طرف الهوان
ولم تجلب مودة ذي وفاء ... بمثل البذل أو لطف اللسان
فلو كنا بمنزلة سواء ... لجئت وأنت مضطرب العنان
في ديوان المنثور: من أهان نفسه لربه فهو مكرم لها غير مهين، ومن امتهن في طاعة الله فذاك عزيز غير مهين، ألا أخبرك بكل مهان ممتهن، في قضية الذل مرتهن، كل متهالك على حب هذه الهلوك، منقطع إلى أحد هؤلاء الملوك، يدين له ويخضع، ويخب في طاعته ويضع؛ لا يطمئن قلبه ولا تهدأ قدمه، ولا ينحرف عن خدمته همه ولا سدمه؛ منتصب قدامه انتصاب الجذل، وهو ملآن من الجذل؛ بعرض تحسبه مصوناً وهو كمنديل الغمر مبتذل. له ركوع في كل ساعة وتكفير، وخرور على ذقنه وتعفير؛ جماً لاحترازه من سخطه الملك واحتراسة، مقسماً أن أقسم جهد اليمين على رأسه.
وفيه: الحر لا يدر على العصاب، ولا يذل وإن مني بالصعاب. أن لم تكن ذا عرنين أشم كنت لريح الذل أشم. استهان قوم بالدين إلا حاق بهم الهوان، وتفاهم الزمان كما ينفي الزوان. أقل من الهمج أكثر هذه الهج. إذا قلت الأنصار كلت الأبصار.
قيس بن الهيثم السلمي:
فقدنا مصعباً وأخاه لما ... نفت عنا سماؤهما المحولا
وكنا لا يرام لنا حريم ... نسحب في مجالسنا الذيولا
فيا لهفي ولهف أبي وأمي ... لقد أصبحت بعدهما ذليلاً
النبي صلى الله عليه وسلم: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفائها، بدعوتهم وصلاتهم واخلاصهم.

عن سعد بن أبي وقاص انه سأل رسول الله: أرأيت الرجل يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه مثل نصيب غيره؟ فقال عليه السلام: ثكلتك أمك يا ابن أم سعد! وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟ يقال: ذلت صعبته، ولانت صعدته. وانقبض بعد انبساطه، وتطأطأ بعد اشتطاطه.
قطبة بن الخضراء القيني:
ولست كمن يغمز جانباه ... كغمز التين تجنيه الجواري
رأيت معاشراً في الناس دقوا ... خبت نيرانهم فرقعت ناري
قرطة بن المهزم العبدي:
شر الأنام كليب ... هم اللئام القصار
قوم من الذل فيهم ... قماءة وصغار
للذلة اقتحمتها ال ... قلوب والأبصار
سئل أبو حنيفة رحمة الله عن السفلة فقال: هو كافر النعمة. وعن أبي يوسف: من باع دينه بدنياه. وعن محمد بن الحسن. من يبخل بعطية الحجام والمزبن ويأكل في الطريق. وعن الأصمعي: من لا يبالي بما قال أو قيل له؛ وعن عبد الله بن المبارك: السفلة هم اللذين يتغلسون ويحضرون أبواب القضاة يطلبون الشهادة.
وعن ابن الأعرابي: السفلة الذي يأكل الدنيا بدينه. قيل له: فمن سفلة السفلة: قال الذي يصلح دنيا غيره بفساد دينه.
سئل علي عليه السلام فقال: الذين إذا اجتمعوا غلبوا وإذا تفرقوا لم يعرفوا.
وعن يحيى بن أكتم: السفلة الدباغ والكناس إذا كان من غير العرب.
وجاء رجل إلى بقية فقال له: أن امرأتي قالت لي: يا سفلة! فقلت لها: إن كنت سفلة فأنت طالق؛ فقال: ما صنتعك؟ فقال: سماك، فقال: سفلة والله سفلة.
وقيل لمالك بن أنس: من السفلة؟ قال الذي يسب الصحابه. هبنقة القيسي:
إذا كنت في دار يهينك أهلها ... ولم تك مكبولاً بها فتحولا
وإن كنت ذا مال قليل فلا تكن ... ألوفاً لقعر البيت حتى تمولا
دخل الأجرد الثقفي على عبد الملك بن مروان فأنشده.
من كان ذا عضد يدرك ظلامته ... أن الذليل الذي ليست له عضد
تنبو يداه إذا ما قل ناصره ... ويأنف الضيم أن أثرى له عدد
كان لحطيئة ساقط النفس دنيء الهمة، أتى بني كليب فقالوا: هو أشعر الناس، وهابوه وحكموه، وقالوا: سل ما أحببت يا أبا مليكه وأكثر ولا تبق علينا؟ وحسبوا أنه يسألهم في دية، فقال قصعة من ثريد قالوا: ألف قطعة، قال: لا أريد إلا واحدة، فأكل وشبع وقال:
لعمرك ما المجاور في كليب ... بمقصى في المحل ولا المضاع
ويحرك سر جارتهم عليهم ... ويأكل جارهم أنف القصاع
وقدم المدينة فاستعدوا له من كل جانب، وقال بعضهم: علي عشر من الإبل، وقال آخر: علي خمس، وقال آخر علي ألف درهم، وأعدوا له كل ضرب من الثياب. فلما دخل قام متوكئاً على عصاه فقال: من يحملق علي سمل نعله من يعين بسحق عميمة؟ من يكسو جبيبة صوف؟ فسقط عن أعينهم.
ووفد على سعيد بن العاص فقال لغلامه: أدخله السوق فلا يشير إلى شيء إلا اشتريته له. فمر على صنوف الثياب من الخز والقز فلم يشر إلى شيء إلا إلى قطيفة ومدرعة، فعاتبته امرأته، فندم وقال في سعيد:
سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلاً ... فتيان لا حمد عليك ولا ذم
عمير بن جعيل التغلبي:
إذا ضيقت أمراً زاد ضيقاً ... وأن هونت ما قد ضاق هانا
سأصبر من صديقي أن جفاني ... على كل الأذى إلا الهوانا
المنتصر بن المتوكل:
الذل يأباه التفى الحر ... ما الكريم معه صبر
لم يعرف الناس الذي مسني ... فليس لي عندهم عذر
وذلك أن أباه كان يمسه بضروب من الهوان، وأنواع من الإمتهان، وكان قد بالغ في ذلك وافرط أول الليلة الذي جرى عليه ا جرى.
عمير بن جعيل التغلبي:
كما الله حيي تغلب ابنة وائل ... من اللؤم أظفاراً بطيئاً نصولها
إذا رحلوا عن دار ذل تعاذلوا ... عليها وردوا وفدهم يستقيلها
حارثة بن بدر الغداني:
وشيب رأسي واستخف تجلدي ... رعود المنايا بيننا وبروقها
وأنا لتستحلي المنايا نفوسنا ... وتترك أخرى مرة ما تذوقها
يريد المذلة.
بشامة بن الغدير المرى:

هوان الحياة وخزي الممات ... وكلاً أراه طعاماً وبيلا
فإن لم يكن غير أحديهما ... فسيروا إلى الموت سيراً جميلاً
ولا تهلكوا وبكم منة ... كفى بالحوادث للمرء غولا
المغيرة بن حيناء:
إذا المرء أولاك الهوان فأوله ... هوانا وأن كانت قريباً أواصره
فإن أنت لم تقدر على أن تهينه ... فدعه إلى اليوم الذي أنت قادره
وقارب إذا ما لم تكن لك حيلة ... وصمم إذا أيقنت أنك عاقره
سأل سلم بن قتيبة طاووساً عن شيء فلم يجبه، فقيل له: هو سلم بن قتيبة أمير خراسان، فقال: ذلك أهون له علي.
أحسن خالد بن برمك إلى عيسى بن زيد حين كان والي الري، فبلغ ذلك المهدي فأغضبه، وبعث إليه المفضل ليشخصه، فلستوهبه المفضل ضيعة له بالري، فأبى. فلما صادره المهدي ثم رضي عنه، وأعاده إلى منزلته، قال للمفضل: سألتني الضيعة وأنا على تلك الحال، فمنعتك كراهة أن تنزل ذلك مني على الضعف والمداراة لك، وتحرزاً من أن يتهمك مولاك.
له همة خامدة، وكف جامدة.

باب
ذكر الله، والدعاء والاستغفار والمناجاة، والتحميد والتسبيح، والاستعاذة، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك قيل لسفيان بن عيينة: ما حديث يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل دعاء أعطيته أنا والنبيون قبلي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؟ قال: ما تنكر من ذا؟ ثم حدث بقوله عليه السلام: من تشاغل بالثناء على الله أعطاه الله فوق رغبة السائلين. ثم قال: هذا أمية بن أبي الصلت يقول لابن جدعان:
أذكر حاجي أم قد كفاني ... حياؤك أن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليه المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء
فهذا مخلوق يقول لمخلوق، فما ظنك برب العالمين.
ابن عمر: من دعائه عليه السلام: اللهم ارزقني عينين هطالتين تشفيان القلوب بذروف الدموع، قبل أن يكون الدمع دماً، ولأضراس جمراً.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أسألك واقية كواقية الوليد.
وعنه عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك.
عن مولى لأم معبد قال: لما كبرت أم معبد ذهب بصرها، فكنت أقودها فكانت تكثر أن تدعو بهذه الكلمات، وتقول كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، اللهم طهر لساني من الكذب، وقلبي من النفاق، وعملي من الرياء، وبصري من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
علي عليه السلام: ادفعوا أمواج البلاء بالدعاء.
أنس يرفعه: لا تعجزوا عن الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد.
جابر يرفعه: لقد بارك الله للرجل في حاجة أكثر الدعاء فيها، أعطيها أو منعها.
أبو هريرة عنه عليه السلام: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، وأجعل الحياة زيادة في الخير، واجعل الموت راحة لي من كل شر.
جابر: قال سول الله صلى الله عليه وسلم: بينما رجل ممن كان قبلكم إذ مر بجمجمة نظر إلهيا وقام يفكر، وقال: يا رب أنت أنت، وأنا أنا، أنت العواد بالمغفرة وأنا العواد بالذنوب، ثم خر ساجداً، فقيل له: ارفع رأسك، أنت أنت وأنا أنا، أنت العواد بالذنوب، وأنا العواد بالمغفرة. فغفر له.
وقع ابن المعتز تحت الدعاء بإطالة البقاء: كفى بالانتهاء قصراً.
قالت أعرابية عند الكعبة: الهي لك أذل، وعليك أدل.
شريح: اللهم إني أسلك الجنة بلا عمل عملته، وأعوذ بك من النار بلا ذنب تركتة.
قال عبد الملك بن صالح للرشيد: سرك الله فيما ساءك، لاساءك فيما سرك، وجعل هذه بهذه جزاء للشاكرين، وثواباً للصابرين.
أعرابي: اللهم إني أعوذ بك من الفاجر وجدواه، والغريم وعدواه، كان ابن عمر إذا فرغ من طعامه قال: الحمد الله الذي رزقنا وجعلنا نشتهيه، فرب من بقدر عليه ولا يشتهيه.
كان ابن عمر إذا فرغ من طعامة قال: الحمد الله الذي رزقنا وجعلنا نشتهيه، قرب من بقدر عليه ولا يشتهيه.
أعرابي: اللهم اقذف في قلبي هواك، واقطع رجائي عمن سواك.
أبو المنير العروضي في محمد بن علي بن عيسى بن ماهان:

لا يقطع الله كفاً أنت حاملها ... بها تفرجت البلوى عن الناس
سمعت بدوية تقول في دعائها: يا صباح يا مناح، يا مطعم الواسع يا عريض الحفنة، يأبا المكارم. فزجرها رجل، فقالت: دعني أصف ربي، وأمجد الهي بما يستحقه من العرب.
وسمعت أنا منهم من يدعو عند الركن: يا أبا المكارم، يا أبيض الوجه وهذا ونحوه مما يدعون به على عادة الجفاء والعنجهية والجهل بالتوقيف. ولكنهم ينحون نحو غرض صحيح من ثنائهم عل الله عز وجل بالكرم والنزاهة عن القبيح على طريق الاستعارة، لأنه لأفضل عندهم بني الكريم أبي المكارم، ولا بين الجواد والعريض الجفنة، ولا بين المنزه والأبيض الوجه.
قيل أعرابي: أتحسن أن تدعو؟ قال: نعم، اللهم أنك أعطيتنا الإسلام من غير أن نسألك، فلا تحرمنا الجنة ونحن نسألك.
سمع موسى بن جعفر يقول في سجوده آخر الميل: يا رب عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك.
ذكر عند سلام بن أبي مطيع: الرجل تصيبه البلوى فيدعو، فتبطيء عنه الإجابة، فقال: بلغني أن الله تعالى يقول: كيف أرحمه.
يحيى بن معاذ: اللهم إني جعلت الأعتراف بالذنب وسيلة إليك واستطلت بتوكلي عليك، فإن غفرت فمن أولى بذلك، وأن عاقبت فمن أعدل في الحكم منك، اللهم أن نظرت إلى عيون سخطك فلم تغفل عن استنقاذى منها عيون كرمك.
أعرابي دعا لمن أطعمه: أطعمك الذي أطعمني له ما يطعم في الجنة رسله، فقد أحستني بقتل جوعي، ودفعت عني ما لم يكن بمدفوع.
طاووس: إني لفي الحجر لليلة، إذا دخل على بن الحسين، فقلت: رجل صالح من أهل بيت الخير، لا سمعن دعاءه، فسمعته يقول: عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك. فما دعوت بهن في كربة الإفرجت.
أعرابية: وقاكم الله هول المطلع، وصرف عنكم سوء المضطجع، واحسن إليكم في المرتجع.
عمر بن ذر اللهم أن كنا عصيناك فقد تركنا من معاصيك أبغضها إليك وهو الإشراك بك، إن كنا قصرنا عن بعض طاعتك فقد تمسكنا منها بأحبها إليك وهي شهادة أن لا آله إلا الله، وإن رسلك جاءت بالحق من عندك.
أبو حيان: نصرك الله معيناً وأعانك ناصراً.
أعرابي: صرف الله محله، وحمل رحله، وسر بأويته أهله، ولا زال آمنا، مقيماً وظاعناً.
أعرابي: اللهم أنا نبات نعمتك، فلا تجعلنا حصاد نقمتك.
ابن المسيب: سمعت من يدعو بين القبر والمنبر: اللهم إني أسلك عملاً باراً ورزقاً داراً، وعيشاً قاراً. فدعوت به فلم أر الأخيرا.
لا أخلاك الله من ثناء صادق، ودعاء صالح واق.
سلام ابن أبي مطيع: اللهم أن كنت قد بلغت أحداً من عبادك الصالحين درجة ببلاء فبلغنيها بالعافية.
وسارية لم تسر بالليل تبتغي ... مناخاً ولم يقصر لها القيد مانع
تسير وراء الليل والليل ضارب ... بأوراقه فيه سمير وهاجع
إذا وفدت لم يردد الله وفدها ... على أهلها والله راء وسامع
سرت حيث لم تسر الركاب ولم تنخ ... لورد ولم يقطع بها البيد قاطع
تفتح أبواب السماوات دونها ... إذا قرع الأبواب منهن قارع
وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع
أراد الدعوة.
دعت أعرابية بالموقف فقالت: أسالك بسرك الذي لا تزيلة الرياح، ولا تخرقة الرماح.
مخنث: الاستغفار جوارش الذنوب.
حج أعرابي من طيء فكان يدعو ولا يستغفر. فقيل له، فقال: أن تركي الاستغفار مع ما اعلم من عفو الله ورحمته لضعف وإن الاستغفار مع ما أعلم من إصراري اللؤم.
أبو بكر رضي الله عنه اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح شأني كله، لا إله إلا أنت.
لما صاف قتيبة بن مسلم الترك، سأل عن محمد بن واسع، فقيل هو في أقصى الميمنة جانحاً على سية قوسه، منضفنا بإصبعه نحو السماء. فقال قتيبة: تلك الأصبع الفاردة أحب إلى من مائة ألف كتيبة بسيف شهير، وسهم طرير.
سمح مطرف ضجة الناس بالدعاء فقال: لقد هممت أن أحلف أن الله غفر لهم. ثم ذكرت أني فيهم عكففت.
قيل لفتح الموصلي: ادع لنا، فقال اللهم هنينا عطاك، ولا تكشف عنا غطاك.
دعاؤه عليه السلام للمتزوج: على اليمن والسعادة، والطير الصالح، والرزق لواسع، والمودة عند الرحم.
خالد: اتقوا مجانيق الضعفاء، أي دعواتهم.

قدم زيادة الخاثر على المهدي فلم ينجح، فقال له وزيره: يصنع الله لك، فقال: ما أردت الدعاء منك، لأني تيقنت أنه لا يجاب.
مؤوق العجلى: سألت الله حاجة منذ أربعين سنة، ما قضاها لي، وما أيست منها.
سأل أعرابي قوماً له: بورك فيك، فقال: وكلكم والله إلى دعوة لا تحضرها نية.
قيل لإبراهيم التميمي: لو دعوت الله أن يفرج عنك! قال: إني لاستحي أن أدعو الله أن يفرج عني ما فيه لي أجر.
بعض السلف: اللهم لا تحرمني خير ما عندك لشر ما عندي، فإن لم تقبل تعبي نصبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته.
أعرابي: اللهم انزع ما في قلبي من كذب وخيانة، واجعل مكانه صدقاً وأمانه.
كان المأمون إذا رفعت المائدة من بين يديه قال الحمد الله الذي جعل أرزاقنا أكثر من أقواتنا.
أبو المجيب الأعرابي: اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا إلى الناس فنضيع. اللهم اجعل خير عملي ما ولي أجلي.
الحسن: من دخل المقابر فقالت اللهم رب الأرواح الفانية والأجساد البالية، والعظام النخرة، التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، ادخل عليهم روحاً منك، وسلاماً مني، كتب له بعدد من مات من لدن آدم إلى أن تتقدم الساعة حسنات.
وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولها إذا دخل الجبانة.
حكى معروف القاص: أن الحجيج كانوا يجتهدون في الدعاء بعرفات وفيهم رجل من التراكمة ساكت، لا يحسن أن يدعو، فحرج صدره ووقع عليه البكاء، فقال بلغته إلهي أنت تعلم أني لا أحسن شيئاً من دعواتهم، فاسألك ما يطلبون؟؟؟ منك بما دعوا. فرأى بعض الصالحين في منامة أن الله قبل حج الناس بدعوة تركماني لما نظر إلى نفسه بالفقر ولفاقة.
علي عنه عليه السلام: سلاح المؤمن الدعاء وعماد الدين ونور السماوات الأرض.
فيما أنزل الله من الكتب: أن الله يبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه.
أبو هريرة يرفعه: اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم.
صلى رجل إلى جنب عبد الله بن المبارك، وبادر القيام، فجذب ثوبه وقال: أما لك إلى الله حاجة.
قيل لعمر بن عبد العزيز: جزاك الله عن الإسلام خيراً، فقال: بل جزى الله الإسلام عني خيراً.
كان الزهري إذا حدث عن القرآن والسنة تلاه بدعاء: اللهم إني أسألك كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة.
وهب: مثل الذي يدعو بغير عمل مثل الذي يرمي بغير وتر.
طاووس: اللهم ارزقني الإيمان والعمل، وامتعني المال والولد.
كان عامر بن عبد قيس إذا أصبح قال: اللهم غدا الناس إلى معايشهم وأسواقهم، ولكل منهم إليك حاجة، وحاجتي أن تغفر لي.
كان زبيد اليامي يستتبع الصبيان إلى المسجد، وفي كمه الجوز، ويقول: من يتبعني منكم أعطيته خمس جوزات، فإذا دخلوا المسجد قال: ارفعوا أيديكم وقولوا: اللهم اغفر لزبيد، فيفعلون فيقول: اللهم انعل واستجب لهم، فإنهم لم يذنبوا.
عن بقية: كنا في بحر، فعصفت عليا ريح، وبكى الناس، ومعنا إبراهيم بن أدهم نائماً في كساء، فاستوى جالساً وقال: أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك، فهدأت الريح.
مر معروف الكرخي بسقاء يقول: رحم الله من يشرب من هذا الماء، نشرب وهو صائم، وقال: عسى الله أن يستجيب.
الشعبي: حسدت عبد الملك عل كلمة تكلم بها وهي: اللهم إن ذنوبي كثرت فجلت عن الصفة، اللهم وإنها لصغيرة في جنب عفوك، فاعف عني.
الثوري: كان من دعاء السلف: اللهم زهدنا في الدنيا ووسع علينا فيها، ولا تزوها عنا وترغبنا فيها.
قال جبريل لآدم؛ قل اللهم ألبسني العافية في الدنيا والآخرة حتى تهنأني المعيشة، ثم قال اللهم اختم لي بالمغفرة، فقالها، فقال جبريل: وجبت.
علي عليه السلام: جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته فما شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب رحمته، فلا يقنطنك ابطاء إجابته، فغن العطية عل قدر النية، وربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل، وربما سألت الشيء فلا تؤتاه، وأوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صرف عنك بما هو خير لك، فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته.

رحب واديك، وعز ناديك، لا ألم بك ألم، ولا طاف بك عدم، سلمك الله ولا أسلمك.
قال أعرابي لعبد الله بن جعفر: لا ابتلاك الله ببلاء يعجز عنه صبرك، وأنعم عليك نعمة يعجز عنها شكرك، أبقاك الله ما تناسق الليل والنهار، وتناسخت الظلم الأنوار.
ما قرعت أبواب السماء بمثل مفاتيح الدعاء.
شاعر:
دامت لك النعمة في غبطة ... وكل ما ساء فبي لا بكا
المتنبي:
وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة ... مرفوعة لقدومك الأبصار
وصدرت أغنم صادر عن مورد ... حيث اتجهت وديمة مدرار
زودك الله الأمن في مسيرك، ونيل الدرك في مصيرك، لا أخلاك الله من شهر تستجده، وخير من الله تستمده، أسعدك الله بإهلاله، وأبقاك لأمثاله.
جعل الله حجك متابا، ودعاك مجابا، ومساعيك مشكورة، وذنوبك مغفورة.
عليكم عند الموت بأوجز الدعاء، والمعروف من الثناء، وإياكم وتحية الوكى، وتقرب الحمقى.
اللهم اكفنا أعدائنا، ومن أراد بنا سوء فليحط به ذلك السوء كإحاطة القلائد بترائب الولائد، ثم ارسخه على هامته كرسوخ السجيل، على هام أصحاب الفيل.
قدس الله مشهده، ورفع في الجنان مصعده، لقاه الله أحسن عمله، وتغمد له فارط زلله.
شاعر:
سقاك ولو لا ما تجن من التقى ... لقلت شآبيب العقار المشعشع
جعل الله ذلك خاتمة الكروب، وقافية الخطوب.
لا أنساك الله مصيبتك بأعظم منها.
جعل الله المصيبة لك لا بك، والعزاء فيك لا عنك.
جعلك الله ممن ينتجز بالصبر ما وعد من البشرى بالصلوات والرحمة والهدى.
في العتزية عن امرأة: لا صفر بيتك، ولا استوحش ربعك، ولا ضاع أجرك، ورحم الله متوفاك.
عزى شبيب بن شيبة يهودياً فقال: أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطي أحداً من أهل ملتك.
اتق الله في يوم سرائك يستجب لك في يوم ضرائك.
قيل لسفيان التورى: ادع، فقال: ترك الذنوب هو الدعاء.
الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: اللهم أن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان نائباً فقربه، وإن كان قريباً فيسره، وإن كان قليلاً فكثره، وإن كان كثيراً فبارك لي فيه.
أبو نواس:
أحببت من شعر بشار لحكمته ... بيتاً لهجت من شعر بشار
يا رحمة الله حلي في منازلنا ... وجاورينا فدتك النفس من جار
رحمة الله جارية بصرية كان يشبب بها بشار، وإنما كتبناه على معنى رحمة الله التي وسعت كل شيء، وإنما لهج به ابن هاني لحبيب له اسمه رحمة الله، وكان يتأول على حسب سمته، وتأويلنا أحسن، وما لهجنا به أحق بالله، وأولى أن يعلق بالمهج.
في الدعاء المأثور: اللهم استرنا بسترك الجميل، وأظلما بظلك الظليل.
بعض السلف: احذروا أصابع الأيتام، قال أبو نواس:
رب أمر عففت عنه اختياراً ... حذراً من أصابع الأيتام
بات أبو العيناء مع ابن مكرم في بيت، فتأذى بغطيطه، فتحول إلى الصفة فلحق به، فصعد إلى الغرفة فسمعه، فقال: ما أشبه نخيرك إلا بدعوة المظلوم، والريح العقيم، ليس دونهما حجاب.
عمرو بن عبيد: اللهم اغنني بالإفتقار إليك، ولا تفقرني بالآستغناء عنك، اللهم أعني على الدنيا بالقناعة، وعلى الدين بالعصمة.
شاعر:
وافق المهرجان والعيد مني ... رقة الحال وهي داء الكرام
فاقتصرنا على الدعاء وفيه ... عون صدق على قضاء الذمام
كتب رجل إلى بعض الأجلة: أحسن الله إباءتك، فاستبرد دعاءه فكتب: عجل الله أماتتك.
ابن العميد: لا زال مكانه معاناً للنعم، لا تريمه المواهب، ولا ترومه المصائب.
سمع عمر بن عبد العزيز رجلاً يقول: اللهم زوجني الحور العين، وفي كفه حصى يقلبها، فقال: بئس الخاطب أنت، ألا ألقيت الحصى وأخلصت لربك الدعاء.
يوسف بن أسباط: إن الدعاء ليحسبه عن السماء سوء الطعمة، اللهم أنا نسألك من النعمة أحضرها، ومن العيشة أخضرها.
سمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول اللهم اجعلني من الأقلين، فقال: ما أردت بهذا؟ قال قوله تعالى: وما آمن معه إلا قليل، وقوله: وقليل من عبادي الشكور، فقال: عليكم من الدعاء بما يعرف.
سأل أعرابي على باب دار، فقال له صبي: بورك فيك، فقال: قبح هذا الفم، لقد تعلم الشر صغيراً.

سعيد بن المسيب: مر بي صلة بن أشيم فقلت له ادع الله لي، فقال: رغبك الله فيما يبقى، وزهدك فيما يفنى، ووهب لك اليقين الذي لا تسكن النفوس إلا إليه، ولا يعول في الدين إلا عليه.
شكا رجل إلى الحسن رجلاً يظلمه فقال: إذا صليت الركعتين بعد المغرب وسلمت، فاسجد وقل: يا شديد القوى، يا شيديد المحال، يا عزيز، أذللت بعزتك جميع من خلقك، صل على محمد وله، واكفني مؤونة فلان بما شئت. فلم يرع إلا بالواعية في الليل، فسأل عنها، فقيل مات فلان فجأة.
قال موسى عليه السلام: يا رب غنك لتعطيني أكثر من أملي، قال: إنك تكثر قول ما شاء الله، لا قوة إلا الله.
بعض الصالحين كان يقول قبل الصلاة: يا محسن قد جاءك المسئ، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك.
أعرابي كان يدعو في صلاته: اللهم ارزقني عمل الخائفين، وخوف العاملين، حتى أنعم بترك النعيم، طمعا بما وعدت، وخوفاً مما أوعدت.
وقفت أعرابية عند جذع جعفر البرمكي حين صلب فأبنته ثم ولت باكية وهي تقول:
عليك من الأحبة كل يوم ... سلام الله ما ذكر السلام
عمر بن عبد العزيز لولا أن ذكر الله فرض لما ذكرته إجلالاً له.
كان مسلمة بن عبد الملك يقول: عونك اللهم على أعباء السؤدد.
استقبل علي بن عيسى بن ماهان في أهل بلخ عصام بن يوسف الزاهد، فسلم عليه، فاعرض عنه عصام ولم يرد عليه، فوقف ابن عيسى ورفع يديه، وأرسل عينيه وقال: اللهم أن هذا الرجل يتقرب إليك ببغضي، وأنا اتقرب إليك يحبه، فإن كنت غفرت له ببغضي، فاغفر لي بحبه، يا كريم.
قالت أم حكيم الخزاعية: سمعته يقول تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعاء الوالدة يقضي إلى الحجاب.
كان وزير المأمون إذا دخل عليه حياه بتحية أبرويز: عشت الدهر، ونلت المنى، وجنبت طاعة النساء.
عبد لله بن أبي أقوى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: أصبحنا وأصبح الملك والكبرياء ولعظمة والخلق والأمر والليل والنهار وما يسكن فيهما لله وحده لا شريك له، اللهم اجعل أول هذا النهار صلاحاً، وأوسطه فلاحاً، وآخره نجاحاً، واسألك خير الدنيا وخير الآخرة، يا أرحم الراحمين.
عبد الله بن عمر عن أبي أيوب: ما صليت وراء نبيكم إلا سمعته حين ينصرف يقول: اللهم اغفر لي ذنوبي وخطيئاتي كلها، اللهم أنعشني، واجبرني، واهدني لصالح الأعمال والأخلاق، إنه لا يهدي لصالحها، ولا يصرف سيئاتها إلا أنت.
كان شداد بن أوس في سفر فقال لغلامه: ائننا بالسفرة نعبث بها؛ فقال: ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا اخطمها وازمها غير كلمتي هذه، فلا تحفظوها عني، واحفظوا ما أقول لكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هذه الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة في الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وأسألك حسن عبادتك، وأسألك لساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، واستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب.
ابن الأسقع: كان يحفظ من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: يا موضع كل شكوى، ويا شاهد كل نجوى، بكل سبيل أنت مقيم، ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الأعلى.
الأوزاعي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أسالك التوفيق المحابك من الأعمال، وحسن الظن بك، وصدق التوكل عليك.
اعتمر علي فرأى رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يبرمه الحاح الملحين، أذقني برد عفوك، وحلاوة مغفرتك. فقال علي: والذي نفسي بيده، لو قلتها وعليك ملء السماوات والأرضين من الذنوب لغفر لك.
من جامع الدعاء: اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وجملي بالعافية، وكرمني بالتقوى.
كانت أمراة لزوجها: ما رأيت أفسى قلباً، ولا أجمد عينا منك! إن ابنتك ضلت، وتفرق الناس في طلبها، وأنت جالس غير مكترث؛ قال: ويحك، أخذت عليها مجامع الطرق؛ يعني الدعاء واللجا إلى الله تعالى.
أبو ذر رضي الله عنه: يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي مع الطعام من الملح.

قالوا من آداب الدعاء أن يترصد الأوقات الشريفة، كما بين الأذان والإقامة، لقوله عليه السلام: الدعاء بني الأذان والإقامة لا يرد، وحالة السجود، ووقت السحر، وأن يدعو مستقبل القبلة، وأن يرفع يديه، لما روي عن سلمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً؛ وعن أبي الدرداء: ارعفوا هذه الأيدي قبل أن تغل بالأغلال، ويمسح بها وجهه بعد الدعاء، قال عمر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مديديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه؛ وأن لا يرفع بصره إلى السماء، لقوله عليه السلام: لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء أو لتخطفن أبصارهم؛ وأن يخفض صوته، لقوله تعالى: تضرعاً وخفيه، وعن أبي عبد الرحمن الهمداني: صليت مع أبي إسحاق الغداة فسمع رجلاً يجهر بالدعاء، فقال: لكن زكريا نادى ربه نداء خفياً؛ وأن لا يتكلف، ويأتي بالكلام المطبوع غير المسجوع، لقوله عليه السلام: إياكم والسجع في الدعاء، حسب أحدكم أن يقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليه أن من قول.
ومر بعض السلف بقاص يدعو بسجع، فقال أعلى الله تبالغ؟ أشهد لقد رأيت حبيباً الأعجمي يدعو وما يزيد على قوله: اللهم اجعلنا جيدين، اللهم لا تفحصنا يوم القيامة، اللهم وفقنا للخير؛ وقيل: ادع بلسان الذلة والاحتقار، لا بلسان الفصاحة والإنطلاق؛ وكانوا لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات فما دونها، كما رتى في آخر سورة البقرة.
سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله أجاب دعاء شر الخلق إذ قال: رب فانظرني.
عن بعضهم: أنى أسأل الله منذر عشرين سنة حاجة وما أجابني، وأنا أرجو الإجابة؛ سالته أن يوفقني لثرك ما لا يعنيني.
عنه عليه السلام: إذا سأل أحدكم ربه مسألة فتعرف الإجابة فليقل: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات؛ ومن أبطأ عنه من ذاك شيء فليقل: الحمد لله على كل حال.
ومن الآداب أن يفتح بالذكر ولا يبدأ بالسؤال.
عن سلمة بن الأكوع: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الدعاء إلا قال: سبحان ربي الأعلى الوهاب.
وعن أبي سليمان الدارني: من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن بدع ما بينهما.
أعرابي: لا ترك اله له شفراً ولا ظفراً، أي عيناً ولا يداً.
جعل الله رزقك فوت فمك: أي تنظر إليه ولا تقدر عليه.
حمل رزام بن حبيب إلى طحان طعاماً، فقال: أنا مشغول عنك؛ فقال: إن طحنت وإلا دعوت على حمارك ورحاك؛ قال: أو مستجاب الدعوة أنت؟ قال: نعم؛ قال: قال: فادع الله تعالى أن يصير حنطتك دقيقاً فهو أروح لك.
من دعاء العرب: فتة الله فتاً، وحته حتاً، وجعل أمره شتاً.
قال رجل لمزيد: أماتك الله؛ قال آمين! بعدك بألف سنة.
أعرابي دعا على مسافر: بالبارح الأشم، والسانح الأعضب، والصرد الأنكد، والكد الملهث، والهم المكرث، والطائر المنحوس، والظهر الموكوس، والرحل المنكوس، فإن عاد فلا عاد إلا بكآبة المنقلب، وخراب المعتقب.
خرج أعرابي وكانت له امرأة تفركه، فأتبعته نواة وقالت: شطت نواك، ونأى سفرك؛ ثم أتبعته روثة وقالت: رئيتك وراث خبرك؛ ثم ابتعته حصاة وقالت: حاص رزقك، وحص أثرك.
قيل لبعض المغفلين: ما تقول في معاوية؟ قال أقول: رحمه الله ورضي عنه؛ قيل: فما تقول في يزيد؟ قال أقول: لعنه الله ولعن أبويه.
أطفأ الله ناره، أي جعله أعمى؛ خلع الله نعليه. أي جعله مقعداً.
سقآك الله دم جوفك، أي قتل ابنك فأخذت ديته فشربت لبنها.
أعرابي: لا رشد قائده، ولا سعد رائده، ولا أورى قادحه، ولا أدلى ماتحه، ولا أصاب غيثاً، لا وافق إلا ليناً.
تقول العرب للحبيب إذا سعل: عمراً وشباباً، وللبغيض: وربا وقحابا.
أعرابي: لا ترك الله لك خفاً يتبع خفاً، ولا ظلفاً يتبع ظلفاً، وخلعك من أهلك خلع الوظيف، وأحوجك إلى بيع الطفيف.
سمع مسلم بن يسار رجلاً يدعو على أخ له ظلمه فقال: لا تدع عليه، ولا تقطع رحمك، وكله إلى الله، إن خطيئته أشد عليه من أعدى عدو له.

رماه الله بليلة لا أخت لها.
علي رضي الله عنه: ضربه الله ببيضاء لا تواريها العمامة. أراد البرص.
شاعر:
ابعث عليه سنة قاشورة ... تحتلق المال احتلاق النورة
شربت قائماً وحلبت قاعداً، دعا عليه بأن يشرب قامئاً كما تشرب العبيد، وأن يحلب الغنم دون الإبل.
أباد الله رواغيه أبقى ثواغيه.
أرانية الله قائماً قاعداً، ضاحكاً عابساً، رفيعاً وضيعاً، أي مصلوباً.
أزال الله دولته.
زال الله دولته سريعاً ... فقد ثقلت على عنق الليالي
ليت السباع لقيته غاديه ... أسأل رب الناس منه العافيه
امرأة من بني ضبة في زوجها:
وما دعوت عليه حين العنه ... إلا وآخر يتلوني بآمين
فليته كان أرض الروم منزله ... وأنني قبله صيرت بالصين
قال عبادة لرجل: من أين أقبلت؟ قال: من لعنة الله، قال: رد الله غربتك.
الأعراب: اللهم صلخاً كصلخ النعامة، يريد به شدة الصمم.
وكان الكيت أصم أصلخ.
والنعامة مثل في الصمم، ونما لقب بيهس بنعامة لفرط صممه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الأحزاب: اللهم أكل سلاحهم، واضرب وجوههم، ومزقهم في البلاد، تمزيق الريح للجراد.
عمر بن عبد العزيز: لا تكن ممن يلعن إبليس في العلانية، ويطيعه في السر.
أعرابي: أعوذ بالله من الأسد والأسود، والذيب الأعقد، ومن الشيطان والإنسان، ومن عمل ينكس برأس المسلم، ويغرى به لئام الناس.
اللهم إني أعوذ بك أن افتقرني غناك، أو اضل في هداك، أو أذل في عزك أو اضام في سلطانك، أو اضطهد والأمر لك.
علي عليه السلام: اللهم صن وجهي باليسار، ولا تذل جاهي بالآقتار، فاسترزق طالبي رزق، واستعطف شرار خلقك، وابتلي بحمد من أعطاني وافتتن بذم من منعني، وأنت من وراء ذلك كله ولي الإعطاء المنع.
الحسن: اللهم إني أعوذ بك من قلب يعرف، ولسان يصف، وأعمال تخالف.
مطرف: كنت أدعو: اللهم إني أعوذ بك من مثل السوء، وسنة السوء، وقدر السوء؛ فسمعت الله تعالى يقول: فقدرنا فنعم القادرون فكرهت أن أدعوها.
كانت رابعة القيسية إذا دق عليها الباب قالت: اللهم إني أعوذ بك من كل جاء يشغلني عن عبادتك، ومن كل عارض يعرض بيني وبين ما اتزود به للقائك.
أعوذ بالله من مقارفة الوصمة، ومفارقة العصمة.
أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وأشبعنا وأروانا، وكفانا وآوانا، فرب مكفي لا يجد مأوى ولا منقلباً، نعوذ بالله من التقلب إلى النار.
اللهم إني أعوذ بك من الوعث يوم البعث.
اللهم إني أعوذ بك من فقر مكب، وضرع إلى غير محب.
ابن عباس، عنه عليه السلام: ما انتهيت إلى الركن اليماني قط إلا وجدت جبريل قد سبقني إليه يقول: قل يا محمد اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر والفاقة، ومن مواقف الخزي.
قال أعرابي، وقد سبق الناس إلى عرفة، اللهم اغفر قبل أن يدهمك الناس.
البراء عنه عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك من الشك في الحق بعد اليقين، وأعوذ بك من الشيطان الرجيم، وأعوذ بك من شر يوم الدين.
ابن عباس رفعه: اللهم إني أعوذ بك من شر عرق نعار، ومن شر حر النار، النعار هو الذي لا يرقأ.
وعنه عليه السلام: كم من نعمة لله في عرق ساكن.
علي عليه السلام: العجب ممن يعطب ومعه النجاة؛ قيل: وما هي؟ قل الاستغفار.
أنس يرفعه: إن للقلوب صدأ كصدأ النحاس، وجلاؤها الاستغفار.
بكر بن عبد الله المزني: إنكم تكثرون من الذنوب، فاكثروا من الاستغفار، إن الرجل إذا وجد في صحيفته بين كل سطرين استغفار سره مكان ذلك.
احتضر عمرو بن عبيد وهو حاج، فقال لعديله: قد نزل بي الموت ولم أتأهب، ثم قال: اللهم إنك نعلم أني لم يسنح لي أمران لك في أحدهما رضى، وفي الآخر لي هوى، إلا اخترت رضاك على هواى، فاغفر لي.
صالح المرى: اللهم فرغني لما جعلتني له، ولا تشغلني بما تكفلت في به، ولا تحرمني وأنا أسألك، ولا تعذبني وأنا استغفرك.
الربيع بن برة من أصحاب الحسن، وبرة أمه، وأبوه عبد الرحمن السلمة: ندعوه لحظنا فيسرع، ويدعونا لحظنا فنبطئ، فخيره إلينا نازل، وشرنا إليه صاعد، وهو علينا ملك قادر.
شاعر:

استغفر الله من عمر أضعت به ... حظى من الذكر في قيل وفي قال
أعوذ بالله من كل ما يؤدي إلى موارط نقمته، ويحجب عن موارد نعمته.
قيل لبعض المجان: كيف أنت في دينك؟ قال: اخرقه بالمعاصي، وارقعه بالاستغفار.
عن بعض أهل البيت: نعوذ بالله من بيات غفلة، وصباح ندامة.
الخضر عليه السلام: اللهم إني استغفرك لماتبت إليك منه ثم عدت واستغفرت لما وعدتك من نفسي ثم أخلفتك، واستغفرك لما أردت به وجهك فخالطه ما ليس لك، واستغفرك للنعم التي أنعمت بها علي فتفويت بها على معصيتك، واستغفرك، يا عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، من كل ذنب أو معصية ارتكبتها في ضياء النهار وسواد الليل، في ملاء أو خلاء، أو سر أو علانية، يا حليم. قال الأوزاعي: من دعا بها غفر الله له ولو كانت ذنوبه عدد ورق الشجر، ورمل علاج، وقطر السماء.
بعض الصالحين: اللهم إني استغفرك من كل ذنب قوي عليه بدنى بعافيتك، ونالته يدي بفضل نعمتك، وانبسطت إليه بسعة رزقك، واحتجبت فيه عن الناس بسترك، واتكلت فيه على أناتك وحلمك، وعولت فيه على كرم عفوك.
مطرف: اللهم إني أعوذ بك من شر السلطان ومن شر ما تجري به أقلامهم، وأعوذ بك م أن أقول حفا فيه رضاك التمس به أحداً سواك، وأعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك، وأعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك، وأعوذ بك أن يكون أحد من خلقك أسعد بما علمتني مني، وأعوذ بك من أن اسغيث بمعصية لك من ضر يصيبني.
بعض العلماء: العبد بين ذنب ونعمة، لا يصلحهما إلا الحمد والاستغفار.
الربيع بن خثيم: لا يقولن أحدكم استغفر الله وأتوب إليه، فيكون ذنباً وكذباً أن لم يفعل، وليقل اللهم اغفر لي وتب علي.
فضيل: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين.
من قدم الاستغفار عل الندم كان مستهزئاً بالله وهو لا يعلم.
الحمد لله الذي أحمد جمرته، وسلبه امرأته، وأذل عترته، ولم يقله عثرته.
قال الأصمعي للرشيد الحمد لله عليك، قال: ما معنى هذا الكلام؟ قال: أنت نعمة حمدت الله عليها.
قال مزيد لرجل: من أنت؟ قال: قرشي والحمد الله، قال: بأبي أنت، الحمد في هذا الموضع ريبة.
أوس بن حجر يحمد الله على المطر:
صنعت فلم يصنع صنيعك صانع ... وما يصنع الأقوام أصنع
سري السقطي: أنا استغفر الله من قولي الحمد لله منذ أربعين سنة، قيل: كيف؟ قال: وقع الحريق بالليل فخرجت أنظر دكاني، فقيل الحريق بالبعد من دكانك، فقلت: الحمد الله، ثم قلت: هب دكانك تخلص أما تهتم للمسلمين! الصاحب: الحمد لله الذي لا تحده الأقدار، ولا تحويه الأقطار، وفي مناجاته: إلهي أصبحت منك في نعم وافيه القدر، موفيه على عدد القطر.
استخر الله فإنه لا يحرم مستخيراً، ولا يسلم مستجيراً.
وفد عدي بن الرقاع على عمر بن عبد العزيز فلم يؤذن له، فقال للآذن: أعلم أمير المؤمنين أني قلت شعراً أوله الحمد لله، فأذن له، فقال:
الحمد لله أما بعد يا عمر ... فقد أتتك بنا الأحداث والغير
وأنت رأس قريش وابن سيدها ... والرأس يجعل فيه السمع والبصر
فأمر له بحلية سيفه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسافر: وجهك الله في الخير وزودك التقوى، وجعلك مباركاً أينما كنت.
ويقال في الدعاء له: في حفظ الله وضمانه.
الجاحظ: من حق الملك إذا عطس لا يشمت، وإذا دعا أن لا يؤمن على دعائه.
عطس شبيب بن شيبة عند عمرو بن عبيد ثلاث مرات، كل ذلك لا يشمته، وشبيب يرفع صوته بالتحميد، فقال له عمرو في الثالثة: لو تقطعت نفسك ما سمعتها مني أو تتوب.
أبو هريرة: إذ عطس أحدكم فليقل الحمد الله على كل حال، وليقل أخوه أو صاحبه يرحمك الله، ويقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم.
أنس: عطس رجلان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقيل له، فقال: إن هذا حمد الله، وإن هذا لم يحمد الله.
عطس عند عبد الله بن عمر رجل فشمته، ثم عطس فشمته، ثم عطس فأراد أن يشمته، فقيل له: دعه إنه مضنوك.
ابن عباس: من سبق العاطس بالحمد وقي وجع الرأس والأضراس.
عنه عليه السلام: أن أحدكم ليدع تشميت أخيه إن عطس، فيطالبه به يوم القيامة، فيقضى له عليه.

لما نزل خالد بن الوليد الحيرة خرج إليه من قصر بني بقيلة شيخ ابن ثلثمائة وخمسين سنة، معه سم ساعة، فقال له: ما تصنع به؟ قال: أن يكن عندك ما يوافق أهل بلدى حمدت الله وقبلته، وإن تكن الأخرى لم أكن أول من ساق إلى أهله ذلاً فأشربه واستريح، فأخذه منه خالد وقال: باسم الله وبالله رب الأرض والسماء، باسم الذي لا يضر مع اسمه شيء، ثم شربه فعلته غشية، ثم رشح جبينه وقام كأنما نشط من عقال. فرجع الشيخ إلى قومه قال: جئتكم من عمد شيطان، أعطوا هؤلاء ما سألوا. فصالحوهم على مائة ألف درهم.
أتي عمر رضي الله عنه برجل وجب عليه الحد، فأمر أن يقام عليه، فجعل يسبح، فقال عمر: خفف عنه الضرب، فإن المجلود لا يسبح إلا وفي قلبه توبة.
تعالى الله ما ألطف صنعته وأحسن صبغته! عمر بن عبد العزيز: ما أحسن تعزيه أهل اليمن! لا يحزنكم الله، ولا يفنيكم، وأثابكم ما أثاب المتقين، وأوجب لكم الصلاة والرحمة.
الحسن: ثمن الجنة لا إله إلا الله.
أوحى الله إلى موسى: مر ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكر الله، فإني أذكر م ذكرني منهم باللعنة حتى يسكت.
فضيل: بلغني أن أكرم الخلائق على الله يوم القيامة، وأحبهم إليه، وأقربهم منه مجلساً الحمادون على كل حال.
ابن السماك: تبارك من خلقك، فجعلك تبصر بشحم، وتسمع بعظم، وتنطق بلحم.
سعيد بن جبير: أن أول من يدعى إلى الجنة الذين يحمدون الله في السراء والضراء.
كان ابن عون إذا عزى قوماً قال: اعقبكم الله عقبى صالحة في الدنيا والآخرة.
مر سليمان، والطير تظله، والريح تقله. بعابد من بني إسرائيل فقال: لقد أوتى آل داود ملكاً عظيماً، فسمع ذلك فقال: تسبيحة في صحيفة مسلم خير مما أعطى آل داود.
أبو هريرة يرفعه: سبق المفردون، قيل وما المفردون؟ قال: المستهترون بذكر الله، يضع الذكر أثقالهم عنهم، فيأتون يوم القيامة خفافاً.
عنه عليه السلام: ذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء في وسط الهشيم. وروي كالمقاتل بين الفارين.
وعنه يقول الله تعالى: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه.
وسئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: أن تموت ولسانك رطب بذكر الله.
وعنه: أصبح أمس ولسانك رطب بذكر الله تصبح وتمس وليس عليك خطيئة.
وقال: لذكر لله بالغداة والعشي أفضل من حطم السوف في سبيل الله، ومن إعطاء المال سحاً.
الحسن: الذكر ذكران، ذكر الله بين نفسك وبين الله، ما أعظمه أعظم أجره! وأفضل من ذلك من ذكر الله عندما حرم الله تعالى.
سفيان بن عيينة: إذا اجتمع قوم يذكرون الله اعتزل الشيطان والدنيا، فيقول الشيطان للدنيا: ألا ترين ما يصنعون؟ فتقول الدنيا: دعهم، فإذا تفرقوا أخذت بأعناقهم إليك.
داود عليه السلام: إذا رأيتني أجاوز مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر رجلي، فإنها نعمة تنعم بها علي.
دخل أبو هريرة السوق فقال: أراكم ها هنا وميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم في المسجد. فذهبوا إلى المسجد وتركوا السوق؛ فقالوا يا أبا هريرة ما رأينا ميراثاً يقسم؛ فقال: ماذا رأيتم؟ قالوا: رأينا قوماً يذكرون الله ويقرؤون القرآن؛ قال: فذلك ميراث محمد.
عتبة بن الوليد: كانت امرأة من التابعين تقول: سبحانك ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله! فزدت من عندي: وما أوحش الطريق على من لم تكن أنيسه! مناجاة عبد الله الفقير إليه: اللهم أن الآمال منوطة بكرمك، فلا تقطع علائقها بسخطك، اللهم هذا عبدك الجاني جاث بين يديك، لائذ بحقوي عفوك، فانفح له بسجل من رحمتك، وحام عليه من مناجاة الخيبة ضميره، وأن يزول لضيق القنوط عن سعة رجائه، اللهم إني ابراً من الجول والقوة إلا بك، وأرباً بنفسي عن التوكل على غيرك، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معط لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
ومن دعائه عند المستجار: اللهم ارحم ضعفي وعجزي وفقري ومسكنتي، ولا أقول وغربتي، فان، من في جوارك ليس بغريب.
نادى أعرابي غلامه، فقال لبيك، فقال: لبت الخيل جنبك، من لببت الشيء ألبه لباً إذا شددته بحبل، أراد أسرتك الخيل فربطتك.
النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى علي صلت عليه الملائكة ما صلى علي، فليقلل عبد من ذلك أو ليكثر.
وقال: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب.

وقال: إن في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام.
وقال صلى الله عليه وسلم: ليس أحد يسلم علي إلا رد روحي حتى أرد عليه السلام.
وعن أبي الحسين صاحب الشافعي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله، بم جزي الشافعي حيث يقول في الرسالة: وصلى الله على محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون؟ فقال صلى الله عليه وسلم: جزي عني انه لا يوقف للحساب.
علي رضي الله عنه: اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني، فإن عدت فعد علي بالمغفرة. اللهم اغفر لي ما رأيت من نفسي ولم تجد له عندي. اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي: اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ، وسقطات اللفاظ، وسهوات الجنان، وهفوات اللسان.
شاعر:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... رويدك تدر ما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاء
أنس: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم غصناً فنفضه فلم ينتفض، ثم نفضه فلم ينتفض، ثم نفضه فانتفض، فقال: أن سبحان الله والحمد لله ولا آله إلا الله والله أكبر، تنفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها.
علي رضي الله عنه رفعه: يقول الله لا إله إلا الله حصني فمن دخله أمن عذابي.
علي عليه السلام رفعه: دعاء أطفال ذريتي مستجاب ما لم يقارفوا الذنوب.
أيوب بن سعنة النخعي:
رمى الله عين ابن الزبير بلقوة ... يجلها حتى يطول سهودها
يريد عبد الله بن الزبير الأسدي الشعر بفتح الزاي: شمير بن الحارث بن ضرار الصبي:
دعوت الله حتى خفت أن لا ... يكون الله يسمع ما أقول
قيس الأصم الكوفي في الشراة:
قوم إذا ذكروا بالله أو ذكروا ... خروا من الخوف للأذقان والركب
فأصبحت عنهم الدنيا قد انقطعت وبلغوا الغرض الأقصى الذي طلبوا وله:
صلى الآنة على قوم شهدتهم ... كانوا إذا ذكروا أو ذكروا شهقوا
كانوا إذا ذكروا نار الجحيم بكوا ... وأن تلا بعضهم تخويفها صعقوا
عمرو بن الجموح الأنصاري:
أتوب إلى الله مما مضى ... واستغفر الله من ناره
وأثنى عليه باآلائه ... باعلان قلبي وأسراره
النابغة الجعدي:
الحمد لله لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
محارب بن دثار قاضي الكوفة:
أحمد خالقي حمداً كثيراً ... بدا خلقي فأنشأه سويا
ومن علي بالإسلام حتى ... عرفت الدين مقتبلاً صبيا
عن عروة بن رويم اللخمي: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أسألك طريقاً إليك سهلة سمحة، وأعوذ بك من شر كل سلطان ملكته فهو بعز بسلطانه.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه: اللهم ابسط لي الدنيا وزهدني فيها، ولا تزوها عني وترغبني فيها.
علي رضي الله عنه: اللهم إن فهمت عن مسألتي، أو عمهت عن صلبتي، فدلني على مصالحي، وهذ بقلبي إلى مراشدي. اللهم احملني على عفوك، ولا تحملني على عدلك.
ابن المبارك رحمه الله: جاء رجل إلى عبد العزيز بن أبي رواد وأنا عنده فقال: ادع اله لي، فقال: مرانزند خداي روي نيست.
رفع الله عن بني إسرائيل العذاب ستمائة سنة بقولهم: ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل.
قال موسى: يا رب ما علامة رضاك عني؟ قال: ذكرك إياي يا ابن عمران.
سمع ذو النون من يقول: اللهم استرنا بسترك، فأمن بعض القوم، فقال ذو النون: واصلح ما تحت الستر.
مر موسى على قرية من قرى بني إسرائيل، فنظر إلى أغنيائهم قد لبسوا المسوح، وجعلوا التراب على رؤوسهم، وهم قيام على أرجهلم، تجري دموعهم على خدودهم، فبكى رحمة لهم، فقال: إلهي هؤلاء بنو إسرائيل حنوا إليك حنين الحمام وعووا عواء الذئاب، ونبحوا نباح الكلاب. فأوحى إليه: ولم ذاك؟ ألئن خزائني قد نفذت أم لئن ذات يدي قد قلت؟ أم لست أرحم الراحمين؟ ولكن أعلمهم أني عليهم بذات الصدور، يدفونني وقلوبهم غائبة عني، مائلة إلى الدنيا.
فضيل كان واقفاً بعرفات، فنظر إلى كثرة الناس فقال: يا له من موقف ما أشرفه! لولا أني فيهم لرجوت أن لا يرد دعاؤهم؛ ثم بكى، ثم قبض على لحيته ورفع رأسه وقال: واسوأتاه لي منك وأن غفرت لي.

كان سفيان الثوري يقول: اللهم سلم سلم.
وكان داود الطائي يقول: اللهم خلص خلص، ويقول: إنما يسأل السلامة من لم يقع، أما من فإنما يسأل الخلاص.
هبط جبريل على يعقوب فقال: يا يعقوب إن الله يقول لك قل يا كثير الخير، يا دائم المعروف، رد علي ابني، فأوحى إليه: وعزتي لو كانا ميتين لنشرتهما لك.
قال هرم بن حيان لأويس: صلنا بالزيادة واللقاء، قال أويس: قد وصلتك بما هو أنفع لك، وهو الدعاء بظهر الغيب، لأن الزيارة واللقاء قد يعرض فيهما التزين والرياء.
كان أبو مسلم الخولاني إذا أهمه أمر قال: يا ملك يوم الدين، إياكن نعبدو إياك نستعين.
حسان بن عطية: لا بأس بالتأمين على دعاء الرهبان.
علي عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لامعة العيون علانيتي وتقبح فيما أبطن لك سريرتي.
عن نوف البكالي عنه رضي الله عنه أنه قام من الليل فقال: يا نوف أن داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة فقال: إنها ساعة لا يدعو فيها عبد إلا ساتجيب له، إلا أن يكون عشاراً أو عريفاً أو شرطياً أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة. العرطبة: الطبل، والكوبة: الطنبور، وقيل على العكس.
حكيم: لسان يذكر به الله لا ينبغي أن يذكر به الرفت.
بلال بن سعد: الذكر ذكران، ذكر الله باللسان، وهو حسن جميل، وذكر الله عندما أحل وحرم، وهو أفضل.
هنيت الفارس الوارد، والسيد الوافد.
مدلك الله البقاء مدا ... حتى ترى نجلك هذا جدا
مؤزرا بمجده مردى ... ثم يفدى مثل ما تفدى
كأنه أنت إذا تبدى ... شمائلاً محمودة وقدا
أدام الله إمتاعك بهلال أضاء من أفق الفضل، وغصن طلع من دوحة النيل، تفضل الله بإبقائه وإنمائه، كما تفضل بإبدائه وانشائه.
خاف رجل من عبد الملك، فكان لا يقر به مكان، وكان يسيح في الأرض، فقال له عبد من عباد الله في بعض الأودية: وأين أنت من السبع؟ قال: وأي سبع يرحمك الله؟ قال: سبحان الله الواحد الذي ليس غيره آله، سبحان الدائم الذي لا نفاد له، سبحان القديم الذي لا بدر له، سبحان الذي يحيي ويميت، سبحان الذي هو كل يوم في شأن، سبحان الذي خلق ما نرى وما لا نرى، سبحان الذي عمم كل شيء بغير تعليم، اللهم إني أسالك بحق هذه الكلمات وحرمتهن أن تصلي على محمد، وأن تفعل بي كذا، فقالهن، فألقى الله تعالى الأمن في قلبه، فخرج من فوره، ولقي عبد الملك، فقال له: أو قد تعلمت علي السحر؟ قال: ما تعلمت عليك سحراً، ولكن كان من أمري كيت وكيت. قال: فأمنني ووصل مأمني بصلة كبيرة.
استسقى بشر بن مروان في زمن قحط، فأرسل الله تعالى الغيث حتى غرقت ناحية بارق، فخرج بشر ينظر فرأى سراقة بن مرداس البارقي قائماً في الماء، فقال: أصلح الله الأمير، إنك دعوت أمس ولم ترفع يديك فجاء ما ترى، ولو رفعت يديك جاء الطوفان، وقال: كان هشم يقول في العيدين قبل الخطبة: الحمد الله الذي ما شاء صنع، من شاء أعطى ومن شاء منع، ومن شاء خفض، ومن شاء رفع، ومن شاء ضر ومن شاء نفع.
كان عامر بن عتد الله بن الزبير من أفاضل ولد عبد الله، وكان عابداً ناسكاً متخشعاً، فقال له أبوه: يا بني إني قد رأيت أبا بكر وعمر فلم يكونا هكذا. أراد فرط تخشعه. ومكث بعد قتل أبيه يدعو له سنة لا يخلط به غيره. وانصرف ذات ليلة من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العتمة، فلما وقف بباب منزله عرض له الدعاء، فاستقبل القبلة ورفع يديه، فما زال قائماً رافعاً يديه حتى انفجر الفجر. وكان فتيان المدينة يتراهنون على يدي عامر إذا رفعها، يقولون: من يرفع يديه ولا يضعهما حتى يضع عامر. وسرقت نعلاه وهو في دعائه، فكان إذا ابتهل يدعو قالت نفسه نعلك يسرق، فقال: لا أراها تشغلني عن ذكر الله، فترك لبس النعل، وكان يمشي حافياً.
وكان من دعائه: يا باقي، يا دائم، لا تضلل دعائي، ولا تبطل مسالتي.
المسور بن مخرمة: دخلت على معاوية فقال: ما فعل طعنك عل الأئمة يا مسور؟ فاستعفيته، فاقسم علي، فوالله ما تركت عيباً إلا ذكرته، فقال: لا تبرأ من ذنب، فهل لك يا مسور ذنوب تخافها أن تهلك بها أن لم يغفرها الله؟ قلت: نعم، فما أحق أن ترجو المغفرة مني. فكان مسور إذا ذكره استغفر له.

وقال: خصمني كاتب سعد بن أبي وقاص، وكان مستجاب الدعوة، غلاماً له نطلب منه شيئاً فقال: ما عندي ما أعطيك، وكانت له دنانير فخصفها في نعله، فدعا عليه، فصرقت نعلاه.
استعدت أروى بنت أنيس مروان بن الحكم على سعيد بن زيد بن عمرو بن نيل، وقالت: أخذ حقي فادخله في أرضه، فقال سعيد: كيف أظلمها وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اقتطع شبرا من الرض علماً طوقه أمه تعالى من سبع ارضين يوم القيامة، وبرك لها سعيد ما، ثم قال: اللهم أن كانت أروى ظلمتني فاعم بصرما واجعل فبرها في بئرها، بعميت، وحرجت في بعض حاجتها فوقعت في البئر. تمت وسلت سعيداً حين عميت أن يدعو لها، وقالت: إني قد ظلمتك. فقال: لا أرد ما أعطانيه الله.
كان في دعائهم على الرجل، رفع الله جريبك، وأصله أن عمر رضى الله عنه أمر بجريب من طعام فخبز وثرد بزيت، ثم دعا بثلاثين رجلاً، فجعله غداءهم، ثم عشاهم بمثله، فقال: يكفي الرجل جريبان في كل شهر، فمعناه قطعهم الله عنك بالموت، كما تقول: قطع الله رزقك.
علي بن الحسين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: من قال كل يوم مائة مرة: لا إله إلا الله الحق المبين كان له أمانا من الفقر، وأونس في وحشة القبر، واستجلب الغناء، واستقرع باب الجنة.
جعفر بن محمد: ما المبتلي الذي اسند بلاؤه بالحق بالدعاء من المعافي الذي لا يأمن البلاء.
كان الزهري يدعو بعد الحديث بدعاء جامع يقول: اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة.
كان عمرو بن العاص يصلي في الليل وهو يبكي ويقول: اللهم أنك آتيت عمرواً مالاً، فإن كان أحب إليك أن تسلب عمراً ماله لا تعنبه بالنار فاسلبه ماله. وإنك آتيت عمراً ولداً، فغ، كان أحب إليك أن تثكل عمراً ولده ولا نعذبه بالنار فأثكله ولده في وأنك آتيت عمراً سلطاناً فإن كان أحب إليك أن تنزع منه سلطانه ولا تغذيه بالنار فانزع سلطانه.
عن عقبة بن عبد الغافر: دعوة في السر أفضل من سبعين دعوة في العلانية، فإذا عمل العبد في العلانية حسناً وعمل مثله في السر قال الله للملائكة هذا عبدي حقاً.
أبو الطفيل رضي الله عنه: ولد لرجل غلام على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى به، فدعا له، وأخذ ببشرة جبهته فقال بها كذا وغمز جبهته ودعا له بالبركة فنبت شعره في جبهته كأنها هلبة فرس. فشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج أحبهم، فسقطت الشعرة عن جبهته، فأخذه أبوه فقيده، ودخلنا عليه، فوعظناه، وقلنا له: ألم تر أن بركة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعت من جبهتك؟ فما زلنا به حتى رجع وتاب. فرد الله الشعرة في جبهته.
ابن مسعود رضي الله عنه: ينتهي الإيمان إلى الورع، ومن خير الدين ألا تزال بالاً فاك بذكر الله تعالى.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: من فتح نهاره بذكر الله تعالى، وختم ليله بالاستغفار غفر له ما بين ذلك.

باب
الروائح، وما جاء في الطيب في ألوانه من مفرده ومركبه، والتطيب به واستعماله عثمان بن مظعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بايع قوماً كان بيد رجل منهم ردع خلوق، فبايعه بأطراف أصابعه، وقال: خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه.
عائشة رضي الله عنها: كأني انظر إلى ربيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يستجمر بعود غير مطر، وروى الألوة غير مطراة والكافور يطرحه مع الألوة، ثم يقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع.
وعنه عليه السلام في صفة أهل الجنة: ومجامرهم الألوة.
سهل بن سعد رفعه: أن في الجنة مراغاً مثل مراغ دوابكم هذه وعنه عليه السلام في صفتة الكوثر: ماؤه المسك، ورضراضه التؤام أي حمأته.
أنس رضي الله عليه: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عندنا فعرق، وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العرق فيها، فاستيقظ فقال: يا أم سليم، ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك تجعله في طيباً، وهو من أطيب الطيب.

وروي: فجاءت وقد عرق، واستنقع عرقه على سعة أديم على الفراش، ففتحت عتيدها نجعلت لنشف ذلك العرق في قواريرها، فقال: ما تصنعين؟ قالت: عرقك أذوب به طيبي. وروي: نرجو به بركة صبيانناً، فقال: أصبت.
ناول المتوكل ابن أبي فنن فارة مسك، فقال:
لئن كان هذا طيباً وهو طيب ... لقد طيبته من يديك الأنامل
عمر رضي الله عنه: لو كنت تارجاً ما اخترت على العطر، إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه.
أهدي عبد الله بن جعفر لمعاوية قاروة من الغالية فسأله: كم أنفق عليها؟ فذكر مالاً، فقال: هذه غالية، فسميت بذلك.
وشمها مالك بن أسماء بن خارجه من أخته هند بنت أسماء فقال: أعلميني بطيبك، فقالت:لا أفعل، تريد ان تعلمه جواريك، هو لك عندي متى أردته، ثم قالت: والله ما تعلمته إلا من شعرك حيث قلت:
أطيب الطيب طيب أم أبان ... فار مسك بعنبر مسحوق
خلطته بعودها وبنان ... فهو أحوى على اليدين شريق
أو لم المتوكل فلما أرادوا اللعب قال ليحيي بن أكتم: قم: قال: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: لأنا نخلط، فقال: أحوج ما تكونون إلى قاض إذا خلفتم. فاستظرفه المتوكل، وأمر أن تغلف لحيته، ففعل، فقال: إنا لله! ضاعت الغالية، كانت هذه تكفيني دهراً لو دفعت إلي، فضحك المتوكل، وأمر له بزورق ذهب مملوء غالية، وردج بخور، فأخذه في كمه وانصرف.
سمع عمر رضي الله عنه قول سحيم عبد بني الحسحاس:
وهبت شمالاً آخر الليل قرة ... ولا ثوب إلا درعها وردائها
فلا زال بردى طيباً من ثيابها ... إلى الحول حتى أنهج البرد بالياً
فقال: إنك مقتول. فاتهم بعد ذلك بامرأة فقتل.
أبو قلابة: كان ابن مسعود إذا خرج من بيته إلى المسجد عرف جيران الطريق أنه قد مر من طيب ريحه.
الحسن بن زيد الهاشمي عن أبيه: رأيت ابن عباس حين أحرم والغالبة على صلعته كأنها الرب.
عكرمة: كان ابن عباس يطلى جسده، إذا مر في الطري قال الناس: أمر ابن عباس أم من المسك؟ أبو الفيحاء: رأيت على رأس ابن عباس من المسك ما لو كان لي لكان رأس مال.
عمارة بن غزية: لما بنى عمر بن عبد العزيز بفاطمة بنت عبد الملك أسرج في مسارحة تلك الليلة الغالي.
كان عمر بن عبد العزيز يجعل المسك بين رجله ونعله حين كان أمير المدينة، حتى قيل فيه:
له نعل لا يطبى الكلب ربحها ... وأن وضعت في مجلس القوم شمت
كانت لابن عمر بندقة من مسك، كان يبلها ثم يبوكها بين راحيته فتفوح روايحها، أي يحركها ويدورها.
كان عبد الله بن زيد يتخلق بالخلوق ثم يجلس في المجلس.
كانوا يستحبون إذا قاموا من الليل أن يمسوا مقاديم لحاهم بالطيب.
وعن تميم الداري أنه اشترى حلة بثمانمائة وهيأ طياً، فإذا قام من الليل تطيب ولبس حلته وقام في المحراب.
وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: يا جميلة هيئي لي طيباً أمسح به يدي، فإن ابن أم ثابت إذا جاء لا يرضى حتى يقبل يدي. يريد ثابتاً البناني.
الشعبي: الرائحة الطيبة تزيد في العقل.
سلم بن قتيبة: شممت من بنت فلان رائحة أطيب من مشطة العروس الحسناء. في أنف العاشق الشبق.
الفاسق نجس ولو تضمخ بالغالية.
سعيد بن زيد: أتيت قبر عبد الله بن غالب فجعلت أدخل يدي فيه إذا فيه من ريح كل طيب.
يزيد بن قيس النخعي:
فما فارورة ملئت عبيراً ... وكان المسك نش به أداما
بأطيب منه رائحة ونسراً ... إذا صوب الغمام صفا وداما
عرضت مدينة لكثير فقالت: أنت القائل:
فما روضة بالحزن طيبة الثرى ... يمج الندى جثجاثها وعرارها
بأطيب من أردان عزة موهناً ... وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها
ألا قلت كما قال سيدك أمرؤ القيس:
ألم ترأني كلما جئت طارقاً ... وجدت بها طيباً وأن لم تطيب
الجاحظ: العرق الذي يسيل من جبهة الفيل يضارع المسلك في طيبه لا يعرض له إلا في بلاده.
النوى المنقع في المدينة ينتاب أشرافها المواضع التي يكون فيها التماساً لطيب رائحته، وإذا وجدوا رائحته بالعراق هربوا منها لخبثها. ومن اختلف في طرقات المدينة وجد عرقاً طيباً وبنه عجية، ولذلك سميت طيبة.

والزنجية بها تجعل في رأسها شيئاً من بلح وما لا قيمة له فتجد له خمرة لا يعدلها بيت عروس من ذوي الأقدار.
ولو أدخلت كل غالية وعطر قصبة الأهوان وقصبة أنطاكية لوجدتها تغيرت وفسدت في مدة يسيرة.
وأراد الرشيد المقام بأطاكية فقال له شيخ: ليست من بلادك فإن الطيب الفاخر يتغير فيها حتى لا ينتفع منه بشيء، والسلاح يصدأ فيها.
وزعموا أن سيراف لها نفحة طيبة.
فارة المسلك دويبه شبيهة بالخشف تكون في ناحية ثبت تصاد لسرتها، فإذا صادها الصائد عصب سرتها بعصاب شديد وهي مدلاة فيجتمع فيها دماً، ثم يذبحها، وما أكثر من يأكلها، ثم يأخذ السرة فيدفنها في الشعير حتى يستحيل الدم المحتقن فيها مسكاً ذكياً بعد أن كان لا يرام نتناً وقد يوجد في البيوت جرذان سود يقال لها فار المسك ليس عندها ألا رائحة لازمة لها وقد الجاحظ: سألت بعض العطارين من أصحابنا المعتزلة عن شأن المسك فقال: لو لا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تطيب بالمسك ما تطيب به. وأما الزباد فليس يقرب ثيابي. فقلت: فدير تضع الجدي من لبن خنزيرة فلا يحرم لحمه لئن ذلك اللبن استحال لحماً، وخرج من تلك الطبيعة، ومن تلك الصورة، ومن ذلك الإسم، وكذلك لحوم الجلالة. فالمسك غير الدم، والخل غير الخمر، والجوهر لا يحرم لعينه وإنما يحرم للأعراض والعلل فلا تتفزز منه عند تذكر الدم فليس به.
العنبر يأتي طفاوة على الماء لا يدري أحد معدنه، فيقذفه البحر إلى العبر، فلا يأكل منه شيء إلا مات، ولا ينقره طائر إلا بقى منقاره فيه، ولا يقع عليه إلا نصلت أظفاره، والتجار والعطارون ربما وجدوا فيه المنقار والظفر وأن البال وهو سمكة ربما بلغ طولها خمسين ذراعاً ليأكل منه اليسير فيموت.
وسمعت ناساً من أهل مكة يقولون: هو رجيع ثور في بحر الهند، وقيل: هو من زبد بحر سرنديب، وأجوده الأشهب ثم الأزرق، وأدونه الأسود.
وفي حديث ابن عباس: ليس في العنبر زكاة، إنما هو شيء دسره البحر.
شاعر:
والمسك بينا نراه ممتهناً ... بفهر عطاره وساحقه
حتى تراه بعارضي ملك ... أو موضع التاج من مفارقه
الصنوبري في استهداء المسك:
والمسك أشبه شيء بالشباب فهب ... بعض الشباب لبعض لعصبة الشيب
وجد رجل قرطاساً فيه اسم الله فرفعه، وكان عنده دينار، فاشترى به مسكاً قطيبه، فرأى في المنام كأن قائلاً يقول له: كما طيبت اسمي لأطيبن ذكرك.
أبو هريرة عنه عليه السلام: لا تردوا الطيب، فإنه طيب الريح خفيف المحمل.
سرق أعرابي نافجة مسك، فقيل له: ومن يغلل يأت بما غل يوم لقيامة. فقال: إذن أحملها طيبة الريح، خفيفة المحمل.
تبخر بعض الأمراء وعنده مزيد ففرطت منه رويحة خفيفة، وأراد أن يدري هل فطن لها مزيد فقال: ما أطيب هذه المثلثة! قال: نعم، أيها الأمير، ولكنك ربعتها! خالد بن صفوان: حبس يزيد بن المهلب ابن أخ لي، فصرت إلى بابه أنظم له كلاماً كما تنظم الفتاة عقدها لعيدها، فأذن لي، وبين يديه جارية كأنها مهاة، وفي يدها مجمر من ذهب، فلما رأيتها سلبت الكلام الذي أعددته، وحضرتني كلمتان قلت: ما رأيت صدأ المغفر ولا عبق العنبر بأحد أليق به منكم. قال: حاجتك؟ قلت: ابن أخ لي محبوس، قال: يسبقك إلى المنزل، فجئت وقد سبقني إليه.
البديهي:
كأن دخان الد ما بين حجره ... بقايا ضباب في رياض شقيق
أبو بكر الخوارزمي:
وطيب لا يحل بكل طيب ... يحيينا بأنفاس الحبيب
متى يشممه أنف حن قلب ... كأن الأنف جاسوس القلوب
في الحديث المرفوع: إذا شهدت أحداكن العشاء فلا تمسى طيباً. وفيه: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. وليخرجن إذا خرجن تفلات. أي غير متطليبات.
أبو هريرة: مرت به امرأة متطيبة، لذيلها عصرة، فقال لها: أين تريدين يا أمه الجبار؟ فقالت: أريد المسجد فزجرها. هو الغبار الثائر من مجر ذيلها.
خير العود المندلي، وهو منسوب إلى مندل قرية من قرى الهند، وأجوده أصلبه، وامتحان رطبه أن ينطبع فيه نقش الخاتم، واليابس تفصح عنه النار، ومن خصائص أن رائحته تثبت في الثوب أسبوعاً، وأنه لا يقمل ما دامت فيه.
أبو المختار الكلابي في آخر قصيدة كتبها إلى عمر بن الخطاب في ذكر العمال:

نؤوب إذا آبوا ونغروا إذا غزوا ... فأني لهم وفر ولسنا ذوي وفر
إذا التاجر الداري جاء بفارة ... من المسك راحت في مفارقهم تجري
قالوا في الكافور هو ما في جوف شجر مكفور يغرزونه بالحديد، فإذا خرج إلى ظاهر ضربه الهواء فانعقد كالصموغ الجامدة على الأشجار.
والند مصنوع، وهو العود المطرأ بالمسك والعنبر والبان.
وعن الأصمعي قلت لأبي مهدية: كيف تقول ليس الطيب إلا المسك؟ قال: فأين أنت عن العنبر؟ قلت: فقل: ليس الطيب إلا المسك والعنبر. قال: فأين البان؟ قلت: نقل: ليس الطيب إلا المسك والعنبر والبان، فقال فأين أنت عن ادهان يحجر؟ قلت: فقل: ليس الطيب إلا المسك والعنبر والبان وادهان بحجر، قال: فأين أنت عن فارة الإبل صادرة؟ وفي فارة الإبل يقول الشاعر:
كأن فارة مسك في مبائنها ... إذا بدا من ضياء الصبح تبشير
أعرابي: فيه ملذ كف ومشم أنف.
كان لأبي أيوب سليمان بن مخلد المورياني، من موريان بعض قرى الأهواز، وزير المنصور دهن طيب يدهن به إذا ركب لإليه، فلما رأى الناس غلبته على المنصور وطاعته له فيما يريده حتى كان ربما استحضره ليوقع به فلما رآه ابتسم إليه وطابت نفسه - قالوا: دهن أبي أيوب من عمل السحرة، وضربوا به المثل فقالوا لمن تغلب على الإنسان: معه دهن أبي أيوب.
أنشد ابن الأعرابي:
خود يكون بها القليل تمسه ... من طيبها عبقاً يطيب ويكثر
شكر الكرامة جلدها فصفا له ... أن القبيحة جلدها لا يشكر
عيينة بن أسماء الفزاري:
لو كنت أحمل خمراً حين زرتكم ... لم ينكر الكلب أني صاحب الدار
لكن أتيت وريح المسك تقدمني ... والعنبر الورد مشبوباً على النار
فأنكر الكلب ريحى حين خالطني ... وكان يعرف ريح الزق والقار
الأصمعي: ذكر لأيوب هؤلاء الذين يتقشفون فقال: ما علمت أن القذر من الدين.
ريح الكلب مثل النتن. قال:
ريحها ريح كلاب ... هارشت في يوم طل
آخر:
يزداد لؤماً على المديح كما ... يزداد نتن الكلاب في المطر
قالت امرأة لامرئ القيس وكان مفركاً: إنك ثقيل الصدر، خفيف العجزة، سريع الأراقة، بطئ الإناقة، وإنك إذا عرقت ريح كلبة. فقال: صدقت، إن أهلي كانوا أرضعوني مرة بلبن كلبة.
ابن المعتز:
بأنتن من هدهد ميت ... أصيب فكفن في جورب
كان عيسى صلوات الله عليه وسلم يخمر أنفه من الرائحة الطيبة دون الكريهة، فقيل له، فقال: لا حساب في الكريهة وفي الطيبة حساب.
عمر رضي الله عنه: وصل مسك من البحرين فقال: وددت لو أن امرأة جولة وزنته حتى أقسمه بين الناس. فقالت امرأته عاتكة: أنا أجيد الوزن، فقال: لا، أحببت أن تضعيه في الكفة ثم تقولي فيها أثر الغبار، فتمسحي بها عنقك، فتصيبي بذلك فضلاً على المسلمين.
كان يوزن بين يدي عمر بن عبد العزيز مسك المسلمين، فأخذ بأنفه لئلا يصيب الرائحة ويقول: وهل ينتفع إلا بريحه؟ انس رضي الله عنه: كان للنبي صلى الله عليه وسلم سكة يتطيب بها.
مر قتيبة بن مسلم على عذرة فأخذ بأنفه وقال: أن من ضن بما يصير إلى مثل هذا لبخيل.
كان أبو أيوب الأنصاري يصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً، فإذا رد إليه عن مواضع أصابعه فيتبعها، فصنع له طعاماً فيه ثوم، فلما رد إليه سأل عن مواضع أصابعه، فقيل: لم يأكل، ففزع، فقال: أحرام هو؟ قال: لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه.
أبو موسى الأشعري رفعه: أيما امرأة استعطرت فخرجت ليوجد ريحها فهي زانية، وكل عين زانية.
هو كالمسك أن بغته نفق، وإن خبأته عبق.
قيل لخديجة بنت الرشيد: رسل العباس بن محمد بن علي بالباب، معهم زنبيل يحلمه رجلان، فقالت: تراه بعث إلي باقلي فكشف الزنبيل عن جرة مملوءة غالية، فيها مسماة من ذهب وإذا رقعة مكتوب فيها هذه جرة أصيب هي وأختها في خزائن بني أمية، فأما أختها فغلبت عليها الخلفاء، وأما هذه فلم أر أحداً أحق بها منك والسلام.
قال سلمة عياش في جعفر بن سليمان بن علي:
فما شم أنفى ريح مسك رأيتها ... من الناس إلا ريح كفك أطيب
فأمر له بألف دينار، وبمائة مثقال مسك، ومائة مثقال عنبر.

وجه عمر رضي الله عنه إلى ملك الروم بريداً، فاشترت امرأته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب طيباً بدينار، وجعلته في قارورتين، وأهدته إلى امرأة ملك الروم فرجع البريد بملء القارورتين من الجواهر، فدخل عليها عمر، وقد صبته في حجرها، فقال: من أين لك هذا؟ فأخبرته، فقبض عليه وقال: هذا للمسلمين، فقالت: كيف وهو عوض من هديتي؟ قال: بيني وبينك أبوك، فقال علي: لك منه بقيمة دينارك، والباقي للمسلمين، لأن بريد لمسلمين حمله.
كان أبو محيريز إذا قام إلى الصلاة بالليل دعا بالغالية فيضمخ بها ما يردع ثيابه.
عن إبراهيم بن الشتر في محاربة المختار أهل الشام: إني طعنت رجلاً غربت رجلاه وشرق رأسه فوجدت ريح طيب طيبة، فانظروا لعله ابن مرجانه، وهو عبيد الله بن زياد، فنظروا فإذا هو هو.

باب
الرسوم في معاشرة الناس، وملاقاتهم، ومصافحتهم، ومجالستهم، ومراسلتهم، وذكرهم، وزيارتهم، وذكر السلام والتحية، وآداب النفس، وما يتصل بذلك جابر رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أخلاق النبيين والصديقين البشاشة إذا تراءوا، والمصافحة إذا تلاقوا، والزائر في الله حق على المزور إكرامه.
أبو هريرة: عنه عليه السلام: إذا زار العبد أخاه في الله نادى مناد من السماء: طبت وطاب ممشاك بوئت منزلاً في الجنة.
النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتزاورين في.
أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام،: مثل الذي يجلس فيسمع الحكمة من غيره ثم لا يحدث إلا بشر ما سمع مثل رجل أتى راعياً فقال له: أعطني شاة من غنمك، فقال: اذهب فخذ خيرها، فجاء وخذ بأذني الكلب الذي مع الغنم.
ابن عباس رضي الله عنه: أكرم الناس علي جليسي، وإن الذباب يقع على جليسي فيؤذيني. وإني لأستحي م الرجل يطأ بساطي ثلاثاً فلا يرى عليه أثر من بري.
كان القعقاع بن شور إذا جالسه رجل جمل له نصيباً من ماله، وأعانه على حوائجه، وغدا إليه شاركاً.
ودخل على معاوية والمجلس غاص ففسح له رجل حتى جلس إلى جنب معاوية، ثم أمر له بمائة ألف، فجعلها للمفسح، وهو ابن علائة، فقال:
وكنت جليس قعقاع بن شور ... وما يشقى بقعقاع جليس
ضحوك السن أن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس
وجالس رجل بني مخزوم فسعوا به إلى معاوية وأنه يقع في الولاة فقال:
شقيت بكم وكنت لكم جليساً ... ولست جليس قعقاع بن شور
ومن جهل أبو جهل أبوكم ... غزا بدراً بمجمرة وتور
نظر إلى كثير راكباً ومحمد بن علي الباقر يمشي، فقيل له: أيركب وأبو جعفر يمشي؟ فقال هو أمرني بذلك، فأنا بطاعته في الركوب أفضل مني في عصياني إياه بالمشي.
وعن محمد بن عبد الله بن يحيى بن خاقات: بعثني أبي إلى المعتضد في شي، فقال لي: اجلس، فاستعظمت ذلك، فقلت: إنه لا يجوز. فقال لي: يا محمد، إن أدبك في القبول مني خير من أدبك في قيامك.
قال رجل لأبي خليفة الجمحي: ما أحسبك مثبتني! قال: وجهك يدل عل علو نسبك، والإكرام يمنع من مسألتك فأوجد السبيل إلى معرفتك.
أبو تمام:
يحميه لألاؤه أو لوذعيته ... من أن يذال بمن أو ممن الرجل
وفي معناه:
ارم بعينيك في مفارقنا ... فمعقد التاج غير مكتتم
المعر:
ولو كتموا أنسابهم لعزتهم ... وجوه وفعل شاهد كل مشهد
قيل لفيلسوف: أي الرسل أنجح؟ قال: الذي له جمال وعقل.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أبردتم إلي بريداً فاجعلوه حسن الإسم.
مر رجل بأبي الحارث جمين فسلم عليه بسوط، فلم يرد عليه السلام فقيل له، فقال: سلم علي بالإيماء فرددت عليه بالضمير.
دخل علي معاوية رجل مرتفع العطاء فرأى في عينيه رمصاً فحط عطاءه وقال: أيعجز أحدكم إذا أصبح أن يتعهد أديم وجهه؟ دخل ابن عباس مجلساً فيه الأنصار فقاموا له، فقال: بالأيواء والنصر إلا جلستم، يريد قوله تعالى: والذين آووا ونصروا.
لا تجب من لا يسألك، ولا تسأل من لا يجيبك.
شاعر:
كأنه من سوء آدابه ... أسلم في كتاب سوء الأدب
قيل لصوفي: كيف أصبحت؟ قال: أسفاً على أمسي، كاراهاً ليومي مهتماً لغدي.
وقيل لأعرابي فقال: كما يسؤوك أن كنت صديقاً ويسرك أن كنت عدواً. 
=========================ج444444444444444------------------ 
  كتاب : ربيع الأبرار

المؤلف : الزمخشري

وقيل لقراد فقال: كيف يصبح م يرجو خير هذا، وأشار إلى قرده.
كان معاوية يقوم لشيخ من أهل الشام قد بلغ التسعين، فقيل له، فقال إن فيه لشبهاً من رسول الله، وإنما أقوم لرسول الله.
المودة شجرة الزيارة ثمرتها.
نهض هشام عن مجلسه، فسقط رداؤه عن منكبه، فتناوله بعض جلسائه ليرده، فجذبه هشام من يده وقل: مهلاً! إنا لا نتخذ جلساءنا خولاً.
ابن عباس: لجليس علي ثلاث أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأوسع له إذا جلس وأصغى إليه إذا حدث.
كان عمر بن عبد العزيز إذا دخل عليه سالم مولى بني مخزوم يتحسى له عن الصدر، وكان يسميه أخي في الله، فيقال له في ذلك، فيقول: إذا دخل عليك من لا ترى لنفسك عليه فضلاً فلا تأخذ عليه أشرف المجلس.
قيل الأصمعي يد الرشيد بعقب كلام قرظه به فقال: والله يا أمير المؤمنين ما شممت طيباً قط أطيب من نسيم يدك، فطيب الله عيشك كما طيبها، وأنعم بالك كما أنعمها، وألان زمانك كما ألانها، فإنها ضد ما قال الأسدي لابن مطيع العدوي حين جلس ليأخذ البيعة لابن الزبير:
دعا ابن مطيع للبياع فجئته ... إلى بيعة قلبي لها غير آلف
فأبرز لي خشناء لما لمستها ... بكفي ليست من أكف الخلائف
غلب حارثة بن بدر الغداني على زياد، وكان رجل بنى تميم في وقته، فأغري به زياد، فقال: وكيف باطراح رجل هو يسايرني منذ دخلت العراق فلم تصكك ركابي ركاباه، ولا تقدمني فنظرت إلى قفاه، ولا تأخر عني فلويت عنقي إليه، ولا أخذ عني الشمس في شتاء قط، ولا الروح في صيف، ولا سألته عن علم قط إلا ظننته لم يحسن غيره.
ساير شرخبيل بن السمط معاوية فرائت دابته، وكان عظيم الهامة، بسيط القامة، فقال له معاوية: يا أبا يزيد، يقال أن الهامة إذا عظمت دلت على وفور الدماغ وصحة العقل. قال: نعم يا أمير المؤمنين، إلا هامتي فإنها عظيمة وعقلي ناقص ضعيف، فتبسم معاوية وقال: وكيف ذاك؟ لله درك! فقال لا قضامي هذا النائك أمه مكوكي شعير، فضحك وحمله على دابة من مراكبه.
وعن الموبذ أنه ساير كسرى فراثت بغلته، فقال له كسرى: ما الذي يستدل به على حمق الرجل؟ قال: أن يعلف دابته في الليلة التي يركب في صبيحتها الملك وهو يريد أن يسايره. قال: بهذه الفطنة قدمك آبائي.
زار الخليل بعض تلامذته فقال له: أن زرتنا فبفضلك، وأن زرناك فلفضلك، فلك الفضل زائراً ومزوراً.
شاعر:
أيا رب حي الزائرين كلاهما ... وحي دليلاً بالفلاة هداهما
وليتهما ضيفان في كل ليلة ... مدى الدهر محتوم على قراهما
وليتهما لا ينزلان ببلدة ... ولا منزلاً إلا وعيني تراهما
ثق متى بكتمان وأن أتعب القلب، ومساعدة وأن ثلمت المروءة، وطاعة وان قدحت في الدين.
أراد رجل أن يقبل يد هشام بن عبد الملك فقال: لا تفعل، فإنما يفعله من العرب الطمع، ومن العجم الطبع.
طلحة بن عبيد الله: جلوس الرجل على باب داره مروءة.
قال رجل للمنصور: أعطني يدك أقبلها، قال: أنا نصونك عنها، ونصونها عن غيرك.
سأل بعض أصحاب أبي حنيفة الشافعي عن مسألة فأجاب عنها، فقال له: أخطأت. فقال: لو كنت مكانك ثم كلمتك بمثل ما كلمتني لاحتجت إلى أدب.
ما أحسن الصبر فإنا على ... أن لا أرى وجهك يوماً فلا
لو أن يوماً منك أو ساعة ... يباع بالدنيا إذاً ما غلا
قال أنس رضي الله عنه: كنت عند الحسن بن عربي فدخلت جارية بيدها طاقة ريحان فحيته بها، فقال لها: أنت حرة لوجه الله تعالى، فقلت له: حيتك جارية بطاقة ريحان لا خطر لها فاعتقتها! فقال: كذا أدبنا ربنا الله، وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها، وكان أحسن منها اعتاقها.
علي رضي الله عنه: توق من إذا حدثك كذبك، وإن حدثته كذبك، وإن ائتمنته خانك، وإن ائتمنك اتهمك.
قال رجل لخالد بن صفوان: علمني كيف أسلم على الأخوان، فقال: لا تبلغ بهم النفاق، ولا تقصر بهم عن الاستحقاق.
قال العتبي لأحمد بن أبي خالد الأحول: هل أنكرت على يوم دخولي إلى المأمون شيئاً؟ قال: نعم، قلت: وما هو؟ قال: ضحك من شيء فكان ضحكك أكثر من ضحكه.
قال عبيد الله بن يحيي لأبي العيناء: كيف كنت بعدي؟ قال: كنت في أحوال مختلفة، شرها غيبتك، وخيرها أوبتك.

وصف العباس بن الحسن العلوي جليساً له فقال: جليسه لطيب عشرته أطرب من الإبل على لحن الحداء، ومن الثمل على شدو الغناء.
النبي صلى الله عليه وسلم: انزلوا الناس على منازلهم.
مع التغالب النحاب.
عنه عليه الصلاة والسلام: فرق بين معد تجاب.
قال المأمون لثمامة: ارتفع، قال يا أمير المؤمنين، لم يفي شكرى بموضعي هذا، وأنا أبعد عنك إعظاماً لك، أقرب منك شحاً عليك.
صافح أبو العمثل عبد الله بن طاهر عند قدومه من سفر فقبل يده، فقال عبد الله: كيف كنت بعدي؟ قال: إليك مشتاقاً، وعلى الزمان عاتباً، ومن الناس مستوحشاً، فأما الشوق فلفضلك وأما العتب على الزمان فلمنعه منك، وأما الاستيحاش من الناس فإن أراهم بعدك. فاحتبسه، فلما حضر الشراب سقاه بيده فقال:
نادمت حراً كأن البدر غرته ... معظماً سيداً قد أحرز المهلا
تعلني برحيق الراح راحته ... فملت سكراً وشكراً للذي فعلا
لكل شيء محك، ومحك العقل مجالسة العلماء.
بصق عبد الملك بن مروان فقصر بصادقه فوقع على البساط، فقام رجل فمسحه بثوبه، فقال عبد الملك: أربعة لا يستحي من خدمتهم: السلطان، والوالد، والضيف، والدابة، وأمر له بصلة.
كانت تحية العرب: صبحتك الأنعمة، وطيب الأطعمة، وتقول: صبحتك الأفالح، كل طير صالح.
هاشم بن عبد مناف: أكرموا الجليس يعمر ناديكم.
قال المبرد: تأخرت عن مجلس جعفر بن القاسم، وكان يتقلد امرأة البصرة للواثق. فقال لي: ما أخرك؟ قلت: علة مرة، وغبة مرة، فقال: وتوان مرة، وتقصير مرة، فقلت: والله ما أغيب عن الأمير إلا بود حاضر، ولا أعصيه إلا بنية طائع. فضحك ثم أنشد بيت إبراهيم بن المهدي.
ما إن عصيتك والغواة تمدني ... أسبابها الأبنية طائع
قدم أبو مسلم فتلقاه ابن أبي ليلى فقبل يده، فقيل له، فقال: قد تلقى أبو عبيدة بن الجراح عمر بن الخطاب فقبل يده. فقيل له: تشبه أبا مسلم بعمر! فقال: أتشبهوني بأبي عبيدة؟ أعرابي: العبوس بؤس، والبشر بشرى.
مجالسة الأحمق خطر، والقيام عنه طفر.
قال المبرد: كان في خلق الحسن بن رجاء شراسة، وفي كفه ضيق، فكتب إليه: أعز الله الأمير، الناس رجلان عبد وحر، فثمن الحر الأكرام، وثمن العبد الأنعام، فأصلحه هذا القول، ثم رجع إلى طبعه.
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على صبيان في المكتب فسلم عليهم. أخذ رجل من راس عمر رضي الله عنه، ثم صنع ذلك يوماً آخر، فأخذ بيده وقال: ما أراك أخذت شيئاً! فإذا هو كذلك. ثم قال: إذا أخذ أحدكم من رأس أخيه شيئاً فليره.
قيل لمحمد بن واسع: ألا تتكئ، فقال: تلك جلسة الآمنين.
علي رضي الله عنه: رسولك ترجمان عقلك.
كان أحمد بن يوسف يكتب بين يدي المأمون، وطلب منه السكين، فدفعها إليه والنصاب في يده، فنظر إليه المأمون نظر منكر، فقال: على عمد فعلت ذلك ليكون الحد لأمير المؤمنين على أعدائه. فتعجب من فطنته.
شاعر:
قد بمكت الناس دهراً ليس بينهم ... ود فيزرعه التسليم واللطف
غيره:
يا ذا الذي زار وما زارا ... كأنه مقتبس نارا
قام بباب الدار من تهمة ... ماضره لو دخل الدارا
نفسي نقيه السوء من زائر ... ما حل حتى قيل قد سارا
لو دخل الدار وكلمته ... بحاجتي ما دخل النارا
وصف المأمون ثمامة بحسن المعاشرة فقال: أنه يتصرف مع القلوب تصرف السحاب مع الجنوب.
بينا أبو العباس السفاح يحدث أبا بكر الهذلي، إذ عصفت الريح فأدرت طبتاً من سطح إلى المجلس، فارتاع من حضر، ولم يتحرك الهذلي، ولم تزل عينه مطابقة لعين السفاح، فقال: ما أعجب شأنك يا هذلي! فقال إن الله تعالى يقول: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، وإنما لي قلب واحد، فلما غمره السرور بفائدة أمير المؤمنين لم يكن فيه لحادث مجال، فلو انقلب الخضراء على البيضاء ما أحسست بها ولا وجمت لها. فقال السفاح: لئن بقيت لأرفعن منك ضبعاً لا تطيف به السباع، ولا تنحط عليه العقبان.
شاعر:
لا تقطعن الصديق ما طرفت عي ... ناك من قول كاشح أشر
ولا تملن من زيارته ... زره وزره وزر وزر وزر
كان أسماء بن خارجة يقول: ما غلبني أحد قط غلبة رجل بصغى إلى حديثي،.

معاوية: يغلب الملك حتى يركب بالحلم عند سورته، والاصغاء إلى حديثه.
في نوابغ الكلم: أكرم حديث أخيك بإنصاتك، وصنه من صمة التفاتك.
كان قوم من سفهاء بني تميم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، اخرج إلهيا نكلمك. فغم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءه ما ظهر من سوء أدبهم، فأنزل: إن الذين ينادوك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون.
حرمة مجلس الملك إذا غاب كحرمته إذا حضر. وكان للملوك عيون على مجالسهم إذا غابوا، فمن حضر وكان في المحافظة على حسن الأدب على مثل ما كان عليه عند حضورهم أثبت وزيد في تكرمته، وسمى من كان على خلاف ذلك ذا وجهين وبقي منقوصاً متضيعاً.
قيل لإبراهيم بن أدهم: كيف أصبحت؟ قال: بخير ما لم يحمل مؤونتي غيري.
من حق الملك إذا تثاءب أو ألقى المروحة من يده ومد رجليه أو نمطى أو اتكأ أو فعل ما يدل على كسله أن يقوم من بحضرته، وكان أردشير إذا تمطى قام سماره، وكان قباذ إذا رفع رأسه إلى السماء قاموا ومن حقه ن لا يعاد عليه حديث وأن طال الدهر.
قال روح بن زنباع: أقمت مع عبد الملك تسع عشرة سنة فما أعدت عليه حديثاً إلا مرة، فقال لي: قد سمعته منك.
وعن الشعبي: ما حدث بحديث مرتين رجلاً بعينه.
كان أردشير وأنوشروان إذا زارا وزيراً أو عظيماً أرخت الفرس تلك الزيارة، وجرى بذلك تاريخ كتبهم في الأطراف. وكان سنة من زاراه أن يعقر ضياعه، وترسم خيله، ولا يؤخذ أحد من قومه بجناية، وتقدم هداياه في النيروز والمهرجان، وكانت مرتبته في القعود عن يمين الملك، وإذا خرج لم يقعد أحد مكانه.
البسامى:
سرى إلي وجنح الليل معتكر ... كذلك البدر في ظلمائه سارى
يورد في الزائر في الليل، ومثله قول ابن الرومي:
لا تعجب من سرانا فالسرى ... عادة الأقمار والناس هجود
علي بن داود:
عودت نفسك في الزيادة عادة ... تدع الخفيف من الصديق ثقيلاً
عودت نفسك أن تزور إذا التقت ... ظلم المساء فلم يبن سبيلا
شر الرجال وشر وقت زيارة ... أن يطرقوا وقت العشاء خليلا
زياد الأعجم:
فقم صاغراً يا شيخ جرم فإنما ... يقال لشيخ الصدق ثم غير صاغر
كان ابن المبارك يقول: كنت لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله بن محرز لخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة، فلما رأيته كانت بعرة أحب إلي منه.
جالسوا أهل الدين، فإن لم تقدروا عليهم فجالسوا الأشرف فإن الفحش لا يجرى في مجالسهم، وروى فإن الخنا لا يجرى بعقوتهم.
قيل للمأمون: أي المجالس أحسن؟ قال: ما نظر فيه إلى الناس، فلا منظر أحسن من الناس.
قعد رجل في وسط الحلقة فقال لحذيفة بن اليمان: أن فلاناً أخاك مات. فقال: وأنت حقيق على الله أن يميتك. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الجالس وسط الحلقة ملعون.
البشاشة أول قرى الأضياف.
من أحب المحمدة من الناس بغير مرزئة فليتلقهم ببشر حسن.
الأحنف: رأس المروءة طلاقة الوجه، والتودد إلى الناس.
جرير بن عبد الله: ما رآني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي.
معاذ: أن المسلمين إذا التقيا فضحك كل واحد منهما في وجه صاحبه ثم أخذ بيده تحاتت ذنوبها كتحات ورق الشجر.
البشر دال على السخاء كما يدل النوى على الثمر.
الق صاحب الحاجة بالبشر فإن عدمت شكره لم تعدم عذره.
العتابي: من ضن ببشره كان بمعروفه أضن.
حسن البشر مخيلة النجح.
النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل أحق بمجلسه وبصدر دابته.
وعن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاده فما تحوز له عن فراشه أي ما تنحى.
عنه عليه الصلاة والسلام أنه لم يصافحه أحد فخلى يده حتى يكون الرجل البادي، ولا جلس إليه أحد قط فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقوم.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أذن في بيته لم يجلس على فراشه إلا العباس وأبو سفيان بن حرب، فقيل له، فقال: أما هذا فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما هذا فشيخ قريش.
أبو بكر رضي الله عنه: كتب إلى عماله: إذا أبردتم إلي بريداً فأبردوه أشيب.
أوصى أبو الأسود ابنه فقال: يا بني، إذا جلست مع قوم فلا تتكلم بما هو فوقك فيمقتوك، ولا بما هو دونك فيزدروك.

قيل لمحمد بن واسع: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت قريباً أجلى، بعيداً أملى، سيئاً عملى.
ثابت البناني: بلغنا أنه ما من قوم جلسوا مجلساً فقاموا قبل أن يسألوا الله الجنة ويتعوذوا به من النار إلا قالت الملائكة: مساكين أغفلوا العظيمين.
الأحنف: ما جلست مجلساً فخفت أن أقام عنه لغيري، ولأن أدعي من بعيد أحب إلي من أن أقصى من قريب. وإذا كان الأحنف في مجلس فدخل داخل وسع له، فإن لم يجد متسعاً تحرك له ليريه أنه بوسع له.
منصور بن زاذان: إني لفي جهاد من جليسي حتى يفارقني مخافة أن يأثم ويؤثمني.
محمد بن عبد الوهاب: ما رأيت الأغنياء أذل منهم في مجلس سفيان، وما رأيت الفقراء أعز منهم في مجلسه، وكان يقال: الفقراء في مجلس سفيان أمراء.
عبد الله بن شبرمة قال لبنيه: لا تجالسوا السفلة فيجترثوا عليكم، قال هؤلاء أزط ليسوا بأشجع الناس، وإنما اجترءوا على الأسود لكثرة ما يرونها.
قيل لشريح: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت ونصف الناس علي غضاب. أراد المقضي عليهم.
عطاء بن أبي رباح: أن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه قط، وقد سمعته من قبل أن يولد.
فضيل: من أراد عز الآخره فليكن مجلسه مع المساكين.
كان يقال: حسن البشر واللقاء رق للأشراف والأكفاء.
أبو بكر الصديق عنه عليه الصلاة والسلام: لا تحقرن أحداً من المسلمين فإن صغيرهم عند الله كبير.
أنس رضى الله عنه: لم يكن أحد أكرم علينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا إذا رأينا لم نقم له لما نعلم من كراهته.
أنس ما رأيت أخرج رسول الله ركبته بين يدي جليس له قط، ولا ناول يده أحداً قط فيدعها حتى يكون هو الذي يدعها.
لقمان: يا بني لا تبعث رسولاً جاهلاً، فإن لم تجد حكيماً فكن رسول نفسك.
إذا ذكرت كريماً فحضر، فقل: اذكر الكريم وافرش له.
شاعر:
وزوراً أتاني طارقاً فحسبته ... خيالاً أتى من آخر الليل يطرق
أقسم فيه الظن طوراً مكذباً ... به أنه حق وطوراً أصدق
آخر:
فزرنا غير محتشم تزرنا ... بزورتك المكارم والسماح
آخر:
وتفضل بزورة نحو دار ... لك فيها بني صديق وعبد
يقال: متى أنت منا؟ أي متى تزورنا، ألقاه عدة الثريا، أي كل عام مرة، لئن الشمس تنزل الثريا في السنة مره ما كان إلا كنا فض غباراً أو قابس ناراً، إذا قل مكثه. ما عرج حتى خرج. ودع قبل أن يودع، ربما كان التقالى في كثرة التلاقي.
قيل لرجل: هل ترى فلاناً؟ قال: لمعاً، أي أحياناً.
الإكثار من الزيادة ممل، والإقلال منها مخل.
لا تستيقظ نفسي إلا بهاجس من ذكرك يدعوها، ولا تحلم إلا بطارق من طيفك يعروها.
ما في قلبي مكان إلا موشى بذكرك، مطرزاً باسمك.
صورتك للعين حملاق.
كيف أنساك وإذا رأيت حسناً ذكرتك به مشبهاً، وإذا رأيت قبيحاً ذكرتك به منزها.
شاعر:
لو تفضلت بالرواح إلينا ... لقررنا بقرة العين عينا
آخر:
إذا ما تقاطعنا ونحن ببلدة ... فما فضل قرب الدار منا على البعد
آخر:
وأن مروري بالبلاد التي بها ... سليمى ولم ألمم بها لجفاء
ابن قيس الرقيات:
قد أتانا من آل سعدي رسول ... حبذا ما يقوله وأقول
قال لقمان لابنه: يا بني إذا مررت بقوم فارمهم بسهم الإسلام وهو السلام، فقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم دخل المدينة: افشوا السلام، وأطيبوا الكلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.
كان جذيمة الوضاح لا ينادم أحداً ذهاباً بنفسه، كان يقول: أنا أعظم من أن أنادم إلا الفرقدين، فكان يشرب كأساً ويصب لهما كأسين، فلما آتاه مالك وعقيل بابن أخته عمرو صاحب الطوق بعدما استهوى، قال لهما: حاجتكما؟ قالا: منادمتك. فنادماه أربعين سنة وما أعادا عليه حديثاً قط. فضرب بندماني جذيمة المثل. قال الشاعر:
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن نتصدعا

كان أبو الهذيل على مائدة المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، أن الله لا يستحي من الحق غلامي وحماري بالباب، فقال المأمون: صدقت يا أبا الهذيل، وقال للحاجب: أخرج إلى غلام أبي الهذيل وحماره ما يصلحهما. فكان محمد بن الجهم إذا تعذر عليه أمر قال: إن الذي سخر المأمون لحمار أبي الهذيل وغلامه لقادر على أن يسهل هذا الأمر.
وفعل مثل ذلك على مائدة المعتصم، فقال المعتصم للحاجب: مر لحمار أبي الهذيل بعلف ولغلامه بطعام. فقال أحمد بن أبي دواد: يا أمير المؤمنين، أما ترى إلى متانة دين هذا الشيخ وتفقده لما يلزمه، لم يمنعه جلالة مجلس عما يجب لله عليه في حماره وغلامه. فجعل أحمد ما قدره محوجاً إلى الاعتذار منه شهادة له بالفضل.
رؤي عند مالك بن دينار كلب، فقيل له: ما هذا؟ قال: هو خير جليس من جليس السوء. قال:
لكلب الناس أن فكرت فيه ... أضر عليك من كلب الكلاب
لئن الكلب لا يؤذي جليساً ... وأنت الدهر من ذا في عذاب
وقال الموصلي: رأيت بين يدي الفضل بن جعفر بن يحيى كلباً، فقلت له: أتنادم كلباً؟ قال: نعم، يمنعني أذاه، ويكتب عن أذى سواه، يجرس قليل، ويحرس مبيتي ومقيلي.
جلسة العيادة خلسة، ويقال: جلسة فلان عندي أخف من جلسه الخطيب بين الخطبتين.
كتب صاحب البريد إلى حضرة السلطان أنه وقع بين القواد وأن فلاناً شتم بكذا، فعاتبه الوزير وقال: هذصنت حضرة السلطان عن هذه اللفظة القذعة! قال: أمرت بإنهاء الأخبار على وجوها، فقال: ويحك! عجزت عن أن تكنى عنها فتقول: شتمة بما يشتم به الأحداث، أو كلاماً هذا معناه.
قال سيف الدولة الحمداني لابن عم له: ما عافاك اليوم عن التصبيح؟ قال: دخلت الحمام وقلمت أظفاري. فقال: لو قلت: أخذت من أطرافي كان أوجز وأحسن.
قال عبد الله بن الزبير لامرأة عبد الله بن خازم أخرجي المال الذي وضعتيه تحت استك، فقالت: ما ظننت أحداً يلي شيئاً من أمور المسلمين يتكلم بهذا. فقال بعض الحاضرين: أما ترون الخلع الخفي الذي أشارت إليه.
وعن الحجاج انه قال لأم عبد الرحمن بن الأشعث: عمدت إلى مال الله فوضعته تحت ذيلك، فكنى لئلا يعاب بما عيب به ابن الزبير.
شاعر:
زورة فردة إذا ضعف المر ... ء وطال الطريق تعدل عشرا
عمرو بن عبد العزيز السلمى:
دعوت بني عمي فكان جوابهم ... بلبيك فعل السادة النجب الغر
المتنبي:
خير أعضائنا الرؤوس ولكن ... فضلتها بقصدك الأقدام
المعرى:
أتيته وبودي أنني قلم ... أسعى إليه ورأسي تحتي الساعي
العباس بن الأحنف؛:
الله يعلم ما تركى زيارتكم ... إلا مخافة أعدائي وحراسي
ولو قدرت على الأتيان جئتكم ... سعياً على الوجه أو مشياً على الرأس
أهدى أبو غسان التميمي، وكان سيء الأدب، إلى الأمير نصر بن أحمد كتاباً من تصنيفه في نيروز، فقال: ما هذا يا أبا غسان؟ قال: كتاب أدب النفس. قال: فكيف لا تعمل بما فيه؟ شاعر:
يا مغرقاً في أدب الدرس ... أحسن منه أدب النفس
العتبي: لسان التقصير قصير.
من الآداب اللطيفة ما يحكى عن إبراهيم بن المهدي، قال: كنت عند الرشيد فأتاه رسول معه أطباق عليها مناديل ورقعة، فأخذ يقرأ الرقعة ويقول: وصله الله وبره، فقلت: يا أمير المؤمنين، من هذا الذي قد أطنبت في شكره لنشركك في جميل ذكره؟ فقال: عبد الملك بن صالح. ثم كشف عن الأطباق فإذا فيها فواكه، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما يستحق هذا الوصف، إلا أن يكون في الرقعة ما لا نعلمه. فرمى بها إلي، فإذا فيها: دخلت يا أمير المؤمنين إلى بستان في داري قد عمرته من نعمتك، وقد أينعت فواكهه، فحملتها في أطباق قضبان، ووجهتها إلى أمير المؤمنين ليصل إلي من بركة دعائه مثل ما وصل إلي من نوافل بره. فقلت: وما في هذا الكلام ما يستحق الدعاء؟ فقال: أما ترى كيف كنى بالقضبان عن الخيزران وهو اسم أمنا؟ قيل للعباس: أأنت أكبر أم رسول الله؟ فقال: رسول الله أكبر مني، وأنا ولدت قبله.
ونحوه ا، معاوية قال لسعيد بن مرة الكندي: أأنت سعيد؟ قال: أمير المؤمنين السعيد وأنا ابن مرة.

وقال المأمون للسيد بن أنس: أأنت السيد؟ فقال: أمير المؤمنين السيد وأنا ابن أنس.
وقال الحجاج للمهلب وهو يماشيه: أنا أطول أم أنت؟ قال: الأمير أطول وأنا أبسط قامة. أراد الطول وهو الفضل.
كان الجاحظ يتعجب من فطنه طويس ووضعه الكلام موضعه من حسن الأدب في قوله لبعض القرشيين: أمك المباركة وأبوك الطيب. يعني أصابته في قسمه الصفتين وأن لم يصفها بالطيب.
سفيان بن عيينة: الوضوء والخلال يبدأ فيهما بالأكبر، ولماء يبدأ في سقيه بالأيمن فالأيمن.
شعر:
أن حسن اللقاء والبشر مما ... يزرع الود في فؤاد الكريم
وهما يزرعان يوماً فيوماً ... أسوأ الظن في فؤاد اللئيم
جميل:
وقد طال هجري بيتها لا أزوره ... كفى حزناً هجران من أنت وامق
وهجرك من تهوى بلاء وشقوة ... عليك مع الشوق الذي لا يفارق
وله:
أزور بيوتاً لاصقات ببيتها ... وقلبي في البيت الذي لا أزوره
إسحاق الموصلي: يا هذا أذقنا نفسك حتى إذا استعذبناك تركتنا.
الشعبي في عبد الملك: ما رأيت أحسن حديثاً منه إذا حدث، ولا أحسن إنصاتاً منه إذا حدث، وإلا أحلم منه إذا خولف. وأخطأت عنده في أربع: حدثني يحديث فقلت: أعده علي، فقال: أما علمت أنه لا يستعاد أمير المؤمنين؟ وقلت حين أذن لي: أنا الشعبي، فقال ما أدخلناك حتى عرفناك. وكنيت عنده رجلاً، فقال: أما عملت انه لا يكنى أحد عند أمير المؤمنين؟ وسألته أن يكتبني حديثاً، فقال إنا نكتب ولا نكتب.
كانت العرب تقول: أعطني قلبك والقنى متى شئت، تريد أن العبرة بخلوص الود لا بكثرة اللقاء.
بهرام جور: إذا لم تصد قلوب الأحرار بالبشر والبر فبأي شيء تصيدها؟ زار المستعين يزيد بن محمد المهلبي فوهب له مائتي ألف وأقطعه فقال:
وخصصتني بزيارة أبقت لنا ... مجداً على طول الزمان يؤثل
وقضيت ديني وهو دين فادح ... لم يقضه مع جوده المتوكل
معاوية: نكحت النساء حتى ما أفرق بين امرأة وحائط، وأكلت حتى ما أجد ما استمرئه، وشربت الأشربة حتى رجعت إلى الماء، وركبت المطايا حتى نعلي، ولبست الثياب حتى اخترت البياض، فما بقي من اللذات ما تتوق إليه نفسي إلا محادثة أخ كريم، وأنشد:
وما بقيت من اللذات إلا ... محادثة الرجال ذوي العقول
وقد كنا نعدهم قليلاً ... فقد صاروا أقل من القليل
آخر:
غاب عن المجلس من لم يكن ... إلا به يستحسن المجلس
كذلك الريحان مستوحش ... ما لم يكن في وسطه النرجس
آخر:
لا يجمعنك والمعربد مجلس ... إلا وترس في يسارك واق
وبكفك اليمنى حسام مرهف ... عضب يحز أعالي الأعناق
فبذاك تسلم أن سلمت ولا أرى ... إلا وترس في يسارك واق
أمر المأمون الحسن بن عيسى كاتب وزيره عمرو بن مسعدة أن يكتب كتاباً، فالتفت إلى الوزير يطلب الأمر منه، ففهمها عنه المأمون فقال: تعطى الحسن مائة ألف لانتظاره أمر صاحبه.
صلى هارون إلى جنب ابن أبي رواد، وهو مكفوف، فصافحه وقال: تعرفني؟ قال: لا، إلا أن قبضتك قبضة جبار.
الحسن: رحم الله أقواماً كان إذا لقي أحدهم أخاه المسلم فسلم عليه علم ما وراء ذلك منه سليم.
وقيل له: كيف حالك؟ قال: ما ظنك بأناس ركبوا في سفينة حتى إذا توسطوا البحر انكسرت وتعلق كل إنسان بخشبة؟ فعلى أي حال هم؟ قيل: شديدة، قال: حالي أشد من حالهم.
النبي صلى الله عليه وسلم: المجالس أمانة.
وعن عبد الملك أنه انقطع عن أصحابه فانتهى إلى أعرابي، فقال: أتعرف عبد الملك؟ قال: جائر بائر. قال ويحك! أنا عبد الملك بن مروان. قال: لا حياك الله ولا بياك ولا قربك، أكلت مال الله، وضيعت حرمته. قال: ويحك! أنا أضر أنفع، قال: لا رزقني الله نفعك، ولا دفع عني ضرك. فلما وصلت خيله قال: يا أمير المؤمنين، اكتم ما جرى، فالمجالس أمانة.
عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
وأما ليجري بيننا حين تلتفي ... حديث له وشيء كوشي المطارف
حديث كوقع القطر بالمحل يستقى ... به الوجد في داخل الوجه شاعف
لبيد:

ما عاتب المرء اللبيب كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح
كتب المهدي إلى الخيزران من بعض منتزهاته:
نحن في أفضل السرور ولكن ... ليس إلا بكم يتم السرور
عيب ما نحن فيه يا أهل ودي ... أنكم غيب ونحن حضور
فأغذوا المسير بل أن قدرتم ... أن تطيروا مع الرياح فطيروا
علي رضي الله عنه: البشاشة حبالة المودة، والاحتمال قبر العيوب.
المأمون: اثنتان لا تصنعان على موائد الملوك: نكت المخ، وكثرة أكل النقل.
بعض السلف: تعايش الناس ملء مكيال ثلثاه فطته وثلثه تغافل.
جعفر بن محمد: عظموا أقدار كم بالتغافل.
شاعر:
فلما بصرنا به طالعاً ... حللنا الحبا وابتدره القياما
فلا تنكرن قيامي له ... كان الكريم يحب الكراما
وقال:
وفاجأتني والطرف نحوك شاخص ... وذكرك ما بين اللسان إلى القلب
خزامى جارية المعتز:
ذكرتكم ليلاً قنور ذكركم ... دجى الليل حتى إنجاب عنه ديار جره
ولو أن ليل الدهر نحويه ليلة ... تقصرها ذكرى لمن أنا ذاكره
شعبة بن عبد الملك البستي:
فديت من زارني على وجل ... من الأعادي وقلبه يجب
فلو خلعت الدنيا عليه لما ... قضيت من حقه الذي يجب
قال أبو الفتوح البستي: أن ما رغبني في استخراج هذا التجنس أني سمعت من شعبة بيته، وأنا إذا ذاك في سن الحداثة فاستحسنتها، وحدثت نفسي في سلوك طريقته.
في نوابغ الكلم: رب زورة زائر أشد من زأرة زائر.
سأل يوسف جبريل عليهما السلام عن حزن يعقوب عليه السلام، فقال: حزن سبعين ثكلى، قال: فماذا له من الأجر؟ قال: ما الله به عليم، قال: فهل تراني لاقيه؟ قال: نعم، قال: ما أبالي ما رأيت أن لقيته.
رأى سعيد بن العاص شناب من قريش يمشى وحده، فمشى معه، فالتفت إليه فقال له ألك حاجة؟ قال: لا، ولكني رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل من جناحك. فدخل منزله وأخرج إليه بدرة وقال: خذها هنيئاً لك فنعم ما أدبك أهلك.
وروي انه لم يجد ما يكافئه به، فضرب على نفسه صكاً بمال، فجاء به القرشي إلى ابنه فقال له: من أين لك هذا الماء؟ فقص عليه القصة، فقال: لا جرم والله لازمنه لك بالوافية.
من أبطأ رسوله فما أخطأ سوله.
إذا أبطا الرسول فقل نجاح ... ولا تفرح إذا عجل الرسول
أنعم الله بالرسول الذي أر ... سل والمرسل الرسالة عينا
هو بيت قديم للسلامى في عبد العزيز بن يوسف وقد وجه رسولاً إلى الخليفة من جهة عضد الدولة فاحسن تبليغ الرسالة وفيه يقول:
فأثبت فضائلك الباهرات ... على ملك الدهر فيما اصطنع
طلعت فكنت كنجم الصبا ... ح دل على الشمس لم اطلع
أبو مجلز: خرج معاوية إلى ابن الزبير وبن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير. فقال معاوية لابن عامر: اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب أن يمثل الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار.
أبو أمامة: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصا، فقمنا إليه، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضاً.
أطفأ الله نفحة التهاجر ينفحة التزاور.
قال رجل لأبي الدرداء: فلان يقرئك السلام، فقال: هدية حسنة ومحمل خفيف.
جارية من العرب:
تحمل هداك الله عني تحية ... إليه جديداً كل يوم سماعها
وخبر عن الوعاء أن قد توخمت ... إليه مراعيها وطال نزاعها
لقد قطع البيت المشتت الفة ... عزيز علينا أن يحمم انقطاعها
مد يحيى بن خالد البرمكي يده المصافحة معاذ بن مسلم حاجب المهدي فتجنب مصافحه، فقال: أواجد أنت؟ قال: لا، ولكني أكره أن أتلف مالي، وقال:
لست يحيى مصافحاً حين ألقى ... أنني أن فعلت أتلفت مالي
لو يمس البخيل راحة يحيى ... لسخت نفسه ببذل النوال
أوسع رجل لرجل في مجلس سليمان بن عبد الملك، وكان الناس مودحمين، فقال سليمان: ما أعظمها من يد! وأحسنه من معروف! وما ضاعت يد أودعها رجل رجلاً.

سمع عمر بن عبد العزيز رجلاً يقول لآخر: تحت إبطك فقال: ما على أحدكم أن يتكلم بأجمل ما يقدر عليه، يعني لو قال: تحت يدك كان أجمل.
لما تزوج علي رضي الله عنه النهشلية بالبصرة قعد على سريره، وأقعد الحسن عن يمينه، والحسين عن شماله، وأجلس محمد بن الحنفية بالحضيض، فخاف أن يجد من ذلك فقال: يا بني أنت ابني وهذان ابنا رسول الله.
دخل على علي رضي الله عنه رجلان فألقى لهما وسادتين، فجلس أحدهما ولم يجلس الآخر، فقال له علي: اجلس فإنه لا يرد الكرامة إلا حمار.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: أيما رجل عرضت عليه كرامة فلا يدع أن يأخذ منها مما قل أو كثر.
إسماعيل بن سالم عن حبيب: بلغني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفضل المؤمنين أحسنهم خلقا.
قال حبيب: ومن حسن الخلق أن يحدث الرجل صاحبه وهو يبتسم.
وقال حبيب: من السنة إذا حدثت القوم أن لا تقبل على رجل من جلسائك ولكن اجعل لكل منهم نصيباً.
قيل لعبد الله بن المبارك: كيف أصبحت؟ قال إنك تسأل الهارب عن باب ربه عن عافية صباحه، إنما العافية للثوري وأصحابه.
هرثمة: لا يتقدم الأصاغر الأكابر إلا في ثلاث: إذا ساروا ليلاً، أو خاضوا سيلاً، أو وجهوا خيلاً.
قال لقمان لابنه: يا بني، إذا أتيت نادى القوم فأمرهم بسهم الإسلام، ثم اجلس في ناحيتهم فلا تنطق حتى تراهم قد نطقوا، فإن رأيتهم قد نطقوا في ذكر الله فاجر سهمك معهم، وإلا فتحول من عندهم إلى غيرهم.
كان الحسن اللؤلؤي الفقيه يختلف إلى المأمون وهو صبي يلقى عليه الفرائض، فنعس فأطبق جفنه، فقال الحسن: أنمت أيها الأمير؟ ففتح عينيه فقال عامي والله، لم يغذ بالأدب، خذوا بيده ولا تعدوه.
فبلغ ذلك الرشيد فتمثل بقول زهير: وهل ينبت الخطى.
دخل محمد بن عمران النخعي على المأمون فجعل يحدثه، فدعاه له بتكأة، فقال: ما كنت لأتكئ بحضرة أمير المؤمنين، فقال: لتفعلن يا محمد، إن على قلبك من بدنك ثقلاً ومؤونة فأردنا أن يستريح بدنك ليفرغ لنا قلبك.
/الأسماء، والكنى، والألقاب ومن استحسن منها واستهجن، ونهي عنه، وحث عليه.
أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رفع قرطاساً من الأرض مكتوباً عليه بسم الله الرحمن الرحيم إجلالاً له ولاسمه عن أن يداس كان عند الله من الصديقين، وخفف عن والديه وإن كانا من المشركين " .
عن عائشة: قالت لخياط لها: أسميت حين ضربت بإبرتك؟ قال: لا، قالت: فافتق ما خطت.
ابن عباس: لم يرن إبليس مثل ثلاث رنات قط: رنة حين لعن فأخرج من ملكوت السماوات، ورنة حين ولد محمد صلى الله عليه وسلم، ورنة أنزلت سورة الحمد وفي ابتدائها بسم الله الرحمن الرحيم.
النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يرد دعاء أوله بسم الله الرحمن الرحيم، فأن أمتي يوم القيامة وهم يقولون بسم الله الرحمن الرحيم فتثقل حسناتهم في الميزان، فتقول الأمم: ما أرجح موازين أمة محمد؟ فتقول الأنبياء: إن ابتداء كلامهم ثلاثة أسماء من أسماء الله، لو وضعت في كفة الميزان ووضعت سيئات الخلق في كفة أخرى لرجحت حسناتهم " .
عكرمة: لما نزلت التسمية ضجت جبال الدنيا حتى سمع دويها، فقالوا سحر محمد قد قيد الجبال. رأى الإسكندر سمياً له لا يزال ينهزم، فقال: يا رجل، إما أن تغير فعلك وإما أن تغير اسمك.
قال يموت بن المزارع قال لي ابن صدقة المري: ضربك الله باسمك، فقلت: أحوجك الله إلى اسم أبيك.
سعيد بن المسيب بن حزن فقيه أهل المدينة غير مدافع، أتى جده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أنت سهل؟ فقال له: بل أنا حزن، ثلاثاً.
وروي أنه قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن، فقال: فأنت حزن. قال سعيد: فما زالت تلك الحزونة فينا.
قال عمرو بن عبيد: أتى الحسن بفالوذج، فقال: يا عمرو، فما فرحت بشيء فرحي بأن عرف اسمي.
وكان المنصور يكنه، فقيل له: إن أمير المؤمنين يكنيك، فقال ما ذكرت ذلك إلا دخلتني غضاضة.
شاعر:
لعمرك ما الأسماء إلا علامة ... منار ومن خير المنار يفاعها
سأل رجل أبا عبيدة عن اسم رجل فما عرفه، فقال كيسان أنا أعرف الناس به، هو خراش أو خداش أو رياش أو شيء آخر. فقال أبو عبيدة: ما أحسن ما عرفته! فقال: إي والله، وهو قرشي أيضاً، قال: وما يدريك؟ قال: أما ترى كيف احتوشته السيئات من كل جانب.

دق رجل على عمرو بن عبيد الباب، فقال: من هذا؟ قال: أنا، قال: لست أعرف في إخواننا أحداً اسمه أنا.
الفرزدق:
وما تلتقي الأسماء الناس والكنى ... كثيراً ولكن فرقوا في الخلائق
الجاحظ: لولا أن القدماء من الشعراء سمت الملوك وكنتها في أشعارها وأجازت ذلك واصطلحت عليه ما كان جزاء من فعل ذلك إلا العقوبة. على أن ملوك بني ساسان لم يكنها أحد من رعاياها قط ولا سماها في شعر ولا خطبة. وإنما حدث هذا في ملوك الحيرة.
وكان الجفاة من العرب، بسوء أدبها، وغلط تركيبها، إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم خاطبوه باسمه وكنيته، فأما أصحابه فكانت مخاطبتهم إياه بيا رسول الله، ويا نبي الله. وهكذا يقال للملك في المخاطبة يا خليفة الله، ويا أمير المؤمنين.
وينبغي للداخل على الملك أن يتلطف في مراعاة الآداب، كما حكي أن سعيد بن مرة الكندي، دخل على معاوية فقال له: أنت سعيد؟ فقال: أمير المؤمنين السعيد وأنا ابن مرة، وقال المأمون للسيد بن أنس الأزدي: أنت السيد وأنا ابن أنس.
أنشد الجاحظ:
وهبت لبحر درهميه ولم يكن ... لترخص عني خلتي درهما بحر
وقلت لبحر خذهما واصطرفهما ... وأنفقهما في غير حمد ولا شكر
أتمنع سؤال العشيرة بعدما ... سميت ببحر واكتنيت أبا الغمر
جابر: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من بيت فيه اسم محمد إلا وسع الله عليهم الرزق. فإذا سميتموهم فلا تضربوهم ولا تشتموهم، ومن ولد له ثلاثة ذكور فلم يسم أحداً منهم أحمد أو محمد فقد جفاني " .
أبو هريرة: عنه عليه السلام: من تسمى باسمي فلا يتكن بكنيتي، ومن تكنى بكنيتي فلا يتسم باسمي.
وروى محمد بن الحنيفة عن علي: قلت يا رسول الله، إن ولد لي بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم.
أبو الدرداء: عنه عليه السلام: إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم.
أبو وهب الجشمي يرفعه: تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة.
وقال عليه السلام: إذا سميتم فعبدوا.
ابن عباس: رفعه: من حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن أدبه.
عن عبد الرحمن بن زيد: بلغني أن السقط يوم القيامة وراء أبيه يقول: أنت ضيعتني، وأنت تركتني لا اسم لي. فقال له عمر بن عبد العزيز: كيف وقد لا يدري أنه غلام أو جارية؟ قال: من الأسماء ما يجمعهما، كحمزة وعمارة وطلحة وعتبة.
وكان عليه الصلاة والسلام يغير بعض الأسماء، سمى الصديق عبد الله وكان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، وابن عوف عبد الرحمن وكان اسمه عبد الحارث، وهشاماً وحزناً سهلاً، والمضطجع المنبعث، وأرضاً تسمى عفرة خضرة، وشعب الضلالة شعب الهدى، وبني الزنية بني الرشدة، وبني مغوية بني رشد، وبني الصماء بني السميعة.
وقدم الخلفاء وغيرهم رجالاً لحسن أسمائهم، وأقصي قوم لشناعة أسمائهم. وتعلق المدح والذم بذلك في كثير من الأمر.
في رسالة الجاحظ إلى أبي الفرج ابن نجاح: وقد أظهر الله في أسمائكم وأسماء آبائكم وكناكم وكنى أجدادكم من برهان الفأل الحسن ونفي طيرة السوء ما جمع لكم به صنوف الأمل، وصرف إليكم وجوه الطلب، فأسماؤكم وكناكم بين فرج ونجح وسلامة وفضل، ووجوهكم وأخلاقكم وفق أعراقكم وأفعالكم، فلم يضرب التفاوت فيكم بنصيب.
أراد عمر رضي الله عنه الاستعانة برجل فسأله عن اسمه فقال: ظالم بن سراق، فقال: تظلم أنت ويسرق أبوك! فلم يستعن به.
وعن علي رضي الله عنه أن رجلاً من عائذة قريش قال له: ما بال المهاجرين والأنصار تخطوك إلى أبي بكر وعمر وأنت أقدمهم سابقة، وأكرمهم سالفة وأفضلهم منقبة؟ وكان متكئاً فاستوى جالساً فقال: لولا أن المؤمن عائذ الله لقتلتك.
أعرابي في خلة له اسمها جنوب:
فيا نخلات الحي حي ابن غالب ... سقيتن ما دامت بكن جنوب
فيا خير أسماء الرياح تركتني ... كذي الداء ما يدعى إليه طبيب
سأل رجل رجلاً ما اسمك؟ قال: بحر، قال: أبو من؟ قال: أبو الفيض، قال: ابن من؟ قال: ابن الفرات. قال: ما ينبغي لصديقك أن يلقاك إلا في زورق.

كان البحتري إذا ذكر الخثعمي الشاعر قال: ذاك الغث العمى. لما أنشد جرير سليمان بن عبد الملك قصيدته:
ظعن الخليط برامتين فودعوا ... أو كلما ظعنوا لبين تجزع
أطربه عذوبة النسيب، وأقبل عليه، وجعل يحفز إليه، حتى قال:
وتقول بوزع قد دببت على العصا ... هلا هزئت بغيرنا يا بوزع
فأنكسر نشاطه، وقال: أفسدت شعرك بهذا الاسم.
سألت زينب بن أبي سلمة محمد بن عمرو بن عطاء ما سميت ابنتك: قال: برة، قالت: إن رسول الله نهى عن هذا الاسم، قال: لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم.
قيل لقرقر المخنت: أبو من؟ قال: أم محمد.
قيل لصبي من العرب: من أبوك؟ قال: وَوْ وَوْ. لأن اسم أبيه كان كلبا.
قيل في رجل اسمه وثاب واسم كلبه عمرو:
ولو هيا له الله ... من التوفيق أسبابا
لسمى نفسه عمراً ... وسمى الكلب وثابا
أبو هريرة يرفعه: أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى ملك الأملاك، اسم الله الأعظم الحي القيوم، وقيل ذو الجلال والإكرام، وعن الحسن: الله والرحمن.
كان قصي بن كلاب يقول: ولد لي أربعة، فسميت اثنين بآلهتي بعبد العزى وعبد مناف، واثنتين بنفسي وداري يعني عبد قصي وعبد الدار، وهي دار الندوة بناها قصي، فكانت قريش لا تفصل أمراً ذا بال إلا فيها.
ذات الخمار هنيدة بنت صعصعة عمة الفرزدق كانت تقول: من جاءت من نساء العرب بأربعة يحل لها أن تضع خمارها عندهم فهي خير مني، أبي صعصعة، أخي غالب، وخالي الأقرع بن حابس، وزوجي الزبرقان بن بدر. فسميت ذات الخمار.
قال الزبير بن بكار: كان هند بن أبي هالة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا أكرم الناس بأربعة: أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمي خديجة، وأختي فاطمة، وأخي القاسم فهؤلاء الأربعة لا أربعتها.
أتى عبد الله بن أبي بكر الغار ليلاً بالسفرة ومعه أسماء، وما كان للسفرة من شناق فشقت من نطاقها شقة فشنقتها بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة. وقيل كان لها نطاقان تحمل في أحدهما الزاد إلى الغار. وقيل: كانت تظاهر بين نطاقين لزيادة الستر، فسميت ذات النطاقين.
كلما كان الاسم غريباً كان أشهر لصاحبه وأمنع من يعلق النبز به. قال رؤبة:
وقد رفع العجاج ذكرى فأدعى ... باسمي إذ الأسماء طالت بكفتي
وقد سأله النسابة البكري عن نسبه فقال: العجاج، فقال قصرت وعرفت.
وقال أبو نواس:
شنع الأسامي مسبلي أزر ... حمر تمشي الأرض بالهدب
ولا ترى أمة أكثر أعلاماً وأوسع أسماء شنعاً من العرب.
ويشهد لفضل غرابة الاسم قوله تعالى: لم نجعل له من قبل سميا؟ ودخل عبادة على المتوكل وبين يديه جام من ذهب فيه ألف دينار، فقال: أسألك عن شيء إن أجبتني فيه بديهة من غير أن تتفكر أو تتنعنع فلك الجام بما فيه، قال: سل يا أمير المؤمنين. قال: أخبرني عن شيء له اسم ولا كنية له، وعن شيء له كنية ولا اسم له. قال: المنارة وأبو رياح من غير فكر، فتعجب وأعطاه الجام بما فيه قيل لعثمان ذو النورين لأنه ورقيه كانا أحسن زوجين في الإسلام، يروى أن رسول الله عليه السلام بعث بلطف مع رجل إلى عثمان واحتبس. فلما رجع قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت أخبرتك ما حبسك، كنت تنظر إلى عثمان ورقية تعجب من حسنهما، فقال: صدقت يا رسول الله. فالنوران نور نفسه ونور رقية. وقيل: النوران رقية وأم كلثوم.
عن النزال بن سبرة: سألت علياً عن عثمان فقال: ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذو النورين، كان ختن رسول الله على ابنتيه. وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لو أن لي أربعين بنتاً لزوجتك واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن أحد " . وقالوا: ما تزوج أحد بنتي نبي غير عثمان.
وما ذو النور فهو فالطفيل بن عمرو الدوسي أعطاه رسول الله نوراً في جبينه ليدعو به قومه، فقال: يا رسول الله، هي مثل، فجعله في طرف سوطه، فكان كالمصباح يضيء له الطريق بالليل.
ورأى ابن طباطبا علي: باب علي بن رستم عثمانيين أسودين عليها عمامتان حمراوان فقال:
أرى بباب الدار أسودين ... ذوي عمامتين حمراوين

كجمرتين فوق فحمتين ... جدكما عثمان ذو النورين
فما له أنسل ظلمتين ... ما أنتما إلا غرابا بين
ذو الشهادتين خزيمة بن ثابت الأنصاري. روى أن رسول الله استقضاه يهودي ديناً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو لم أقضك؟ فطلب البينة، فقال لأصحابه: أيكم يشهد لي؟ فقال خزيمة: أنا يا رسول الله؛ قال: وكيف تشهد بذلك ولم تحضره ولم تعلمه؟ قال: يا رسول الله نحن نصدقك على الوحي من السماء، فكيف لا نصدقك على أنك قضيته؟ فأنفذ شهادته وسماه بذلك، لأنه صير شهادته شهادتي رجلين.
قتادة بن النعمان الأنصاري: أصيبت عينه يوم أحد فسقطت على خده فردها رسول الله فكانت أحسن وأصح من الأخرى، كانت تعتل الباقية ولا تعتل المردودة. فقيل له ذو العينين، أي له عينان مكان الواحدة.
كان الحسين زيد بن علي بكاء فقيل له ذو الدمعة، وكان يقول إذا قيل له في ذلك: وهل تركت النار والسهمان لي مضحكاً. يريد السهمين اللذين أصابا زيد بن علي، ويحيى بن زيد.
قال أبو هريرة: كنيت بهرة صغيرة كنت ألب بها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له أبا هر. واختلف في اسمه قيل له عبد الله، وعبد شمس، وعمير، وسكين.
ذو الثدية وقيل ذو الخويصرة، حرقوص بن زهير باب الخوارج وكبيرهم الذي علمهم الضلالة. وجد يوم النهروان بين القتلى، فقال علي رضي الله عنه: ائتوني بيده المخدجة، فأتى بها فأمر بنصبها وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئاً، ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئاً ولا صيامكم إلى صيامهم شيئاً، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، وأية ذلك أن فيهم رجل له عضد وليست له ذراع، على عضده مثله حلمة الثدي، عليه شعيرات بيض " .
نحر قريع جزوراً فقسمه بين نسائه، فأدخل جعفر بن قريع في أنفه يده، وهو غلام، فجر الرأس إلى أمه، فقيل له ما هذا؟ فقال: أنف الناقة، فسمى به وبقي نبذا لولده حتى قال فيهم الحطيئة:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
فرجع إليهم فخراً يتبجحون بذكره.
فصاح أعرابي بعبد الله بن جعفر: يا أبا الفضل، فقيل له: ليست كنيته، فقال: إن لم تكن كنيته فأنها صفته.
كان بالبصرة قوم يلقبون الناس، فخطب إليهم رجل وقال: أتزوج إليكم على شريطة، قالوا: وما هي؟ قال: أن لا تلقبوني وتدعونني رأساً يرأس. قالوا: فلقبك رأسا برأس، فلزمه.
قال الشعبي: كنية الدجال أبو يوسف.
شاعر:
زياد لست أدري من أبوه ... ولكن الحمار أبو زياد
كان صاحب ربع يتشيع ، فارتفع إليه خصمان يسمى أحدهما علياً والأخر معاوية، فتحامل على معاوية فضربه مائة مقرعة، من غير أن انجهت عليه حجة. ففطن من أين أتي، فقال: أصلحك الله، سل خصمي عن كنيته، فإذا هو عبد الرحمن، فبطحه فضربه مائة. فقال لصاحبه: ما أخذته مني بالاسم استرجعته منك بالكنية.
كان سعيد بن جبير يسمى جهبذ العلماء، مات وما على الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.
كتب الصابي كاتب أمير المؤمنين متلقباً متسمياً، ومن سواه متلقباً مكنياً لأن اللقب تكرمه من جهة الخليفة، وأما التكنية فتكرمة بين الناس.
عنبسة الفيل النحوي سمي بذلك لأن معدان أباه كان يروض فيلاً للحجاج وسمع الفرزدق أن عنبسة يروي أهاجي جرير فقال:
لقد كان في معدان والفيل زاجر ... لعنبسة الراوي علي القصائدا
وقيل لغيلان الراجز راكب الفيل، ولسعدويه الطنبوري عين الفيل لأن الحجاج كان يحملها على الفيل.
وإذا سمى أهل البصرة أنساناً بفيل فصغروه قالوا فيلويه، كما يجعلون عمراً عمرويه وحمداً حمدويه.
يقال لكل جارح من الطير ذو النظرتين، لأنه ينظر ثم يطأطئ وينظر، فإذا أثبت الصيد قصده، ويقال لكل شيء يئس منه طار به ذو النظرتين.
ويقال للجاسوس ذو العيينتين. وفي الأعم يسمونه العينتين بطرح ذو، كما يسمونه العين.
ذو الشهرة أبو دجانه الأنصاري، كانت له مشهرة يلبسها ويتخايل بين الصفين.

ذو اليميني طاهر بن الحسين، سمي بذلك لأن المأمون قال له: يا أبا الطيب، يمينك أمير المؤمنين وشمالك يمين، فبايع بيمينك يمين أمير المؤمنين. وكتب إليه بعض أصحابه كتاباً عنونه بقوله: الأمير المهذب المكنى بأبي الطيب، ذي اليمينين طاهر ابن الحسين بن مصعب.
ذو الرياستين الفضل بن سهل، لأنه دبر أمر السيف والقلم، ولي رياسة الجيوش والدواوين. ودخل عليه شاعر يوم المهرجان، وبين يديه الهدايا، فقال:
اليوم يوم المهرجان ... وهديتي فيه لساني
لك دولتان حديثه ... وقديمة ورياستان
لك في الذرى من هاشم ... بيت وبيت خسرواني
علم الخليفة كيف أنت ... فصرت في هذا المكان
فأمر له بجميع الهدايا.
كان اسم بن معد خالداً فقدم على يستأسف، وكان رجلاً نحيفاً فقال: أي نزاراً فبقى نزاراً لقمعه بن الياس:
خلفنا جديساً ثم طمساً بأرضنا ... فأعظم يوم الفخار فخارا
وفيه:
هاشم نزاراً بعد أن كان خالداً ... وأمسى بنوه الأطيبون خيارا
هاشم عمرو بن عبد مناف، لأنه جلب البر من الشام فعمل الخبز وهشم الثريد لأهل مكة والحاج، قال:
أتاهم الغرائر متآقات ... من أرض الشام بالبر النفيض
فوسع أهل مكة من هشيم ... وشاب الخبز باللبن الغريض
المطيبون: بنو عبد مناف، وبنو أسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرة، والحارث بن فهر، غمسوا أيديهم في خلوق ثم تحالفوا.
والأحلاف: بنو عبد الدار، وبنو مخزوم، وبنو جمح، وبنو سهم، وبنو عدي. نحروا جزوراً وغمسوا أيديهم في دمائها وتحالفوا، فسموا لعقة الدم. ولم يل الخلافة من الأحلاف إلا واحد، وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والباقون من المطيبين.
قل لقريش سخينة، وهي حساء لأنهم يتخذونها في الجدب. قال حسان:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب
الأحابيش: الذي حالفوا قريشاً من القبائل، اجتمعوا بذنب حبشي جبل بمكة، فقالوا: بالله إنهم يد على من خالفهم ما سجا ليل وربما الحبشي في مكانه. وقيل: هو من التحبيش وهو الاجتماع، الواحد أحبوش.
الحُمس: حمس قريش، وكنانة، وخزاعة، وعامر، وثقيف، لتحمسهم في دينهم.
وكان يقال: للحمس الحرم، والحل لهم ولغيرهم، ويقال على هذا اجتمع الناس حمسهم وحلهم. كان يقال لخثعم الفجار، لأنهم لم يكونوا يحجون البيت في الجاهلية. العنابس: حرب، وأبو حرب، وسفيان، وأبو سفيان، وعمرو، وأبو عمرو، بنو أمية، لأنهم شبهوا بالأسد في حرب الفجار.
والأعياص: العاص، وأبو العاص، والعيص، والعويص، بنوه أيضاً، وكان الأحد عشر كل منهم يكنى باسم صاحبه إلا العويص فما كان له كنى.
قصي: اسمه زيد قصي عن دار قومه، لأنه حمل من مكة في صغره إلى بلاد أزدشنوءة بعد موت أبيه، فلما شب رجع إلى مكة ولم ينشب أن ساد، وكانت قريش في رؤوس الجبال والشعاب، فجمعهم وقسم بينهم المنازل بالبطحاء، فقيل له مجمع. قال حذافة بن غانم العدوي:
وزيد أبوكم كان يدعى مجمعاً ... به جمع الله القبائل من فهر
شيبة الحمد بن عبد المطلب، لقب بشيبة كانت في رأسه حين ولد. قال حذافة:
بني شيبة الحمد الذي كان وجهه ... يضيء ظلام الليل كالقمر البدر
وقيل له عبد المطلب لأن عمه المطلب مر به في سوق مكة مرقلاً، فجعلوا يقولون: من هذا وراءك؟ فيقول: عبد لي.
أبو بكر رضي الله عنه اسمه عبد الله، ولقباه العتيق والصديق لجماله وتصديقه بخبر المسرى، ولأنه أول من صدق رسول الله.
الفاروق قيل لعمر لأنه قال يوم أسلم: لا يعبد الله سراً، فظهر به الإسلام وفرق بين الحق والباطل.
الكامل لقب سعد بن عبادة لأنه كان يكتب ويحسن الرمي والغوص.
طلحة بن عبيد الله كان يقال له طلحة الخير وطلحة الفياض وطلحة الطلحات لسخائه.
يعسوب قريش عبد الرحمن بن عتاب بن أسعد، شهد الجمل فمر به علي رضي الله عنه فقال: لهفي عليك يعسوب قريش! شفيت نفسي وجدعت أنفي قتلت الصناديد من قريش وتركت الأعيار من بني جمح. فقال له رجل: أتقول هذا فيه وقد خرج عليك؟ فقال: إنه قام وعني وعنه نسوة لم يقمن عنك.
الجراضم معاوية، لأكله في سبعة أمعاء.

رشح الحجر وأبو الذبان لقبا عبد الملك لبخله وبخره.
عكة العسل سعيد بن العاص، وكان ذميماً نحيفاً.
الحبر عبد الله بن العباس لعلمه، كان يقال له مرة الحبر ومرة البحر.
عمرو بن سعيد الأشدق لأنه كان مائل الشد: وقيل دخل على معاوية فقال له: إلى من أوصى بك أبوك؟ قال: أبي أوصاني ولم يوص بي، قال: وبم أوصاك؟ قال: أوصاني بأن لا يفقد أخوته منه غير وجهه، فقال: إن ابن سعد هذا لأشدق، يريد التشادق في الكلام.
الجرادة الصفراء مسلمة بن عبد الملك لصفرة لونه، ولقول يزيد بن المهلب: وما مسلمة إلا جرادة صفراء أتاكم في أقباط وأخلاط وأنباط.
كان ابنا عبد الملك بن بشر بن مروان أبان والحكم في أجل حال وأفخم منزلة عند ابن هبيرة فقيل لهما الفيل والزندبيل.
وقيل لعكرمة بن ربعي الفياض لسخائه، خرج مع الوليد ابن عبد الملك إلى الصائفة، ومعه ألف بعير عليها الطعام فجعل ينحر كل يوم سمينها ويطعم ما عليه، فقال فيه الأخطل:
رأيت عكرمة الفياض في دمه ... سبط الفعال إذا ما يذكر الجود
ميزيقاء عمرو بن عامر ماء السماء من ملوك الحيرة، كانت تنسج له حلة من ذهب في سنة كاملة فيلبسها يوم العيد، فإذا أمسى مزقها، وتقدم ينسج أخرى لعيد السنة القابلة. وقيل: كان يلبس كل يوم حلة جديدة ويمزقها لئلا يلبسها غيره قال:
لقباني مزيقاء فاني ... أنا أولى من ابن ماء السماء
كان تمزيق حلة دأب عمرو ... كل عيد وقيل كل مساء
ولتمزيق فروة ابن فلان ... عادتي كل ساعة بهجاء
جذيمة بن سعد الخزاعي، قيل له المصطلق لحسن صوته وشدته. مفتعل من الصلق وهو شدة الصوت. عرض على الحارث بن عبد الله مكيال لابن الزبير فقال: إن مكيالكم هذا لقباع فلقب بالقباع قال أبو الأسود لابن الزبير:
أمير المؤمنين جزيت خيراً ... أرحنا من قباع بني المغيرة
راح يكذب لقب المهلب لأنه كان يضع الحديث في أيام الخوارج فيحدث به فإذا رأوه قالوا: راح يكذب. قال واثلة السدوسي:
أعور مشنوء يخالف قوله ... لما وصفوه إذ راح يكذب
صالح قبة: كان ينكر أن يتولد شيء من شيء، وكان يقول: يبتدئ الله ذلك في حال وجوده، ولو قربت النار من الحطب اليابس ولم يخلق الله الاحتراق أبداً، ولو طرح حيوان في النار ولم يخلق الله الألم فيه لم يتألم. حتى قيل له: فما تنكر أن تكون أنت في هذا الوقت قاعداً بمكة في قبة وأنت لا تعلم لأن الله لم يخلق فيك العلم، فقال: لا أنكر ذلك. فلقب بذلك.
واصل الغزال: كان يكثر الجلوس في سوق الغزالين، وقيل: كان يتتبع العجائز فيها فيتصدق عليهن، ولم يكن غزالاً.
خالد الحذاء لم يكن حذاءً وإنما يجلس في الحذائين. وقيل كان يكثر إذا ناظر أحداً: على حذاء الكلام.
وسليمان التيمي كانت داره ومسجده في بني تيم، ولم يكن منهم، وهو شيباني.
واليزيدي كان يعلم ولد يزيد بن منصور الحميري فنسب إليه.
وأبو عمر الشيباني لم يكن من شيبان وإنما كان معلم يزيد بن مزيد الشيباني.
ذو القروح امرؤ القيس لأن ملك الروم كساه الحلة المسمومة، فقرحته، والضليل: لأنه أضل ملك أبيه، والمفرك لأن النساء كان يفركنه.
قال ابن الكلبي: دخلت على ضرار بن عطارد وعنده رجل كأنه جرذ يتمرغ في الخز، فقال لي ابن عطارد: سله ممن أنت، فسألته فقال: إن كنت ناسياً فانسبني فإني من بني تميم، فابتدأت النسب إلى أن بلغت إلى غالب أبيه فقلت: وولد غالب هماماً، فاستوى جالساً وقال: والله ما سماني به إلا ساعة من نهار، فقلت: والله إني لأعرف اليوم الذي سماك به الفرزدق، بعثت في حاجة فخرجت تمشي وعليك مشقة لك فقلت والله لكأنك فرزدق دهقان. فقال: صدقت والله، ثم قال: أتروى من شعري شيئاً؟ فقلت: لا، ولكن أروي لجرير قصيدة، فقال: لأهجون كلباً سنة أو تروون لي كما رويت لابن المراغة، فجعلت اختلف إليه وأقرأ عليه النقائض وما بي حاجة إليها خوفاً منه.
سلم الخاسر باع مصحفاً لأبيه واشترى بثمنه دفتراً من شعر فقيل له الخاسر، واستطعمه الرشيد حديثاً فاستطرفه فأمر بأن يسمى سلم الرابح.

العماني الراجز محمد بن ذؤيب لم يكن من عمان وإنما رآه دكين الراجز وهو غليم نضو مصفر مطحول يمتح على بكره ويرتجز فقال: من هذا العماني فلزمه، لأن الطحال يعتري نازل البحرين.
ثابت قطنة أصيبت عينه في حرب فكان يحشوها قطناً. وقال فيه حاجب الفيل المازني:
لا يعرف الناس منه غير قطنته ... وما سواها من الإنسان مجهولاً
زياد الأعجم لقب بذلك للكنه يرتضخها، وكنيته أبو أمامة، فتسمى باسم النابغة وتكنى بكنيته.
شاعر:
أحب من الأسماء ما وافق اسمها ... وأشبهه أو كان منه مدانيا
وكان في رفقتي أعرابي بطريق مكة فصيح اللسان من خفاجة اسمه مرشد بن معضاد كنت استدنيه لأسمع منه فرأيته يوماً حانا إلى ولده، فسألته عن أسمائهم فقال: علي وعلي وعلوان، ثم قال: وأني لنا عن أي تراب.
أول من سمي في الإسلام أحمد أبو الخليل. وأول من سمي عبد الملك بن مروان.
قال ابن الأعرابي: منظور زبان الفزاري بقي في بطن أمه سنتين فولد وقد نبتت له ثنيتان، فسمي منظوراً لانتظارهم إياه، وقيل فيه:
وأبطأت حتى قيل أنك لا تجي ... وسميت منظوراً وجئت على قدر
وإني لأرجو أن تجود كحاتم ... وأني لأرجو أن تسود بني بدر
خارجة بن سنان المرئ ماتت أمه وهو حمل، فتحرك في بطنها فنقر عنه حتى خرج فسمي خارجة وبقير غطفان.
لما أقبل قحطبة على ابن هبيرة أراد أن يكتب إلى مروان يخبره وكره أن يسميه فقال: اقلبوه، فوجد هبط حق، فقال: دعوه على هئيته.
نظر عمر رضي الله عنه إلى جارية سوداء تبكي، فقال: ما شأنك؟ قالت: ضربني أو عيسى. قال: أو قد تكنى بأبي عيسى؟ علي به، فأحضروه، فقال: ويحك! أكان لعيسى أب فتكنى به؟ أتدري ما كنى الأعراب؟ أبو سلمة، أبو عرفطة، أبو طلحة، أبو حنظلة، فأدبه واقتص منه للجارية.
قال النبي صلى الله عليه وسلم حين حاصر الطائف: أيّما عبد نزل إلى فهو حر. فتدلى أبو بكرة، من السور على بكرة. فقال له النبي: أنت أبو بكرة، واسمه نفيع وأخوه نفيع وأخوه نافع، وكانا مولي الحارث ابن كلدة.
قال برصوما الزامر لأمه: أما وجدت لي اسماً علي هذا؟ قالت: لو علمت أنك تجالس الملوك لسميتك يزيد بن مزيد.
قيل لبعض صبيان الأعراب: ما اسمك؟ قال: قراد؛ قيل: لقد ضيق أبوك عليك؛ قال: إن ضيق الاسم فقد وسع الكنية؛ قيل: وما كنيتك؟ قال: أو الصحارى.
أنشد تعلب:
ليست بشامية النحاس ولا ... سفراء مصموحة معاصمها
بل ذات أكرومة تنكفها ال ... أحجار مشهورة مواسمها
وقال: الأحجار رهط بني نهشل، وهم جندل وصخر وجرول. وأنشد غيره:
وحللت من مضر بأمنع ذروة ... ضعت بحد الشوك والأحجار
يريد بالشوك أخواله، وهم قتادة وطلحة وعوسجة، وبالأحجار أعمامه، وهم صفوان وفهر وجندل وصخر.
من شأنهم أن يغيروا الاسم من صيغته، يقولون في سليمان: سليم وسلام وسالم، قال النابغة:
وكل صموت فثلة تبعية ... ونسج سليم كل قضاء ذائل
وقال الحطيئة:
فيه الرماح وفيه كل سابغة ... جدلاء محكمة من نسج سلام
وقال أبو أيوب بن أخت أبي الوزير في مرثية أم سليمان بن وهب:
وكنت سراج البيت يا أم سالم ... فأضحى سراج البيت بين المقابر
ودخل رجل على سليمان بن وهب فقال: ما تزداد مصيبتنا إلا تضاعفاً، قال: وما ذاك؟ قال: أي شيء أعظم مما أنا فيه وفاة والدتي وتسيير هذه المرثية التي فيها نقل اسمي من سليمان إلى سالم.
وقال الأغلب في سجاح المتنبئة:
قد علقت سجحاء خوطاً خائطاً ... أبيض جعداً عمرطا عمارطا
وقال آخر: والله لو شيخنا عباد، يريد معبداً.
وقال الأعشى:
إلا كخارجة المكلف نفسه ... وأبي قبيصة أن أغيب ونشهدا
يريد اليخرجان، وكان كسرى أخرجه مع إياس بن قبيصة أميراً على جيش من العرب في حرب ذي قار.
سمى عبد الملك لحبه الحجاج ابنا له الحجاج، وقال:
سميته الحجاج بالحجاج ... بالناصح المكاشف المداجي
وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً.
همدان أصابه أمر أهمه فقال هذا هم دان، فلقب بهمدان، واسمه أوسله بن مالك.

ولد نبت بن زيد بن يشجب والشعر نابت على جميع جسده فلقب بالأشعر، وولده الأشعرون ومنهم أبو موسى الأشعري.
استأذن الجاحظ السكاك على رئيس، فقال الخادم: الجاحد والشكاك بالباب، فقال: هما من أسماء الزنادقة، فقال له الجاحظ: قل الحدقى، فولى وهو يقول: الحلقي، فقال: ويحك! ارجع على الجاحد.
الأحواز مقلوبة عن أخواز جمع خوز، لأنها كانت بلدهم، وقال الأصمعي: الخوز الفعلة الذي بنو الصرح لفرعون، سمو بخوز وهو الخنزير بالفارسية، ولما جاء الإسلام وأقامت العرب بها اتقوا من هذا الاسم، فبذلوا لأصحاب السلطان أموالاً حتى غير الأخواز بالأهواز. جمع أبو بكر بن دريد ثمانية أسماء في بيت:
فنعم أخو الجلي ومستنبط الندى ... وملجأ محزون ومفزع لاهث
عياذ بن عمرو بن الحليس بن عامر ... بن زيد بن مذكور بن سعد بن حارث
قالوا: لم تكن الكنى لشيء من الأمم إلا للعرب وهي من مفاخرها. وقال عمر رضي الله عنه: أشيعوا الكنى فإنها منبهة. والتكنية إعظام، قلما كان لا يؤهل له إلا ذو شرف في قومه قال:
أكنيه حين أناديه لا كرمه ... ولا ألقبه والسوأة اللقب
وقيل في قوله تعالى: فقولا له قولا لينا، كنياه.
وقال البحتري:
يتشاغفن بالصغير المسمى ... موبصات وبالكبير المكنى
وقال ابن الرومي:
بكت شجونها الدنيا فلما تبينت ... مكانك منها استبشرت وتثنت
وكان ضئيلاً شخصها فتطاولت ... وكانت تسمى ذلة فتكنت
وعن مولى لعمر بن عتبة: كنت وصيفاً فأسلمني في المكتب، فلما حذفت وتأدبت ألزمني خدمته وأعتقني، فصاح يوماً يا أبا يزيد، فالتفت أنظر من عيني، فقال لي: إياك أعني، ثم قال: يا معشر قريش لا تدعوه باسمه. وقال لي: إنك أمس كنت لي وأنت اليوم مني.
والذي دعاهم إلى التكنية الإجلال عن التصريح بالاسم بالكناية عنه، ونظيره العدول عن فعل إلى فعل في نحو قوله تعالى: وغيض الماء وقضى الأمر، وقول الكتاب أمر بكذا ونهي عن كذا.
ومعن كنيته بكذا سميته به على قصد الإخفاء والتورية، وكنى وكمى أخوان في إعطاء معنى الإخفاء، وكذلك كنى عنه بمعنى ترجم عنه على وجه الإخفاء، ألا ترى إلى قولهم وروى عنه ثم ترقوا عن الكنى إلى الألقاب الحسنة التي هي أضداد ما يتنابز به مما نهى الله عنه وسماه فسوقاً، فقل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب، ولم تزل في الأمم كلها من العرب والعجم تجري في المخاطبات والمكاتبات من غير نكير، غير أنها كانت تطلق على حسب استحقاق الموسومين بها.
وأما ما استحدث من تلقيب السفلة بالألقاب العلية، حتى زال التفاضل، وذهب التفاوب، وانقلب الضعة والشرف، والفضل والنقص، شرعاً واحداً فمنكر، وهب أن العذر مبسوط في ذلك فما العذر في تلقيب من ليس في الدين بقبيل ولا دبير، ولا له فيه ناقة ولا جمل، بل هو محتو على ما يضاد الدين وينافيه، بجمال الدين وشرف الإسلام؟ وهي لعمر الله الغصة التي لا تساغ، والغبن الذي يتنائر الصبر دونه. نسأل الله إعزاز دينه، وإعلاء كلمته، وأن يصلح فاسدنا، ويوقظ غافلنا.
وكم أسام تزدهيك بحسنها ... وصاحبها فوق السماء اسمه سمج
والرجل يتكنى باسم ولده، وكذلك المرأة، فإذا كنوا من لم يولد له فعلى جهة التفاؤل. وبناء الأمر على رجاء أن يعيش ويولد له، كالأطفال المكنين والعقم. وقد يكنون بما يلابس المكنى من غير الأولاد، كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي أبو تراب، وذلك لأنه نام في غزوة ذي العشيرة فذهب به النوم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متمرغ في البوغاء، فقال: اجلس أبا تراب. وكان من أحب أسمائه إليه، وكقولهم أبو لهب لحمرة لونه، وأبو الذبان لابن مروان.
وسمعتهم يكنون الكبير الرأس والعمامة بأبي الرأس وأبي العمامة، وكان داود بن عيسى يلقب بأترجة، وعبد السميع بن محمد بن منصور بشحم الخنزير، ومحمد بن أحمد بن عيسى الهاشمي بكعب البقر، وكانوا مع المستعين. فلما صاروا إلى المعتز قال فيهم:
أتاني أترجة في الأمان ... وعبد السميع وكعب البقر
فأهلا وسهلاً بمن جاءنا ... ويا ليت من لم يجيء في سقر

فقالوا قد شرفنا أمير المؤمنين ولكنه قد ذكرنا باللقب دون عبد السميع، فقال: ما عرفت لقبه، فقالوا: شحم الخنزير، فقال: هو في وزنه سواء بسواء، فضعوه موضعه.
أبو صخر الهذلي:
أبي القلب إلا حبه عامرية ... لها كنية عمرو وليس لها عمرو
ووجه له ديباجة قرشية ... بها تدفع البلوى ويستنزل القطر
تكاد تندى إذا ما لمستها ... وينبت في أطرافها الورق النضر
يعني يقال لها أم عمرو وليس لها ولد اسمه عمرو لأنها صغيرة لم تلده.
اجتاز المبرد بسذاب الوراق فسامه دخول ميز له، فقال: ما عندك؟ قال: عندي أنت وأنا. يعني اللحم البارد والسذاب.
قالت عائشة: يا رسول الله كل صواحبي لهن كنى، قال فاكتني بابنك عبد الله بن الزبير فكانت تكنى أم عبد الله.
أنس رضي الله عنه: كان لي أخ صغير وله نغر يلعب له فمات فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه حزيناً فقال ما شأنه؟ قالوا: مات نغره الذي يلعب به فقال: يا أبا عمير ما فعل النغير؟ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رباح، وقيل مهران، وكنيته أبو عبد الرحمن، كان معه في سفر، فكان كل من أعيا ألقى عليه بعض متاعه، فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنت سفينة، فلقب به.
علي رفعه: إذا سميتم الولد محمداً فأكرموه، ووسعوا له في المجلس، ولا تقبحوا له وجهاً.
وعنه: ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم من اسمه أحمد أو محمد فأدخلوه في مشورتهم إلا خير لهم.
وما من مائدة وضعت فحضر عليها من اسمه أحمد أو محمد إلا قدس ذلك المنزل في كل يوم مرتين.
دخل أرطأة بن سهبة على عبد الملك فأنشده:
رأيت المرء تأكله الليالي ... كأكل الأرض ساقطة الحديد
وما تبقى المنية حين تأتي ... على نفس ابن آدم من مزيد
واعلم أنها ستكر حتى ... توفي نذرها بأبي الوليد
فارتاع عبد الملك وتغير، وقدر أنه أراده لتكنيه بأبي الوليد، فقال يا أمير المؤمنين، إنما أردت نفسي.
من آداب الملك أن تتجنب نحو هذا، وعلى الشاعر أن لا يشبب بامرأة يوافق اسمها اسم بعض نسائهم.
كان يقال لخويلد بن أسد بن عبد العزى أبو الخسف لقوله:
نحن أباة الخسف يوم كلية ... ونحن أباة الخسف كل مكان
وكانت بنو بكر منعته أن يسقي حوض كلية فقاتلهم وهزمهم.
ولد معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله عند معاوية بن أبي سفيان بالشام، فسأله معاوية أن يسميه باسمه، ودفع إليه معاوية خمسمائة ألف درهم، وقال: اشتر بها لسمي ضيعة.
انتهى أعرابي إلى قوم قد سلخوا جزوراً وقد عضوها بكشاطها، فقال: من الكشطة؟ وهو يريد أن يستوهبهم، فقال بعض القوم: وعاء المرامي ومثابت القرن وأدنى الجزاء من الإبل، فقال الأعرابي: يا كنانة ويا أسد ويا بكر أطعمونا من لحم جزوركم وأدنى الجزاء من الإبل، يقال ثبت لقرنه وثابته وتثابتا، والجزاء ما يجزى من الهبة.
سئلت عائشة رضي الله عنها عن اسم أبي بكر فقالت: عبد الله، فقيل: الناس يقولون عتيق، فقالت: إن أباه أبا قحافة كان له ثلاثة، سماهم عتيقاً ومعتقاً ومعيتقاً.
نظر المأمون إلى غلام حسن في الموكب فسأله عن اسمه فقال: لا أدري. فقال أو يكون أحد لا يعرف اسمه؟ قال: فاسمي الذي أعرف لا أدري. وقال:
قسمت لا أدري بأنك لا تدري ... بما فعل الحب المبرح في صدري

السفر، والسير، والفراق
وذكر الرحيل، والقدوم، والوداع، والبعد، والقرب، والذهاب، والمجيء، ونحوها.
الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من فر بدينه من أرض إلى أرض، وإن كان شبراً من الأرض، استوجب الجنة، وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد " .
أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو يعلم الناس برحمة الله للمسافر لأصبح الناس على ظهر سفر، إن الله بالمسافر رحيم " .
لما أخرج يوسف عليه السلام من الجب واشتري قال لهم قائل: استوصوا بهذا الغريب خيراً، فقال لهم يوسف: من كان مع الله فليس عليه غربة.

علي رضي الله عنه عند مسيره إلى الشام: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء النظر في الأهل والمال، اللهم أنت الصاحب في السفر، وأنت الخليفة في الأهل، ولا يجمعهما غيرك، لأن المستخلف لا يكون مستصحباً، والمستصحب لا يكون مستخلفاً.
وقال لبعض من أنفذه: سر البردين وغور بالناس ورفه بالسير، ولا تسر أول الليل فإن الله جعله سكناً، وقدره مقاماً لا ظعنا، فأرح فيه بدنك وروح ظهرك، فإذا وقفت حين ينبطح السخر أو حين ينفجر الفجر فسر على بركة الله.
ذكر لحوقة برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته فقال: فجعلت اتبع مأخذ رسول الله فأطأ ذكره حتى انتهيت إلى العرج. أراد كنت أعطي خبره حتى انتهيت إليه.
عمرو بن شاش أبو عرار:
إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا ... كفى لمطايانا برياك هاديا
أليس يزيد العيس خقة أذرع ... وإن كن حسري أن تكوني أماميا
الحركة ولود، والسكون عاقر.
أعرابي: قربني إليك قطع مفازة وركوب أخرى، وملاطمة هواجر النهار، ومراعاتي نجوم الليل، ورميي بالنجيب الناجي أثباج الليل الداجي.
الفرس: وجدنا في مهارقنا القديمة: إذا لم يساعد الجا فالحركة خذلان.
رب لازم لعرصته فاز ببغيته.
في بعض الكتب السماوية: إن مما عاقبت به عبادي أني ابتليتهم بفراق الأحبة.
قريبة الأعرابية: إذا كنت في غير قومك فلا تنسى نصيبك من الذل.
فراقك مثل فراق الحياة ... وفقدك مثل افتقاد الأيم
عليك السلام فكم من وفا ... ء نفارق منك وكم من كرم
أعرابي: الاغتراب يعيد الجدة ويفيد الجدة.
حكيم: السفر ميزان الأخلاق، لأنه يفصح عن مقاديرها في الكرم واللؤم.
قيل لصوفي مسفار: كم رأيت من البلدان؟ قال: لا تسأل! فإن شيطاني كان من الفيوج.
أعرابي: لا يغني المخلب ما دام في المقنب.
يقال فلان ركوب للأهوال، وفلان ألوف للظلال.
الغريب النائي عن أهله كالثور الناد عن اصطبله فهو لكل سبع فريسة، ولكل رام فريضة.
تميم الداري لم تبق أرض لم يطأها، ولا واد لم يسلكه، حتى رأى الردم ووصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغ بلاد الظلمة وقطع وبار.
حكيم: لا توحشنك الغربة إذا أنستك الكفاية مع لزوم الأوطان.
محمد بن عبد العزيز بن سهل من أمراء الجبل: قيل لأعرابي: ما الغبطة؟ قال: الكفاية مع لزوم الأوطان.
كأن لم تكن سعدى بأعناء غيقة ... ولم تر من معدي بهن منازل
ولم تتربع السرير ولم تكن ... للصيف خيمات العذيب الظلائل
قيل لعبد الواحد بن زيد من أصحاب الحسن: كيف كنت في سفرك؟ فقال: أبلاني الله في سفري هذا من حسن البلاء كأني لم أعصه قط.
خرج أيوب السختياني في سفر فشيعه الناس، فقال: لولا أني أعلم أن الله يعلم من قلبي لهذا كاره لخشيت المقت من الله.
قيل لأعرابي: متى الرحيل؟ قال: تلغموا بيوم السبت من قالهم فلان يتلغم بذكرك، أي يذكرك دائماً، من اللغام.
لا داء أدوى من الهجر إلا البين فإنه قاصمة الظهر.
إن أعانتك الغربة على الزمن فلا تطع النزاع إلى الوطن.
النجح مقيم في كنف الدؤوب.
مر إياس بن معاوية بماء فقال: اسمع صوت كلب غريب. فقيل له: لم عرفته؟ قال بخضوع صوته وشدة نباح غيره.
يقال للرجل المسفار خليفة الخضر، قال أبو تمام:
خليفة الخضر، من يربع على وطن ... في بلدة، فظهور العيس أوطاني
بالشام قومي وبغداد الهوى أنا ... بالرقمتين وبالفسطاط أخواني
العلاء بن أسلم: أردت الخروج إلى مكة فجاءني هشام بن عقبة أخو ذي الرمة فقال: يا ابن أخي، إنك تريد سفراً يحضر الشيطان فيه حضوراً لا يحضره غيره، فاتق الله، وصل الصلاة لوقتها، فأنك مصليها لا محالة، فصلها وهي تنفعك، واعلم أن لكل رفقة كلباً ينبح دونهم فإن كان مهناً شركوه فيه، وإن كان عاراً تقلده دونهم، فلا تكونن كلب الرفقة.
طفرة النظام مثل في المغذ الذي يطوي في مدة يسيرة، ومن مذهبه أن الجوهر ينتقل من المكان الأول إلى الثالث من غير أن يمر بالمكان الثاني.
قيل لرجل: إن السفر قطعة من العذاب، فقال: بل العذاب قطعة من السفر. قال:
كل العذاب قطعة من السفر ... يا رب فارددني إلى روح الخضر
دعبل:

ويك أن القعود يلعب بالقع ... دد لعب الرياح بالبوغاء
كذب الزاعمون إن دوا اله ... م قرب الخريدة و الحسناء
ما دواء الهموم إلا المهارى ... تعتلي في التنوفة الملساء
فمتى أوثر النساء على العي ... س فاصبحت دالي الأنساء
إن تحت الحشا لهماً دخيلاً ... ترك القلب ناسياً للنساء
قيل لأعرابي: إنك تبعد السفر! قال: رأيت ما في أيدي الناس أبعد مما في السفر.
قيل لابن الأعرابي: لم سمي السفر سفراً؟ قال: لأنه يسفر عن أخلاق القوم، أي يكشف.
شبهت الحكماء الغريب باليتيم ثكل أبويه، فلا أم ترأم له ولا أب يحدب عليه.
الغريب كالغرس الذي زايل تربته ذاو لا يثمر وذايل لا ينضر.
شاعر:
وسائلة بظهر الغيب عنا ... وما تدري أمتنا أم حيينا
فنحن كما يسرك غير أنا ... بنا الأفاق بعدك ترتمينا
أفراسياب: مثل التركي مثل الدر والمسك لا يشرقان ما لم يفارقا معدتهما.
سافر أعرابي فرجع خائباً فقال: ما ربحنا من سفرنا إلا ما قصرنا من صلاتنا.
علي رضي الله عنه: فقد الأحبة غربة.
علي رضي الله عنه: ست من المروءة، ثلاث في الحضر وثلاث في السفر، وأما اللاتي في الحضر فتلاوة كتاب الله، وعمارة مساجد الله، واتخاذ الأخوان في الله، وأما اللاتي في السفر فبذل الزاد، وحسن الخلق، والمزاح في غير المعاصي.
أغار حذيفة بن بدر على هجان المنذر بن ماء السماء، وسار في ليلة مسيرة ثمان، فضرب بمسيره المثل فقال: سار فلان بمسير حذيفة. وقال قيس بن الخطيم:
هممنا بالإقامة ثم سرنا ... مسير حذيفة الخير ابن بدر
وسار ذكوان مولى عمر رضي الله عنه من مكة إلى المدينة في يوم وليلة.
الصاحب: خرج على الطائر الأسعد والجد الأصعد.
لقاء الحبيب روح الحياة، وفراقه سم الحياة.
دخل علي يوم الصدر عن مكة حرسها الله الشريف سلامة بن عياش الينبعي للوداع فأنشدني لبعض الحسنيين:
فبت مرقرقاً قد أنشبتني ... رسبسة ورد بينهم وأحاها
لعلمي أن صرف البين يصحي ... بنبل العين قرتها لماحا
جرير:
يا أخت ناجيه السلام عليكم ... قبل الرحيل وقبل لوم العذل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
قيل لعمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: ما كان جدك صانعاً؟ قال: كان يقلع عينيه ولا يرى مظعن أحبابه.
خرج علي بن الجهم إلى الغزو قتلقته خيل بناحية حلب فجرحوه، فبات يئن ويقول:
أسال بالليل سيل ... أم زيد في الليل ليل
يا أخوتي بدجيل ... وأين مني دجيل
وكان منزله في شارع دجيل ببغداد، ودفن بحلب، فوجد في جيبه رقعة مكتوب فيها:
يا رحمتا للغريب في البلد النا ... زح ماذا بنفسه صنعا
فارق أحبابه فما انتفعوا ... بالعيش من بعده ولا انتفعا
رب غريب كالبدر الطالع والكوكب اللامع يهتدي بضيائها السائر ويأنس برؤيتهما الساهر.
وجد المتوكل على قبيحة فألبست وصيفة لها قباء حرير مكتب بالذهب في صدره:
حين تم الهوى وقلنا سررنا ... وأمنا من الصدود أمنا
بعث النأي رسله في سكون ... فأبادوا من شملنا ما جمعنا
كان لرجل من العرب ابن يريد السفر وهو يمنعه إشفاقاً عليه، فقال:
ألا خلني أمضي لشأني ولا أكن ... على الأهل كلا أن ذا لشديد
أرى السير في البلدان أغنى معاشراً ... ولم أر من أجدى عليه قعود
تهيبني ريب المنايا ولم أكن ... لأهرب عما ليس عنه محيد
فلو كنت ذا مال لقرب مجلسي ... وقيل إذا أخطأت أنت رشيد
فذرني أجول في البلاد لعله ... يُسر صديق أو يساء حسود
نظر امرؤ القيس إلى قبر امرأة من بني عامر، وكانت جارة له، فقال:
أجارتنا أن المزار قريب ... وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إن غريبان هاهنا ... وكل غريب للغريب نسيب

محفوظ بن علقمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه: " أما إنك إن ترافق غير قومك يكن أحسن لخلقك وأحق أن يقتفى بك " أراد الحسن الحج فأحب ثابت أن يصطحبا، فقال: ويحك! دعنا نتعايش بستر الله، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.
أراد أعرابي سفراً فقال لامرأته:
عدي السنين لغيبتي وتصبري ... وذري الشهور فأنهن قصار
فأجابته:
اذكر صبابتنا إليك وشوقنا ... وارحم بناتك أنهن صغار
فأقام وترك سفره.
جهم بن عوف العقيلي:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بعيداً من اسم الله والبركات
عرض بمتاعب السفر وقول السفر كلما حلوا وارتحلوا بسم الله وعلى بركة الله.
أنشد ثعلب:
راحوا ورحنا على آثارهم أصلا ... محملين من الأحزان أوتارا
كأن أنفاسنا لم ترتحل معنا ... أو سرن في أول الحي الذي سارا
وأنشد أيضاً:
وما وجد مغلول بصنعاء موثق ... بساقية من ماء الحديد كبول
قليل الموالي مسلم بجريرة ... له بعد نومات العيون أليل
يقول له الحداد أنت معذب ... غداة غد أو مسلم فقتيل
بأكثر مني لوعة يوم راعني ... فراق حبيب ما إليه سبيل
النبي صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوي بالليل ما لا تطوي بالنهار.
كعب بن مالك: قل ما كان رسول الله يخرج في سفر إلا يوم الخميس " .
صخر بن وداعة الغامدي: عنه عليه السلام أنه كان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم أول النهار. وكان صخر رجلاً تاجراً وكان يبعث تجارته من أول النهار، فأثرى وكثر ماله.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يسافر الرجل في غير رفقة، وقال: الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب.
وعن ابن عباس رفعه: خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة.
وقال: إذا خرج ثلاثة في سفر فليأمروا أحدهم، رواه الخدري.
فزعة: قال لي ابن عمر رضي الله عنهما: هلم أودعك كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك.
علي بن ربيعة: شهدت علياً رضي الله عنه، وأتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: باسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون. ثم قال الحمد لله ثلاث مرات، ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقيل: يا أمير المؤمنين، من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كما فعلت، ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت؟ قال: إن ربك يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري.
وما أنس ملأشياء لا أنس قولها ... بنفسي بين لي متى أنت راجع
فقلت لها والله ما من مسافر ... يحيط له علم بما الله صانع
فألقت على فيها اللثام وأدبرت ... وأقبل بالحكل السحيق المدامع
الأقرع بن معاذ عبد العزيز بن الماجشون من فقها ء المدينة: قال لي المهدي: يا ماجشون، ما قلت حين فارقت أصحابك الفقهاء بالمدينة؟ فقلت: قلت:
لله باك على أحبابه جزعاً ... قد كنت أحذر من ذا قبل أن يقعا
إن الزمان إلف السرور لنا ... فدب بالبين فيما بيننا وسعى
ما كان والله شؤم الدهر يتركني ... حتى يجرعني من بعدهم جرعا
فليصنع الدهر بي ما شاء مجتهداً ... فلا زيادة شيء فوق ما صنعا
فقال والله لأغنيك، فأعطاني عشرة آلاف دينار.
عمر بن أحمد بن بديل اليامي:
أما الرحيل فحين جد ترحلت ... مهج النفوس له عن الأجساد
من لم يبت والين يصدع قلبه ... لم يدر كيف تفتت الأكباد
عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير:
ليت شعري ولليالي صروف ... هل أرى مرة بقيع الزبير
ذاك مغنى ألفته وقطين ... تفرح النفس إذ تراهم بخير

عمار بن عبد الله الكلبي:
أذن جيرانك بالرحيل ... وقربوا أنايق الحمول
من رامتي حومة فالدخول ... ثم غدوا بقلبك المتبول
وخلفوا جسمك في الطول
عدي بن غطيف الكلبي
يا من رأى ظعناً تيمم صرخدا ... يحدو بها حوران فهي ظماء
أخبرن بالجولان روضا ممرعا ... فتبعن ما فاهت به البشراء
لما احتللن محلة من جاسم ... طرح العصي وأدرك الأهواء
قيس بن ذريح الكلبي:
بكيت نعم بكيت وكل إلف ... إذا بانت قرينته بكاها
وما فارقت لبنى عن تقال ... ولكن شقوة بلغت مداها
كعب بن ذي الحبكة النهدي سيره الوليد بن عقبة إلى دنباوند فقال:
وإن اغترابي في البلاد وجفوتي ... وشتمي في ذات الإله قليل
وإن دعائي كل يوم وليلة ... عليكم بدنيا وندبكم لطويل
الهيثم بن القاسم الخثعمي:
سائل عن الظاعنين ما فعلوا ... وأين بعد ارتحالهم نزلوا
يا ليت شعري والليت عصمة من ... يأمل ما حال دونه الأجل
أين استقرت نوى الأحبة أم ... هل يرتجى للأحبة القفل
ركب ألحت يد الزمان على ... إزعاجهم في البلاد فانتقلوا
ذكر عند العباس بن علي ولد قد فارقه فقال: دعوني أتذوق طعم فراقه، فهو والله الذي لا تشجى له النفس، ولا تدمع له العين، ولا يكثر في أثره الالتفات، فلا يدعى له فراقه بالسلامة.
شاعر:
عجبت لما رأتني ... أندب الربع المحيلا
واقفاً في الدار أبكي ... لا أرى إلا الطلولا
كلما قلت اطمأنت ... دارهم قالوا الرحيلا
كان نعيم النحام قديم الإسلام، ولقب بذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم فيها. وأقام بمكة حتى كان قبل الفتح، لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم، فقال له قومه حين أراد الهجرة وتشبثوا به: أقم ودن بأي دين شئت. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه: قومك يا نعيم كان خير من قومي لي، إن قومي أخرجوني وأقرك قومك، فقال نعم، بل قومك خير يا رسول الله، أخرجوك للهجرة، وقومي حبسوني عنها.
الصبا والشباب، والشيخوخة والهرم وما شاكل ذلك.
ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. " البركة مع أكابرهم " .
أنس: جاء شيخ إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، فأبطأوا عن الشيخ أن يوسعوا له، فقال: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا.
جعفر بن محمد عن أبيه: جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيخ وشاب، فتكلم الشاب قبل الشيخ، فقال: كبر كبر.
وبهذه الرواية: من عرف فضل كبير لسنه فوقره أمنه الله من فزع يوم القيامة.
علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن من حق إجلال الله إكرام ثلاثة: ذو الشيبة المسلم، وذو السلطان المقسط، وحامل القرآن غير الجافي ولا الغالي فيه " .
قام وكيع بن الجراح إلى سفيان الثوري فأنكر عليه قيامه، فقال وكيع: حدثني عن عمرو بن دينار عن أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم " ، فسكت سفيان وأخذ بيده فأجلسه إلى جانبه.
أنس يرفعه: ما أكرم شاب شيخاً إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه.
أنس يرفعه: قال الله تبارك وتعالى وعزتي وجلالي وفاقة خلقي إلي إنه لأستحي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام أن أعذبهما. ثم بكى، فقيل له: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: أبكي ممن يستحي الله منه وهو لا يستحي من الله.
وقال: من بلغ ثمانين من هذه الأمة حرمه الله على النار.
وقال: إن الله يحب أبناء الثمانين.
وقال: إذا بلغ المؤمن ثمانين سنة فأنه أسير الله في الأرض، تكتب له الحسنات وتمحى عنه السيئات.
وقال: من أتت عليه مائة سنة بعثه الله وافداً لأهل بيته.
عبد الله: كان الرجل من قبلكم لا يحتلم حتى تأتي عليه ثمانون سنة.
وهب: إن أصغر من مات من ولد آدم ابن مائتي سنة تبكيه الأنس والجان لحداثة سنه.
عبادة بن الصامت رفعه: ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أطولكم أعماراً في الإسلام إذا سددوا.

قال رجل للفضل بن مروان: كم سنوك؟ قال: سبعون، ثم سأله بعد سنين فقال: سبعون، فقال: ألم تخبرني منذ عشرين سنة بهذا؟ قال: بلى ولكني رجل ألوف، إذا ألفت سنة أقمت فيها عشرين سنة لم أتجاوزها إلى غيرها.
أفلاطن: أيها الشبان، أكرموا كباركم ليتأسى بكم من يأتي بعدكم.
شاعر:
إن معاذ بن مسلم رجل ... قد ضج من طول عمره الأبد
قد شاب رأس الزمان واكته ... ل الدهر وأثواب عمره جدد
يا نسر لقمان كم تعيش وكم ... تسحب ذيل الحياة يا لبد
قد أصبحت دار آدم خربت ... وأنت فيها كفك الوتد
تسأل غربانها إذا حجلت ... كيف يكون الصداع والرمد
قال يزيد بن معن السلمي لمعاوية حين سقطت مقاديم فيه في الطست: والله ما بلغ أحد سنك إلا أبغض بعضه بعضاً، فثنلياك أهو من علينا من سمعك وبصرك، فطابت نفسه.
لما شد عبد الملك أسنانه بالذهب قال: لولا المنبر والنساء ما باليت مني سقطت.
عمرو بن الليث: سافر بالحمار الهرم فإن نقل وإلا دل على الطريق.
دخل يونس بن حبيب المسجد وهو يهادي بين اثنين من الكبر، فقال من كان يتهمه على مودته: بلغ بك الكبر من أرى يا أبا عبد الرحمن! فقال: هو ما ترى، فلا بلغته.
يحيى بن خالد البرمكي:
الليل شيّب والنهار كلاهما ... رأسي بكثرة ما تدور رحاها
الشيب إحدى الميتتين تقدمت ... أولاهما وتأخرت آخراهما
تميم بن خزيمة:
قالت تغيرت قلت الدهر غيرني ... والهم شيبني ما شبت من كبر
قيل لحكيم: مالك تدمن إمساك العصا ولست بمريض ولا كبير؟ قال: لأرى إني مسافر دخل سليمان بن عبد املك مسجد دمشق فرأى شيخاً يزحف فقال: يا شيخ، أيسرك أن تموت. قال: لا، قال: ولم وقد بلغت من السن من أرى؟ قال: ذهب الشباب وشره، وبقي الكبر وخيره، إذا أنا قعدت ذكرت الله، وإذا قمت حمدت الله، فأحب أن تدوم لي هاتان الخصلتان.
قيل لأبي الجماهر: ابن كم أنت؟ قال: ولتني الخمسون ذنبها. وقال آخر: حبوت إلى الستين، وقال آخر: أخذت بعنق الستين.
مسروق: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله. وأنشد ابن الأعرابي:
إذا المرء وافي الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي من حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي أتى ... وإن جر أرسان الحياة له الدهر
أنس رضي الله عنه رفعه: يبغض ابن السبعين في طرة ابن العشرين.
كتب الحجاج إلى قتيبة: إني نظرت في سنك فوجدتك لدتي، وقد بلغت الخمسين وإن امرءاً سار إلى منهل الخمسين لقريب منه، فسمع به الحجاج بن يوسف التيمي فقال:
إذا كانت السبعون داءك لم يكن ... لدائك إلا أن تموت طبيب
وإن امرءً قد سار سبعين حجة ... إلى منهل من ورده لقريب
النخعي: كان يقال إذا بلغ الرجل أربعين سنة على خلق لم يتغير حتى يموت.
ودعي مدني إلى لهو كان يساعد عليه فقال: دخلت في حد الأربعين، فما بقي في على الجهل مساعد، وقال:
إذا ما المرء قصر ثم مرت ... عليه الأربعون ولم يبال
ولم يلحق بصالحهم فدعه ... فليس بلاحق أخرى الليالي
هو الأعور الشني.
عبادة بن الصامت: قال جبريل لرسول الله يؤمر الحافظان أن ارفقا بعبدي في حداثة سنه، فإذا بلغ الأربعين قال احفظا وحققا.
ابن عباس رفعه: من أتى عليه أربعون سنة ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار.
محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم: إذا بلغ الرجل أربعين سنة نادى مناد من السماء: دنا الرحيل فأعد زاداً.
هلال بن يساف: كان الرجل من أهل المدينة إذا بلغ أربعين سنة تخلى للعبادة.
النخعي: كانوا يطلبون الدنيا فإذا بلغوا الأربعين طلبوا الآخرة.
كان يقول عمر بن عبد العزيز: لقد تمت حجة الله على الأربعين، فمات بها.
الحسن: لقد أعذر إليك أن عمرك أربعين فبادر المهلة قبل حلول الأجل. أما والله لقد كان الرجل فيما مضى إذا أتت عليه أربعون سنة عاتب نفسه.
أنس رضي الله عنه رفعه: لكل شيء حصاد، وحصاد أمتي ما بين الستين والسبعين.

حذيفة رضي الله عنه: قالوا: يا رسول الله، ما أعمار أمتك؟ قال: مصارعهم ما بين الخمسين والستين. قالوا: يا رسول الله فأبناء السبعين؟ قال: قل من بلغها من أمتي، فرحم الله أبناء السبعين، ورحم الله أبناء الثمانين.
سأل وهباً عمرو بن دينار عن سنة فقال: ستون، فقال: ينبغي لمن سار إلى الله منذ ستين سنة أن يكون قد أناخ، وروي: أنت تسير إلى الله منذ ستين سنة أوشك أن تريح راحلتك وتحط رحلك.
بليل الصفار:
وما صاحب السبعين والعشر بعدها ... بأقرب ممن حنكته القوابل
ولكن آمالاً يؤملها الفتى ... وفيهن المراجين حق وباطل
إبراهيم بن أدهم: كنا نرجو الشباب، فإذا تكلم عند من هو أكبر منه أيسنا من كل خير عنده.
عاش كل واحد من حسان وأبيه ثابت، وجده المنذر، وجد أبيه مائة وأربعين سنة، وكان عبد الرحمن إذا حدث بذلك أشرأب له وثنى يده عليها. فمات وهو ابن ثمان وأربعين.
عنه عليه السلام: ما أعمار أمتي في أعمار من مضى إلا كما بين مغيربان الشمس.
أبو هريرة رفعه: من عمر ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر.
عبد الله بن الزبير: أنت علي سبعون سنة، أنا محمد زرع قد استحصد.
يحيى بن معاذ مقدار عمرك في جنب عيش أهل الجنة كنفس واحد، فإذا ضيعت نفسك فخسرت عيش الأبد إنك لمن الخاسرين.
أبو البلاد الطهري:
مضت مدتي حتى انحنيت من البلى ... وكانت قناتي من قنا الخط عودها
وغيرني الأحداث يا أم مالك ... وراجع خطوي مشية لا أريدها
عنه عليه السلام: خلق ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون ميتة إن أخطأته وقع في الهموم حتى يموت.
سئل أحمد بن عيسى العلوي عن سنيه فقال: خلفت الخمسين من ورائي، وإن التفاتي إليها لطويل.
الدهر أبلاني وما أبليته ... والدهر غيرني ولم يتغير
والدهر قيدني بقيد محكم ... فمشيت به وكل يوم يقصر
أبو الحسن الحماني:
هبني بقيت على الأيام والأبد ... ونلت ما رمت من مال ومن ولد
من لي برؤية من قد كنت آلفه ... وبالشباب الذي ولى فلم يعد
ابن عروس الكاتب:
لقد تأملت الحياة ... عقيب أيام التصابي
فإذا المصيبة في الحياة ... هي المصيبة بالشباب
قال عبد الملك للعريان بن الهيثم: كيف تجدك؟ قال: أجدني قد ابيض مني ما كنت أحب أن يسود، واسود مني ما كنت أحب أن يبيض، واشتد مني ما أحب أن يلين، ولان مني ما أحب أن يشتد، ثم قال:
سلني أنبئت بآيات الكبر ... نوم العشاء وسعال بالسحر
وقلة النوم إذا الليل اعتكر ... وقلة الطعم إذا الزاد حضر
وسرعة الطرف وتحميج النظر ... وتركي الحسناء في قبل الطهر
وكثرة النسيان فيما يذكر ... وشعر بدلته بعد شعر
والناس يبلون كما تبلى الشجر
علي رضي الله عنه: بقية عمر المرء لا ثمن لها، يدرك بها ما فات، ويحيي بها ما أمات.
قيل لشيخ: كم أتى عليك؟ قال: عشر سنين. قيل: وكيف وأنت شيخ كبير؟ قال: أنا منذ عشر سنين من التوابين.
هو ابن قبيصة وقد شارف أن يحتوي هنيدة، أين هو ابن ثلاث وتسعين وقارب المائة، أبلى ثلاث عمائم في الشعر الأسود والمغلس والأبيض.
غيلان بن سلمة الثقفي:
الشيب إن يظهر فإن وراءه ... عمراً يكون خلاله منفس
لم ينتقص مني المشيب قلامة ... الآن حين بدا ألب وأكيس
استحضر المتوكل الجاحظ فقال: وما يصنع أمير المؤمنين بامرئ ليس بطائل، ذي شق مائل، ولعاب سائل، وعقل حائل.
ديك الجن:
نهنهت الخمسون من شرتي ... وقصرت خطوي بعد اتساع
تعترف النفس بنقص القوى ... فأمسك النفس ببعض الخداع
أذكر أسنان التي فوقها ... والموت قد يودي بمن في الرضاع
قريبة الإسناد من عاد، وفرعون ذي الأوتاد.
قد عطل الدهر مسواكها. عشورية لم يبق إلا هديرها.
قيس بن الحدادية الخزاعي:
هل الأدم كالآرام والزهر كالدمى ... معاودتي أيامهن الصوالح
زمان سلاحي بينهن شبيبتي ... لها سائف في سيبهن ورامح

فأقسمن لا يسقينني قطر مزنة ... لشيبي ولو سالت بهن الأباطح
عبد الرحمن بن أبي بكرة: من تمنى طول العمر فليوطن نفسه على المصائب.
شاعر:
وكأن طول العمر روحة راكب ... قضى اللغوب وجد في الإسراء
أبو حية النميري:
ترحل بالشباب الثيب عنا ... فليت الشيب كان به الرحيل
وقد كان الشباب لنا خليلاً ... فقد قضى مآربه الخليل
لعمر أبي الشباب لقد تولى ... حميداً ولا يراد به بديل
إذ الأيام مقبلة علينا ... وظل أراك الدنيا ظليل
أنس: قال ملك الموت لنوح عليه السلام: يا أطول النبيين عمراً كيف وجدت الدنيا ولذاتها؟ قال: كرجل دخل بيتاً له بابان، فقام وسط البيت هنية ثم خرج من الباب الآخر.
يقال للبالغ عمره: ما بقي منه إلا مثل ظمء الحمار.
وعن مروان بن الحكم: الآن حين نفذ عمري ولم يبق منه إلا مثل ظمء الحمار صرت أضرب الجيوش بعضها ببعض.
يقال لمن بلغ ساحل الحياة ما هو إلا شمس العصر على القصر.
ابن المعتز عظم الكبير فإنه عرف الله قبلك، وارحم الصغير فإنه أغر بالدنيا منك.
قال المنتصر للحسين بن الضحاك وكان من بقية أهل الفضل، وقد أتاه مهنئاً بالخلافة، وهو شيخ أخذت منه السن العالية، بعدما بالغ في إكرامه، وسر بسلامته، بقاؤك بهاء للملك، وزينة للدولة، وقد ضعفت عن الحركة، فكاتبني بحاجاتك، ولا تحمل على نفسك.
أبو الطفيل عامر بن واثلة له صحبه. وتروى لمسعود بن مصاد الكلبي:
أيدعونني شيخاً وقد عشت حقبة ... وهن من الأزواج نحوي نوازع
وما شاب رأسي من سنين تتابعت ... علي ولكن شيبتني الوقائع
دخل معن بن زائدة على المأمون فقال: إلى أين خال صيرك الكبر؟ قال: إلى أن أعثر ببعرة، وتقيدني شعرة، قال: كيف حالك في المأكول والمشروب والنوم؟ قال: إن جعت جررت وإن أكلت ضجرت، وإن كنت في ملأ نعست، وإذا صرت إلى قوامي شتى أرقت، قال: كيف حالك مع النساء؟ قال: أما القباح فلست أريدهن وأما الملاح فليس يردنني. قال: لا يحل أن يستثاب مثلك، أضعفوا رزقه وأكرموا منزله يركب إليه الناس ولا يركب إلى أحد.
شميط: أحدهم قد كبر سنه، ورق عظمه، وأنكر نومه وطعمه وهو فاغر فاه، لهفان على الدنيا، كأنما ابتكر العيش جدعاً، ويحك أترجو أن يرجع إليك الشباب، فليس بعائد إليك، أما تدرك نفسك في بقية عمرك، أما تتوب إلى الله، من قريب.
أطع أكبر منك ولو بليلة.
رأى الحسن البصري في يد أمه كراثة فقال: يا أمه، ما هذه الشجرة الخبيثة في يدك؟ قالت: يا بني أنك شيخ قد خرفت! قال: يا أمه، أينا أكبر أنا أو أنت؟ داود بن متمم بن نويرة:
يخاف على المشفقون ومدتي ... إلى أجل لو يعلمون قريب
وما رغبتي في آخر العيش بعدما ... لبست شبابي كله ومشيبي
وأصبحت في قوم كأن لست منهم ... وغاب قروني بينهم وضروبي
شاعر:
لو لم يوكل بالفتى ... إلا السلامة والنعم
فتداولاه لأوشكا ... أن يسلماه إلى الهرم
النبي صلى الله عليه وسلم: " من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة ما لم يخضبها أو ينتفها " .
شاعر:
أعر طرفك المرآة فانظر فإن بنا ... بعينيك منك الشيب فالبيض أعذر
إذا شئت وجه الفتى عين نفسه ... فعين سواه بالشناوة أجدر
العتبي:
رأين الغواني الشيب لاح بمفرقي ... فأعرضن عني بالخدود النواضر
وكن إذا أبصرنني أو سمعن بي ... سعين فرقعن الكوى بالمحاجر
أبو الشبل البرجمي:
عذيري من جوارحي الح ... ي إذ يرغبن عن وصلي
رأين الشيب قد ال ... بسني أبهة الكهل
فأعرضن وقد لن ... ن إذا قيل أبو شبل
تساعين فرقعن ال ... كوى بالحدق النجل
آخر:
علاني من صروف الدهر نقع ... أحاذر نفضه عني حذارا
فويلي حين غبرت الليالي ... وويلي حين ينفضن الغبارا

إياس بن قتادة العبشمي: رأي شيبة في لحيته فقال: أرى الموت يطلبني، وأراني لا أفوته، يا رب أعوذ بك من فجاءات الأمور. يا بني سعد إني قد وهبت لكم شبابي فهبوا لي شيبتي، ولزم بيته. فقال له أهله: تموت هزلاً، فقال: لأن أموت مؤمناً أحب إلي من أموت منافقاً سميناً.
وروي أنه قال: لا أراني حميراً لحاجات بني تميم والموت يطلبني، فنزل الشبكة فاتخذها مسجداً، فلم يزل يعبد الله حتى مات.
الحسن: أفضل الناس ثواباً يوم القيامة المؤمن المعمر.
عبد العزيز بن أبي رواد: من لم يتعظ بثلاث لم يتعظ بشيء: الإسلام، والقرآن، والشيب.
شاعر:
يا عامر الدنيا على شيبه ... فيك أعاجيب لمن يعجب
ما عذر من يعمر بنيانه ... وجسمه منهدم يخرب
الشيب مطية الأجل وطريدة الأمل.
أبو حازم: لا تقتد بمن لا يخاف الله بظهر الغيب، ولا يصلح عند الشيب.
عمر رضي الله عنه: أنا تنهاك شماطتك عن معاصي الله؟ يونس بن حبيب: قال لي رؤبة: حتى متى تسألني عن هذه الأباطيل وأزوقها لك؟ أما ترى الشيب قد بلغ في لحيتك؟ الفرزدق:
وتقول كيف يميل مثلك للصبا ... وعليك من عظة الحكيم عذار
والشيب ينهض في الشباب كأنها ... ليل يصيح بجانبه نهار
الشعبي: الشيب علة لا يعاد عنها ومصيبة لا يعزى عليها.
وقال محمود الوراق:
أليس عجيباً بأن الفتى ... يصاب ببعض الذي في يديه
فمن بين باك له موجع ... وبين معز مغذ إليه
ويسلبه الشيب شرخ الشبا ... ب فليس يعزيه خلق عليه
رأى حكيم طارئ شيبة فقال: مرحباً بثمرة الحكمة، وجنى التجربة، ولباس التقوى.
أعرابي كنت أنكر الشعرة البيضاء فأصبحت أنكر الشعرة السوداء.
أبو دلف:
تأوبني هم لبيضاء نابتة ... لها بغضة في مضمر القلب ثابتة
ومن عجب أني إذا رمت قصتها ... قصصت سواها وهي تضحك شامتة
ابن المعتز:
فظللت أطلب وصلها بتذلل ... والشيب يغمزها بأن لا تفعلي
يقال: فلان صفق وجهه على المشيب، إذا تصابى وهو أشيب.
وروي أن إبراهيم صلوات الله عليه أول من شاب ليتميز عن إسحاق، إذا كان من الشبه به بحيث لا يكاد يميز بينهما، فلما وخطه الشيب قال: يا رب، ما هذا؟ قال: هو الوقار، قال: يا رب، زدني وقاراً.
الحماني:
لعمرك للشيب علي مما ... فقدت من الشباب أشد فوتا
تمنيت الشباب فصار شيباً ... وأبليت المشيب فصار موتا
إذا رأيت صلعاً في الهامة ... وحدباً بعد اعتدال القامة
وصار رأس الشيخ كالثمامة ... فايأس من الصحة والسلامة
النمر بن تولب:
ألست الشيخ قد خطمت بلحية ... فتقصر عن جهل الغراتقة المرد
قال شاب لشيخ: من قيدك يا شيخ؟ قال: الذي خليته يفتل قيدك.
مر شيخ بفتيان من العرب فقالوا: أجززت يا شيخ! فقال لهم: يا بني وتختضرون.
وصاح صبي بشيخ أحدب: بكم ابتعت هذا القوس يا عماه؟ فقال: إن عشت أعطيتها بلا ثمن.
المفجع البصري:
لعمري لئن حل المشيب بمفرقي ... لقد كان ما أحللت بالشيب أعظما
سل الشيب هل وقرته في خطيئة ... وقد عفت حوبا أو تجاوزت مأثما
الكلبي: ما أطيب العيش لولا أن صفوه مشوب، وثمره مشيب! قال: ما أقبح غشيان اللمم، إذا ألم المشيب بالممم.
وصف بعضهم الشيب فقال: لا الخضاب يخفيه، ولا المقراص يحفيه.
مر رجل أشمط بامرأة كاملة فقال: إن كان لك زوج فبارك الله لك فيه، وإلا فأعلمينا. فقالت: كأنك تخطبني! ثم قالت: إن في شيئاً؛ قال: وما هو؟ قالت: شيب في رأسي. فثنى عنان دابته، فقالت: على رسلك! لا والله ما بلغت عشرين سنة، ولا رأيت في رأسي شعرة بيضاء، ولكن أحببت أن أعلمك أني أكره منك مثل ما تكره مني.
وأنشد النميري:
أرى شيب الرجال من الغواني ... بموقع شيبهن من الرجال
ابن المعتز:
وما أقبح التفريط في زمن الصبا ... فكيف به والشيب للرأس شامل
وكان المأمون يتمثل:
رأت وضحاً في الرأس مني فراعها ... فريقان مبيض به وبهيم

تفاريق شيب في السواد لوامع ... وما حسن ليل ليس فيه نجوم
شاعر:
لا يرعك المشيب يا ابنة عبد الل ... ه فالشيب حلية ووقار
ابن الرومي
لا شيبي فرحت امرح فيه ... مرح الطرف في العذار المحلي
أنشد ابن الأنباري:
واسوءتا لمشيب ضاف أرحلنا ... لم نقره نهية منا ولا ورعا
يقال: ليلة عبسعس وصبحة تنفس، إذا شاب.
ابن عباس: من شاب مقدمه فهو كرم، ومن شاب صدغيه فهو درع، ومن شاب من شاربه فهو فحش، ومن شاب من قفاه فهو لؤم.
ألا إن شيب العبد من نقرة القفا ... وشيب كرام الناس فوق المفارق
ابن أبي فنن
من عاش أخلقت الأيام جدته ... وخانه ثقتاه السمع والبصر
شيب الشعر موت الشعر، وموت الشعر علة موت البشر.
في ديوان المنظوم:
ألا قل لمن شارفته المنون ... وحل بفوديه فراطها
قيامتك اقتربت أن تقوم ... فانظر فقد جاء أشراطها
آخر:
ومروعة بمشيب رأس أقبلت ... تبكي فقلت لها ودمعي جاري
هذا المشيب لهيب نار أوقدت ... في القلب موقدها حذار النار
آخر:
إذا نازل الشيب الشباب فاصلتا ... بسيفهما فالشيب لا بد غالب
النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: " الشيب نوري فلا يجمل بي أن أحرق نوري بناري " .
حكيم: الشيب نور لمن اهتدى، والشيب ظلمة لمن ظلم.
ابن المعتز:
وكيف التصابي بعد ما ذهب الصبا ... وقد مل مقراضي عتاب مشيبي
أنس رفعه: خير شبابكم من تشبه بكهولكم، وشر كهولكم من تشبه بشبابكم.
ابن عمر رفعه: خياركم شبابكم وشراركم شيوخكم، فسألوه فقال: إذا رأيتم الشاب يأخذ بزي الشيخ العابد المسلم في تقصيره وتشميره فذلك خياركم، وإذا رأيتم الشيخ الطويل الشاربين يسحب ثيابه فذلك شراركم.
عمير بن هانئ: التوبة تقول للشاب: مرحباً وأهلاً، وتقول للشيخ: نقبلك على ما كان فيك.
عيسى ابن مريم عليه السلام كان إذا مر على الشباب يقول: كم من زرع لم يدرك الحصاد! وإذا مر على الشيوخ قال: ما ينتظر بالزرع إذا أدرك إلا أن يحصد.
العتبي:
قالت عهدك مجنوناً فقلت لها ... إن الشباب جنون برؤه الكبر
علي بن ربيعة العبادي:
كبرت ورق العظم مني وعتني ... بني وزالت عن فراشي والقعائد
وأصبحت أعشى أخبط الأرض بالعصا ... تقودني بين البيوت الولائد
آخر:
لم لا أصر على البطالة والصبا ... وعلي برد شبيبتي وإزارها
وإذا تراءت للقيان محاسني ... طمحت إلي شواخصاً أبصارها
ولو أن عيدانا بغير مضارب ... أبصرنني لتحركت أوتارها
هو من قول الأعرابي: لو أبصرت العيدان فلاناً لتحركت أوتارها، ولو نظرت إليه مومسة لسقط خمارها.
نظر رجل إلى أبي دلف في مجلس المأمون فقال: إن همته ترمي به وراء سنه.
يونس النحوي: ما بكت العرب على شيء ما بكوا على الشباب وما بلغوا منه ما يستحق.
عمر رفعه: ما من شاب يدع لذة الدنيا ولهوها، ويستقبل بشبابه طاعة الله إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقاً.
يقول الله تعالى: أيها الشباب المبتذل شبابه لي، التارك شهواته، أنت عندي كبعض ملائكتي.
جواس بن نعيم:
وللكبير رثيات أربع ... الركبتان والنسا والأخدع
ولا تزال رأسه تصدع ... وكل شيء بعد ذلك ييجع
أنشد الجاحظ:
قامت تخاصرني لقبتها ... خود تأطر غادة بكر
كلٌ يرى أن الشباب له ... في كل مبلغ لذة عذر
القتال المخرمي:
يا شباباً سلبتني ... ه الليالي والخطوب
طلعت في الرأس شمس ... ما لها بعد غروب
آخر:
إن الأمور إذا قام الشباب بها ... دون الشيوخ ترى في بعضها زللا
إن الشباب لهم في الأمر بادرة ... وللشيوخ أناة ترفع الخللا
أرطأة بن سهية:
فقلت لها يا أم بيضاء إنه ... حريق شبابي واستثن أديمي
وكان ابن ميادة يستحسنه.

أيوب عليه السلام: إن الله يزرع الحكمة في قلب الصغير والكبير، فإذا جعل الله العبد حكيماً في الصبا لم يضع منزلته عند الحكماء حداثة سنه وهم يرون عليه من الله نور كرامته.
كثير بن المطلب السهمي:
يزيد كما زاد الهلال إذا بدا ... دقيقاً إلى عاد ضخماً حواجبه
فتى السن كهل العقل يؤمن شره ... ويحمده العافون لين جوانبه
حمزة بن بيض في مخلد بن المهلب:
بلغت لعشر مضت من سني ... ك ما يبلغ السيد الأشيب
فهمك في معضلات الأمو ... ر وهم لداتك أن يلعبوا
ومات مخلد بخناصرة فخرج عمر بن عبد العزيز في جنازته وكان معجباً به لأنه كان سيداً جواداً شجاعاً فصلى عليه، ثم تمثل عند قبره:
على مثل عمرو تهلك النفس حسرة ... وتضحى وجوه القوم مسودة غبرا
وقال: لو أن الله أراد بيزيد خيراً لأبقى له هذا الفتى شاعر:
أرى جذعاً إن يثن لم يقو رائض ... عليه فبادر قبل أن يثني الجذع
تقول العرب للغلام إذا بلغ عشر سنين رمى، أي قويت يده على الرمي، ولوي إذا بلغ عشرين، أي لوي يد غيره، وعوى إذا بلغ ثلاثين، وهو أشد من لوى، واستوى إذا بلغ الأربعين، وحرى إذا بلغ الخمسين أين هو حري هو أن ينال الخير.
إسحاق الموصلي:
فقدنا الشباب وريعانه ... وريحانه الناضر الأخضرا
وكان الشباب لنا صاحباً ... فلما وثقنا به أدبرا
أبو العتاهية:
عريت من الشباب وكنت غضاً ... كما يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشباب يعود يوماً ... فأخبره بما فعل المشيب
عمرو بن معد يكرب:
ولقد أروح كأنني ذو خلة ... غضب أجد له القيون صقلا
غزلاً أرجل جمة فنانه ... وأجر حاشية الإزار مذالا
أبو الطيب المصعبي:
ألم أقل للشباب في كنف الل ... ه وفي ستره غداة استقلا
زائراً لم يزل مقيماً إلى أنسود الصحف بالذنوب تولى
عباءة الراتجي في معن:
مسح القوابل وجهه فبدا ... كالبدر أو أبهى من البدر
فنشا بحمد الله حين نشا ... غمر المروءة نابه الذكر
حتى إذا ماطر شاربه ... خضع الملوك لسيد قهر
أخت طرفة ترثيه:
عددنا له خمساً وعشرين حجة ... فلما توفاها استوى سيداً ضخماً
فجعنا به لما انتظرنا إيابه ... على خير حال لا وليداً ولا قحما
يقال هم أحداث لم تحنكهم الأحداث إناء شبابه يفهق من جانبيه.
دخل الحسين بن الفضل على بعض الخلفاء، وعنده كبير من أهل العلم، فأحب أن يتكلم، فزبره وقال: أصبي يتكلم في هذا المقام؟ فقال: إن كنت صغيراً فلست أصغر من هدهد سليمان ولا أنت بأكبر من سليمان حين قال: أحطت بما لم تحط به، ثم قال: أترى أن الله فهم الحكم سليمان ولو كان الأمر بالكبر لكان داود أولى.
البحتري:
حدث يوقره الصبا فكأنه ... أخذ الوقار من المشيب الشامل
قال عبد الرحمن بن حسان لأبيه وهو طفل: لسعني طائر كأنه ملتف في بردي حبرة. فقال: قد قال ابني الشعر ورب الكعبة، وقال:
الله يعلم أني كنت معتزلاً ... في دار حسان اصطاد اليعاسبا
وقال سهل بن هارون وهو يختلف إلى المكتب لجار له:
نبئت بغلك مبطوناً فرعت له ... فهل تماثل أو نأتيه عوادا
الفراء: أنشدني صبي من الأعراب أرجوزة فقلت لمن هي؟ فقال: لي، فزبرته، فأدخل رأسه في فروته ثم قال:
إني وإن كنت صغير السن ... وكان في العين نبو عني
فإن شيطاني أمير الجن ... يذهب بي في الشعر كل فن
وعن علي بن الجهم: وجد علي أبي فأمر المعلم أن يحصرني فكتبت إلى أمي:
أمي جعلت فداك من أم ... أشكو إليك فظاظة الجهم
قد سرح الصبيان كلهم ... وبقيت محصوراً بلا جرم
وفد سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت على هشام وهو صبي وضيء الوجه فسلمه إلى معلم الوليد بن يزيد وهو عبد الصمد بن عبد الأعلى، فطمع فيه، فدخل على هشام وهو يقول:
إن والله لو لا أنت لم ... ينج مني سالماً عبد الصمد
قال: ولم؟ قال:

إنه قد رام مني خطة ... لم يرمها قبله مني أحد
قال: وما ذاك؟ قال:
رام جهلاً بي وجهلاً بأبي ... يولج العصفور في خيس الأسد
فصرفه عن التعليم: نهض أبو مسلم في الدعوة وهو ابن ثمان عشرة سنة، وقيل هو ابن ثلاث وثلاثين.
أبو العيزار:
يدنو فترفعه الرياح كأنه ... شلو تنشب في مخالب ضاري
فثوى صريعاً والرماح تنوشه ... إن الشراة قصيرة الأعمار
عبد هند:
وإن الذي ينهاكم عن طلابها ... يناغي نساء الحي في طرة البرد
يعلل والأيام تنقص عمره ... كما تنتقص النيران من طرف الرند
الموصلي:
لعمري لئن حلئت عن منهل الصبا ... لقد كنت وراداً لمنهله العذب
ليالي أمشي بين بردي لاهياً ... أميس كغصن البانة الناعم الرطب
سلام على سير القلاص مع الركب ... ووصل الغواني والمدامة والشرب
سلام امرئ لم يبق منه بقية ... سوى نظر العينين أو شهوة القلب
إسماعيل بن داود الكاتب العبرتابي:
سقياً لأيام الشباب الذي مضى ... ورعياً لعيش عهده غير عائد
لهونا به حيناً وما كان مره ... على طوله إلا كرخدة راقد
إبراهيم بن عبد الخالق الأنصاري:
وما زال عبد العزيز بن سهل ... صغيراً يروم الأمور الكبارا
فكيف وقد صار ذا حنكة ... وشمر للمكرمات الإزارا
علي بن محمد الكوفي العلوي:
وقف النعيم على الصبا ... وزللت عن تلك المواقف
أحمد بن حنبل: ما شبهت الشباب إلا كشيء كان في كمي فسقط.
أبو عون أحمد بن المنجم الكاتب الأنباري:
هزئت أن رأت مشيبي وهل ... غير المصابيح زينة للسماء
إنما الشيب في المفارق كالن ... ور ولون الشباب كالظلماء
لم أبدل بالشيب إذ شبت إلا ... عمة من عمائم الحكماء
إن عمراً عوضت فيه من المو ... ت بشيب من أعظم العظماء
كان يقل: طيروا دماء الشباب في وجوههم، أي حركوهم وألهبوهم للأمر فإن فيهم من سورة الشباب ما يؤثر معه الإلهاب.
المشايخ أشجار الوقار، ومنابع الأخبار، لا يطيش لهم سهم، ولا يسقم لهم وهم، إن رأوك على قبيح صدوك، وإن رأوك على جميل أمدوك.
عرام بن المنذر الطائي:
ووالله ما أدري أأدركت أمة ... على عهد القرنين أم كنت أقدما
متى تنزعا عني القميص تبينا ... جآجئ لم يكسين لحما ولا دما
فلان شاخ حتى باخ، ما بقي من حديثه إلا خرافة، ولا من بصره إلا شقافة ولا من جسمه إلا خيال يستبينه المتفرس، ولا من روحه إلا ما يلجلحه المتنفس.
أحمد بن المرتحل المعمري:
يرى طفلنا بين الرواضع جنة ... عشايرنا حتى نشد به الظهرا
فإن سلفت عشر عليه كوامل ... سعى لبني العباس يمنحها النصرا
فينفق في مرضاتها من حياته ... فإن بلغ العشرين سدت به الثغرا
زياد الأعجم في محمد بن القاسم الثقفي:
قاد الجيوش لخمس عشرة حجة ... ولداته عن ذاك في أشغال
قعدت بهم أهواؤهم وسمت به ... همم الملوك وسورة الأبطال
وله فيه:
إن المنابر أصبحت مختالة ... بمحمد بن القاسم بن محمد
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة ... يا قرب سورة سؤدد من مولد
الخلع البصري المعروف بحسين الأشقر، صحب الخلفاء ونادمهم عمر وهو يقول للمستعين:
أسلفت أسلافك في خدمتي ... من مدتي إحدى وستينا
كنت ابن عشرين وست وقد ... وفيت سبعاً وثمانينا
حدير العقيلي:
وأخلين لما لاح لي من مفارقي ... بياض وأزرى بالسواد قتيرها
كما انصاعت الآرام يوماً فأدبرت ... حذار سهام القانصين نفورها
وكنت أرى الشخص البعيد بمقلة ... قطامية يجلو دجة الليل نورها
وأهدي دليل القوم في مدلهمة ... من الليل والظلماء داج ستورها
أبو العتاهية:

علمت يا مجاشع بن مسعدة ... أن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة
هو أخو عمرو بن مسعدة كاتب المأمون.
زرعة بن عمرو:
وأفنتني الليالي أم عمرو ... وحلي في التنائف وارتحالي
وتربيتي الصغير إلى مداه ... وتأميلي هلالاً عن هلال
الحزين الكناني في زيد بن علي رضي الله عنه.
فلما تردى بالحمائل وانثنى ... يصول بأطراف القني الذوابل
تبينت الأعداء أن سنانه ... يطيل حنين الأمهات الثواكل
تبين فيه ميسم العز والتقى ... وليداً يفدي بين أيدي القوابل
إبراهيم الموصلي:
يقولون هل بعد الثلاثين ملعب ... فقلت وهل قبل الثلاثين ملعب
لقد جل قدر الشيب إن كنت كلما ... بدت شيبة يعري من اللهو مركب
فأجابه عبد الله بن عبد الرحيم العباسي:
أهلا وسهلاً بالمشيب فإنه ... سمة العفيف وحلية المتحرج
ضيف أحل بك النهى فقريته ... رفض الغواية واقتياد المنهج
لا شيء أحسن من مشيب وافد ... بالحلم مخترم الشباب الأهوج
قال الجاحظ:
أترجو أن تكون وأنت شيخ ... كما قد كنت أيام الشباب
لقد كذبتك نفسك ليس ثوب ... دريس كالجديد من الثياب
أبو السري ابن بديل اليامي:
ألا طالما أوضعت في طلب الصبا ... ورقت الغواني باسوداد الذوائب
غلام أرى للجهل فضلاً على النهى ... وألبس للناهين ثوب المحارب
سقى ورعى الله الأوانس كالدمن ... بكوفان والاخوان صوب السحائب
أخلاي ما فارقتكم عن تقاطع ... ولكن هذا الدهر جم العجائب
وأرى الليالي ما طوت من قوتي ... ردته في عظتي وفي إفهامي
وعلمت أن المرء من سنن الردى ... حيث الرمية من سهام الرامي
أبو الحسن الحماني:
واهاً لمنزلة وطيب ... بين الأرجارع والكثيب
واهاً لأيام الشباب ... بعدن عن عهد قريب
أيام كنت من الغواني ... في السواد من القلوب
لو يستطعن جعلنني ... بين المخانق والجيوب
عطاء: ما استسقى كبير قط قبله إلا غارت عين من العيون.
علي رضي الله عنه: لمن تكلم بما يستصغر مثله عن التكلم به: لقد طرت شكيراً، وهدرت سقباً، وهو كقولهم: تزببت حصرماً عمر رضي الله عنه: أسرع إلي الشيب من قبل أخوالي بني المغيرة. أم عمر حنتمة بنت هشام بن المغيرة وأبو جهل بن هشام خاله.
مالك بن دينار: جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم، ثم قال: ما أشد فطام الكبير! كان علي والزبير وطلحة رضي الله عنهم إعذار عام واحد أي عذورا في عام واحد، كانت أسنانهم متقاربة.

الشوق والحنين إلى الأوطان
ووصف النزاع والوله إلى الأهل والأحبة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أصيل الغفاري من مكة، فقال: يا أصيل، كيف عهدت مكة؟ قال: عهدتها والله قد أخصب جنابها، وأعذق إذخرها، وأسلب ثمامها، وأمشر سلمها. فقال: حسبك يا أصيل.
وروي أن أبان بن سعد قدم عليه، فقال: يا أبان كيف تركت أهل مكة؟ قال: تركتهم وقد جيدوا وتركت الأذخر وقد أعذق، وتركت الثمام وقد خاص، فاغرورقت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بلال رضي الله عنه:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوماً مياه مجنة ... ويبدو لعيني شامة وطفيل
قيل لأعرابي: أتشتاق إلى وطنك؟ فقال: كيف لا اشتاق إلى رملة كنت جنين ركامها، ورضيع غمامها.
أخر: يحن الكريم إلى جنابه كما يحن الأسد إلى غابه.
من علامة الرشدة أن تكون النفس إلى بلدها تواقة، وإلى مسقط رأسها مشتاقة.
فلان برقت له بارقة من أرضه فضاق صدراً، ولم يعط صبراً، فحن حنين الإبل، وغمره حب الوطن، فكاد يسير على غوارب السحاب، ويطير بخوافي العقاب.
شوق خشن الجوانب، وعر المناكب، مرير الحبل، ثقيل الظل.
كاتب: لي إليك شوق لو أعرتني لسانك لشرحته، ولو منحتني بنانك لوصفته.
أنشد الجاحظ:

ألا يا سيالات الآخايل بالحمى ... عليكن من بين السيال سلام
أرى الوحش آجالاً إليكن بالضحى ... لهن إلى أفنانكن بغام
وإني لمجلوب إلى الشوق كلما ... ترنم في أفنانكن حمام
أنشد ثعلب:
ولما تبينت المنازل من منى ... ولم يقض ي تسليمه المتزود
زفرت إليها زفرة لو حشوتها ... سرابيل أبدان الحديد المسرد
لفضت حواشيها وظلت لحرها ... تلين كما لانت لداود في اليد
حكيم: أكرم الخيل أفزعها للسوط، وأكيس الغلمان أشدهم بغضاً للكتاب، وأكرم الصفايا أشدها ولهاً إلى أولادها، وأكرم الإبل أشدها حنيناً إلى أعطافها، وأكرم المهارة أشدها مؤالفاً لأمهاتها، وخير الناس آلفهم للناس.
أعرابي: يحن اللبيب إلى وطنه كما يحن النجيب إلى عطنه.
شاعر:
إلى عامر أصبو وما أرض عامر ... هي الرملة الوعساء والبلد الرحب
معاشر بيض لو وردت بلادهم ... رأيت بحوراً للندا ماؤها عذب
إذا ما بدا للناظرين خيامهم ... فثم العتاق القب والأسل الشهب
آخر
ألا ليت شعري هل تحلن ناقتي ... بصحراء من نجران ذات ثرى جعد
وهل تنفضن الريح أفنان لمتي ... على لاحق الأطلين مضطمر ورد
وهل أردن الدهر حسي مزاحم ... وقد ضربته نفحة من صبا نجد
كان عمر رضي الله عنه يقول: ما هبت الصبا إلا أتتني بريح زيد.
سأل المهدي سعيد بن سلم وهو يسايره: من الذي يقول:
أرجى أن ألاقي الكاس يوماً ... كما يرجو أخو السنة الربيعا
فقال: لا أدري، فسأل عبد الله بن مصعب فقال: هو لصخر بن الجعد الخضري فأخبر المهدي فقال: لعل عبد الله أنبأه به لأنه أعلم أصحابه

الشر والفجور، وذكر الأشرار والفجار
وما يرتكبون من الفواحش والمناكير.
النواس بن سمعان، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " قبل قيام الساعة يرسل الله ريحاً باردة طيبة فتقبض روح كل مؤمن مسلم، ويبقى شرار يتهارجون تهارج الحمير، وعليهم تقوم الساعة " .
عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما وعظني أحد بأحسن مما وعظني به طاووس، كتب إلى أن استعن بأهل الخير يكن عملك خيراً، ولا تستعن بأهل الشر يكن عملك شراً كله.
الحسن رحمه الله إن صحبة الأشرار تورث سوء الظن.
مالك بن دينار كفى بالمرء سراً أن لا يكون صالحاً وهو يقع في الصالحين.
وعنه إن المؤمنين نية في الخير هي أمامه لا يبلغها عمله، وإن للفاجر نية في الشر هي أمامه لا يبلغها عمله.
لقمان: يا بني، كذب من قال إن الشر يطفي الشر، فإن كان صادقاً فليوقد نارين ثم لينظر هل تطفئ إحداهما الأخرى؟ إنما يطفئ الخير الشر كما يطفئ الماء النار.
يقال: خيره وإن، وشره دان.
لم تسر الروح في أسوأ منه نحلة، ولا أخبث منه دخلة.
كأنه التيس قد أودى به هرم ... فلا للحم ولا عسب ولا ثمن
عري من حلية التقوى، ومحي عنه طابع الهدى، لا تثنيه يد المراقبة، ولا تكفه خيفة المحاسبة.
هو لدعائم دينه مضيع، ولدواعي شيطانه مطيع.
وفي الحديث: إياك والمشارة، فإنها تميت العزة، وتحيي العرة.
أردشير بن هرمز: الشر نابت في طبيعة كل أحد، فإن كان له الغلبة ظهر، وإن كانت عليه بطن.
أعرابي: تفد إليه مواكب الضلالة فترجع عنه ببدور الأيام أكثر ذنوباً من الدهر وصاحب السوء قطعة من النار.
حميد شر الكوفي:
ألا رب شر قد أخذت برأسه ... فمارسته حتى أتيت به أهلي
وله
إني امرؤ فوق رأس الشر مضطجعي ... أغفى عليه ولا أغفى على السرر
الشر يعلم أني إن ظفرت به ... لم ينج مني بأنياب ولا ظفر
أخذ ثابت بن جابر الفهمي جونة فملأها حيات، ثم أتى بها أمه متأبطها، فقالت تأبط شراً، فلزمه.
الفضل بن هاشم بن حدير البصري، وكان مشتهراً بالخلاعة.
أنا فضل بن هاشم بن حدير ... لم أقل مذ خلقت كلمة خير
من فعل ما شاء لقي ما ساء.
نوفل بن مساحق أحبل ابن أخيه جارية جار له، فقال له: يا عدو الله! هلا إذا ابتليت بفاحشة عزلت! قال: بلغني أن العزل مكروه، قال: فما بلغك إن الزنا حرام.

ثمامة: الشهرة بالشر خير من أن لا تعرف بخير ولا شر.
شاعر:
أرى العلباء كالعلباء ... لا حلو ولا مر
شيخ من بني الجارو ... د لا خير ولا شر
اتهم سعيد بن مصعب بامرأة في ليلة عرس، وكانت تحته بنت حمزة بن عبد الله الزبير فقال الأحوص:
وليس لسعد النار من تذكرونه ... ولكن سعد النار سعد بن مصعب
ألم تر إن القوم ليلة جمعهم ... بغوه فألفوه لدى شر مركب
وما يبتغي بالشر لا در دره ... وفي بيته مثل الغزال المربب
سعد النار شاطر كان بالمدينة، نسب إلى النار لارتكابه الموجبات، فدعا سعد بالأحوص ليعزره فقال: دعني فلا والله لا أهجو زبيرياً أبداً، فخلاه، ثم قال: ما أنكرت إلا قولك: وفي بيته مثل الغزال المربب.
قال الجاحظ: قيل لرجل يتعشق قينة: لو اشتريتها ببعض ما تنفق عليها! فقال: من لي إذ ذاك بلذة الخلسة، ولقاء المسارقة، وانتظار الموعد على الرقبة، وإيقاع الكشح على مولاها؟ قيل لأعرابي: أزنيت قط؟ قال: معاذ الله إنما هما اثنتان: إما حرة آنف لها من فسادها، وإما أمة آنف لنفسي من الفساد بها.
الحسن: إن في معاوية لثلاث مهلكات موبقات: غصب الأمة أمرها، وفيهم بقايا من أصحاب رسول الله، وولي ابنه سكيراً حميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنبور، وادعى زياداً وولاه العراق وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقيل حجراً وأصحاب حجر. ويل له من حجر وأصحاب حجر " ! هشام بن عبد الملك: رفع إليه أن بعض أبنائه يخالف رجلاً إلى امرأته فوقع: هلا فسقاً كفسق الملوك! قتل هذا وأحياء هذا. إفقار ذاك وإغناء هذا.
رئي أعرابي يجلد عميرة فسجن فقال:
نكحت يدي لم أرتكب محرماً لهم ... ولم أزن أن دوايت لحمي من لحمي
فإن كان ذا ذنبي إليهم فإنني ... سأترك هذا الفعل مني علي رغمي
لأبي نواس
تعففه ما دام في السجن ثاوياً ... فأنكح زبيباً راحة ابنة ساعد
وقل بالرفا ما نلت من وصل حرة ... منعمة حنت بخمس ولائد
تعفه ما دام في السجن ثاوياً ... ودامت عليه محكمات القلائد
أبو الشمقمق في السحاقات
أراهن يرقعن الخروق بمثلها ... وأي لبيب يرقع الخرق بالخرق
علي رضي الله عنه: أحصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك.
أبو العيناء: رأيت جارية في النخاسين تحلف لا ترجع إلى مولاها، فقلت: لمه؟ قالت: يا سيدي، يواقعني من قيام ويصلي من قعود، ويشتمني بإعراب، ويلحن في القرآن، ويصوم الاثنين والخميس ويفطر في رمضان، ويصلي الضحى ويترك الفجر.
قيل لبنت الخس: كيف زنيت وأنت سيد نسائك؟ قالت: طول السواد وقرب الوساد، قال ابن محارب القمي لو قالت: وحب السفاد لتممت عذرها.
ليلى الأخيلية:
فنعم الفتى إن كان توبة فاجراً ... وفوق الفتى إن كان ليس بفاجر
وهب: تبكي السماء السبع والأرض السبع من الشيخ الزاني ما تكاد الأرض تقله.
أبو هريرة: رفعه: إن للإيمان سربالاً يسربله الله تعالى من شاء، فإذا زنى العبد نزع الله منه سربال الإيمان، فإذا تاب رده الله عليه.
وعنه رفعه: إن السماوات السبع والأرضين السبع لتلعن العجوز الزانية والشيخ الزاني.
أنس رفعه: إن لأهل النار صرخة من نتن فروج الزناة.
وفي حديث الإسراء: ثم انطلق بي إلى رجال بين أيديهم لحم لم ير الناس أطيب منه ريحاً ولا أحسن منه منظراً، وبين أيديهم جيف منتفخة لم أر جيفاً أنتن ريحاً منها وهم يأكلون منها، فقلت: يا جبريل، من هؤلاء الذين يدعونه الطيب ويعمدون إلى الخبيث فقال: هؤلاء الزناة.
أعرابية: لكل شيء نجاسة، ونجاسة اللسان المجون.
بلغ عثمان رضي الله عنه أن قوماً على فاحشة فأتاهم وقد تفرقوا، فحمد الله وأعتق رقبة.
سئل وهب بن منبه عن قوله تعالى: إن يأجوج وماجوج مفسدون في الأرض، ما فسادهم؟ قال: كانوا يلاوهون الناس.
السري الموصلي ي وصف قواد اسمه إدريس:
من ذم إدريس في قيادته ... فإنني حامد لإدريس
كلم لي عاصياً فكان له ... أطوع من آدم لإبليس

وكان في سرعة المجيء به ... آصف في حمل عرش بلقيس
أبو الحسن ابن طباطبا:
عزيزة رق حافرها فأزرت ... برقة حافر امرأة العزيز
كنى برقة الحافر عن البغاء، وأنها بغت الرجال وسعت في طلبهم حتى رق حافرها.
زيد بن عمير الخزاعي:
إذا طمثت قادت وإن طهرت زنت ... فما برحت تغشى الزنا وتقود
أعاتبها حتى إذا قلت أقبلت ... أبى الله إلا خزيها فتعود
كانت ظلمة القوادة صبية في المكتب فكانت تسرق دوي الصبيان وأقلامهم، فلما شبت زنت، فلما أسنت قادت، فلما قعدت اشترت تيساً تنزيه.
قال صاحب المسالك والممالك: إن عامة ملوك الهند يرون الزنا ملحاً خلا قمار، وأقمت بمدينته سنتين فلم أر ملكاً أغير منه، وكان يعاقب على الزنا والشرب بالقتل، وقمار ينسب إليها العود، كما ينسب إلى مندل. قال مسكين الدارمي
ولا ذنب للعود القماري إنه ... يحرق إن نمت عليه روائحه
ألح رجل في النظر إلى أمة غيره فقالت له: ما تنظر؟ قرة عينك وشيء غيرك.
ونظر آخر إلى أعرابية فقالت:
وما لك منها غير أنك ناكح ... بعينيك عينيها فهل ذاك نافع
شاعر:
الخير أرفع جانباً ... من قلة الجبل الرفيعة
والشر أسرع جرية ... من جرية السيل السريعة
جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزداد المال إلا كثرة، ولا يزداد الناس إلا شحاً، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق " .
علي رضي الله عنه: قلت اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك. فقال يا علي: لا تقولن هذا فليس من أحد إلا وهو محتاج إلى الناس، فقلت: كيف أقول: قال: قل اللهم لا تحوجني إلى شرار خلقك. فقلت يا رسول الله، ومن شرار خلقه: قال: الذين إذا أعطوا منوا، وإذا منعوا عابوا.
ابن عباس: عهدت الناس وأهواؤهم تبع لأديانهم، وإن الناس اليوم أديانهم تبع لأهوائهم.
علي رضي الله عنه: رد الحجر من حيث أتاك فإن الشر لا يدفعه إلا الشر.
الحسن: لو جاءت كل أمه بخبيثها وفاسقها وجئنا بالحجاج وحده لزدنا عليهم.
قال الشعبي: أكان الحجاج مؤمناً؟ قال: نعم، بالطاغوت.
النبي صلى الله عليه وسلم: " حسب امرئ من الشر أن يخيف أخاه المسلم " .
وهب بن منبه: ظهر في بني إسرائيل قراء فسقة، وسيظهرون فيكم. والله أعلم.

الشفاعة والعناية والإعانة
وإصلاح ذات البين والسفارة ونحو ذلك عوف بن مالك الأشجعي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " شفاعتي يوم القيامة لكل مسلم " .
ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من زار قبري وجبت له شفاعتي " .
معقل بن يسار عن النبي عليه السلام: رجلان من أمتي لا تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وغال في الدين مارق منه.
عثمان بن عفان رضي الله عنه: عن النبي عليه السلام: من غش العرب لم يدخل في شفاعتي، ولم تنله مودتي.
أبو موسى الأشعري عنه عليه السلام: اشفوا إلي لتؤجروا وليقبض الله على لسان نبيه ما شاء.
قال المأمون لإبراهيم بن المهدي بعد اعتذاره: قد مات حقدي بحياة عذرك، وقد عفوت عنك، وأعظم من عفوي يداً عندك أني لم أجرعك مرارة امتنان الشافعين.
قال المبرد: أتاني رجل لأستشفع له في حاجة، فأنشدني لنفسه:
إني قصدتك لا أدلي بمعرفة ... ولا بقربي ولكن قد فشت نعمك
فبت حيران مكروباً يؤرقني ... ذل الغريب ويعشيني الكرى كرمك
ما زلت أنكب حتى زلزلت قدمي ... فاحتل لتثبيتها لا زلزلت قدمك
فلو هممت بغير العرف ما علقت ... به يداك ولا انقادت له شيمك
فبلغت له جميع ما قدرت عليه.
بزرجمهر: من لم يستغن بنفسه عن وسائله وهت قوى أسبابه، ومن لم ترغب أدوائه في اجتنائه لم يحظ بمدح شفعائه.
كلم الأحنف مصعب بن الزبير في قوم حبسهم فقال: أصلح الله الأمير، إن كانوا حبسوا في باطل فالحق يخرجهم، وإن كانوا حبسوا في حق فالعفو يسعهم، فخلاهم.

دفع أبو الهذيل إلى ضيقة فطلب إلى سهل بن هارون الكاتب أن يكلم الحسن بن سهل في شأنه، فقال: عرفت أيها الأمير حال أبي الهذيل ومحله وقدره في الإسلام، وأنه متكلم قومه والراد على أهل الإلحاد، وقد فزع إليك لإضافة وقع فيها، فوعده النظر في أمره. ثم ما ترك لؤم طبعه أن كتب إليه:
إن الضمير إذا سألتك حاجة ... لأبي الهذيل خلاف ما أبدي
فامنعه روح اليأس ثم امدد له ... حبل الرجاء بمخلف الوعد
وألن له كنفاً ليحسن ظنه ... بعناية فاجبهه بالرد
فوقع الحسن: هذه، لك الويل، صفتك لا صفتي، وأمر لأبي الهذيل بألف دينار.
قال رجل لبعض الولاة: إن الناس يتوسلون إليك بغيرك فينالون معروفك ويشكرون غيرك، وأنا أتوسل إليك بك ليكون شكري لك لا لغيرك.
قابوس: بزند الشفيع تورى نار النجاح، ومن كف النقيض ينتظر فوز القداح.
شاعر:
إذا أنت لم تعطفك إلا شفاعة ... فلا خير في ود يكون لشافع
كان المنصور معجباً بمحادثة محمد بن جعفر بن عبيد الله بن عباس فكان الناس لعظم قدره عنده يفزعون إليه في الشفاعات. فثقل ذلك على المنصور فحجبه مدة، ثم لم يصبر عنه، فأمر الربيع أن يكلمه في ذلك، فكلمه وقال له: أعط أمير المؤمنين مما يثقل عليه فقبل، فلما توجه إلى البال اعترضه قوم من قريش مع رقاع سألوه إيصالها إلى المنصور، فقص عليهم قصته، فأبوا أن يقبلوا وألحوا عليه، فرق لهم وقال: اقذفوها في كمي. فدخل عليه وهو في الخضراء مشرف على مدينة السلام وما حولها من البساتين والضياع، فقال له: أما ترى إلى حسنها؟ بلى يا أمير المؤمنين، فبارك الله لك فيما آتاك، وهنّاك بإتمام نعمته عليك فيما أعطاك، فما بنت العرب دولة في الإسلام ولا العجم في سالف الأيام أحصن ولا أحسن من مدينتك، ولكن سمجتها في عيني خصلة واحدة، قال: وما هي؟ قال: ليس فيها ضيعة، فتبسم وقال: حسنتها في عينيك ثلاث ضياع قد أقطعتكها، فقال: أنت والله شريف الموارد كريم المصادر، فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه.
وقد ندرت الرقاع من كمه وهو يتشكر فأقبل يردها وهو يقول: ارجعن خاسئات خائبات، فضحك وقال: بحقي عليك إلا أعلمتني بخبر هذه الرقاع، فأعلمه، فقال: أبيت يا ابن معلم الخير إلا كرماً، وتمثل بقول عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب:
إنا وإن أحسبانا كرمت ... لسنا على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا
وتصفحها وأمر بقضاء حوائجهم.
قال محمد: فخرجت من عنده وقد ربحت وأربحت.
قال المبرد لرجل: قد كلمتك في شأن فلان، فقال: قد سمعت وأطعت، فما كان من نقص فعلي، وما كان زيادة فله. فقال المبرد: لله درك! أنت كما قال زهير:
وجار سار معتمداً إلينا ... أجاءته المخافة والرجاء
ضمنا ما له فغدا سليماً ... علينا نقصه وله النماء
وقع بين رجل وامرأته شر، فتهاجرا أياماً، ثم واقعها فلما فرغ قالت: قبحك الله! كلما وقع بيني وبينك شر بشفيع لا أقدر على رده.
كتب أبو صالح بن يزداد: هذه رقعتي، وأنا في درجها عناية مني بصاحبها، فأما قضيت حقه عني وعنك، وإما رددته علي فأرحته منك، والسلام.
سأل رجل سعيد بن عبد الملك كتاب شفاعة، وهو راكب، فكتب وهو على ظهر دابته: كتابي كتاب معني بمن كتب فيه، واثق بمن كتب إليه، ولن يضيع حامله بين العناية والثقة، والسلام.
أمر المأمون بقتل علي بن الجهم وأخذ ماله، فقال له أحمد بن أبي داود: إذا قتلته فممن تأخذ ماله؟ قال: من ورثته، قال: حينئذ تأخذ مال الورثة و أمير المؤمنين يأبى ذلك، قال: يوخز حتى يستصفى ماله. فانفض المجلس وسكن غضبه، فوصل إلى خلاصه.
أسوت غطفان أخاً لسعد بن حيان التميمي فاستشفع عمرو بن معد يكرب إلى سنان بن أبي حارثة فأطلق فقال:
مشيت بعمرو فارس القوم مذحج ... إلى رأس هذا الحي من غطفان
يمان نماء خير مذحج والداً ... ووالدة إن الكريم يماني
كتب رجل إلى يحيى بن خالد رقعة فيها:
شفعي إليك الله لا شيء غيره ... وليس إلى رد الشفيع سبيل

فأمره بلزوم الدهليز، فكان يعطيه في كل صباح ألف درهم، فلما استوفى ثلاثين ألفاً ذهب، فقال: والله لو أقام إلى آخر العمر ما قطعتها عنه.
وقف العتابي باب المأمون، فوافى يحيى بن أكثم، فقال له العتابي: إن رأيت أن تعلم أمير المؤمنين بمكاني، قال: لست بحاجب، قال: قد علمت، ولكنك ذو فضل وذو الفضل معوان، فأعلمه بمكانه فأعطاه ثلاثين ألفاً.
أبو هريرة يرفعه: من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
شاعر:
وما هداك إلى أرض كعالمها ... وما أعانك في عزم كعزام
ولا استعنت على قوم إذا اظلموا ... مثل ابن عم أبي الظلم ظلام
لما أحيط بمصعب بن الزبير هرب ابن قيس الرقيات فدخل الكوفة، فقالت امرأة: خائف والله! اصعد، فصعد مشربة لها، فقام أربعة أشهر، يغدى عليه بمصلحته ويراح، لا تسأله من أنت؟ ولا يسألها من أنت؟ وهي تسمع الجعيلة فيه صباح مساء. فلما أراد الرحيل نزل ليلاً فإذا براحلتين، على إحداهما رحله والأخرى زاملة عليها الزاد، وعبدان، فقالت: هذا يرحل بك وهذا يدلك حيث شئت.
وهي التي يقول فيها:
كوفية نازح محلتها ... لا أمم دارها ولا صقب
والله ما إن صب إلي ولا ... يعرف بيني وبينها سبب
روي أن جبريل عليه السلام قال: يا محمد، لو كانت عبادتنا لله على وجه الأرض لعلمنا ثلاث خصال: سقي الماء للمسلمين، وإعانة أصحاب العيال، وستر الذنوب على المسلمين.
كانت لدعبل على بني الصباح الكنديين وظيفة يجمعونها كل شهر ويوصلونها إليه، فقصروا، فشكى إلى أبي يعقوب إسحاق بن الصباح، فقال: أنا أكفيك، فلم يبرح حتى أخذها، فقال:
وإن امرء أسدى إليك بشافع ... إليه ويبغي الشكر مني لأحمق
شفيعك فاشكر في الحوائج إنه ... يصونك عن مكروهها وهو يخلق
قال الحجاج لأهل الشام: إنما أنا لكم كالظليم الرامح عن فراخه، ينفي عنهم القذر، ويباعد عنهم الحجر، ويكفيهم من المطر، ويحميهم من الضباب، ويحرسهم من الذباب، يا أهل الشام أنتم الجنة والرداء، وأنتم العداة والجداء.
اهتجر الحسن والحسين فبلغ ذلك ابن الحنيفة، فأتى الحسين فقال: يا أبا عبد الله، بلغني ما كان بينك وبين أبي محمد، فامض بنا إليه فقال: سمعت جدي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من مهتجر بدأ أحدهما صاحبه بالصلح إلا كان السابق إلى الجنة " ، وأنا أكره أن أسبق أبا محمد إلى الجنة، فمضى إلى الحسن فحكى له ذلك، فقال: صدق أبو عبد الله، امض بنا إليه فاصطلحا.
أبو الدرداء رفعه: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: صلاح ذات البين. وفساد ذات البين هي الحالقة.
حميد بن عبد الرحمن عن أمه رفعته: لم يكذب من نما بين اثنين ليصلح القعقاع بن توبة العقيلي:
لا أصلح الله حالي إن أمرتكم ... بالصلح حتى تصيبوا آل شداد
حتى يقال لواد كان مسكنكم ... قد كنت تعمر يوماً أيها الوادي
موسى بن جابر الحنفي:
لبست شيبتي ما ذم خلقي ... ولا شمت العدو ولا هفوت
ولا أدع السفارة بين قومي ... ولا أمشي بغل إن مشيت
علي رضي الله عنه: الشفيع جناح الطالب.
غضب الرشيد على كلثوم بن عمرو العتابي القنسريني، فشفع له الفضل بن يحيى حتى رضي عنه، فقال:
ما زلت في غمرات الموت مطرحاً ... يضيق عن وسيع الرأي من جيلي
فلم تزل دائباً تسعى بلطفك لي ... حتى اختلست حياتي من يدي أجلي
إن أبي فنن: سألت الفتح بن خاقان، أن يوصلني إلى المتوكل ففعل، فأنشدته:
إذا كنت أرجو نوال الإمام ... وفتح بن خاقان لي شافع
فقل للغريم أتاك الغياث ... وللضيف منزلنا واسع

لزمت داود بن قحذم العبدي، وكان عامل مصعب مائة ألف درهم، فأخذ بها، فأرسل امرأته أم الفضل بنت غيلان بن خرشة الضبي إلى عائشة بنت طلحة امرأة مصعب تشفع له. فجاء مصعب فسأل أم الفضل ومازحها ساعة، وكانت من أجمل نساء زمانها، ثم قال لعائشة، ما حاجتها؟ فذكرت ذلك، فقال: تحط عنه المائة، ونجيزه بمثلها، وكتب بذلك. فجاءت بالكتابين لزوجها.
عن الشقراني مولى رسول الله: خرج العطاء أيام أبي جعفر وما لي شفيع، فبقيت على الباب متحيراً، فإذا أنا بجعفر بن محمد فقمت إليه فقلت: جعلني الله فداءك، أنا مولاك الشقراني، فرحب بي، وذكرت له حاجتي، فنزل ودخل وخرج وعطائي في كمه، فصبه في كمي ثم قال: يا شقراني، إن الحسن من كل أحد حسن وإنه منك أحسن لمكانك منا، وإن القبيح من كل قبيح وأنه منك أقبح لمكانك منا. وإنما قال له ذلك لأن الشقراني كان يصيب من الشراب. فانظر كيف أحسن اسنتجاز طلبته، وكيف رحب به وأكرمه مع إطلاعه على حاله، وكيف وعظه على جهة التعريض. وما هو إلا من أخلاق الأنبياء.

الصبر، والاستقامة
وضبط النفس عند الشهوات عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله " .
عائشة: عنه عليه الصلاة والسلام: لو كان الصبر من الرجال لكان كريماً.
علي رضي الله عنه، رفعه: الصبر ثلاثة، صبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية. فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلثمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسع مائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين الأرضين إلى العرش.
وعنه عليه الصلاة والسلام: الحياء زينة، والتقى كرم، وخير المراكب الصبر.
أيوب عليه السلام: قالت له امرأته: لو دعوت الله أن يشفيك، قال: ويحك! كنا في النعماء سبعين عاماً فهلمي نصبر على الضراء مثلها، فلم ينشب إلا يسيراً أن عوفي.
سعيد بن حميد الكاتب:
لا تعتبن على النوائب ... فالدهر يرغم كل عاتب
واصبر على حدثانه ... إن الأمور لها عواقب
كم نعمة مطوية ... لك تحت أثناء النوائب
ومسرة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب
جابر بن عبد الله: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: " الصبر والسماحة " .
علي رضي الله عنه: القناعة سيف لا ينبو، والصبر مطية لا تكبو، وأفضل عدة صبر على شدة.
الحسن: جربنا وجرب المجربون، فلم نر شيئاً أنفع وجداناً، ولا أضر فقداناً من الصبر، به تداوى الأمور، ولا يداوى هو بغيره.
النبي صلى الله عليه وسلم: " الصبر عن الصدمة الأولى " .
قال الفرس: وجدنا في مهارقنا القديمة: بمفتاح عزيمة الصبر تعالج مغاليق الأمور. وفيها: من امتطى الغراء ربع بمحل الظفر.
أعرابي: لا يكشف منسدل الهم إلا منشمر الصبر.
آخر الصبر يقلم أظفار الخطوب. الصبر مر لا يتجرعه إلا حر.
أعرابي: كل حلو الصبر عند مر النازلة.
أعشى همدان:
إن نلت لم أفرح بشيء نلته ... إذا سبقت به فلا أتهلف
ومتى تصبك من الحوادث نكبة ... فاصبر فكل ضبابة ستكشف
العتابي:
اصبر إذا بدهتك نائبة ... ما عال منقطع إلى الصبر
الصبر أولى ما اعتصمت به ... ولنعم حشو جوانح الصدر
قال الملك ليزر جمهر: ما علامة الظفر بالأمور المستعصية؟ قال: المحافظة على الصبر وملازمة الحذر، وكتمان السر.
الصبر مفتاح الظفر، والتوكل على الله مفتاح الفرج.
الأحنف: لست حليماً، وإنما أنا صبور.
الحسن: وجدت الدنيا والآخرة في صبر ساعة.
علي رضي الله عنه: الصبر يناضل الحدثان والجزع من أعوان الزمان، وسئل: أي شيء أقرب إلى الكفر؟ فقال ذو فاقة لا صبر له.
السندي:
ويوم كيوم البعث ما فيه حاكم ... ولا عاصم إلا فناً ودروع
حبست به نفسي على موقف الردى ... حفاظاً وأطراف الرماح شروع
لا يستوي عند الملمات إن عرت ... صور على مكروهها وجزوع

خرج معاوية يوماً يسير ومعه عبد العزيز بن زرارة الكلابي وكان مقدماً في فهمه وأدبه، إلى شرفه ومنصبه، فقال له: يا عبد العزيز، أتاني نعي سيد شباب العرب، فقال: ابني أم ابنك؟ قال: بل ابنك، قال: الموت ما تلد الوالدة.
وهب: قيل له: فلان بلغ من العبادة ما علمت ثم رجع، فقال: لا تعجب ممن يرجع، ولكن ممن يستقيم.
كان مالك بن دينار يمر بالسوق فيرى ما يشتهيه فيقول: يا نفس اصبري، ما أحرمك ما تريدين إلا لكرامتك علي قال عبد الله الداراني لمالك بن دينار: يا مالك إن سرك أن نذوق حلاوة العبادة وتبلغ ذروة سنامها فاجعل بينك وبين شهوات الدنيا حائطاً من حديد.
أبو حية النميري:
إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جد في أمر يطالبه ... فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
سويد بن عطوان السدوسي:
فأوصيكم يا ابني سدس كليكما ... بتقوى الذي أعطاكما وبراكما
فشكراً إذا ما الله أحدث نعمة ... وصبراً لأمر الله فيما ابتلاكما
قال لمالك بن دينار جار له في مرضه: ما تشتهي؟ قال: إن نفسي لتنازعني إلى شيء منذ أربعين سنة رغيف أبيض ولبن في زجاج، فأتاه به. فجعل ينظر إليه ثم قال: دافعت شهوتي عمري كله حتى إذا لم يبق من عمري إلا مثل ظمء الحمار أجدها، انظروا يتيم آل فلان فادفعوه إليه، ومات بشهوته.
محمد بن واسع: الإبقاء على العمل أشد من العمل.
قيل للأحنف: إنك شيخ ضعيف وإن الصيام يضعفك، قال: أني أعده لشر يوم طويل، والصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذابه.
عبد الله بن الربيع بن خثيم الثوري وقد ثقل ولده:
أصبحت لا أدعو طبيباً لطبه ... ولكنني أدعوك يا منزل القطر
لترزقني صبراً على ما أصابني ... وتعزم لي فيه على الرشد من أمري
فإن لأرجو أن تكون مصيبتي ... بغيت بها خيراً وإن كنت لا أدري
قيل لخالد بن صفوان: بم ساد الأحنف؟ قال: بفضل سلطانه على نفسه.
الأحنف: من لم يصبر علة كلمة سمع كلمات، ورب غيظ قد تجرعته مخافة ما هو أشد منه.
يونس بن عبيد: لو أمرنا بالجزع لصبرنا.
قيل لداود الطائي: كيف صبرت عن النساء؟ قال: قاسيت شهوتي عند إدراكي سنة ثم سهلت علي.
ابن السماك: المصيبة واحدة، فإن جزع صاحبها فهما اثنتان. يعني فقد المصاب وفقد الثواب.
الحارث بن أسد المحاسبي: لكل شيء جوهر، وجوهر الإنسان العقل، وجوهر العقل الصبر.
صالح بن عبد القدوس:
إن يكن ما به أصبت جليلاً ... فذهاب العزاء منه أجل
أمر بعض السلاطين بخم فصبت في الطريق، فقال ذؤيب بن حبيب الخزاعي:
يا لقومي لما جنى السلطان ... لا يكن للتي أهنت هوان
سكبوها صفراء من حلب الكرام ... رحيقاً كأنها الزعفران
صبها في مكان سوء لقد صا ... دف سعد السعود ذاك المكان
كيف صبري عن بعض نفسي وهل ... يصبر عن بعض نفسه إنسان
محمد بن عمرو بن حزم: لقد أدركت أقواماً لو أثروا أن لا يشربوا الماء ما شربوا حتى تنقطع أعناقهم.
ونحوه قول عمرو بن عبيد: لقد رضت نفسي رياضة لو أردتها على ترك الماء لتركته.
أبو الحسين ابن عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير المعتضد:
لو أنني رمت صبراً ... عما بقلبي منها
لحان يومي وما حا ... ن يوم صبري عنها
مات لأعرابي أولاد فصبر، فقيل له، فقال: ما هم في الموت ببدع، ولا أنا في المصيبة بأوحد، ولا جداء في الجزع، فعلام أجزع! كتب ابن العيد: اقرأ في الصبر سوراً، ولا أقرأ في الجزع.
الحسن: المؤمن لا يجهل وإن جهل عليه، حليم لا يظلم وإن ظلم غفر، لا يبخل وإن بخل عليه صبر.
لقمان: الصبر عند مس المكارة من حسن اليقين.
أكثم بن صيفي: الصبر على جزع الحلم أعذب من جني ثمر الندم.
كن كالمداوي جرحه يصبر على الدواء مخافة من طول الأذاء. اصبر على عمل لا غنى لك عن ثوابه، وعن عمل لا صبر لك على عقابه. من لم يتلق نوائب الدهر بالصبر طال عتبه عليه. اصبر لحكم من لا تجد معولاً إلا عليه، ولا مفزعاً إلا إليه. الصبر يمنح الفرج، ويفتح المرتج.
عبد العزيز بن زرارة:

قد عشت في الدهر أطواراً على طرق ... شتى وقاسيت فيه اللين والشبعا
كلاً بلوت فلا النعمى تبطرني ... ولا تخشعت من لأوائها ضرعا
لا يملأ الأمر صدري قبل موقعه ... ولا يضيق به ذرعي إذا وقعا
آية. واحفظ في التجلد والتثبت قصائد، ولا احفظ في الهلع والتهافت قافية.
من تبصر صبر، والمحنة إذا تلقيت بالرضا والصبر كانت نعمة دائمة، والنعمة إذا خلت من الرضا والنكر كانت محنة لازمة.
رستم: حسن الصبر طليعة النصر.
قيل لأبي مسلم: بم أصبت ما أصبت؟ قال: ارتديت بالصبر، وائتزرت بالكتمان، وحالفت الحزم، ولم اجعل العدو صديقاً، ولا الصديق عدواً.
منصور النمري في الرشيد:
وليس لأعياء الأمور إذا عرف ... بمكترث لكن لهن صبور
يرى ساكن الأوصال باسط وجهه ... يريك الهويني والأمور تطير
علي رضي الله عنه: أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلاً. لا يرجون أحد منكم إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحين أحد إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، ولا يستحين أحد إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه، وبالصبر فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، لا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه.
وعنه لا يعدم الصبور الظفر وإن طال الزمان.
لما كلم الله موسى اعتزل النساء وترك أكل اللحم، ولم يصبر هارون فتزوج وأكل اللحم. فقيل لموسى، فقال: لكني لا أرجع في شيء تركته أبداً.
محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الطالبي:
بعثت إليها ناظري بتحية ... فأبدت لي الإعراض بالنظر الشزر
فلما رأيت النفس أوفت على الردى ... فزعت إلى صبري فأسلمني صبري
علي رضي الله عنه: اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين.
وعنه: وإذا كنت جازعاً على تفلت من يدك فاجزع على كل ما لم يصل إليك.
وفي كتابه إلى عقيل: ولا تحسبن ابن أبيك ولو أسلمه الناس متضرعاً متخشعاً، ولا مقراً للضيم واهناً، ولا سلس الزمام للقائد، ولا وطئ الظهر المراكب المتقعد، ولكنه كما قال أخو بني سليم:
فإن تسألني كيف أنت فإنني ... صبور على ريب الزمان صليب
يعز علي أن ترى بي كآبة ... فيشمت عاد أو يساء حبيب
أغارت الروم على أربعمائة جاموس لبشير الطبري، فلقيه عبيده الذين كانوا يرعونها معهم، فقالوا: يا مولانا ذهبت الجواميس، قال: فاذهبوا أنتم معها، أنتم أحرار لوجه الله، وكانت قيمتهم ألف دينار، فقال له ابنه: قد أفقرنا! فقال: اسكت يا بني، إن الله اختبرني أن أزيده.
سليمان بن الحسن الخواص العابد المصري:
اله عما استأثر الله به ... أيها القلب ودع عنك الحرق
فقضاء الله لا يدفعه ... حول محتال إذا الأمر سبق
بيهس الملقب بنعامة حين قتل اخوته:
شفيت ما مازن حر صدري ... أدركت ثاري ونقضت وتري
كيف رأيتم طلبي وصبري ... السيف عزمي والإله ظهري
العتبي: إذا خفت صعوبة أمر فلصعب له، تذل مراكبه وتلين جوانبه.
عروة بن الزبير: حين رمحت الدابة ابنه فمات، ووقعت الأكلة في رجله فقطعت: كانوا أربعة أخذت واحداً وأبقيت ثلاثة، وكن أربعة فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثاً. إلهي لئن كنت أخذت لقد أبقيت، ولئن كنت الجوارح أبليت لقد عافيت، وعزتك لو قطعتني إرباً إرباً لم أزد لك إلا حباً.
أوحى الله إلى داود عليه السلام: تخلق بأخلاقي، وإن من أخلاقي إني أنا الصبور، فاصبر على الأيام صبر الملوك.
قدم على الوليد وفد من عبس فيهم شيخ ضرير، فسأله عن حاله وذهاب عينه، فقال: بت ليلة في بطن واد ولا أعلم عبسياً يزيد ماله على مالي فطرقنا سيل، فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد، غير صبي صغير وبعير وكان صعباً فنفر، فوضعت الصبي عن منكبي وتبعت البعير، فلم أجاوز حتى سمعت صيحة الصبي، فرجعت إليه ورأس الذئب في بطنه يأكله. فاستدرت بالبعير لأحبسه فنفحني برجله فحطم وجهي، فذهبت عيناي. فأصبحت لا عين ولا أهل ولا مال ولا ولد.
اذهبوا به إلى عروة ليعلم أن في الدنيا من هو أعظم مصيبة منه فيتسلى.

الجاحظ: ليس في الأرض نفس تصبر على مضض الحقد ومطاولة الأيام صبر الملوك.
وعن حسن الخادم أشهد لكنت مع الرشيد، وهو متعلق بأستار الكعبة بحيث يمس ثوبي ثوبه ويدي يده وهو يقول في مناجاته: اللهم إني أستخيرك في قتل جعفر، ثم قتله بعد ذلك بست سنين.
نهشل بن حري:
وجار منعناه من الضيم والعدى ... وجيران أقوام بمدرجة الدهر
ويم كأن المصطلين بحسره ... وإن لم تكن نار قعود على الجمر
صبرنا له حتى يبوخ وإنما ... تفرج أيام الكريهة بالصبر
هلال بن فضلة الربعي:
وسبحت واسترجعت من بعد صدمة ... لها رجفت كبدي ومست فؤاديا
صبر فكان الصبر أدنى إلى التقى ... على حرّة قد يعلم الله ما هيا
غيره:
من يمتط الصبر يضع رجله ... في ساحة الراحة والفوز
غيره:
وما زلت أرسو الدهر صبراً على الذين ... يسوء إلى أن سرفي فيكم الدهر
غيره:
عجبت لصبر بعده وهو ميت ... وقد كنت أبكيه دماً وهو غائب
على أنها الأيام قد صرن كلها ... عجائب حتى ليس فيها عجائب
غيره:
فديتك لم أصبر ولي فيك حيلة ... ولكن دعاني اليأس منك إلى الصبر
تصبرت مضطراً وإن كنت كارهاً ... كما صبر العطشان في البلد القفر
إذا استهدف لك غرض فارمه بنبال الصبر.
عمر رضي الله عنه: لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيها ركبت.
لما دفن عمر بن عبد العزيز ابنه عبد الملك رأى رجلاً يتكلم ويشير بشماله، فصاح به: إذا تكلمت فأشر بيمينك. فقال الرجل: ما رأيت رجلاً دفن أعز الناس عليه ثم هو تهمه يميني من شمالي. فقال عمر: إذا استأثر الله بشيء فاله عنه.
مات أيوب بن سليمان بن عبد الملك فجزع عليه سليمان جزعاً شديداً، وبكى عليه بكاء ينقطع له نياط قلبه، ثم قال:
فإن صبرت فلم ألفظك من شبع ... وإن جزعت فعلق منفس ذهبا
كتب محمد بن الحنيفة إلى ابن عباس حين سيره ابن الزبير إلى الطائف: أما بعد فقد بلغني أن ابن الزبير قد سيرك إلى الطائف، فأحدث الله لك بها ذكراً، وحط عنك بها وزراً.
يا ابن عم، إنما يبتلي الصالحون، وتعد الكرامة للأخيار، وإن لم نؤجر وتؤجر إلا بما نحب وتحب قل الأجر. وقد قال الله تعالى: " وعسى أن تكرهوا شيئاً " الآية. عزم الله لنا ولك على الصبر على البلاء، والشكر على الرخاء، ولا أشمت بك ولا بنا فيك عدواً. والسلام.
لما اشتدت العلة بالرشيد جعل يقول صبراً لأمر الله.
وإني لمن قوم كرام يزيدهم ... رجاء وصبراً شدة الحدثان

الصناعات والحرف
وذكر الصناع والمحترفين وما يتعلق بهم سهل بن سعد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عمل الأبرار من الرجال الخياطة، وعمل الأبرار من النساء الغزل " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيط ثوبه ويخصف نعله، وكان أكثر عمله في بيته الخياطة.
سعيد بن المسيب: كان لقمان الحكيم خياطاً.
ابن شوذب: كان إدريس خياطاً.
وقف علي رضي الله عنه على خياط فقال: يا خياط ثكلتك الثواكل، صلب الخيوط، ودقق الدروز، وقارب الغرز، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يحشر الله الخياط الخائن وعليه قميص ورداء مما خاط وخان فيه، وأحذر السقاطات صاحب الثوب أحق بها، ولا تتخذ بها الأيادي تطلب المكافأة.
عتبة: رأيت خياطاً عند عائشة رضي الله عنها يخيط لها درعاً، فقالت له: لا تبل الخيوط بريقك.
دعا الحسن خياطاً فشد زره، فأعطاه درهماً، فأبى أن يأخذه، فقال: خذه فلو كنت تلقط الذهب بإبرتك لكان قليلاً.
فيلسوف: من القبيح أن يتولى امتحان الصناع من ليس بصانع.
سأل معاوية سعيد بن العاص عن المروءة، فقال: العينة والحرفة.
كان أيوب السختياني يقول: يا فتيان احترفوا، فإني لا آمن عليكم أن تحتاجوا إلى القوم، يعني الأمراء.
حاك مجمع التيمي ثوباً قد تنوق فيه فباعه، فرد عليه بعيب فبكى. فقال له المشتري: لا تبك فقد رضيت به، فقال: ما أبكاني إلا أني تنوقت فيه فرد علي بالعيب، فأخاف أن يرد علي عملي الذي عملته من أربعين سنة.

يقال: فلان أخضر البطن، يعنون أنه حائك، لأن بطنه تسود لطول التزاقه بالخشبة التي يطوي عليها الثوب.
وكان النظام يقول العروضي الأخضر البطن. فيكشف عن بطنه يريه الناس يريد تكذيبه، حتى قال له إسماعيل بن غزوان: إنما يريد أنك من أبناء الحاكة.
أنس: عنه عليه السلام: " لا تلعنوا الحاكة فإن أول من حاك أبي آدم " .
قيل لسفيان بن عيينة: من أعبد أهل الكوفة؟ قال: حائك وصيرفي، أما الحائك فمجمع التيمي، وأما الصيرفي فالربيع بن راشد.
كانت عند أبي الحجاج الحائك شهادة أقامها عند بكار. فلما كان بعد مدة قال بكار لأخيه أبي صفوان: اشتهي نظرة من أبي الحجاج، فركب أبو صفوان إليه، فألقى له المرش فقعد عليه وأقبل على عمله وقال: اعذر يا أبا صفوان، فإن هذا الغلام الذي يعمل معي مملوك لامرأة يعود عليها بكسبه، وأكره أن أجلس معك فيبطل ويضر ذلك بها، فانصرف أبو صفوان، وقال لبكار: لا تطمع في أبي الحجاج، رجل تورع أن يجلس معي، فكيف يجيئك.
وكان مجمع يقول: إذا رخص الطعام كفاني رغيفان، وإذا غلا كفاني رغيف، فلو لا المسلمون ما باليت بغلاء ولا رخص.
مجاهد في قوله تعال: واتبعك الأرذلون، الحواكون.
قال حائك للأهمش: ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟ قال: لا بأس بها علة غير وضوء. قال: فما تقول في شهادته؟ قال: مقبولة مع شاهدين عدلين. فالتفت الحائك وقال: هذا ولا شيء واحد.
قال حائك لإبراهيم الحربي: ما تقول فيمن صلى العيد ولم يشتر ناطفاً، ما الذي يجب عليه؟ فتبسم إبراهيم ثم قال: يتصدق بدرهمين، فلما مضى قال: ما علينا أن نفرح المساكين من مال هذا الأحمق! قيل لحائك: لو كنت خليفة ما كنت تشتهي؟ قال: تمراً ولبأ، فالتفت إلى ابنه وقال يا بني لو كنت أنت خليفة ما كنت تشتهي؟ فقال: يا أبت أو تركت لي من اللذات شيئاً؟ قيل لرجل: هل عندكم حائك؟ قال: لا، قيل: فمن ينسج ثيابكم؟ قال: كل ينسج لنفسه في بيته. فإذا كلهم حاكه ولم يعلم.
وقع بين أبي علقمة وبين رجل فقال له: لو وضعت يمنى رجليك على حراء والأخرى على ثبير ثم تناولت قوس الله فندفت ما كنت إلا ندافاً.
وفي الحديث: أحل ما أكل العبد كسب يد الصانع إذا نصح. وفيه: إن الله يحب المؤمن المحترف.
وفيه: إن الله يحب العبد يتخذ المهنة يستغني بها عن الناس، ويبغض العبد يتعلم العلم يتخذه مهنة.
وفيه: ويل للتاجر من لا والله، وبلى والله، وويل لعامل يد من غد وبعد غد.
مازح الفرزدق بلالاً، فذم بلال بني تميم ومدح أبا موسى، فقال الفرزدق: والله لو لم يكن لأبي موسى إلا فضيلة واحدة لكفته. قال: وما هي؟ قال: حجامته. قال بلال: قد فعل ذلك لحاجة رسول الله إلى ذلك، وما فعله قبله ولا بعده. قال: كان أبو موسى أتقى لله من أن يقدم على نبيه بغير حذق.
عتبة الأعور:
أبوك أدهى النجاد عاتقه ... كم من كمي أدمى ومن بطل
يأخذ من ماله ومن دمه ... لم يمس من ثائر على وجل
كان أردشير بن بابك لا يرتضى لمنادمته ابن ذي صناعة دنيئة كحائك وحجام ولو كان يعلم الغيب مثلاً.
كانت لبعضهم جارية مليحة فأراد أن يعلمها الغناء، فسلمها إلى المحتكر فأعيته، فسألها مولاها بعد مدة عما تعلمت فقالت: شد الأوتار وحلها. قال: أنت حرة إن أسلمتك إلا إلى الحجامات، فتعلمت الحجامة وتقدمت فيها، فدخل المغني يوماً على الرجل وهي تحجمه فقال:
نعم لهذا خلقت وحده ... ليس لضرب البم والزبر
حديدة المشرط في كفها ... أحسن من ريش الطنابير
وطبعها في مصها جيد ... يضغط أذناب القوارير
فضحك الرجل وأعطاه مائتي درهم.
السري الموصلي في مزين:
إذا لمع البرق في كفه ... أفاض على الرأس ماء النعيم
دعا المأمون إبراهيم بن رستم إلى القضاء، فقال: أنا دباغ لا أصلح للقضاء. فقال المأمون: وما تضر الحرفة؟ إنما يطلب الرجل لذاته إذا اتقى الله.
أبو العتاهية:
وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم
مر داود عليه السلام باسكاف فقال: يا هذا، اعمل وكل فإن الله يحب من يعمل ويأكل، ولا يحب من يأكل ولا يعمل.

سفيان الثوري: إذا لم يكن للعالم حرفة ولا عقار كان شرطياً لهؤلاء الظلمة، وإذا لم يكن للجاهل حرفة كان رسولاً للفساق.
قال رجل للحسن: أنشر مصحفي فاقرأه النهار كله؟ قال: لا، اقرأه بالغداة والعشي ويكون يومك في صنعتك وما لا بد منه.
أخذ حجام من شارب الحسن فقال: أعطوه درهمين، فقالوا يا أبا سعيد، إنهم لا يطلبون في هذا شيئاً. قال: أفنتسخره؟ سأل داود عن نفسه في الخفية، فقالوا: يعدل، إلا أنه يأكل من أموال بني إسرائيل. فسأل الله أن يعلمه عملاً فعلمه اتخاذ الدروع.
وكان سليمان يعمل القفاف ويبيعها ويأكل من ثمنها.
وكان فضيل يستقي على الروايا بكراء وينفق على نفسه وعياله.
إذا لقي الصانع من العرب صانعاً مثله قال: يا ابن عملي. قال:
يا سعد يا ابن عملي يا سعد ... هل يروين ذودك سقى معد
وساقيان سبط وجعد ... وسائقان أمة وعبد
سبط وجعد أي عجمي وعربي لأنهما لا يتفاهمان كلاهما فلا يشغلهما الحديث عن السقي. وأمة وعبد لأنهما يتحدثان فلا ينامان عن السوق.
في الحديث: أكذب أمتي الصواغون والصباغون.
وفي أمثال العرب أكذب من صنع.
وكذب الدلال مثل. قالوا لكل أحد رأس مال ورأس مال الدلال الكذب.
وروى أن أول من دل إبليس، حيث قال: هل أدلك على شجرة الخلد.
راحة الصباغ يشبه بها ما لا يستنظف.
كعب: لا تستشيروا الحاكة فإن الله سلب عقولهم ونزع البركة من كسبهم.
شهد رجل حلقة الشعبي: فلما قام قال له: إني أجد في قفاي حكة، أفترى لي أن أحتجم؟ فقال: الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة.
الجاحظ: دعوت نجاراً لتلعيق باب ثمين، فقلت له: إن إحكام تعليق الباب شديد لا يحسنه من مائة نجار واحد، وقد يذكر الرجل بالحذق في نجارة السقوف والقباب وهو لا يكمل لتعليق كل باب على تمام الأحكام. ومثاله إن الغلام والجارية يشويان الجدي والحمل ويحكمان الشي وهما لا يحكمان شي جنب، فقال النجار: أحسنت حين أعلمتني أنك تبصر العمل، فإن معرفتي بمعرفتك تمنع التشقيق ثم أحكم تعليقه.
عمر رضي الله عنه: إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول: هل له حرفة؟ فإن قالوا لا، سقط من عيني.
علي رضي الله عنه: مررت مع أمير المؤمنين عثمان بن عفان على مسجد فرأى فيه خياطاً فأمر بإخراجه، فقلت: يا أمير المؤمنين، إبه يقم أحياناً المسجد ويرشه ويغلق أبوابه. فقال: يا أبا الحسن، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " جنبوا مساجدكم صناعكم " قال خياط لابن المبارك: أنا أخيط ثياب السلاطين فهل تخاف علي أن أكون من أعوان الظلمة؟ قال: لا، إن أعوان الظلمة من يبيع منك الخيط والإبرة، أما أنت فمن الظلمة أنفسهم.
مجاهد: مرت مريم في طلب عيسى عليهما السلام بحاكة، فسألت عن الطريق، فأرشدوها إلى غير الطريق، فقالت: اللهم انزع البركة من كسبهم ،وأمتهم فقراء، حقرهم في أعين الناس، فاستجيب دعاؤها.
جاء في تفسير قوله تعالى: " لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله " أنهم كانوا حدادين وخرازين، فكان أحدهم إذا رفع المطرقة، أو غرز الأشفى فسمع الأذان لم يخرج الأشفى من المغرز، ولم يضرب بالمطرقة ورمى بها، وقال إلى الصلاة.
أيوب: كان أبو قلابة يحثني على الاحتراق ويقول: إن الغنى من العافية.
خرج علي رضي الله عنه يوماً فقام على القصابين فقال: يا معشر القصابين، من نفخ شاة فليس منا. والله أعلم.

الأصوات والألحان في الشعر والقرآن
وما جاء في الغناء من التحليل والتحريم، وما اتصل من ذلك.
النبي صلى الله عليه وسلم: " أتدورن من كان الحداء؟ قالوا: لا، بأبينا وأمنا، قال: إن أباكم مضر خرج في مال له، فوجد غلامه قد تفرقت إبله عليه، فضرب على يده بالعصا، فعدا الغلام في الوادي وهو يصيح: وأيداه، وأيداه، فسمعت الإبل صوته فتعطفت عليه. فقال مضر: لو اشتق من الكلام مثل هذا لكان شيئاً تجتمع عليه الإبل فاشتق الحداء " .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بعض أسفاره لرباح بن المعترف غنني:

فغناه، فأصغى إليه عمر وقال: أجدت بارك الله عليك. فقال: يا أمير المؤمنين، لو قلت زه كان أعجب إلي، قال: وما زه؟ قال: كلمه كان كسرى إذا قالها أعطى من قالها له أربعة آلاف درهم. قال: إن شئت أن أقولها لك فعلت، فأما أعطي أربعة آلاف درهم فلا يجوز لي من أموال المسلمين. قال: فبعضها من مالك، فأعطاه أربعمائة درهم. قال يرفأ: أتصل المغني؟ قال: خدعني.
عبد الله بن مسعود: ما بعث الله نبياً إلا حسن صوته وحسن صورته.
لأهل الرهبانية نغمات وألحان شجية يجدون الله بها، ويقصرون بها السهر، ويبكون بها على خطاياهم، ويتذكرون بها نعيم الجنة.
سأل رجل القاسم بن محمد عن الغناء، فقال القاسم: أرأيت إذا جمع الله الحق والباطل أين يكون الغناء؟ أتراه يكون مع الحق؟ قال: لا، قال: فهو مع الباطل.
نزل الحطيئة ببني قريع، فسمع شباباً يتغنون فقال: جنبوني مغنيكم فإن الغناء رقية الزنا.
وكان سليمان بن عبد الملك يقول: إن الفرس يصهل فتستودق له الحجر، وإن الفحل يهدر فتضبع له الناقة، وإن التيس ينب فتستدر له العنز، وإن الرجل يغني فتشبق له المرأة.
قيل لإسحاق الموصلي: كيف وجدت بني مروان في اللهو؟ قال: أما معاوية وعبد الملك وسليمان ومروان فكانت بينهم وبين الندماء المغنين ستارة، لئلا يظهر منهم طرب الخلفاء للغناء، وأما أعقابهم فكانوا لا يتحاشون، ولم يكن أحد منهم في مثل حال يزيد بن عبد الملك في السخف، قيل: فعمر بن عبد العزيز؟ قال: ما طن في سمعه حرف قط من الأغاني بعد ما أفضت إليه الخلافة، وقبلها كان يسمع من جواريه خاصة. قيل فيزيد الناقص؟ قال: ما بلغني أنه سمع الغناء قط، كان يظهر التأله ويقول بالقدر.
الزهري: قال لي الرشيد: من بالمدينة حرم الغناء؟ قلت: من قنعه الله خزيه. قال بلغني أن مالك بن أنس حرمه. قلت: ولمالك أن يحرم ويحلل؟ والله، ما كان هذا لابن عمك محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أكرم الخلق، إلا عن وحي من ربه، فهل يجوز ذلك لمالك؟ لما بلغ رسول صلى الله عليه وسلم في هجرته ثنية الوداع، استقله الجواري يضربن بالدفوف ويغنين:
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع
حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيجيء من بعدي قوم يرجعون بالقرآن الغناء والرهبانية والنوح لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب اللذين يعجبهم شأنهم.
عمران بن عبد الله بن طلحة: كنت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجل يقرأ بطرب، فأنكر ذلك القاسم إنكاراً شديداً، وقال: يقول الله تعالى: وإنه لكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
سئل الفضل عن قراءة القرآن بألحان، فقال: إنما أخذ هذا من الغناء قوم اشتهوا الغناء فاستحبوا فحولوا نصب الغناء على القرآن، وعسى أن يقرأ رجل ليس له صوت فلا يعجبهم وهو خير من صاحب الصوت، ويقرأ الآخر فيعجبهم صوته، فيقولون: ما أحسن قراءته! ولعله لا تجاوز قراءته حنجرته.
أنس: وعظ النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فإذا رجل قد صعق، فقال: من هذا الملبس علينا ديننا؟ إن كان صادقاً فقد شهر نفسه، وإن كان كاذباً فمحقه الله.
زعموا أن في البحر دواب ربما ترنمت أصواتاً مطربة ولحوناً مستلذة يأخذ السامعين الغشي من حلاوتها، فاعتنى وضعة الألحان فشبهوا بها أغانيهم فلم يبلغوا.
وزعموا أن في بلاد يونان طائراً يصوت بالظهائر أصواتاً يجتمع أصناف الطيور استلذاذاً لها.
عن عمرو بن ماسويه المتطبب: إن شجرة على شط البحر هلباء ليست لها أغصان ولا روق، يقع عليها طائر وجهه وجه إنسان، وصدره صدر طاووس، وبدنه بدن نمر، وخفه خف بعير، وهو في سائر جسده كالفرس، يصوت بأنواع الأغاني فبنى برصوما أسقف الرها ألحانه عليها.
الجاحظ: من الأصوات ما يقتل، كصوت الصاعقة، والرعد القاصف، والهدة، وزئير الأسد، وقعاقع الحديد وصلاصله تورث انتفاخ السحر وارتفاع القلب، وربما أدت إلى انشقاق المرارة.
وقالوا: إن الرعد الشديد إذا وافق سباحة السمكة في أعلى الماء رمت ببيضها، وربما ماتت، ويمرق بيض الحمام قبل وقته، والصوت الحسن قد يزيل العقل حتى يغشى على سامعه للطافة وصوله إلى الدماغ وممازجته للقلب.
والأم تناغي الصبي فيقبل بسمعه إلى مناغاتها ويتلهى عن البكاء.

والإبل تزداد في نشاطها وقوتها بالحداء، فترفع آذانها وتتلفت يمنة ويسرة وتتبختر في مسيرها.
وإذا اصطادوا الفيلة جمعوا لها الملاهي والمغنين فتلهى عن رعيها وتسهو عن الهرب حتى تؤخذ وتخطم.
وزعم ابن ربن أن السماكين بنواحي العراق يبنون في جوف الماء حظائر ثم يطربون عندها فيجتمع السمك في الحظائر حتى يصدروها.
وعن بعض الفلاسفة أن سمل أيايل قد سمعت زمراً وعزفاً فأقبلت إليه وطأطأت رأسها وكادت تنام تلذذاً باستماعه.
والراعي إذا رفع عقيرته أو نفخ في يراعته تلقته الغنم بآذانها وجدت في رعيها.
قالوا: ربما يفسد العقل الولوع بالسماع وطول ملازمته.
تعاف الدابة الماء فإذا سمعت الصفير بالغت في الشرب.
حكيم: الصوت الحسن مما يزيد في المنة، ويكون مادة للقوة، وليس شيء مما يستلذه الإنسان أخف مؤونة من السماع، لأنه لا بد له في غيره من أعمال حاسة، ما خلا السماع فإنه ليس له إلا السكوت.
أفلاطون: من حزن فليسمع الأصوات الحسنة، فإن النفس إذا حزنت خمد نورها، فإذا سمعت ما يطربها ويسرها اشتعل منها ما خمد.
وما زالت ملوك فارس تلهي المحزون بالسماع، وتعلل به المريض وتشغله عن الفكر، ومنهم أخذت العرب حتى قال ابن عسلة الشيباني
وسماع مسمعة تعالمنا ... حتى ننام تناؤم العجم
أبو نواس:
إذا غنين صوتاً كان موتاً ... وهجن به عليك الزمهريرا
ولو في يوم هرمز جئت زوراً ... لصيره عبوساً قمطريرا
أذن البعلبكي مؤذن المنصور فرجع، وجارية تصب الماء على يده، فارتعدت حتى وقع الإبريق من يدها، فقال للمؤذن: خذ هذه الجارية فهي لك، ولا ترجع هذا الرجيع.
دخل الشعبي وليمة فأقبل على أهلها فقال: ما لكم كأنكم اجتمعتم على جنازة؟ أين الغناء والدف.
إسحاق بن إبراهيم الموصلي: كان ابن أبي حفصة يتغذى عند أبي، فإذا فرغ قال: أطعموا آذاننا رحمكم الله.
قال رجل للحسن: ما تقول في الغناء؟ قال: نعم الشيء المغنى، يوصل له الرحم، وينفس به عن الكروب، ويفعل فيه المعروف. قال: إنما أعني الشدو، قال: وما الشدو، وتعرف منه شيئاً، قال: نعم، قال: فما هو؟ فاندفع الرجل يغني ويلوي شدقيه ومنخريه ويكسر عينيه. فقال: ما كنت أرى أن عاقلاً يبلغ من نفسه ما أرى.
أبو عمرو بن العلاء: ما في الأرض شيء أقل حاذقاً من الغناء.
قال السعيدي: قلت لأبي أويس: هل تروي في وزن هذا البيت شيئاً:
أعرضت فلاح لها ... عارضان كالبرد
فقال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سيرين أخت مارية وهو تصفق وتقول:
هل علي ويحكما ... إن لهوت من حرج
فقال: لا. قال السعيدي: فكان سرورنا بالحديث أكثر من سرورنا بالبيت.
قالت ديباجه الأعرابية لإسحاق الموصلي: أنت بنغم ألفاظك دون نغم ألحانك. تطرب إذا تكلمت فكيف نراك تصنع إذا ترنمت.
قال رجل لآخر: غنني صوت كذا ومن بعده صوت كذا، فقال: أراك لا تقترح صوتاً إلا بولي عهد.
بعض السلف: الغناء نوح إبليس على الجنة حين أخرج منها.
سمع سليمان عن عبد الملك مغنياً في عسكره، فطلبه فاستعاده: فاحتفل بالغناء، وكان مفرط الغيرة، فقال لأصحابه: والله لكأنها جرجرة الفحل في الشول، وما أحسب أنثى تسمع هذا إلا صبت، ثم أمر به فخصي.
ابن الراوندي: اختلف الناس في السماع فأباحه قوم وحظره آخرون، وأنا أخالف الفريقين فأقول هو واجب.
كان صالح بن كيسان لا يرى بالغناء بأساً، ويقول: إنه يخرج من جلجلان القلب إلى قمع الأذن وليس على أحد مؤونة.
ابن الحجاج:
وقينة تفخيمها في الغنا ... أملح من قهقهة القمري
غناؤها الممدود بي فاعل ... فعل الغنى المقصور بالعسر
الموصلي: دخلت على المعتصم يوماً قد استخلى فيه وعنده جارية تغني، قال: كيف ترى يا أبا إسحاق؟ قلت: أراها تقهره بحذق، وتختله برفق، ولا تخرج شيئاً إلا إلى أحسن منه، وفي صوتها مقطع شذور أحلى من الدر المنثور، فقال: لصفك لها أحسن منها ومن غنائها.
وكان يقول الوليد بن يزيد: ما أقدر على الحج. قيل له كيف ذاك؟ قال: يستقبلني أهل المدينة بصوتي معبد.
القصر فالنخل فالجماء بينهما أشهى إلى القلب من أبواب جيرون.
والآخر:
يوم تبدى لنا قتيلة عن ... جيد تليع تزينه الأطواق

وكان الغناء في أهل المدينة حائزين فيه قصبات السبق.
يحكى أن ابن سريج والغريض قدما بالمدينة يتعرضان لمعروف أهلها، فلما شارفاها وصار بالمغسلة، وهي جبانة على طرفها تغسل فيها الثياب، إذا هما بغيم ملتحف بإزار وبيده حباله يتصيد بها ويتغنى القصر فالنخل، قالا: فسمعنا شيئاً ما سمعنا مثله قط، فقال ابن سريج: هذا غناء غلام يتصيد الطير! فكيف بمن في الجوية؟ أما أنا فثكلت والدته إن لم أرجع، فكرا راجعين.
وقيل: أربع في أهل المدينة: الغناء، والمتعة، والماء من الماء، والوضوء مسته النار.
وصف بعضهم مسمعه فقال: تلوك لحنها كما يلوك الفرس لجامه، ثم تلقيه في هامة لدنة ثم تخرجه من منخر أغن، والله ما ابتدأته فتوسطته وأنا أعقل، ولا فرغت منه فأفقت إلا وأنا أظن أني رأيته في نومي.
عن عبد الله بن عوف: أتيت باب عمر فسمعته يتغنى بالركبانية:
فكيف ثوائي بالمدينة بعد ما ... قضى وطراً منها جميل بن معمر
هو جميل الجمحي وكان خاصاً به فلما استأذنت عليه قال لي: أسمعت ما قلت؟ قلت: نعم، قال: إنا إذا خلونا قلنا ما يقول الناس في بيوتهم.
نافع: سمع ابن عمر يوماً مزماراً فوضع إصبعيه في آذنيه، ونأى عن الطريق، وقال: يا نافع، هل تسمع شيئاً؟ فقلت: لا، فرفع إصبعيه من أذنيه وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع مثل هذا، فصنع مثل هذا.
أبو أمامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن ولا شراؤهن ولا التجارة فيهن، وثمنهن حرام. وما نزلت علي هذه الآية إلا في مثل هذا الحديث: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله. ثم قال: والذي بعثني بالحق ما رفع رجل عقيرة صوته بالغناء إلا بعث الله عليه عند ذلك شيطانين، على هذا العاتق واحد، وعلى هذا العاتق واحد، يضربان بأرجلهما في صدره حتى يكون هو الذي يسكت.
اشتد المعتز في قرقرة الإبريق فأنشده ابن خلاد قول بشار:
وأتلع كالضبي يحكي لنا ... أعاليه العنق الأقود
إذا ما أكب على كأسه ... أرن كما صدح الصفرد
فأمر له بصلة. ولبشار.
كأن قرقرة الإبريق بينهم ... صوت المزامير أو ترجيع فأفاء
وله:
ومالت كف ساقينا ... بإبريق إلى طاس
له قهقهة فيه ... على حبسة أنفاس
سمع أعرابي مغنية بالفارسية فشوقته فقال:
ولم أفهم معانيها ولكن ... ورت كبدي فلم أجهل شجاها
فكنت كأنني أعمى معنىً ... يحب الغانيات ولا يراها
كانت لبعض الظرفاء جاريتان مغنيتان، حاذقة ومتخلفة، فكان يخرق قميصه إذا غنت الخارقة، فإذا غنت الأخرى قعد يخيطه.
تخاصم إبراهيم بن المهدي وإسحاق في الغناء، فقال له إسحاق: جعلت فداك، إلى من نتحاكم والعالم بيني وبينك بهائم؟ قال معاوية لعمرو بن العاص يوماً: امض بنا إلى هذا الذي تشاغل باللهو وسعى في هدم مروءته، يريد عبد الله بن جعفر، فدخلا عليه وعنده سائب خاثر يلقى الغناء على جواريه، فأمر بتخيتهن، وتنحى لمعاوية عن سريره، فقال معاوية: أعد علينا ما كنت فيه، فغنى سائب بقول قيس بن الحظيم:
ديار التي كانت ونحن على منى ... نحل بها لولا نجاء الركائب
وردده الجواري معه، فحرك معاوية يديه وتحرك، ومد رجليه يضرب بهما وجه السرير فقال له عمرو: اتئد! فإن الذي جئت تلحاه أحسن حالاً منك وأقل حركة. فقال معاوية: اسكت فكل كريم طروب.
سمع فيلسوف صوت مغن بارد فقال: يزعم أهل الكهانة أن صوت البومة يدل على موت الإنسان، فإن كان ما ذكروه حقاً فإن هذا يدل على موت البومة.
كان العباس بن عبد المطلب أجهر الناس صوتاً، كان يرجز السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه، وفيه يقول النابغة الجعدي:
زجر أبي عروة السباع إذا ... أشفق أن يختلطن بالغنم
وقد أتتهم غارة فصاح يا صياحاه! فأسقطت الحوامل، وكان يقف على سلع فينادي على غلمانه وهم بالغابة فيسمعهم، وبين الغابة وسلع وهو جبل في وسط المدينة ثمانية أميال.

وعن العباس لما ولي الناس يوم حنين: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، آخذاً بثفر بغلته الشهباء فشجرتها بالحكمة وكنت رجلاً صيتاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين رأى من الناس من رأى وأنهم لا يلوون على شيء، يا عباس أصرخ: يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة فناديت، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها.
أتى عبد الملك بن صالح وفود من الروم فأخفى بعض من في المجلس عطسته، فقال له: هلا إذ كنت ليئم العطاس، كز الخيشوم أتبعت عطستك صرخة تخلع بها قلب العلج! وكان الرشيد جمهورياً فقال فيه بعض العرب وهو يطوف بالبيت:
جهير الكلام جهير العطاس ... جهير الرواء جهير النعم
ويخطو على الأين خطو الظليم ... ويعلو الرجال بخلق عمم
الجاحظ: كان أبو ديومه مولى آل زياد ينهق بباب الكرخ بحضرة المكارين فلا يبقى حمار مريض ولا هرم ولا حسير متعب إلا نهق. وقيل تسمع نهيق الحمار على الحقيقة فلا تنبعث حتى كان أبو ديوبه يحركها. وكان يجمع جميع صور نهيق الحمار فيجعلها في نهيق واحد، وكذلك كان في نباح الكلاب.
قيل لرجل من العرب: ما الجمال؟ فقال: غؤور العينين، وإشراف الحاجبين، ورحب الأشداق، وبعد الصوت.
سأل الحجاج جلساءه عن أرق الصوت عندهم، فقال أحدهم: ما سمعت صوتاً أرق في سمعي من صوت قارئ حسن القراءة لكتاب الله في جوف الليل. قال: إن ذلك لحسن. وقال آخر: ما سمعت صوتاً أعجب من أن أترك امرأتي ماخضاً وأخرج إلى المسجد مبكراً فيأتيني آت فيبشرني بغلام. فقال: واحسناء! فقال شعبة بن علقمة التميمي: لا والله ما سمعت صوتاً قط أعجب إلي من أكون جائعاً فأسمع خفخفة الخوان. فقال الحجاج: أبيتث يا بني إلا حب الزاد.
قيل لمخنث: أي الأصوات أحب إليك؟ قال: نشنشة القلية، وقرقرة القنينة، وخفخفة الخوان، وفشفشة التكة.
كان المفضل يروي بيت أوس تصمت بالماء تولياً جذعاً، فقال له الأصمعي: أخطأت إنما هو جدعا وهو السيئ الغذاء، وتكلم المفضل ورفع صوته، فقال له: إن رفع الصوت لا يغني عنك ولو نفخت بالشبور تكلم كلام النمل وأصب.
سمع سعيد بن المسيب ذات ليلة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن عبد العزيز يجهر القراءة في صلاته، وكان حسن الصوت، وهو إذ ذاك أمير المدينة، فرفع سعيد صوته وقال: يا أيها المصلين إن كنت تريد الله بصلاتك فاخفض صوتك، وإن كنت تريد الناس فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً، فسكت وخفف ركعتيه ثم أخذ نعليه وخرج.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم من الليل فليجهر بقراءته، فإن الملائكة وعمار الدار يستمعون إلى قراءته ويصلون بصلاته.
عن داود عليه السلام أنه كان يخرج إلى صحراء بيت المقدس يوماً في الأسبوع ويجتمع الخلق فيقرأ الزبور تلك القراءة الرخيمة الشجية، وله جاريتان موصوفتان بالقوة فيضبطان جسده ضبطاً خيفة أن تنخلع أوصاله مما كان ينتحب ويزفر، وتحتشد على قراءته الوحوش والطير.
وعن مالك بن دينار: بلغنا أن الله يقيم داود يوم القيامة عند ساق العرش فيقول: يا داود، مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم.
واستمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قراءة أبي موسى فقال: لقد أوتي هذا من مزامير آل داود. فبلغ ذلك أبو موسى فقال: يا رسول الله، لو أعلم أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً.
أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنه رأت ملكاً. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطاناً " وعن ابن عباس يرفعه: إن مما خلق الله لديكاً بقاثنه على الأرض السابعة السفلى، وعرفه مطوي تحت العرش، قد أحاط جناحاه بالأفقين، فإذا بقي ثلث الليل الآخر، ضرب بجناحيه ثم قال: سبحان الملك القدوس، سبحوا الملك القدوس، سبحان ربنا الملك القدوس إلا إله لنا غيره، فيسمعها من بين الخافقين كلا الثقلين.
قال محمد بن إسحاق: فيرون أن الديكة إنما تضرب بأجنحتها وتصرخ إذا سمعت ذلك.
جابر بن عبد الله يرفعه: إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمر بالليل فتعوذوا بالله، فإنهن يرين ما لا ترون.

أبو موسى الأشعري: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما دنونا من المدينة كبر الناس ورفعوا أصواتهم. فقال: يا أيها الناس، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إن الذين تدعونه بينكم وبين أعناق ركابكم.
وفي النصائح الصغار: عملك علم منه في عدمه ما لا تعلم أنت، وقد وجدوا دعاؤك لمن هو أخبر منك بما أردت به مما لم ترد، فما هذا الرغاء كأنه هدير؟ وما هذا الصراخ الذي الأصم به جدير؟ إن كنت ممن يأوي إلى السنة دون البدعة، ولا يكون على الرياء والسمعة، وأردت بذلك وجه العليم بما خطر في قلب العبد وهجس الخبر بما وسوست به النفس، وأوجس من هوى نفسك العمل المشهور، فالكتم الكتم، ومن شهرتها الدعاء المنشور فالختم الختم، إن خير النوق والفتى المكتوم، وخير الكتاب والشراب المختوم.
وفي الرسالة الناصحة: وأن لا ترى في مدرستك فاتر الرغبة والنشاط، قليل الاسترسال والانبساط، ناطقاً كالصامت، جاهراً كالخافت، فإذا سمعت تحفيف الركب المار تحركت وانتعشت، ونبت لك عرف وانتفشت، ورفعت من صوتك وأصوات أصحابك، وما شئت من صرخك وإجلالك، لتسمع المارة ذلك الزجل واللجب، ويقضي من كدك واجتهاد العجب.
قال حكم الوادي: كنت أنا وجماعة نتعلم من معبد فغنى لنا صوتاً أعجب به، وكنت أول من أخذه عنه ذلك اليوم، فاستحسنه مني، فأعجبتني نفسي. فلما انصرفت عملت فيه من عند نفسي لحناً آخر وبكرت عليه، فغنيته ذلك اللحن، فوجم ساعة، ثم قال: كنت أمس أرجي مني لك اليوم، وأنت اليوم عندي أبعد من الفلاح.
الأصمعي: قلت لأعرابي ألك شعر؟ قال: قلت أبياتاً فتغنى بها حكم الوادي، فما حرك بها قصابه إلا خفت النار، فأبغضت قول الشعر.
قال سلام الحادي للمنصور، وكان يضرب المثل بحداثه: مر يا أمير المؤمنين بأن يظمئوا إبلاً ثم يوردوها الماء، فأتى آخذاً في الحداء فنرفع كؤوسها وتترك الشرب حتى اسكت.د سأل المعتصم إسحاق الموصلي عن النغم كيف يميز بينها على تشابهها؟ فقال: يا أمير المؤمنين، من الأشياء أشياء تحيط بها المعرفة ولا تؤديها الصفة.
ذو جدن من الأقيال اسمه علس بن الحارث. والجدن الصوت بالحميريه. كانوا يضربون المثل بحسن صوته، ويقولون إن الوحش كانت تأذن له.
أبو أمامة عن النبي عليه السلام: " ما من عبد يدخل الجنة إلا وهو يجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين تغنيانه بأحسن صوت سمعه الأنس والجن، ليس بمزامير الشياطين ولكن بتحميد الله وتقديسه " .
كان عليه الصلاة والسلام يصف الجنة، فقال رجل: يا رسول الله أيها سماع؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده إن الله ليوحي إلى شجرة الجنة أن أسمعي عبادي الذين شغلوا أنفسهم بذكري عن المعازف والمزاهر والمزامير، فتسمعهم أصواتاً ما سمع الخلائق مثلها قط بالتسبيح والتقديس.
كان عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار الجشمي القارئ ينزل مكة، فسمي القس من عبادته وزهده، ثم استهيم بمغنية من مولدات مكة اسمها سلامة حتى نسبت إليه، فقيل لها سلامة القس، وله فيها:
ألم تراها أبعد الله دارها ... إذا رجعت في صوتها كيف تصنع
تمد نظام القول ثم ترده ... إلى صلصل في صوتها يترجع
وله:
إذا ما عج مزهرها إليها ... وعجت نحوه أذن كرام
وأصغوا نحوها الآذان حتى ... كأنهم وما ناموا نيام
يعلى بن عقيل العنزي في إسحاق الموصلي، وقيل هي للأصمعي:
أأن تغنيت للشرب الكرام إلا ... حيث الخليط جمال الحي فانطلقوا
وقيل أنت حسان الناس كلهم ... وابن الحسان فقد قالوا وقد صدقوا
فما بهذا تقوم النادبات ولا ... تبكي البواكي إذا ما ضمك الخرق
قيل لأعرابي في يوم حار بحضرة قوم يتصايحون في الخيام: أما ترى أجيج اليوم؟ فقال: إن ضجيج القوم أشد من أجيج اليوم.
قدم عمر بن أبي ربيعة الكوفة فنزل على عبد الله بن هلال الملقب بصاحب إبليس، وكانت له قينتان، فقال فيهما:
يا أهل بابل ما نفست عليكم ... من عيشكم إلا ثلاث خلال
ماء الفرات وظل عيش يرد ... وغناء محسنتين لابن هلال

قيل لسفيان بن عيينة: لم كان يستحب خفض الصوت عند الجنائز؟ قال: شبهوه بالحشر إلى الله، أما سمعته يقول: وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً.
كان الحجاج إذا سمع نوحاً في دار أمر بهدمها، فلما مات ابنه وأخوه أحب أن يسمع النوح، وكان يتمثل بقول الفرزدق: في كل ناحية نائحة.
هل ابنك إلا من بني الناس فاصبري ... فلن يرجع الموتى حنين المآتم
تناظر رجلان عند المأمون فارتفعت أصواتهما، فقال: الصواب في الأسد لا في الأشد.
إن صاح يوماً الصخر منحدراً ... والريح عاصفة والموج ملتطما
كتب الوليد بن يزيد بن عبد الملك في أشعب فحمل إليه، فألبسه سروايل من جلد فرد له ذنب، وقال: ارقص وغن صوتاً يعجبني، ففعل فوصله.
وأرسل إلى الهيثم القاري وهو أول من طرب في قراءته، فاستقرأه فقرأ، فقال: غنني، فقال: لا أحسن الغناء، قال: فالذي قرأت ليس صوت كذا وكذا؟ ولقد صدق الفاسق فإن القراءة بالتطريب من باب الاغتناء فقبلوه من الأبيات فلحنوا القرآن تلحيناً، ولقنوه الفتيان تلقيناً، حتى اتخذه قصاص السوء مكسبة ومتسوقاً، وإلى صرف العامة إليهم متسلقاً، ففتنوا به ضعفة الدهماء وجهله الرجال والنساء، فإذا قالوا: ما أطيب كلام الله! فهو لطيب الأغنية لا لصحة العقيدة وصدق النية.
وعن الهيثم استقرأني الوليد فقرأت، ثم طلب مني الغناء فتغنيت، فقال: قراءتك أطيب من غنائك. وإنما حكم بطيبها من أجل تطريبها.
وحكى إسحاق الموصلي عن أبيه إبراهيم أنه غنى الهادي صوتاً أطربه فقال: سل ما شئت، فقال: فقال: تقطعني عين مروان بالمدينة، فقال: يا غلام جأ عنقه، يا جاهل! أردت ويلك أن تضيع في الناس أنك غنيتني فأقطعك على الغنائم! ثم قال لوزيره: أدخل هذا الجاهل الخزانة فأعطه ما شاء.
كان يقول حماد بن إسحاق الموصلي: أول من وصله الرشيد، حين استخلف جدي إبراهيم، وذلك أنه قال:
ألم تر أن الشمس كانت مريضة ... فلما أتى هارون أشرق نورها
فليست الدنيا كمالاً بملكه ... فهارون وإليها ويحيى وزيرها
وعمل فيها لحناً وأسمعه الرشيد من وراء الحجاب، فأعطاه مائة ألف، ويحيى خمسين ألف.

الصدق، والحق، والصواب
والتكلم بالحق، والتصلب في الدين، والغضب لله، وغير ذلك.
عبد الله بن عمر: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما عمل أهل الجنة؟ فقال: الصدق، إذا صدق العبد بر، وإذا بر آمن، وإذا آمن دخل الجنة، قال: يا رسول الله ما عمل أهل النار؟ الكذب، إذا كذب العبد فجر،وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل النار " .
وعنه عليه الصلاة والسلام: الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وإن المرء ليتحرى الصدق حتى يكتب صديقاً.
وعنه: عليك بالصدق وإن ضرك، وإياك والكذب وإن نفعك.
إسماعيل بن عبد الله: لما حضرت أبى الوفاة جمع بنيه فقال: يا بني، عليكم بتقوى الله، وعليكم بالقرآن فتعاهدوه، وعليكم بالصدق حتى لو قتل أحدكم قتيلاً ثم سئل أقر به، والله ما كذبت كذبة منذ قرأت القرآن.
عائشة رضي الله تعالى عنها: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم يعرف المؤمن؟ قال: بوقاره ولين كلامه وصدق حديثه.
علي رضي الله عنه: الصدق خير للمؤمن من المال يأكله ويورثه.
الأحنف: عيي صدوق خير من بليغ كذوب، لعن الله المرء إذا كان كذاباً. وقال لابنه: يا بني، يكفيك من شرف الصدق أن الصدوق يقبل قوله في عدوه، ومن دناءة الكذب أن الكذاب لا يقبل قوله في صديقه ولا عدوه.
لكل شيء حلية، وحلية المنطق الصدق.
محمود الوراق:
الصدق منجاة لأصحابه ... وقربة يدنى من الرب
مضرة الصدق على أهله ... أرد من منفعه الكذب
الصدق عمود الدين، وركن الأدب، وأصل المروءة، ولا تتم هذه الثلاثة إلا به.
رسطاليس: أحسن الكلام ما صدق فيه قائله، وانتفع به سامعه.
قتيبة: ثلاث لا يصح السلطان إلا بهن: الشدة على الريب، واللين للحسن، وصدق الحديث.
المهلب بن أبي صفرة: ما السيف في يد الشجاع بأعز له من الصدق.
قالوا: اثنان لا تخطئهما سعادة وغبطة: سلطان حليم، ورجل صدوق.
حكيم: الصدق صدقان، أعظمهما الصدق فيما يضرك.
النبي صلى الله عليه وسلم: ما أملق تاجر صدوق.

أفلاطون: الحق عقال العقول. علي رضي الله عنه: إن الحق ثقيل وإن الباطل خفيف وبئ. وعنه: من صارع الحق صرعه. وعنه: من تعدى الحق ضاق مذهبه. وعنه: من أبدى صفحته للحق هلك.
وعنه: حق وباطل ولكل أهل، فلئن أمر الباطل لقديماً فعل، ولئن قل الحق ولعل، ولقلما أدبر شيء فقبل.
وعنه: التاجر الصدوق إن مات في سفره مات شهيد وإن مات على فراشه مات صديقاً.
الصدق يدل على اعتدال وزن العقل.
في النصائح: لو صور الصدق لكان أسداً يروع، ولو صور الكذب لكان ثعلباَ يروغ.
فلئن تكون في فجوة عرين ليث أغلب خير لك من أن تكون وجار ثعلب.
جعل الحجاج يعرض الأسارى من أصحاب ابن الأشعث على السيف، فقال رجل شاب منهم: أصلح الله الأمير، إن لي بك حرمة. قال: ما هي؟ قال: منعت ابن الأشعث عن أبويك فنضحت عنك. قال: ومن يشهد لك بهذا؟ فرمى بطرفه إلى فتى فشهد له. فقال الحجاج: فما منعك من مثل فعله؟ فقال: قديم بغضي إياك. فقال: يخلى هذا لحرمته، وهذا لصدقه.
قال عبد الملك للحجاج: أصدقني من نفسك فليس العاقل إلا من عرف نفسه. قال: أنا حديد حقود حسود.
لئن هملجت في الباطل إنك على الحق لقطوف.
قيس بن الخطيم:
مني ما تقد بالباطل الذر يأبه ... وإن قدت بالحق الرراسي تنفذ
وإني لأغنى الناس عن متكلف ... يرى الناس ضلالاً وليس بمهتدى
لا أقول إلا ما طبق الحق مفاصله، وأصاب الصدق شواكله. لسانه وقف على الصدق.
أبو ذر: ساكن شفته مصباح الحق يزهو من فيه. يتحرى الصدق في مقاله، ويتوخى الحق في فعاله. الصدق محمود من كل أحد إلا من الساعي.
الجاحظ: حدثني موسى بن عمران، وكان هو والكذب لا يأخذان في طريق، ولم يكن عليه من الصدق مؤونة، لا يثاره له حتى كاد يستوي عنده ما يضره وما لا يضره.
إن خبيق الأنطاكي: لا يستغني حال من الأحوال عن الصدق والصدق مستغن عن الأحوال كلها: لو صدق عبد فيما بينه وبين الله تعالى حقيقة الصدق لا طلع على خزائن من خزائن الغيب، ولكان أميناً في السماوات والأرض.
عامر بن الظرب العدواني في وصيته: إني وجدت صدق الحديث طرفاً من الغيب فأصدقوا. يعني من لزم الصدق وعوده لسانه وفق، فلا يكاد يتكلم بشيء يظنه إلا جاء على ظنه.
وعظ الحسن الناس وذكر لهم سيرة الأولين، ثم أقبل على المضر ابن عمرو أمير البصرة فقال: أصبحت والله مخالفاً للقوم في الهدى والسيرة، فإياك أن تمنى الأماني وتترجح فيها، وإن أخاك من صدق، ومن نصحك في دينك خير ممن يمنيك ويغرك.
شاعر:
الحق أبلج ما يحيل سبيله ... والحق يعرفه ذوو الألباب
خطب بلال لأخيه خالد بن رباح امرأة قرشية فقال لأهلها: نحن من قد عرفتم، كنا عبدين فأعتقنا الله، وكنا ضالين فهدانا الله، وكنا فقيرين فأغنانا الله، وأنا أخطب إليكم على أخي فلانة، فإن تنكحونا فالحمد لله، وإن تردونا فالله أكبر، فأقبلوا بعضهم على بعض فقالوا: بلال من قد عرفتم سابقته ومشاهده ومكانه من رسول الله، فزوجوا أخاه، فلما انصرفا قال له أخوه: يغفر الله لك! أما كنت تذكر سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله! فقال: مه يا أخي! صدقت فأنكحك الصدق.
عمر رضي الله عنه: عليك بالصدق وإن قتلك الصدق.
قال رجل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: رأيتك تسحب ذيلك. قال: فهلا قلت لي، قال: هبتك، قال: أما علمت أن القائل الحق من الله سلطاناً.
عمر رضي الله عنه في خطبته: لو صرفناكم عما تعرفون إلى ما تنكرون ما كنتم صانعين؟ فأزموا، قال ذلك ثلاثاً. فقام علي فقال: يا أمير المؤمنين، إذن كنا نستتيبك فإن تبت قبلناك، قال: فإن لم أتب؟ قال: نضرب الذي فيه عيناك. فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذا الأمة من إذا اعوججنا أقام أودنا.
خطب المهدي يوماً فقال: عباد الله اتقوا الله، فقام رجل فقال: وأنت فاتق الله فإنك تعمل بغير الحق. فأخذ الرجل وأدخل عليه، فقال: يا ابن الفاعلة! تقول لي وأنا على المنبر اتق الله! فقال الرجل: سوأة لك! لو غيرك قالها لكنت المستعدي عليه. قال: ما أراك إلا نبطياً! قال: ذاك أوكد للحجة عليك أن يكون نبطي يأمرك بتقوى الله.

عبد العزيز العمري للمهدي: إن دوابك التي تركب تمسح بالمناديل، ويبرد لها الماء، وينقى لها العلف، ليعجبك شحومها وبريقها وحسن ألوانها، ودينك أعجف قاتم أغبر، والله لو رأيته لساءك منظره.
سلمه بن عباد ملك عمان وقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
رأيتك يا خير البرية كلها ... نشرت كتاباً جاء بالحق معلنا
أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجه ... وكان قديماً ركنه قد تهدما
غيلان بن مسلم الدمشقي رحمه الله، قال فيه عمر بن عبد العزيز: من سره أن ينظر إلى رجل وهب نفسه لله، ليس فيه عضو لا ينطق بحكمة فلينظر إلى هذا.
وقال له: يا أبا هارون، أعني أعانك الله، فقال: ولني رد المظالم، فولاه، فكان يخرج خزائن بني أميه فينادي: هلموا إلى متاع الخونة. ونادى على جوارب خز قد تأكلت، فبلغت قيمتها ثلاثين ألفاً فقال: من عذيري ممن يزعم أن هؤلاء أئمة عدل، وقد تأكلت هذه الجوارب في خزائنهم والفقراء والمساكين يموتون جوعاً.
قلما ولي هشام بعث إليه واستنطقه، فقال: أعوذ بجلال الله أن يأتمن الله خواناً أو يستخلف خزاناً، إن أئمته لقوامون بأحكامه، الراهبون لمقامه، لم يول الله وثاباً على الفجور، ولا شراباً للخمور، ولا ركاباً للمحظور. فقطع هشام يديه ورجليه.
حج معاوية فطلب امرأة يقال لها دارمية الحجونية من شيعة علي رضي الله عنه، وكانت سوداء ضخمة، فقال: كيف حالك يا بنت حام؟ قالت: بخير، ولست بحام أدعى، إنما أنا امرأة من كنانة، قال: صدقت، هل تعلمين لم دعوتك؟ قالت: يا سبحان الله! وأنى لي بعلم الغيب؟ قال: لأسألك لم أحببت علياً وأبغضتني؟ وواليته وعاديتني؟ قالت: أو تعفيني؟ قال: لا، قالت: أما إذ أبيت فإني أحببت علياً على عدله في الرعية، وقسمة السوية، وأبغضتك على قتال من هو أولى بالأمر منك، وطلب ما ليس لك. وواليته على ما عقد له رسول الله من الولاء، وحبه للمساكين، وإعظامه لأهل الدين. وعاديتك على سفك الدماء، وشق العصا. قال: فلذلك انتفخ بطنك وكبر ثديك، وعظمت عجيزتك. قالت: يا هذا، بهند يضرب بي المثل لا بي. قال: لا تغضبي فأنا لم نقل إلا خيراً، إذا انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها، وإذا كبر ثدي المرأة حسن غذاء ولدها، وإذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها، فسكتت.
فسألها عن كلام علي، فقالت: كان كلامه يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت الطست. فقال: هل من حاجة؟ قالت: أو تفعل إذا سألت؟ قال: لك الله علي بالوفاء. قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها. قال: تصنعين بها ماذا؟ قالت: أغدو بها لصغار، واستحيي بها للكبار، واكتسب بها المكارم، وأصلح بها من العشائر. قال: فإن أعطيتكها لأحل عندك محل علي؟ قالت: يا سبحان الله! أو دونه، أو دونه، أو دونه. فأنشأ يقول:
إذا لم أجد بالحلم مني عليكم ... فمن ذا الذي بعدي يؤمل للحلم
خديها هنيئاً واذكري فعل ماجد ... حباك على طول العداوة والصرم
أما والله لو كان علي لما أعطاك! فقالت: لا والله، ولا برة واحدة من مال المسلمين. فضحك معاوية، وأمر لها بما سألت وردها مكرمة.
أتي عبيد الله بن زياد بجارية خماسية من الخوارج، كان يطلب أباها بذحل، فقال: أين أبوك؟ قالت: لو كان تحت أخمصي ما رفعته عنه. قال: حبك له لأنه يفعل بأمك، قالت: إن فعل فبنكاح استحله بكتاب الله وسنة رسوله، ليس كمن جاء من سفاح لا نكاح.
فقال بعض جلسائه: لعلك تعنيني؟ قالت: لا والله، ولكني أعني صاحب السرير. قال: ما تقولين في الشيخين؟ قالت: سبقا وفازا، وواتبعا ما به أمرا. قال: ما تقولين في عثمان وعلي؟ قالت: إن كانا أحسنا فالله ولي إحسانهما، وإن كانا أساءا فالله غفور رحيم، قال: ما تقولين في معاوية وعمرو؟ فلعنتهما، قال: فما تقولين في يزيد؟ قالت: ما أقول فيمن أنت سيئة من سيئاته؟ عليك وعليه لعنة الله. فما تقولين فيّ؟ قالت أولك لزنية وآخرك لدعوة، وأنت فيما بين ذلك جبار عنيد.

طاووس: ما شفاني أحد من الحجاج ما شفاني يمني قال له الحجاج وهو يطوف يا يمني، كيف خلفت محمد بن يوسف؟ قال عظيماً سميناً. قال: لست عن السمن أسألك، ولكن عن عدله في رعيته، قال: خلفته ظلوماً غشوماً. قال: كيف لا تشكوه إلى من فوقه؟ قال: ذاك والله أشر منه، قال: تعرفني؟ قال: نعم، أنت الحجاج بن يوسف. قال: تعرف مكانه مني؟ قال: نعم، هو أخوك، قال: فلم يمنعك ذلك أن قلت ما قلت؟ قال: أترى مكان الله أهون عندي من مكانك؟ قال: أي العرب خير؟ قال: بنو هاشم. قال: لم؟ قال: لئن محمداً صلى الله عليه وسلم منهم. قال: وأياهم شر؟ قال: ثقيف. قال: لم؟ قال: لئن الحجاج منهم.
فدعا بعشرة آلاف فأعطاه، ثم قال: يا طاووس، هذا رجل لا تأخذه في الله لومة لائم.
قال موسى عليه السلام: أي عبادك أسعد؟ قال: من آثر هواك على هواه، وغضب لي غضب النمر لنفسه.
قال رسطاليس للأسكندر: انصر الحق على الهوى تملك الأرض تملك استعباد.
محمد بن علي الباقر: إن الحق استصرخني، وقد حواه الباطل في جوفه، فبقرت عن خاصرتي وأطلعت الحق عن حجبه حتى ظهر وانتشر، بعدما خفي واستتر.
أحمد بن يزيد المهلبي: سمعت المنتصر يقول وهو يناظر قوماً: والله لا عز ذو باطل ولو طلع من جيبه القمر، ولا ذل ذو حق ولو أصفق العالم عليه.
المأمون: لو شئت أن آخذ أمري بأبهة الخلافة لعدلت وإن كنت جائراً، ولصدقت وإن كنت كاذباً. ولكني لا آخذه إلا بغلبة الحجة وإزاحة الشبهة. وإن أوهن الملوك من رضي بصدق الأمير.
وعنه: غلبة الحجة أحب إلي من غلبة القدرة، لئن غلبة القدرة تزول بزوالها، وغلبة الحجة لا يزيلها شيء.
لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل:
إذا قالت حذام فصدوقها ... فإن القول ما قالت حذام
الصدق رأس الدين وعماد اليقين. الصدق بالحر أحرى.
قال معاوية لأبي مسلم الخولاني: سمعت أنك تطوف وتبكي على الإسلام، قال: نعم. ما اسمك؟ قال: معاوية، قال: إنك لو عدلت بأهل الأرض ثم جرت على واحد منهم لما وفى جورك بعدلك.
أتي المنصور ببشير الرحال ومطر الوراق مكبلين، وقد كانا خرجا مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، فقال لبشير: أنت القائل أجد في قلبي غماً لا يذهبه إلا برد عدل أو حرسنان؟ قال: نعم، قال: فوالله لأذيقنك حر سنان يشيب منه رأسك، قال: إذن اصبر صبراً يذل به سلطانك. فقطعت يده فما قطب ولا تحلحل.
وقال لمطر: يا ابن الزانية؟ قال: إنك تعلم أنها خير من سلامة، قال: يا أحمق! قال: ذاك من باع آخرته بدنياه فرمى به من سطح فمات.
قال مسلم بن عقيل لعبد الله بن زياد، حين قال لأقتلنك قتلة تتحدث بها العرب: إنك تدع لؤم القدرة وسوء المثلة لأحد أحق بها منك.
لما ولي أسد بن نوح أبو السامانية بلخ من قبل المعتصم قصده علماؤها، فقال: هل بقي أحد؟ قالوا: بقي خلف بن أيوب العامري صاحب أبي يوسف أعلم الناس وأروعهم، فاشتهى لقاءه، فقيل له: لا سبيل إلى لقائه إلا أن تراه في طريقه إلى صلاة الجمعة، فلقيه فنزل عن دابته وسلم عليه، فغطى خلف وجهه بردائه ورد عليه رداً خفياً، ولم يرفع رأسه، ولا نظر إليه. فقال أسد: اللهم إن هذا العبد الصالح يبغضنا فيك ونحن نحبه فيك. فلما مرض عاده فقال: حاجتك؟ فقال: أن لا تعودني ثانية، قال: غيرها؟ قال: أن لا تضلي علي وعليك السواد، فمشى خلف جنازته راجلاً ونزع السواد، فصلى عليه.
صالح المري للمهدي: إن محمداً خصم من خلفه في أمته بشر، ومن كان محمد له خصماً كان الله له خصماً، فاعدد لمخاصمة الله ومخاصمة رسوله حججاً توجب لك النجاة وتقف به عن التهلكة. ومثلك لا يكابر بتجريد المعصية، ولكن يمثل لك الشيطان الإساءة إحساناً، ويشهد له على ذلك خونة هذه العلماء، وبهذه الحبائل يصاد أهلها.
وأعلم أن أبطأ الناس نهضة يوم القيامة صريع هوى يدعى قربه إلى الله.
أهل المدينة يقولون: إذا وافق الهوى الصواب فما للبأ وابن طالب. وهو جنس من تمر المدينة.
عتبة بن أبي سفيان: إذا اجتمع في قلبك أمران لا تدري أيهما أصوب فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه، فإن الصواب أقرب إلى مخالفة الهوى.
الكميت بن زيد:
فقل لبني أميه حيث حلوا ... وإن خفت المهند والقطيعا
أجاع الله من أشبعتموه ... وأشبع من بجوركم أجيعا

رسطاليس: الموت مع الصدق خير من الحياة مع الكذب.
العرب: سهم الحق مريش.
سقراط: لا تجلس على المكيال. أي لا تكتم الحق.
كان نقش خاتم ذي اليمينين وضع الخد للحق عز.
أمر عبد الملك بعساس من خلنج فملئت بلبن البخت، يحمل العس جماعة، وصففت بين يديه، فقال لابن قيس الرقيات: أين هذه من عساس مصعب حيث تقول:
يلبس الجيش بالجيوش ويسقي ... لبن البخت في عساس الخلنج
فقال: لا أين أمير المؤمنين، والله لو طرحت هذا العساس كلها في أصغر عس من عساس مصعب لتقلقلت داخله. قال: قاتلك الله! أبيت إلا كرماً.

الصحة والسلامة، والعافية وقوة البدن
والأمن وما شاكل ذلك.
أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إليك انتهت الأماني يا صاحب العافية " وعنه عليه الصلاة والسلام: " أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له: ألم أصح بدنك وأروك من الماء البارد " الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو لم كان يوكل بابن آدم إلا الصحة والسلامة لأوشكا أن يرداه إلى أرذل العمر، وروي لكفى بهما داء قاتلاً.
قال ابن عائشة: سبحان الله! ما أعجب كلام العرب وأشبه بعضه ببعض! والله لكأن النمر بن تولب سمع هذا فقال:
يود الفتى طول السلامة جاهداً ... فكيف يرى طول السلامة يفعل
وقال عبد الله بن سويد، وهو رجل بني مرة كان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم فدعاه ذلك إلى أن تعبد:
كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألانها الإصباح والإمساء
فدعوت ربي بالسلامة جاهداً ... ليصحني فإذا السلامة داء
أبو عثمان النهدي دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي ذو جثمان عظيم، فقال له: متى عهدك بالحمى؟ قال: ما أعرفها. قال: فالصداع؟ ما أدري ما هو. قال: فأصبت بمالك؟ قال: لا، قال: أفرزئت بولدك؟ قال: لا، قال: إن الله ليبغض العفرية النفرية الذي لا يرزأ في ولده ولا يصاب في ماله.
علي رضي الله عنه في قوله تعالى: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم: الأمن والصحة والعافية.
وعن ابن عباس: صحة الأبدان والأبصار والأسماع يسأل الله العباد فيم استعملوها وهو أعلم بذلك.
عنه عليه الصلاة والسلام: كم من نعمة لله في عرق ساكن.
ابن السماك: أيها المغرور بصحته ونشاطه أما علمت أن الأرواح يغدى عليها بالمنايا ويراح، وأنشد:
ومؤمل قد قصرت أكفانه ... ومحاذر أكفانه لم تغزل
معاوية بن قرة: أشد الناس حساباً الصحيح الفارغ.
ابن عيينة: من تمام النعمة طول الحياة في الصحة والأمن والسرور.
إذا أكلت قفارك فأذكر العافية واجعلها إدامك.
عائشة رضي الله عنها: لو رأيت ليلة القدر ما سألت الله تعالى إلا العفو والعافية.
حاتم: قيل ما تشتهي؟ قال: عافية يومي. قيل له: أليست الأيام كلها كذلك؟ قال: لا، إن عافية يومي أن لا أعصي الله تعالى فيه.
قبيصة بن ذؤيب: كنا نسمع نداء عبد الملك من وراء الحجرة في مرضه: يا أهل النعيم لا تستقلوا شيئاً من النعم مع العافية.
وروي أنه لما حضرته الوفاة أمر فصعد به إلى أرفع سطح في داره فقال: يا دنيا، ما أطيب ريحك! يا أهل العافية لا تستقلوا منها شيئاً.
كنت ذا علة تفضل الله بإزالة أكثرها، وهو المرجو للإدالة من غيرها.
بعض الأطباء: أفصحت قارورتك عن الصحة.
البحر لا جوار له، والملك لا صديق له، والعافية لا ثمن لها.
إياس بن معاوية: صحة الأبدان مع الشمس ذهب أهل العمد والوبر.
وقال مثنى بن بشير: الشمس والحركة خير من الظل والسكون. أم عافية كنية الحمة.
الظبي والظليم مثلان في الصحة، يقال: أصح من ظليم، وأصح من ظبي. ومنه قول الفرزدق:
أقول له لما أتاني نعيه ... به لا بئطبي بالصريمة أعفرا
ابن الرومي:
إذا ما كساك الله سربال صحة ... ولم تخل من قوت يحل ويعذب
فلا تغبطن المكثرين فإنما ... على قدر ما يكسوهم الدهر يسلب
إذا كان السرب آمنا لم يكن الشرب آجنا.
وذكر بعضهم العافية فقال: أي وطاء، وأي غطاء! وأي عطاء.

قيل للمقفع وامد عبد الله: هلا تحركت لتذكر كما ذكر ابنك؟ فقال: إني لما رأيت معالي الأمور مشفوعة بالمتالف اقتصرت على الخمول ضناً مني بالعافية. فاستحسنت الحكماء ذلك وقالوا: أنت في فعلك أحسن من عبد الله في قوله.
بلاش بن فيروز: الأمن يجمع الأماني كلها. وكان يقول صحة الجسم أوفر القسم.
بزرجمهر: إن كان شيء فوق الحياة فالصحة، وإن كان شيء مثل الحياة فالغنى، وإن كان شيء فوق الموت فالمرض، وإن كان شيء مثل الموت فالفقر.
دعا الحجاج إلى طعامه في طريق الحج بدوياً فقال أنا صائم. قال: أفطر وتصوم غداً، قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد، قال: إنه طعام طيب، قال: إنك لم تطيبه ولا الخباز ولكن طيبته العافية.
قيل لأعرابي: من أنعم الناس عيشاً؟ قال: أنا، قيل: فما بال الخليفة؟ فخفس أنفه وقال:
وما العيش إلا في الخمول مع الغنى ... وعافية تغدو بها وتروح
علي رضي عنه: العجب لغفلة الحساد عن سلامة الأحساد. وعنه صحة الجسد من قلة الحسد.
وعنه: ما المبتلي الذي قد اشتد به البلاء بأحوج إلى الدعاء من المعافي الذي لا يأمن البلاء.
غمضت أعرابية ميتاً وقالت: ما أحق من ألبس العافية وأطيلت له النظرة أن لا يعجز عن النظر لنفسه قبل الحلول بساحته.
شاعر:
المال للمرء في معيشته ... خير من الوالدين والولد
ومن يطل سقمه عليه يجد ... خيراً من المال صحة الجسد
وما لمن نال فضل عافية ... وقوت يوم فقر إلى حد
أبو العباس المبرد:
ولو رفع الله عنا البلاء ... لم ندر ما خطر العافية.
مطرف: لأن: أعافى فأشكر أحب إلي من أن ابتلي فأصبر. ونظرت في الخير الذي لا شر فيه فلم أر مثل المعاناة والشكر.
رأت فأرة البيوت فأرة الصحراء في شدة ومحنة، فقالت لها: ما تصنعين هاهنا؟ اذهبي معي إلى البيوت التي فيها أنواع النعيم والخصب، فذهبت معها، وإذا رب البيت الذي كانت تسكنه قد هيأ لها الرصد لبنة تحتها شحمة، فاقتحمت لتأخذ الشحمة، فوقعت عليها اللبنة فحطمتها فهزت الفأرة البرية رأسها متعجبة وقالت: أرى نعمة كبيرة وبلاءً شديداً، العافية والفقر أحب إلي، ففرت إلى البرية جاء الرومي بخنزير فشده إلى أسطوانة ووضع ألقت بين يديه ليسمنه، وإلى جنبه أتان لها جحش كان يلتقط ما يتناثر منه، فقال لأمه: ما أطيب هذا العلف! قالت: لا تغتر بهذا العلف فإن وراءه الطامة الكبرى، فما وضع السكين على حلقه، وهو يضطرب وينفخ، هرب الجحش إلى أمه وأطلع أسنانه وقال: ويحك انظري! هل بقي في خلال أسناني شيء من ذلك العلف.
لما أخذ يعقوب بن الليث محمد بن طاهر وقبض على جواريه وغلمانه وقهارمته ووكلائه، وطرحهم في المحابس، وسلط عليهم العذاب، نظر إليهم فقير، فعاين نفسه واغتبط بالسلامة وقال: يا فقري يا حبيبي إنما كنت أطلبك لهذا اليوم.
أبو رهب: لما خلق الله العافية، قال لها صلى. قالت: أسألك العافية..

الطلب والاستجداء والهز، ورفع الحوائج
وقضائها وذكر الرد والإلحاح، ونحو ذلك.
ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من فتح على نفسه باب مسألة من غير فاقة نزلت به أو عيال لا يطيقهم فتح الله عليه باب فاقة من حيث لا يحتسب " عمر رفعه: ما أتاك الله من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه.
ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يتقبل لي واحدة أتقبل له الجنة؟ فقلت: أنا، فقال: لا تسأل الناس شيئاً. فكان ثوبان إذا سقط سوطه لا يأمر أحد يناوله وينزل هو فيأخذه " .
سمرة رفعه: إن هذه المسائل كدوح يكدح بها المرء وجهه، إلا أن يسأل المرء ذا سلطان، أو في أمر لا بد به.
أصابت أنصارياً حاجة فأخبر رسول الله فقال: ائتني بما في منزلك ولا تحقر شيئاً، فأتاه بحلس وقدح، فقال عليه السلام: " من يشتريهما؟ فقال رجل: علي بدرهم. فقال من يزيد؟ فقال رجل: هما علي بدرهمين، فقال: هما لك. ابتع بأحدهما طعاماً لأهلك، وابتع بالآخر فأساً. فأتاه بفأس. فقال عليه السلام: من عنده نصاب لهذه الفأس؟ فقال أبو بكر: عندي، فأخذه رسول الله فأثبته بيده وقال: أذهب فاحتطب ولا تحقرن شوكاً ولا رطباً، ولا يابساً خمس عشرة ليلة.

فأتاه وقد حسنت حاله. فقال عليه السلام: " هذا خير لك أن تجيء يوم القيامة وفي وجهك كدوح الصدقة " ابن عمر رفعه: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله يوم لا تسأل الناس شيئاً، فما كان في خلافة عمر جعل عمر يعطي الناس ويعطي حكيم بن حزام فيأبى أن يأخذه، فيقول عمر: اشهدوا أني أدعوه إلى عطائه فيأبى أن يأخذه، يقول: لا أرزأ أحد بعد رسول الله شيئاً.
ابن عمر رفعه: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم.
جابر: دخل رجل المسجد ومعه سهم فقال: من يعين في سبيل الله؟ فقام إليه عمر فلببه قال: من يستأجر هذا مني؟ قال رجل من الأنصار: أنا، فأجره منه سنة، وقال: أنفق عليه من أجره وما فضل فوافيني به في رأس السنة، فلما كان رأس الحول جاء بعشرين درهما.
فقال عمر: استعن بهذا ولا تسأل الناس شيئاً.
أم الدرداء: قال لي أبو الدرداء: لا تسألي أحد شيئاً قلت: فإن احتجت. قال: تتبعي الحصادين فانظري ما يسقط منهم فخذيه فاخبطيه ثم أطحنيه ثم اعجنيه ثم كليه، ولا تسألي أحد شيئاً.
طلق بن حبيب: في زبور داود: إن كنت لا بد تسأل عبادي فسل معادن الخير ترجه مغبوطاً مسروراً، ولا تسل معادن الشر ترجع ملوماً محسوراً.
النبي صلى الله عليه وسلم: " إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده من العري يحجزه إيمانه أن يأل الناس، منهم أويس القرني وفرات بن حيان.
مطرف، قال لإخوانه: من كان له إلي حاجة فليكتبها في رقعة، فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجهه.
محمد بن سوقة: إياك وكثرة تطلب الحاجات فإنه فقر حاضر.
ابن السماك: لا تسأل من يفر من أن تسأله، ولكن اسأل من أمرك أن تسأله.
محمود الوراق:
شاد الملوك قصورهم وتحصنوا ... من كل طالب حاجة أو راغب
عالوا بأبواب الحديد لعزها ... وتنوقوا في قبح وجه الحاجب
فإذا تلطف للدخول عليهم ... عاف تلقوه بوعد كاذب
فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن ... بادي الضراعة طالباً من طالب
أعرابي: لقد جعت حتى أكلت النوى المحرق، ولقد مشيت حتى انتعلت الدم، وحتى سقط من رجلي نخص، وتمنيت أن أديم وجهي حذاء لقدمي، أفلا رجل يرحم ابن سبيل، وفل طريق، ونضو سفر؟ قال رجل لبينه: يا بني، تعلموا الرد فإنه أشد من الإعطاء.
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم: إني لأسارع إلى حاجة عدوي خوفاً من أن أرده فيستغني عني.
أعرابي: ما رددت رجلاً عن حاجة فولى عني إلا رأيت الغنى في قفاه.
ابن عباس: ما رأيت رجلاً أسعفته بحاجة إلا أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت رجلاً رددته إلا أظلم ما بيني وبينه.
دخل النخار العذري على معاوية في عباءة فاقتحمته عينه.
فقال: ليست العباءة تكلمك إنما يكلمك من فيها، ثم تكلم فملأ سمعه ونهض ولم يسأله حاجة. فقال: ما رأيت رجلاً أحقر أولاً ولا أجل آخراً منه.
أعرابي: عليك فلاناً فإنه لا ينظر في قفا محروم قط.
يقال: طلبت إلى فلان حاجة فما قطع شعرة، ولا فت بعرة.
وكان للمتوكل مضحكان يقال لأحدهما شعرة وللآخر بعرة، فقال شعرة لبعرة: ما فعل فلان في حاجتك؟ فقال: ما فتني ولا قطعك.
سأل رجل من الكلبيين وهم جنس من اليونانيين الإسكندر مثقالاً واحداً، فقال: ليس هذا عطاء ملك. قال: فهب لي قنطاراً، قال: ولا هذا سؤال كلبي.
كاتب: إنك ممن إذا أسس بنى، وإذا غرس سقى، لاستتمام بناء أسه، واجتناء ثمار غرسه، وأسك في بري وهي وقارب الدروس، وغرسك في حفظي قد عطش وقارب اليبوس، فتدارك بالبناء ما أسست، وبالسقي ما غرست.
سأل أعرابي بطريق مكة فلم يعطوه، فقال: ما أراني إلا محروماً، ومعه صبي صغير فقال: يا أبه، المحروم من أمل فبخل، من سأل فلم يعط. فاستعجبوا من كلامه وأفاضوا عليه المواهب.
لمست أعرابية كف أبيها فألفتها خشناء فقالت:
هذه كف أبي خشنها ... ضرب مسحاة ونقل بالزبيل
فأجابها:
ويلك لا تستنكري مس يدي ... ليس من كد لعز بذليل
إنما الذلة أن يمشي الفتى ... ساحب الذيل إلى باب البخيل
من لقيك بالسؤال الحار فالقه بالمنع البارد.
كاتب: من العجب إذكار معني وحث متيقظ واستبطاء ذاكر، إلا أن ذا الحاجة لا يدع أن يقول في حاجته.

سأل أعرابي فقال: داووا سقمي بصحتكم.
سأل الفضل بن الربيع إلى أبي عباد حاجة في نكبته فأرتج عليه، فقال له: أبهذا اللسان دبرت خليفتين؟ فقال: يا أبا عباد، إن اعتدنا أن نُسأل ولم نعتد أن يَسأل.
قال المنصور لرجل: ما مالك؟ قال: ما يكف وجهي ويعجز عن الصديق. قال: لطفت في المسألة.
سأل رجل حاجة ثم تواني عن طلبها، فقال له المسؤول: أنمت عن حاجتك؟ قال: ما نام عن حاجته من أسرك لها، ولا عدل عن محجة النجح من قصدك بها.
سأل عروة مصعباً حاجة فلم يقضها، فقال: علم الله أن لكل قوم شيخ يفزعون إليه وإنا نفرع منك.
بات المفضل الضبي عند المهدي فلم يزل يحدثه وينشده حتى جرى ذكر حماد الراوية فقال المهدي: ما فعل عياله؟ ومن أين يعيشون؟ قال: من ليلة مثل هذا أنفقت له مع الوليد بن يزيد فوصله بما أغناه.
وقف ابن الزبين: على باب مية مولاة لمعاوية كانت ترفع حوائج الناس إليه، فقيل له: يا أبا بكر، أعلى باب مية؟ قال: نعم، إذا أعيتك الأمور من رؤوسها فأتها من أذنابها.
سأل سائل نصر بن أحمد ملك خراسان فقال: الصناعة واحدة ولكنكم تطلبون بلين المس ونحن نطلب بالضرب والحبس.
عبد الله بن جعفر: لا خير في المعروف إلا أن يكون ابتداء، فأما أن يأتيك الرجل بعد تململه على فراشه، وآرق من وسنه، لا يدري أيرجع بنجح الطلب أم بكآبة المنقلب، فإن أنت رددته عن حاجته تصاعرت إليه نفسه، وتراجع الدم في وجهه، وتمنى أن يجد نفقاً يدخل فيه فلا يجده.
سأل أبو الجهم بن حذيفة معاوية فأطال وألح، فقال له ابنه: خفف عن أمير المؤمنين، فقال: يا بني، ما رواءه مطلب، ولا عنه مذهب، وما مثلنا معه إلا كما قال عبد المسيح الحارثي:
نقليه لنخبر حالتيه ... فنخير منها كرماً ولينا
نميل على جوانبه كأنا ... إذا ملنا نميل على أبينا
فيلسوف: لا تفرطوا في طلب الحوائج فإن العجل إذا ألح على أمه بالرضع رفسته.
الحاجات تطلب بالرجاء، وتدرك بالقضاء.
قيل لرجل: طلبت حاجة فوجدت قليلاً، فقال: كيف لا أقل ومعي حيرة الحاجة، وذل المسألة، وخوف الرد.
تعرض أعرابي لمعاوية في طريق، فسأله فمنعه، ثم عاوده في مكان آخر، فقال: ألم تسألني آنفا؟ قال: نعم، ولكن بعض البقاع أيمن من بعض، فضحك ووصله.
قال الحجاج لجلسائه: ما يذهب بالإعياء؟ قال بعضهم: التمرخ. وقال آخر: النوم. قال: لا، ولكن الظفر بالحاجة التي كان الإعياء بسببها.
سأل ابن السماك رجلاً حاجة فقال: اعلم أني أتيتك في حاجة وأن الطالب والمطلوب إليه عزيزان أن قضيت، وذليلان أن لم تقض، فاختر لنفسك عز البذل على ذل المنع، ولي عز النجح على ذل الرد.
أعرابي: حاجتي إليك حاجة الضال إلى المرشد، والمضل إلى المنشد.
آخر: أعدك لمعضلة تلم، ومظلعة تهم.
آخر: أنا أستجديك إذا كنت مضافاً واسترفدك إذا كنت مضيفاً. آخر: سألت فلاناً حاجة أقل من قيمته فردني رداً أقبح من خلقته.
قيل لصوفي: كيف حالك؟ قال: طلبت فلم أرزق، وحرمت فلم أصبر.
قيل لرجل: إياك أن تريق ماء وجهك عند من لا ماء في وجهه..
كتب إسحاق بن إبراهيم الموصلي إلى إبراهيم بن المهدي: من كان كله لك كان كله عليك. ربما قضينا حوائج الناس برماً لا كرماً. سأل رجل جبلة بن عبد الرحمن أن يكلم الحجاج في حاجة، فقال: لست من الحوائج التي يقضيها، فقال: كلمة فربما وافقت قدراً يقضيها وهو كاره. فكلمه فقال: أعلمه أنا قضيناها ونحن كارهون.
عطاء الخرساني: الحوائج عند الشبان أسهل منها عند الشيوخ، ألم تسمع قول يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، وقول يعقوب: سوف أستغفر لكم ربي.
عروة بن الزبير: كان الرجل فيما مضى من الزمان إذا أراد أن يشين جاره أو صاحبه طلب حاجته إلى غيره.
دخل سليمان بن عبد الملك الكعبة فقال لسالم بن عبد الله: أرفع حوائجك، فقال: والله لا أسال في بيت الله غير الله.
سأل رجل الحسن بن سهل فقال: ما وسيلتك؟ فقال: وسيلتي أني أتيتك عام أول فوصلتني فقال مرحباً بمن توسل إلينا بنا. ووصله.
سأل المأمون محمد بن حازم الباهلي أن يرتجل بيتين فقال:
أنت سماء ويدي أرضها ... والأرض قد تأمل غيث السماء
فارع يداً عندي محمودة ... تحصد بها عندي حسن الثناء
فأعطاه عشرة آلاف درهم.

أعرابي: إن أحق من خفف عنه واكتفى باليسير منه رئيس مكنور عليه، وسيد منظور إليه.
آخر: بنا إلى معروفك حاجة، ولك على صلتنا قوة فانظر في ذلك بما أنت ونحن من أهله.
بزرجمهر: من خلصت طويته احتملت دالته.
ابن دريد:
لا تلحقنك ضجرة من سائل ... فبقاء عزك أن ترى مسؤولا
لا تجبهن بالرد وجه مؤمل ... فلخير يومك أن ترى مأمولا
وأعلم بأنك عن قليل صائر ... خيراً فكن خيراً يروق جميلا
عمرو بن عبيد رحمه الله: أقلوا عند مسألة الحوائج من قولا لا، فإنه ليس في الجنة لا.
في الأثر: من عظمت عليه نعمة الله عظمت عليه مؤونة الناس.
قال أبو نواس لرجل من وعده: دعني من الوعد فإنه أكثر كناية عن الرد.
النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا يقم بغضاء في صدره حتى أصبح فقصدني بها، ورجل أفشى إلي سره فوضعني مكان قلبه، ورجل ابتدأني بالسلام، ورجل دعوته فأجابني " .
قال أعرابي لملح في سؤاله: كنت قتباً لكنت ملحاحاً عقره.
في الحدث: " اعتمد لحوائجك الصباح الوجوه فإن حسن الصورة أول نعمة تتلقاك من الرجل " حكيم: إن طالب الأمور في غير حينها بمنزلة من يروم الصخر بمعول من خشب.
قال محمد بن واسع لقتيبة: أتيتك في حاجة رفعتها إلى الله قبلك، فإن تقضها حمدنا الله وشكرناك، وإن لم تقضها حمدنا الله وعذرناك.
قال أبو العباس لأبي دلامة: سل حاجتك. قال: كلب. قال: كلب. قال: ودابة أتصيد عليها، قال: ودابة، قال: وغلام يركب الدابة ويتصيد، قال: وغلام، قال: وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا، قال: وجارية. قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء عيال لا بد من دار يسكنونها، قال: ودار. قال: ولا بد من ضيعة، قال: قد أقطعتك مائة جريت عامرة، ومائة جريب غامرة. قال ما الغامرة؟ قال: ليس فيها نبات. قال: فأنا أقطعتك ألفين وخمسمائة جريب من فيافي بني أسد، قال: قد جعلتها عامرة كلها. قال: أقبل يديك، قال: أما هذه فدعها. قال: ما منعت عيالي شيئاً أهو عليهم فقداً منها.
قال رجل لعلي بن عبد الله بن عباس: إني أتيتك في حاجة صغيرة. قال: هاتها، إن الرجل لا يصغر عن كبير أخيه، ولا يكبر عن صغيره.
قدم رجل من بني سهم على سليمان بن عبد الملك ثلاث قدمات فحياه فيهن. ثم قدم فضجر وقال:
وشقاء من المعيشة رحل ... فوق أصلاب بازل خنشيليل
فاتحاً فاك للمعيشة تلقى ... كل يوم على شراك سبيل
فقال الرجل: أما والله يا أمير المؤمنين إن أحق الناس بسد ذلك الفم وحل ذلك الرحل لأنت. فقال سليمان: أما والله لأصلن رحمك ولأعودن لك إلى خير مما كنت عليه.
قدم وفد من العراق على هشام بن عبد الملك في الحطمة التي يقال لها حطمة خالد وفيهم رجل من بني أسد فقال: يا أمير المؤمنين، أصابتنا سنون ثلاث: أما الأولى فأذابت الشحم، وأما الثانية فنحضت اللحم، وأما الثالثة فهاضت العظم، وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله فبثوها في عباد الله، وإن كانت لكم فتصدقوا أن الله يحب المتصدقين.
فقال هشام: قد قلت في حاجة الناس، فقل في حاجة نفسك. فقال: ما لي حاجة خاصة دون عامة.
أحتبس الوليد بن يزيد بن عبد الملك ابن ميادة قبله، فقال:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بحرة ليلى حيث رببني أهلي
بلاد بها نيطت على تمائمي ... وقطعن عني حين أدركني عقلي
فإن كنت عن تلك المواطن حابسي ... فافش على الرزق واجمع أذن شملي
فأعطاه مائة ناقة سوداء ومائة ناقة بيضاء، فجعلت تضيء من جانب وتظلم من جانب.
المهلب بن أبي صفرة لبنيه: ثيابكم على غيركم أحسن منها عليكم، ودوابكم تحت غيركم أحسن منها تحتكم، وإذا غدا الرجل مسلماً عليكم فكفى بذلك تقاضياً.
أنشد المبرد:
أروح بتسليم عليك واغتدى ... وحسبك بالتسليم مني تقاضيا
كفى بطلاب المرء ما لا يناله ... عناء وباليأس المصرح شافياً

جاء عطاء بن أبي رباح إلى سدة سليمان بن عبد الملك فقعد مع الحلقة فقال سليمان: أفسحوا له فتزحزح له عن مجلسه، فقال: أصلحك الله، احفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبناء المهاجرين والأنصار. قال: أصنع بهم ماذا؟ قال: انظر في أرزاقهم، قال: ثم ماذا؟ قال: أهل البادية تتفقد أمورهم فإنهم مادة العرب، قال: ثم ماذا؟ ذمة المسلمين تفقد أمورهم وخفف عنهم من خراجهم فإنهم عون لك على عدو الله وعدوهم، قال: ثم ماذا؟ قال: أهل الثغور تفقدهم، فإنه يدفع بهم عن هذه الأمة. قال: ثم ماذا؟ قال: يصلح الله أمير المؤمنين.
فلما ولي قال: هذا والله الشرف لا شرفنا، وهذا والله السؤدد لا سؤددنا، والله كأنما معه ملكان ما أقدر أن أراجعه في شيء سألني، ولو سألني أن أتزحزح عن هذا المجلس لفعلت.
فضل: ترى أنك إذا قضيت حاجة أخيك فقد اصطفعته، فهذا طرف من اللؤم، بل هو المصطنع حين خصك بحاجته.
بلغني أن رجلاً أتى رجلاً في حاجته، فقال: خصصتني بحاجتك فجزاك الله خيراً.
إبراهيم بن أدهم: ما لنا نشكو الفقر إلى فقراء مثلنا ولا نطلب كشفه من عند ربنا؟ ثكلت عبداً أمه أحب عبداً لدنياه ونسي ما في خزائن مولاه.
قال بعضهم: قدمت على سليمان بن عبد الملك، فبينا أنا عنده إذ نظرت إلى رجل حسن الوجه يقول: والله يا أمير المؤمنين لحمدها خير منها، ولذكرها أحسن من جمعا، ويدي موصولة بيدك فأبسطها لسؤالها خيراً. فسألت عنه فقيل يزيد بن المهلب يتكلم في حمالات حملها.
أنشد ابن الأعرابي:
أبا هانئ لا تسأل الناس والتمس ... بكفيك فضل الله فالله واسع
فلو تسأل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملوا فينعوا
عبد الله: جاء رجل إلى رسول الله فقال: إن بني فلان أغاروا على إبلي وبقري وغنمي: فقال: ما أصبح عند آل محمد غير هذا المد، فيسل الله. فرجع إلى امرأته فحدثها فقال: نعم المردود إليه. فرد الله نعمه إليه أوفر ما كانت. فقال رسول الله فحمد الله وأثنى عليه وأمر الناس أن يسألوا الله ويرغبوا إليه، فقرأ: ومن يتق الله يجعل له مخرجاُ أدل فأمل، وألحف فأجحف، وأوجف فأفجف ما هي استماحة، إنما هلي استباحة. من أراد أن يطاع فليسأل ما يستطاع.
فلان خفيف المشقة. أي قليل السؤال.
أعرابي: إن لم يكن عنده ورق لخابطه فإن عوده لهاصره.
شاعر:
إلا يكن روقي غضاً يراح به ... للمعتنين فأنى لين العود
لا شيء أوجع للأحرار من الرجوع إلى الأشرار.
أوحي إلى موسى عليه السلام: لئن تدخل يدك في فم التنين إلى المرفق خير من أن تبسطها إلى غني قد نشأ في الفقر.
قيل للأحنف: جئناك في حاجة لا ترزؤك ولا تنكؤك. قال: ليس مثلي يؤتى في حاجة لا ترزأ ولا تنكأ.
أبو الشيص:
وصاحب كان لي وكنت له ... مثل ذراع شدت إلى عضد
حتى إذا استرفدت يدي يده ... كنت كمسترفد يد الأسد
يد الأسد مثل في المناعة وصعوبة نيل ما فيها.
سأل رجل معاوية حاجة فأبى، فسأله أخرى فقال:
طلب الأبيض العقوق فلما ... لم ينله أراد بيض الأنوق
طلب رجل إلى رئيس كتاب عناية فضن به، فقال: إن الله آمر بإيتاء الزكاة، من زكاة الجاه الكتب. فكتب له واعتذر إليه.
وقال أبو أحمد بن أبي بكر الكاتب لأبي الفضل البلعمي:
يا أبا الفضل لك الفضل المنين ... وبما نلت به أنت قمين
ليس تخلو من زكاة نعمة ... وزكاة الجاه رفد المستعين
في وصف شحاذ: لزوم الدبق حتى يأخذ، ثم ينسل انسلال الزئق الكريم إذا سئل ارتاح، واللئيم إذا سئل ارتاع.
في نوابغ الكلم: الشحيح إذا أربى زاده ربى، وإذ لقي بالسؤال لفي.
شاعر:
وكلت مجدك باقتضائك حاجتي ... وكفى به متقاضياً ووكيلاً
آخر:
وأبثثته حالي وانكبت معرضاً ... ليفعل صوب المزن ما هو فاعله
من كنت بحره لم يخثر الدر إلا ثميناً، وكان له الإقبال بما شاء ضمينا.
قيل لأعرابي: ما السقم الذي لا يبرأ، والجرح الذي لا يندمل؟ قال: حاجة الكريم إلى اللئيم.
أعرابي: تكون له الحاجة فيغضب قبل أن يطلبها، وتطلب إليه فيغضب قبل أن يفهمها.

سأل أعرابي في جامع البصرة فقال: رحم الله من تصدق من فضل، أو آسى من كفاف أو آثر من قوت. فقال يونس النحوي: ما ترك منكم أحداً إلا سأله.
أبو محلم السعدي:
إذا ما نبا دهر بمالك فانتجع ... قديم الغنى في الناس إنك حامده
ولا تطلبن الخير ممن أفاده ... حديثاً ومن لم يورث المجد والده
علي رضي الله عنه: استغن عمن شئت فأنت نظيره، واحتج إلى من شئت فأنت أسيره، وامنن على من شئت فأنت أميره.
وعنه: فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها.
وعنه: لا تكثر على أخيك الحوائج فإن العجل إذا أكثر مص ثدي أمه نطحته: سأل أعرابي فقال: رحم الله امرءً لم تعج أذنه كلامي، وقدم لنفسه معاذه من سوء مقامي، أيها الناس إن البلاد مجدبة، والحال مسبغة، والحياء زاجر عن كلامكم، والفقر عاذر يدعو إلى إعلامكم، وإحدى الصدقتين الدعاء، فرحم الله من أمر بمير أو دعا بخير. فقالوا: أحسنت! فمن أنت: فقال: سوء الاكتساب من حسن الانتساب.
قدم زيادة الأعجم على طلحة الطلحات بسجستان، فأقام على بابه أربعين صباحاً، فلما طال كتب إليه:
ورد السقاة المعطشون فأنهلوا ... ريّاً وطاب لهم لديك المكرع
ووردت بحراً طامياً متدفقاً ... فرددت دلوي شنه يتقعقع
وأراك تمطر جانباً عن جانب ... ومحل بيتي من سمائك بلقع
فدعا به وبيده ثلاثة أحجار من الياقوت، فقال: اختر أحدهما أو مائة ألف، فاختار المائة ألف، فلما أخذها قال: إن رأى الأمير أكرمه الله أمر لي بحجر منها، فضحك ورمى به إليه.
سمع أبو الأسود الدؤلي سائلاً يقول: من يعشيني الليلة؟ فقال: عليّ به، فعشاه، فذهب يخرج، فقال: هيهات، تريد أن تؤذي المسلمين، فوضع الأدهم في رجله حتى أصبح.
فقال المهدي: صلى الله على محمد، فقال أبو دلامة: ما أسرعك إلى:
إني نذرت إذا رأيتك قادماً ... أرض العراق وأنت ذو وفر
لتصلين على النبي محمد ... ولتملأن دراهماً حجري
فقال المهدي: صلى الله على محمد، فقال أبو دلامة: ما أسرعك إلى الأولى وأبطأك عن الثانية! فضحك، وأمر له ببدرة، فصبت في حجره.
سأل أعرابي عتبة بن أبي سفيان فقال: أنا رجل من بني عار بن صعصعة يلقاكم بالعمومة ويتمنى إليكم بالخؤولة، وقد كثر عياله، ووطئه دهره، وبه فقر، وفيه أجر، وعنده شكر. فقال: قد أمرت لك بغناك، فليت إسراعي إليك يقوم بإبطائي عنك.
لما أنشد الراعي عبد الملك قوله:
فإن رفعت بهم رأساً نعشتهم ... وإن لقوا مثلها في قابل فسدوا
قال: تريد ماذا؟ قال: ترد غنيهم. قال: إن ذاك لكثير! قال: أنت أكثر منه، قال: قد فعلت، فسلني حوائجك، قال: قد قضيتها قال: سل لنفسك، قال: لا والله لا أشوب هذه المكرمة بالمسألة لنفسي.
سمع الرشيد أعرابية بمكة تقول:
طحنتنا كلاكل الأعوام ... وبرتنا طوارق الأيام
فأتينا كم نمد أكفاً ... لقمامات زادكم والطعام
فاطلبوا الأجر والمثوبة فينا ... أيا الزائرون بيت الحرام
فاستعبر الرشيد وقال لأصحابه: سألتكم بالله ألا دفعتم إليها صدقاتكم. فألقوا الثياب حتى وارتها كثرة، وملأوا حجرها دنانير ودراهم.
سأل أعرابي بمكة فقال: أخ في الله، وجار في بلاد الله، وطالب خير من عند الله، فهل من أخ مواس في الله.
أبو هريرة رفعه: سلوا الله حوائجكم حتى في شسع النعل، فإن الله إذا لم ييسره لكم لم يتيسر.
أنس رفعه: من قضى لأخيه المسلم حاجة كان كمن خدم الله عمره.
شاعر:
ليس في كل وهلة وأوان ... تتهيا صنائع الإحسان
فإذا أمكنت فبادر إليها ... حذراً من تعذر الإمكان
علي رضي الله عنه: اصطنع الخير إلى من هو أهله ومن ليس بأهله، فإن لم تصب أهله فأن أهله.
وعنه مرفوعاً: إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر في طلبها في الخميس، وليقرأ إذا خرج من منزله آخر سورة آل عمران وآية الكرسي وإنا أنزلناه في ليلة القدر وأم الكتاب. فإن فيها حوائج الدنيا والآخرة.
سأل إسحاق بن أبي ربعي إسحاق بن إبراهيم المصعبي أن يوصل له رقعة إلى المأمون فقال لكاتبه: ضمها إلى رقعة فلان، فقال:

تأت لحاجتي واشدد عراها ... فقد أضحت بمنزلة الضياع
إذا أشركتها بلبان أخرى ... أضر بها مشاركة الرضاع
إسماعيل بن فطري القراطيسي في الفضل بن الربيع
ألا قل للذي لم يه ... ده الله إلى نفعي
لئن أخطأت في مد ... حك ما أخطأت في منعي
لقد أنزلت حاجاتي ... بواد غير ذي زرع
إدريس بن عبد الله اللخمي الضرير:
صاحب الحاجة أعمى ... وأخو المال بصير
فمتى يبصر فيها ... رشده أعمى فقير
أبو ذفافة البصري:
أضحت حوائجنا إليك مناخة ... معقولة برجائك الوصال
أطلق فديتك بالنجاح عقالها ... حتى تثور معاً بغير عقال
أحمد بن يوسف الأنباري:
لموت الفتى خير من البخل للفتى ... وللبخل خير من سؤال بخيل
لعمرك ما شيء لوجهك قيمة ... فلا تلق إنساناً بوجه ذليل
سلمة بن صالح اليشكري في زائدة بن معن بن زائدة:
إني مع التسليم جئت لحاجة ... فما أنت فيها يا فتى الناس صانع
فإن تقضها فالحمد لله وحده ... وإن تأبها فالعذر عندي واسع
وعندي لما استودعتني منك موضع ... ومثلي لا تتوى لديه الصنائع
سلم الخاسر:
إذا أذن الله في حاجة ... أتاك النجاح على رسله
فلا تسأل الناس من فضلهم ... ولكن سل الله من فضله
شويس العدوي:
رب عجوز خبة زبون ... سريعة الرد على المسكين
تظن أن بوركاً تكفيني ... إذا خرجت باسطاً يميني
عبد الله بن الحجاج الثعلبي:
وأخ إن جاءني في حاجة ... كان بالإنجاز مني واثقاً
وإذا ما جئته في مثلها ... كان بالرد بصيراً حاذقا
يعمل الفكرة لي في الرد من ... قبل أن أبدأ فيها ناطقاً
عباد بن عباد المهلبي:
إذا خلة نابت صديقك فاغنم ... مرمتها فالدهر بالناس قلب
وبادر بمعروف إذا كنت قادراً ... زوال اقتدار غني عنك يعقب
عثمان بن عمرو الوائلي:
نفسي فدت نفس الأمير من الردى ... ما للأمير فداه عني غافل
إن عن شغل للأمير فإنني ... ما يشغل الإفلاس عني شاغل
أعطيك جملة وصف بيتي إنه ... سيان خارج بابه والداخل
عمران بن حطان:
أيها السائل العباد لعطي ... إن لله ما بأيدي العباد
فسل الله ما طلبت إليهم ... وارج فضل المقسم العواد
هانئ بن قثمير في بلال بن جرير بن الخطفي وقد حمد مرافقته:
وكل فتى عد الرجال إخاءه ... فداء إذا آخيته لبلال
إذا ما رأى المصحوب صاحب حاجة ... أتى نفعه طوعا بغير سؤال
سأل الحوفزان بن شريك عمرو بن معد يكرب أسيراً فدفعه إليه فقال:
إذا أنت ضاقت عليه الأمو ... ر فناد بعمرو بن معد يكرب
فتى لا يرى المال رباً له ... ولا يتبع النفس ما قد ذهب
وكنا نقول فتى مذحج ... وفارسها عند إحدى الكرب
فأصبحت آمن عار الخطا ... إذا قلت عمرو شهاب العرب
عمرو بن أحمر الباهلي:
إذا أنت راودت البخيل رددته ... إلى البخل واستمطرت غير مطير
ومن يطلب المعروف من غير أهله ... يجد مطلب المعروف غير يسير
إذا أنت لم تجعل لعرضك جنة ... من الذم سار الذم كل مسير
علي رضي الله عنه: لا يستقيم قضاء الحوائج إلا بثلاث باستصغارها لتعظم، وباستكتامها لتظهر، وبتعجيلها لنهنأ.
وعنه: يا كميل مر أهلك أن يرحوا في كسب المكارم، ويدلجوا في حاجة وهو نائم، فو الذي وسع سمعه الأصوات ما من أحد أودع قلباً سروراً إلا خلق الله له من ذلك السرور لطفاً، فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل.
وعنه: ماء وجهك جامد يقطره السؤال، فانظر عند من تقطره.

وقال لجابر بن عبد الله الأنصاري: يا جابر من كثرت نعمة الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فمن قام لله فيها بما يجب عرضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم فيها بما يجب عرضها للزوال والفناء.
وعنه: من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنما شكاها إلى الله، ومن شكاها إلى كافر فكأنما شكا الله.
إبراهيم بن أدهم: نعم القوم السؤال! يحملون زادنا إلى الآخرة.
عرضت لأبي سليمان الداراني حاجة إلى رجل، فقيل: ندعوه لك؟ فقال: ما يسرني أن يطلع الله من قلبي على أني أريد أن يدعى لي من لي إليه حاجة ولو أن لي ما طلعت عليه الشمس قوموا بنا إليه.
سليمان بن عبد الله بن نوفل الهاشمي في السفاح:
أمير المؤمنين إليك نشكو ... زماناً حظنا فيه زهيد
أتانا الملك فيه فما اغتبطنا ... ولا دارت لنا منه سعود
كأنا بعد في زمن الأعادي ... يدمرنا هشام والوليد
فسامح بالذي تهواه حتى ... يساء به عدو أو حسود
فأقطعه السفاح ضيعة بالبصرة تغل عشرة آلاف دينار.
وفد قرة بن هبيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكرمه وكساه واستعمله على صدقات قومه فقال:
حباها رسول الله إذ نزلت به ... وأمكنها من نائل غير أنكد
فأضحت بروض الخضر وهي حثيثة ... وقد أنجحت حاجاتها من محمد
الضمير لناقته. يزيد بن الطثرمة:
ويا رب باغي حاجة لا ينالها ... وآخر قد تقضي له وهو جالس
فلا الكيس يدني ما تأجل وقته ... ولا العجز عن نيل المطالب حابس
الحكم بن أبي العاص الملقب بالوزغ طريد رسول الله.
بينا تبغيك الرجال ... وجدت راحلة ورجلا
بشر الراسبي:
إن من يرتجيك يا ابن بحير ... وابن حجر وأنت لص مغير
لجهول بمن غدا يطلب الني ... ل من الفاجر اللئيم غرير
يريد لجهول بحال من لم يبال بالحرام ويطلب من مثله، لأنه، لو عرف حال من هذه صفته وقبحها لما دخل مدخله ولا فعل فعله.
سأل صيرفي أفلس بعض أجواد قريش أن يسد خلته، فقال: إنا والله لا نجمد عن الحق، ولا نذوب في الباطل، وتمثل بقول كثير:
إذا المال لم يوجب عليك عطاؤه ... صنيعة قربى أو صديق توامقه
منعت وبعض المنع حزم وقوة ... ولم يقتلدك المال إلا حقائقه
وعن خالد بن صفوان أنه دخل في يوم شديد الحر على هشام، وهو في بركة فيها مجالس كالكراسي، فقعد على بعضها، فقال له هشام: رب خالد قد قعد مقعدك هذا حديثه أشهى إلي من الشهد. أراد خالد بن عبد الله القسري، فقال: ما يمنعك من إعادته إلى موضعه؟ قال: هيهات، أدل فأمل، وأرجف فأعجف، ولم يدع لراجع مرجعاً، ولا للعودة موضعاً، وأنشد:
إذا انصرفت نفسي عبد الله الشيء لم تكد ... إليه بوجه آخر الدهر تنبل
ثم سأله أن يزاد عشرة دنانير في عطائه فرده، فقال: وفقك الله يا أمير المؤمنين فأن كما قال أخو خزاعة وأنشد بيتي كثير.
فقيل له: ما حملت على تزيينك الإمساك لهشام؟ فقال أن يمنع غيري فيكثر من يلومه.
كان طاووس يغري الشرط بالسؤال يوم الجمعة.
قيل لمحارب بن دثار: علام ترد الناس؟ قال أني أغادي بما لم يمس عندي وأطرق.
شكا رجل إلى علي بن صالح حاجته فقال:
إني إذا اختارني لحاجته ... مثلك أرسلته إلى الأرب
أرد وجه الفتى بجدته ... لم تبتذله ضراعة الطلب
من أمكنته صنيعة فأبى ... فلا تهنأ بوافر النشب
كان لبيد آلى على نفسه كلما هبت الصبا أن ينحر جزوراً ويطعم، وربما ذبح العناق إن اضاق. فخطب الوليد بن عقبة وقال: قد علمتم ما جعل أبو عقيل على نفسه، فأعينوه على مروءته، وبعث إليه بخمس جزاير وبهذه الأبيات:
أرى الجزار يشحذ مديتي ... إذا هبت رياح أبي عقيل
طويل الباع أبلج جعفري ... كريم الجد كالسيف الصقيل
وفي ابن الجعفري بما نواه ... على العلات والمال القليل
فدعا لبيد بنتاً له خماسية فقال: إني قد تركت قول الشعر فأجيبي الأمير، فقالت:
إذا هبت رياح أبي عقيل ... دعونا عند هبتها الوليدا

طويل الباع أبلج عبشمياً ... أعان على مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب كأن ركباً ... عليها من بني حام قعودا
أبا وهب جزاك الله خيراً ... نحرناها وأطعمنا الثريدا
فعد إن الكريم له معاد ... وظني يا ابن أروى أن تعودا
فقال لبيد: أحسنت لو لا أنك سألت. فقالت: يا أبه، إن الملوك لا يستحي منهم في المسألة. فقال: أن في هذا أشعر.
وفد رجل من بني ضبة على يد عبد الملك فأنشده:
والله من ندري إذا ما فاتنا ... طلب إليك من الذي نتطلب
ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد ... أحداً سواك إلى المكارم ينسب
فاصبر لعادتك التي عودتنا ... أو لا فأرشدنا إلى من نذهب
فأمر له بألف دينار. فعاد إليه من قابل وأنشده:
وليس كبانٍ حين تم بناؤه ... تتبعه بالنقض حتى تهدما
فأمر له بألف. فاد في الثالثة فأنشده: يعودون بالإحسان عوداً على بدء.
وقال: يا أمير المؤمنين، إن الروي لينازعني، وإن الحياء ليمنعني. فأمر له بألف، وقال: والله لو قلت حتى تنفذ بيوت الأموال لأعطيتك.
ظلم كبير من الأموية حجازياً، فما تظلم منه إلى أحد إلا ضلع للأموي عليه، فخرج إلى سليمان وجعل لخصي أثير عنده مائتي دينار ليوصله إليه خالياً، فأوصله إليه حين سلم في صلاته، وجعل يدعو ويخطر بإصبعه نحو السماء ويتضرع، فلما رآه كذلك رجع ومر. فسأل عنه وأمر بطلبه حتى صودف خارجاً من باب دمشق. فأدخل عليه بعنف شديد وإلحاح فقال له: ما شأنك؟ قال: جددت في التوصل إليك، فلما رأيتك تخطر بإصبعك نحو السماء علمت أني قد أخطأت موضع طلب الحاجة، فرجعت لأطلبها من حيث طلبت أنت حوائجك. فبكى سليمان وقال: إن الذي طلبت منه حاجتك قد قضاها، وأمر برد ما أخذ منه، وأعطاه ما يصلح به حاله، ووصله وكساه، وأمر له بفرائض.
من عبد الله بن حسن بن حسن: أتيت باب عمر بن عبد العزيز في حاجة، فقال لي: إذا كانت لك حاجة فأرسل إلي رسولاً أو اكتب إلي كتاباً، فأني لأستحي من الله أن يراك على بابي.
كان لخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد قصر بحيال قصر يزيد بن عبد الملك، فقال له يوماً: لأمير المؤمنين إليك حاجة، قال: لا يدفع عنها. قال: أسألك القصر، قال: هو لك. قال: فلك به خمس حوائج فسل، قال: أولها القصر، قال: هو لك وقضى له الأربع البواقي.
أتى علياً رضي الله عنه أعرابي فقال: والله يا أمير المؤمنين ما تركت في بيتي لا سيداً ولا لبداً، ولا ثاغية ولا راغية. فقال: والله ما أصبح في بيتي فضل عن قوتي. فولى الأعرابي وهو يقول: والله ليسألنك الله عن موقفي بين يديك. فبكى بكاء شديداً. وأمر برده واستعادة كلامه. ثم بكى فقال: يا قنبر أتني بدرعي الفلانية، ودفعها ذلك الأعرابي وقال: لا تخدعن عنها فمالم كسفت بها الكرب عن وجه رسول الله.ثم قال قنبر: كان يجزيه عشرون درهماً. قال: يا قنبر والله ما يسرني أن لي زنة الدنيا ذهباً أو فضة فتصدقت وقبله الله مني، وأنه سألني عن موقف هذا بين يدي.
علي رضي الله عنه: أن لكل شيء ثمرة، وثمرة المعروف تعجيل السراح.
قدم دهقان أصبهان على معاوية فلم يجد من يكلمه في حاجته، فقيل له: ليس لها إلا عبد الله بن جعفر، فكلمه الدهقان وبذل له ألف ألف درهم. فكلم معاوية فقال: أردنا أن نصلك بألف ألف فربحناها. فقال عبد الله قد ربحت وربحنا شكر الدهقان. فلما قضى حاجته أكب عليه الدهقان يقبل أطرافه ويقول: أنت قضيتها لا أمير المؤمنين، وحمل إليه المال، فقال: ما كنت لآخذ على معروفي أجراً. وبلغ الخبر معاوية فبعث إليه ألف ألف درهم، فلم يقبلها وقال: لا أقبل ما هو عوض مما تركت. فقال معاوية: لوددت أنه من أمية وأني مخزوم ببره.
كان نذر عبد الملك أن أمكنه الله من ابن الرقيات أن يقتله، فاستجار بعبد الله وسأله مسألة عبد الملك أن يصفح عن جرمه ويرد عليه عطاءه. فأقام ابن جعفر حتى قضى حوائجه ونسي حاجة ابن الرقيات، وانصرف عن الشام إلى المدينة. فلقيه وسأله عن القيام بحاجته، فصاح يا غلمان ردوا علي ركابي. فتعلق به ابن قيس وقال: بالله دعه إلى أن يحدث الله لك سفراً آخر. فقال: والله لابت إلا على سفر. فذهب إلى الشام حتى قاضى حاجته.

روي أن رجلاً من الأولين كان يأكل، وبين يديه دجاجة مشوية، فجاء سائل فرده خائباً. وكان الرجل مترفاً. فوقعت بينه وبين امرأته فرقة، وذهب ماله، وتزوجت، فبينما زوجها الثاني يأكل، وبين يديه دجاجة مشوية، إذ جاء سائل، فقال لزوجته: ناوليه الدجاجة، فناولته، ونظرت فإذا زوجها الأول، فأخبرته بالقصة، فقال الثاني: وأنا والله ذلك المسكين، خيبني فحول الله نعمته وأهله إلي لقلة شكره.
استبطأ سعيد بن سلم أحمد بن أبي خالد في حاجة لرجل، فقال: قد اجتهدت فلم تعن المقادير. فقال سعيد: إنما يعاتب الأديم ذو الشره. بل لم تحب أن تسعى في أمر، وأنشد:
إذا عيروا قالوا مقادير قدرت ... وما العار إلا ما تجر المقادر
ثم قال:
ستعزل إن عزلت ولا يساوي ... صنيعك في صديقك نصف مد

الطعام وألوانه، والإطعام والضيافة
والأكل والأكلة، والجوع والشبع، وما يتعلق بذلك.
المقدام بن يكرب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن، بحسب الرجل من طعمه ما أقام صلبه. أما إذا أبيت ابن آدم فثلث طعام وثلث شراب وثلث نفس " حذيفة. عنه عليه السلام : من قل طعمه صح بطنه وصفاً قلبه، ومن كثر طعمه سقم بطنه وقسا قلبه.
وعنه عليه السلام: لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإن القلب يموت كالزرع بكثرة الماء.
عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: أكلت يوماً ثريداً ولحماً سميناً، ثم أتيت رسول الله وأنا أتجشأ، فقال: فقال: احبس جشاءك يا أبا جحيفة، إن أكثرتم شبعاً في الدنيا أكثركم جوعاً في الآخرة. فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى قبضه الله.
أكل علي رضي الله عنه من تمر دقل ثم شرب عليه الماء، وضرب على بطنه وقال: من أدخل بطنه النار فأبعده الله، ثم تمثل
فإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
كان علي رضي الله عنه يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن جعفر، لا يزيد على اللقمتين أو الثلاث، فقيل له، فقال: إنما هي ليال قلائل حتى يأتي أمر الله وأنا خميص البطن. فقتل في ليلته.
الحسن: لقد أدركت أقواماً ما كان يأكل أحدهم إلا في ناحية من بطنه ما شبع رجل منهم من طعام حتى فارق الدنيا. كان يأكل فإذا قرب شبعه أمسك.
أنشد المبرد:
فإن امتلاء البطن في حسب الفتى ... قليل الغناء وهو في الجسم صالح
عيسى عليه السلام: يا بني إسرائيل، لا تكثروا الأكل، فإنه من أكثر الأكل أكثر النوم، ومن اكثر النوم أقل الصلاة، ومن أقل الصلاة كتب من الغافلين.
سئل فضيل عمن يترك الطيبات من الحواري واللحم والخبيص للزهد. فقال: وما أكل الخبيص! ليتك تأكل وتتقي الله، إن الله لا يكره أن تأكل الحلال إذا اتقيت الحرام. انظر كيف برك بوالديك وكيف صلتك للرحم، وكيف عطفك على الجار، وكيف رحمتك للمسكين، وكيف كظمك للغيظ، وكيف عفوك عن ظلمك، وكيف إحسانك إلى من أساء إليك، وكيف صبرك واحتمالك للأذى. أنت إلى أحكام هذا أحوج منك إلى ترك الخبيص.
قيل العامر بن عبد قيس ما تقول في الإنسان؟ قال: ما أقول فيمن إذا جاع ضرع وإذا شبع طغى.
كان فرقد السبخي لا يأكل الخبيص، ويقول أخشى أن لا أقوم بشكره، وكان الحسن ينكر عليه، ويقول إذا قدم طعامه: هلموا إلى طعام الأحرار، لا صحناة فرقد، ولا قرص ممالك بن دينار.
كان سليمان بن داود عليه السلام يأكل خبز الشعير ويطعم الناس الحُواري.
النبي صلى الله عليه وسلم: ما زين الله رجلاً بزينة أفضل من عفاف بطنه.
قال عمرو بن عبيد: ما رأيت الحسن ضاحكاً إلا مرة، قال رجل من أصحابه: ما آذاني طعام قط، فقال آخر: أنت لو كانت في معدتك الحجارة لطحنته.
الخليل: أثقل ساعاتي على ساعة آكل فيها. وما هي إلا سجية مكية، ومن ذلك قول الإمام عبد القاهر:
لولا قضاء جرى نزهت أنملتي ... عن أن تلم بمأكول ومشروب
فضيل: أتخال أن تجوع؟ لا تخف، أنت أهون على الله من ذلك إنما كان يجوع محمد وأصحابه.
وعنه: أجمعت العرب على أن الشبع لؤم.
وعنه: خصلتان تقسيان القلب، كثرة الأكل، وكثرة الكلام.
قيل ليوسف عليه السلام: ما لك لا تشبع وفي يدك خزائن الأرض؟ فقال: إني إذا شبعت نسيت الجائعين.

وأكلة قرنت بالهلك صاحبها ... كحبة الفخ دقت عنق عصفور
لكسرة بجريش الملح آكلها ... ألذ من تمرة تحشى بزنبور
دعت أبا الحارث جميزاً حبيبة له فحادثته ملياً، فجاع فاستطعم، فقالت: أما في وجهي ما يشغلك عن الأكل؟ فقال: جعلني الله فداك، لو أن جميلاً وبثينة قعدا ساعة لا يأكلان لبزق كل واحد منهما في وجه صاحبه وافترقا.
الحجاج: البخل على الطعام أقبح من البرص على الجسد.
دخل سفيان بن عينية على الرشيد، وهو يأكل بملعقة، فقال: حدثت عن جدك ابن عباس في قوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم، قال: جعلنا لهم أيدياً يأكلون بها. فكسر الملعقة.
أكل عذري مع معاوية فرأى تريدة كثيرة السمن فجدها بين يديه، فقال معاوية: أخرقتها لتفرق أهلها، فقال: فسقناه إلى بلد ميت.
قيل لأعرابية: ما خبر قدرك؟ قالت حليمة مغتاظة. أي هي ساكنة الغلي ولمام تبرد.
رأى محمق زنجياً يأكل خبزاً حُوارَى فقال: يا قوم انظروا إلى الليل كيف يأكل النهار.
قال عبد الملك يوماً لجلسائه، وكان يجتنب غير الأدباء: أي المناديل أفضل؟ فقال بعضهم: مناديل مصر كأنها غرقيء البيض، وقال آخر: مناديل اليمن كأنها أنوار الربيع. فقال ما صنعتما شيئاً. أفضل المناديل ما ذكره أخو بني تميم يعني عبدة بن الطيب:
لما نزلنا نصبنا ظل أخبية ... وفار للقوم باللحم المراجيل
ورد وأشقر ما يؤتيه طابخه ... ما غير الغلي منه فهو مأكول
تمت قمنا إلى جرد مسومة ... أعرافهن لأيدينا مناديل
النبي صلى الله عليه وسلم: أكرموا الخبز فإن الله أكرمه وسخر له بركات السماوات والأرض.
قال حاتم الطائي لغلامه: قدم إلينا مائدة تباعد بين أنفاسنا.
أعرابي: جاءنا بثريدة كأنها ربضة أرنب، أي كثيرة.
رؤية بن العجاج: خرجت مع أبي في زمن خصيب إلى سليمان بن عبد الملك، فأهدى لنا تمراً ووطباً من لبن وكمأة وجبناً عليه كمرافئ السحم واللحم، فطبخنا ذاك بذاك، وأكلت منه أكلة ما زالت ذفرياي ينتحان منها حتى رجعت من الشام.
النبي صلى الله عليه وسلم: من أكل وذو عينين ينظر إليه ولم يواسه ابتلي بداء لا دواء له.
حكيم: إنك تأكل ما تستمرئ، وما لا تستمرئ فهو يأكلك.
العرب: أقلل طعاماً تحمد مناماً.
مر أعرابي في أطمار فقال له رجل: والله ما يسرني أن أكون ضيفك ليلتي هذه. فقال: والله لو كنت ضيفي لغدوت من عندي أبطن من أمك قبل أن تضعك بساعة. أنا إذا وجدنا آكلكم للممأدوم وأعطاكم للمحروم.
كان أبو هريرة يقول: اللهم ارزقني ضرساً طحوناً ومعدة هضوماً ودبراً نثوراً.
نزل رجل بامرأة من العرب فقال: هل من لبن أو طعام يباع؟ فقالت: إنك اللئيم أم حديث عهد باللئام. فأعجب بقولها وتزوجها.
كان ابن سريني إذا دعي إلى وليمة قال: يا جارية هاتي قدحاً من سويق، فإني أكره أن أجعل حرة جوعي على طعام الناس.
شاعر:
قالت أما ترحل تبغي الغنى ... قلت فمن للطارق المعتم
قالت فهل عندك شيء له ... قلت نعم جهد الفتى المعدم
فكم وحق الله من ليلة ... قد طعم الضيف ولم أطعم
إن الفتى بالنفس يا هذه ... ليس الغنى بالثوب والدرهمِ
حث رجل رجلاً على الأكل من طعامه، فقال: عليك بقريب الطعام وعلينا بأديب الأجسام.
علي رضي الله عنه: إذا طرقك إخوانك فلا تدخر عنهم ما في المنزل، ولا تتكلف ما وراء الباب.
شاعر:
وإذا طرقت فما حضر ... وإذا دعوت فلا تذر
صوفي: من جلس على المائدة فأكثر كلامه غش بطنه.
قيل لحكيم: أي الأوقات أحمد للأكل؟ قال: أما من قدر فإذا اشتهى، وأما من لم يقدر فإذا وجد.
اتخذ الحجاج وليمة اجتهد فيها واحتشد ثم قال لزاذان فروخ: هل عمل كسرى مثلها؟ فاستعفاه، فأقسم عليه، فقال: أو لم عبد عبد كسرى فأقام على رؤوس الناس ألف وصيفة في يد كل واحدة إبريق من ذهب. فقال الحجاج: أف، والله ما تركت فارس لمن بعدها شرفاً.
العرب: تمام الضيافة الطلاقة عند أول وهلة، وإطالة الحديث عند المؤاكلة.
حاتم الطائي:
صلى الطارق المعتر يا أم مالك ... إذا ما أتاني بين قدري ومجزري
هل أبسط وجهي أنه أول القرى ... وابذل معروفي له دون منكري

شاعر:
إنك يا ابن جعفر خير فتى ... وخيرهم لطارق إذا أتى
ورب نضر طرق الحي سريً ... صادف زاداً وحديثاً ما اشتهى
إن الحديث جانب من القرى
عمر رضي الله عنه: أترون أني لا أعرف رقيق العيش لباب البر بصغار المعزى.
سمع الحسن رجلاً يعيب الفالوذج فقال: لباب البر بلعاب النخل بخالص السمن، ما عاب هذا مسلم.
عائشة رضي الله عنها: ما شبع رسول الله من هذه البرة السمراء حتى فارق الدنيا.
كان معاوية من أنهم الناس، كان يأكل حتى يتسطح، ثم يقول: يا غلام ارفع، فوالله ما شبعت ولكن مللت. وكان يأكل في اليوم سبع أكلات أخراهن بعد العصر وعظماهن فيها ثريدة عظيمة في جفنة على وجهها عشرة أمنان من البصل.
دعا المهدي بميسرة التراس فألقى إليه رغيفاً وإلى الفيل رغيفاً، فأكل مائة رغيف وكف الفيل عند التاسع والتسعين.
كان سعيد بن المحسن من أدم الناس وأكلهم، فقال له زياد: مالك من الولد؟ قال: تسع بنات، قال أين هن منك؟ قال: هن آكل مني وأنا أجمل منهن. فالحق خمساً منهن في العطاء.
شاعر:
يلقم لقماً ويندى زاده ... يرمي بأمثال القطا فؤاده
قيل لحكيم: أي الطعام أطيب؟ قال: الجوع أعلم.
وكان يقال: نعم الأدام الجوع.
قيل لمدني: بم تنسحر الليلة؟ قال: باليأس من فطور القابلة.
عرض الشراب على أعرابي فقال: أنا لا أشرب إلا على ثميلة.
الأصمعي: مررت بأعرابية وبين يديها فتى في السياق، ثم رجعت فرأيت بيدها قدح سويق تشربه، فقلت لها: ما فعل الشاب؟ قالت: واريناه فقالت: ما هذا السويق؟ فقالت:
على كل حال يأكل المرء زاده ... على البؤس والضراء والحدثان
قيل لأعرابي: كيف حزنك على ولدك؟ قال: ما ترك حب الغداء والعشاء لي حزناً.
قال الحسن بن سهل يوماً على مائدة المأمون: الأرز يزيد في العمر، فسأله المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، إن طب الهند صحيح، وهم يقولون إن الأرز يرى منامات حسنة، ومن رأى مناماً حسناً كان في نهارين، فاستحسن كلامه ووصله.
الحسن: كنا نسمع أن من غير أخاه بذنب قد تاب منه ابتلاه الله به، وأن من وافق من أخيه المسلم شهوته غفر له. وكنا نسمع أن إحدى مواجيب الرحمة إطعام الأخ المسلم الجائع.
النبي صلى الله عليه: من لقط شيئاً من الطعام فأكله حرم الله جسده على النار.
وكان يقال: ما من لقطة أحب إلى الله من قطعة من طعام ترفعها، وإن تركتها فسدت.
خمن ضبط بطنه فقد ضبط الأخلاق الصالحة كلها.
وصف لسابور ذي الاكتف رجل من أهل اصطخر لقضاء القضاة، فاستقدمه فدعاه إلى الطعام، فأخذ دجاجة فنصفها ووضع نصفها بين يديه، فأتى عليه قبل فراغ الملك. فصرفه إلى بلده. وقال: إن سلفنا كانوا يقولون: من شره إلى طعام كان إلى أموال الرعاية والسوقة أشره.
الجاحظ: إذا وضع الملك بين يديك شيئاً على مائدته فلعله إن لم يقصد كرامتك وإيناسك، أن يكون أراد تعرف ضبطك نفسك، فحسبك أن تقنع يدك عليه أو تنفش منه شيئاً. وإنما يحسن التبسط مع الصديق والعشير، فأما الملوك فيرتفعون عن هذه الطبقة.
ومن حق الملك أن لا يُحَدَّث على طعامه بجد ولا هزل، وإن حدث فمن حقه أن يصغي لحديثه والبصر خاشع ولا يعارض.
وكانت ملوك آل ساسان إذا قدموا موائدهم زمزموا عليها، ولم ينطق ناطق بحرف حتى ترتفع، فإذا اضطروا إلى كلام أشاروا إشارة.
ومن أيين الملك أن يكون منديل يده للغمر كمنديل وجهه في التقاء والبياض.
وضع معاوية بين يدي الحسن بن علي دجاجة ففكها، فقال: هل بينك وبين أمها عداوة؟ فقال الحسن: هل بينك وبين أمها صداقة؟ أراد معاوية أن يوقر الحسن مجلسه كما توقر مجالس الملوك، والحسن أعلم بالآداب والرسوم المستحسنة، ولكن معاوية كان في عينه أقل من ذاك وأحقر، وما عده معد نظرائه فضلاً أن يعتد بملكه ويعبأ بمجلسه، ولذلك قرعة بقوله الذي صك به وجهه، وهدم أينه، وأراد أنه ليس عنده بالمثابة التي قصدها وطمع منه فيها ولا موقع الملك الباغي من سبط النبوة وسليل الخلافة.
عمر بن هبيرة: عليكم بمباكرة الغداء فإن مباكرته ثلاث خلال يطيب النكهة، ويطفي المرة، ويعين على المروءة. قيل فما أعانته على المروءة؟ قال: أن لا تثوق النفس إلى طعام غيرك.

قيل لسمرة بن جندب: إن ابنك أكل طعاماً كاد يقتله، فقال: لو مات ما صليت عليه.
النبي صلى الله عليه: " من أكل سقط المائدة عاش في سعة، وعوفي ولده وولد ولده من الحمق " .
علي بن الجهم:
قلت لزين لا عدمت زيناً ... يا زين يا أحسن من رأينا
أحب منك طلعة إلينا ... ضيف أتى معتمداً علينا
فقر عيناً وأقر عينا ... حتى إذا أزمع منا بينا
قام فأثنى بالذي أولينا
شقيق ما بقيت وليمة أو مأتم على السُنَّة. ولقد ندمت على الإجابة غير مرة، ولم أندم على ترك الإجابة مرة.
سئل يوسف بن أسباط عن السمن والعسل فقال: لا بأس إذا كان ثمنهما حلالاً.
كان يحيى بن خالد البرمكي إذا أكل علق يده وقال: يا غلام رد علينا أيدينا.
أنس رفعه: إن من السرف أن تأكل كل يوم ما اشتهيت.
وعن عمر رضي الله عنه أنه دخل على عاصم بن عمر وهو يأكل لحماً، فقال: ما هذا؟ قرمنا إليه، فقال: ويحك: قرمت إلى شيء فأكلته!كفى المرء شرهاً أن يأكل كل ما يشتهي.
الخدري رفعه: استعيذوا بالله من الرغب.
عائشة: أراد رسول الله أن يشتري غلاماً فألقى بين يديه تمراً، فأكل فأكثر، فقال عليه السلام: كثرة الأكل شؤم.
أنس رفعه: إن أصل كل داء البَرَدة.
الحسن: إن الأرض لتضج إلى الله من المتخم كما تضج من السكران، ولا شيء أثقل عليها ولا على الجبال الرواسي من المتخم.
ابن دريد: العرب تعبر بكثرة الأكل وأنشد:
لست بأكال كأكل العبد ... ولا بنوام كنوم الفهد
الأصمعي: ندبت أعرابية ابناً لها فقالت: ما كل مالك لبطنك ولا برك لعرسك.
قال عمرو بن العاص يوم الحكمين لمعاوية: أكثروا لهم من الطعام فإنه والله ما بطن قوم إلا فقدوا عقولهم، وما مضت عزمة رجل بات بطيناً. فلما وجد معاوية ما قاله صحيحاً قال: إن البطنة تأفن الفطنة، أن تنقص، يقال رجل مأفون العقل وأفين الرأي.
أنشد الأصمعي لرجل من نهد.
إذا لم أزر إلا لآكل أكلة ... فلا رفعت كفي إلى طعامي
فما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام
يقال:فلان مُغل الإصبع، من أغل إذا خان، وهو الذي يَخدَ بإصبعه حتى يستسيل الودك إليه. وهو عيب عند العرب.
قعد صبي مع قوم على طعام فأخذ يبكي. قالوا: ما يبكيك؟ قال: هو حار، قالوا: فاصبر حتى يبرد، قال أنتم لا تصبرون.
قيل لأعرابي: كيف تأكل الرأس؟ قال: أفك لحييه، وابخص عينيه، واعفص أذنيه وأسجي خديه، وأرمي بالدماغ إلى من هو أحوج مني إليه.
كشاجم في الرقاق والرؤوس:
قد ركين الخوان أرؤس خسر ... فإن وأنزل عنه ببعض نعام
تلك كالماء ذي الحباب وها ... تيك عليها كطير ماء نيام
قيل لطفيلي: لم أنت حائل اللون؟ قال: للفترة بين القصعتين مخافة أن يكون قدفني الطعام.
قيل لأبي الحارث جمين: ما تقول في الفالوذجة؟ قال: وددت أنها وملك الموت اعتلجا في صدري، والله لو أن موسى لقي فرعون بفالوذجة لآمن ولكنه لقيه بعصا.
لقمان: يا بني لا تأكل شبعاً فإنك إن نبذته للكلاب كان خيراً لك من أن تأكله.
ابن عباس: كان رسول اله يبيت طاوياً ليالي ماله ولا لأهله عشاء، وكان عامة طعامه الشعير.
قالت عائشة: والذي بعث محمداً بالحق ما كان لنا منخل، ولا أكل النبي صلى الله عليه خبزاً منخولاً مذ بعثه الله إلى أن قبض. قلت: وكيف تأكلون الشعير؟ قالت: كنا نقول: أف أف.
أنس: ما رأى رسول الله رغيفاً محوراً حتى لقي الله.
أبو هريرة: ما شبع رسول الله وأهله ثلاثة أيام تباعاً من خبز حنطة حتى فارق الدنيا.
عائشة: دخل رسول الله فرأى كسرة ملقاة، فأخذها ومسحها وأكلها. ثم قال: يا عائشة أكرمي كريمتك فإنها ما نفرت عن قوم فعادت إليهم.
جابر رفعه: نعم الأدام الخل. وكفى بالمرء سرفاً أن يتسخط ما قرب إليه.
أنس: أكل رسول الله بشعاً، وليس خشناً، وليس الصفر واعتذى المخصوف.
قيل للحسن: ما لبشع؟ قال: خبز الشعير، ما كان رسول الله ليسيغه إلا بجرعة من ماء.
عمر رضي الله عنه: ما اجتمع عند رسول الله أدمان غلا أكل أحدهما وتصدق بالآخر.

عائشة رضي الله عنها: ما كان يجتمع لونان في لقمة في فم رسول الله، إن أكل لحماً لم يكن خبزاً، وأن كان خبزاً لم يكن لحماً.
مسروق دخلت على عائشة وهي تبكي، فقالت: ما أشاء أن أبكي إلا بكيت، مات رسول الله ولم يشبع من خبز البر في يوم مرتين، ثم انهارت علينا الدنيا.
وعنها: ما شبع آل محمد من خبز البر حتى قبضه الله، وما رفع من بين يدي نبي الله فضل من خبز حتى قبضه الله.
شاعر:
الله يعلم أنه ما سرني ... يوماً كطارقة الضيوف المنزل
ما زلت بالترحيب حتى خلتني ... ضيفاً له والضيف رب المنزل
أهدى رجل إلى آخر فالوذجة زنخة، وكتب: إني اخترت لعملها السكر السوسي والعسل الماذي والزعفران الأصبهاني. فأجابه: والله العظيم، ما علمت إلا قبل أن تمصر اصبهان، وقبل أن يفتح السوس، وقبل أن أوحى ربك إلى النحل.
أولم طفيلي على ابنته، فأتاه كل طفيلي، فلما رآهم رحب بهم ورقاهم إلى غرفة بسلم وأخذ السلم، حتى إذا فرغ من طعام الناس أنزلهم وأخرجهم.
قيل لبنان الطفيلي: كم كان أصحاب النبي صلى الله عليه يوم بدر؟ قال: ثلثمائة وثلاثة عشر رغيفاً.
قال طفيلي: ليس أضر على الضيف من أن يكون صاحب البيت شبعان.
معن بن زائدة في أخيه مزيد:
لا تسألن أبا داود خلعته ... عول على مزيد في الخبز واللبن
قيل لمدني: ما بال فلان أرق لوناً وأعتق وجهاً من أخيه؟ فقال: لأنه آكل للدجاج، وشارب للمزاج.
أكل أبو الأسود وقعد معه أعرابي فرأيي لقماً منكراً، فقال: ما اسمك؟ قال: لقمان، قال: صدق أهلك أنت لقمان. ذهب إلى فعلان من اللقم أو إلى لقمان ابن عاد.
ازدشير: احذروا صولة الكريم إذا جاع، وصولة اللئيم إذا شبع.
الأسود وعلقمة: - دخلنا على علي رضي الله عنه وبين يديه طبق من خوص، عليه قرص أو قرصان من شعير وأن أسطار النخالة لتبين في الخبز، وهو يكسره على ركبته ويأكله بملح جريش، فقلنا لجارية سوداء اسمها فضة: ألا نخلت هذا الدقيق لأمير المؤمنين! فقالت: - أيأكل من المهنا ويكون الوزر في عنقي؟ فتبسم وقال: أنا أمرتها أن لا تنخله. قلنا: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: - ذلك أجدر أن يذل النفس، ويقتدي بي المؤمن، وألحق بأصحابي.
كان يقال لإبراهيم عليه السلام أبو الضيفان لأنه أول من قرى الضيف، وسن لأبنائه العرب القرى، وكان إذا أراد الأكل بعث أصحابه ميلاً في ميل يطلبون ضيفاً يؤاكله.
أنشد أبو عمرو: -
إن أبا عمرة شر جارِ ... يجرني في ظلم الصحاري
جر الذباب جيفة الحمار
قيل لأعرابي: - أتعرف أبا عمرة؟ قال: - كيف لا أعرفه وهو متربع في كبدي؟ اتخذ بنو حنيفة آلها من حيس فعبدوه سنين، ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه.
حميد بن ثور في البدويات: -
أولئك لم يدرين ما سمك القرى ... ولا عصب فيها رئات العمارس
قدم أعرابي إلى ضيفه ثريدة وقال له: - لا تَصقعها ولا تَقْعرها ولا تشرمها.
فقال الضيف: - فمن أين آكل؟ قال لا أدري، فانصرف جائعا. أي لا تأكل من أعلاها ولا من أسفلها ولا من حروفها.
شكا إلى أبي العيناء مدني سوء الحال، فقال له: - اشكر الله فإن الله قد رزقك الإسلام والعافية، قال: - أجل، ولكن بينهما جوع يقلقل الكبد.
وضعت بين يدي أعرابي عصيدة تنش حرارة، فضرب بيده إليها فامتنعت عليه، فقال: - أما والله إني لأعلم أنك هنيئة المزدرد، لينة المسترط، وإنك لتعلمين أني ابن بجدة بلادك في أكلك، وأني لأخاف أن العود إلى أمثالك ستطول مدته، فما يمنعني أن أتلقى حرارتك ببلعوم سرطم، وحلقوم لهجم، وبطن أكبد، وجوف أرحب، فقضى الله في ذلك قضاءه بما أحببت أو كرهت.
عمر بن قميئة: -
وأهون كف لا يضيرك ضيره ... يد بين أيد في إناء طعام
يد من قريب أو غريب بقفرة ... أتتك بها غبراء ذات قتام
سنة أو مفازة أو طريق.
في أمثال الفرس: في مفترس الأسود تشبع الثعالب.
قيل لإبراهيم الخليل عليه السلام: بم اتخذ الله خليلاً؟ قال: بثلاث: ما خيرت بين شيئين غلا اخترت الذي لله على غيره، وما اهتممت بما تكفل الله لي به، وما تغديت ولا تعشيت إلا مع ضيف. 

=======================ج555555555555555================= 

جججججججججججججج 

 ج 55555555555

  كتاب : ربيع الأبرار

المؤلف : الزمخشري

دخل الشعبي على صديق له: فلما أراد القيام قال: لا تفرقوا إلا عن ذواق. ثم قال: أي التحفتين أحب إليك؟ تحفة إبراهيم أم تحفة مريم، أراد اللحم أو الرطب، فقال: أما تحفة إبراهيم فمهدي بها الساعة. فدعا بطبق من رطب.
شربة أبي الجهم مثل في الطيب السيئ العاقبة، قال:
تجنب سويق اللوز لا تشربنه ... فإن سويق اللوز أودى أبا الجهم
وهو أبو الجهم بن عطية كان عيناً لأبي مسلم على المنصور فأحس بذلك، فطاوله الحديث يوماً حتى عطش، فاستسقى، فدعا له بقدح من سويق اللوز فيه السم. فما بلغ داره حتى مات.
طفيل الأعراس الذي ينسب إليه الطفيليون كان مولى لعثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو طفيل بن زلال من ولد عبد الله بن غطفان من نازلة الكوفة. وكان يقول: وددت أن الكوفة بركة مصهرجة فلا يخفى علي من أعراسها شيء.
وسئل عن أشرف الأعواد فقال: عصا موسى، ومنبر النبي، وخوان العرس.
ولعملاق العثماني وكان ينزل بنيسابور:
تلبس عملاق بن غيدان للشقا ... وللحزن والإخفاق أثواب حارس
يطوف بنيسابور في كل سكة ... خليفة مولاه طفيل العرائس
شاعر: -
حسبناه طفيلياً فلما ... كشفنا الأمر زاد على طفيل
قيل لسعد القرقرة وهو مضحك النعمان بن المنذر: ما رأيناك إلا وأنت تنقد شحماً وتقطر دماً؟ قال: لأني آخذ ولا أعطي، ولا ألام متى أخطي فأنا الدهر ضاحك مسرور. والقرقرة القهقهة، وهو معدود في الأكلة.
أبو رافع كان أبو هريرة ربما دعاني إلى عشائه فيقول: دع العراق للأمير، فانظر فإذا هو ثريد بزيت. وكان يقول: أكل التمر أمان من القولنج، وشرب العسل على الريق أمان من الفالج، وأكل السفرجل يحسن الولد، وأكل الرمان يصلح الكبد، والزبيب يشد العصب ويذهب الوصب، والكرفس يقوي المعدة ويطيب النكهة، والعدس يرق القلب ويذرف الدمعة، والقرع يزيد في اللب ويرق البشرة. وأطيب اللحم الكتف وحواشي فقار الظهر. وكان يديم أكل الهريسة والفالوذج ويقول، هما مادة الولد. وكان تعجبه المضيرة جداً فيأكلها مع معاوية فإذا حضرت الصلاة صلى خلف علي رضي الله عنه، فإذا قيل له قال مضيرة معاوية أدسم وأطيب، والصلاة خلف علي أفضل. فكان يقال له شيخ المضيرة.
كان في ملوك بني غسان المروءة والترفه وطيب الأطعمة فقيل، ثريدة بني غسان، فالوذج ابن جدعان ومضيرة ابن أبي سفيان.
كانت الأكاسرة تحظر السكباجة على العامة ويقولون هي للملوك، حتى ملك ابرويز فأطلقها لهم. وكان يقول موسى بن الفرات: السكباجة مخ الأطعمة.
قال أعرابي لأهله: أين بلغت قدركم؟ قالت: قام خطيبها. أرادت الغليان.
ابن الرومي:
ما أن رأينا من طعام حاضر ... نعتده لفجاءة الزوار
كمهيأين من المطاعم فيهما ... شبه من الأبرار والفجار
هام وأرغفة نقاء بضة ... قد أخرجت من جاحم فوار
كوجوه أهل الجنة ابتسمت لنا ... مقرونة بوجوه أهل النار
علي بن الحسين عليهما السلام: تمام المروءة خدمة الرجل ضيفه كما خدمهم أبونا إبراهيم بنفسه وأهله، أما تسمع قوله: وامرأته قائمة.
الأصمعي: سألت عنبسة بن وهب عن مكارم الأخلاق فقال: أما سمعت قول عاصم بن وائل المنقري:
وإنا لنقرى الضيف قبل نزوله ... ونشبعه بالبشر من وجه ضاحك
المدائني: - كانت العرب لا تعرف الألوان إنما طعامهم اللحم يطبخ بماء وملح، حتى كان زمن معاوية فاتخذ الألوان وتنوق فيها، وما شبع مع كثرة ألوانه حتى مات، لدعاء رسول الله.
قالوا: من اللؤم أن تلقى كَلَب جوعك على طعام غيرك.
يقال للمرقة المسخنة بنت نارين. وكان بعض المترفين يقول: جنيدا مائدتي بنت فارين.
أبو طالب المأموني:
فما حملت كف امرئ متطعماً ... ألذ وأحلى من أصابع زينب
هي ضرب من الحلواء يعمل ببغداد يشبه أصابع النساء المنقوشة الكريم لا يحظر تقديم ما يحضر. حظر على إخوانه ما حضر خوانه.
حاتم: الحر عبد الضيف. وله:
وإني لأستحيي صحابي أن يروا ... مكان يدي من جانب الزاد أقرعا
أقصر كفي أن تنال أكفهم ... إذا نحن أهوينا وحاجتنا معا

فإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
أبيت خميص البطن مضطمر الحشا ... حياءً أخاف الذم أن أتضلعا
قالوا: ينبغي للملك أن يكون له طباخ إذا لم يشته طعاماً صنع له ما يشتهيه.
قال المنصور لطباخه: لكم ثلث وعليكم ثلثان، لكم الرؤوس والأكارع والجلود، وعليكم الحطب والتوابل.
قالوا: - كل طعام أعيد عليه التسخين ففاسد، وكل غناء خرج من تحت السبال فبارد.
قدم أعرابي الحضر فقيل له: أين كنت؟ فقال كنت والله عند كريم حظير، أطعمني بنات التنانير، وأمهات الأبازير، وحلواء الطناجير. ثم سقاني رعاف القوارير من يد غزال غرير.
صاحت عصافير بطنه، ونقت ضفادع جوفه. إذا جاع فصوتت أمعاؤه.
المتزهد إذا أضاف إنساناً حدثه بسخاء إبراهيم وإذا أضافه إنسان حدثه بزهد عيسى وقناعته.
على الضيف أن يري الضيف بيت الماء، وأن يعلمه مواقيت الصلاة. و وعن ملك الهند: إذا أضافك أحد فأره الكنيف فإني قد ابتليت مرة فوضعت في قلنسوتي.
النبي صلى الله عليه: يا علي، ابدأ بالملح واختم به فإن به شفاء من سبعين داء وروي أن نبياً من الأنبياء شكا إلى الله الضعف، فأمره أن يطبخ اللحم باللبن فإن القوة فيهما.
دعي مزبد إلى طعام فقال: أنا صائم. فلما قدم الفالوذ زحف نحوه، فقيل له، فقال: أنا على صوم يوم أقدر مني على ترك مثل هذا.
دعا يحيى بن أكثم عدوله فقدم لهم مائدة صغيرة، فتصاموا عليها حتى كان أحدهم يتقدم فيأخذ اللقمة، ثم يتأخر حتى يتقدم الآخر. فلما خرجوا قيل لهم: فيم كنتم؟ قالوا: كنا في صلاة الخوف.
أعرابي:
حذار من شيخ لنا حذار ... يلقم لقماً شبه الأفهار
كأنما يهوى بها في غار
أبو بكر القهستاني في الطباهجة:
جاء الغلام بمقلاة فأفرشها ... جمراً وجمر الطوى في الجوف يلتهب
وقال اعمل للمولى طباهجة ... ما إن يرى مثلها عجم ولا عرب
فرقها مثل قرص الشمس مشرقة ... كأنها فضة قد مسها ذهب
فأقبل الشيج يطوي طيو عجباً ... كأنه الأجر في الإقبال يحتسب
اللحم ينب اللحم، والشحم لا ينبت الشحم ولا اللحم.
في الحديث: من داوم على اللحم أربعين يوماً قسا قبله ومن تركه أربعين يوماً ساء خلقه.
الحارث بن كلدة: إذا تغدى أمدكم فيلنم على غدائه، وإذا تعشى فيليتخط أربعين خطوة.
كان الحسن بن قحطبة مضيافاً، له مطبخان في كل مطبخ سبعمائة تنور.
كان ابن دأب لا يأكل مع الهادي، فقيل له، فقال: ما كنت لآكل مع رجل لا أغسل يدي عنده. فكان الهادي يقعده من بين الجلساء ليغسل يده.
كان الحسن إذا دعي جلس على الديباج، وشرب من النبيذ، وتطيب. وكان ابن سيرين يتقزز، فقال له يوماً:ا يا لكع، إن كنت لا تقبل كرامة القوم فألحق بأهلك. وكان الحسن يكره ذكر الموت على الطعام.
علي رضي الله عنه: إذا أكلتم الثريد فكلوا من جوانبه، فإن الذروة فيها البركة.
مد صوفي يده إلى جام فيه خبيص فهور الصومعة، فقيل له: اصبر حتى تبلغها من ناحيتك، فقال: أملي أقصر من أن أحدث نفسي ببلوغها.
أعرابي: -
يا غنمي روحي إلى الأضياف ... إن لم يكن فيك صبوح كافي
فأبشري بالقدر والأثافي
قدم إلى عبادة رغيف يابس فقال: هذا نسج في أيام بني أمية ولكن محو أطرازه.
سأل أعرابي فأعطاه باهلي رغيفاً صغيراً فلم يأخذه، وجاء برغيف كبير حسن فقال: يا باهلة، استفحلوا هذا الرغيف لخبزكم فلعلكم أن تنجبوا.
قيل لصوفي: ما تقول في الفالوذج؟ قال: لا أحكم على غائب.
خالد الكاتب في أبي المثنى الطفيلي:
تعجبه من غيره دعوة ... حتى يراها أبداً في المنام
قد رسم التطفيل في وجهه ... هذا حبيس في سبيل الطعام
بنان الطفيلي: عصعص عنز خير من طاس أرز.
ثلاثة تضني: - سراج لا يضيء، ورسول بطيء، ومائدة ينتظر لها من يجيء.
أولم ولو بيربوع ... أو بقراد مجدوعِ
قتلنا من الجوع
قيل لطفيلي: فيم لذتك؟ قال في مائدة منصوبة، ونفقة غير محسوبة، عند رجل لا يضيق صدره من البلع، ولا تجيش نفسه من الجرع.
خير الغداء بواكره، وخير العشاء بواصره.

قيل لشامي: أي الطعام أطيب؟ قال: ثريدة موسعة زيتاً أخذ أدناها فنقض أقصاها تسمع لها رقيباً في الحنجرة كتقحم بنات المخاض في الجرف.
مضغت أعرابية علكاً فقيل لها كيف ترينه؟ قلت: تعب الأضراس وخيبة الحنجرة.
شاعر:
بالملح يدرك ما يخشى تغيره ... فكيف بالملح إن حلت به الغِير
آخر:
وما رصفت النقل تبغي به ... تحسينه لكن لكي تحميه
فإن فتىً حدث نفساً به ... لم يستجز أن ينقض التعبيه
قيل لرجل: من يحضر مائدة فلان؟ قال: الملائكة، قيل: من يأكل معه قال: الذباب في وقت.
سأل رجل يزيد بن هارون عن أكل المدر، قال حرام، قال الله تعالى: كلوا مما في الأرض ولم يقل كلوا الأرض.
قصد جماعة من الطفيلين وليمة، فقال رئيسهم: اللهم لا تجعل البواب وكازاً في الصدور، دفاعاً في الظهور، طرحاً للقلانس، هب لنا رأفته ورحمته وبشره وسهل علينا أذنه، فلما دخلوا تلقاهم الضيف، فقال الرئيس: غرة مباركة، موصول بها الخصب، معدوم معها الجدب، فلما جلسوا على الخوان قال: جعلك الله كعصا موسى وخوان إبراهيم ومائدة عيسى في البركة. ثم قال لأصحابه: افتحوا أفواهكم، وأقيموا أعناقكم، وابسطوا الأكف، وأجيدوا اللف، ولا تمضغوا مضغ المتعلكين الشباع المتخمين، واذكروا سوء المنقلب، وخيبة المضطرب، خذوا على اسم الله.
من كانت همته أكلة كانت قيمته أكله.
قيل لأبي مرة: أي الطعام أحب إليك؟ قال ثريدة دكناء من الفلفل، رقطاء من الحمص، بلقاء من الشحم، ذات حفافين من اللحم، لها جناحان من العراق.
قيل: وكيف أكلك لها؟ قل: اصدع بهاتين، يعني السبابة والوسطى، واسند بهذه، يعني الإبهام، واجمع ما شذ منها بهاتين، يعني البنصر والخنصر، واضرب فيها ضرب ولي السوء في مال اليتم.
قيل لطفيلي: ما معنى قوله تعالى: واسأل القرية. ؟ قال: أراد أهل القرية. كما تقول أكلنا سفرة فلان تريد ما في السفرة.
قيل لأعرابي: صف نفسك، قال: خذ على بركة الله، إن كان أكل فقرب، وإن كان نبيذ فجرب، وإن كان قتال فغرب.
أعرابي:
ألا ليت لي خبزاً تسربل رابياً ... وخيلاً من البرني فرسانها الزبد
عمرو بن الأهتم:
فقلت لها أهلاً وسهلاً ومرحباً ... فهذا مبيت صالح وصديق
ابن الحجاج:
مالي وللحم إن شهوته ... قد تركتني لحماً على وضم
قيل لأعرابي: ما تسمون المرق؟ قال: السخين. قيل: فإذا برد. قال: ما ندعه يبرد.
أتى طفيلي باب قوم فحجبوه، فاحتال حتى دخل وهو يقول:
نزوركم لا نؤاخذكم بجفوتكم ... إن المحب إذا ما لم يزر زارا
ولد لابن أبي ليلى غلام فأطعم جيرانه الفالوذج والخبيص وترك المساور إجلالاً له فقال:
من لم يدسم بالخبيص سبالنا ... عند الولاد فلا هناه الفارس
إن الخبيص له لذاذة مطعم ... يا حبذا هو رطبه واليابس
قال أبو بكر الخوارزمي: لم أسمع في وصف الطفيلي أبلغ من قول الحمدوني:
أراك الدهر تطرق كل دار ... كأمر الله يحدث كل ليلة
قيل لأعرابي: ما أسمنك؟ قال: أكلي الحار، وشربي القار، واتكائي على شمالي، وأكلي من غير مالي، والثريد بعد الكظة.
مات لأعرابي أخ فقيل له: ألا تحضر جنازته؟ فقال: لا، قيل: لم؟ قال: إنه كان والله قطاعاً زقاقاً جردبيلاً. أي غامساً اللقمة المعضوضة في الأدام، شارباً على المائدة وفي فيه الطعام، آكلاً بيمينه وقد أمسك المأكول بيساره لئلا يتناول، وهو الجردبان.
سأل حماد الراوية رقبة بن مصقلة عما أكل عند بلال بن أبي بردة فقال: الأبيض المنضود، والماضي المردود، والذليل الرعديد، والملوز العقود. أي الرقان الألوان المختلفة والفالوذج والبفريج.
كان عمارة بن حمزة يقول: يخبز في بيتي كل يوم ألف رغيف، وكل أهلي يأكلون حلالاً غيري. وكان يقول: رب الدار كلب الدار.
قيل لأعرابي على مائدة بعض الملوك وهو يأكل الفالوذ: لم يشبع منه أحد إلا مات. فأمسك ثم ضرب بالخمس وقال: استوصوا بعيالي خيراً، فو الله إني لأشبع منه حتى الموت.
قيل لأعرابي: أين تحب أن يكون طعامك؟ قال في بطن أم طفل راضع، أو ابن سبيل شاسع، أو أسير جائع، أو كبير كانع.

يقال: رماه الله بداء الذئب وهو الجوع، والذئب إذا لم يجد شيئاً تبلغ بالنسيم، وربما استف التراب.
ويقال الطين الأبيض الذي يؤكل لا يوجد أجوده إلا بوجود الذئب إياه.
ويقال: اللحم بقلة الذئب لأن الذئب لا يأكل النبات، إنما بقلة اللحم.
قيل لجمين: أي البقول أحب إليك؟ قال: بقلة الذئب، وقال:
الخبز أفضل شيء أنت آكله ... وأفضل البقل بقل الذئب يا صاح
قالوا: ثلاث ينتهي الحمق إليها: أن يستظل الرجل بمظلة وهو في الظل، وأن يسابق الرجل إلى بيضة البقيلة، وأن يحتجم في غير داره.
وقالوا: الوحدة خير من جليس السوء، وجليس السوء خير من أكيل السوء. وليس جليس أكيلاً، فإن أردت المواكلة فمع من لا يستأثر بالمخ، ولا ينتهز بيضة البقيلة، ولا يلتهم كبد الدجاجة، ولا يختطف كلية الجدي، ولا ينتزع خاصرة الحمل. ولا يزدرد قانصة الكركي، ولا يتعرض لعيون الرؤوس، ولا يستولي على صدور الدجاج.
وعن محمد بن أبي المؤمل: لقد كانوا يتحامون بيضة البقيلة، ويضعها كل امرئ لصاحبه، وأنت اليوم لو أردت أن تمتع عينيك بنظرة واحدة إليها لم تقدر عليها.
وعاتب رجل صاحبه على قطعة أضافته فقال: ما الذي أنكرت مني؟ هل ثنيت وسادتك؟ هل قلبت صفحتك؟ هل جلجلت ملح أبزارك؟ هل أكلت بيضة بقيلتك؟ هل بزقت في طستك؟ كان عبد الله بن جدعان: من مطعمي قريش كهاشم بن عبد مناف، وهو أول من عمل الفالوذ للضيف، وقال فيه أمية بن أبي الصلت:
له داع بمسكة مشمعل ... وآخر فوق دارته ينادي
إلى درح من الشيزى ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد
وكان له جفان يأكل منها القائم والراكب. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يستظل بظل جفنته في الجاهلية.
وفد عبد المطلب على كسرى ومعه جماعة من صناديد قريش، فلما أرادوا الرجوع سأل كلاً منهم مسالته، فقال ابن جدعان: الجارية التي تعمل للملك الفالوذ، فوهبها له، فكانت تعمله له بمكة.
وحدث الرياشي عن رجل، قال: أتيت نجران فدخلت على عبد المدان بن الديان الحارثي وهو على سرير، كأنه القمر، بنوه حوله كأنهم كواكبه، فدعا بالغداء فأتي بالفالوذ. فانصرف الرجل وهو يقول:
ولقد رأيت القايلين وفعلهم ... فرأيت أكرمهم بني الديان
ورأيت من عبد المدان خلائقاً ... فضل الأنام بهن عبد مدان
البر يلبك بالشهاد طعامهم ... لا ما يعللنا بنو جدعان
فبلغ الخبر ابن جدعان فعمل الفالوذ وأطعمه.
فالوذج السوق مثل في ذي منظر لا مخبر له. قال:
أعزز علي بأخلاق وصمت بها ... عند البرية يا فالوذج السوق
ابن الحجاج:
ليس له في الجميل رأي ... ولا يفعل الجميل طاقه
كأنه في القميص يمشي ... فالوذج السوق في رقاقه
الحسن ين رجاء:
قد يصبر الحر على السيف ... ويأنف الصبر على الحيف
ويؤثر الموت على حالة ... يعجز فيها عن قرى الضيف
يعون للمؤاخاة والمواساة وأنت تدعون للمكافأة والمباهاة.
يعون للمؤاخاة والمواساة وأنت عدتون للمكأة والمباهاة.
يا معشر الشباب عليك بالخبز والملح فإنه يذهب بشحم الكلى ويزيد في اليقين.
أبو سليمان الداراني: خير ما أكون إذا لصق بطني بظهري، أجوع الجوعة وأخرج فتزحمني المرأة فما ألتفت إليها، أشبع الشبعة فأخرج فأرى عيني تطمحان.
الأوزاعي: ما يسرني أن هذه الألوان تجري علي وعليكم غدوة وعشياً من حلال ولا نسأل عنها يوم القيامة. قالوا: ولم يا أبا عمرو؟ قال: لأنها تقسي القلب.
كتب علي رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف وهو عامله على البصرة: بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.
ألا وإن لكل مأموم إمام أيقتدي به، ويستضيء بنور علمه. ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه.

ولو شئت لاهتديت إلى مصفى هذا العمل ولباب هذا القمح وسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع. أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرى؟ أو أكون كما قال: -
وحسبك داء أن تبيت ببطنة ... وحولك أكباد تحن إلى القد
أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون لهم أسوة في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها وتلهوا عما يراد بها.
وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازل الشجعان، ألا وإن الشجرة البرية أصلب عوداً، والروائع الخضرة أرق جلوداً.
وأيم الله يميناً استثنى فيها بمشيئة الله لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً.
جرير: -
إن الهجيم قبيلة ملعونة ... نط اللحي متشابهو الألوان
لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعمان أضحى جمعهم بعمان
متأبطين بنيهم وبناتهن ... صعر الأنوف لريح كل دخان
نزل جدي بن قيس بن تدول بن بختر الطائي بكلفة بن قعين فلم يقره، فقال:
طرقنا أخا دودان نلتمس القرى ... فعبس لما أن رآنا وقطبا
فلو بالفتى نصر ألمت ركابنا ... لأحسن مثوانا وأدنى وقربا
نزل الفرزاق برجل من بلعنبر فلم يقره وشركه في زاده فقال:
نزلنا بأقوام كثير فلم نجد ... لذي منزل كالمحجني عقال
نزلنا به نبغي قراه فلم يكن ... عقال على الأضياف غير عيال
ونزل جرير برجل منهم فباعه قراه فقال:
يا طلحة بن خثيم إن بيعكم ... رفد القرى مانع للدين والحسب
قالوا نبيعكه بيعاً فقلت لهم ... بيعوا الموالى واستحييوا من العرب
يقال للسكباج مخ الأطعمة، وسيد المرق، وأم القرى، وزين الموائد.
ويقال: إذا طبخت اللحم بالخل فقد ألقيت من معدتك ثلث المؤونة. المؤرنة.
وعن بعض الخلفاء قال لطباخه: إلى كم سكباج؟ فقال: يا أمير المؤمنين، هو مخ الأطعمة، لا يكره بارده، ولا يمل حاره، بل يستطاب في الحضر، ويتزود في السفر ولا يؤثر عليه في الشتاء والصيف. فضحك وأجاز.
كان أحمد بن أبي خالد وزير المأمون من الشره والنهم بمضرب المثل على كرم فيه وسخاء. يحكي أنه ولي كورة فوهب خراجها بخوان فالوذج أهدي إليه.
وعرف المأمون كرمه ونهمه فأجرى عليه لمائدته كل يوم ألف درهم، ويحكى أنه حاسب دينار بن عبد الله في داره بسبعة آلاف ألف، ثم قدم له الحاسب الأطعمة فنسي المبلغ، وقيل للمأمون: قامت عليك خمسة آلاف ألف، فقال له: ذهبت ألف ألف بأكلة، وألف ألف أخرى بم ذهبت؟ فذهب غداء دينار مثلاً بالعراق فيمن يبتاع الحظير باليسير.
شرب أعرابي نبيذاً عند الموصلي فقال:
شربنا شراباً طيباً عند طيب ... كذا شراب الطيبين يطيب
قال خالد بن صفوان لجاريته: هات جباً فإنه يهيج المعدة ويشهي الطعام. قال: قد كان ونفد. قال: لا عليك، فإنه يقدح في الأسنان، ويستولي عليه البطن، وهو من عمل أهل الذمة.
يقال للخبز جابر بن حبة، قال:
في حبة القلب مني ... زرعت حب ابن حبة
أبو المخفف عاذر بن شاكر البغدادي كان ظريفاً طيباً، وكان يركب حماراً، وتركب جارية له حماراً وتحتها خرج، ويدور في بغداد فلا يمر بسلطان ولا تاجر ولا صانع إلا أخذ منه رغياً أو كسرة.
وقال محمد بن الجهم صاحب الفراء: كنت أنا وغيري ممن يستطيبه يحتسبه فلا يقر ويقول لا أخاف رسمي، وقال:
دع عنك رسم الديار ... ودع صفات العقار
واترك نعوت الزنا ... نير في حضور العذاري
وصف رغيفاً سرباً ... حكته شمس النهار
فليس تحسن إلا ... في وصفه أشعاري
وذاك أني قديماً ... خلعت فيه عذاري
رغفان المعلم والبقال مثل في التفاوت، قل: من هجا الحجاج:
أينسى كليب زمان الهزا ... ل وتعليمه صبية الكوثر

رغيف له فلكة ما ترى ... وآخر كالقمر الأزهر
سمع أعرابي يقول وهو متعلق بأستار الكعبة: اللهم ميتة كما مات أبو خارجة. قيل له: كيف مات؟ قل: أكل بذجاً، وشرب مشعلاً، ونام شامساً، فأتته منته شبعان ريان دفآن.
نزل بخالد بن عامر أحمد بني عميرة قوم فأطعمهم خبزاً بلبن ولم يذبح لهم. فلقبوه القعار فقال:
أنا القعار خالد بن عامر ... لا بأس بالخبز ولا بالخاثر
ابن عمر رضي الله عنه رفعه: إذا رأيتم أهل الجمع والتفكر فادنوا منهم، فإن الحكمة تجري على ألسنتهم.
قيل لابن عمر: ألا تجعل لك جوارشناً؟ قال: وما الجوارشن؟ قيل: شيء تأكله يهضم طعامك. قال: ما شبعت منذ أربعة اشهر، وما ذاك أني لا أجد وأني لا أجوع، ولكن شهدت قوماً كانوا يجوعون أكثر مما يشبعون.
ابن عباس: أكرموا الخبز، فقيل: وما كرامته؟ قال: لا ينتظر به الأدم، إذا وجدتم الخبز فكلوه حتى تؤتوا بغيره.
سمرة بن جندب رفعه: من تعود كثرة الطعام والشراب قسا قلبه. قسا قلبه.
الأوزاعي: قالت لمكحول: أين ترى لي أن أنزل؟ قال: أنزل حيث يصفو لك الخبز فإن الدين مع الخبز.
قيل في قوله تعالى: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن: هم الخبز.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للأحنف: أي الطعام أحب إليك؟ قال:: الزبد والكمأة. فقال:ما هما بأحب الطعام إليه ولكنه يحب الخصب للمسلمين.
قال الحجاج لجلسائه: ليثبت كل منكم في رقعة أطيب الطعام عنده، ففعلوا، فإذا في الرفاع كلها الزبد والتمر.
ابن الأعرابي: يقال أطيب اللحم عوذه، أي ما عاذ بالعظم.
من الفرزدق بيحيى بن الحضين الرقاشي فقال: يا أبا فراس، هل لك في جدي سمين ونبيذ زبيب؟ قال: وهل يأبى هذا إلا ابن المراغة؟ كان الثوري يعجب بالرؤوس، وكان يسمي الرأس العرس لما يجمع من الألوان المختلفة الطيبة. وكان يسميه مرة الجامع، ومرة الكامل، وكان ينشد:
هم حملوا رأسي في الرأس أكري ... وغودر عند الملتقى ثم سائري
أبو صوارة: الأرز الأبيض بالمسلى وبالسكر ليس من طعام أهل الدنيا. وقال: أطول الليالي ليلة العقرب، وليلة الهريسة، وليلة جدة إلى مكة.
وهب بن منبه: إذا سرد الرجل الصيام زاغ بصره عن موضعه، فإذا أفطر على حلاوة رجع إلى مكانه.
حماد بن سلمة: دخلت على إياس بن معاوية وهو يأكل الفالوذ، فقال: ادن فكل فإنه يزيد في العقل.
عصابة الجرجرائي:
خوان الأمير معمي المكان ... له شبح ليس بالمستبان
يرى بالتوهم لا بالمجس ... وبالخبر الفذ لا بالعيان
منصور الحراني:
سرى نحونا يبغي القرى طاوي الحشا ... لقد عملت فيه الظنون الكواذب
فبات له منا إلى الصبح شاتم ... يعدد تطفيل الضيوف وضارب
وله:
إن الضيوف تحاموني وحق لهم ... ما منهم أبلي يوماً ولا شائي
إذا الضريك عرانا بات ليلته ... دون البيوت بلا خبز ولا ماء
نزل الحطيئة ضيف فأشار إليه بعصا، قال: إني ضيف، قال: تضيفان أعددتها.
وقال: عجراء من سلم.
قدم إلى بدوي كامخ فقال: ما هذا؟ فقيل: كامخ، قال: من كمخه منكم؟ أي سلحه.
ابن رستم الكاتب:
ولولا اعتراض العذر ألفيت صاحبا ... إلى كل ما تهوي خفيفاً مسرعا
وحين يزول العذر يأتيك كامخ ... تقر به عيناً إذا كنت جائعا
ما قصر في قوله إذا كنت جائعاً وهو من الإيغال.
الحسن البخل بالطعام من أخلاق الطعام.
كتب الحجاج إلى عامله بفارس: ابعث لنا عسلاً من عسل خلار من النحل بكار من الدستفشار الذي لم تمسه النار.
كتب بعض الخلفاء إلى عامله بالطائف: أرسل إلي بعسل أخضر في السقاء، أبيض في الإناء من عسل الندغ والسحاء، من حَدَب بني شبابه.
ابن عباس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الشراب أفضل؟ قال: الحلو البارد. قالوا: أراد العسل.
ويقال: أجود الأعسال الذهبي الذي إذا قطرت منه قطرة على وجه الأرض استدارت كما يستدير الزئبق وتقول الروم: أجوده ما تلطخ به الفتيلة فتعلق بالنار.
سئل فيلسوف عما يزيد في العمر فقال: من أدام أكل العسل ودهن جسمه زاد الله في عمره.
الحسن: لا تسقوا بناتكم السويق، فإن كنتم لا بد فاعلين فاحفظوهن، قالوا يورث الغلمة.

ابن عمر رفعه: ثلاثة لا ترد اللبن والوساد والدهن.
كان يقال: - اللبن أحد اللحمين.
بعض الحكماء: إذا سخن اللبن وسيط بعود من التين راب من ساعته، وإن أريد أن لا يروب، وإن كانت فيه الروبة، طرح فيه شيء من الحَبَق.
الأصمعي: قال ذو الرمة: إذا قلت للرجل أي اللبن أيطب؟ فإن قال: القارص، فقل: عبد من أنت؟ وإن قال: الحليب، فقل ابن من أنت؟ مدني من تصبح بسبع موزات وقدح من لبن أوراك تجشأ بخور الكعبة.
وقال معاوية على كنانية فقال: هل من قرى؟ قالت: نعم قال: ما هو؟ قال: خبز خمير، ولبن مضير، وماء نمير.
النبي صلى الله عليه: الأكل في السوق دناءة.
أم سلمة رضي الله عنها رفعته: انهشوا اللحم فإنه أهنأ وأمرأ وأبرأ ورفعت: لا تشموا الطعام كما تشمه السباع.
أكل الجارود مع عمر رضي الله عنه، فقال: يا جارية هاتي الدستوذر. فقال عمر: امسح باستك أو ذر.
كان يقال: إذا اجتمع للطعام أربع فقد كمل، أن يكون حلالاً، وأن تكثر عليه الأيدي، وأن يفتح باسم الله، وأن يختم بحمد الله.
كان يقال: مدمن اللحم كمدمن الخمر.
عمر رضي الله عنه: إياكم وهذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر.
رأى رجل رجلاً يأكل لحماً فقال: لحم يأكل لحماً، أف لهذا عملاً.
دعا عبد الملك رجلاً إلى الغداء فقال: ما في فضل، فقال: ما أقبح بالرجل أن يأكل حتى ما يكون به فضل! فقال: يا أمير المؤمنين، عندي مستزاد، ولكني أكره أن أصير إلى الحال التي استقبح أمير المؤمنين.
قيل لشيخ: ما أحسن أكلك؟ قال: عملي منذ ستين سنة.
قال أبو المخش الأعرابي: كانت لي بنت تجلس معي على المائدة فتبرز كفاً كأنه طلعة، في ذراع كأنها كربة، فوالله أن تسبق عيني إلى لقمة طيبة إلا سبقت يده إليها.
وإن من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه.
كان بعضهم لا يأكل إلية ويقوم أنها طبق الأست وقريب من الجواعر.
كان عمر رضي الله عنه يقول: يا بني لا تخرج من منزلك حتى تأخذ حلمكن يعني تتغدى. وكان يقول: نعم الأدام الجوع ما ألقيت إليه قبله.
قال لقمان لابنه: كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ الفراش، أراد: أكثر الصيام وأطل القيام حتى تستطيب الطعام وتستمد الفراش.
أنس بن مالك: رأيت عمر يلقى له الصاع من التمر فيأكله حتى حشفه.
رأى المغيرة على مائدته رجلاً ينهش ويتعرق، فقال: يا غلام ناوله سكيناً. فقال: كلا امرئ سكينه في رأسه.
أعرابي: أتانا فلان بثريدة فجعلنا نلملم منها مثل القطا الكدري.
أكل عبد الرحمن بن أبي بكرة على خوان معاوية فرأى منه لقماً منكراً، فقال لأبي بكرة بعد ذلك: ما فعل ابنك التلقامة؟ قال: اعتل، قال: مثله لا يعدم العلة.
كان سليمان بن عبد الملك ثعباني الالتهام لقماني الالتهام، على أن جميع المروانية كانوا أمثالاً في الأكل، أمامهم فيه الآكل في سبعة أمعاء معاوية.
ويحكى أن سبب موت سليمان أنه أتي بقفعتين عظيمتين من بيض مسلوق وتين.فجعل يقرن بين بيضة وتينة حتى أتى عليها.
وعن سالم بن قتيبة: عددت للحجاج أربعة وثمانين رغيفاً، مع كل رغيف سمكة.
شاعر:
ونجاد مخزق وخوان ... كسرت رجله وأخرى رهيص
ولقد كان ذا قوائم ملس ... يؤكل اللحم فوقه والخبيص
كان جمين يقول للوزينج قاضي قضاة الحلاوى، وللخبيص خاتمة الخير.
النبي صلى الله علي: من دخل على غير دعوة فكأنما دخل سارقاً وخرج مغيراً، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
يقال: أكلنا طعاماً خداجاً أي لا حلواء معه.
معدة شيطانها رجيم.
شاعر: -
يدارك اللقم ولا يخشى الغصص ... تلقماً يقطع أزرار القمص
بات يعثمي وحده ألف جعل، لكثرة ما يضع لكثرة أكله.
له بُضيعة في الأكل مزجاة. أي هو قليل الطعم.
دخل الجمل المصري على قادم وعنده قوم بين أيديهم أطباق الحلوى ولا يمدون أيديهم، فقال: لقد أذكرتموني ضيف إبراهيم وقوله تعالى: فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم. ثم قال: كلوا رحمكم الله، فضحكوا وأكلوا.
يقال: فلان يحاكي حوت يونس في جودة الالتقام، وثعبان موسى في سرعة الالتهام.
قالوا: إذا القي اللحم في العس طرياً خرج بعد شهر طرياً لا يتغير.
حسان:
ثريد كأن السمن في حجراته ... نجوم الثريا أو عيون الضياون

كان حسان عند بعض الملوك فقدم الطعام فقال لقائده: أطعام يدين أم طعام يد؟ أراد شواء أم ثريد.
شاعر:
خبز شعير بغير أدم ... عند فقير من الكرام
ألذ عندي من ألف لون ... عند غني من اللئام
أطعم رجل قوماً ما أضرس أسنانهم فقيل:
قد لعمري اقتصصت من كل ضرس ... كان يجني عليك في رغفانك
فلان شدق وعلق وحدّق. أي جعل لقمة في شدقه، وأخرى في يده، ورمق ثالثة بعينه.
دولاب اللقم أكيله، إذا كان يراعيه.
ذقته فوجدته عافية مجموعة.
لكل شيء حلية، وحلية الخوان السُكُرّجات والبقول.
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا حضر العَشاء والعِشاء فابدأوا بالعَشاء.
جعفر بن محمد: أحب إخواني إلي أكثرهم أكلاً وأعظمهم لقمة، وأثقلهم علي من يحوجني إلى تعاهده في الأكل.
وعنه: تبين محبة الرجل لأخيه بجودة أكله في منزلة.
اجتمع أنس بن مالك وثابت البناني عل طعام، فقدم أنس إليه الطست فامتنع، فقال أنس: إذا أكرمك أخوك فاقبل كرامته ولا تردها. فردها.
ودعا الرشيد أبا معاوية الضرير فصب على يده، ثم قال: له: يا أبا معاوية، أتدري من صب على يدك؟ قال: لا، قال: صب أمير المؤمنين. قال: يا أمير المؤمنين، إنما أكرمت العلم وأجلته فأكرمك الله أو أجلك.
قالوا: غسل الأيدي في الطست في حالة واحدة أدخل في التواضع، وينبغي أن يجمع الماء فيها. قال عليه السلام: اجمعوا وضوءكم جمع الله شملكم.
وعن ابن مسعود: اجتمعوا على غسل أيد في طست واحدة، ولا تستنوا بسنة الأعاجم.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار لا ترفع طست من بين يدي القوم إلا مملوءة، ولا تشبهوا بالعجم.
وقيل يستحب جلوس الصاب، وروي أنه صب على يد بعضهم وهو جالس فقام، أحدنا لابد أن يكون قائماً.
نزل الشافعي بمالك رحمه الله عليهما فصب بنفسه الماء على يده وقال: لا يرعك ما رأيت مني. فخدمة الضيف فرض.
علي رضي الله عنه لئن أجمع إخواني على صاع من الطعام أحب إلي من أن أعتق رقبة.
النبي صلى الله عليه وسلم: " من أطعم أخاه حتى يشبعه، وسقاه حتى يرويه، أبعده الله من النار بسبعة خنادق، وما بي خندقين مسيرة خمسمائة عام " .
لا بأس أن يدخل الرجل دار أخيه ويستطعم للصداقة الوكيدة، فقد قصد رسول الله والشيخان منزل أبي الهيثم بن التيهان وأبي أيوب الأنصاري لذلك، وكانت من عادة السلف.
وكان لعون بن عبد الله المسعودي ثلثمائة وستون صديقاً كان يدور عليهم في السنة.
ولا بأس أن يدخل بيت صديقه ويأكل وهو غائب، وقد دخل رسول الله صلى الله عليه دار بريرة فأكل طعامها وهي غائبة.
وعن محمد بن واسع وأصحابه أنهم كانوا يدخلون منزل الحسن فيأكلون ما يجدون بغير أذن.
وعن الحسن أنه كان قائماً عند بقال يأخذ من هذه الجونة تينة ومن هذه قسبة فيأكلها. فقال له هشام: ما بدأ لك يا أبا سعيد في الورع؟ فقال: يا لكع، أتل علي آية الأكل، فتلا إلى قوله تعالى أو صديقكم. فقال: من الصديق؟ قال: من استروحت إليه النفس واطمأن إليه القلب.
عن يونس النبي صلى اله عليه أن أخوانه زاروه، فقدم إليهم كسراً وجزّ لهم بقلاً، وقال: كلوا ولو لا أن الله لعن المتكلفين لتكلفت لكم.
وعن أنس وغيره من الصحابة أنهم كانوا يقدمون الكسر اليابسة وحشف التمر، ويقولون: ما ندري أيهما أعظم وزراً: الذي يحتقر ما يقدم إليه، أو الذي يحتقر ما عنده أن يقدمه؟ كان الشافعي رحمه الله نازلاً بالزعفراني ببغداد، وكان يرقم كل يوم في رقعة من يطبخ من الألوان ويدفعها إلى الجارية، فأخذها الشافعي يوماً وألحق لوناً آخر، فعرف ذلك المضيف فأعتق الجارية سروراً بذلك.
وقال صديق للسري: جاءني بفتيت وأخذ يجعل نصفه في القدح، فقلت: ما تفعل؟ أنا اشربه كله في مرة، فقال لي: هذا أفضل لك من حجة.
قالوا: الأكل ثلاثة مع الفقراء بالإيثار، ومع الإخوان بالانبساط، ومع أبناء الدنيا بالآداب.
أنس رفعه: من لقم أخاه لقمة حلواء صرف الله عنه مرارة الموقف يوم القيامة.
يقولون: ما خلا مضيف الخليل عليه السلام إلى يومنا هذا ليلة من ضيف.
النبي صلى الله عليه وسلم: شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الأغنياء دون الفقراء.
حكيم: إذا كان خبزك جيداً وماؤك بارداً وخلك حامضاً فلا مزيد عليه.

المائدة التي نزلت على بني إسرائيل كان عليها كل البقول إلا الكراث، وسمكة عند رأسها خل وعند ذيلها ملح، وسبعة أرغفة على كل واحد زيتون وحب رمان.
كانت سنة السلف أن يقدموا جملة الألوان دفعة ليأكل كل مما يشتهي.
عنه عليه السلام: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " . وعنه: " إن من سنة الضيف أن يشيع إلى باب الدار " .
وعن أبي قتادة رضي الله عنه: قدم وفد النجاشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يخدمهم بنفسه، فقال أصحابه: نحن نكفيك يا رسول الله، فقال: إنهم كانوا لأصحابي مكرمين فأنا أحب أن أكافئهم.
وتمام الضيافة التطلق وطيب الحديث. قال يزيد بن أبي زياد: ما دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى إلا حدثنا حديثاً حسناً وأطعمنا طعاماً حسناً.
بعض الزهاد: أنا لا أجيب الدعوة إلا لأتذكر طعام أهل الجنة.
في الحديث: ترك الغداء مسقمة وترك العشاء مهرمة. وتقول العرب: تره الغداء يذهب بشحم الكاذة.
حبس ذو النون أياماً فلم يأكل، وبعثت إليه أخت له في الله طعاماً على يد السجان فلم يأكل وقال: هو حلال ولكن جاءني على طبق ظالم، وأشار إلى يد السجان.
اشترى رجل أحمالاً من السكر، وأمر باتخاذ مسجد من السكر ذي شرف ومحاريب وأعمدة منقوشة. ثم دعا الفقراء فهدموه وانتهبوه.
عمر بن أبي سلمة: كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدي تطيش في الصفحة، فقال: يا غلام، سمّ الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يلبك. وقالوا له أن يجيل يده في الفاكهة.
ابن عباس رفعه: إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يَلعقها أو يلعِقها.
وعن كعب بن مالك: رأيت رسول الله يلعق أصابعه الثلاث بعد الطعام.
كان الحجاج يطعم في اليوم على مائدة، على كل مائدة عامرة، ويطاف به في محفة ليفتقدها، ثم يقول: يا أهل الشام اكسروا الخبز لئلا يعاد عليكم.
شاعر:
أبلج بين حاجبيه نوره ... إذا تغذى رفعت ستوره
عبد الصمد بن المعذل:
كلفتني عذرة الباخل أن ... طرق الطارق والناس هجوع
ليس لي عذر وعندي بلغة ... إنما العذر لمن لا يستطيع
سأل المهدي معبد بن خالد بن أنس بن مالك وكان منزله بشيراز عن بعض ما كان فيه ملوك فارس، قال: كانت لكسرى كل يوم عناق قيمتها أربعون ألفاً، قال: كيف؟ قال: كان يلتمس له عناق حمراء زرقاء غذيت بألبان النعاج الفتية، فتشترى بما بلغت، ثم نذبح بسكين من ذهب، ثم تسمط بماء الورد، ثم تغسل بالخمر والمسك، ثم يسجر التنور بالعود الهدي، وتجعل في سفود من ذهب، ويضرب في تنورها المسك والعنبر. وكان يؤتى كل يوم بِدرَّة قيمتها عشرة آلاف فتسحق وتجعل في لون يتخذ له يقال أنه نافع من السل.
قال عبد الملك حين حج لحُبّي: - ما فعلت حريرتك؟ قالت: البرمة عندي وعندي أقط وسمن، فعملتها له، فأكل منها فقال: يا حبي، ليست كما كنت أعهد، فقالت: ألهاك عنها زِمِكّى الدجاج، قال: صدقت، وأمر لها بمال.
كان عبد العزيز بن مروان جواداً مضيافاً، فتغذى عنده أعرابي، فلما كان من الغد رأى الناس على بابه كما رآهم بالأمس، فقال: أفي كل يوم يطعم الأمير؟ وأنشد:
كل يوم كأنه يوم أضحى ... عند عبد العزيز أو يوم فطر
وله ألف جفنة مترعات ... كل يوم يمدها ألف قدر
حدث الأصمعي الرشيد بأن سليمان بن عبد الملك كان شرهاً نهماً، يدعوا بالدجاج في سفافيده فيعجل عن المناديل فيأخذه بكمية وعليه جبة الوشي فيهشه. فضحك الرشيد وقال: قاتلك الله ما أعلمك! ثم قال: علي بجبات سليمان ، فأتي بها، فإذا عليها آثار الدهن. وكسا الأصمعي جبة منها. فكان يقول إذا لبسها: هذه جبة سليمان كسانيها الرشيد.
كان أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة القرشي جواداً مطعاماً، وكان يقول: إني لأستحي أن يدخل داري أو يمر بي أحد فلا أطعمه. حتى أنه كان يطرح للذر السويق والحنطة.
وعن شيخ من أهل الغرس أنه سمع رجلاً يشكو كثرة الذر في منزله، وكن نازلاً في منزل أبي عبيدة، فقال له: إن الذر يحسب أنك أبو عبيدة فلا ينتقل، فيشك أن يعرفك فينتقل.

وعن إبراهيم بن هشام أمير المدينة أنه قال لأصحابه: تعالوا نفاجئ أبا عبيدة، عسى أن يبخله، فاستنزلهم، فقالوا: إن كان شيء عاجل وإلا فلا ننزل. فجاءهم بسبعين كرشاً فيها رؤوس. فعجب ابن هشام وقال: ترونه ذبح في ليلته عدد هذه الرؤوس؟ كان الزهري إذا لم يأكل أحد من أصحابه من طعامه حلف لا يحدثه عشرة أيام.
أسماء ذات النطاقين: أدخلت عائشة على رسول الله، فأتينا بحلاب من لبن فشرب منه رسول الله صلى اله عليه، ثم ناوله عائشة فأعرضت، فقتل: خذي من رسول الله، ثم ناولتني فشربت، وجعلت أدير الإناء إلى أن أصادف الموضع الذي شرب منه رسول الله صلى الله عليه، ثم ناولته امرأة معي، فقالت: لا أشتهيه، فقال رسول الله: لا تجمعي كذباً وجوعاً.
الحارث بن أمية في هشام بن المغيرة المخزومي وكان جواداً مطعاماً:
وأصبح بطن مكة مقشعراً ... كأن الأرض ليس بها هشام
يروح كأنه أشلاء سوط ... وفوق جفانه شحم ركام
كان المغيرة بن عبد الرحمن يأمر بالسكر والجوز فيدقان ويطعمهما أصحاب الصفة، ويقول: أنهم يشتهون ما يشتهي غيرهم ولا يمكنهم.
دخل السائب في يوم شات على علي رضي الله عنه، فناوله قدحاً في عسل وسمن ولبن، فأباه فقال: أما أنك لو شربته لم تزل شبعان دفآن سائر يومك.
نافع بن أبي نعم كان أبو طالب يعطي علياً رضي الله عنه قدحاً من لبن يصبه على اللات، فكان علي يشرب اللبن ويبول على اللات حتى سمن، فأنكر ذلك أبو طالب حتى عرف القصة. فولى ذلك عقيلاً.
دخل علي الحسن بن علي عليهما السلام ناس من أهل الكوفة وهو يأكل، فسلموا وقعدوا. فقال: الطعام أيسر من أن يقسم عليه، فإذا دخلتم على رجل منزله فقرب طعاماً فكلوا منه، ولا تنتظروا أن يقال لكم هلموا، فإنما وضع الطعام ليؤكل.
عن الجارود بن أبي سبرة الهذلي: كان عبد الله بن عامر إذا حدثناه أحسن الاستماع، وإن سكتنا ساقطنا أحسن الحديث، فإذا جاء غداؤه مثل طباخه بين يديه فيقول: أخبر القوم بما عندك ليستبقي الرجل نفسه لما يريده ويقدر في الأكل، حتى إذا أمعن القوم حسر ذراعيه وجثا على ركبتيه واستأنف الأكل. وأمر بناته وكنائنه إلا يلطفنه بلطف إلا حين توضع مائدته فتجيئه الألطاف من هنا ومن هنا.
عن عبد الله بن جدعان أو هاشم بن عبد مناف: المائدة مرزوقة، ومن كان مضيافاً وسع الله عليه.
وجاءت هدايا معاوية يوم النيروز إلى سعيد بن العاص وهو يغدي الناس فتمثل به الأعمش: أولم أبو وائل رحمه الله برأس بقرة وأربعة أرغفة.
أبو ميسرة كان يقول: اللهم اغفر لنا وللممرقين الذين يطبخون ويغرفون لجيرانهم.
ابن عباس: من سره أن يكثر خير بيته فليتوضأ عند حضور الطعام.
عن إبراهيم بن الأدهم: إن إنساناً أضافه فذهب إليه فسأل خادمه فقال: لم لا يحضر فقال: هو رجل كسلان. فقام إبراهيم وأخذ كساءه. ولم يطعم ثلاثة أيام، وقال: أيها الحلق إنما جاء منك، ولولاك لم يتكلم الرجل بكلام الغيبة.
دخل داود عليه السلام غاراً فيه رجل ميت عند رأسه لوح مكتوب فيه: أنا فلان ملكت ألف عام، وبنيت ألف مدينة، وتزوجت ألف امرأة، وهزمت ألف جيش، ثم صار أمري إلى أن بعثت إلى السوق قفيزاً من الدراهم في رغيف فلم يوجد، فبعثت فقيزاً من الدنانير فلم يوجد، فبعثت قفيزاً من الجواهر فلم يوجد. فدققت الجواهر فاستففتها فمت مكان. فمن أصبح وله رغيف وهو يحسب أن أحداً على وجه الأرض أغنى منه فأماته الله كما أماتني.
كان الفضيل يمشي مع الثوري في السوق فإذا هي مزينة بألوان الفواكه، فقال له: هب أن هذه كانت بالأمس، أي تصير عاقبتها ما تعرف.
قال يوماً: ما يقولون في رجل في كمه تمر فقعد على رأس الكنيف فيطرحه فيه تمرة فتمرة؟ قالوا: هو مجنون. قال: فالذي يطرحه في بطنه حتى يحشوه فهو أجن منه، فإن ذلك الكنيف يملأ من هذا الكنيف.
ورأى مائدة كثيرة الطعام فقال لصاحبه: أتدري مم عمارة مائدته؟ قال:لا، قال: من خراب محرابه.
ليس شيء أحب إلي من الضيف لأن رزقه على الله وأجره لي.
كان الأمين على سخائه بالمال بخيلاً بالطعام جداً.

قال المهدي لحسنة لما نزل بماسبيذان وفيها قبره: إني لأشتهي شيئاً ما اشتهيته قط. قالت: وما هو؟ قال: لبن وتمر أتجمع بهما كتجمع الأعراب، فاتخذته، فتمجمع وأكثر. ثم أغفى وانتبه يصيح من بطنه، ودعا بماء حار فلم يؤت به. قالوا سمته حسنة لغيرة نالتها.
عن يحيى بن أكثم: دخلت على المأمون وبين يديه طعام في طبق فدعاني إليه، وإذا هو لحم قليل.فقال:
اعرض طعامك وابذله لمن دخلا ... واحلف على من أبى واشكر لمن أكلا
ولا تكن سابري العرش محتشماً ... من القليل فست الدهر محتفلا
؟

الطمع والرجاء، والحرص، والمني
والوعد وإنجازه وإخلافه، والمطل والتسويف ابن عباس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الصفا الزلال الذي لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع.
وعنه عليه السلام أنه قال للأنصار: إنكم لتكثرون عند الفزع وتقولن عن الطمع.
علي رضي الله عنه: أكثر تصارع العقول عند بروق المطامع.
أكثم: مصارع الألباب تحت ظلال المطامح.
فيلسوف: العبيد ثلاثة عبد رق، وعبد شهوة، وعبد طمع.
عبد الله رضي الله عنه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغنى فقال: اليأس مما في أيدي الناس. ومن مشى منكم إلى طمع الدنيا فليمش رويداً.
عمر رضي الله عنه: ما الخمر صرفاً بأذهب بعقول الرجال من الطمع.
في الحديث المرفوع: إياك والطمع فإنه الفقر الحاضر.
ابن خبيق الأنطاكي: من أراد أن يعيش حراً أيام حياته فلا يسكن الطمع قلبه.
شاعر:
رأيت مخيلة فطمع فيها ... في الطمع المذلة للرقاب
آخر:
اللؤم والذل والضراعة والفا ... قة في أصل أذن من طمعا
أنشد الأصمعي:
وما زلت اسمع أن العقو ... ل مصارعها بين أيدي الطمع
لقي كعب عبد الله بن سلام فقال: يا ابن سلام، من أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون به. قال: - فماذا أذهب العلم عن قلوب العلماء بعد غذ علموه؟ قال: الطمع وشره النفس وطلب الحوائج إلى الناس.
الأصمعي: كان يقال: العبد حر إذا قنع، والحر عبد إذا طمع. طمع.
علي رضي الله عنه: الطمع رق مؤبد.
وعنه: إياك أن ترجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة.
اجتمع الفضيل وسفيان وابن كريمة اليربوعي فتواصوا، فافترقوا وهم مجتمعون على أن أفضل الأعمال الحلم عند الغضب، والصبر عند الطمع.
دارا الأصغر: - لا تطمع في كل ما تسمع.
الطمع يدنس الثياب ويفري الإهاب.
فلان يتبع دقاق المطامع فاستبعده. يقال في سري يتبع المطامع الدنية.
الطاووس مع حسنه يغتذي الحياة ويأكل السموم، والنسر مع عظمة وجودة سلاحه لا يأكل إلا الجيف.
عتود عند الفزع، ذئب عند الطمع.
كان يقال: حين خلق الله آدم عجن بطينته ثلاثة أشياء: الحرص، والطمع، والحسد. فهي تجري في أولاده إلى يوم القيامة، فالعاقل يخفيها، والجاهل يبديها، ومعناه أن الله تعالى خلق شهوتها فيه.
إسماعيل بن قطري القراطيسي:
حسبي بعلمي أن نفع ... ما الذل إلا في الطمع
من راقب الناس نزع ... عن سوء ما كان صنع
ما طار طير فارتفع ... إلا كما طار وقع
سابق البربري:
يخادع ريب الدهر عن نفسه الفتى ... سفاهاً وريب الدهر عنها يخادعه
ويطمع في سوف ويهلك دونها ... وكم حريص أهلكته مطامعه
جابر بن أحمد الشيباني:
كان ابن أنثى مُخْلد إلى طمع ... ما ضاق أمر ضيق إلا اتسع
بكار بن رباح المدني: -
ذلة ليس تنفع ... وهوى لا يشفع
وعتاب يجول في ... أذن ليس تسمع
والملالات عنك تخ ... برني كيف أصنع
فاجعل الوعد منك لي ... كذباً فيه مطمع
بكر بن حبيب السهمي:
سير النواعج في بلاد مضلة ... يمشي الدليل بها على بلبال
خير من الطمع الدنيء ومجلس ... بفناء لا طلق ولا مفضال
فاقصد بحاجتك المليك فإنه ... يغنيك عن مترفع مختال
علي عليه السلام: الطامع في وثاق الذل.
أبو حيان: أسير طمع يزلقه على مداحض الذل. ومتوقع يأس لا يصح له فينتهي إلى العز.

قيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: أرى دخان جاري فأثرد.
وقال لآخر: لم تقل هذا إلا وفي قلبك خبر. وقال: ما رأيت رجلين يتساران في جنازة إلا قدرت إن الميت أوصى لي بشيء من ماله. وما زفت بالمدينة عروس إلا كنست بيتي رجاء أن يغلط بها غلي.
وقيل له: هل رأيت أطمع منك؟ قال: نعم، امرأتي، كل شيء ظنناه فهي تتيقنه. وقال: شاة لي كانت على السطح فأبصرت قوس قزح فحسبتها حبلاً من وقت، فوثبت إليه فطاحت، فاندق عنقعها.
وكان يقعد إلى الطبّاق فيقول: وسع، وسع، فعسى يهدي إلي من يشتريه. وقال: ما رأيت أطمع مني إلا كلباً تبعني على مضغ العلك فرسخاً.
شاعر:
لا تغضين على امرئ ... لك ما نع ما في يديه
وأغضب على الطمع الذي استدعاك تطلب ما لديه
قيل لحكيم: ما بال الشيخ أحرص على الدنيا من الشاب؟ قال: لأنه ذاق من طعم الدنيا ما لم يذق الشاب.
أنوشُروان: أحذر خدمة الحرص، فلا راحة لحريص.
المأمون: صدق والله أبو العتاهية، ما عرفت من رجل قط حرصاً ولا طمعاً فرأيت فيه مصطنعاً.
يقال للحريص: - جاء ناشراً أذنيه ابن أبي فنبن:
فدع الحرص للحريص ولا ... تمتهن النفس إنها أقسام
الليث يبعث حتفه كلبه.
لا تزيده السن إلا نقصاً، ولا يزيده الغني إلا حرصاً.
شاعر: -
إذا طاوعت حرصك كنت عبداً ... لكل دنية يدعوا إليها
إبراهيم بن المهدي:
قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب ... إن الحريص من الدنيا لفي تعب
قد يرزق المرء لم يتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يؤت من طلب
أفريدون: المحسن معان، والبريء جريء والمسيء مستوحش، والحريص تعب.
قيل للإسكندر: ما سرور الدنيا؟ قال الرضا بما رزقت منها، قيل: فما غمها؟ قال الحرص.
ابن أبي عينية:
ومن أشرب اليأس كان الغني ... ومن أشرب الحرص كان الفقيرا
من أطلق من أمله فرّط في عمله.
كان ابن سيرين يقول: أنا لما لا أحتسب أرجي مني لما احتسبت، قال الله تعالى: " ويرزقه من حيث لا يحتسب " .
قيل لأبي رجاء العطاردي: كيف تجدك؟ قال: قد جف جلدي على عظمي، وهذا أملي جديد بين عينيّ.
سعيد بن جبير: الاغترار بالله المقام على الذنوب رجاء المغفرة.
فضيل: الخوف أفضل من الرجاء ما كان العبد صحيحاً فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل من الخوف.
ابن عيينة: لو قيل للناس أي الأمرين أعجب إليكم، أن تزادوا في عقولكم أو في ذات أيديكم؟ لقالوا: أما عقولنا فقد أوتينا منها ما اكتفينا به.
يقدر المقدرون والقضاء يضحك.
الحسن: لو رأيت الأجل ومسيره لنسيت الأمل وغروره.
الخدري رضي الله عنه: اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر،أن أسامة لطويل الأمل.
أنس رضي الله عنه: رأى رسول الله في نعل رجلاً بشعاً من حديد، فقال: قد أطلت الأمل، وزهدت في الآخرة، وحرمت الحسنات، إنه إذا انقطع قبال أحدكم فاسترجع كان عليه من الله صلاة.
ابن عباس: كان نبي الله يخرج فيبول ثم يمسح بالتراب، فأقول: إن الماء منك قريب، فيقول: ما يدرين لعلي لا أبلغه.
أبو عثمان النهدي: بلغت نحواً من ثلاثين ومائة سنة، وما مني شيء إلا وقد عرفت فيه النقص غير أملي فإنه كما هو.
أنس رفعه: يهرم ابن آدم ويشيب منه اثنتان الحرص والأمل.
أبو هريرة رفعه: لا يزال الكبير شاباً في اثنتين حب المال وطول الأمل.
صلى محمد بن أبي تربة بمعروف الكرخي، ثم قال: لا أصلي بكم أخرى. فقال معروف: - أو أنت تحدث نفسك بصلاة أخرى؟ نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل.
أبو العتاهية:
لقد لعبت وجد الموت في طلبي ... وإن في الموت شغلاً لي عن اللعب
لو شمرت فكرتي فيما خلقت له ... ما اشتد حرصي على الدنيا ولا كلبي
وله:
تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذل الحرص أعناق الرجال
هب الدنيا تصبر إليك عفواً ... أليس مصير ذلك للزوال
لقمان: يا بني، كن ذا قلبين، قلب تخاف الله به خوفاً لا يخالطه تفريط، وقلب ترجو الله به رجاء لا يخالطه تغرير.
لا ينقضي الأمل ما بقي الأجل.
المرء ما دام حياً خادم الأمل.

قيل لمحمد بن واسع: كيف تجدك؟ قال: قصير الأجل، طويل الأمل، سيئ العمل.
من جرى في عنان أمله كان عاثراً بأجله.
لو رأيتم الأجل وسروره لأبغضتم الأمل وغروره.
لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال.
قيل لرجل: كيف حالك؟ قال: - أخدم الرجاء إلى أن ينزل القضاء.
بسط مطارح نظري ومسارح أملي.
وفدت عليه آماله فانثالت عليه أمواله.
ابن نباته:
لم يبق جودك لي شيئاً أؤمله ... تركتني أصحب الدنيا بلا أمل
إياكم وطول الأمل فإنه من ألهاه أمله أخزاه أجله.
لما خلق الله تعالى آدم خلق له أملاً وأجلاً، وجعل أمله أمامه، وأجله وراءه فالحرص والأمل يحملان النفوس على المآثم ويوردانها المهالك.
قال رجل لمدني: أيسرك أن هذه الدار لك؟ قال:نعم، قال: وليس إلا ذاك؟ قال: وكيف أقول؟ قال تقول نعم وأحم سنة، نعم وأعور.
ابن عائشة: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى ذهب يقتبس النار فكلمه الجباز.
قتادة بن شراحيل بن الأصهب:
وإن رجائي من جمانة باطل ... رجاء غمام لاقح غير ماطر
يقال: في فلان ملق داية وحرص نباش.
ابن المعتز:
دع الناس قد طال ما أتعبوك ... ورد إلى الله وجه الأمل
ولا تطلب الرزق من طالبيه ... واطلبه ممن به قد كفل
قال معاوية لجلسائه مرة: وددت لو أن الدنيا في يدي بيضة بنمرشت وأحسوها كما هي.
قال رجل لصاحبه: لو كان لي كذا! فقال: حرث اللو فما أنبت.
أنذر أبا مسلم شيخ نصراني حين دنا قتله فبكى، فقال: لا تبك، إنك لم تؤت من رأى ربيق، ولا من حزم وثيق، ولا تدبير نافع، ولا سيف قاطع، ولكن ما اجتمع في أحد أمله إلا أسعر في تفريقه أجله.
عتبة بن أبي سفيان في خطبته: وإياكم وقول لو فإنها قد أعيت من كان قبلكم، ولن تريح من بعدكم.
ابن السماك: خف الله كأنك لم تطعه، وارج الله كأنك لم تعصه.
علي رضي الله عنه: من بلغ أقصى أمله فليتوقع أدنى أجله.
أبو زبيد الطائي:
ليت شعري وأين مني ليت ... إن ليتاً وإن لوّاً غناء
عبد الصمد بن المعذل:
ولي أمل قطعت به الليالي ... أراني قد فنيت به وداما
أبو عبيد الله وزير المهدي: اليأس حر والرجاء عبد.
أبو عبيد الخواص وكان نطوقاً بالحكمة: حين علمت أن مولاي يلي محاسبتي زال عني حزني. قيل: كيف؟ قال: لئن الكريم إذا حاسب تفضل.
بعض القرشيين: أجرى الله أعط وعاني الله أنتقد.
علي رضي الله عنه: وإياكم والاتكال على المنى فإنها بضائع التوكى، مع تثبيطها من خير الدنيا والآخرة.
الخذلان مسامرة الأماني، والتوفيق رفض التواني.
خاضت بنا المنى أودية من العنا. نال المنى عفواً، وكرع من شرعها صفواً.
معمر بن عباد: الأماني للنفس مثل الترهات للسان.
أنشد الجاحظ:
الله أصدق والآمال كاذبة ... وجل هذا المنى في الصدر وسواس
شاعر:
ولا تتعلل بالأماني فإنها ... مطايا أحاديث النفوس الكواذب
أعرابي: فلان يقطع نهاره بالمنى، ويتوسد ذراع الهم إذا أمسى.
الحسن إياكم وهذه الأماني فإنه لم يعط أحد بالأمنية خيراً قط في الدنيا ولا في الآخرة.
قس بن ساعدة الأبادي:
ما قد تولى فهو لا شك فئت ... فهل ينفعنّي ليتني ولعلي
شاعر:
شط المزار وانتهى الأمل ... فلا خيال ولا رمس ولا طلل
إلا رجاء فما ندري أندركه ... أم يستمر فيأتي دونه الأجل
الخليل:
ألا أيها المهدي غير مدافع ... رجاؤك خير من عطا سواكا
أعرابي: وعد الكريم فقد وتعجيل، ووعد اللئيم مطل وتعليل.
فلان يعد وعد من لا يخلف، ثم ينجز إنجاز من يخلف.
كاتب: أما بعد، فحق من أزهر بقول أن يثمر بفعل.
أعرابي: العذر الجميل أحسن من المطل الطويل، فإن أردت الأنعام فانجح، وإن تعذرت الحاجة فافصح.
موعد رجل رجلاً ولم يف له، فقال: أخلفتني، قال:والله ما أخلفتك ولكن مالي أخلفك.
الجاحظ: مواعيد القيان الآل اللامع في الفيافي، والهشيم تذروه الرياح السوافي.
قال أبو مقاتل الضرير: قلت لعرابي: قد أكثر الناس في المواعيد، فما قولك فيها؟ قال: بئس الشيء الوعد، مشغلة للقلب الفارغ، متعبة للبدن الخافض، خيره غائب، وشره حاضر.

النبي صلى الله عليه وسلم: عدة المؤمن كأخذ باليد.
أنشد الجاحظ:
قد بلوناك بحمد الله إن أغنى البلاء
فإذا كل مواعيدك والجحد سواء
قيل لمزبد: أيسرك أن عندك قنينة شراب؟ قال: يا ابن أم، من يسره دخول النار بالمجان.
فلان يمشي مطله في وجل.
عدة منشورة عن مطل، مطوية على بخل.
لا حبذا الإسعاف إذا اعتصر التسويف ماءه.
كم أجررته على شوك المطل، ثم أبته على قصص الخلف.
شاعر:
وإنك إن منيت منيت موعداً ... جهاماً وإن أبرقت خلبا
أخر:
يباري الرياح بمثل الرياح ... من كاذبات مواعيده
محمد بن حسان الضبي:
غذيت بالمطل وعداً رف مورقه ... حتى ذوى منه بعد الخضرة العود
واها لفظك ما أحلى مخارجه ... لولا عقارب مطل بعده سود
آخر:
جزى الله خيراً أريحياً سألته ... فلا هو أعطى ما سألت ولا منع
تكرم عن ردي ولم يقض حاجتي ... فيقلبني باليأس في صورة الطمع
هنيئاً لمن يرضى بإخلاف وعده ... هنيئاً له إن كان يحسن ما صنع
مدح بشار خالد بن برمك فأمر له بعشرين ألفاً فأبطأت عليه، فقال لقائده أقمني حيث يمر، فأخذ بلجام بغلته وقال:
أظلت علينا منك يوماً سحابة ... أضاءت لنا برقاً وراث رشاشها
فلا غيمها يصحى فييأس طامع ... ولا غيثها يأتي فيروي عطاشها
فقال: لا تبرح حتى تؤتى بها.
زيد الفوارس من فرسان الجاهلية:
وموعدتي حقاً كأن قد فعلتها ... متى ما أقل شيئاً فإني كعازم
أريد به بعد الممات جزاءه ... لدى حاسب يوم القيامة عالم
صالح بن جناح اللخمي:
ألا إنما الإنسان غمد لقلبه ... ولا خير في غمد إذا لم يكن نصل
وإن تجمع الآفات فالبخل شرها ... وشر من البخل المواعيد والمطل
ولا خير في وعد إذا كان كاذباً ... ولا خير في قول إذا لم يكن فعل
أبو الجزيرة:
إن التي سلبتك يوم عوارض ... بالذل وهي سليمة لا تسلب
منتك ثم لوتك ديناً قادعاً ... وعداتهن إذا وعدن الخلب
محمد بن أبي أمية:
تذب المنى عني المنايا ولو خلا ... مقيل المنى من مهجتي لطفيت.
محمد بن وهيب:
وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع
نفيع بن اللقيط الأسدي:
يسعى الفتى لينال أقصى سعيه ... أيهات حالت دن ذاك خطوب
يسعى ويأمل والمنية خلفه ... توفي الأكام لها عليه رقيب
لا الموت محتقر الصغير فعادل ... عنه ولا كبر الكبير مهيب
فإذا صدقت النفس لم تترك ... أملاً ويأمل ما اشتهى المكذوب
صخر بن الجعد:
أرجى أن ألاقي آل كاس ... كما يرجو أخو السنة الربيعا
ماتت أم ولد للهذلي فأمر المنصور الربيع أن يعزيه ويقول: إن أمير المؤمنين موجه إليك جارية نفيسة لها أدب وظرف تسليك عنها، وأمر معها بفرش وكسوة وصلة، فلم يزل الهذلي يتوقعها. ونسيها المنصور. وحج ومعه الهذلي، فقال له وهو بالمدينة: أحب أن أطوف الليلة في المدينة فأطلب لي من يطوف بي، فقال: أنا لها يا أمير المؤمنين. فطاف حتى وصل إلى بيت عائكة، فقال: يا أمير المؤمنين وهذا بيت عاتكة الذي يقول فيه الأحرص: يا بيت عاتكة الذي أتعزل، فأنكر المنصور ذكر بيت عاتكة من غير أن يسأله عنه. فلما رج أمرّ القصيدة على قلبه فإذا فيها:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق اللسان يقول ما لا يفعل
فذكر الموعد فأنجزه له واعتذر إليه.
الوعد وجه والإنجاز محاسنه. الوعد سحابة والإنجاز مطر.
لقح المعروف بالوعد، وأنتجه بالفعال وأرضعه بالزيادة.
شاعر:
إذا مطلت امرءاً بحاجته ... فامض على مطله ولا تحد
قال علي رضي الله عنه لابنه الحسن: يا بني، خف الله خوفاً ترى أنك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يقبلها منك. وارج الله رجاء ترى أنك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك.
كان يقال لعبد الله بن عامر أفلح سائله.
أنشد العتبي الرشيد:

النفس تطمع والأسباب عاجزة ... والنفس تهلك بين اليأس والطمع

الطاعة لله ولرسوله ولولاة المسلمين
وذكر الانقياد والخضوع الامتثال علي رضي الله عنه: بعث رسول اله صلى الله عليه وسلم جيشاً وأمرّ عليهم رجلاً وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأجج ناراً وأمرهم أن يقتحموا فيها فأبى قوم أن يدخلوها وقالوا: إنما فررنا من النار، وأراد قوم أن يدخلوها. فبلغ ذلك النبي فقال: لو دخلوها لم يزالوا فيها. وقال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
وروي: فهم القوم أن يدخلوها فقال لهم شاب: لا تعجلوا حتى تأتوا رسول الله فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها فأتوا رسول الله، فقال لهم: لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقال: اسم الأمير عبد الله بن محرز وكانت فيه دعابة، فلما هموا بالدخول قال اجلسوا فإني كنت أضحك والعب. وقال رسول الله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
عبد الله بن عمر رضي الله عنه، رفعه: السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية الله، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.
أم الحصين: حججت مع رسول الله في حجة الوداع فسمعته يقول: إن أمر عليكم عبد مُجدّع أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا.
أبو ذر رضي الله عنه: إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع ولو كان عبداً مجدع الأطراف.
أبو هريرة رفعه: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني.
وعنه عليه السلام: عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك.
أبو العتاهية: -
أطع الله بجهدك ... عامداً أو دون جهدك
أعط مولاك كما تط ... لب من طاعة عبدك
بعث سعد بن أبي وقاص جرير بن عبد الله البجلي إلى عمر ابن الخطاب، فقال له عمر: كيف تركت الناس؟ قال: هم كقداح الجعبة منها الأعضل الطايش ومنها القائم الرايش وسعد بن أبي وقاص ثقافها الذي يقيم أودها ويغمز عضلها. قال: وكيف تركت طاعتهم؟ قال: - يصلون الصلاة لأوقاتها، ويؤدون الطاعة إلى ولاتها. فقال عمر: الله أكبر! إذا أقيمت الصلاة أوتيت الزكاة، إذا كان الطاعة كانت الجماعة.
علي رضي الله عنه: إن الله سبحانه جعل الطاعة غنيمة الأكياس عند تفريط العجزة.
قال عمر بن عبد العزيز لمؤدبه: كيف كانت طاعتي لك؟ قال: أحسن طاعة.قال فأطعني كما كنت أطيعك، خذ من شربك حتى تبدوا شفتاك، ومن ثوبك حتى يبدو عقباك.
الحجاج في خطبته: يا أيها الناس، أقدعوا هذه الأنفس فإنها أشهى شيء إذا أعطيت شيء إذا منعت، فرحم الله امرء جعل لنفسه خطاماً وزماماً فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وصرفها بزمامها عن معصية الله، فإني رأيت الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله.
شاعر:
يا من غدا لي أعز مولى ... ملكت مني أذل عبد
طاعة قلب ونصح جيب ... وأمن غيب ورعى عهد
مدح أعرابي رجلاً فقال: آخذ الناس لما به أمر، وأتركهم لما عنه زجر.
فضيل: من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد آثره عليه. ما أبالي فعلت ذلك أو صليت لغير القبلة.
إبراهيم بن أدهم: لأن أدخ النار وقد أطعت الله أحب إلي من أن أدخل الجنة وقد عصيت الله.
الحجاج: والله لطاعتي أوجب من طاعة الله. إن الله يقول: " اتقوا الله ما استطعتم " فجعل فيها مثنوية، وقال: " اسمعوا وأطيعوا " فلم يجعل فيها مثنوية فلو قالت لرجل ادخل من هذا الباب فلم يدخل لحل لي دمه.
إياس بن قتادة: -
وإن من السادات من لو أطعته ... دعاك إلى نار يفور سعيرها
أبرويز أطع من فوقك يطعك من دونك. وكان يقول: إذا أردت أن تفتضح فمر من لا يمتثل أمرك.
أسفنديار: إذا أردت أن تطاع فسل ما يستطاع. وعنه: إن المولى إذا كلف عبده ما لا يطيقه فقد أقام عذره في مخالفته.
كتب رسطاليس إلى الاسكندر: إياك أن تعهد من أصحابك طاعة المخافة فإنك تفقدها منهم أحوج ما تكون إليها. واجتهد في إحراز طاعة المحبة منهم تجدها في أي وقت أردت.

كان المنصور يقول: إن الحسن قد انتكث منذ لقيه أبو حنيفة. يريد الحسن بن قحطبة وأنه تثبط عن طاعته والإقدام على مظالمه لاستماعه لعظات أبي حنيفة رحمه الله ونصائحه وتخويفه من سطوات الله.
زيد بن علي رضي الله عنه: إذا دعوتكم إلى أمر فلم أسبقكم إليه فلا طاعة لي عليكم.
ابن رميلة الضبي:
أظن ضرار أنني سأطيعه ... وأني سأعطيه الذي كنت أمنع
إذا اغرورقت عيناه واحمر وجهه ... وقد كاد غيظاً جلده يتبضع
الحمد لله الذي جعل أهل طاعته أحياء في مماتهم، وجعل أهل معصيته أمواتاً في حياتهم.
علي رضي الله عنه: من أراد الغنى بلا مال، والعز بلا عشيرة، والطاعة بلا سلطان، فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته، فإنه واجد ذلك كله.
أبو البختري: وددت أن الله يطاع وأني عبد مملوك.
لقيط بن زرارة التميمي لعمرو بن هند:
فإنك لو غطيت أرجاء هوة ... مغمسة لا يستبان ترابها
وذلك في ظلماء ثم دعوتني ... لجئت إليها مسرعاً لا أهابها
طريح بن إسماعيل في الوليد:
لو قلت للسيل دع طريقك والمو ... ج عليه كالهضب تعتلج
لارتد أوساخ أو لكان له ... في سائر الأرض عنك منعرج
صاحب كليلة ودمنة: لا يرد باس العدو القوي بمثل الخضوع، كما أن الحشيش يسلم من الريح العاصفة بلينه لها وانسيابه معها.
قال عبد الملك للحجاج كيف طاعتك؟ قال: طاعة الحمار الحمول العمول، إن حمل عليه اثنان قال هو ذاك، وإن حمل عليه واحد قال هو ذاك، وإن أقضم رضي الله، وإن لم بقضم عمل العمل.
وكتب عبد الملك إليه ينكر عليه إسرافه في الدماء والأموال، فأجابه:
إذا أنا لم أطلب رضاك واجتنب ... أذاك فيومي لا توارى كواكبه
وما لامرئ يعصي الخليفة جنة ... تقيه من الأمر الذي هو راهبه
أسالم من سالمت من ذي قرابة ... ومن لم تسالمه فإني محاربه
إذا قارف الحجاج فيك خطيئة ... فقامت عليه في الصباح نوادبه
إذا أنا لم أدن الشفيق بنصحه ... وأقص الذي تسري إليه عقاربه
وأعطي المواسي في البلاء عطية ... ترد الذي ضاقت عليه مذاهبه
فمن يتقي يومي ويرعى مودتي ... ويخشى غدي والدهر جم عجائبه
والأمر إليك اليوم ما قلت قلته ... وما لم تقله لم أقل ما يقاربه
فقف بي إلى حد الرضا لا أجوزه ... يد الدهر حتى يرجع الدر حالبه
وإلا فذرني والأمور فإنني ... رفيق شفيق أحكمته تجاربه
أمر رجل رجلاً بأمر فقال: أنا أطوع لك من الرجاء، وأذل لك من الحذاء.
شاعر:
ولو أنه قال مت حسرة ... لسارعت طوعاً إلى أمره
آخر:
إني لأذكره فأخضع ذلة ... حتى أمسى بخدي الأرضا
آخر:
أمر من طعم كل مر ... خضوع حر لغير حر
آخر:
لا بد للمرء من سجود ... في زمن السوء للقرود
سوار بن المضرب:
أترجو بنو مروان سمعي كطاعتي ... وقومي تميم والفلاة ورائيا
علي عليه السلام: فانهد بمن أطاعك على من عصاك، واستغن بمن أنقاد معك عمن تقاعس عنك، فإن المتكاره مغيبة خير من شهوده، وقعوده أغنى من نهوضه.

الظن والفراسة، والتهمة والشك
والاسترابة والحرص والتقدير، والفكر والأضمار ابن عباس رضي الله عنه: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فقال: مرحباً بك من بيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك! والله إن المؤمن أعظم حرمة عند الله منك، لئن الله حرم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثاً: دمه، وماله وأن يظن به ظن السوء.
علي رضي الله عنه: من ظن بك خيراً فصدق ظنه.
وعنه: - اتقوا ظنون المؤمنين فإن الله تعالى جعل الحق على ألسنتهم.
وعنه: إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه خَزْية فقد ظلم، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غَرَّر.
وعنه: ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن.
عمر رضي الله عنه: لن ينتفع المرء بعقله حتى ينتفع بظنه.

وعنه: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من في أخيك المسلم سوءً وأنت تجد لها في الخير محملاً، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومنَّ من أساء الظن به.
وقلب موسوس على ناس فسألهم فردوه، فقال:
أسأت إذا أحسنت ظني بكم ... والحزم سوء الظن بالناس
قيل لعالم: - من أسوأ الناس حالاً؟ قال: - من لا يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء فعله.
طلب المتوكل جاوية الزقاق بالمدينة، فكاد يزول عقله لفرط حبه لها، فقالت لمولاها: أحسن ظنك بالله وبي فإني كفيلة لك بما تحب، فحملت. فقال لها المتوكل اقرأي، فقرأت: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة. ففهم المتوكل ما أرادت فردها.
كتب محمد بن سوقة إلى جعفر بن بُرقان: الحمد لله الذي ستر منا ومنك القبيح، وأظهر منا ومنك الحسن حتى حسن الظن بنا وبك والسلام.
أبو هريرة رفعه:إن حسن الظن بالله من حسن عبادة الله.
شاعر:
وقد كان حسن الظن بعض مذاهبي ... فأدبني هذا الزمان وأهله
بلعاء بن قيس:
وابني صواب الظن أعلم أنه ... إذا طاش ظن المرء طاشت معاذره
قيل لصوفي: ما صناعتك؟ قال: حسن الظن بالله، وسوء الظن بالناس.
ذكر رجل عند أعرابي بشدة العبادة فقال: - هذا والله رجل سوء، أيظن أن الله لا يرحمه حتى يعذب نفسه هذا التعذيب؟ النبي صلى الله عليه وسلم: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فمن رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه " .
كان ابن الزبير رضي الله عنه يقول: لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه.
قيل ليعقوب عليه السلام: إن بصر رجلاً يطعم المسكين ويملأ حجر اليتيم. فقال: ينبغي أن يكون منا أهل البيت، فنظروا فإذا هو يوسف عليه السلام.
الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان:
لقد قرفوا أبا وهب بأمر ... تكبير بل يزيد على الكبير
وأشهد أنهم كذبوا عليه ... شهادة عالم بهم خبير
أبو وهب كنية عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدب الوليد، وهو الذي أفسد الوليد وحمله على السخف والشراب، فنحاه عنه هشام فقال ذلك.
سهل الأحول كاتب إبراهيم بن المهدي: ما أحسن حسن الظن إلا أن فيه العجز! وما أقبح سوء الظن إلا أن فيه الحزم! أعرابي: تسقطني فلان فأخلفت ظنه.
النبي صلى الله عليه وسلم: " إن في كل أمة مُحدَّثين ومُرَوَّعين، فإن يكن في هذه الأمة أحد فعمر منهم " .
المحدث المصيب في حدسه كأنما حدث بالأمر، قال أوس:
مليح نجيح أخو مأقِط ... ناب يحدث بالغائب
والمروّع الذي تلقى الأمور في روعه.
أبو هريرة رفعه: إياكم والظن، فإن الظن اكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا.
وعنه عليه السلام: " يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي عبدي ما شاء. وأنا مع عبدي إذا ذكرني " .
شاعر:
أحسن بربك ظناً ... فإنه عند ظنك
الحسن: ما داء هذا الخلق كلهم إلا الشك.
محمد بن علي الصيني في طاهر بن الحسين
كأنك مطلع في القلوب ... إذا ما تناجت بأسرارها
فكرات طرفك ممتدة ... إليك بغامض أخبارها
من موالي بني سُلَيم الحسن بن السقاء لم يكن في الأرض أخرص منه وأحزر. كان ينظر إلى السفينة فيحرز ما فيها فلا يخطئ.
وكان حرصه للموزون والمكيل والمعدود سواء لا يعدله له شيء من ذلك، يقول في هذا الرمانة كذا حبة، ووزنها كذا، ويأخذ عدد الآس فيقول فيه كذا ورقة ووزنه كذا فلا يخطئ.
ابن المعتز:
تفقد مساقط لحظ المريب ... فإن العيون في وجوه القلوب
وطالع بوادره في الكلام ... فإنك تجني ثمار الغيوب
وعلي كرم الله وجهه: من تردد في الريب وطأته سنابك الشياطين.
وعنه: ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصحفات وجهه.
أشار ابن عباس على علي رضي الله عنه بشيء فلم يعمل به ثم ندم فقال: ويح ابن عباس: كأنما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق.
أبو نهشل ابن حميد الطائي:
أما والراقصات بذات عرق ... ورب البيت والركن العتيق
لقد اطلعت لي تهماً أراها ... ستحملني على مضض العقوق

قالوا: إذا رأيت الرجل يخرج بالغداة ويقول: - ما عند الله خير وأبقى، فاعلم أن في جواره وليمة لم يدع إليها. وإذا رأيت أن قوماً يخرجون من عند قاض ويقولون: ما شهدنا إلا بما علمنا، فاعلم أن شهادتهم لم تقبل. وإذا قيل للمتزوج صبيحة البناء: كيف ما قدمت عليه؟ فقال: - الصلاح خير من كل شيء، فاعلم أن امرأته قبيحة.
وإذا رأيت رجلاً يمشي ويتلفت، فاعلم أنه يريد أن يحدث. وإذا رأيت فقيراً يعدو، فاعلم أنه في حاجة غني. وإذا رأيت خارجاً من عند الوالي وهو يقول: يد الله فوق أيديهم، فاعلم أنه قد صفع.
راجز:
قوم صدور الخيل يا ابن بشر ... ذات اليمين من مغيب النسر
إياك والشك وضعف الأمر
مر ولد نزار في طريقهم إلى الأفعي الجرهمي بكلأ قد رعي، فقال مضر: إن البعير الذي رعى هذا أعور، وقال ربيعة: وهو أزور، وقال إياد: وهو أبتر، وقال أنمار: وهو شرود. فلقيهم صاحب البعير فسألهم، فأعطوه صفته، فاستدلهم عليه، فقال: ما رأيناه فلزمهم وذهب معهم إلى الأفعى، فقال: كيف وصفتموه ولم تروه؟ فقال مضر: رايته يرعى جانباً ويدع جانباً فعرفت أنه أعور.
وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدة الأثر فعلمت أنه أفسده بشدة وطئه لازوراره. وقال إياد: عرفت بتره باجتماع بعره ولو كان ذيالاً لمصح به، وقال أنمار: كان يرعى بالمكان الملتف ثم يجوزه إلى مكان آخر أرق منه وأخبث فعلمت أنه شرود. فقال للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه. ثم رحب بهم ودعا لهم بطعام وشراب وخرج من عندهم وتسمع عليهم، فقال مضر: لم أر كاليوم خمراً لولا أنها نبتت على قبره. وقال ربيعة: لم أر كاليوم لحماً لولا أنه ربي بلبن كلبة. وقال إياد: لم أر كاليوم رجلاً لولا أنه ليس لأبيه الذي يدعي إليه، وقال أنمار: لم أر كاليوم كلاماً أنفع لولا أن صاحبنا يسمع.
فقال: ما هؤلاء إلى شياطين، وكان الأمر كما حدسوا.
ابن عباس في عمر رضي الله عنه: ما رأيته إلا وكأن بين عينيه ملك يسدده.
الحسن: أوصيكم بتقوى الله وإدامة التفكر، فإن التفكر أبو كل خير وأمه.
وعنه من عرف الله أحبه، ومن عرف الدنيا زهد فيها.
والمؤمن لا يلهو حتى يغفل، فإذا تفكر حزن.
سال سعيد بن المسيب أيوب السخياني عن حديث فقال: إني أشك فيه. فقال: شكك أحب إلي من يقين شعبة.
عين المرء عنوان قلبه.
قيل لرقبة بن مصقل: ما أكثر منا تشك؟ فقال ما ذلك إلا محاماة عن اليقين.
جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: " لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله " .
التفكر قبل العمل يرفع هيبة البديهة.
لما خرج عبد الملك يريد مصعباً عرض له كثير فقال: يا كثير ذكرتك اليوم فما تكاد تخرج من بالي، فإن أنبأتني لم ذكرتك فاحتكم علي فيما أدفعه إليك. قال: نعم، أردت الشخوص إلى هذا الوجه فنهتك عاتكة بنت يزيد، فلما جددت بكت فبكى لبكائها حشمها، فذكرت قولي:
إذا ما أراد الغزو لم يئن همه ... حصان عليها عقد در يزينها
نهته فلما لم تر النهي عاقه ... بكت فبكى مما عراها قطينها
قال: قد والله أصبت فاحتكم، قال: مائة ناقة برعاتها، فدفعها إليه ثم قال: هل لك أن تصحبنا في هذا الوجه؟ فقال: احزر هذه وارجع إليك.
قال: إنك قد صدقتني فوفيت لك، أفرأيت أن أنبئك بما في نفسك أتحكمني؟ قال: أي والله، قال: قد قلت في نفسك هذا عائد عن الحق من أهل النار يخرج إلى مثله، فلعله يصيبني سهم غرب فالحق بالذي أنا معه. قال: قد أصبت يا أمير المؤمنين فاحتكم. قال: حكمي عليك أن اصل هذه الإبل لك بألف دينار وأعجل سراحك.

الظلم وذكر الظلمة وما عليهم
والأذى وقسوة القلب، وما اتصل بذلك أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله عبداً كان لأخيه قِبَله مظلمة في عرض أو مال فأتاه فنحلله منها قبل أن يأتي يوم القيامة ليس معه دينار ولا درهم.
جابر بن عتيك رفعه: من اقتطع شيئاً من مال امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة. قالوا يا رسول الله وإن شيء يسير؟ قال: ولو قضيب من أراك.
حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوحي إلي يا أخا المرسلين، يا أخا المنذرين أنذر قومك فلا يدخلوا بيتاً من بيوتي

ولأحد من عبادي عند أحد منهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائماً يصلي بين يدي يرد تلك الظلامة إلى أهلها، فأكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة.
ابن عمر رفعه: لرد دانق حرام يعادل عند الله سبعين حجة مبررة.
أبو هريرة رفعه: لا يغبطن ظالم بظلمه فإن له عند الله طالباً حثيثاً، ثم قرأ: كلما خبت زدناهم سعيراً.
علي رضي الله عنه رفعه: إياكم ودعوة المظلوم، فإنما سأل الله حقه، وإن الله لا يمنع من ذي حق حقه.
خزيمة بن ثابت رفعه اتقوا دعوة المظلوم، فإنما تحمل على الغمام، يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.
علي رفعه: يقول الله اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصراً غيري.
النابغة الجعدي لعقال بن خويلد العقيلي:
كليب لعمرو الله كان أكثر ناصراً ... وأهون ذنباً منك ضرج بالدم
رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المُسَهَّم
مر عامر بن بهدلة برجل قد صلبه الحجاج فقال: يا رب إن حلمك على الظالمين قد أضر بالمظلومين. فرأى في منامه أن القيامة قد قامت وكأنه قد دخل الجنة، فرأى المصلوب فيها في أعلى عليين، وإذا مناد ينادي: حلمي على الظالمين أحل المظلومين في أعلى عليين.
بعض السلف: دعوتان أرجو إحداهما وأخاف الأخرى: دعوة مظلوم أعنته، ودعوة ضعيف ظلمته.
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين يتشاجران، وكان أحدهما يتعدى ويتطاول، وصاحبه يقول: حسبي الله، حسبي الله، فقال عليه السلام: يا رجل، ابل من نفسك عذراً، فإذا أعجزك الأمر فقل حسبي الله.
من سلب نعمة غيره سلب غيره نعمته.
زياد: يعجبني من الرجل إذا سيم خُطة الضيم أن يقول بملء فيه: لا.
عمر بن عبد العزيز: الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، وقرة بن شريك بمصر، وعثمان بن حيان بالحجاز، ومحمد بن يوسف باليمن!امتلأت الأرض والله جوراً.
لرجل من أزد شنوءة استعدى عتبة بن أبي سفيان وقد ظلمه عامله: -
أمرت من كان مظلوماً ليأتيكم ... فقد أتاكم غريب الدار مظلوم
نقش خاتم أنوشروان: لا يكون العمران حيث يجور السلطان.
كان أبو ضمضم على شرطة الكوفة، فلم يحدث في عمله حادث، فأخذ رجلاً من عرض الناس فجردوه للسياط، واجتمع عليه النظارة، فقال الرجل: - ما ذنبي أصلحك الله؟ قال: - أجب أن تجملنا بنفسك ساعة.
سمع مسلم بن يسار رجلاً يدعو على من ظلمه فقال: كل الظلوم إلى ظلمه فهو أسرع فيه من دعائك إلا أن يتداركه الله بعمل، وقَمِن أن لا يفعل.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: أما بعد فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله على عقوبتك وذهاب ما تأتي إليهم وبقاء ما يؤتى إليك والسلام.
كان علي بن الحسين يقول كلما ذر شارق: اللهم إني أعوذ بك أن أظلِم أو أُظلَم، وأعوذ بك أن أبغي أو يبغي علي.
علي رضي الله عنه: ولئن أمهل الله الظالم فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد على مجاز طريقه، وبموضع الشجى من مساغ ريقه.
طرفة:
والظلم فرق بين حيي وائل ... بكر فساقتها المنايا تغلب
الأفوه:
وبشؤم البغي والغشم قديماً ... ما خلا جوف ولم يبق حمار
جوف: وادٍ كان لحمار بن طويلع بن عاد.
أنوشروان: رفع غليه أن عامل الأهواز قد جبى من المال ما يزيد على الواجب، فوقع برد المال على الضعفاء، فإن الملك إذا كثر أمواله بما يأخذ من رعيته كان كمن يعمر سطح بيته بما يقتله من قواعد بنائه.
يقال: كسره كسر الجوز، وقشره قشر اللوز، وأكله أكل الموز، إذا نهكه ظلماً.
من كثر شططه كثر غلطه.
الظلم يجلب النقم، ويسلب النعم.
من طال عدوانه زال سلطانه.
لولا الداعون لهلك العادون.
من جمع به العدوان جنح عليه الإخوان.
لا تندم على فرض أقمته، وظالم وقمته.
رثى في طول لوح في أفق السماء مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله وتحته:
فلم أر مثل العدل للمرء رفعة ... ولم أر مثل الجور للمرء واضعاً
شاعر:
كنت الصحيح وكنا منك في سقم ... فإن سقمت فإنا السالمون غدا
دعت إليك أكف طالما ظُلمت ... ولن ترد يد مظلومة أبدا

النبي صلى الله عليه وسلم: " لو بغى جبل على جبل لدك الباغي " .
وعنه عليه السلام: " أعجل الشر عقوبة البغي " .
فيروز بن يزد جرد: من سل سيف البغي قتل به. ومن أوقد ناراً للفتنة كان وقوداً لها.
النجاشي: الملك يبقى على الكفر ولا يبقى على الظلم.
علي رضي الله عنه: يم المظلوم على الظالم أشد من يوم المظالم على المظلوم.
معاوية: إني لأستحي أن أظلم من لا يجد علي ناصراً إلا الله.
كان الناس يتلاقون بعد قتل المنتصر أباه فيقولون: والله لا عاش إلا ستة أشهر كما عاش شيروبه بن كسرى حين قتل أباه. فكان كما ظنوا.
وروي أن سبب موته أنه فصد بمبضع مسموم، والطبيب الذي فصده احتاج إلى الافتصاد بعد ذلك، فأخرج إلى تلميذه دست مباضع وفيها ذلك المبضع، فاتفق أنه فصده به فمات الطبيب.
ورأى أباه في المنام فقال له: ظلمتني وقتلتني لا تمتعت بالخلافة إلا أياما.
وقال لأمه حين احتضر: عاجلت فترجلت.
أبو العيناء: كان لي خصوم ظلمة فشكوتهم إلى أحمد بن أبي داود، وقلت: قد تظافروا علي وصاروا يداً واحدة، فقال: يد الله فوق أيديهم. قلت: إن لهم مكراً، قال: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، قلت:هم كثير، قال: - كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله.
شاعر:
لا تبع عقدة مالٍ ... خيفة الجار الغشوم
واصطبر لنفسك الجا ... ري على كل ظلوم
فهو الدائر بالأمس على آل سدوم
يزعم الأعراب أن الله تعالى لم يدع ماكساً غلا أنزل به بلية، وأنه مسخ منهم اثنين ذئباً وضبعاً. وأن الضب وسهيلاً كان ماكسين، فمسخ الله أحدهما في الأرض والآخر في السماء.
قال الحكم بن عمرو البهراني:
مسخ الماكسين ضبعاً وذئباً ... فلهذا تناجلا أم عمرو
مسخ الضب في الجدالة قدما ... وسهيل السماء عمداً بصغر
الجدالة الأرض.
نظر دهقان يعذب في الخراج إلى الوالي يعطي الناس الجوائز فقال: أيها الأمير إن كنت إنما تظلم لمن ترحم فارحم من تظلم، فنفّس عنه.
قال كعب: نهيق الحمار دعاء الظلمة، فحدث به المسيب بن شريك فقال: لو علمت أن هذا حق لزدت في قضيم حماري.
عبد الله بن الفضل في قتل المتوكل ابن الزيات:
يكاد القلب من فزع يطير ... إذا ما قيل قد قتل الوزير
أمير المؤمنين هدمت ركناً ... عليه رجاكم كانت تدور
فمهلاً يا بني العباس مهلاً ... لكم في كل ناحية عقير
كأن الله صيركم ملوكاً ... لئلا تعدلوا ولأن تجوروا
كان أبو مسلم بعرفات يقول: اللهم إني تائب إليك مما لا أظنك تغفره لي. فقيل له: أيعظم على الله غفران ذنب؟ فقال: إني نسجت ثوب ظلم لا يبلى ما دامت الدولة لبني العباس، فكم من صارخة نلعنتي عند تفاقم الظلم؟ فكيف يغفر لمن هذا الخلق خصماؤه.
وقيل له مرة: لقد قمت بأمر لا يقصر بك عن الجنة، فقال: خوفي فيه من النار أولى من الطمع في الجنة، أني أطفأت من بني أمية جمرة وألهبت من بني العباس نيراناً، فإن أفرح بالإطفاء فواحزنا من الإلهاب.
خطب الحجاج فقال: أتزعمون أني شديد العقوبة وهذا أنس حدثني أن رسول الله قطع أيدي رجال وأرجهلم وسمل عيونهم. قال أنس: فوددت أني مت قبل أن حدثته.
محمد بن عبد الله النفس الزكية:
متى نرى للعدل نوراً فقد ... أسلمني ظلم إلى ظلم
أمية طالت عداتي بها ... كأنني فيها أخو حلم
علي رفعه: إياكم والظلم فإنه يخرب قلوبكم.
وعنه مرفوعاً: الويل لظالم أهل بيتي، عذابهم مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
وعنه: ألا وإن الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك وظلم مغفور لا يطلب. فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، قل الله سبحانه: إن الله لا يغفر أن يشرك به، وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات، وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضاً. القصاص هناك شديد ليس هو جرحاً بالمُدى ولا ضرباً بالسياط ولكنه ما يستصغر ذلك معه.
وعنه: لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه يسعى في مضرته ونفعك.
أبو مخلد: في قوله تعالى: ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون تعزية للمظلوم ووعيد للظالم.

أبصر أبو هريرة رجلاً يعظ رجلاً. فقال آخر: دعه فإن الظالم لا يضر إلا بنفسه. فقال أبو هريرة: كذبت، والذي نفسي بيده إنه ليضر غيره، حتى أن الحباري لتموت في وكرها بظلم الظالم.
جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه لما قدم على رسول الله من الحبشة، فسأله ما أعجب ما رأيت ببلاد الحبشة؟ قال: رأيت امرأة على رأسه مكتل فيه دقيق، إذ مر فارس فزحمها فألقى المكتل فانصب الدقيق. فجعلت تجمعه وتقول: ويل لك من ديان يوم الدين إذا وضع كرسيه للقضاء، فأخذ للمظلوم من الظالم. فقال رسول الله: لا تقدس الله أمة لا يأخذ فيها لضعيفها حقه غير متعتع.
أبو ذر رفعه: يقول الله تعالى إني حرمت الظلم على نفسي، وحرمته على عبادي، فلا تظالموا.
أوس بن شرحبيل رفعه: من مشي مع ظالم ليعينه، وهو يعلم أنه ظالم، فقد خرج من الإسلام.
وعنه عليه السلام: " من مشى خلف ظالم سبع خطات فقد أجرم " ، وقال تعالى: " إنا من المجرمين منتقمون " .
يوسف بن أسباط: من دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن يعصي الله في أرضه.
الأحنف: من ظلم نفسه كان لغيره أظلم، ومن هدم دينه كأن لمجده أهدم.
أبو المطراب من لصوص الحجاز وقد تاب فظلم:
ظلمت الناس فاعترفوا بظلمي ... فتبت فأزمعوا أن يظلموني
فلست بصابر إلا قليلا ... فإن لم ينتهوا راجعت ديني
محمد بن يزداد بن سيود وزير المأمون:
لا تأمنن الدهر حراً ظلمته ... فما ليل حر إن ظلمت بنائم
الهيثم بن فراس السامي من بني سامة بن لؤي في الفضل بن مروان:
تجبرت يا فضل بن مروان فاعتبر ... فقبلك كان الفضل والفضل والفضل
ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم ... أبادهم الموت المشتت والقتل
وقمت كما قام الثلاثة ظالماً ... ستودي كما أودي الثلاثة من قبل
يريد الفضل بن يحيى، والفضل بن الربيع، والفضل بن سهل.
علي رضي الله عنه: لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً، وأجر في الأغلال مصفداً، أحب غلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام. وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قُفولها، ويطول في الثرى حلولها.
والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها تعلى أن أعصي اله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها. ما لعلي ولنعيم يفنى، ولذة لا تبقى، نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل.
أوحى الله إلى موسى: يا موسى قل لظلمة بني إسرائيل يقلوا من ذكري، فإني أذكر من ذكرني منهم بلعنة حتى يسكت.
قال منصور بن المعتمر لابن هبيرة حين أراده على القضاء: ما كنت لألي بعدما حدثني إبراهيم. قال: وما حدثك؟ قال: حدثني عن علقمة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الظلمة وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتى من يرى لهم قلماً أو لاق لهم دواة، فيجتمعون في تابوت حديد ثم يلقى بهم في جهنم.
كان الفضل بن صالح بن عبد الملك الهاشمي يهوى جارية أخيه عبيد بن صالح فسقى أخاه سماً فقتله وتزوجها. فقال ابن برد الشامي وقد ظلمه في أرض له:
لئن كان فضل بزني الأرض ظالماً ... لقبلي ما أردى عبيد بن صالح
سقاه نشوعياً من السم ناقعاً ... ولم يكتئب من مخزيات الفضائح
كان أسلم بن زرعة والي خراسان من قبل عبيد الله بن زياد ينبش قبور الأعاجم فربما أصاب فيها الذهب والفضة. فقال بيهس بن صهيب الجرمي:
تعوذ بحجر واجعل القبر في الصفا ... من الأرض لا ينبش عظامك أسلم
هو النابش القبر المحيل عظامه ... لينظر هل تحت السقائف درهم
أبو الدرداء: إياك ودمعة اليتيم ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام.
ظُلم أعرابي من بكر بن وائل فقتل ظالمه بعنف فقال:ما أساء من قتل ظالمه. فقيل: أتحب أن تلقي الله ظالماً أو مظلوماً؟ قال: بل ظالماً، ما عذري عند الله قال حلقتك مثل البعير ثم تجيء تشكو إلي؟

علي رضي الله عنه: أوحى الله إلى المسيح قل لبني إسرائيل لا تدخلوا بيتاً من بيوتي إلا بأبصار خاشعة، وقلوب طاهرة، وأيد نقية، وخبرهم أني لا أستجيب لأحد منهم دعوة ولأحد من خلقي لديهم مظلمة.
محمد بن يوسف الأصبهاني الزاهد، كتب إليه أخوه يشكو السلطان فأجابه: إن من عمل المعاصي لا ينكر العقوبة.
خطب الحسن بن علي رضي الله عنهما فذكر مفاخرة، فقال معاوية: عليك بالرطب، يعين أنك لا تصلح للخطب أراد أن يخجله ويقطعه. فاستمر في خطبته. فقال معاوية: إنك لترجو الخلافة ولست هناك. فقال: إن الخلافة لمن سار بسيرة رسول اله صلى الله عليه وسلم وسيرة صاحبيه وعمل بطاعة الله، وليست الخلافة لمن عمل بالجور وعطل الحدود، ومن لم يعمل بمثل سيرتهما كان ملكاً من الملوك يتمتع في ملكه فكان قد انقطع عنه وبقيت تبعته عليه، فهو كما قال الله تعالى: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.
دخل على هشام، في متنزه له قد تكلف فيه، رجل ألقى إليه صحيفة وتلمس، فإذا فيها بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد، فتدر عليه يومه، ومات بعد أيام.
قيل للمنصور: في حبسك محمد بن مروان فلو أمرت بإحضاره ومسألته عما جرى بينه وبين ملك النوبة. فقال صرت إلى جزيرة النوبة في آخر أمرنا، فأمرت بالمضارب فضربت، فخرجت النوبة يتعجبون، وأقبل ملكهم رجل أصلع طوال حاف عليه كساء، فسلم وجلس على الأرض، فقلت: ما بالك لا تقعد على البساط؟ فقال: أنا ملك، وحق لكل من رفعه الله أن يتواضع له إذا رفعه، ثم قال: ما بالكم تطأون الزروع بدوابكم والفساد محرم عليكم في كتابكم؟ قلت: أشياعنا فعلوه بجهلهم. قال: فما بالكم تلبسون الديباج وتتحلون بالذهب والفضة وهي محرمة عليكم على لسان نبيكم؟ قلت: فعل ذلك أعاجم من خدمنا كرهنا الخلاف عليهم. فجعل ينظر في وجه ويكرر معاذيري على وجه الاستهزاء. ثم قال: ليس كما تقول يا ابن مروان، ولكنكم ملكتم فظلمتم، وتركتم ما أمرتم به فأذاقكم الله وبال أمركم، ولله فيكم نقم لم تبلغ، وإني أخشى أن تنزل بك وأنت في أرضي فتصيبني معك، فارتحل عني.
وجد تحت فراش يحيى بن خالد البرمكي رقعة فيها:
وحق الله إن الظلم لؤم ... وإن الظلم مرتعه وخيم
إلى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم
وجد القاسم بن عبيد الله وزير المكتفى في مصلاه رقعة فيها:
بغي وللبغي سهام تنتظر ... أنفذ في الأحشاء من وخز الإبر
سهام أيدي القانتين في السحر
أنس رفعه: إن الله نظر إلى أهل عرفات فباهى بهم الملائكة قال: انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً قد أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق. فاشهدوا أني قد غفرت لهم، إلا التبعات التي بينهم.
لقي رجل من المهاجرين العباس بن عبد المطلب فقال: يا أبا الفضل، أرأيت عبد المطلب بن هاشم والغيطلة كاهنة بني سهم جمعهما الله في النار. فصفح عنه، ثم قال، فصفح عنه، فلما كانت الثالثة رفع يده فوجأ أنفه. فانطلق إلى رسول الله، فلما رآه قال: ما هذا؟ قال: العباس، فأرسل إليه وقال: ما أردت إلى رجل من المهاجرين؟ فقص عليه القصة وقال: ما ملكت نفسي وما إياه أراد ولكن أرادني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال أحدكم يؤذي أخاه في الشيء وإن كان حقاً؟.
قدم ابن أبي جهل المدينة، فجعل يمر في الطريق فيقول الناس: هذا ابن أبي جهل، فذكر ذلك لأم سلمة فذكرته لرسول الله. فخطب الناس وقال: لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات.
فضيل: والله ما يحل لك أن تؤذي كلباً ولا خنزيراً بغير حق، فكيف تؤذي مسلماً؟ عبيد الله بن الحر:
تبيت النشاوى من أمية نوماً ... وبالطف قتلى ما ينام حميمها
وما ضيع الإسلام إلا عصابة ... تأمر نوكاها ودام نعيمها
فأضحت قناة الدين في كل ظالم ... إذا أعوج منها جانب لا يقمها
فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة ... وعيني تبكي لا تجف سجومها
حياتي أو تلقى أمية خزية ... يذل لها حتى الممات زعيمها

رفعت قصص إلى المهدي فإذا قصة مكتوب عليها قصة صاحب السمكة. فقال: ما هي؟ فقال الربيع: بيننا أبوك مشرفاً على دجلة إذ بصر بملاح صاد سمكة، فوجه إليه خادماً يشتريها، فاستلمها بدينار فأبى، وباعها من تاجر باثني عشر درهماً. فاستحضر التاجر وقد سوى السمكة فأخذها منها وأكلها وقال: لو لم يكن معك مال لما اشتريت سمكة باثني عشر درهماً وأمر خادمه بأن يذهب إلى منزله ويحمل ما أصاب في صناديقه. فجاء ببدرتين. فقال: أنا رجل معيل وعلي مؤونة. فأعطاه منها أربعمائة درهم يتعيش بها.
فأمر المهدي أن تطلب البدرتان في بيت المال، فجيء بها مكتوب عليها مال صاحب السمكة، فقال المهدي: اجعل أبي في حل فإنه كان مسرفاً على نفسه، وخذ المال.
جابر بن عبد الله يرفعه: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم.
أبو موسى رفعه: إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، وقرأ: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة أن أخذه أليم شديد.
أبو هريرة رضي الله عنه: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: " من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه " .
وعنه مرفوعاً: " بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخره، فشكر الله له فغفر له " .
وروي: لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس.
أبو برزة: قلت يا رسول الله علمني شيئاً أنتفع به، قال: اعزل الأذى عن طريق المسلمين.
حج سليمان بن عبد الملك فلقيه طاووس، فقيل حدث أمير المؤمنين، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من أعظم الناس عذاباً يوم القيامة من أشركه الله في سلطانه فجار في حكمه " . فتغير وجه سليمان.
ذكر هشام عند محمد بن كعب القرظي، وثم محمد بن على بن الحسين، فوقع فيه فقال القرظي: ليس بأسيافكم ترجون أن تنالوا ما تريدون. إن ملكاً من ملوك بني إسرائيل عتا عليهم، فانطلق نفر إلى خيرهم فقالوا: نخرج عليه؟ فقال: ليس بأسيافكم ترجون أن تنالوا ما تريدون، ولكن انطلقوا فصوموا عشراً وقوموا ولا تظلموا فيها أحداً ولا تطأوا فيها امرأة فجاءوا بعد عشر، فقال: - زيدوا عشراً أخرى، فلم يزالوا حتى بلغوا أربعين. ثم قال لهم: - اجتمعوا وادعوا الله أن يكفيكم، ففعلوا. فدعا الملك ببرذون له وأمر سائسه أن يسرجه، فتشاغب وامتنع البرذون، فغضب الملك فقام فأسرجه وركبه، فجمح به حتى ألقاه، فتقطع وهلك. فقال الحبر: هكذا إذا أردتم أن تقتلوا من ظلمكم.
وفي الحديث إن الله يقول: " لا يذكرني عبدي الظالم حتى ينزع عن ظلمه، فإنه من ذكرني كان حقاً علي أن أذكره، وإني إذا ذكرت الظالمين لعنتهم " .
مجاهد: يسلط الله على أهل النار الجرب فيحكوا حتى تبدو عظامهم، فيقال لهم: هل يؤذيكم هذا؟ فيقولون: أي والله. فيقال هذا بما كنتم تؤذون المؤمنين.
؟

العتاب، والتريث، والشكوى
والبث، والاستعطاف، وما أشبه ذلك.
أنس رضي الله عنه: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين بالمدينة، وأنا غلام ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن يكون عليه، فما قال أف قط، وما قال لي: لم فعلت هذا؟ ولا فعلت هذا! وعنه عليه السلام: " إذا زنت خادم أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب، وروي: - ولا يعيرها - " عاتب عثمان علياً رضي الله عنهما وعلي مطرق، فقال: مالك لا تقول؟ إن قلت لا أقول إلا ما تكره وليس لك عندي إلا ما تحب.
في الإنجيل: إن ظلمك أخوك فاذهب إليه فعاتبه فيما بينك وبينه فقط، فإن أطاعك ربحت أخاك، وإن هو لم يطعك فاستتبع رجلاً أو رجلين ليشهدا ذلك الكلام كله. فإن لم يستمع فإنه أمره إلى أهل السعة، فإن هو لم يسمع من أهل السعة فليكن عندك كصاحب المكس وروي عن عيسى صلوات الله عليه: إذا كانت بينك وبين أخيك معاتبة فالقه فسلم عليه، واستغفر لك وله، فإن قبل فأخوك، وإن أبى فأشهد عليه شاهدين أو ثلاثة أو أربعة، فعلى ذلك تقوم شهادة كل شيء، أو مجلس قومه، فإن قبل فأخوك، وإن أبى فليكن كصاحب مكس، أو كمن كفر بالله.
أبو الدرداء: معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله؟ شاعر:
خليلي لو كان الزمان مساعدي ... وعاتبتماني لم يضق عنكما صدري

فأما إذا كان الزمان محاربي ... فلا تجمعا أن تؤذياني مع الدهر
كتب الصولي إلى ابن الزيات:
وكنت أخي بإخاء الزما ... ن فلما نبا جربا عوانا
وكنت أذم إليك الزما ... ن فأصبحت فيك أذم الزمانا
وكتب إليه:
أخ كنت آوى منه عند ادكاره ... إلى ظل فينان من العز باذخ
سعت نوب الأيام بيني وبينه ... فأقلعن منا عن ظلوم وصارخ
وإني وإعدادي لدهري محمداً ... كملتمس إطفاء نار بنافخ
إياس بن معاوية: خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلما كان ببعض المنازل لقيه ابن عم له فتعانقا وتعاتبا، وإلى جانبهما شيخ من الحي يفن، فقال لهما: أنعما عيشاً، إن المعاتبة تبعث التجني والتجني يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة.
شاعر:
فدع ذكر العتاب فرب شر ... طويل هاج أوله العتاب
قال رجل لصديق يعاتبه: ما أشكوك إلا إليك، ولا استبطئك إلا لك، ولا أستريدك إلا بك.
وقال له: أنا منتظر واحدة من اثنتين عتبي تكون منك، أو عقبي تغنى عنك. وقال له: قد حميت جانب الأمل فيك، وقطعت أسباب الرجاء منك. وقد أسلمني اليأس منك إلى العزاء عنك فإن نزعت من الآن فصفح لا تثريب فيه، وإن تماديت فهجر لا وصل بعده.
أوس بن حارثة لابنه: العتاب قبل العقاب.
ابن أبي فنن:
إذا كنت تغضب في غير ذنب ... وتعتب من غير جرم عليا
طلبت رضاك فإن عزني ... عددتك ميتاً وإن كنت حيا
سأل سفيان بن الأبرد الكلبي هنداً بنت أسماء بن خارجة امرأة الحجاج أن تكلمه في شأنه فمطلته فقال:
أعاتب هنداً والسفاه عتابها ... وماذا أرجى من معاتبتي هندا
أغيب فتنسى حاجتي وتصوغ لي ... حديثاً إذا ما جئتها يقطر الشهدا
قال مدني لأبي مروان القاضي: أيها القاضي، إلى متى استمطرك غيث الجميل، واستطلعك شمس الإحسان، وأنت تخوف برعد المطل. وتؤنس ببرق التسويف.
كاتب: أنت فتى المجد، ومعدن الحرية، ووطن الأدب، ومن كانت هذه صفاته فالخروج عن مودته جهل، فضلاً عن الدخول في عداوته. وأنا وأنت أخوا مودة، ورحم المودة أمس من رحم القرابة، فكيف رشت سهامك؟ أم كيف امتحنت بعداوتك؟ ولكنه كما قال:
بلي قد تهب الريح من غير وجهها ... ويقدح في العود الصحيح القوادح
أبو الزبرقان الكاتب:
صحبتك إذ أنت لا تصحب ... وإذ أنت لا غيرك الموكب
وإذا أنت تكثر ذم الزمان ... ونفسك نفسك تستحجب
عمرو بن الأيهم بن الأقلت النصراني:
قاتل الله قيس عيلان طراً ... ما لهم دون غارة من حجاب
ليس بيني وبين قيس عتاب ... غير طعن الكلى وضرب الرقاب
من أحوجك إلى العتب فقد وطن نفسه على الهجر.
قدم ابن ذكاء المعتصم وكان شيخ الرملة والمشار إليه في فلسطين على ابن قريعة القاضي فقدم على ما ساءه وناءه حتى قال: لقد اقشعر جلدي بتلك الديار من ضيم لعله ما كان ينالني، ولو نالني لما كان يغيظني، وأسندت نفسي إلى ابن عم لي بالعراق، ولو سلخني المغاربة سلخاً، ونفخوا في جلدي نفخاً، لكان أهون علي مما عاملني به.
كتبت عثعث على زر قميصها بالذهب:
علامة ما بين المحبين في الهوى ... عتابها في كل حق باطل
وكتبت مستهام جارية الفضل بن الربيع على تفاحة إليه:
تمنى الرجال ما أحبوا وإنني ... تمنيت أن أشكوا إليه فيسمعا
غيره: -
وكنت إذا ما جئت أكرمت مجلسي ... ووجهك من ماء البشاشة يقطر
فمن لي بالعين التي كنت مرة ... إلي بها في سالف الدهر تنظر
الأحنف: شكوت إلى عمي صعصعة بن معاوية وجعاً في بطني، فنهرني ثم قال: يا ابن أخي، إذا نزل بك شيء فلا تشكه إلى أحد، فإنما الناس رجلان، صديق تسوءه، وعدو تسره، والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه، ولكن إلى من ابتلاك به، وهو قادر على أن يفرج عنك.
يا ابن أخي إحدى عيني هاتين ما أبصر بها سهلا ولا جبلاً من أربعين سنة، وما اطلعت على ذلك امرأتي ولا أحد من أهلي.
أبو دلف:

وإذا عوتب في سيئة ... لم يدعها وتعاطى أختها
محمد بن أمية بن أبي أمية:
وأضمر في قلبي العتاب فإن بدا ... وساعفني منه اللقاء نسيت
غيره:
ومن لم يعاتب في التواني خليله ... وأملي له صار التواني تماديا
آخر:
ترك العتاب إذا استحق أخ ... منك العتاب ذريعة الهجر
شكى رجل إلى آخر الفقر، فقال له فضيل يا هذا أتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك.
آخر:
شكوت وما أشكو لمثلي عادة ... ولكن تفيض النفس عند امتلائها
آخر:
وكم من أخ ناديت عند ملمة ... فألفيته منها أمض وأقدحا
المتنبي:
لا تشك يوماً إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرخم
وهيب بن الورد: - خالطت الناس منذ خمسين سنة فما وجدت رجلاً غفر لي زلة، ولا أقالني عثرة، ولا ستر لي عورة، ولا أمنته إذا غضب.
ما أصغيت لك إناء، ولا أصننت لك فناء، أي ما فعلت بك ما يوجب الشكاية.
قوله:
وأراك تشربني فتمزجني ... ولقد عهدتك شارباً صرفا
مثل في ترك اختصاصه بالمودة، وهو في غاية الجودة.
شاعر:
يا ذا الذي منه التنك ... ر والتنفر والتبؤ
إن كان أدركك الملا ... ل فقد تداركني السلؤ
غيره:
كل يوم قطيعة وعتاب ... ينقضي دهرنا ونحن غضاب
كثرة العتاب تنغل أديم المودة.
عتاب جحظة مثل فيما رق ولطف، قال:
ورق الجو حتى قيل هذا ... عتاب بين جحظة والزمان
وللبديع الهمداني: بيننا عتاب لحظة كعتاب جحظة واعتذارات بالغة كاعتذارات النابغة.
في نوابغ الكلم: الكتاب أن أردت العتاب. إن العتاب مسافهة إذا كان مشافهة.
قابوس: أراك واهي الود، غير زاكي السب في منابت الحب. الوفاء عندك بمنزلة الأبلق العقوق، والصفاء لديك مشوب برنق العقوق.
كثير:
ومن لا يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه من يمت وهو عاتب
ومن يتتبع جاهداً كل عثرة ... يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
بشار:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
كان أحمد بن يزيد المهلبي نديماً للمنتصر فطلبه أبوه المتوكل لمنادمته، فلم يزل نديمه حتى قتل، فلما ولي المنتصر حجبه، ثم أذن له وأمر بنان بن عمرو المغني، فغنى:
غدرت ولم أغدر وخنت ولم أخن ... ورمت بديلاً ولم أتبدل
والبيت للمنتصر، فاعتذر المهلبي، فقال المنتصر: إنما قلته مازحاً، أتراني أتجاوز بك حكم الله: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم. ووصله بثلاثة آلاف دينار.
حبس عبد الله بن علي المستهل بن الكميت، فكتب إليه:
إذا نحن خفنا في زمان عدوكم ... وخفناكم إن البلاء لراكد
زهير بن صرد السعدي أسر يوم حنين فيمن أسر من هوازن، فقال يستعطف رسول الله ويذكره بحرمة الرضاع في بني سعد
امنن على عصبة أعناقهم ذلل ... مفرق شملها في دارها غير
وامنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملأها من محضها درر
لا تجعلنا كمن شالت نعامته ... واستبق منا فإنا معشر شكر
وألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك أن العفو منتظر
فمن عليهم رسول الله. أي هو مترقب منك تفعله لا محالة، أو عفو الله منتظر يعفو عن الطاغين من عباده.
عثمان بن مظعون رضي الله عنه هاجر إلى أرض الحبشة فبلغه من أمية بن خلف كلام فقال:
تريش نبالاً لا يواتيك ريشها ... وتبرى نبالاً ريشها لك أجمع
فكيف إذا تابتك يوماً ملمة ... وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع
المؤمل بن أميل المحاربي:
شكوت ما بي إلى هند فما اكترثت ... يا قلبها أحديد أنت ما حجر
لا تحسبيني غنياً إن مودتكم ... إني إليك وإن أيسرت مفتقر
منصور النمري:
أقلل عتاب من استربت بوده ... ليست تنال مودة بقتال
معبد بن أخضر المازني
لقد طال إعراضي وصفحي عن التي ... أبلغ عنكم والقلوب قلوب

وطال انتظاري عطفة الرحم منكم ... ليرجع حلم والمعاد قريب
ولست أراكم تحرمون عن التي ... كرهنا ومنها في القلوب ندوب
فلا تأمنوا منا كفاءة فعلكم ... فيشمت خصم أو يساء حبيب
ويظهر منا في المقال ومنكم ... إذا ما ارتميتا بالمقال عيوب
فإن لسان الباحث الداء ساخطاً ... بني مازن ألوى البيان كذوب
قعنب بن أم صاحب:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به ... وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا
محمد بن جميل التميمي الكاتب:
لئن أنا لم أبلغ بجاهك حاجة ... ولم يك لي فيما وليت نصيب
وأنت أمير الأرض من حيث اطلعت ... لك الشمس قرنيها وحيث تغيب
أبا غانم أني إذا لبروضة ... لغيري يصفو رعيها ويطيب
محمود بن مروان بن أبي حفصة:
رحلت إلى أغر أبت جدودي ... إلى أجداده إلا ارتحالا
وله:
أزور إمام الهدى جعفراً ... وكان لجديه جدي زؤوراً
وله:
كنا نزور جدوده فركابنا ... من طول ذلك الطريق عوالم
كتب عمر بن عبد العزيز إلى الزهري يستقدمه، فأبطأ عليه فقال: يا ابن شهاب لو كان غيرها ما أبطأت عليه، لقد قلبتك ظهراً لبطن فوجدتك بني دنيا

العبيد، والإماء، والخدم
والأمر بالاستيصاء بالمماليك خيراً، والنهي عن سوء الملكة، ونحو ذلك.
علي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول من يدخل الجنة شهيد، وعبد احسن عبادة ربه ونصح لسيده " .
ابن عمر رضي الله عنه، رفعه: إن العبد إذا نصح ليسده، وأحسن عبادة ربه فله أجره مرتين.
كان زيد بن حارثة لخديجة رضي الله عنها، اشتري لها بسوق عكاظ، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رضي بذلك فعلت، فسئل زيد فقال: ذل الرق مع صحبته أحب إلي من عز الحرية مع مفارقته. فقال عليه السلام: إذا اخترناه. فاعتقه وزوجه أم أيمن، وبعدها زينب بنت جحش.
عطاء رفعه: الإبدال من الموالي.
علي رضي الله عنه: كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصلاة، الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم " .
المعرور بن سويد: دخلنا على أبي ذر بالربذة فإذا عليه برد، وعلى غلامه مثله، فقلنا: لو أخذت برد غلامك إلى بردك فكانت حلة، وكسوته غيره. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليكسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فيلعنه " .
أبو هريرة رفعه: لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل غلامي وجاريتي، وفتاي وفتاتي. ولاية ولا يقل أحدكم اسق ربك، وأطعم ربك، وضئ ربك، ولا يقل أحدكم ربي، وليقل سيدي ومولاي.
أبو مسعود الأنصاري: كنت أضرب غلاماً لي، فسمعت من خلفي صوتاً، اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، إن اله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال: أما لو لم تفعل للفعتك النار.
رافع بن مكيث، رفعه: حسن الملكة نماء، وسوء الخلق شؤم، وري: يمن.
ابن عمر: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كم تعفوا عن الخادم؟ ثم أعاد عليه فصمت، فلما كانت الثالثة قال: اعفوا عنه كل يوم سبعين مرة.
أبو هريرة: حدثني أبو القاسم نبي التوبة صلى الله عليه وسلم: من قذف مملوكه بريئاً مما قال جلد له يوم القيامة حداً.
هلال بن يساف: كنا نزولاً في دار سويد بن مقرن، وفينا شيخ فيه حدة، ومعه جارية، فلطم وجهها، فما رأيت سويداً أشد غضباً منه ذلك اليوم، قال: أعجز عليك حر وجهها، لقد رأيتني سابع سبعة من ولد مقرن، مالنا إلا خادم، فلطم أصغرنا وجهها، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعتقها.
وعن معاوية بن سويد: لطمت مولى لنا، فدعاني أبي ودعاه فقال: اقتص منه.
استبق بنو عبد الملك فسبقوا مسلمه، وكان ابن أمة، فتمثل عبد الملك يقول عمرو بن مبرد العبدي:

نهيتكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرهان فتدركوا
فتفتر كفاه ويسقط سوطه ... وتخدر رجلاه فما يتحرك
وما يستوي المرءان هذا ابن حرة ... وهذا ابن أخرى ظهرها متشرك
وأدركه خالاته فاختزله ... إلا أن عرق السوء لا بد مدرك
فقال مسلمة: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين: ليس هذا مثلي ولكن كما قال علي بن المغمر:
فما أنكحونا طائعين بناتهم ... ولكن خطبناها بأرماحنا قهراً
فما زادها فينا السباء مذلة ... ولا كلفت خبزاً ولا طبخت قدرا
ولكن خلطناها بخير نسائنا ... فجاءت بهم بيضاً غطارفة زهرا
وكائن ترى فينا من ابن سببة ... إذا لقي الأبطال يطعنهم شزرا
ويأخذ رايات الطعان بكفه ... فيوردها بيضاً وبصدرها حمرا
كريم إذا أغبر اللئيم تخاله ... إذا سار في الليل الدجى قمراً بدرا
فقبل رأسه، وذهب غمه، وقال: أحسنت يا بني، ذاك أنت، وأمر له بمائة ألف مثل ما أخذ السابق.
زاذان: أتيت ابن عمر، وقد أعتق مملوكاً له، فأخذ من الأرض عوداً فقال: ما لي من الأجر ما يساوي هذا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من لطم مملوكاً أو ضربه فكفارته أن يعتقه " .
أبو هريرة. يرفعه: من خبب زود امرئ أو مملوكه فليس منا.
أعتق عبد الله بن جعفر غلاماً، وأخذ يكتب كتاب العتق، فقال الغلام: اكتب كما أملي: كنت بالأمس لي فوهبتك لمن وهبك لي، فأنت اليوم مني. فكتب ذلك واستحسنه وزاده خيراً.
مر ابن عمر براع مملوك فاستباعه شاة، فقال: ليست لي، فقال: أين العلل؟ فقال: أين الله؟ فاشتراه فأعتقه، فقال: اللهم قد رزقتني العتق الأصغر فارزقني العتق الأكبر.
أراد رجل بيع جارية فبكت، فسألها، فقالت: لو ملكت منك ما ملكت مني ما أخرجتك من يدي. فأعتقها.
تغدى سليمان عند يزيد بن المهلب، فقيل له: صف لنا أحسن ما كان في منزله، فقال: رأيت غلمانه يخدمونه بالإشارة دون القول.
قال سهل بن صخر، وهو من الصحابة لابنه: إذا ملكت ثمن غلام فاشتر به غلاماً. فإن الجدود في نواصي الرجال.
أبو الهيثم بن خالد:
ولي صديق ما مسني عدم ... مذ وقعت عليه على عدمي
بشرني بالغنى تهلله ... وقبل هذا تهلل الخدم
ومحنة الزائرين بينة ... تعرف قبل اللقاء في الحشم
كان أبو يوسف راكباً وغلامه يعدو خلفه، فقيل له، فقال: أيحل أن أسلم غلامي مكاريا؟ قيل: نعم، قال: فيعدو إذن معي كما يعدو مع الحمار إذا كان مكاريا.
النبي صلى الله عليه وسلم: " مثل الذي يعتق عند الموت مثل الذي يهدي إذا شبع " .
قال ابن الزبير لرجل كان يتعاطى بيع الرقيق: ما أشد إقدامك على ركوب الغرر وإضاعة المال! قال: بماذا؟ قال: بضاعتك الملعونة، قال: وما لها؟ قال هي ضمان نفس ومؤونة ضرس.
شر الناس من يبيع الناس.
أميروس: التسلط على المماليك دناءة.
طلب معاوية جواري فقال: كل رافعة من بعيد، مليحة من قريب.
البحتري:
أنا من ياسر ويسر ونجد ... لست من عامر ولا عمار
ما بأرض العراق يا قوم حر ... يفتديني من خدمة الأحرار
لا أريد التنظير يخرجه الشت ... م إلى الاحتجاج والافتخار
وإذا رعته بنا حبسه السو ... ط على الذنب راعني بالفرار
هل جواد بأبيض من بني الاص ... فر ضخم الجدود ضخم النجار
فوق ضعف الصفار إن وكل إلا ... مر إليه ودون كيد الكبار
وكأن الذكاء يبعث منه ... في سواد الأمور شعلة نار
ولعمري للجود للناس بالنا ... س سواء بالثوب والدينار
وعزيز إلا لديك بهذا الف ... ج أخذ الغلمان بالأشعار
بعض النخاسين: حناء بنصف دانق يزيد في ثمن الجارية مائة درهم.
النبي صلى الله عليه وسلم: " عاتبوا أرقاءكم على قدر عقولهم " .

أبو اليقضان: إن قريشاً لم ترغب في أمهات الأولاد حتى ولدن ثلاثاً هم خير أهل زمانهم: علي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله. وذلك أن عمر رضي الله عنه أتى بنات يزدجرد بن شهريار بن كسرى سبيات، فأراد بيعهن، فقال له علي: إن بنات الملوك لا يبعن، ولكن قوموهن، فأعطاه أثمانهن، فقسمهن بين الحسين بن علي، ومحمد بن أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عمر، فولدن الثلاثة.
محمد بن سوقة كان إذا عصاه غلامه قال: ما أشبهك بسيدك! عبد الله بن طاهر: كنت عن المأمون ثاني اثنين، فنادى: يا غلام، يا غلام، بأعلى صوته، فدخل غلام تركي فقال: ألا ينبغي للغلام أن يأكل أو يشر أو يتوضأ أو يصلي!؟ كلما خرجنا من عندك تصيح: يا غلام، يا غلام! إلى كم يا غلام، يا غلام؟ فنكس راسه طويلاً، فما شككت أنه يأمرني بضرب عنقه، فقال: يا عبد الله إن الرجل إذا حسنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه، وإذا ساءت أخلاقه حسنت أخلاق خدمه، فلا تستطيع أن نسيء أخلاقنا لتحسن أخلاق خدمنا.
النبي صلى الله عليه وسلم: بئس المال في آخر الزمان المماليك.
مجاهد: إذا كثر الخدم كثرت الشياطين.
سالم بن أبي الجعد رفعه: عبد عن الله صالح خير من حر طالح.
لقمان: لا تأمنن امرأة على سر، ولا تطأ خادمة تريدها للخدمة.
غلام يأكل فارهاً، ويعمل كارهاً ويبغض قوماً، ويحب نوحاً.
أعتق عمرو بن عقبة غلاماً كبيراً، فقال عبد له صغير: اذكرني يا مولاي، ذكرك الله بخير. فقال: إنك لم تخرف. فقال: إن النخلة قد تجتني زهوا قبل أن يصير معوا: فقال: قاتلك الله! لقد استعتقت فأحسنت، وقد وهبتك لواهبك، كنت أمس لي واليوم مني.
العبد عز مستفاد، وغيض في الأكباد.
قد ذممنا العبيد حتى إذا نح - ن بلونا المولى عذرنا العبيدا آخر:
وما لي غلام فأدعو به ... سوى من أبوه أخو عمتي
أكثم: الحر حر وإن مسه الضر، والعبد عبد وإن مشى على الدر.
كانت لخالد بن برمك جارية اسمها سرور، أكتب الناس بقلم، وأحسنهم علماً وكانت توقع بين يديه فتخرج التوقيعات إلى الكتاب، وربما اقترحوا عليها نسخ الكتب لبلاغتها، وكانت شجاعة، تركب معه في سيف ومنطقة وسواد، فلا يعلم أجارية هي أم غلام. وكانت لخازم بن خزيمة مثلها اسمها قطاة.
كان لعثمان بن عفان رضي الله عنه عبد ، فاستشفع بعلي أن يكاتبه، فكاتبه: ثم دعا عثمان بالعبد فقال: إن كنت عركت أذنك فاقتص مني، فأخذ بأذنه، ثم قال عثمان: شد شد، يا حبذا قصاص الدنيا لا قصاص الآخرة.
وعنه رضي الله عنه: ما ملك رقيقاً من لم يتجرع بغيظ ريقاً.
خادم الملك لا يتقدم في رضاه خطوة إلا استفاد بها قدمة وحظوة.
أشرف الرشيد على الكسائي والأمين والمأمون بين يديه يعلمهما، فقام لحاجته، فابتدرا يقدمان نعليه: فقال الرشيد لجلسائه: أفي الناس أكرم خدماً؟ قالوا: أمير المؤمنين، قال: لا، بل هو الكسائي يخدمه عبد الله ومحمد.
ليس حقك علينا بالخدمة دون حقنا عليك بالنعمة.
نشأ فلان في حضن عنايتك، وأرضع بلبان نعمتك، وشرف بقدمة خدمتك.
دعا بعض أهل الكوفة إخوانه، وله جارية فقصرت في بعض ما ينبغي لهم، فقال:
إذا لم يكن في منزل الحر حرة ... رأى خللاً فيما تولى الولائد
فلا يتخذ منهن حر قعيدة ... فهن لعمر الله ينس العقائد
أحمد بن سهل: عز الملوك بالمماليك.
كان لمحمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس خمسون ألف مولى، وهو وأخوه جعفر بن سليمان من ملوك بني هاشم وفرسانهم، وقد زوجه المهدي بنته العباسة ونقلها إلى البصرة.
علي رضي الله عنه: واجعل لكل إنسان من خدمك عملاً تأخذه به، فإنه أحرى أن لا يتواكلوا في خدمتك.
لا تبذل رقك لمن لا يعرف حقك.
قلما تنفع خدمة الجوارح إلا بخدمة القلب.
جندل مولى عدي بن حاتم يفتخر بأنه محرر الرجال دون النساء:
وما فك رقي ذات دل خريدة ... ولا أخطأتني غرة وحجول
نماني إلى العلياء أبيض ماجد ... فأصبحت أدري اليوم كيف أقول

كان لرجل غلام من أكسل الناس، فأمره بشرى عنب وتين، فأبطأ حتى نوَّط الروح، ثم جاء بأحدهما، فضربه وقال: ينبغي لك إذا استقضيتك حاجة أن تقضي حاجتين، ثم مرض فأمره أن يأتي بطبيب، فجاء به وبرجل آخر، فسأله: فقال: أما ضربتني وأمرتني أن أقضي حاجتين في حاجة؟ جئتك بطبيب، فإن رجاك وإلا حفر هذا قبرك. فهذا طبيب وهذا حفار.
المأمون بن الرشيد:
كنت حراً هاشمياً ... فاسترقتني الإماء
أنا مملوك لمملو ... ك وتحتي الأمراء
كانت للمأمون جويرية من أحسن الناس وجهاً وأسبقهم إلى كل نادرة، فحلت عنده في ألطف محل فحسدتها الجواري وقلن: لا حسب لها، فنقشت على خاتمها حسبي حسني، فازداد بها المأمون عجباً، فسممنها فجزع عليها وقال:
اختلست ريحانتي من يدي ... أبكي عليها آخر المسند
كانت هي الأنس إذا استوحشت ... نفسي من الأقرب والأبعد
وروضة كان بها موقعي ... ومنهلاً كان به موردي
كانت يدي كانت بها قوتي ... فاختلس الدهر يدي من يدي
المتوكل في جاريته قبيحة:
أمازحها فتغضب ثم ترضى ... وكل فعالها حسن جميل
فإن غضبت فأحسن ذي دلال ... وإن رضيت فليس لها عديل
دعا طلحة أبا بكر وعمر وعثمان، فأبطأ عليه الغلام بشيء وأراده، فصاح: يا غلام، فقال: لبيك، فقال طلحة: لا لبيك. فقال أبو بكر: ما سرني أني قلتها ولي الدنيا. وقال عمر: ما سرني أني قلتها ولي نصف الدنيا، وقال عثمان: ما سرني أني قلتها ولي حمر النعم. وصمت عليها طلحة، فلما خرجوا باع ضيعة بخمسة عشر ألفاً وتصدق بها.
كان لمحمد بن أبي الحارث الكوفي صديق له قينة، فباعها ببرذون فقال محمد:
قينة كانت تغني ... مسخت برزون أدهم
عجت بالساباط يوماً ... فإذا القينة تلجم
الحسين الفارسي النحوي، ابن أخت أبي علي الفارسي: اسمه رشأ، رأيته بعد موت سيده في ناحية عبد العزيز بن يوسف لقد ارتقى إلى رتبة الوزارة، وقال أبو منصور الثعالبي: قرأت أنا بخطه قال: كتب ابن سكرة الهاشمي إلى أبي عثمان يسأله عني، فكتب إليه:
ما هو عبد لكنه ولد ... خولنيه المهيمن الصمد
وشد أزري بحسن صحبته ... فهو يدي والذراع والعضد
صغير من كبير معرفة ... تمازج الضعف فيه والجلد
معشق الطرف كحله كحل ... معطل الجيد حليه جيد
وغصن بان إذا بدا فإذا ... شدا فقمري بانه غرد
ثقفه كيسه فلا عوج ... في بعض أخلاقه ولا أود
ما غاظني ساعة فلا صخب ... يمر في منزلي ولا حرد
مسامر إن دجا الظلام فلي ... منه حديث كأنه الشهد
خازن ما في يدي وحافظه ... فليس شيء لدي يفتقد
يصون كتبي فكلها حسن ... يطوي ثيابي فكلها جدد
وحاجبي فالخفيف محتبس ... عندي به والثقيل متطرد
وحافظ الدار إن ركب فما ... على غلام سواء اعتمد
ومنفق مشفق إذا أنا اسر ... فت وبذرت فهو مقتصد
وأبصر الناس بالطبيخ فكا ... لمسك القلايا والعنبر الثرد
وواجد بي من المحبة والرأ ... فة أضعاف ما به أجد
إذا تبسمت فهو مبتهج ... وإن تنمرت فهو مرتعد
ذا بعض أوصافه وقد بقيت ... له صفات لم يحوها العدد
كان أبان بن عبد الحميد بن لاحق مولى لبني رقاش فقال فيهم:
ألا يا ليت لي قوماً بقومي ... ولو عكلاً فينفعني معاشي
فكنت لهم أخا ثقة ومولى ... ولم أك في اللئام بني رقاش
وحشي الرياحي المدني:
يعجبني من فعل كل مسلمه ... مثل الذي تفعل أم سلمه
إقصاؤها عن بيتها كل أمة
أهدى داود بن روح بن حاتم المهلبي جارية للمهدي، فحظيت عنده، فواعدته المبيت معه، ثم منعها الحيض، فكتب إليها:
لأهجرن حبيباً خان موعده ... وذاك منه لصغر العيش تكدير
فأرسلت إلى داود ليجيبه ويعرفه عذرها، فقال:

لا تهجرن حبيباً خان موعده ... ولا تذعن وعداً فيه تأخير
ما كان حبي إلا من حصول أذى ... لا يستطاع له بالقول تفسير
والدهر أطول فيه للأمام مدى ... يحيى السرور وتخليد وتعمير
أصيب أنوشروان ببعض خدمه فجزع وقال: اثنان هما العدة والعمدة في النوائب، الخادم الناصح، والقريب الصديق، وقد فجعت بأحدهما، ولم أكتحل بالآخر.
معاوية: التسلط على المماليك من لؤم القدرة.
قال قرشي: سألني سعيد بن المسيب عن أخوالي، فقلت: أمي فتاة، فنقصت في عينه، فأمهلت حتى دخل عليه سالم بن عبد الله بن عمر، فقلت: من أمه؟ قال: فتاة، ثم دخل القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فقلت: من أمه؟ قال: فتاة، ثم دخل علي بن الحسين بن علي، فقلت: من أمه؟ قال: فتاة. ثم قلت: رأيتني نقصت في عينك لأني ابن فتاة، أفمالي بهؤلاء أسوة؟ فحِللت في عينه.
عبيد الله بن الحر:
فإن تك أمي من نساء أفاءها ... جياد القنا والمرهفات الصفائح
فتباً لجد الحر إن لم أنل به ... كرائم أولاد النساء الصرائح
عنترة:
إني امرؤ من خير عبس منصباً ... شطري وأحمي سائري بالمنصل
أنشد المبرد:
إن أولاد السراري ... كثروا والله فينا
رب أدخلني بلاداً ... لا آري فيها هجينا
قال هشام بن عبد الملك لزيد بن علي: بلغني أنك تطلب الخلافة ولست لها بأهل، قال: لم؟ قال: لأنك ابن أمة، قال: فقد كان إسماعيل بن أمة وإسحاق ابن حرة، وقد أخرج الله من صلب إسماعيل سيد ولد آدم.
قال الحجاج بن عبد الملك بن الحجاج بن يوسف: لو كان رجل من ذهب لكنته، قيل: كيف؟ قال: لم تلدني أمة إلى آدم ما خلا هاجر فقالوا له: لولا هاجر لكنت كلباً من الكلاب.
قال رجل لعبد استعقله: ألا ألحقك بنفسي؟ فقال: لأن أكون عبداً لايقاً أحب إلي من أن أكون حراً لاحقاً.
جعفر بن عقاب:
وضمتني العقاب إلى حشاها ... وخير الطير قد علموا العقاب
فتاة من بني حام بن نوح ... سبتها الخيل غصباً والركاب
عقاب أمة وكانت سوداء.
دخل جرير على الحجاج وعلى رأسه جارية، فقال له: بلغني أنك ذو بديهة فقل فيها، فقال: ما لي أقول فيها حتى أتأملها، وما لي أتأمل جارية الأمير. فقال: بلى فتأملها، فقال: ما اسمك يا جارية؟ فأمسكت، فقال: الحجاج: خبريه يا لخناء. فقالت: أمامة، فقال:
ودع أمامة حان منك رحيل ... إن الوداع لمن تحب قليل
هاذي القلوب هوائماً يتيمها ... وأرى الشفاء وما إليه سبيل
فقال الحجاج: جعل الله لك السبيل إليها، فضرب بيده إلى يدها فامتنعت عليه فقال:
إن كان طيكم الدلال فإنه ... حسن دلالك يا أميم جميل
فاستضحك الحجاج وأمر بتجهيزها إلى اليمامة. وكانت من أهل الري، وإخوتها أحرار، فبذلوا له عشرين ألفاً فأبى، وقال:
إذا عرضوا عشرين ألفاً تعرضت ... لأم حكيم حاجة هي ما هيا
فقد زدت أهل الري مني مودة ... وحبيت أضعافاً إلى المواليا
وأولدها حكيماً وبلالاً وحزرة.
الرقيق4 جمال وليس بمال، فعليك من المال بما يعولك ولا تعوله.
اشترى يزيد بن عبد الملك حبابة بأربعة آلاف دينار، وكان صاحب لهو، فحجر عليه سليمان فردها، فلما ولي يزيد، وكانت تحته سعدة بنت عبد الله بن عمر بن عثمان، وكان حرة عاقلة، قالت: يا أمير المؤمنين هل بقي في نفسك من الدنيا شيء تتمناه؟ قال: نعم، حبابة، فسألت عنها فقيل اشتراها رجل من أهل مصر، فأرسلت من اشتراها بأربعة آلاف، وقدم بها، فصنعتها حتى ذهب عنها آثار السف. ثم أتت بها فراش يزيد، وأجلستها وراء الستر، وقالت: هل بقي من الدنيا شيء تتمناه؟ فقال: ألم تسأليني عن هذا مرة؟ فرفعت الستر وقالت: هذه حبابة، وقامت وخلتها، فحظيت سعدة عنده.
كان لبصري جارية قد أدبها، وكانت أحب غليه من بصره وسمعه، فقعد الدهر بهما، فاعتزم على بيعها، فاشتراها عمر بن عبد الله بن معمر التيمي بألف دينار، فلما ذهبت الدارية لتدخل علق بثوبها وقال:
ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري

تذكر من بساسة القلب حاجة ... دعت حزناً للعاشق المنذكر
عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر
فقال ابن معمر: قد شئت فخذها وخذ الألف.
محمود ابن مروان بن أبي حفصة يصف جارية:
ليست تباع ولو تباع بوزنها ... دراً بكى أسفاً عليها البائع
علق عبد الرحمن بن أبي عمار وهو من نساك أهل الحجاز جارية، فاشتهر بذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعظونه فقال:
يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا
فحج عبد الله بن جعفر فزاره الناس إلا عبد الرحمن فاستزاره، وكان قد تقدم فاشترى له الجارية بأربعين ألفاً، وأمر بتجهيزها، فقال له: ما فعل حب فلانة؟ قال: هو في اللحم والدم والمخ والعصب والعظام، قال: أتعرفها إن رايتها؟ قال: إن دخلت الجنة لم أنكرها، فأمر بها فأخرجت وهي ترفل في الحلي والحلل: وقال: ما شأنك بها، وأمر أن يحمل معها مائة ألف درهم. فبكى عبد الرحمن وقال: قد خصكم الله بشرف ما خص به أحد من ولد آدم، فلتهنكم هذه النعمة، وبارك لكم واهبها.
عن جويرية بن أسماء: أراد ابن سيرين شرى جارية، فقلت: قد علمت مكانها، ولكن في شفتيها عظم: قال: ذاك أفحم لقبلتها.
؟

العداوة، والحسد، والبغضاء، والشماتة
وذكر الأضغان، والطوائل، والوعيد، والتهديد النبي صلى الله عليه وسلم: " أعدي عدو لك نفيستك بين جنبيك " .
أبو بكر الصديق رضوان الله عليه: العداوة تتوارث.
ابن مسعود رضي الله عنه: اللهم إني لاستعديك على نفسي عدوى لا عقوبة فيها.
داود عليه السلام: لا تشتر عداوة واحد بصداقة ألف.
الحارث بن أبي شمر الغساني: من اغتر بكلام عدوه فهو أعدى عدو لنفسه.
أعرابي: كبت الله كل عدو لك إلا نفسك.
أراد كسرى أن يتزوج بنت بزرجمهر بعد قتله، فقالت: لو كان ملككم حازماً ما جعل بينه وبين شعاره موتوراً.
زياد بن عبيد الله بن عبد المدان خال أبي العباس السفاح. وكان ولاء المدينة. فعزله عنها المنصور وعذبه. فقال:
ولو أني بليت بها شمي ... خؤلته بنو عبد المدان
صبرت على عداوته ولكن ... تعالي فانظري بمن ابتلاني
يقول: لو بليت بذلك من السفاح الذي أخواله كرام لكان أهون علي من أن أبلى به ممن أمه أمة يعني المنصور.
ولا غرو أن يبلى شريف بخامل ... فمن ذنب المتنين تنكسف الشمس
بث رجل في وجه أبي عبيدة مكروهاً، فانشأ يقول:
فلو أن لحمي غذ وهي لعبت به ... سباع كرام أو ضباع وأذواب
لهون وجدي أو لسلى مصيبتي ... ولكنما أودى بلحمي أكلب
وكان حاتم أسيراً في بلاد عنزة، فلطمته أمة لهم فقال: لو ذات سوار لطمتني:
عذرت البزل غذ هي خاطرتني ... فما بالي وبال ابن اللبون
عبد الله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام: إياك ومعاداة الرجال، فإنك لن تعدم مكر حليم، ومفاجأة لئيم.
أنوشروان: العدو الضعيف المحترس من العدو القوي أحرى بالسلامة من العدو القوي المغتر بالعدو الضعيف.
صالح بن سليمان: لا تستغروا عدواً، فإن العزيز ربما شرق بالذباب.
تقول العرب: أصبحا يتكاشحان ولا يتناصحان، ويتكاشران ولا يتعاشران.
قيل لكسرى: أي الناس أحب إليك أن يكون عاقلاً؟ قال: عدوي، قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأنه إذا كان عاقلاً فإني منه في عافية.
ذريح بن جابر الغيداقي:
إذا المرء عادى من يودك صدره ... وسالم ما اسطاع الذين تحارب
فلا تَفْله عما يجن ضميره ... فقد جاء منه بالشناءة راكب
ذؤيب بن حبيب الخزاعي:
قلبي إلى ما ضرني داني ... يكثر أحزاني وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوي إذا ... كان عدوي بين أضلاعي
فيلسوف: كونوا من المسر المدغل أخوف منكم من المكاشف المعلن، فإن مداواة العلل الظاهرة أهون من مداواة ما خفي وبطن.
إياك أن تعادي من إذا شاء خلع ثيابه، ودخل مع الملك في لحافه.
محمد بن يزداد الكاتب: إذا لم تستطع أن تعض يد عدوك فقبلها.
حكيم: إني لاغتنم في عدوي أن ألقي عليه النملة وهو لا يشعر لتؤذيه.

كتب مروان الحمار إلى الخارجي الشيباني: أنا وإياك كالحجر والزجاجة، إن وقع عليها رضها، وإن وقعت عليها فضها.
نازع غلام من بني أمية عبد الملك بن مروان فأرى عليه، فقيل لعبد الملك: لو تظلمت إلى عمه! فقال: لا أعد انتقام غيري انتقاماً.
الواثق بالله:
تنح عن القبيح ولا ترده ... ومن أوليته حسناً فزده
ستكفي عدوك كل كيد ... إذا كاد العدو فلا تكده
كانت جليلة بنت مرة أخت جساس تحت كليب، فقتل أخوها زوجها، وهي حبلى بهجرس بن كليب، فلما شب قال لها:
أصاب أبي خالي وما أنا بالذي ... أمثل أمري بين خالي ووالدي
وأورث جساس بن مرة غصة ... إذا ما اعترتني حرها غير بارد
ثم قال:
يا للرجال لقلب ما له آسي ... كيف العزاء وثاري عند جساس
ثم قتله وقال:
ألم ترني ثأرت أبي كليباً ... وقد يرجى المرشح للذحول
غسلت العار عن جشم بن بكر ... بجساس بن مرة ذي البتول
جدعت بقتله بكراً وأهل ... لعمر الله للجدع الأصيل
علي رضي الله عنه وذكر عثمان: وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف وارفق حداتهما العنيف. وأراد أنهما كانا يجدان في عداوته.
وعنه: وجد على عدوك بالفضل فإنه أحلى الظفرين.
مراجل أحقادهم تفور، وطوالع أضغانهم لا تفور.
هبت عليهم ريح التعادي، فنسفتهم عن البوادي.
من كثر غمره لم يطل عمره.
دار عدوك لأحد أمرين، أما صداقة تؤمنك، أو فرصة تمكنك.
لكل إبراهيم نمرود، ولكل موسى فرعون.
محاسبة الصديق دناءة، وترك الحق للعدو غباوة.
سويد بن منجرف إلى مصعب:
فأبلغ مصعباً عني رسولاً ... وهل تلقى النصيح بكل وادي
تعلم أن أكثر من تناجي ... وإن ضحكوا إليك هم الأعادي
أنشد الجاحظ:
القوم أمثال السباع فانشمر ... فمنهم الذئب ومنهم النمر
والضبع الغثراء والليث الهمر
فلان كثير المذاق، مر المذاق.
النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بشراركم، من أكل وحده، وضرب عبده، ومنع رفده: ألا أخبركم بشر من ذلك من يبغض الناس ويبغضونه " .
قال الحجاج لخارجي: والله إني لأبغضكم، قال: أدخل الله أشدنا بغضاً لصاحبه الجنة.
وكيع: جئنا مرة إلى الأعمش، فلما سمع حسنا قام ودخل، فلم يلبث أن خرج فقال: رأيتكم فأبغضتكم، فدخلت إلى من هو أبغض منكم، فخرجت إليكم.
أراد أنوشروان أن يقلد ابنه هرمز ولاية العهد، فاستشار عظماء مملكته، فأنكروا عليه، وقال بعضهم: إن الترك ولدته وفي أخلاقهم ما علمت، فقال: الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، وكانت أم قباذ تركية، وقد رأيتم من حسن سيرته وعدله ما رأيتم:فقيل: هو قصير وذلك يذهب ببهاء الملك، فقال: إن قصره في رجليه ولا يكاد يرى إلا جالساً أو راكباً، فلا يستبين ذلك فيه، فقيل: هو بغيض في الناس، فقال أوه! أهلكت ابننا هرمز، فقد قيل: إن من كان فيه خير واحد ولم يكن لذلك الخير المحبة في الناس فلا خير فيه، ومن كان فيه عيب واحد ولم يكن ذلك العيب المبغضة في الناس فلا عيب فيه.
وإذا شنئت فتى شنئت حديثه ... وإذا سمعت غناءه لم أطرب
عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب في الفضل ابن السائب.
رأيت نضيلاً كان شيئاً ملففاً ... فكشفه التمحيص حتى بداليا
أأنت أخي إن لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاً ليا
ولست براء عيب ذي الود كله ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا
فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
ونحوه:
وعين البغض تبرز كل عيب ... وعين الحب لا تجد العيوبا
كان ابن عمر يقول: نعوذ بالله من قدر وافق إرادة حسود.
قيل لرسطاليس: ما بال الحسود أشد غماً؟ قال: لأنه يأخذ بنصيبه من هموم الدنيا، ويضاف إلى ذلك غمه لسرور الناس.
النبي صلى الله عليه وسلم: " استعينوا على أموركم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود " .

نذاكر قوم من ظرفاء البصرة الحسد، فقال رجل: إن الناس ربما حسدوا على الصلب، فأنكروا ذلك، ثم جاءهم بعد أيام فقال: إن الخليفة قد أمر بصلب الأحنف، ومالك بن مسمع، وقيس بن الهيثم، وحمدان الحجام، فقالوا: هذا الخبيث يصلب مع هؤلاء! فقال: ألم أقل أن الناس يحسدون على الصلب.
منصور الفقيه:
منافسة الفتى فيما يزول ... على نقصان همته دليل
ومختار القليل أقل منه ... وكل فوائد الدنيا قليل
المغيرة بن حبناء شاعر آل المهلب:
آل المهلب قوم إن مدحتهم ... كانوا الأكارم آباء وأجدادا
إن العرانين تلقاها محسدة ... ولا ترى للئام الناس حسادا
عثمان رضي الله عنه: يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك.
مالك بن دينار: شهادة القراء مقبولة في كل شيء إلا شهادة بعضهم على بعض، فإنهم أشد تحاسداً من السوس في الوبر.
أنس رفعه: إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
بعض حكماء العرب: الحسد داء منصف يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود.
يقول الله عز وعلا: " الحاسد عدو نعمتي، متسخط لفعلي، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي " .
عبد الله بن شداد بن الهاد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنه: يا بني إن سمعت كلمة من حاسد فكن كأنك لست بشاهد، فإنك إن أمضيتها حيالها رجع القول على من قالها.
الأصمعي: رأيت أعرابياً قد بلغ من العمر مائة وعشرين سنة، فقلت له: ما أطول عمرك! فقال: تركت الحسد فبقيت.
أعرابي: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد.
تراه كأن الله يجدع أنفه ... وأذنيه إن مولاه ثاب له وفر
المتنبي:
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبها ... أني لما أنا باك منه محسود
ابن الحجاج:
إن يحسدوني فلا والله ما بلغت ... لولا الخساسة حالي موضع الحسد
وإنما في يدي عظم امششه ... من المعاش بلا لحم ولا غدد
لا يخلو السيد من ودود يمدح، وحسود يقدح.
لا يسلم الفاضل من قدح وإن غدا أقوم من قدح.
ابن مسعود رضي الله عنه: ألا لا تعادوا نعم الله، قيل: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس.
كان يقال: إياك والحسد فإنه يتبين فيك، ولا يتبين في محسودك.
حكيم الحسد خلق دنيء، ومن دناءته أنه يبدأ بالأقرب فالأقرب.
قيل لعبد الله بن عروة: لزمت البدو وتركت قومك! قال: وهل بقي إلا حاسد على نعمة، أو شامت على نكبة؟ الحسود غضبان على القدر والقدر لا يعتبه.
بينا عبد الملك بن صالح العباسي يسير مع الرشيد في موكبه، إذ هتف هاتف: يا أمير المؤمنين طأطئ من إشرافه، وقصر من عنانه، واشدد من شكاله. فقال الرشيد: ما يقول هذا؟ فقال عبد الملك: مقال حاسد، ودسيس حاسد. قال: صدقت، نقص القوم وفضلتهم، وتخلفوا وسبقتهم حتى برر شأوك، وقصر عنك غيرك، ففي صدورهم جمرات التخلف. وحزازات التبلد، فقال عبد الملك: يا أمير المؤمنين فأضرمها عليهم بالمزيد.
يا طالب العيش في أمن وفي دعة ... رغداً بلا قتر صفواً بلا رنق
خلص فؤادك من غل ومن حسد ... فالغل في القلب مثل الغل في العنق
عباد بن ثعلبة، وهو أنف الكلب، حسده بنو أخيه فقال:
قد كنت أحسبكم أو خلتكم ولداً ... فاليوم أعلم أن لستم بأولاد
الله يعلم غيبي كيف كان لكم ... والله يعلم ما غبتم لعباد
كتب عبد الملك إلى الأحنف يستدعيه، فقال: يدعوني أبن الزرقاء إلى ولاية أهل الشام، فوالله لوددت أن بيننا وبينهم جبلاً من نار، فمن أتانا منهم احترق، ومن أتاهم منا احترق.
أبو حيان: قال لقمان: نقلت الصخر، وحملت الحديد، فلم أر شيئاً أثقل من الدين، وأكلت الطيبات، وعانقت الحسان، فلم أر ألذ من العافية، وأنا أقول: لو مسح القفار، ونزح البحار، وأحصى القطار، لوجدها أهون من شماتة الأعداء، خاصة إذا كانوا مساهمين في نسب، أو مجاورين في بلد.
اللهم إني أعوذ بك من تتابع الإثم، وسوء الفهم، وشماتة ابن العم.
قيل لأيوب عليه السلام: أي شيء كان عليك في بلائك أشد؟ قال: شماتة الأعداء.
وائلة بن الأسقع: تظهر الشماتة بأخيك المسلم فيرحمه الله ويبتليك.
أنشد الجاحظ:

وقال العاذلات نسل عنها ... وداو غليل قلبك بالسلو
فكيف وقبلة منها اختلاسا ... لذ من الشماتة بالعدو
الخبزرزي:
شماتتكم بي فوق ما قد أصابني ... وما بي دخول النار بل طنز مالك
ابن أبي عيينة المهلبي:
كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شمامة الأعداء
أعرابي: بنو الطرف عنوان الشر.
كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شماتة الحساد
إن المصائب تنقضي أيامها ... وشماتة الأعداء بالمرصاد
قيل لأفلاطن بم ينتقم الإنسان من عدوه؟ قال: بأن يزداد فضلاً في نفسه.
النبي صلى الله عليه وسلم: خير ما أعطي المؤمن خلق حسن. وشر ما أعطي الرجل قلب سوء في صورة حسنة.
سئل الحسن: أيحسد المؤمن؟ فقال: وما أنساك بني يعقوب لو كانت المشاجرة شجراً لم تثمر إلا صخراً.
إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت.
الخلاف غلاف الشر.
من العداوة آباء لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء
بلغ عمرو بن عتبة شماتة قوم به في مصائب، فقال: والله لئن عظم مصابنا بموت رجالنا لقد عظمت النعمة بما أبقى الله لنا شبانا يشبون الحروب، وسادة يسدون المعروف، وما خلقنا ومن شمت بنا إلا للموت.
لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته نساء من كندة وحضرموت، فخضبن أيديهن، وضربن بالدفوف، فقال رجل منهم:
أبلغ أبا بكر إذا ما جئته ... أن البغايا ومن أي حرامِ
أظهرن من موت النبي شماتة ... وخضن أيديهن بالعُلاّم
فاقطع هديت أكفهن بصارم ... كالبرق أومض في متون غمام
فكتب أبو بكر إلى المهاجر عامله، فأخذهن وقطع أيديهن.
كاتب: فلان يتربص بك الدوائر، ويتمنى لك الغوائل، ولا يؤمل صلاحاً إلا في فسادك، ولا رفعة إلا بسقوط حالك.
كتب عبد الحميد عن مروان إلى أبي مسلم كتاباً قد نفث فيه خراشي صدره،وكان من كبر حجمه على جمل، فدعا أبو مسلم ينار فطرحه فيها، إلا قدر ذراع كتب فيه هذين البيتين:
محا السيف أسطار البلاغة وانتحى ... عليك ليوث الغاب من كل جانب
فإن تقدموا نعمل سيفاً شحيدة ... يهون عليها العتب من كل عاتب
العرب: حين تقلينه تدرين أين غثة من سمينه.
قيل لعبد الملك بن صالح الهاشمي: إنك لحقود فتمثل:
إذا ما امرؤ لم يحقد الوتر لم يكن ... لديه لذي النعمى جزاء ولا شكر
وقيل: عاتب ملك وزيره فقال له: إنك لحقود؟ فقال: أيها الملك السعيد، إن الصدر خزانة لما يودع فيه من خير وشر، فإذا لم يحفظ السيئة لم يحفظ الحسنة.
فدع الوعيد فما وعيدك ضائري ... أطنين أجنحة الذباب يضير
علي رضي الله عنه: لأضغطن الكوفة ضغطة تحبق لها الصرة.
عمارة بن عقيل:
يا أيها الراكب الماضي لطيته ... بلغ حنيفة وانشر فيهم الخبرا
مهلاً حنيفة إن الحرب إن طرحت ... عليكم ركنها أسرعتم الضجرا
مغلس بن لقيط السعدي:
قرينين كالذئبين يعتورانني ... وشر محابات الرجال ذئابها
إذا رأيا بي غرة أغريا بها ... أعادي الأعداء تعوي كلابها
وإن رأياني قد نجوت تلمساً ... لرجلي مغوّاة هياماً ترابها
حكيم لا تأمن الضعيف، فإن القناة قد تقتل وإن عدمت السنان والزج.
إذا ما رآني مقبلاً شام نبله ... ويرمي إذا وليت ظهري بأسهم
النابغة الجعدي:
وراثة بغض من أبيك ورثتها ... فلا برحت حتى تلاقي المنخلا
أي أبداً.
عمر بن معد يكرب:
عجت نساء بني زياد عجة ... كعجيج نسوقنا غداة الأرنب
طفيل الغنوي:
فذوقوا كما ذقنا غداة محجر ... من الغيظ في أكبادنا والتحوب
أوس بن حجر:
رأيت بريداً يدريني بعينه ... تشاوس قليلاً أنني من تأسل
وله:
فمن لا يكن منكم مسيئاً فإنه ... يشد على كف المسيء فيجلب
السمهري العكلي:
إذا حرسي قعقع الباب أرعدت ... فرائص أقوام وطارت قلوبها
فإن تك عكل سرها ما أصابني ... فقد كنت مصبوباً على من يريبها

السرندي بن عتبة التميمي:
رمى الناس عن قوس تميماً ولا أرى ... عداوة من عادى تميماً يضيرها
عبيد الله بن سليمان بن وهب:
كاد الأعادي فلا والله ما تركوا ... قولاً وفعلاً وتلقيباً وتهجيناً
ولم نزد نحن في سر ولا علن ... على مقالتنا يا ربنا اكفينا
فكان ذاك رد الله حاسدنا ... بغيظه لم ينل تقديره فينا
قدامة بن موسى المدني:
إن بدراً نعمة سابغة ... خصنا الله بها حين قسم
فضل الله بها أهل التقى ... وبنى الله بيوتاً وهدم
إنما يحسد أو يبغضنا ... لشقاء الجد أرباء النعم
في نوابغ الكلم: الحسد حسك، من تعلق بها هلك.
نصر بن سيار:
إني نشأت وحسادي ذوو عدد ... يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا
إن يحسدوني على ما بين لما بهم ... فمثل ما بي مما يجلب الحسدا
معن بن زائدة:
وإن حسدت فزاد الله في حسدي ... لا عاش من عاش يوماً غير محسود
حسيل بن عرفطة الأسدي:
ليهنك بغض في الصديق وظنه ... وتحديثك الشيء الذي أنت كاذبه
وأنك مشنوء إلى كل صاحب ... بلاك ومثل الشر يكره راكبه
فلم أر مثل الجهل أدى إلى الردى ... ولا مثل بغض الناس غمص صاحبه
الحسن: الكبش يعتلف، والسكين تحد، والتنور يشجر.
كتب علي رضي الله عنه إلى أهل البصرة، فإن خطب بكم الأهواء المردية، والآراء الجائرة إلى منابذتي وخلافي فها أنا ذا قد قربت جيادي ورحلت ركابي ولئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلا كلعقة لاعق. مع أني عارف لذي الطاعة منكم فضله، ولذي النصيحة حقه، غير متجاوز متهماً إلى بريء، ولا ناكثاً إلى وفي.
عقال بن شبة: كنت رديف أبي، فلقيه جرير، فحياه ولاطفه، فقلت: أبعد ما قال لنا ما قال؟ قال: يا بني أفأوسع جرحي؟ قال السفاح لسديف حين أغراه علي بني مروان: يا سديف حلق الإنسان من عجل ثم قال:
أحيا الضغائن آباء لنا سلفوا ... فلن نبيد وللآباء أبناء
عن المنصور: إذا مد عدوك إليك يده فاقطعها إن أمكنك وإلا قبلها.

العدل، والإنصاف
واستعمال السوية في القسمة وغيرها، وذكر من عدل وأوصى بالعدل النبي صلى الله عليه وسلم: " زين الله السماء بثلاث: بالشمس، والقمر، والكواكب، وزين الأرض بثلاث: بالعلماء، والمطر، وسلطان عادل " .
أول خطبة خطبها عمر رضي الله عنه قال: أيها الناس، والله ما منكم أحد هو أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له، ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه، ثم نزل.
علي رضي الله عنه: أشد الأعمال ثلاثة: ذكر الله على كل حال، ومواساة الإخوان بالمال، وإنصاف الناس من نفسك.
وجه علي رضي الله عنه ابن عباس، وعامر بن ياسر، والحسن ابنه حين توجه إلى صفين، لعزل أبي موسى عن الكوفة، وحمل ما في بيت مالها إليه، فوجدوا فيها اثنين وخمسين ألف درهم.
فقال: كيف اجتمع هذا كله لأشعري ولم يجتمع لمن قبله؟ فقال مجاشع ابن مسعود: أصدقكم، والله ما جمعه إلا العدل في الرعية، وإقامة أمر الله في عباده.
كان الاسكندر يقول: يا عباد الله، إنما إلهكم الله الذي في السماء، عند الكرب، والله لا يبلغني أن الله أحب شيئاً إلا أحببته واستعملته إلى يوم أجلي، ولا أبغض شيئاً غلا أبغضته وهجرته إلى يوم أجلي، وقد أنبئت أن الله يحب العدل في عباده، ويبغض الجور من بعضهم على بعض، فويل للظالم من سيفي وسوطي، ومن ظهر منه العدل من عمالي فليتكئ في مجلسي كيف شاء، وليتمن علي ما شاء، فلن نخطئه أمنيته، والله المجازي كلاً بعمله.
إذا لم يعمر الملك ملكه بالإنصاف خرب بالعصيان.
العباس بن عبد المطلب:
أبا طالب لا تقبل النصف منهم ... أبا طالب حتى تعق وتظلما
أبي قومنا أن ينصفونا فأنصفت ... قواطع في أيماننا تقطر الدما
أنوشروان: قيل له: أي الجنن أوقى؟ قال: الدين، قيل: فأي العدد أقوى؟ قال: العدل.
شوا إلى جعفر بن يحيى عاملاً له، فوقع إليه: قد كثر شاكوك، فإما اعتدلت، وإما اعتزلت.

قيل لعلي بن الحسين رضي الله عنه: ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك عن أهل الرفقة؟ قال: أكره أن آخذ برسول الله ما لا أعطي مثله.
أنصف وانظر إلي بعين الرضا. ثم اقتحم بي جمر الغضا.
من أنصف من نفسه رضي به حكماً لغيره.
قال رجل لسليمان بن عبد الملك، وهو جالس للمظالم: ألم تسمع قول الله تعالى: فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين؟ قال: فما خطبك؟ قال: وكيلك اغتصبني ضيعتي وضمها إلى ضيعتك الفلانية، قال: فضيعتي لك، وضيعتك مردودة إليك، وكتب إلى الوكيل بذلك، وبصرفه عن عمله.
رقي إلى كسرى بن قباذ أن في بطاقة الملك من فسدت نياتهم، وخبثت ضمائره، فقال: إني إنما أملك الأجساد لا النيات، وأحكم بالعدل لا بالرضا، وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر.
هارون بن محمد البالسي:
زيد في قدرك العلي علواً ... يا ابن وهب من كاتب ووزير
أنت وجه الإمام لا زلت طلقاً ... بك تغتر عابسات الأمور
أسفر الشرق منك والغرب عن ض ... وء من العدل فاق ضوء البدور
أنشر الناس غيثكم بعد أن كا ... نوا رفاقاً من قبل يوم النشور
شرد الدور عدلكم فسرحنا ... منكم بين روضة وغدير
نزل رجل بعلي رضي الله عنه فمكث عنده أياماً، ثم تغوث إليه في خصومة، فقال علي: أخصم أنت؟ قال: نعم: قال: فتحول عنها، فإن رسول الله نهى أن يضاف خصم إلا ومعه خصمه.
وعنه: بالسيرة العادلة يقهر المناوئ.
مات بعض الأكاسرة، فوجدوا له سفطاً، ففتح فإذا فيه حبة رمان كأكبر ما يكون من الثدي، معها رقعة مكتوب فيها: هي من حب رمان عمل في خراجه بالعدل.
تظلم أهل الكوفة إلى المأمون من واليهم، فقال: ما علمت في عمالي أعدل وأقوم بأمر الرعية، وأعود بالرفق عليهم منه، فقال رجل: يا أمير المؤمنين: ما أحد أولى بالعدل والإنصاف منك، فإن كان بهذه الصفة فعلى أمير المؤمنين أن يوليه بلداً بلداً حتى يلحق كل بلد مثل الذي لحقنا، ويأخذ بقسطه منه كما أخذه، وإذا فعل ذلك لم يصبنا منه أكثر من ثلاث سنين. فضحك وعزله.
كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد فإن قبلنا قوم لا يؤدون الخراج إلا أن يمسهم العذاب، فاكتب إلي برأيك. فكتب إليه:أما بعد فالعجب لك كل العجب! تكتب إلي تستأذنني في عذاب البشر، كأن أذني لك جنة من عذاب الله، أو كأن رضاي ينجيك من سخط الله، فمن أعطاك منهم ما عليه عفواً فخذه منه، ومن أبي فاستحلفه، وكله إلى الله، فوالله لئن يلقوا الله بجرائمهم أحب إلي من أن نلقاه بعذابهم، والسلام.
جاء رجل من مصر إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مكان العائذ بك، فقال: لقد عذت عياذاً، فما شأنك؟ قال: سابقت ولد عمرو ابن العاص فسبقته، فجعل يقنعني بسوطه ويقول: أنا ابن الأكرمين، وبلغ عمراً فحبسني خشية أن آتيك، فانفلت. فكتب عمر إلى عمرو: إذا أتاك كتابي هذا فاشهد الموسم وابنك. وقال للمصري: أقل حتى يقدم عمرو ويشهد الحج. فلما كان رمى إليه بالدرة، فضرب ولد عمرو، وعمر يقول: اضرب ولد الأكرمين، حتى قال: يا أمير المؤمنين قد استغنيت. قال: ضعها على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين: ضربت الذي ضربني، قال: أم والله لو فعلت ما منعك أحد حتى تكون أنت الذي ينزع. ثم قال: يا عمرو، متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ الأحنف: ما عرضت النصفة على أحج قط فقبلها إلا دخلتني له هيبة، ولا ردها إلا أختبأتها في عقله.
قدم المنصور البصرة قبل الخلافة، فنزل بواصل بن عطاء، فقال: أبيات بلغتني عن سليمان بن يزيد العدوي في العدل، فمر بنا إليه، فأشرف عليهم من غرفة فقال لواصل: من هذا الذي معك؟ قال: عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فقال: رحب على رحب، وقرب إلى قرب، فقال: يحب أن يستمع إلى أبياتك في العدل، فأنشده:
حتى متى لا نرى عدلاً نسر به ... ولا نرى لولاة الحق أعوانا
مستمسكين بحق قائمين به ... إذا تلون أهل الجور ألوانا
يا للرجال لداء لا دواء له ... وقائد ذي عمى يقتاد عميانا
فقال المنصور: وددت أني رأيت يوم عدل ثم مت. قال ابن المبارك: فهلك والله أبو جعفر وما عدل.

فضيل: ما ينبغي لك أن تتكلم بفمك كله، تدري من كان يتكلم بفمه كله؟ عمر بن الخطاب، كان يطعم الطيب ويأكل الغليظ، ويكسوهم اللين ويلبس الخشن، ويعطيهم الحق ويزيدهم، وأعطى رجلاً عطاءه أربعة آلاف درهم وزاده ألفاً، فقيل له: ألا تزيد ابنك كما تزيد هذا؟فقال: إن هذا ثبت أبوه يوم أحد، ولم يثبت أبو هذا.
عبادة بن الصامت: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعير من إبل الصدقة، فلما سلل تناول وبرة من البعير وقال: ما لي فيما أفاه الله عليكم ولا مثل هذه، إلا الخمس والخمس مردود فيكم.
قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم: ما النجاة من هذا الأمر؟ قال: شيء هين، قال: وما هو ؟ قال: لا تأخذ شيئاً إلا من حقه، ولا تضعه إلا في حقه، قال: ومن يطيق هذا؟ قال: من طلب الجنة، وهرب من النار.
لا يكون العمران إلا حيث يعدل السلطان.
العدل حصن وثيق في راس نيق، لا يحطمه سيل، ولا يهدمه منجنيق.
وقع المأمون إلى عامل: أنصف من وليت أمره، وإلا أنصفه من ولي أمرك. وعنه: أكفه أمره وإلا كفيته أمرك.
بعض السلف: العدل ميزان الله، والجور مكيال الشيطان.
الملك العادل مكنوف بعون الله محروس بعين الله.
بليغ: رأيت بفلان نور القمرين، وسيرة العمرين.
أردشير: إذا رغب الملك عن العدل، رغبت الرعية عن الطاعة.
وعنه: لا سلطان إلا برجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل وحسن سياسة. ولم يكن بعد أردشير أعدل من أنوشروان وهو الذي ولد رسول الله لسبع سنين خلت من ملكه. وقال: ولدت في زمن الملك العاد. وسائر الأكاسرة كانوا ظلمة يستعبدون ويتسخرون الرعايا، ويستأثرون عليهم بكل شيء، فلا يجرأ أحد أن يطبخ سكباجاً، أو يلبس ديباجاً، أو يركب هملاجاً، أو يملك حسناء، أو يبني قوراء، أو يؤدب وله، أو يمد إلى مروءة يده، ويبنون الأمر على قول عمرو بن مسعدة للمأمون: كل ما يصلح للمولى على العبد الحرام.
أنوشروان: كفاك من بركة العدل في الرعية، وحفظ الله لصاحبه، ما أعطى الله الضحاك من ملك ألف سنة، أما والله لو أن ملوك يونان وهموان، يعني حمير، والأشغان عدلوا لطالت أعمارهم. فاقتدروا بخيار ملوككم، وأهل الفضل منهم، تسعدوا بالعيش ما عشتم، وتصيروا بعد الموت إلى خير منه.
رسطاليس: العدل حسن، وهو علة كل حسن، وكذلك الحسن مع كل معتدل، والجور قبيح. وهو علة كل قبيح، وكذلك القبح مع كل خارج عن الاعتدال.
سقراط: ينبوع فرح الإنسان القلب المعتدل، وينبوع فرح العالم الملك العادل، وينبوع حزن الإنسان القلب المختلف المزاج، وينبوع حزن العالم الملك الجائر.
قدم عبد الله بن زمعة على علي رضي الله عنه في خلافته، وكان من شيعته، فطلب منه مالاً، فقال: إن هذا المال ليس لي ولا لك، وإنما هو فيء للمسلمين وجلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم، وإلا فجناة أيديهم لا تكون بغير أفواههم.
وقال لعامله: انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له، ولا تروعن مسلماً، ولاتجتازن عليه كارها، ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت على الحي فأنزل بمائهم، من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم، ولا تخدج بالتحية لهم، ثم تقول: عباد الله، أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله تعالى في أموالكم، فهل لله تعالى في أموالكم من حق لتؤدوه إلى وليه؟ فأن قال قائل لا فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تسعفه أو ترهقه، فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة، فإن كانت لك ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بأذنه، فإن أكثرها له، فإذا أتيها فلا تدخلها دخول متسلط عليه ولا عنيف به، ولا تنفرن بهيمة، ولا تفزعنها، ولا تسوأن صاحبها فيها.
وقال للأشتر حين ولاه مصر: اجعل لذوي الحاجات منك فسما تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم فيه مجلساً عاماً، فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في غير موطن: " لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع: ثم احتمل الخرق منهم والعي، ونح عنهم الضيق والأنف، يبسط الله عليك أكتاف رحمته، ويوجب لك ثواب طاعته " .

لما ولي عمر بن عبد العزيز أخذ في رد المظالم، فأبتدأ بأهل بيته، فاجتمعوا إلى عمة له كان يكرمها وسألوه أن تكلمه، فقال لها: إن رسول الله سلك طريقاً، فلما قبض سلك صاحباه ذلك الطريق، فلما ولي عثمان سلك ذلك الطريق غير أنه خد فيه أخدوداً، فلما أفضى الأمر إلى محمد معاوية فجره يميناً وشمالاً،وأيم الله لئن مد لي عمر لأردنه إلى الطريق الذي سلكه رسول الله وصاحبا. فقالت له: يا ابن أخي إني أخاف عليك منهم يوماً عصيباً، فقال: كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا أمننيه الله إن خفته. فخرجت إليهم فقالت: أفتتزوجون في آل عمر بن الخطاب فإذا قرعهم الشبه تكلمتم؟ وذلك أن أم عمر أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.
الحكماء: عدل السلطان أنفع من خصب الزمان.
ازرع الأحرار بسيبك، واحصد الأشرار بسيفك.
كثير في عمر بن عبد العزيز:
قد غيب الدافنون اللحد من عمر ... بدير سمعان قسطاس الموازين
ضمن غيب معنى أودع وضمن، فلذلك عداه إلى اثنين.
نزل بالحسن بن علي ضيف، فاستسلف درهماً اشترى له به خبزاً، واحتاج إلى الأدام فطلب من قنبر أن يفتح له زقاً من زقاق عسل جاءت من اليمن، فاخذ منه رطلاً. فلما قعد علي رضي الله عنه ليقسمها قال: يا قنبر قد حدث في هذا الدن الحدث، قال: صدق فوك، وأخبره الخبر، فغضب وقال: عليَّ به: فرفع عليه الدرة، فقال: بحق عمي جعفر، وكان إذا سئل بحق جعفر سكن، وقال: ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة؟ قال: إن لنا فيه حقاً، فإذا أعطيناه رددناه، قال: قداك أبوك! وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم، لولا أني رأيت رسول الله يقبل ثنيتك لأوجعتك ضرباً. ثم دفع إلى قنبر درهماً وقال: اشتر به أجود عسل تقدر عليه. قال الراوي: فكأني أنظر إلى يدي علي على فم الزق، وقنبر يقلب العسل فيه، ثم شده وجعل يبكي ويقول: اللهم اغفرها للحسن فإنه لا يعلم.
الحسن: أتى عمر رضي الله عنه مال كثير، فأتته حفصة فقالت: يا أمير المؤمنين، حق أقربيك، فقد أوصى الله بالأقربين، فقال يا حفصة، إنما حق أقربائي في مالي، فأما مال المسلمين فلا، يا حفصة نصحت قومك وغششت أباك. فقامت تجر ذيلها

العجز،والتواني، والبلادة، والكسل، والبطء
والتردد في الأمر، وما أشبه ذلك سعد بن أبي وقاص :كنا عند رسول الله فقال : أيعجز أحدكم إن يكسب كل يوم ألف حسنة ؟ فسأله سائل :كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يحط ألف خطيئة.
علي رضي الله عنه : ما أطاع التواني ضيع الحقوق.
أكثم بن صيفي : ما أحب أن أكفي جميع أمر الدنيا، قيل :ولم ذاك؟ قال: أخاف عادة العجز.
حكيم: من دلائل العجز كثرة الإحالة على المقادير.
كتب على عصا ساسان: الحركة بركة، التواني هلكة، و الكسل شؤم، و التواني زاد العجزة، وكلب طائف خير من أسد رابض.
من العجز و التواني نتجت الفاقة.
قال أبو المعافى:
إن التواني أنكح العجز بننه ... وساق إليها حين زوجها مهرا
فراشاً وطيئاً نسم قال لها أنكى ... فقصراكما لا شك أن تلدا الفقرا
قال جرير للفرزدق: ظننت أن تفعل كذا، فقال: طالما أخلفت من العجزة. وما ظنك بالحلفاء أدنيت لها ناراً؟ خرج المعتصم إلى بعض منتزهاته، فظهر لهم أسد، فقال لرجل من أصحابه، أعجبه قوامه وسلاحه وتمام خلقه:يا رجل أفيك خير؟ فقال بالعجلة: لا و الله يا أمير المؤمنين. فضحك المعتصم وقال: قبحك الله وقبح طالعك.
شاعر:
لا تضجرن ولا تأخذك معجزة ... فالنجح يذهب بين العجز و الضجر
آخر:
و لا تركن إلى كسل و عجز ... تحل على المقادر و القضاء
أبو بكر العرزمي:
أرى عاجزاَ يدعى جليداَ لغشمه ... و لو كلف التقوى لكلت مضاربه
وعفاً يسمى عاجزاً لعفافه ... و لولا إلتقى ما أعجزته مذاهبه
وليس بعجز المرء أخطاء الغنى ... ولا باحتيال أدرك المال كاسبه
أعرابي: العاجز هو الشاب القليل الحيلة، الملازم للحيلة.
فلان يخدعه الشيطان عن الحزم،فيمثل له التواني في صوره الهوينى بإحالته على القدر.

الحسن:إن أشد الناس صراخاً يوم القيامة رجل سن سنة ضلالة فاتبع عليها، ورجل فارغ مكفي قد استعان بنعم الله على معاصيه.
قيل لسهل بن هارون: خادم القوم سيدهم، قال: هذا من أخبار الكسالى.
(شاعر)
أصبحت لا رجلاً يغدو لمطلبه ... ولا قعيدة بيت تحسن العملا
لبيد؛ اعص ما يأمر توصيم الكسل.
الخيبة نتيجة مقدمتين الكسل و الفشل، وثمرة شجرتين الضجر والملل.
شعاره الكسل، دثاره التسويف و العلل.
الكسل باب الخصاصة: الكسلان إذا أرسلته في حاجة تكهن عليك.
يسحب رجلاً لا تكاد تنسحب.
إن الهوينى تورث الهوانا.
شاعر:
لو سابق الذر مشدوداً قوائمه ... يوم الرهان لكان الذر يسبقه
التعبد يثقل على أهله كثقله في الميزان، والكسل يخف على أهله كخفته في الميزان.
لقمان: يا بني إياك والكسل والضجر، فإن كسلت لم تؤد حقاً، وإذا ضجرت لم تصبر على حق.
طاهر بن الفضل: الكسلان منجم، والبخيل طبيب.
العطاف الكلبي:
كلوا عجرة الوادي فإن بلاءكم ... ضعيف إذا ما كان يوم قماطر
ولا تغضبوا مما أقول فإنما ... أنفت لكم مما تقول المعاشر
أبو نعامة الديقعي:
إذا وضع الراعي على الأرض صدره ... فحق على المعزاء أن تتبددا
ابن السماك: جلاء القلوب استماع الحكمة، وصدؤها الملالة والفتور.
عنه عليه السلام: " كان إذا سئم تبدى " .
المأمون: إن النفس لتمل الراحة كما تمل التعب.
أبجر بن جابر العجلي: يا بني إياك والسآمة في طلب الأمور، فتقذفك الرجال في أعقابها.
فلان لا ينتبه ولو أعيد في الكور، ونفخ عليه إلى أن ينفخ في الصور.
علي رضي الله عنه: إلى كم أغضي على القذى، وأسحب ذيلي على الأذى، وأقول لعل وعسى:
ولو نشر الخليل له لعفت ... بلادته على فطن الخليل
عمر رضي الله عنه: إني لأكره أن أرى أحكم قارعاً سبهللاً، لا في عمل دنيا ولا آخرة.
إن كان الشغل محمدة فإن الفراغ مفسدة.
حجام ساباط مثل في الفراغ، وهو ساباط المدائن، كان به حجام إذا مر به البعوث حجمهم بسيئة إلى وقت القفول. وقيل: حجم مرة أبرويز فأمر له سماً أغناه عن الجحامة فلم يزل فارغاً مكفياً.
قال ابن بسام:
دار أبي العباس مفروشة ... ما شئت من بسط وأنماط
لكنما بعدك من خبزه ... كبعد بلخ من سميساط
مطبخه قفر وطباخه ... أفرغ من حجام ساباط
وكان ابن الرومي إذا ذكر أبا حفص الوراق سماه وراق ساباط لفراغه.
اخلع علي ساعة من ساعاتك. أي تفرغ لي.
أنس رفعه: أشد الناس حساباً يوم القيامة المكفي الفارغ.
قدامة بن جعفر: كنت مروياً في أمر، آتيه أم أذره؟ فأنشدت في المنام:
كان الفراغ إلى سلامك قادني ... ولربما طلب الفضول الفارغ
قولك في أذني قرط معلق لا أنساه.
أظنك نسيتني، وللنسيان نسوان، وللذكر ذكران.
لو غابت عنك العافية أنسيها.
جابر بن عبد الله رفعه: خمس يورثن النسيان: أكل التفاح، وسؤر الفأر والحجامة في النقرة، ونبذ القملة، والبول في الماء الراكد.
وعن علي رضي الله عنه: عشر يورثن النسيان: كثرة الهم، والحجامة في النقرة، والبول في الماء الراكد، وأكل التفاح الحامض، وأكل الكزبرة، وأكل سؤر الفأر، وقراءة ألواح القبور، والنظر إلى المصلوب، والمشي بين الجملين المقطورين، وإلقاء القملة حية.
في نوابغ الكلم: يا انيسيان عادتك النسيان. أذكر الناس نأس، وأرق القلوب قاس.
فلان بعل الفؤاد غير نساء للأحقاد.
المعتز:
وما أمل حبيبي ليتني أبداً ... مع الحبيب ويا ليت الحبيب معي
العباس بن الأحنف:
لو كنت عاتبة لسكن عبرتي ... أملي رضاك وزرت غير مراقب
لكن مللت فلم يكن لي حيلة ... صد الملول خلاف صد العاتب
تقول العرب: إنك لذو ملة طرف، أي تتخذ خليلاً ثم تمله وتستطرف آخر.
هذا أمر يضيق به قضاؤك، وتسقط منه كسفاً سماؤك.
كان رجل ينسى أسماء مماليكه، فقال: اشتروا لي غلاماً له اسم مشهور لا أنساه، فاشتروا له غلاماً، وقالوا: اسمه واقد، فقال: هذا اسم لا أنساه. اجلس يا فرقد.
أتناسيت أم نسيت إخائي ... والتناسي شر من النسيان

قالت العرب: عقرة العلم النسيان.
قيل لرجل من عبد القيس في مرضه: أوصنا، قال: أنذرتكم سوف.

العفاف، والورع، والعصمة والحلال والحرام
ومن تحرج وتنزه من الرجال والنساء عطية السعدي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذراً مما بأس به.
أبو بكر رضي الله عنه: إنا منذ ولينا أمور المسلمين لم نأخذ لهم ديناراً ولا درهماً. ولكن قد أكلنا من جريش طعامهم، ولبسنا من خشن ثيابهم، وليس عندنا من فيهم إلا هذا الناضح. وهذا العبد الحبشي وهذه القطيفة.فإذا قبضت فادفعوها إلى عمر. فلما قبض أرسلوها إليه، فبكى حتى سالت دموعه، ثم قال: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده.
علي رضي الله عنه: العفاف زينة الفقر.
قال داود عليه السلام لبني إسرائيل: اجتمعوا فإني أريد أن أقوم فيكم بكلمتين. فاجتمعوا على بابه، فخرج إليهم فقال: يا بين إسرائيل، لا يدخل أجوافكم إلا طيب. ولا يخرج من أفواهكم إلا طيب.
إن أحببت أن تعلم علم اليقين فاجعل بينك وبين الشهوات حائطاً من حديد.
سليمان عليه السلام: إن الغالب لهواه أشد من الذي يفتح مدينة وحده.
حلقت قرشية شعرها، وكانت أحسن الناس شعراً، فقيل لها في ذلك، فقالت: أردت أن أغلق الباب، فلمحني رجل ورأسي مكشوف، فما كنت لأدع علي شعراً رآه من ليس بمحرم
إن أكن طامح اللحاظ فإني ... والذي يملك الفؤاد عفيف
بعض بني كلب:
فقالت بحق الله ألا أتيتنا ... إذا كان لون الليل شبه الطيالس
فجئت وما في القوم يقظان غيرها ... وقد قام عنها كل وال وحارس
فبتنا بليل طيب نستلذه ... جميعاً ولم أقلب لها كف لامس
الحلال يقطر، والحرام يسيل.
لقي مخنث آخر وقد تاب، فقال له: من أين معاشك؟ قال: بقيت لي بقية من الكسب القديم، قال: إذا كانت نفقتك من ذلك الكسب فإن لحم الخنزير طرياً خير من قديد.
نزل خارجي على أخ مستتراً عن الحجاج، فشخص المنزول عليه لبعض حاجته، وقال لامرأته: أوصيك يا زرقاء بضيفي هذا خيراً، فلما عاد بعد شهر قال لها: كيف ضيفنا؟ قالت:ما اشغله بالعمى عن كل شيء! وكان الضيف أطبق عينيه،فلم ينظر إلى المرأة والمنزل إلى أن عاد زوجها.
مرت امرأة بقوم من بني نمير، فقال رجل منهم: هي رسحاء. فقالت: يا بني نمير ما أطعتم الله ولا أطعتم الشاعر، قال الله تعالى: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، وقال الشاعر: فغض الطرف إنك من نمير.
عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص:
هيفاء فيها إذا استقبلتها عجف ... عجزاء غامضة الكعبين معطار
من الأوانس مثل الشمس لم يرها ... في ساحة الدار لا بعل ولا جار
لم يذهب على أحد من الرواة أن عمر بن أبي ربيعة كان عفيفاً،يصف ولا يقف، ويحوم ولا يرد.
قيل للحسن: إن عند فلان عشرة آلاف، فقال:ما أحسبها اجتمعت من حلال.
وقيل له: إن فلاناً مات وترك مائة ألف، قال: إذن لا تتركه.
زاهد: إني لأشتهي الشواء منذ أربعين سنة ما صفا لي درهمه.
لا تعود نفسك الشبع من الحلال فتأكل الحرام.
سقط من يد كهمس بن الحسن الحنفي دينار، فطلبوه حتى وجدوه، فأبى أن يأخذه، وقال: لعله ليس بديناري.
ابن سيرين: ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا نوم غير أم عبد الله، وإني لأرى المرأة في المنام فاعلم أنها لا تحل لي فاصرف بصري.
قال بعضهم: ليت عقلي في اليقظة كعقل ابن سيرين في المنام.
شاعر:
وإني لعف عن فكاهة جارتي ... وإني لمشنوء إلي اغتيابها
إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها ... زؤوراً ولم تأنس إلي كلابها
ولم أكُ طلاباً أحاديث سرها ... ولا عالماً من أي حوك ثيابها
تذاكروا اشد الأعمال في مجلس يونس بن عبيد فاتفقوا على أنه الورع، فجاء حسان بن أبي سنان فقال: إن الصلاة لمؤونة، وإن الصوم لمؤونة، وإن الصدقة لمؤونة، وما أهون للورع إذا رابك شيء فاتركه.

ومن ورع حسان أن غلاماً له كتب إليه من الأهواز: أن قصب السكر أصابته آفة، فاشتر مما قبلك من السكر، ففعل، فطلب منه بعد قليل بربح ثلاثين ألفاً، فاستقال البيع صاحبه وقال: لم نعلم كنت أعمل حين اشتريته، فقال: قد أعلمتني الآن وقد طيبتك، فلم يطمئن قلبه، ولم يزل حتى رده إليه.
محمود الوراق:
لا تشعرن قلبك حب الغنى ... إن من العصمة أن لا تجد
كم مدمن خمراً وعاد ... سماع لهو وغناء غرد
لو لم يجد خمراً ولا مسمعاً ... برد بالماء غليل الكبد
ابن المبارك: أراد أبو حنيفة رحمه الله أن يشتري جارية، فمكث عشر سنين يختار ويشاور من أي سبي يشتريها.
اختلطت غنم الغارة بغنم أهل الكوفة، فسأل أبو حنيفة كم تعش الشاة؟ قالوا: سبع سنين، فترك أكل لحم الغنم سبع سنين. وحملت إليه بدرة من عند المنصور، فرماها في زاوية البيت.فلما توفي جاء بها ولده حماد إلى الحسن بن قحطبة، فقال: أوصاني أبي برد هذه الوديعة إليك، فقال: رحم الله أباك، لقد شح بدينه غذ سخت به أنفس أقوام.
الثوري: انظر درهمك من أين هو، وصل في الصف الأخير.
كان عمر رضي الله عنه يتمثل:
حلالها حسرة يفضي إلى ندم ... وفي المحارم منها السم مذرور
جابر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لكعب بن عجرة: لا يدخل الجنة من نبت لحمه من حرام، النار أولى به.
أبو بكر رضي الله عنه رفعه: إن الله حرم الجنة أن يدخلها جسد غذي بحرام.
أبو هريرة رفعه: يأتي على الناس زمان لا يبالون من حلال كسبوا المال أم من حرام.
حذيفة رفعه: إن قوماً يحيون يوم القيامة لهم من الحسنات أمثال الجبال فيجعلها الله هباءً، ثم يؤمر بهم إلى النار، فقال سليمان: حلهم لنا يا رسول الله. فقال: أما إنهم كانوا يصلون ويصومون، ويأخذون أهبة من الليل. ولكنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام وثبوا إليه.
أيمن بن خريم:
فقلت اصطبحها أو لغيري فأهدها ... فما أنا بعد الشيب ويلك والخمر
تعففت عنها في العصور التي خلت ... فكيف التصابي بعد ما كلأ العمر
فلان يعقد نطاقه على طبع الطيب الإزار.
أبو سليمان الداراني: من صدق في ترك الشهوة كفي مؤونتها، الله أكرم أن يعذب قلبه بها وقد تركها له.
مر سليمان الخواص بإبراهيم بن أدهم، وهو عند قوم أضافوه فقال: يا أبا إسحاق نعم الشيء هذا لو لم يكن تكرمة على الدين.
مروان بن معاوية: ما من أحد إلا وقد أكل بدينه حتى سفيان الثوري، كان له أخ يعمل ببضاعته وهو جالس، ولولا دينه ما فعل به ذلك.
ملك اللذات أن يعبدنه.
هو بماله متبرع، وعن مال غيره متورع.
لم يتدنس بحطام، ولم يتلبس بآثام.
عف السريرة غيبه كالشهد.
قالت امرأة لرجل أكثر تأملها: عبر عينك وشيء غيرك.
أبو إمامة الباهلي: لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم أتت إبليس جنوده وقالت قد بعث نبي لما بعث نبي وخرجت أمته، قال: أفيحبون الدنيا؟ قالوا: نعم، قال: إن كان يحبون الدنيا فإني لا أبالي أن لا يعبدوا الأوثان، أنا أغدو عليهم وأروح بثلاث: أخذ المال من غير حله، وإنفاقه في غير حقه، وإمساكه عن حقه، والشرك تبع لهذا.
حكيم: عز النزاهة أحب إلي من فرح الفائدة، والصبر على العسرة أحب إلي من احتمال المنة.
قيل لابن المسيب: العن الحجاج، فقال: لا يأخذ الناس مظالمهم من الحجاج ويأخذ الحجاج مظلمته مني، حسبه ذنبه.
دخلت بثينة على عبد الملك بن مروان فقال: يا بثينة ما أرى شيئاً مما كان يقول جميل، فقالت: يا أمير المؤمنين، إنه كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك، قال: فكيف صادفتيه في عفته؟ قالت: كما وصف نفسه:
لا والذي تسجد الجبال له ... ما لي بما دون ثوبها خبر
ولا بفيها ولا هممت بها ... ما كان إلا الحديث والنظر
وعن أبي سهل الساعدي: دخلت على جميل وبوجهه آثار الموت فقال لي: يا أبا سهل، إن رجلاً يلقى الله ولم يسفك دماً حرامً، ولم يأت فاحشة، أترجو له؟ قال: أي والله، فمن هو؟ قال: إني لأرجو أن أكون ذلك، فذكرت بثينة، فقال: إني لفي آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، لا نالتني شفاعة محمد إن كنت حدثت نفسي بريبة قط.

عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعته امرأة إلى نفسها للنور الذي بين عينيه، فأبى وقال:
أما الحرام فالحمام دونه ... والحل لا حل فاستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه ... يحمي الكريم عرضه ودينه
وقال:
وأحور مخضوب البنان محجب ... دعاني فلم أعرف إلى ما دعا وجها
بخلت بنفسي عن مقام يشينها ... فلست مريداً ذاك طوعاً ولا كرها
الحسن: لو وجدت رغيفاً من حلال لأحرقته، ثم دققته، ثم ذريته، ثم داويت به المرضى.
عدمت زوج أبي ذر رضي الله عنها ما تكفنه به فبكت، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن أحدكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين. فابصري الطريق. فإذا برجال أقبلوا ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، فقال: أنشدك الله أن كفنني رجل منكم كان عريفاً، أو أميراً أو شرطياً. فكفنه فتى أنصاري منهم بثوبين من غزل أمه.
راود توبة ليلى الأخيلية عن نفسها، فاشمأزت وقالت:
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فلس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى صاح وخليل
ابن ميادة:
موانع لا يعطين حبة خردل ... وهن دوان في الحديث أوانسي
ويكرهن أن يسمعن في اللهورية ... كما كرهت صوت اللجام الشوامس
قال رجل للثوري: أصاب ثوبي خلوق من خلوق الكعبة، فقال: اغسله فكم فيه من دم مسلم.
فضيل ابنه علي: كانت لنا شاة أكلت يسيراً من علف بعض الأمراء فما شرب من لبنها بعد.
إبراهيم بن أدهم: أنا بالشام من أربع وعشرين سنة، ما جئت لجهاد ولا رباط، ولكن لا شبع من خبز حلال.
عمرو بن العاص: لئن كان أبو بكر وعمر تركا هذا المال، وهما يريان أنه يحل لهما، لقد غبنا ونقص رأيهما، والله ما كانا مغبونين ولا ناقصي الرأي. ولئن كان ما أصبنا منه يحرم علينا لقد هلكنا، وأيم الله ما أتى الوهم والوهن إلا من قبلنا.
عبد الله بن حسن بن حسن:
أنس غرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهن حرام
يحسبن من لين الحديث فواسقاً ... ويصدهن عن الخنا الإسلام
كان الأصمعي يستحسن بيتي العباس بن الأحنف:
أتأذنون لصب في زيارتكم ... فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يضمر السوء أن طال الجلوس به ... عف الضمير ولكن فاسق النظر
كان ابن المولى المدني متواصفاً بالعفة وطيب الإزار، فأنشد عبد الملك بن مروان وهو متنكب قوسه:
وأبكي فلا ليلى بكت من صبابة ... لباك ولا ليلى لذي الود تبذل
واخنع بالعتبى إذا كنت مذنباً ... وإن أذنبتن كنت الذي أتنصل
فقال هل: من ليلى هذه؟ لئن كانت حرة لأزوجنكها، ولئن كانت مملوكة لاشتريتها لك بالغة ما بلغت، فقال: كلا يا أمير المؤمنين، ما كنت لأمعر بوجه حر أبداً في حرته ولا في أته، والله ما ليلى إلا قوسي هذه ، أسميتها ليلى فأنا أنسب بها.
مهدي بن الملوح الجعدي:
كأن علي أنيابها الخمر شابها ... بماء الندى من آخر الليل غابق
وما ذقته إلا بعيني تفرساً ... كما شيم في أعلى السحابة بارق
عائشة رضي الله عنها: قالت: يا رسول الله من المؤمن؟ قال: المؤمن من إذا أصبح نظر في رغيفيه من أين يكسبهما. قالت: يا رسول الله أما إنهم لو كلفوه لتكلفوه، قال: أما إنهم قد كلفوه، ولكن يعشقون الدنيا عشقاً.
اختفى إبراهيم بن المهدي في هربه من المأمون عند عمته زينب بنت أبي جعفر، فوكلت بخدمته جارية لها اسمها ملك، واحدة زمانها في الحسن والأدب، طلبت منها بخمس مائة ألف فأبت، فهويها، وتذمم أن يطلبها إليها، فغنى يوماً وهي قائمة على رأسه.
يا غزالاً لي إليه ... شافع من مقلتيه
والذي أجللت خد ... يه فقبلت يديه
بأبي وجهك ما أك ... ثر حادي عليه
أنا ضيف وجزاء الضي ... ف إحسان إليه

ففطنت الجارية، فحكت لمولاتها، فقالت: أذهبي إليه فأعلميه أني قد وهبتك له. فعادت إليه، فلما رآها مقبلة أعاد الغناء، فانكبت عليه، فقال: كفي، فقالت:قد وهبتني لك مولاتي، وأنا الرسول، فقال: أما الآن فنعم.
أنشد المبرد:
ما أن دعاني الهوى لفاحشة ... إلا عصاه الحياء والكرم
فلا إلى محرم مددت يدي ... ولا مشت بي لريبة قدم
طلب عمر بن عبد العزيز رحلاً لمصحفه، فأتي برحل فأعجبه، فقال: من أين أصبتموه؟ فقيل: عمل من خشبة وجدت في بعض الخزائن، قال: قوموه في السوق، فقوم بنصف دينار، فقال: ضعوا في بيت المال ديناراً، فقيل: لم يقوم إلا بنصف دينار، فقال: ضعا في بيت المال دينارين.
عيسى عليه السلام، لا تكن حديد النظر إلى ما ليس لك. فإنه لن يرى فرجك ما حفظت عينيك، فإن استطعت أن لا تنظر إلى ثوب المرأة التي لا تحل لك فافعل، ولن تستطيع ذلك إلا بإذن الله.
/باب

التعجب، وذكر العجائب والنوادر
وما خرج من العادات علي بن ربيعة: شهدت علياً رضي الله عنه، فأتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم قال: الحمد لله والله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقلت: يا أمير المؤمنين، من أي شيء تضحك؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما فعلت أنا ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله، من أي شيء تضحك؟ قال: إن ربك يعجب من عبده إذا قال اغفر لي ذنوبي وهو يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري.
وعنه رضي الله عنه: إن ربك يعجب من الشاب ليست له صبوة.
وعنه: عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل وهم كارهون.
علي رضي الله عنه: عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب، ويفوته الغنى الذي إياه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء. وعجبت للمتكبر الذي كان بالأمس نطفة ويكون غداً جيفة. وعجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله، وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى من يموت. وعجبت لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى. وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء.
قعنب بن أم صاحب
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
نظرت فيه نظر المعجب به لا المتعجب منه، وذكرت قول أرسطاليس: أما التعجب من مناقبك فقد أسقطه تواترها، فصارت كالشيء المألوف الذي لا يتعجب منه.
وقيل لبحار: ما أعجب ما رأيت من عجائب البحر؟ قال: سلامتي منه.
ركب أعرابي البحر فرأى من أمواجه الأهوال، ثم ركبه مرة أخرى وهو ساكن، فقال: لا يغرني حلمك فعندي من جهلك العجائب.
قيل لبرزجمهر: من أعلم الناس بالدنيا؟ قال: أقلهم منها تعجباً.
اسمع المعتز عبيد الله بن عبد الله بن طاهر غناء حظية له وقال: كيف تراها؟ فقال: يا أمير المؤمنين، حظ العجب منها أكثر من حظ العجب بها.
برزجمهر: العجب ممن يعرف ربه ثم يغفل عنه طرفة عين.
قيل للمشعبذ أبو العجب، قال أبو تمام:
وحادثات أعاجيب خساً وزكاً ... ما الدهر في فعله إلا أبو العجب
وقال ابن الرومي في البحتري:
أولى بمن عظمت في الناس لحيته ... من حاكة الشعر أن يدعى أبا العجب
الجد أعمى ولولا ذاك لم تره ... في البحتري بلا عقل ولا أدب
لو قيل: أي شيء أعجب عندك؟ لقلت: قلب عرف الله ثم عصى.
كان ببابل سبع مدائن، في كل مدينة أعجوبة: في إحداها تمثال الأرض،فإذا التوى على الملك بعض أهل مملكته بخراجهم خرق أنهارها عليهم في التمثال، فلا يطيقون سد البثق حتى يعتدلوا وما لم يسد في التمثال لم يسد في ذلك البلد.
وفي الثانية حوض، فإذا أراد الملك أن يجمعهم لطعامه أتى كل واحد بما أحبه من شراب، فصبه في ذلك الحوض، فاختلطت الأشربة، فكل من سقي منه كان شرابه الذي جاء به.
وفي الثالثة طبل، إذا أرادوا أن يعلموا حال الغائب عن أهله قرعوه، فإن كان حياً صوت، وإن كان ميتاً لم يسمع له صوت.
وفي الرابعة مرآة، فإذا أرادوا أن يعلموا حال الغائب نظروا فيها، فأبصروه على أية حالة هو عليها كأنهم يشاهدونه.

وفي الخامسة أوزة من نحاس، فإذا دخل الغريب صوتت الأوزة صوتاً يسمعه أهل المدينة.
وفي السادسة قاضيان جالسان على الماء، فيأتي الخصمان فيمشي المحق على الماء حتى يجلس مع القاضي، ويرتطم المبطل.
وفي السابعة شجرة ضخمة لا تظل ساقها، فإن جلس تحتها أحد أظلته إلى ألف رجل، فإن زاد على الألف واحد جلسوا كلهم في الشمس.
الخليل في سليمان بن حبيب:
وزلة يكثر الشيطان إن ذكرت ... منها التعجب جاءت من سليمانا
لا تعجبن لخبز زل عن يده ... فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا
ورد على قلبي منه ما طبقه عجباً إن لم يطبقه شجباً:
الدهر فيه لمن تعجب عبرة وعجائب
الظبي يخضم الحنظل خضماً وماؤه يسيل من شدقيه، وأنت تتبين فيه الاستلذاذ له والاستحلاء لطعمه، ويرد البحر فيشرب الماء الأجاج كما تغمس الشاة لحييها في الماء العذب. فأي شيء أعجب من حيوان يستعذب ملوحة البحر، ويستحلي مرارة الحنظل؟ عن عبد الرحمن بن عدي: سمعت أبا هريرة يقول: ضرس الكافر مثل أحد. فقلت في نفسي: فكيف برأسه؟ فكيف بيده؟ كالشاك، فأريت في النوم من القابلة أن بثرة خرجت في خنصري فملأت المدينة. فقيل لي: هذا لشكك في قول أبي هريرة.
عن أبي عقيل: كنت عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى مروان بن الحكم بحبال وفعلة، يريد أن يزيد درجات على منبر رسول الله، وذلك بأمر معاوية، فزلزت الأرض، وخسفت الشمس، وبدت النجوم، واصطفقت القناديل.
كان في زمن بني إسرائيل جارية متعبدة، تسمى سوسن، تخرج إلى مصلى يليه شيخان، وكان بجنبه بستان تتوضأ فيه، فعلقها الشيخان، فراوداها عن نفسها، فأبت، فقالا: لئن لم تمكيننا من نفسك لنشهدن عليك بالزنا؛ فقالت: الله كافي شركما. ففتحا باب البستان وعيطا، فغشيهما الناس، فقالا: وجدناها مع شاب يفجر بها وانفلت من أيدينا. وكانوا يقيمون الزاني للناس ثلاثة أيام، ثم يرجم. فأقاموها، وكانا يدنوان منها يضعان يديهما على رأسها، ويقولان: الحمد لله الذي أنزل بك نقمته. فلما أريد رجمها تبعهم دانيال وهو ابن ثنتي عشرة أول ما تنبأ، فقال: لا تعجلوا، أنا أقضي بينهم. فوضع له كرسي، ففرق بين الشيخين، وهو أول من فرق بين الشهود، فقال لأحدهما: ما رأيت؟ فذكر حديث الشاب، فقال: أي مكان من البستان؟ فقال: تحت الشجرة الكمثري. وسأل الآخر فقال: تحت الشجرة التفاح. وسوسن رافعة يديها تدعو بالخلاص. فأنزل الله ناراً فأحرقت الشاهدين، وأظهر براءتها.
عن الشافعي رحمه الله: بينا أنا أدور في طلب العلم فدخلت بلدة من بلاد اليمن، فرأيت فيها إنساناً من وسطه إلى أسفله بدن امرأة، ومن وسطه إلى فوقه بدنان متفرقان بأربع أيد ورأسين ووجهين، وهما يتقاتلان ويتلاطمان ويصطلحان، ويأكلان ويشربان. ثم غبت عنهما سنتين ورجعت، فسألت عنه، فقيل لي: أحسن الله عزاءك في الجسد الواحد، توفي فربط من أسفله بحبل وثيق، وترك حتى ذبل وقطع، فلعهدي بالجسد الآخر في السوق ذاهباً وجائياً.
قال: ورأيت باليمن أعميين يتقاتلان وأبكم يصلح بينهما.
وقال: باليمن قوم يشق أحدهم لحمه ثم يرده فيلتئم من ساعته. ويقال: إن غداء أولئك اللسان.
وقال: رأيت باليمن بنات سبع يحضن كثيراً.
وقال: رأيت بالمدينة ثلاث عجائب لم ار مثلها في موضع قط. رأيت رجلاً فلس في مد من نوى، فلسه القاضي. ورأيت رجلاً له سن شيخ كبير خضيب، يدور على بيوت القيان ماشياً يعلمهن الغناء، فإذا حضرت الصلاة صلى قاعداً، ورأيت رجلاً أعسر، يكتب بشماله يسبق من يكتب بيمينه.

باب
العشق، وذكر من بلي به وقال فيه الشعر
ومن مات منهم كمداً، ومن رق لهم وترحم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم: من عشق فعف وكتم ثم مات مات شهيداً.
لما أعتقت عائشة رضي الله عنها جاريتها بريرة، وكان زوجها حبشياً، اسمه مغيث، خيرت بين الإقامة معه وبين مفارقته، فاختارت المفارقة، فكانت إذا طافت بالبيت طاف مغيث خلفها، ودموعه تسيل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس: يا عم أما ترى حب مغيث لبريرة؟ لو كلمناها أن تتزوجه! فدعاها وكلمها، فقالت: يا رسول الله إن أمرتني فعلت، قال: أما أمر فلا، ولكن أشفع. فأبت أن تتزوجه. قال الراوي: فهذا من قد رآه رسول الله، وشهد لشدة عشقه، وشفع في بابه.

يحيى بن معاذ الرازي: لو أمرني الله أن أقسم العذاب بين الخلق ما قسمت للعاشقين عذاباً.
بعضهم: رأيت امرأة في غاية الضمر والنحافة رافعة يديها تدعو، فقلت لها: هل من حاجة؟ قالت: حاجتي أن تنادي في الموقف.
تزود كل الناس زاداً يقيتهم ... ومالي زاد والسلام على نفسي
ففعلت، فإذا بفتى، فقال: أنا الزاد. فمضيت بها إليها، فما زادا على النظر والبكاء. ثم قالت له: انصرف مصاحباً محافظاً. فقلت: ما علمت أن لقاءكما يقتصر على هذا، فقالت: أمسك، أما علمت أن ركوب العار ودخول النار شديد؟ إبراهيم بن محمد بن عرفة المهلبي الواسطي.
كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني ... منه الحياء وخوف الله والحذر
كم قد خلوت بمن أهوى فيقنعني ... منه الفكاهة والتحديث والنظر
أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم ... وليس لي في حرام منهم وطر
كذلك الحب لا إتيان معصية ... لا خير في لذة من بعدها سقر
عن زبيدة: قرأت في طريق مكة على حائط:
أما في عباد الله أو في أمانه ... كريم يجلى الهم عن ذاهب العقل
له مقلة أما المآقي فقرحة ... وأما الحشا فالنار فيه على رجل
فنذرت أن أحتال لقاءهما حتى أجمع بينه وبين من يهوى، فإني لبالمزدلفة إذ سمعت من ينشدهما، فأدنيته، فزعم أنه قالهما في بنت عم له قد نذر أهلها أن لا يزوجوها منه، فوجهت إلى الحي، وما زلت أبذل لهم المال حتى زوجوها، وإذا المرأة أعشق من الرجل. وكانت زبيدة تعده في أعظم حسناتها، وتقول: ما أنا بشيء أسر بي بجمعي بين ذلك الفتى والفتاة.
كان لسليمان بن عبد الملك غلام وجارية يتحابان، فكتب إليها:
ولقد رأيتك في المنام كأنما ... عاطيتني من ريق فيك البارد
وكأن كفك في يدي وكأننا ... بتنا جميعاً في فراش واحد
فطفقت يومي كله متراقداً ... لأراك في يومي ولست براقد
فأجابته.
خيراً رأيت وكلما عاينته ... ستناله مني برغم الحاسد
إني لأرجو أن تكون معانقي ... فتبيت مني فوق ثدي ناهد
وأراك بين خلاخلي ودمالجي ... وأراك بين مراجلي ومجاسدي
فبلغ ذلك ذلك سليمان. فأنكحهما وأحسن جهازهما.
الجاحظ: العشق اسم لما فضل عن المحبة. كما أن السرف اسم لما جاوز الجود، والبخل اسم لما جاوز حد الاقتصاد.
سئل أفلاطون عن العشق فقال: داء لا يعرض إلا للفراغ.
آخر: العشق جهل عارض صادف قلباً فارغاً.
قيل لأعرابي: ما بلغ حبك لفلانة؟ قال: إني لأذكرها وبيني وبينها عقبة الطائف فأجد من ذكرها رائحة المسك.
سأل الرشيد رجلاً فقال: ما أشد ما يكون من العشق؟ قال: أن تكون ريح البصل منه أحب إليك من ريح المسك من غيره.
عن عمر بن أبي ربيعة المخزومي: أن نعم التي يقول فيها:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
اغتسلت عند غدير فأقام يشرب منه حتى جف.
رأى شبيب أخو بثينة جميلاً عندها، فوثب عليه وآذاه، ثم أتى مكة وفيها جميل، فقيل له: دونك شبيباً فاثأر منه، فقال:
وقالوا يا جميل أتى أخوها ... فقلت أتى الحبيب أخو الحبيب
كتبت جارية للمتوكل على جبينها: هذا ما عمل في طراز الله، فتنة لعباد الله.
أنشد الأخفش لحداد بسر من رأى:
مطارق الشوق منها في الحشا أثر ... يطرقن سندان قلب حشوه الفكر
ونار كور الهوى في الجسم موقدة ... ومبرد الحزن لا يبقى ولا يذر
عبد الله بن عجلان النهدي أحد العشاق المذكورين، تزوجت عشيقته فرأى أثر كفها على ثوب زوجها، فمات كمداً.
أهدى أبو العتاهية للمهدي برنية فيها ثوب مطيب، قد كتب في حواشيه:
نفسي بشيء من الدنيا معلقة ... الله والقائم المهدي يكفيها
إني لآيس منها ثم يطمعني ... فيها احتقارك للدنيا وما فيها

فهم أن يدفع عتبة إليه، فضجرت وقالت: يا أمير المؤمنين، حرمتي وخدمتي! أتدفعني إلى رجل قبيح المنظر، بائع جرار، متكسب بالشعر؟ فأعفاها، وأمر أن تملأ البرنية مالاً. فأرادوا أن يملاؤها دراهم، فقال: إنما أمر بالدنانير، فاختلف في ذلك حولاً. فقال عتبة: لو كان عاشقاً لم يختلف حولاً في التمييز بين الفضة والذهب، وقد أعرض عني صفحاً.
صحب جميلاً رجل من عذرة، يدعى العشق وهو سمين، فقال فيه:
وقد رابني من زهدم أن زهدماً ... يشد على خبزي ويبكي على جمل
فلو كنت عذري العلاقة لم تكن ... سميناً وأنساك الهوى كثرة الأكل
قال محمد بن عبد الله بن طاهر لأولاده: عفوا تشرفوا، واعشقوا تظرفوا.
أول العشق النظرة، وأول الحريق الشرر.
زار علي بن عبيدة الريحاني جارية كان يهواها عند إخوانه، فحان وقت الظهر، فبادروا الصلاة، وهما يتحدثان، حتى كادت الصلاة تفوت. فقيل: يا أبا الحسن الصلاة، فقال: رويدك حتى تزول الشمس. أي حتى تقوم الجارية.
وصف أعرابي امرأة طرقها فقال: ما زال القمر يرينيها، فلما غابت أرنيه. قيل: فما كان بينكما؟ قال: أبعد ما أحل الله مما حرم، إشارة في غير بأس، ودنو في غير مساس؛ ولا وجع أشد من الذنوب.
أبو العيناء: أضحكني بائع رمان يقول:
وقعت من فوق جبال الهوى ... إلى بحار الحب طرطب
عبد بني الحسحاس:
فكم قد شققنا من رداء محبر ... ومن برقع عن طفلة غير عانس
إذا شق برد شق بالبرد برقع ... دواليك حتى كلنا غير لابس
وذلك! إن الرجل يشق برقع حبيبته، والمرأة تشق برد حبيبها، ويقولون: إذا لم يفعلا ذلك عرض البغض بينهما.
ذكر أعرابي فقال: كاد الغزال يكونها لولا ما تم منها ونقص منه، وما كانت أيامي معها إلا كأباهيم القطا قصراً، ثم طالت بعدها شوقاً إليها، واأسفاً عليها! عشق رجل امرأة، فقيل له: ما بلغ من عشقك لها؟ فقال: كنت أرى القمر على سطحها أحسن منه على سطوح الناس.
من جرى مع هواه طلقاً جعل للعذاب فيه طرقاً.
عبد الله بن رواحة:
سبتك بعيني جؤذر بخميلة ... وجيد كجيد الريم زيفه النظم
وأنف كحد السيف يشرب قلبها ... وأشنب رفاف الثنايا به ظلم
أعرابية في صفة العشق: خفي أن يرى، وجل أن يخفي، فهو كامن كمون النار في الحجر، إن قدحته ورى، وإن تركته توارى، وإن لم يكن شعبة من الجنون فهو عصارة السحر.
كثير:
وإني لأرضى منك يا عز بالذي ... لو أيقنه الواشي لقرت بلابله
بلا وبان لا أستطيع وبالمنى ... وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول ينقضي ... أواخره لا تلتقي وأوائله
يقال: سرقت فؤاده إذا عشقها، وتسللت مسالك الروح منه.
ويقال: ناط حبها بقلبي نائط، وساطه بدمي سائط.
أعرابي: لقد كنت آتيها عند أهلها، فيتجهمني لسانها، ويرحب بي قلبها.
ليلى العامرية في قيسها:
لم يكن المجنون في حالة ... إلا وقد كنت كما كانا
لكنه باح بسر الهوى ... وإنني قد ذبت كتمانا
ابن مرخية:
سألت سعيد بن المسيب مفتي ال ... مدينة هل في حب دهماء من وزر
فقال سعيد بن المسيب إنما ... تلام على ما تستطيع من الأمر
فقال سعيد: والله ما سألني أحد عن هذا، ولو سألني ما كنت أجيب إلا به.
كان الهوى فيما مضى أن يسر أحدهم بلبان مضغته حبيبته، أو بسواك استاكت به. واليوم يطلب أحدهم الخلوة الصحيحة، كأنه قد أشهد على نكاحها أبا سعيد وأبا هريرة.
مر مالك بن دينار بدار ليلا، وإذا قائل يقول:
يا سيدي قد جاءك المذنب ... يرجو الذي يرجوه من يعتب
فاصفح له عن ذنبه منعماً ... وهب له منك الذي يطلب
فوقف مالك يتسمع ويبكي، والقائل يردد البيتين بصوت حزين. فلما قارب السحر قال:
يا ناصباً معانه فننسه ... إليك من مقلتك المهرب
فقال مالك: يا فاسق! إنما كان تضرعك لغير الله، ومضى.
هوي أحمد بن أبي عثمان الكاتب جارية لزبيدة اسمها نعم، حتى مرض ونهك، وقال فيها أبياتاً منها:
وإني ليرضيني الممر ببابها ... واقنع منها بالشتيمة والزجر

فوهبتها له.
زبان بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم:
علق القلب مهاة طفلة ... من بني عبد مناف في اللباب
وبنو زهرة أخوال لها ... وبنو الأصبغ أولاد الرباب
من ذرى كلب وكلب هامة ... من معد في المعالي والروابي
جمعتني وسليمى نسوة ... فاتكات من عدي بن جناب
المعتزل بالله:
بيضاء رود الشباب قد غمست ... في خجل ذائب بعصفرها
مجدولة هزها الصبا فغدت ... يشغل لحظ العيون منظرها
الله جار لها فما امتلأت ... عيني إلا من حيث أبصرها
أبو عبد الله الغواص:
قمر لم يبق مني حبه ... وهواه غير مقلوب قمر
خليد مولى العباس بن محمد الهاشمي شاعر الطاهرية:
أما والراقصات بذات عرق ... ومن صلى بنعمان الأراك
لقد أضمرت حبك في فؤادي ... وما أضمرت حباً من سواك
أطعت الآمريك بقطع حبلي ... مريهم في أحبتهم بذاك
فإن هم طاوعوك فطاوعيهم ... وإن عاصوك فاعصي من عصاك
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، رأى امرأة بالشام فأعجبته فقال:
تذكرت ليلى والسماوة دونها ... فما لابنة الجودي ليلى وماليا
وأن تعاطي قلبه حارثية ... تحل ببصري أو تحل الجوابيا
أعرابي:
أقول لعيس قد برى السير فيها ... فلم يبق منها غير عظم مجلد
خدي بي ابتلاك الله بالشوق والهوى ... وهاجتك أصوات الحمام المغرد
فطارت مراحاً خوف دعوة عاشق ... تجوب بي الظلماء في كل فدفد
فما ونت في السير ثنيت دعوتي ... فكانت لها سوطاً إلى ضحوة الغد
الفتح بن خاقان صاحب المتوكل:
أيها العاشق المعذب صابر ... فخطايا أخي الهوى مغفورة
زفرة في الهوى أحط لذنب ... من غزاة وحجة مسرورة
قال يوسف بن الماجشون أنشدت محمد بن المنكدر قول وضاح اليمن:
إذا قلت هاتي نوليني تبسمت ... وقالت معاذ الله من فعل ما حرم
فما نولت حتى تضرعت حولها ... وعرفتها ما رخص الله في اللمم
فضحك وقال: إن كان وضاح لفقيهاً في نفسه.
علي بن هشام فرخسرو وكان المأمون يزوره ويستأنس به ثم قتله:
يا موقد النار يذكيها فيخمدها ... برد الشتاء بأرواح وأمطار
قم فاصطل النار من قلبي مضرمة ... بالشوق تغن بها يا موقد النار
ويا أخا الذود قد طال الظماء بها ... ما تعرف الري من جدب وإقفار
رد بالعطاش على عيني وعبرتها ... تروى العطاش بدمع واكف جاري
عبد الرحمن القارىء القس:
قد كنت أعذل في الصبابة أهلها ... فاعجب لما تأتي به الأيام
فاليوم أعذرهم وأعلم أنما ... سبل الضلالة والهدى أقسام
برمة النحوي:
يا طيب مرعى مقلة لم تخف ... بوجنتيه زجر حراس
حلت بخد لم يغض ماؤه ... ولم تخضه أعين الناس
كشاجم.
فلم يزل خدها ركناً ألوذ به ... والخال في صحنه يغني عن الحجر
الخيزرزي:
لو أبصر الوجه منه منهزم ... يطلبه ألف فارس وقفا
عن عمر بن أبي ربيعة: كنت بين امرأتين، هذه تسارني، وهذه تعضني، فلما شعرت بعضة هذه من لذة سرار هذه.
ريسان العذري:
لو حز بالسيف رأسي من مودتها ... لطار يهوى سريعاً نحوها راسي
وسمع به ابن أبي ربيعة بعد ما تنسك ولبس الصوف، فقال: أحسن والله، وتحرك وقال: تالله لقد هجتم علي ساكناً.
محمود بن مروان بن أبي حفصة:
يدمي الحرير جلودهن وإنما ... يكسين من حلل الحرير رقاقها

باب
العقل، والفطنة، والشهامة، والرأي، والتدبير
والتجارب، والنظر في العواقب النبي صلى الله عليه وسلم: ما أودع الله عبداً عقلاً إلا استنقذه به يوماً ما.
وعنه عليه السلام: العقل نور في القلب يفرق به بين الحق والباطل.

أنس رضي الله عنه: قيل يا رسول الله، الرجل يكون حسن العقل كثير الذنوب، قال: ما من آدمي إلا وله ذنوب وخطايا يقترفها، فمن كانت سجيته العقل، وغريزته اليقين، لم تضره ذنوبه. قيل: كيف دلك يا رسول الله؟ قال: لأنه كلما أخطأ لم يلبث أن تدارك ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه، فيمحو ذنوبه، ويبقى له فضل يدخل به الجنة.
وعنه: أثنى قوم على رجل عند رسول الله حتى بالغوا في الثناء بخصال الخير، فقال رسول الله: كيف عقل الرجل؟ فقالوا: يا رسول الله، نخبرك عنه باجتهاده في العبادة وأصناف الخير، وتسألنا عن عقله! فقال نبي الله: إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنما يرتفع العباد غداً في الدرجات، وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم.
الحسن: كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده.
عامر بن عبد قيس: إذا عقلك عقلك عما لا يعنيك فأنت عاقل.
قال عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث: ما رأيت عقول الناس متقاربة، إلا ما كان من الحجاج وأياس.
علي بن عبيدة: العقل ملك، والخصال رعيته، فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها. فسمعه أعرابي فقال: هذا كلام يقطر عسله.
معن بن زائدة: ما رأيت قفا أحد إلا عرفت عقله. قيل: فإن رأيت وجهه؟ قال: ذاك حينئذ كتاب أقرأه.
فيلسوف: عقل الغريزة سلم إلى التجربة.
أيدي العقول تمسك أعنة الأنفس.
كل شيء إذا كثر رخص غير العقل، فإنه إذا كثر غلا.
لينذر من كان حياً، قيل من كان عاقلاً.
العاقل بخشونة العيش مع العقلاء آنس منه بلين العيش مع السفهاء.
برزجمهر: لا شرف إلا شرف العقل، ولا غنى إلا غنى النفس.
أعرابي: العاقل متصفح، والجاهل متسمح.
وصف المعلى بن أيوب ابن الزيات فقال: كأنه لسان حية من ذكائه.
قال أبو العيناء لرجل: والله ما فيك من العقل إلا بمقدار ما تجب به الحجة عليك، والنار لك.
أعرابي: لو صور العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صور الحق لأضاء معه الليل، وإنك من كليهما لمعدم.
العاقل من كان له على جميع شهوته رقيب من عقله.
من لم يؤسس عقله على التقوى فلا عقل له.
يعيش العاقل بعقله حيث كان، كما يعيش الأسد بقوته حيث كان.
كل شيء يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى التجارب.
إذا لم يكن للمرء عقل فإنه ... وإن كان ذا مال على الناس هين
ومن كان ذا عقل أجل بعقله ... وأفضل عقل عقل من يتدين
المهلب: لئن أرى لعقل الرجل فضلاً على لسانه أحب إلي من أرى للسانه فضلاً على عقله.
لقمان: غاية الشرف والسؤدد حسن العقل، فمن حسن عقله غطى عيوبه، واصلح مساوئه، ورضي عنه مولاه.
علي رضي الله عنه: العاقل من وعظته التجارب.
كان يقال: الأريب العاقل الفطن المتغافل.
نعوذ بالله من أن نكون ممن عقله صديق مقطوع، وهواه عدو متبوع.
لفلان من عقله رقيب على شهوته، يهديه إلى الهدى، ويرده عن الردى.
قيل لحكيم: متى عقلت؟ قال: حين ولدت، فلما رأى إنكارهم قال: أما أنا فقد بكيت حين جعت، وطلبت الثدي حين احتجت، وسكت حين أعطيت. يعني من عرف مقادير حاجاته فهو عاقل.
أحلام عاد مثل عند العرب في رجاحة العقول؛ قاسوا عقولهم على أجسادهم فاسترجحوها. قال:
وأحلام عاد لا يخاف جليسهم ... وإن فطن العوراء غرب لسان
ابن المعتز: ما أبين وجوه الخير والشر في مرآة العقل إن لم يصدقها الهوى.
العاقل يروي ثم يروي، ويخبر ثم يخبر.
أردشير بن بابك: من لم يكن عقله أغلب خلال الخير عليه كان حتفه في أغلب خلال الشر عليه.
أردشير بن هرمز: العاقل من ملك عنان شهوته.
بطليموس: كل عمل يأذن فيه العقل فهو صواب. وعنه: العاقل لا يشرب السم اتكالاً على ما عنده من الترياق.
ملك الخزر: إذا شاورت العاقل صار عقله لك.
قال المنذر لابنه النعمان فيما أوصاه به: دع الكلام وأنت عليه قادر، وليكن لك من عقلك خبيء ترجع إليه أبداً؛ قال النعمان: مرني بأمر جامع، قال: الزم الحزم والحياء.
ذو العقل لا تبطره المنزلة السنية، كالجبل لا يتزعزع وإن اشتدت عليه الريح. والسخيف تبطره أدنى منزلة، كالحشيش تحركه أدنى ريح.
قال الحجاج لابن القرية: من أعقل الناس؟ قال: من يحسن المداراة مع أهل زمانه.
حكيم: العقل والتجربة في التعاون بمنزلة الماء والأرض، لا يطيق أحدهما دون الآخر انباتاً.

العتبي: العقل عقلان، عقل تفرد الله بخلقه، وعقل يستفيده الرجل بأدبه وتجربته، ولا سبيل إلى العقل المستفاد إلا بصحة العقل المركب في الجسد، فإذا اجتمعا قوى كل واحد منهما صاحبه تقوية النار في الظلمة ضوء البصر.
المأمون: إذا أنكرت من عقلك شيئاً فاقدحه بعاقل.
قيل لعلي رضي الله عنه: صف لنا العاقل، فقال: هو الذي يضع الشيء مواضعه. قيل: فصف لنا الجاهل، قال: قد فعلت. يعني الذي لا يضع الشيء مواضعه.
وعنه: الحلم غطاء ساتر، والعقل حسام قاطع، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك.
حكيم: اجعل سرك إلى واحد، ومشورتك إلى ألف.
لن يعدم المشاور مرشداً، والمستبد برأيه موقوف على تداحض الزلل.
أعرابي: من لم تسمه التجارب دبت إليه العقارب.
العرب: بر تخبر.
أبو بكر رضي الله عنه: أفضل الناس عند الله من عز به الحق، وانتشر عنه الصدق، ورتق برأيه الفتق.
عبد الملك بن مروان: لأن أخطىء وقد استشرت أحب إلي من أن أصيب وقد استبددت.
ذكر أعرابي رجلاً فقال: كان الفهم منه ذا أذنين، والجواب ذا لسانين.
فيلسوف: من عرف التجارب طابت له المشارب.
الفضل بن سهل: الرأي يسد ثلم السيف، والسيف لا يسد ثلم الرأي.
دخل أحمد بن يوسف على المأمون، وعريب تغمز رجله، فخالسها النظر، وأومأ إليها بقبلة، فقالت: كحاشية البرد، فلم يدر ما قالت فحدث به محمد بن بشير فقال: أنت تدعي الفطنة يذهب عليك مثل هذا؟ أردات طعنة، ذهب إلى قول الشاعر:
رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة ... كحادية البرد اليماني المسهم
الجعجاع الأزدي:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... بحزم نصيح أو نصيحة حازم
ولا تحسب الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي قوة للقوادم
وخل الهوينى للضعيف ولا تكن ... نؤوماً فإن الحزم ليس بنائم
وأدن من القربى المقرب نفسه ... ولا تشهد الشورى امرءً غير كاتم
وما خير كف أمسك الغل أختها ... وما خير سيف لم يؤيد بقائم
فإنك لا تستطرد الهم بالمنى ... ولا تبلغ العليا بغير المكارم
النبي صلى الله عليه وسلم: المستشار معان.
وصف أعرابي رجلاً فقال: يشرق بعزم لا يوجد معه خطب، ويومض بصواب لا يلتبس عنده صعب، حتى يغادر المستعجم معجماً والمشكل مشكولاً.
أدخل الركاض وهو ابن أربع سنين إلى الرشيد ليتعجب من فطنته، فقال له: ما تحب أن أهب لك؟ قال: جميل رأيك، فإني أفوز به في الدنيا والآخرة؛ فأمر له بدنانير ودراهم، فصبت بين يديه، فقال: اختر الأحب إليك، فقال: الأحب إلى أمير المؤمنين، وهذا من هذين وضرب بيده إلى الدنانير. فضحك الرشيد وأمر بضمه إلى ولده، والإجراء عليه.
الحازم لا تدهش له عزيمة، ولا تكهم له صريمة.
برزجمهر: إن الحازم إذا أشكل عليه الرأي بمنزلة من أضاع لؤلؤة فجمع ما حول مسقطها من التراب ثم التمسها حتى وجدها، وكذلك الحازم يجمع وجوه الرأي في الأمر المشكل، ثم يضرب بعضها ببعض حتى يخلص الرأي.
هجين عاقل خير من هجان جاهل.
فيلسوف: لا رأي لمن تفرد برأيه.
عبد الله بن وهب الراسبي: دعوا الرأي يغب، فإن غبوبه يكشف لك عن محضه. وقال: استفتحوا باب الرأي بالاستخارة.
ابن المقفع: ما رأيت حكيماً إلا وتغافله أكثر من فطنته.
قيل لبرز جمهمر: من أكمل الناس؟ قال: من لم يجعل سمعه غرضاً للفحشاء، وكان الأغلب عليه التغافل.
حكيم: المشورة موكل بها التوفيق لصواب الرأي.
أعقل الرجال لا يستغني عن مشاورة ذوي الألباب، وأفره الدواب لا يستغني عن السوط، وأورع النساء لا تستغني عن الزوج.
الحسن: الناس ثلاثة، فرجل رجل، ورجل نصف رجل، ورجل لا رجل؛ فأما الرجل فذو الرأي والمشورة، وأما نصف الرجل فالذي له رأي ولا يشاور، وأما الرجل الذي ليس برجل فالذي لا رأي له ولا يشاور.
إني أتيح لها حرباء تنضبة ... لا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقا
تضرب للحازم. ونحوه أن رجلاً شكا إلى أخيه قلة مرفقه في عمله، واستشاره في التقصي، فقال: إن كلباً لقي كلباً في فمه رغيف محترق، فقال: ويحك ما أردأ هذا الرغيف! قال: نعم، لعنة الله عليه وعلى من يتركه حتى يجد خيراً منه.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للحطيئة: كيف صبرتم على حرب بني ذبيان وهي أضعافكم في العدد؟ قال: كان فينا ألف حازم؛ قال: وكيف كان فيكم ألف حازم؟ وهل كان في عبس وغطفان هذا؟ قال: كان فينا قيس بن زهير.
كان بعض الماضين إذا استشير قال لمشاوره: أنظرني أصقل عقلي. يومه.
قال المنصور لولده: خذ عني ثنتين: لا تقل بغير تفكير، ولا تعمل بغير تدبير.
طاهر بن الحسين.
اعمل صواباً تنل بالحزم مأثرة ... فلن يذم لأهل الحزم تدبير
فإن هلكت مصيباً أو ظفرت به ... فأنت عد ذوي الألباب معذور
وإن ظهرت على جهل وفزت به ... قالوا جهول أعانته المقادير
أنكد بدنيا ينال المخطئون بها ... حظ المصيبين والمقدور مقدور
إبراهيم التيمي: مثلت نفسي في النار أعالج أغلالها وسعيرها وزقومها وزمهريرها، فقلت: يا نفس أيش تشتهين؟ قالت: ارجع إلى الدنيا فأعمل عملاً أنجو به من هذا العذاب، ومثلتها في الجنة مع حورها ألبس من سندسها وحريرها، فقلت: أيش تشتهين؟ قالت: أن أرجع فأعمل عملاً أزداد به الثواب. فقلت: فأنت في الدنيا وفي الأمنية فاعملي.
فضيل: المشورة فيها بركة، وإني لأستشير حتى هذه الحبشية الأعجمية.
ابن عيينة: كان رسول الله إذا أراد أمراً شاور فيه الرجال، وكيف يحتاج إلى مشاورة المخلوقين من الخالق مدبر أمره؟ ولكنه تعليم منه ليشاور الرجل الناس وإن كان عالماً.
أعرابي: لا مال أوفر من العقل، ولا فقر أعظم من الجهل، ولا ظهر أقوى من المشورة.
أكثم بن صيفي: في الاعتبار غنى عن الاختبار.
الرأي الفذ كالخيط السحيل، والرأيان كالخيطين المبرمين، والثلاثة مرائر لا تكاد تنقض.
لقمان: يا بني، إذا أردت أن تقطع أمراً فلا تقطعه حتى تستشير مرشداً.
وفي وصية علي رضي الله عنه: يا بني، إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمارهم، وفكرت في أخبارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما أنتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، واستخلصت لك من كان أمر نخيله، وتوخيت جميله، وصرفت عنك مجهوله.
عمر رضي الله عنه: لا أمين إلا من خشي الله، فشاور في أمرك الذين يخشون الله.
له رأي كالسهم أصاب غرة الهدف، ودعاء كالبحر بعد غور وقرب مغترف.
شاعر
وقد يتغابى المرء في عظم أمره ... ومن تحت برديه المغيرة أو عمرو
آخر
شاور نفسي طمع وخيبة ... تقول هاتي لا وهاتيك بلى
من بدأ بالاستخارة وثني بالاستشارة فحقيق أن لا يقبل رأيه.
له دراية مستقاة من حنكة.
سلمة بن عياش: قال لي رؤبة: ما كنت أحب أن أرى في رأيك فيالة.
إذا حلت المقادير ضلت التدابير.
من نظر من المغاب ظفر بالمحاب. من اشتدت عزائمه اشتدت دعائمه.
الرأي السديد أحمى من الأيد الشديد.
أبو القاسم الهرندي.
وما ألف مطرور السنان مسدد ... يعارض يوم الروع رأياً مسددا
كأن السرور حجر على كل ذي حجر.
ذكر المأمون ولد علي رضي الله عنه فقال: أيدوا بتدبير الآخرة وحرموا تدبير الدنيا قيل للأحنف بم سدت قومك؟ قال: بحسب لا يطعن فيه ورأي لا يستغنى عنه.
إذا غلب العقل الهوى صرف المساوىء إلى المحاسن، فجعل البلادة حلماً، والحدة ذكاء، والمكر فطنة، والهذر بلاغة، والعي صمتاً، والعقوبة أدباً، والجبن حذراً، والإسراف جوراً.
كان يقال: من أجهد رأيه، واستخار ربه، واستشار صديقه، فقد قضى ما عليه، ويقضي الله في أمره ما أحب.
عمر رضي الله عنه: ما تشاور قوم قط إلا هدوا إلى رشد أمرهم.
قال بعض العرب لابنه: يا بني، إن أباك أهدى من القطا، ومن دعيميص الماء، ومن الطير في الهواء، قد حلب الدهر أشطره، وعرف أعاجيب الدهور، وغوامض التدبير، وأخذ عن النساك والفتاك، وبات في الفقر مع الوعول، وتزوج السعلاة، وجاور الغول، ودخل في كل باب، وجرى مع كل ريح، وامتحن في السراء والضراء، وجالس السلاطين والمساكين، ومثلت له التجارب عواقب الأمور.
سليمان عليه السلام: يا بني، لا تقطع أمراً حتى تأمر مرشداً، فإذا فعلت فلا تحزن.

أحزم الناس رجلان: رجل وسع عليه الله في الدنيا فشكر ليوسع عليه الله في الآخرة، ورجل ضيق الله عليه فصبر لئلا يضيق الله عليه في الآخرة.
بهمن بن أسفنديار: تجريب المجرب تضييع الروزمار.
أبو بكر رضي الله عنه: ليكن الإبرام بعد التشاور، والصفقة بعد التناظر.
علي رضي الله عنه: خاطر من استغنى برأيه.
المعتصم: إذا نصر الهوى خذل الرأي.
الهند: المستشير وإن كان أفضل رأياً من المشير فإنه يزداد برأيه رأياً، كما تزداد النار بالسليط ضوءاً.
لما قتل المنصور أبا مسلم قال لصاحب شرطه نصر بن مالك: استشارك أبو مسلم في القدوم علي فأشرت عليه أن لا يفعل. قال: سمعت إبراهيم الإمام يحدث عن أبيه: لا يزال الرجل يزاد في رأيه ما نصح لمن استشاره.
أحمد بن موسى السلمي من بني الشريد:
إذا خصلتان أشكل الرأي فيهما ... فسعيك في شعب التي هي أجمل
ورأيك من رأي المشيرين كلهم ... غداة اختلاف الرأي أرأى وأعدل
علي رضي الله عنه: ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله تعالى.
وعنه: من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها عقولها.
أشجع السلمي:
رأي سرى وعيون الناس هاجعة ... ما أخر الحزم رأي قدم الحذرا
سمع محمد بن يزداد وزير المأمون قول القائل:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تترددا
فأضاف إليه:
وإن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلاً ... فإن فساد العزم أن تتقيدا
حبيب بن أوس الطائي:
ذهب الصواب برأيه فكأنما ... آراؤه اشتقت من التأييد
فإذا دجا خطب تبلج رأيه ... صبحاً من التوفيق والتسديد
محمود الوراق.
إن اللبيب إذا تفرق أمره ... فتق الأمور مناظراً ومشاورا
وأخو الجهالة يستبد برأيه ... فتراه يعتسف الأمور مخاطرا
الرشيد حين بدا له في تقديم الأمين على المأمون في العهد:
لقد بان وجه الرأي لي غير أنني ... غلبت على الأمر الذي كان أحزما
فكيف يرد الدر في الضرع بعدما ... توزع حتى صار نهباً مقسما
أخاف التواء الأمر بعد استوائه ... وإن ينقض الحبل الذي كان أبرما
آخر:
وما المرء منفوعاً بتجريب غيره ... إذا لم تعظه نفسه وتجاربه
آخر:
خليلي ليس الأمر في صدر واحد ... أشيرا علي اليوم ما تريان
محمد بن ذويب:
ويفهم قول الحكل لو أن ذرة ... تساود أخرى لم يفته سوادها
وصف رجل عضد الدولة فقال: له وجه فيه ألف عين. وفم فيه ألف لسان، وصدر فيه ألف قلب.
لقمان: يا بني، شاور من جرب فإنه يعطيك من رأيه ما قام عليه بالغلاء، وأنت تأخذه بالمجان.
أردشير بن بابك: أربعة تحتاج إلى أربعة: الحسب إلى الأدب، والسرور إلى الأمن، والقرابة إلى المودة، والعقل إلى التجربة.
الإسكندر: لا تستحقر الرأي الجزيل من الرجل الدنيء، فإن الدرة لا يستهان بها لهوان غائصها.
في الحديث: ما أوتي أحد فضلاً ولا عقلاً إلا احتسب عليه من رزقه.
مسلمة بن عبد الملك: ما ابتدأت أمراً قط بحزم فرجعت بلائمة على نفسي، وإن كانت العاقبة علي، ولا ضيعت شيئاً من الحزم فسررت به، وإن كانت العاقبة لي.
هنأ العتبى المهدي بالخلافة، فسأل عنه، فقيل هو من أولاد عتبة بن أبي سفيان، فقال: أو قد بقي من أحجارهم ما أرى؟ من قولهم رمي بحجر الأرض.

باب
العمل، والكد، والتعب، والشغل، والجد
والتشمير، والعزم، والنية، والكفاية، والكيس، والعجلة، والسرعة، والعدو، وحسن التأني في الأمور، وانتهاز الفرص النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل العمل أدومه وإن قل.
عائشة رضي الله عنها: كان عمله ديمة.
علي رضي الله عنه: قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه.
وعنه: أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه.
علي بن الحسين رضي الله عنه، لما مات فغسلوه وجدوا على ظهره محلاً مما كان يستقي لضعفة جيرانه بالليل، ومما كان يحمل إلى بيوت المساكين من جرب الطعام.

في التورية: حرك يدك افتح لك باب الرزق.
داود الطائي: أرأيت المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب؟ أليس يجمع آلته؟ فإذا أفنى عمره في جمع الآلة فمتى يحارب؟ إن العلم آلة العمل، وإذا أفنى عمره في جمعه فمتى يعمل؟ كان إبراهيم بن أدهم يستقي ويرعى، ويعمل بكراء، ويحفظ البساتين للناس والمزارع، ويحصد بالنهار، ويصلي بالليل.
النبي صلى الله عليه وسلم: تعلموا ما شئتم أن تعملوا، فلن ينفعكم الله بالعلم حتى تعملوا به، فإن العلماء همتهم الوعاية، وإن السفهاء همتهم الرواية.
ابن مسعود رضي الله عنه: كونوا للعلم وعاة، ولا تكونوا رواة، فإنه قد يرعوي ولا يروي، ويروي ولا يرعوي.
عيسى عليه السلام: ليس بنافعك أن تعلم ما لم تعمل، إن كثرة العلم لا يزيدك إلا جهلاً ما لم تعمل به.
مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر على الصفا.
شبيب بن سليم الأسدي: دخلنا على الحسن حجاجاً فدعا لنا، ثم قال: لعلكم من أصحاب السيوحات! قلنا: لا، قال: إياكم وإياهم، فإنه بلغني أن الرجل منهم يكتب خمسمائة حديث ثم يضيعها، ولا يعلم أن الله سائله عنها حرفاً حرفاً.
علي رضي الله عنه: جاء رجل إلى رسول الله فقال: ما ينفي عني حجة الجهل؟ قال: العلم، قال: فما ينفي عني حجة العلم؟ قال: العمل.
النبي صلى الله عليه وسلم: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها ثم تمنى على الله.
شر الأعمال ما كان عناؤه طويلاً وغناؤه قليلاً.
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة في لبن قبر إبراهيم ابنه فأمر أن تسد: وقال: أما إنها لا تضر ولا تنفع، ولكن العبد إذا عمل عملاً أحب الله أن يتقنه.
الأوزاعي: إذا أراد الله بقوم شراً أعطاهم الجدل ومنعهم العمل.
وما المرء غلا حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل
عمر بن عبد العزيز: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.
حكيم: ما شيء أحسن من عقل زانه علم، ومن علم زانه حلم، ومن حلم زانه صدق، ومن صدق زانه عمل، ومن عمل زانه رفق.
كتب علي خوان ذهب لبعض الملوك: لا عمل إلا العمل للثواب.
ألم تر أن الله قال لمريم ... وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزه ... جنته ولكن كل رزق له سبب
أكتل السدوسي.
صبراً خلاج فلا تعانق طفله ... شرقاً بها الجادي كالتمثال
حتى تلاقي في الكتيبة معلماً ... عمرو القنا وعبيدة بن هلال
صعصعة بن معاوية التميمي:
وللمجد حومات تلقاك دونها ... مهالك مقطوع عليها جسورها
عبد الله بن السائب: إن أعما الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى، فلا تحزنوا موتاكم.
وعن عباد الخواص أنه دخل على إبراهيم بن صالح وهو أمير فلسطين، فقال عظني، فقال أصلحك الله، بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم الموتى. فانظر ماذا تعرض على رسول الله من عملك. فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه.
وكان أبو أيوب الأنصاري يقول: اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملاً أخزى به عند عبد الله بن رواحة. وقد آخى بينهما رسول الله، ومات ابن رواحة قبله.
علي رضي الله عنه: كونوا بقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، فإنه لا يفل عمل مع التقوى، وكيف يقل عمل يتقبل.
بعضهم: صف عملك من الآفات وإن قل تسعد به في الدارين، ومن لم يتق الآفات في عمله فإنه لا يكاد يفلح وإن كثر اجتهاده، وإنما ارتفع القوم لاعتنائهم بإصلاح سرائرهم. فعند ذلك أمدهم الله بالنصر على الشيطان، وبصرهم مكايده، وصاروا من الأبطال، حتى أن الشيطان ليفر من ظل أحدهم.
مطرف: لأن يقول لي ربي لم تعمل أحب من أن يقول: لم عملت؟ الداراني: عمل الرجل مع رفيقه ومع أهله عمل في السر، لأنه لا يقدر أن يكتم منهما.
يقال: تفرقت بفلان شعب الدنيا، إذا كثرت أشغاله.
قال عبيد الله بن سليمان لأبي العيناء: اعذرني فإني مشغول. فقال: إذا فرغت لم أحتج إليك، وما أصنع بك فارغاً؟ وأنشد:
فلا تعتذر بالشغل عنا فإنما ... تناط بك الآمال ما اتصل الشغل
واعتذر بعض السلطانية إلى رجل بالشغل فقال: لا بلغت يوم فراغك.

قيل لروح بن حاتم: لقد طال وقوفك في الشمس؟ قال: ليطول وقوفي في الظل، وأنشد:
تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ... ولم تدرأني للمقام أطوف
أعرابية في ابنها:
لو ظمى القوم فقالوا من فتى ... يحلف لا يردعه خوف الردى
وبعثوا سعداً إلى الماء سدى ... في ليلة بيانها مثل العمى
بغير دلو ورشاء لاستقي ... أمر يهدي رايه رأي اللحى
من غلى دماغه في الصيف غلت قدره في الشتاء.
لقيط بن زرارة كان يرتجز يوم جبلة:
أين الشواء والنشيل والمرغف ... والقينة الحسناء والكأس الرعف
للضاربين الهام والخيل حنف
عمر بن حبيب كان إذا فرغ من تهجده قال: الرواح الرواح. السباق السباق، سبقتم إلى الماء والظل، إنه من يسبق إلى الماء يظمأ، ومن يسبق إلى الظل يضح.
وكان في بستان له مع غلامه فأذن المؤذن، فقال الغلام: الله أكبر أكبر، فقال: سبقتني إليها؟ أنت حر، ولك هذه النخلة.
شاعر
إن كلف السعي سعى ... وإن يقل قم يثب
عبيد بن عمير: ما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيما مضى.
ما في كل صدر اتساع، ولا في كل نفس اضطلاع.
عينه إليه ممدودة، وأذنه إلا عنه مسدودة.
مدح أعرابي رجلاً فقال: كان والله إذا نزلت به النوائب قام إليها، ثم قام بها ولم تقعد به علات النفوس.
شاعر
شعري إذا يهم بأمر ... لم يعرج لمتنبي أو لعلي
أبو مسلم صاحب الدولة:
أدركت بالجد والتشمير ما عجزت ... عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا
ما زلت أسعى بجهدي في دمارهم ... والقوم في ملكهم بالشام قد رقدوا
حتى ضربتهم بالسيف فانتبهوا ... من رقدة لم ينمها قبلهم أحد
ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ... ونام عنها تولى رعيها الأسد
إذا هم بأمر هان علاجه، وانفتح رتاجه.
فلان يستعير السيف حده، ويتعلم الليث جده.
فلان لا يجف لبده إذا لم يفتر.
هو في طلبه قاضي نذور.
أخف من حسوة طائر، ولفتة ناظر، ومن لمعة بارق وخلسة سارق أخف من جلسة منتهز، وخلسة مستوفز.
فلان لا يتزعزع عما يرتئيه، ولا يستنزل عما ينتويه.
تسنم ظهر مفخرة أنيخت ... لتركبها ولا تك بالهيوب
ما أدري على البرق سار أم على البراق؟ والشنفري هو أم ابن براق؟ أسرع من الماء منحدراً، ومن النجم منكدراً.
أسرع حتى ظله لا يلحقه.
لا يمس الأرض إلا تحليلاً وإيماءاً، ولا يطؤها إلا إشارة وإيماء.
برز على الغاية وقصب، وغبر في وجوه الخيل وحصب.
أعرابي:
برئت إلى الرحمن من كل صاحب ... أصاحبه إلا حماس بن ثامل
وظني به بين السماطين أنه ... سينجو بحق أو سينجو بباطل
لا يكاد يعدم الصرعة من عادته السرعة.
النبي صلى الله عليه وسلم: سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن.
قال عدي بن أرطأة لاياس بن معاوية: إنك لسريع المشية، قال: ذاك أبعد من الكبر، وأسرع في الحاجة.
كان الأسود بن يزيد صاحب ابن مسعود يجتهد في العبادة، ويصوم في الحر حتى يخضر جسده ويصفر، ويكاد لسانه يسود من ظمأ الهواجر، فيقول له علقمة: كم تعذب هذا الجسد؟ فيقول: إن الأمر جد يا أبا شبيل، الجد الجد.
ما جد قوم قط إلا جدوا.
المرء بكده، والفرس بشده، والسيف بحده.
قال عيسى عليه السلام لرجل: ما تصنع؟ قال: أتعبد، قال: فمن يعود عليك؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك.
عدا كلب خلف غزال فقال له: لن تلحقني، قال: لم؟ قال: لأني أعدو لنفسي، وأنت تعدو لصاحبك.
نظر رجل إلى ظبية ترود فقال له: هل تحب أن تكون لك؟ قال: نعم، قال: أعطني أربعة دراهم حتى أردها عليك، ففعل، فجعل يمحص في أثرها حتى أخذ بقرنها، فجاء بها وهو يقول:
وهي على البعد تلوي خدها ... تريغ شدي وأريغ شدها
كيف ترى عدو غلام ردها
شاعر
وقال من جد في امر يطالبه ... فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
من جد وجد وجد.
تقول العرب: فلان وثاب على الفرص.
الزق ما دام التنور حاراً. أي اطلب الأمر في ابان إمكانه.
ولو بت تقدح في ظلمة ... صفاة بنبع لا رويت نارا
حماس بن الأبرش الكلبي:

ولو بت تقدح في ظلمة ... صفاة بنبع لا وريت نارا
في كد البدن روح الروح.
يعمد الشغل لأوسع أوقاتي فيضيقه.
كتب مسلمة إلى أخيه الوليد من قسطنطينية:
أرقت وصحراء الطانة بيننا ... لبرق تلالا نحو غمرة يلمح
أزاول أمراً لم يكن ليطيقه ... من القوم إلا اللوذعي الصمحمح
شاعر:
نقل الجبال الرواسي من مواضعها ... أخف من رد نفسي حين تنصرف
لا أريد كدي ولو جعل العليون اقطاعي، والعالمون أتباعي.
شاعر
فلئن كفيت مهمها ... فلمثلها أعددت مثلك
علي رضي الله عنه حين أشير عليه بترك محاربة طلحة والزبير فقال: والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم حتى يصل إليها طالبها، ويختلها راصدها، ولكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه، وبالسامع المطيع العاصي المريب، حتى يأتي علي يومي.
شاعر
وما يرأب الصدع المهم لقومه ... من الناس إلا كامل وابن كامل
عمر رفعه: إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه.
الأعمال البهيمية ما عمل بغير نية.
قيل لبعض أهل الحديث حدثنا، فقال: حتى تحضر النية.
في نوابغ الكلم: أعمالك نية، لم تنضجها نية.
أنس رفعه: يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله.
خير الأعمال ما أثل المجد، وحصل الحمد.
بعضهم: العمل سعي بالأركان إلى الله، والنية سعي بالقلوب إلى الله، والقلب ملك، والأركان جنوده، ولا يحارب الملك إلا بالجنود، ولا الجنود إلا بالملك.
وقيل: النية جمع الهم في تنفيذ العمل للمعمول له، وأن لا يسمح له في السر ذكر غيره.
أوحى الله إلى نبي، قل لهم يخفوا إلى أعمالهم، وعلي أن أظهرها لهم.
عبد العزيز بن أبي رواد: لو كانت هذه الأعمال قرباناً تأكله النار إذن لم ترغبوا في كثرتها، ولكن في أتقاها، وأنقاها، وأهداها.
وعنه لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، فالخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.
الدنيا كلها ظلمات إلا موضع العلم، والعلم كله هباء إلا موضع العمل، والعمل كله هباء إلا موضع الإخلاص.
الشافعي رحمة الله عليه: اغتنموا الفرص، فإنها خلس أو غصص.
بهرام جور: إذا تقدم في الأعمال قبل وقتها انتفع بها في وقتها، وإذا عمل بها بعد وقتها لم ينتفع بها.
بشار بن برد كان في مجلس قوم فقال: لا تجعلوا يومنا حديثاً كله، ولا غناء كله، ولا شرباً كله، تناهبوا العيش تناهياً فإنما الدنيا فرص.
من ورد عجلاً صدر خجلاً.
غاضب المنذر بن الزبير أخاه عبد الله، فقدم على معاوية فأجازه بألف ألف وأقطعه ماله المعروف بمنذران بالبصرة.
ولما وقعت الحرب على ابن الزبير خاف يزيد أن يتصل بأخيه، فكتب إلى عبيد الله ابن زياد بالقبض عليه، فقال له عبيد الله: إن شئت اشتملت عليك فتكون نفسي دون نفسك، وإن شئت فاذهب حيث شئت. فخرج من البصرة فأصبح بمكة صبح ثامنة. فقال بعض من يرتجز معه:
قاسين قبل الصبح ليلاً منكرا ... حتى إذا الصبح انجلى فأسفرا
أصبحن صرعى بالكثيب حسرا ... لو يتكلمن شكون المنذرا
فسمع عبد الله صوت المنذر على الصفا، وهو في المسجد الحرام، فقال: هذا أبو عثمان حاشته الحرب إليكم.
عمر رضي الله عنه: لو كنت أستطيع أن أقطع أبا موسى أعضاء فأفرقه في الأمصار لفعلت، لاجزائه عني.
قيل لبعض العمال في ضيافته: ما أنقى خبزك؟ قال: لا تغتروا ببياضه فإن في وسطه دماً. ثم قال: كم من سيف ضربت به في باب السلطان حتى ابيض خبزي.

باب
العز، والشرف، وعلو الخطر، والتقدم، والرياسة
والجاه، والهيبة، والاحتشام، والشهرة تميم الداري رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، بعز عزيز يعز الله به الإسلام، وذل ذليل يذل الله به الكفر.
علي رضي الله عنه رفعه: من نقله الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى أعناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس.

قيل للحسن بن علي رضي الله عنه: فيك عظمة، قال: لا بل في عزة، قال الله تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.
ابن أبي لبابه: من طلب عزاً بباطل أورثه الله تعالى ذلاً بحق.
النابغة الجعدي:
فإن كنت ترجو أن تحول عزنا ... بكفيك فانقل ذا المناكب يذبلا
وإني لأرجو أن أردت انتقاله ... بكفيك أن يأبى عليك وتنقلا
نصر بن سيار:
إن ينصرونا لا نعز بنصرهم ... أو يخذلونا فالسماء سماء
قال رجل للحسن: إني أريد السند فأوصني، قال: أعز أمر الله حيث ما كنت يعزك الله. قال: فلقد كنت بالسند وما بها أحد أعز مني.
سئل محمد بن الحنفية عن أعظم الناس خطراً، فقال: الذي لا يرى الدنيا كلها عوضاً من بدنه. ثم قال: إن أبدانكم هذه ليست لها أثمان إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها.
قدم البصرة بدوي فقال لخالد بن صفوان: أخبرني عن سيد هذا المصر، قال: هو الحسن بن أبي الحسن، قال: عربي أم مولي؟ قال: مولى، قال: وبم سادهم؟ قال: احتاجوا إليه في دينهم، واستغنى عن دنياهم، فقال البدوي: كفى بهذا سؤدداً! علي رضي الله عنه: ما أرى شيئاً أضر بقلوب الرجال من خفق النعال وراء ظهورهم.
فلان من حضان الشرف.
ابن الكلبي: كان عصام القائل:
نفس عصاماً سودت عصاما ... وعلمته الكسر والإقداما
وصيرته ملكاً هماما
مملوكاً اتصل بالرذال من أتباع النعمان، فلم يزل بارتفاع همته يندرج حتى اتصل بالنعمان واستولى على أمره، فقيل للنعمان في ذلك. فقال: ما أنا قدمته، وإنما قدمته الأخلاق السرية المجتمعة فيه.
الأهتم السعدي:
ولو أني أشاء كبت نفسي ... وعاداني شواء أو قدير
ولاعبني على الأنماط لعس ... عليهن المجاسد والحرير
ولكني إلى تركات قوم ... هم الرؤساء والنبل البحور
فضيل: ما عشق الروسة أخذ إلا حسد وبغي وطغى.
فضيل: ممن عشق الرياسة لم يفلح.
وعنه: لا يطلب الرياسة أحد إلا طلب عيوب الناس ومساوئهم، وكره أن يذكر عنده أحد بخير.
وعنه: ما كثر تبع أحد إلا كثرت شياطينه.
إبراهيم بن أدهم: كن ذنباً ولا تكن رأساً، فإن الذنب ينجو، والرأس يهلك.
كان الرجل يجلس إلى الحسن ثلاث حجج لا يسأله عن مسألة هيبة له.
في مالك بن أنس:
يأتي الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان
هدي التقي وعز سلطان التقى ... فهو المهيب وليس ذا سلطان
خالد بن صفوان: كان الأحنف يفر من الشرف والشرف يتبعه.
البني صلى الله عليه: قدموا قريشاً ولا تتقدموها، وتعلموا منها ولا تعلموها.
إن قريشاً وهي من خير الأمم ... لا يضعون قدماً على قدم
عبد الله بن عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده، فيوقف بين يديه، فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله.
قال رجل لقتيبة بن مسلم: أتيناك لا نرزؤك ولا ننكؤك ولكن نسألك جاهك. فقال: سألتم أثقل الأمور علي، والله إنا لنعطي أموالنا وقاية لوجوهنا.
محمد بن عبد السلام البغدادي:
واسوءتا لامرىء شيبته ... في عنفوان وماؤه خضل
راض بقوت المعاش متضع ... على تراث الآياء يتكل
لا حفظ الله ذاك من رجل ... ولا رعاه ما أطت الإبل
كلا وربي حتى يكون فتى ... قد نهكته الأسفار والرحل
مصمم يطلب الرياسة أو ... يضرب فتكاً بفعله المثل
حتى متى تخدم الرجال ولا ... تخدم يوماً لامك الهبل
أبو هريرة: عن صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كفى بالمرء فتنة أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا.
كان شبيب بن شيبة إذا ذكر عمرو بن عبيد تمثل:
إذا ما تراءاه الرجال تحفظوا ... فلم تنطق العوراء وهو قريب
أراد عاصم الخروج إلى البصرة، فقال للشعبي: ألك حاجة؟ قال: إذا أتيتها فبلغ الحسن سلامي، قال: ما أعرفه، قال: انظر إلى أجمل رجل في عينك، وأهيبهم في صدرك، فأقرته عني السلام.
هو أنور من ليلة البدر، وأشهر من يوم بدر.

الحسن: لقد صحبت أقواماً، إن الرجل لتعرض له الكلمة من الشهرة، لو نطق بها لنفعته ونفعت أصحابه، فما يمنعهم منها إلا مخافة الشهرة.
فضيل: كان إذا جلس إليه أربعة أو أكثر قام مخافة الشهرة.
ابن سيرين: لم يمنعني من مجالستكم إلا مخافة الشهرة، فلم يزل بي البلاء حتى أخذ بلحيتي، وأقمت على المصطبة، وقيل هذا ابن سيرين.
كان أيوب السختياني يخفي زهده، وما رئي أحد أشد تبسماً في وجوه الرجال منه، ودخلوا عليه فإذا على فراشه مجلس أحمر، فرفعوه فإذا خصفه محشوة بليف، وكان يقوم الليل، فإذا كان من آخر اليل يرفع صوته، يوهم أنه قام تلك الساعة. وكان يقول أهلكت المعرفة، والله إني أخاف أن أكون بها شقياً.
معمر رأيت قميص أيوب يكاد يمس الأرض، فقلت: ما هذا؟ قال: إنما كانت الشهرة فيما مضى في تذييلها، واليوم الشهرة في تقصيرها. وكان يقول للخياط: اقطع وأطل، فإن الشهرة اليوم في القصر.
النمري:
يقولون في بعض التذلل عزة ... وعادتنا أن ندرك العز بالعز
أبى الله لي والأكرمون عشيرتي ... مقامي على دحض ونومي على خز
ذكرت البيوتات عند هشام بن عبد الملك فقال: البيت ما كان له سالفة، ولاحقه، وعماد حال، ومساك دهر. فإذا كان كذلك فهو بيت قائم.
أراد بالسالفة ما سلف من شرف الآباء، وباللاحقة ما لحق من شرف الأبناء، وبعماد الحال الثروة، وبمساك الدهر الجاه عند السلطان.
اصطنع أنوشروان رجلاً، فقيل له: إنه لا قديم له. فقال: اصطناعنا إياه بيته وشرفه.
لي همة لو غرقت الدنيا فيها ما طلبت إلا بالغاصة، ولو كانت الليل ما تنفس فيها الصبح.
شاعر
ولي همة أسمو بها وعزيمة ... تبلغني أعلى من السرطان
إذا النفس لم تبعثك في طلب العلى ... فتلك من الأموات لا الحيوان
الأمير الصليحي:
ولي همة تعلو على كل همة ... ولي أمل يعلو على كل آمل
ولي صرخة تعلو على كل صرخة ... صليحية ليست بهبش القبائل
قيل للعتابي: فلان بعيد الهمة، قال: إذن لا تكون له غاية دون الجنة.
يقال: فلان بعيد المنزعة، أي الهمة.
أتى دكين الشاعر عمر بن عبد العزيز بعد ما استخلف يستنجز وعداً كان وعده إياه، قال: فقال لي يا دكين إن الله وضع بين جنبي نفساً نزاعة إلى معالي الأمور، نزعت إلى إمارة المدينة فرزقتها. ونزعت إلى إمارة الحجاز فنالتها، فنزعت إلى الخلافة فما حظيت بها قالت هي الفوز بالدنيا كلها، فتاقت إلى الآخرة وترقت بهمتها إلى الجنة، وما رزأت من أموال المسلمين شيئاً، وما عندي إلا الفا درهم، فأعطاني ألفاً وقال: خذها بارك الله لك فيها، فابتعت بها إبلاً وسقتها إلى البادية، فرمى الله في أدنابها بالبركة، ورزقني ما ترون.
يقال: همته ترمي به وراء سنه مرمى بعيداً.
بعضهم: إني لأعشق الشرف كما يعشق الجمال.
قال معاوية لعرابة بن أوس: أنت الذي يقول لك الشماخ:
رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين
فيم سدت قومك؟ قال: والله ما أنا بأكرمهم حسباً، ولا بأفضلهم نسباً، ولكني أعرض عن جاهلهم، وأسمح لسائلهم. فمن عمل عملي فهو مثلي، ومن زاد فهو أفضل مني، ومن قصر فأنا أفضل منه، قال معاوية: هذا والله الكرم والسؤدد.
مخرمة بن عبد الملك: ما رأيت من العلماء أهيب من الشافعي من بعيد، ولا أبر وأكرم منه من قريب.
هو في عيش غريض وجاه عريض.
الشعبي: كان درة عمر أهيب من سيف الحجاج. ولما جيء بالهرمزان ملك خوزستان أسيراً إلى عمر لم يزل الموكل به يقتفي أثر عمر حتى عثر عليه بالمسجد نائماً متوسداً درته. فلما رآه الهرمزان قال: هذا والله الملك الهني عدلت فأمنت فنمت: والله إني خدمت أربعة من ملوكنا الأكاسرة أصحاب التيجان فما هبت أحداً منهم هيبتي لصاحب هذه الدرة.
الأخطل في عبد الملك بن مروان:
وترى عليه إذا العيون رمقته ... سيما التقي وهيبة الجبار
تذاكروا أشراف الجاهلية في مجلس فيه عبد الله بن الزبير فقال: إن كنتم لابد فاعلين فاذكروا عبد الله بن جدعان، فما اقتسم الشرف إلا بعده.

أصاب الناس بالبصرة مجاعة، فكان ابن عامر يغذي عشرة آلاف ويعشي مثلهم، حتى تجلت الأزمة. فكتب إليه عثمان يجزيه خيراً، وأمر له بأربعمائة ألف معونة له على نوائبه، وكتب إليه: لقد رفعك السؤدد إلى مكان لا يناله إلا الشمس والقمر، فتوخ أن يكون ما أعطيت لله، فإنه لا شرف إلا ما كان فيه وله.
قال رجل لفضيل: عظني، قال: كن ذنباً ولا تكن رأساً حسبك.

باب
العلم، والحكمة، والأدب، والكتاب، والقلم
عن معاذ بن جبل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، ودراسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه عبادة، والبحث عنه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبيل الجنة، والمؤنس في الوحشة، والمحدث في الخلوة، والجليس في الوحدة، والصاحب في الغربة والدليل على السراء، والمعين على الضراء، والزين عند الأخلاء، والسلاح على الأعداء، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة، وفي الهدى أئمة، تقتص آثارهم، ويقتدى بأفعالهم، وينهى إلى رأيهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلاتها تستغفر، لهم، ويصلي عليهم كل رطب ويابس، حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها، والأرض وخزائنها، لأن العلم حياة القلب من الجهل، ونور الأبصار ومصابيحها في الظلمة، وقوة الأبدان من الضعف، وبالعلم يبلغ العبد منازل الأخيار في الدرجات العلى، ومجالسة الملوك في الدنيا، ومرافقة الأبرار في الآخرة. والفكر في العلم يعدل الصيام، ومذاكرته تعدل القيام، وبالعلم توصل الأرحام، وتفصل الأحكام، وبه يعرف الحلال والحرام. وبالعلم يعرف الله ويوحد، وبالعلم يطاع ويعبد. والعلم إمام العقل هو قائده، يرزقه الله السعداء، ويحرمه الأشقياء.
عنه عليه السلام: يوزن مداد العلماء ودماء الشهداء يوم القيامة فلا يفضل أحدهما على الآخر، ولغدوة في طلب العلم أحب إلى الله من مائة غزوة. ولا يخرج أحد في طلب العلم إلا وملك موكل به يبشره بالجنة. ومن مات وميراثه المحابر والأقلام دخل الجنة.
علي رضي الله عنه: أقل الناس قيمة أقلهم علماً. وعنه: قيمة كل امرىء ما يحسنه.
موسى عليه السلام، قال: يا إلهي من أحب الناس إليك؟ قال: عالم يطلب عالماً.
كان يقال: تعلموا العلم وإن لم تنالوا به حظاً، فلئن يذم الزمان لكم أحسن من أن يذم بكم.
أنس بن أبي إياس:
يقولون أقوالاً ولا يعرفونها ... ولو قيل هاتوا حققوا لم يحققوا
بعض السلف: العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنجوم للأزمان. والنحو لللسان.
أعرابي:لا تقل فيما لا تعلم فتتهم فيما تعلم.
الخليل: من الأبواب ما لو شئنا أن نشرحه حتى يستوي في علمه القوي والضعيف لفعلنا، ولكنا نحب أن يكون للعالم مزية.
فيلسوف: أضرع لمن فوقك في العلم، ولمن دونك في الجهل.
أبو الحسن الجرجاني الخطيب: المتكلمون لسان الشرع، وسيف الدين، وبحر العلم، بهم ضرب الدين بجرانه. وبحججهم قهرت الطاغية، وبكلامهم حرس الملك، ولولا كتبهم واستنباطهم لكان هذا الأمر مزعزع الدعائم، محلول الشكائم. وقد علم أن الدهري ومن عداه من ذوي البدع المزخرفة، والمذاهب المختلفة، لا يزال ضاحكاً مهتزاً ما دام مكلمه ومناظره حشوياً، فإذا طلع متكلم عبس واكفهر، وضاق به ذرعاً وانجحر.
أبان بن تغلب: الإسناد في العلم كالعلم في المرط.
ثعلب: وددت أن الليل نهار حتى لا ينقطع عني أصحابي.
قال رجل لهشام بن الحكم: أنت أعلم الناس بالكلام، قال: كيف؟ ولم تكلمني، قال: رأيت كل حاذق يزعم أنه ناظرك وغلبك، فلولا أنك عندهم الغاية لما فخروا بذلك.
عمر بن عبد العزيز: ما شيء، كنت أحب علمه إلا علمته، إلا أشياء كنت أسمعها وأسأل عنها فبقي جهلها.
النبي صلى الله عليه وسلم: خيانة الرجل في علمه أشد من خيانته في ماله.
قيل لابن شبرمة، وكان كوفياً: أنتم أروى للحديث أم أهل البصرة؟ فقال: نحن أروى لأحاديث القضاء، وهم أروى لأحاديث البكاء.
العالم طبيب هذه الأمة، والدنيا داؤها، فإذا كان الطبيب يطلب الداء فمتى يبرىء غيره.
سئل الشعبي عن مسألة فقال لا علم لي بها، فقيل: ألا تستحي؟ فقال: ولم أستحي مما لم تستح منه الملائكة حين قالت لا علم لنا.

عنه عليه السلام: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رجلاً، وروي: كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.
وعنه: بين العالم والعابد مائة درجة، بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة.
علي رضي الله عنه: الحكمة ضالة المؤمن، فالتقفها ولو من أفواه المشركين.
منصور بن عمار: لا أبيع الحكمة إلا بحسن الاستماع، ولا آخذ عليها ثمناً إلا فهم القلوب.
استفتى أعرابي سفيان بن عيينة في مسألة فأفتاه عنها. فقال: أعن قدوة؟ قال: نعم، عن رسول الله، فقال: استسمنت القدوة، فاء الله لك بالرشد.
علي رضي الله عنه: خذ الحكمة أين كانت، فإن الحكمة تكون في صدر المنافق فتتلجلج في صدره حتى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن.
الخليل: يرتع الجهل بين الحياء والكبر في العلم.
سمع شعبة صرير الميل في الألواح فغضب وقال: أما تحفظون حديثاً واحداً! والله لا حدثت اليوم إلا ضريراً. فقال له رجل: يا أبا بسطام، قد سمعنا اليمين، فهل تتسامح معنا بأعور؟ فضحك وحدث، وكفر عن يمينه.
قال يوسف بن أسباط: رد أبو حنيفة على رسول الله أربعمائة حديث أو أكثر، قيل: مثل ماذ؟ قال: قال رسول الله: للفرس سهمان وللرجل سهم، قال أبو حنيفة: لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن. وأشعر رسول الله وأصحابه البدن، وقال أبو حنيفة: الأشعار مثلة. وقال: البيان بالخيار ما لم يتفرقا، وقال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار. وكان عليه السلام يقرع بين نسائه إذا أراد سفراً، وأقرع بين أصحابه، وقال أبو حنيفة: القرعة قمار.
نظر الخليل في فقه لأبي حنيفة، فقيل له: كيف تراه؟ قال: أرى جداً في طريق جد، ونحن في هزل وطريق هزل.
أتى أبي حنيفة رحمه الله إلى حماد يطلب الفقه، فقال: تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئاً حتى ينفتق لك العلم، ففعل ففقه حتى أشير إليه بالأصابع.
كان أبو حنيفة رحمه الله يقول: ما أتانا عن الله ورسوله فعلى الرأس والعين، وما أتانا عن الصحابة اخترنا أحسنه ولم نخرج عن أقاويلهم، وما أتانا عن التابعين فنحن رجال وهم رجال.
سأل الأعمش أبا حنيفة عن مسائل، فقال: من أين لك هذا؟ قال: مما حدثتنا به، فقال: يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة.
وكان أبو يوسف إذا سئل عن مسألة أجاب فيها وقال: هذا قول أبي حنيفة، ومن جعله بينه وبين ربه فقد استبرأ لدينه.
عبد الله بن داود: لا يتكلم في أبي حنيفة إلا أحد رجلين: إما حاسد لعلمه، وإما جاهل لا يعرف قدر جهله.
ونيل من أبي حنيفة فقال ابن داود: حدثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس: قال رسول الله يأتيكم أهل اليمن، هم أرق قلوباً، وألين أفئدة، يريد أقوام أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم.
وكان النووي إذا سئل عن مسألة دقيقة قال: لا يحسن أن يتكلم فيها إلا رجل قد حسدناه، ونعي إلى شعبة فقال بعدما استرجع: لقد طفيء عن أهل الكوفة أضواء نور أهل العلم، أما إنهم لا يرون مثله أبداً.
وفي ديوان المنثور: وتد الله تعالى الأرض بالأعلام المنيفة، كما وتد الحنيفية بعلوم أبي حنيفة. الأئمة الجلة االحنفية أزمة الملة الحنيفية.
الجود والحلم حاتمي وأحنفي، والدين والعلم حنيفي وحنفي. الشرائع بمسائلها، والشرايع بمسايلها.
علي رضي الله عنه: من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم.
حكيم: تصفح طلاب حكمك كما تتصفح طلاب حرمك.
لا تلبسوا اللئام ملابس الحكم، فإن أجسادهم أخشن من أن تتزين ببرودها، ورقابهم أذل من أن تتحلى بعقودها.
بشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري:
فلئن سألت ليخبرنك عالم ... والعلم ينفع أهله ما كانا
آخر:
إني رأيت الناس في عصرنا ... لا يطلبون العلم للعلم
إلا مباهاة لأصحابه ... وعدة للغشم والظلم
محمد بن خازم:
وذو اللب وقاف لدى كل مشكل ... ولا خير في التقليد حتى تفهما
العلم علمان: علم يرفع، وعلم ينفع، فالرافع هو الفقه في الدين. والنافع هو الطب.

رئي واصل بن عطاء رحمة الله عليه يكتب من فتى حديثاً، فقيل له: أتكتب من هذا؟ فقال: أما إني أحفظ له منه، ولكني أردت أن أذيقه كأس الرياسة، ليدعوه ذلك إلى الازدياد من العلم.
نظر مزبد إلى امرأته تصعد في الدرجة فقال: أنت طالق إن صعدت، وطالق إن وقفت، وطالق إن نزلت. فرمت بنفسها من حيث كانت. فقال لها: فداك أبي وأمي! إن مات مالك أحتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم.
كان المزني إذا فاتته صلاة صلى خمساً وعشرين صلاة تطوعاً، فقال له محمد بن إسحق بن خزيمة جلوسك مع أصحابك أفضل منها، لأن صلاتك لا تعدوك، وتعليمك يعدوك إليهم، فتعم بركاته، وتثمر عاقبته، قال: صدقت، ولكني أجمع بين الأمرين، ألقى عليهم المسألة فيعملون فكرهم فيها، وأنا آخذ في تطوعي. قال: ولكنك لو ألقيت عليهم المسألة، وأقبلت بوجهك إليهم لكنت معيناً لهم على استخراجها. قال: هو كما قلت.
بقي أبو يوسف على باب الرشيد حولاً لا يصل إليه، حتى وقعت واقعة، وهي أن الرشيد كان يهوى جارية لزبيدة، وحلفت أن لا تبيعها إياه ولا تهبها. فأعضلت على الفقهاء الفتيا. فسأل الربيع أن يعلمه بمكانه، ففعل، فقال: يا أمير المؤمنين، أفتيك وحدك أم بحضرة الفقهاء، ليكون الشك أبعد، واليقين أقعد؟ فاحضروا، فقال: المخرج منها أن تهب لك نصفها وتبيعك نصفها، فصدقوه. ثم قال: أريد أن أطأها اليوم. فقال: اعتقها ثم تزوجها فسري عنه، وعظم أمره عنده.
قال رجل لأفلاطون: كيف قويت على جمع هذا العلم كله؟ قال: أفنيت من الزيت في السراج أكثر من الشراب الذي شربته في عمري كله.
أحمد بن حرب: أبو حنيفة في العلماء كالخليفة في الأمراء.
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أفضلكم أفضلكم معرفة.
جالينوس: من أهل أثينة: أن من لم يعلم ولده لم يجب له على ولده حق الأبوة.
قال أبو عمرو بن العلاء: لم أزل أتلطف حتى التقى الخليل وابن المقفع، فرأيت أعجب اثنين، يخبر كل واحد منهما بما في ضمير صاحبه وكأنه قد اطلع على ما في نفسه. فتناظرا ملياً في فنون ثم افترقا. فسألت الخليل عن ابن المقفع فقال: ما رأيت مثله! إلا أن لسانه أكبر من معرفته. وسألت ابن المقفع عنه فقال: لم أر مثله إلا أن معرفته أكبر من لسانه.
تكثر من العلم لتفهم، وتقلل منه لتحفظ.
استودع العلم قرطاساً فضيعه ... فبئس مستودع العلم القراطيس
محمد بن علي بن عبد الله بن عباس: كفاك من علم الدين مالا يسع جهله وكفاك من علم من علم العربية أن تروي الشاهد والمثل.
لما أراد الإسكندر المضي إلى أقاصي البلاد قال لأرسطاليس: أوصني. قال: عليك بالعلم فاستنبط منه ما يحلو بألسنة الناطقين، ويحلو بآذان السامعين تنقد لك الرعية من غير حرب.
كان المهدي يشتهي الحمام، فدخل عليه غياث بن إبراهيم المحدث وهو مع الحمام، فقيل له: حدث أمير المؤمنين، فحدث بقوله عليه السلام: لا سبق إلا في خف أو حافر، وزاء فيه: أو جناح. فأمر له بعشرة آلاف درهم. فلما ولى قال: أشهد أنه قفا كذاب على رسول الله ولكنه أراد أن يتقرب إلي لولعي بالحمام، فذبحها كلها. وما أفلح غياث بعد ذلك.
حكيم: قويت الأجساد والمطاعم والمشارب، وقوت العقل الحكمة والعلم.
النبي صلى الله عليه: تعلموا العلم، وتعلموا له السكينة والحلم، ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم.
وعنه: ليس الملق من أخلاق المؤمن إلا في طلب العلم.
علي رضي الله عنه: أوضع العلم ما وقف على اللسان، وأرفعه ما ظهر في الجوانح والأركان.
قيل لكسرى: أيحسن بالشيخ التعلم؟ قال: من كان الجهل يقبح به فإن العلم ليحسن به.
العلم والعمل قرينان كاقتران الروح والجسد، لا ينتفع بأحدهما إلا مع الآخر.
شاعر
قد أدبر الأمر حتى ظل محتبياً ... أبو جبيرة يغنى وابن شداد
كان يزيد بن زريع إذا سمع أصحاب الحديث يخوضون في أبي حنيفة رحمه الله وكيف عظم شأنه قال: هيها، طارت بفتياه البغال الشهب.
النبي صلى الله عليه: هلاك أمتي في شيئين، ترك العلم، وجمع المال.
حكيم: علم المرء بأنه لايعلم أفضل علمه.
الخليل: كنت إذا لقيت عالماً أخذت منه وأعطيته.
قطع ظهري من الناس اثنان: عالم فاسق يصد عن علمه بفسقه، وجاهل ناسك يدعو إلى جهله بنسكه.

سأل رجل رسول الله عن أفضل الأعمال فقال: العلم بالله، والفقه في دينه، وكررهما عليه. فقال: يا رسول الله، أسألك عن العمل فتخبرني عن العلم؟ فقال: إن العلم لينفعك معه قليل العمل، وإن الجهل لا ينفعك معه كثير العمل.
المتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح.
عيسى عليه السلام: من علم وعمل وعلم عد في الملكوت الأعلى عظيماً. قال القاضي الإمام أبو يوسف عبد السلام بن محمد بن عبد السلام القزويني رحمه الله: فإذا كان عظيماً في ملكوت السماء مع كون الملأ الأعلى أغنياء عنه في دينهم فماأولاه في هذا الطمش الأسفل بأن يعظم مع أنهم محاويج إليه، وعيال عليه. وكان رحمه الله وغفر له إذا سلم في صلاته قال: اللهم اغفر لأبي حنيفة، اللهم اغفر لأبي حنيفة. وما قال هذا القول، ودعا هذا الدعاء إلا لأنه عريف من عرفاء الدين الرصين، وعريق من عرقاء العلم الأصيل، ولولا ذلك لمر على هذا الحديث مرور غيره ممن لا يأبه لنحو هذه اللطائف، التي لا يعقلها إلا أوحدي في طبقة الشيوخ، موصوف بينهم بالرسوخ.
وكانت العرب تقول للعالم العامل المعلم: الشارع الرباني.
أبو حنيفة رحمه الله: إني لأدعو الله لحماد فأبدأ به قبل أبوي.
قال ابن كناسة، وقيل ابن داود البلاذري:
ما من روى أدباً فلم يعمل به ... فكيف عادية الهوى بأديب
ولقلما تجدي إصابة صائب ... أفعاله أفعال غير مصيب
النبي صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقاً يلتمس علماً سلك به طريق الجنة.
الشعبي: ليتني أفلت من علمي كفافاً لا علي ولا لي.
الخليل: العلوم أقفال، والسؤالات مفاتيحها.
وعنه: زلة العالم مضروب بها الطبل، وزلة الجاهل يخفيها الجهل.
عمرو بن عبيد: لو كان العلم صورة ينظر إليها ما نظر الناس إلى شيء أحسن منها.
الخدري عنه عليه السلام: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: يا نبي الله، وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر.
قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي: إذا استطعت أن لا يكون أحد أسعد بما سمع منك فافعل.
كان مالك بن أنس إذا أراد أن يتحدث توضأ، وسرح لحيته، وجلس في صدر مجلسه بوقار وهيبة، تعظيماً لحديث رسول الله. ودخل إليه ليلة بعد ما أوى إلى فراشه قريبه إسماعيل بن أبي أويس ليحدثه، فقام وتوضأ وفعل نحو ذلك وحدثه، ثم نزع ثيابه وعاد إلى فراشه.
وأراد الرشيد أن يسمع منه الموطأ مع ابنيه، فاستخلى المجلس، فقال: إن العلم إذا منع منه العامة لم ينتفع به الخاصة، فأذن للناس فدخلوا.
وهب: كان أهل العلم يضنون بعلمهم عن أهل الدنيا فيرغبون فيه، ويبذلون لهم دنياهم، وأهل العلم اليوم بذلوا علمهم لأهل الدنيا، فزهدوا فيه، وضنوا عليهم بدنياهم.
وهب: ابذل علمك لمن يطلبه، وادع إليه من لا يطلبه، وإلا فمثلك مثل من أهديت إليه فاكهة فلم يطعمها ولم يطعمها حتى فسدت.
كتب وهب إلى مكحول: أما بعد فقد بلغني أنك أصبت بما ظهر من علم الإسلام محبة من الله وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين تمنعك من الأخرى. والسلام.
كان ملك يقتل الناس على أكل لحم الخنازير، فأتي بعالمهم معهم، وقد دس له الشرطي لحم جدي فلم يأكل، وقال: خفت أن يفتتن بي الناس ويحتربوا بسببي، وقتل.
وهب: أن للعلم طغياناً كطغيان المال.
طاووس: ما حمل العلم في مثل قراب الحلم.
مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا.
وعنه: إذا طلبت العلم لتعمل به كثرك العلم، وإذ طلبته لغير العمل لم يزدك إلا فقراً.
وقال: مثل قراء هذا الزمان كرجل نصب فخاً، فوقع عصفور قريباً منه، فقال للفخ: ما غيبك في التراب؟ قال: التواضع، قال: فلم اختفيت؟ قال لطول العبادة، قال: فما هذا الحب المصبوب؟ قال: أعددته للصائمين. قال: نعم الجار أنت. فلما غابت الشمس أخذ العصفور الحبة فخنقه الفخ فقال: إن كان كل العباد يخنقون خنقك فلا خير في العبادة.
وقال: يا حملة القرآن ما زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض.
عن محمد بن واسع: أخبرت أن قوماً دخلوا النار، فقال لهم أهلها: ما لكم؟ آذيتمونا بريحكم! قالوا: نحن قوم جعل الله في أجوافنا علمنا فلم ننتفع به.

سميط بن عجلان: يعمد أحدهم فيقرأ القرآن، ويطلب العلم، حتى إذا علمه أخذ الدنيا فضمها إلى صدره، وحملها فوق رأسه، فنظر إليه أحد ثلاثة: امرأة ضعيفة، وأعرابي جاف، وأعجمي جاهل، فقالوا: هذا أعلم بالله منا. لو لم ير في الدنيا ذخيرة ما فعل هذا، فرغبوا في الدنيا وجمعوها، فمثله كمثل الذي قال الله: ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون.
بديل بن ميسرة: من أراد بعلمه وجه الله أقبل الله بوجهه ووجوه العباد إليه، ومن أراد بعلمه غير وجه الله صرف الله عنه وجهه ووجوه العباد.
معاوية بن قرة: إذا دخلت المسجد فرأيت الرجل يجلس وحده فاجلس إليه، وإذا رأيته يحب أن يجلس إليه، ويقال حلقة فلان، فلا تجلس، ولا تنعم له عيناً.
واصل بن عطاء: من أتى عليه يوم لم يزدد فيه علماً فهو في نقصان. وكان عيسى بن حاضر يقول: رحم الله أبا حذيفة، فما رأيته إلا معلماً أو متعلماً.
وقالت أخت عمرو بن عبيد وكانت تحته: كان واصل إذا جنه الليل صف قدميه يصلي، ولوح ودواة موضوعان بين يديه، فإذا مرت به آية من كتاب الله فيها حجة على أهل الإلحاد والبدعة كتبها، ثم عاد في صلاته، كان ذلك دأبه حتى لحق بربه.
قال شبيب بن شيبة: ما رأيت في غلمان محمد بن الحنفية أكمل من عمرو بن عبيد فقيل له: متى اختلف عمرو بن عبيد إلى ابن الحنفية؟ فقال: إن عمراً غلام واصل، وواصل غلام محمد.
الحسن: لقيت أقواماً من أصحاب رسول الله يقولون: من عمل بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح. والعامل بغير علم كالسائر على غير طريق، فاطلبوا العلم طلباً لا يضر بالعبادة، واطلبوا العبادة طلباً لا يضر بالعلم.
عيسى عليه السلام: كيف يكون من أهل العلم من يسار به إلى آخرته وهو يقبل على دنياه، وما يضره أشهى إليه مما ينفعه؟ أيوب السختياني: أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علماً باختلاف العلماء.
مالك بن دينار: رحم الله مطراً كان عبدا العلم. يريد مطر بن صهمان الوراق قال محمد بن مسلم بن أبي الوضاح: خرج إلي المهدي يوماً وفي يده كتاب فقال: حفظه ابني، فإذا هي خطب فضل الرقاشي. وخرج يوماً وفي يده كتاب فقال: حفظه ابني، فإذا هي مسائل عمرو بن عبيد. وقال: هذا الكتابان بخط المنصور.
منصور بن عمار: إنه وجد رقعة فيها بسم الله الرحمن الرحيم فأكلها، فرأى كأنه قيل له: قد فتح الله عليك باب الحكمة لاختزانك الرقعة.
أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن ورد العتكي: لأن أزني ثلاثين مرة أحب إلي من أقول قال فلان، ولم أسمع منه. وقال: لأن أخر من السماء أحب إلي من أقول لشيء لم أسمعه قال فلان. وكان يقول: أن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة وعن صلة الرحم، فهل أنتم منتهون؟ كعب: أوحى الله إلى موسى عليه السلام: تعلم الخير وعلمه، فإني منور لمعلمي الخير ومتعلميه قبورهم حتى لا يستوحشوا بمكانهم.
مر الحسن بأبي عمرو بن العلاء، وحلقته متوافرة، والناس عكوف، فقال من هذا؟ قالوا: أبو عمرو بن العلاء، فقال: لا إله إلا الله، كاد العلماء أن يكونوا أرباباً.
هشام بن عبد الملك: تعلموا القرآن والنحو، فإن القرآن بلا نحو كالجسد بلا رأس.
سعيد بن جبير: لا يزال الرجل عالماً ما تعلم، فإذا ترك كان أجهل ما يكون.
سلام بن مسكين: سمعت أيوب يقول: لا خبيث أخبث من قارىء فاجر.
الخدري عنه عليه السلام: شر الناس رجل فاجر يقرأ كتاب الله لا يرعوي على شيء منه.
سئل الثوري: العلم أفضل أم الجهاد؟ فقال: ما أعلم شيئاً أفضل من العلم إذا صحت فيه النية. فقيل: يا أبا عبد الله، ما النية في العلم؟ قال: يريد الله ربه والدار الآخرة. وكان إذا لقي الشيخ سأله: هل سمعت من العلم شيئاً؟ فإذا قال: لا، قال: لا جزاك الله تعالى عن الإسلام خيراً.
أفلاطون: ليس كل إنسان بإنسان، إلا من كان في علمه وأدبه إنساناً.
فضيل: كان العلماء ربيع الناس، إذا رآهم الفقير لم يسره أنه غني، وإذا رآهم المريض لم يسره أنه صحيح.
الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه: إن أخوف ما أخاف على أمتي زلات العلماء، وميل الحكماء، وسوء التأويل.
وعنه: ثاني العلماء بركبتيك، ولا تمارهم فيمقتوك.

أنس: عنه عليه السلام: ألا أخبركم بأجود الأجواد؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الله أجود الأجواد، وأنا أجود ولد آدم، وأجودكم من بعدي رجل علم علماً فنشره، يبعث يوم القيامة أمة وحده، ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى قتل.
الثوري: كان يقال العالم الفاجر فتنة لكل مفتون.
فضيل: هما عالمان، عالم دنيا، وعالم آخرة، فعالم الدنيا علمه منشور، وعالم الآخرة علمه مستور، فاتبعوا عالم الآخرة، واحذروا عالم الدنيا.
وعنه: لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم، وشحوا على دينهم، وأعزوا هذا العلم وصانوه، وأنزلوه حيث أنزله الله تعالى، إذاً لخضعت لهم رقاب الجبابرة. وانقاد لهم الناس تبعاً. ولكنهم ابتذلوا أنفسهم، وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا، فهانوا وذلوا، ووجدوا لغامز فيهم مغمزاً. فإنا لله وإنا إليه راجعون، أعظم بها مصيبة! وللقاضي العلامة أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني، وقد أحسن كل الإحسان، كأنما نسجت في طراز حسان:
ولم أقض حق العلم إن كنت كلما ... بدا طمع صيرته لي سلما
فإن قلت جد العلم كاب فإنما ... كبا حين لم يحرس حماه وأسلما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فذل ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما
من لم يتعلم في صغره لم يتقدم في كبره.
عيسى عليه السلام: لا تطرحوا الدار تحت أرجل الخنازير.
فضيل: شر العلماء من يجالس الأمراء، وخير الأمراء من يجالس العلماء.
وعنه: لو علمت أن رجلاً يريد الحديث لله تعالى لأتيته في منزله وحدثته.
أبو هريرة: عنه عليه السلام: إن الفتنة تجيء فتنسف العباد نسفاً. وينجو العالم منها بعلمه.
كتب غيلان بن مسلم الدمشقي إلى أخ له: أما بعد فافرغ إلى العلم، ولا تفرغ منه، فإن العلم مسكن العاقل الذي عنه يصدر وإليه يرد.
بشر بن الحارث المروزي: أدوا زكاة هذا الحديث: قالوا: يا أبا نصر؟ كيف؟ قال: اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث.
لقمان لابنه: جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء.
وعنه: يا بني صر علمك كما تصر نفقتك، فلا تحدث به حتى تجد له موضعاً.
كان أبو حنيفة رحمه الله ينشد كثيراً:
من طاب العلم للمعاد ... فهو له أفضل العتاد
ويا لخسران طالبيه ... لنيل فضل من العباد
فضيل: أشدهم خشية لله أعلمهم به.
تشاجر قوم في مسجد البصرة، والمسجد مشحون برجالات العرب، فرضوا بالحسن البصري، وتحاكموا إليه. فقال الأحنف: كاد العلماء يكونوا أرباباً، وكل لم يوطد بعلم فإلى ذل يصير.
النبي صلى الله عليه: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطلبة العلم.
من عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار.
الزهري: تعلم سنة خير من عبادة سنتين.
قال أعرابي لعلي رضي الله عنه: رجحان النفوس في ضمائرها. فقال: صدقت يا أعرابي، قيمة كل امرىء ما يحسنه.
وعنه عن رسول الله: أقل الناس قيمة أقلهم علماً.
كان ابن مسعود إذا رأى طالبي العلم قال: مرحباً بكم ينابيع الحكمة ومصابيح الظلم، خلقان الثياب، جدد القلوب، ريحان كل قبيلة.
أبو بكر بن عياش: كنا عند الأعمش ونحن صبيان نكتب الحديث، فمر صديق له فقال: من هؤلاء؟ قال: هم الذين يحفظون عليك دينك.
علي رضي الله عنه: كفى بالعلم شرفاً أنه يدعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه؛ وكفى بالجهل ضعه أن يتبرأ منه من هو فيه، يعضب إذا نسب إليه.
النبي صلى الله عليه: ما أتى الله أحداً علماً إلا أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه أحداً.
أبو عبيدة: من أراد أن يأكل الخبز بالعلم فلتبك عليه البواكي.
جعلك الله ممن يطلب العلم رعاية لا رواية، ويظهر حقيقة ما يعلمه بما يعمله.
ثمرة الأدب العقل الراجح، وثمرة العلم العمل الصالح.
لحديثه سلاسل يقاد بها. أي أسانيد.
الحسن: قال له رجل: إني أجتهد أن أقوم الليل فلا أقدر، وأن أتصدق فلا أقدر؛ فقال: بئس ما أثنيت على نفسك! عليك بمجالسة العلماء، فإن صدأ القلوب لا يصقله إلا العلم.

عمر رضي الله عنه: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله وأنا شاهد فقال: يا رسول الله، إذا حضرت الجنازة وحضر مجلس عالم أيهما أحب إليك أن أشهده؟ قال: إذا كان مع الجنازة من يتبعها ويدفنها فإن حضور مجلس العالم لأفضل من حضور ألف جنازة.
الحسن: إنما أنزل الله هذا القرآن ليتفكروا فيه، ويعملوا به فاتخذ قوم تلاوته عملاً، يقول الرجل: قد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفاً. والله لقد أسقطه كله.
النبي صلى الله عليه وسلم: العالم والمتعلم في الأجر سواء، يأتيان يوم القيامة كفرسي رهان.
عمر: عنه عليه السلام: على باب الجنة شجرة تحمل ثماراً كثدي النساء، تخرج من تحتها عين ماء يشرب منها العلماء والمتعلمون مثل اللبن الحليب، والناس عطاش.
ابن مسعود: من تعلم باباً من العلم ليتعلمه الناس ابتغاء وجه الله أعطاه الله أجر سبعين نبياً.
ابن عمر: من تعلم باباً من العلم، عمل به أو لم يعمل. كان أفضل من أن يصلي ألف ركعة.
إنما كان الأنبياء أفضل من العلماء لأنهم أكثر علماً، لأن النفع بعلومهم أعظم، ومن ثم كان نبينا أفضلهم، لأن المنفعة بدعوته كانت أعظم منها بدعوتهم.
أنس: عنه عليه السلام: ويل لأمتي من علماء السوء، يتخذون العلم تجارة يبيعونها بيعاً، لا أربح الله تجارتهم.
قال عمار بن زياد للثوري: لئن سلمت من مجلسك ما أعلم أحداً في المصرين مثلك.
كان ثابت البناني يقول إذا أفتى: قد جعلت رقبتي جسراً للناس، ثم ترك الفتوى.
أبو عبد الرحمن العطوى المتكلم:
فوحق البيان يعضده البر ... هان في مأقط ألد الخصام
ما رأينا سوى الحبيب شيئاً ... جمع الحسن كله في نظام
لو قال: سوى الشريعة لكان أحسن.
علي رضي الله عنه لسائل سأله عن معضلة: سل تفقهاً ولا تسل تعنتاً، فإن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، وإن العالم المتعسف شبيه بالجاهل المتعنت.
فساد الخلق من عالم.
أنس: عنه عليه السلام: أخلصوا الله أعمالكم، وأعزوا الإسلام. قالوا: يا رسول الله، وكيف نعز الإسلام؟ قال: بالحضور عند العلماء لتعلم العلم بالرد على أهل الأهواء، فإن من رد عليهم وأراد به وجه الله فله عبادة أهل مكة منذ خلقت. قيل: يا رسول الله، فالمرائي يؤجر بعمله؟ قال: إن الله قضى على نفسه أن من أعز الإسلام،أراد به وجه الله أو لم يرد. فقد حرم النار على وجهه.
علي رضي الله عنه: أوضع العلم ما وقف على اللسان، وأرفعه ما ظهر على الجوارح والأركان.
للعلم دالة يتسحب بها الصغير على الكبير، والمملوك على المالك، ألا ترى أن الهدهد، وهو من محقرات الطير، قال لسليمان، وهو الذي أوتي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده: أحطت بما لم تحط به.
أبو عمرو بن العلاء: قيل لنا إن في دار فلان ناساً قد اشتملوا على سوء، وهم جلوس على خميرة، وعندهم طنبور. فدخلنا فإذا فتى جالس وسط الدار، وأصحابه شيوخ وهم بيض اللحى، وهو يقرأ عليهم دفتر شعر، فقيل لنا: السوءة في ذلك البيت، فقلت: لا والله لا كشفت فتى أصحابه شيوخ وفي يده دفتر علم، ولو كان في ثوبه دم يحيى بن زكريا عليه السلام.
فقه العبادلة مثل. وهم ابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، وابن عمرو بن العاص.
اشتهى أن أرى عالماً زاهداً، وزاهداً عالماً.
العلم أنفس ذخر أنت ذاخره ... من يدرس العلم لم تدرس مفاخره
أقبل على العلم واستقبل مقاصده ... فأول العلم إقبال وآخره
الدنيا بصفائح الزبر، والدين بصحائف الزبر.
علي رضي الله عنه قال لفتيان من قريش: يا بني ويا بني أخي إنكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلموا العلم، فمن لم يستطع أن يحفظه فليكتبه.
قيل لملك زال عنه ملكه: ما الذي سلبك ما كنت فيه؟ قال: العلم في غير أهله. ومنعه من أهله.
عيسى عليه السلام: لا تثبوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
العلم أصون لنفسه من أن يتصدى إلا لعاشق له.
حلية الخرائد الحلق في ذفاريها، وحلية الدفاتر الحلق في حواشيها. والمغاربة يقولون: الدرر في الطرر.
وقيل لأبي بكر الخوارزمي عند موته: ما تشتهي؟ قال: النظر في حواشي الكتب.